رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الحادي والتسعون
الفصل الواحد والتسعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الواحد والتسعون:
-آه يا حيوان يا مهزق، إيه اللي بتقوله ده يا متخلف، أنت اهطل يالا هي دي فكرة مجنونة؟؟ دي فكرة منيلة بستين نيلة مش نيلة واحدة، ده أنت عايز تخربها فوق دماغي أكتر ما هي خربانة.
هلل عابد بتلك الكلمات وهو يلكز جابر بذراعيه مغتاظًا منه بعد أن استمع لاقتراحه والذي رآه سيء وخاطئ ولا يجوز فعله بالمرة.
دفع جابر يده التي تلكزه، معقبًا على تطاوله عليه ورفضه لاقتراحه:
-والله ما حد حيوان ومهزق ومتخلف واهطل غيرك، ده أنا عايز مصلحتك.
-مصلحتي!! أنت عارف لو عملت اللي أنت بتقول عليه ده إيه اللي هيحصل؟
إلتوى جانب فمه وهو يجيب عليه ببساطة شديدة:
-هترجعوا لبعض طبعا، يا بني أنا أفكاري وخططي دايما ناجحين ومحدش عملهم يعني طازة، بس أنت اللي بومة.
وبعصبية وانفعال قال عابد وعينيه تتلفت حوله:
-ناجحين ومحدش عملهم مين ياض يا، مش عايز اشتمك، طب اعمل إيه؟؟ ابطحك بحاجة واسيح دمك ولا اعمل إيه بضبط..
نفخ جابر بتذمر وقال بزهق:
-اوف كل ده عشان قولتلك اخطفها كام يوم وأنت وشطارتك تقنعها ترجعوا، أومال لو كنت قولتلك اتمسكوا قاعدين لوحديكم وأبوها يقولك التار ولا العار كنت عملت فيا إيه؟
اغمض عابد جفونه وسحب نفسًا عميقًا يهدأ من روعه واعصابه التي انفلتت..
لحظات وكان يفتح جفونه ويتحدث معه بهدوء مفتعل:
-بص أنت أحسن حاجة متفكرش ومتقترحش، اللي بتقوله مينفعش يا استاذ يا محترم، يااللي بتصلي وتعرف ربنا.
هنا وانتبه جابر على أن اقتراحه لا يجوز بتاتًا ولم يكن عليه اقتراحه فلا يصلح أن يفعل شقيقه هذا ويتواجد معها بالأيام بمفردهم وبمكان مغلق عليهم فقد انفصلا ولم يعد له الحق بهذا.
بلل شفتاه وحاول إصلاح الأمر قائلًا:
-معاك حق فعلا مينفعش، انا لسه مكتشف حالا أني مهزق وحيوان ومتخلف واهطل وكل اللي أنت قولته، بس اقولك على حاجة جتلي فكرة أحلى ومش هتبقوا فيها لوحدكم.
هنا ولم يعد يتحمل عابد أن يسمع منه أكثر، والتفت بحركة سريعة يبحث عن حجارة يقذفه بها..وبالفعل التقط واحدة صغيرة تلاها أخرى وهو يصرخ عليه بصوت عالي ويركض خلفه لا يبالي بتلك الأعين من حولهم والمتابعة لما يحدث لهم:
-غور يالا من هنا مش عايز اسمع منك حاجة، أبو شكلك يا أخي.
صرخ جابر يخبره وهو يركض منه:
-اسمعني بس وربنا فكرة حلوة، وهتخليكوا تكلموا وهي تسمعك، اسمع بس متبقاش حمار بديل كدة.
______________________
ذهبت أبرار رفقة خالد و وسام إلى منزل عائلتها بعد أن وعدوا دلال التي كانت تمسك بهم بالعودة وتناول الغداء معهم..
فإلحاحها عليهم اجبرهم على الاستجابة لها وطمانتها وتأكيد عودتهم مرة أخرى.
وبعد ذهابهم، صاحت دلال موجهه حديثها لزوجها تأخذ مشورته:
-اعملكم غدا إيه يا سلطان؟ حابين تأكلوا إيه؟
رد عليها بعد أن أطلق تنهيدة:
-اللي يجي منك حلو يا أم أشرف.
تبادل ابنائه النظرات فلا يغيب عنهم مصالحتهم، وعودة سلطان للحديث معها مجددًا.
أردفت وعد الجالسة جوار أشرف مقترحة عليهم بلهفة:
-أنا شايفة أن مفيش داعي تتعب نفسها، وممكن نجيب
وقبل أن تسترسل قاطعتها دلال والتي خمنت ما هو قادم وما ستقترحه عليهم، قائلة:
-لا، مش ممكن نجيب، انا هعملكم بأيدي وهتأكلوا من أيدي أكل بيتي.
انزعج سلطان من مقاطعتها لوعد وتحدثها بتلك الطريقة، وظن بأنها تفعل هذا غيرة منها على ابنها أشرف والذي يدرك مدى حبها له، فطالعها بنظرات التقطتها وجعلتها تتلعثم محاولة تحسين طريقتها بالحديث، قائلة:
-على فكرة ممكن نجيب عادي بس مش النهاردة ممكن بعد كام شهر كدة، تمام؟
عقدت وعد ذراعيها أمام صدرها وعادت بظهرها للخلف، والتذمر يليح على محياها، مشتاقة إلى تلك الأسماك المُملحة وترغب بتناولهم..
تحركت دلال إلى المطبخ كي ترتب وتخرج ما ستفعله وستطهيه لهم فلحقت بها فجر ، داليدا، وكذلك وعد..
عقب نهوضهم، نهض أشرف هو الآخر مخرجًا هاتفه جالبًا رقم أخيه كي يرى أين هو ولما تأخر هكذا في جلب الطعام..
رد عليه جابر بعد ثواني:
-السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
-وعليكم يا سيدي، أنت فين؟ عوقت كدة ليه!
-عابد يا سيدي كلمني و روحتله ويارتني ما روحت واد مبيطمرش فيه حاجة ومبيفهمش ومبيتفاهمش، ومش عايز اتكلم عليه في غيابه اكتر من كدة، ومتقلقش أنا خلاص في الطريق أهو والفسيخ والرنجة معايا، وعابد كمان قدامي في عربيته أهو..
داخل المطبخ، وقفت دلال أمام الثلاث فتيات ترفض أي عون منهم قائلة برفض وإصرار:
-ما يلا بقى وجعتوا قلبي مش عايزة حد منكم يعمل حاجة ولا يساعدني في حاجة، انا هعمل كل حاجة، ولما اعوز حاجة هقولكم..
تحدثت فجر بطريقة مرحة:
-طيب بمناسبة حاجة فـ أنا عايزة اقول حاجة.
-لا تقولي ولا تفتحي بُقك، انا الطبخ وحشني ولما اعوز مساعدة منكم هقولكم، يلا بقى عطلتوني كفاية.
استجابوا لها على مضض وبدهشة من طلبها فـ لطالما قامت باستغلالهم على أكمل وجه، إذًا ما الذي حدث وتبدل هكذا!
خرجوا واتجهت كل من وعد وفجر نحو الصالون القابع به رجالهم فأسرع أشرف بالخروج مجددًا والإلحاق بوالدته داخل المطبخ كي لا تطهي شيء لا يبالي بحديث الفتيات وقصهم لرفض دلال مساعدتهم وذلك الشيء اسعد سلطان وظل يدعو لها بأن تظل على هذا الحال..
أما داليدا فلم تلج معهم بل توقفت عند رؤيتها لعودة نضال ودخوله من باب المنزل..
تقدمت منه تزامنًا مع مرور أشرف من خلفها قاصدًا المطبخ.
قائلة بهدوء شديد:
-كنت فين يا نضال؟
-في داهية.
قالها وهو على وشك التحرك، لا يرغب بالحديث معها أو رؤيتها فكل هذا يذكره بما فعلته به وكيف تلاعبت به وبمشاعره.
رفضت ذهابه و أعاقت تقدمه، واقفة أمامه، قائلة بطريقة يتخللها المرح محاولة تقليل تلك الحدة:
-طب مش كنت قولتلي كنت جيت معاك ومسبتكش روحت لوحدك.
برز فكيه، وقال من بين أسنانه:
-هو أنتِ تعرفي متكلميش معايا، عشان كل ما بتفتحي بُقك ده بتعصب ودمي بيفور أكتر..
كاد يمر فرفضت هذا ومنعت هذا مجددًا مغمغمة:
-مقدرش، وبعدين أنت قولتلي متكلمش معاك وإلا هتسبلي الاوضة وأحنا دلوقتي مش في الأوضة، إيه هتسبلي هنا كمان؟؟؟
وقبل أن يفتح فمه، مسكت بيده محاولة تصحيح ما فعلته:
-خلاص بقى يا نضولتي، حقك عليا، اعتبرني عيلة وغلطت، واصلا مكنتش اعرف أنك هتزعل كدة، ولا كنت فاكرة أنه ده اللي هيحصل.
رد عليها وهو ينفض يده من يدها متحدث بجدية شديدة امتزجت بعصبية:
-عشان حمارة مبتفكريش، عقلك مش شغال، ومتقوليش نضولتي دي، انا مش نضول حد..انا نضول نفسي.
ورغم عنها انطلقت ضحكة بسيطة خافضة، حاولت كبحها ولكنها فشلت..
اشتعل وجهه من ضحكها وقت غضبه وعصبيته، فقال:
-اقسم بالله انا غلطان أني واقف وبتساير معاكي اصلا، بت مستفزة.
تحرك تلك المرة بخطوات مندفعة، فسارت خلفه وهي تردد مبررة سبب ضحكتها:
-والله ما قصدي اضايقك، بس أنت شكلك كان عسل وقمر أوي.
التفت إليها مردد بانفعال واضح:
-أنا لا عسل ولا قمر، واسكتي يا داليدا اسكتي ومتحاوليش تكلمي معايا عشان مش هكلمك حتى لو اتنططي ولا حتى اتشقلبتي، هي دماغي قفلت خلاص…
داخل المطبخ وقف أشرف أمام والدته يحاول تعطيلها عن طهي أي شيء عن طريق الثرثرة والحديث عن أي شيء وكلما حاولت البدء كان يمنعها..
شعرت بالضجر وصاحت بوجهه:
-الله !! في إيه ما تسبني اعمل الاكل والحق اخلصه، ده على الحال ده مش هيبقى غدا ده هيبقى عشا..
حك أشرف مؤحرة رأسه يجيبها بمرح وببسمة جانبية:
-طب وماله عشا عشا، طب تعرفي
قاطعته متحدثة بتذمر:
-تعرف انت تسكت وتديني ضهرك وترحل من هنا، وإلا اقسم بربي سأمد يدي عليك الآن وفي الحال.
انتهت لتتسع عين أشرف وكذلك هي ما أن استوعبت حديثها بذات الطريقة الخاصة بـ جابر..فقالت بصدمة:
-يا مصيبتي !!! الواد جابر عداني…
تحدث أشرف يرجوها:
-لا ابوس ايدك، متتعديش كفاية هو، مش هيبقى أنتِ وهو..
لكزته بخفة قائلة بغيظ:
-ايه أنتِ دي يا قليل الأدب، ايه أنتِ دي اسمها حضرتك، أمك أنا ولا عيلة بتلعب معاك في الشارع، ويلا بقى برة مطبخي عطلتني بما فيه الكفاية..
زفر أشرف وحسم أمره ناطقًا بالحقيقة:
-طب بصي بقى وبصراحة ودوغري جابر جايب اكل معاه فمتتعبيش نفسك..
قطبت حاجبيها وقالت:
-ويجيب اكل ليه، هو أنا مش عجباكم؟! وبعدين جايب أكل إيه ده؟؟
رد بصوت يكاد لا يسمع:
-فسيخ و رنجة.
ضيقت عينيها ورددت:
-ما تعلي صوتك بتقول إيه؟؟؟ مش سامعة.
حمحم قبل أن يلقي نوع الطعام بوجهها وعلى مسامعها:
-فسيخ ورنجة ياما.
اتسعت عينيها وهللت:
-فسيخ ورنجة مين، عايز تاكل فسيخ ورنجة يا اشرف وأنت عريس؟؟ لا لا مش أنت اللي عايز دي وعد أكيد.
هز رأسه ينفي هذا، كي لا تشعر والدته بالحنق نحوها:
-لا مش هي، ده انا بجد، مش عارف ليه نفسي هفتني على الاكلة دي حتى الواد جابر زيي.
ضربت على صدره بهدوء معقبة:
-عشان معاتيه زي بعض، وكلوا اللي انتوا عايزينه بس متحكموش علينا وتجبرونا ناكل معاكم، انا هعمل الاكل واللي عايز ياكل منه ياكل واللي مش عايز براحته…
_____________________
-إيه ده !! جبت العلبة دي منين؟!
طرح عابد سؤاله على جابر والذي جاء بواحدة من العلب العائدة لمتجر الحلواني والذي تشاركا توزيعها..ليصبح ممسكًا بها بيد وبالأخرى الأسماك المُملحة المفضلة لوعد.
التوى ثغره ونظر للعلبة، قائلًا:
-حوشتها على جمب، وقولت نحلي بيها بعد الفسيخ والرنجة.
قلب عابد عينيه يحاول تمالك أعصابه التي على وشك أن تنفلت منه ولن يعد باستطاعته التحكم بها..
في ذات الوقت عاد خالد بصحبه أبرار وابنه الذي ما أن رأى جابر يتبادل الاحاديث مع عابد حتى قام بالاختباء خلف أبرار متمتم برفض:
-أنا مش عايز أدخل، أنا عايز امشي من هنا.
استمع جابر إلى صوت وسام، فاستدار برأسه فصاح مرحبًا بخالد وزوجته:
-يا ألف أهلا وسهلا، يا ارض اتهدي ده خالد معدي..
ابتسم له خالد بشر وسبق إبنه الذي بات متشبثًا بأبرار، متقدمًا من جابر وعلى الفور سارع بالقبض على تلابيبه متحدث من بين أسنانه:
-عملت ايه لابني يالا ها؟؟
-وربنا ما عملت حاجة، أنت قولت لابوك ايه يا كداب، أنت مش عارف أن الكداب بيخش النار.
رد وسام عليه من خلف أبرار مقلدًا طريقته:
-اهو أنت اللي كداب وستين كداب، وهتخش النار..
رد جابر بطفولية لا تليق بهيئته الرجولية:
-اهو أنت اللي كداب وستين كداب يالا مش انا..
ثم نظر لخالد قائلًا وهو يهز رأسه بأسف:
-انت هتكدبني انا وهتصدق مقصوف الرقبة ده؟؟
نطق خالد ولكن صوب حديثه لعابد:
-عابد الواد ده يلزمكم في حاجة؟؟
نفى عابد برأسه وهو يقول:
-والله ما يلزمنا ولو يلزمنا مش خسارة فيك.
بصق جابر على الأرض معقب على بيع شقيقه له:
-اتفو عليك وعلى اخويتك يا واطي بتبعني..خالد لو سمحت سيب هدومي هكرمش، والعلبة اللي في أيدي هتقع.
-مش هسيبك يا جابر، وهربيك على اللي عملته في ابني..
-يا جدع بقى أنا معملتش حاجة صدقني، ده هو اللي عمل، ده صحاني بفردة الشراب يا خالد خليني ساكت.
-بابي اضربه لو سمحت.
اتسعت عين جابر وصاح بصدمة ونبرة متأثرة:
-انا يا وسام؟!!!! يضربني أنا !!! جابر حبيبك، اللي هيجوزك بنته وبيربيك عشان تبقى مثال للزوج الصالح!!! دي اخرتها تعمل فيا كدة تقسى عليا كدة، عايز تضربني كدة، يا أخي يا رتني مت ولا شوفت اليوم ده، يا رتني ما شوفتك ولا اتعلقت بيك واعتبرتك ابني…يا خسارة يا ميت مليون خسارة.
حرره خالد مصفقًا له مردد بسخرية:
-الله هايل يا فنان..ده أنت المفروض تبقى ممثل ياض..
تنهد جابر بحزن ومد يده بعلبه الحلويات لخالد فالتقطها منه خالد وعلى الفور قال جابر:
-خد العلبة دي عشان متخشش بأيدك فاضية، أما اللي في أيدي التانية فده الفسيخ والرنجة، ودلوقتي أنا هنفذ مقولة الجري نص الجدعنة…..
وعلى الفور ركض من أمام خالد قبل أن يمسك به مرة أخرى..ضرب خالد كف بآخر بينما ابتسمت أبرار وحملت الصغير وهي تطمئنه:
-متخافش يا حبيبي إحنا معاك مش هيعملك حاجة.
بينما رفع عابد يده وربت على كتف خالد متمتم:
-متحطش في دماغك ده عيل أهبل يلا ندخل..
بالداخل..
نادى جابر على أشرف وهو يتقدم ويبحث عنه:
-أشرف…أشرف..
حضر أشرف مبتسمًا له باتساع، مسلطًا بصره على الحقيبة البلاستيكية القابعة بيده..
-أخيرًا جيت.
وقبل أن يعلق آتت وعد ودنت منهم وهي تحرك أنفها، تستنشق تلك الرائحة التي تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب حادقة بما يحمله جابر:
-إيه ده الريحة دي انا عرفاها.
أكد لها جابر وهو يهز رأسه:
-أيوة هي.
اتسعت عينيها بسعادة وفرحة منتشلة الحقيبة من يده مقربة إياها من انفها، فانتهز جابر هذا وهمس لأشرف:
-شوفت حركة المناخير، مراتك كلب بوليسي شمت الريحة من على بُعد، دي أكيد دعوة من دعوات أمك ورشقت فيك.
في تلك اللحظة ولج عابد رفقة البقية مستمعين لحديث وعد:
-أنا مش مصدقة، أنت بجد جبت فسيخ و رنجة تصدق بالله..
رد جابر عليها ببسمة وترقب لما هو قادم:
-لا إله إلا الله.
-أنت جدع، ورجولة، ولن أنسى هذا الموقف الشهم النبيل منك، روح يا شيخ ربنا يباركلك.
-ايه يا ماما اهدي على نفسك، انا اللي قايله يجيبه يعني مجبهوش من نفسه..
اتسعت عينيها وسلطتها تلك المرة على أشرف قائلة:
-بجد يا أشرف، يا لهوي ده أنت رومانسي أوي.
قالتها وهي تحتضن الطعام، فضحكت أبرار رغمًا عنها بينما حدقها جابر وعابد وخالد بنفور سرعان ما أصبح اشمئزاز ما أن استمعوا لجواب أشرف:
-طبعا يا روحي لازم ابقى رومانسي، وبعدين لو مجبتلكيش فسيخ ورنجة هجيب لمين يعني..
همس خالد لعابد:
-الله يكون في عونكم بصراحة.
هلل جابر بوجه كلا من أشرف و وعد قائلًا:
-ايه يا ماما أنتِ وهو حيلكم، لو في حد رومانسي هنا فده أنا، عشان أنا اللي روحت وجبتهم..
لم تجيب وعد عليه فقد سقط بصرها على العلبة التي تعود لمتجارهم فقالت:
-ايه ده من عندنا الحلويات دي؟؟
أكد لها خالد الذي يحملها ماددًا يده بها مردد:
-أيوة اتفضلي حلي بيها بعد الأكل..
وقبل أن تلتقطها أخذها جابر متمتم:
-لا دي بتاعتي أنا..مش هتاخديها..
-ماشي بس متمدش ايدك على الأكل بتاعي.
-لا ياختي همد انا اللي جايبه..
-يوووه هيذل ابونا بقى، طب اقولك هخليك تحدق معايا منه بس تسبني احلى معاك، اشطا؟
وافق جابر متمتم باستحسان:
-اشطا أوي.
ابتسمت واقترحت عليه تحت متابعة من حولهم لهم:
-يلا روح بقى هاتلي بيبسي دايت اشربه بعد الأكل عشان عاملة دايت.
استنكر جابر وعاد صائحًا:
-دايت مين يا أم دايت أنتِ، وبالنسبة للي قبل البيبسي إيه نظامهم..
تدخل وسام متمتم:
-على فكرة يا وعد بيزعق فيكي قدامنا ومش محترمك خالص.
رمقه جابر بغيظ مردد:
-اركن انت دلوقتي و
ابتلع البقية ما أن رأى والده يدنو منهم فتمتم باحترام قبل أن يفارق مكانه وينهي هذا الشجار:
-حسنًا يا شباب سأذهب الآن كي ابدل ملابسي واغسل يدي، وأنتِ يا زوجة أخي العزيزة احضري لنا الطعام، فبطني تصدر أصوات وأكاد أموت جوعًا…….
______________________
حل المساء وصعدت داليدا إلى غرفتها باكرًا عن الجميع، فقد زيفت شعورها بالإرهاق والتعب بعد حديثهم الأخير طيلة اليوم وأمام الجميع..
وبالبداية لم يخيل على نضال ما تفعله وتزيفه، لكن عندما طال ادعائها هذا وهدوئها المريب ارتعد ورغمًا عنه اعتراه شعور بالقلق والخوف حيالها.
وحثه هذا الشعور على الإلتحاق بها والاطمئنان عليها.
فتح الباب ودخل الغرفة ثم اغلقه من خلفه، تزامنًا مع سقوط بصره عليها وهي ممدة على الفراش.
بارح مكانه واقترب من مكان نومها فوجدها مستيقظة ولكنها هادئة وذلك الهدوء يقتله، وبنبرة حاول محو أي قلق بها سألها:
-أنتِ تعبانة بجد ولا بتمثلي عشان اكلمك ونتصالح؟؟؟
وقبل أن ترد أضاف بحسم:
-وقبل ما تردي عايزك تبقي صريحة عشان لو كدبتي هقلب أكتر من الأول.
تململت وجلست على الفراش، مجيبة إياه وهي تنظر بعينيه:
-لا مش بمثل أنا تعبانة فعلا يا نضال وقلبي هو اللي واجعني..ومش هخف غير لما نتصالح وترجع تكلمني تاني، أنا فعلا موجوعة..والتعبان بيبقى موجوع، يعني انا مش بمثل..
صمت، وظل يحدق بوجهها بهدوء يناقض تلك الحرب المقامة داخله، وقلبه الذي لا يرغب بهذا الخصام، فإذا طال سيتألم أضعافها..
ابتلع ريقه وتحدث مقررًا الرضوخ لقلبه وما يريده:
-شايفة من حقي ازعل واعمل اللي عملته ولا لا؟
هزت رأسها بتأكيد وبدون تردد:
-أيوة معاك حق، أنا آسفة يا نضال، بس بجد ملقتش مهرب غير ده، ومكنش قصدي كل اللي حصل ده، متزعلش مني.
ظل يحدق بها فقالت محاولة ردعه عن مقاطعته لها:
-قول حاجة متسكتش.
وبهدوء سألها:
-اقول ايه؟
-أنك خلاص مش زعلان مني وسامحت داليدا حبيبتك.
-ما الهانم لو تعرف أنا بحبها قد ايه، ولو ركزت في عيوني هتفهم وهتعرف أني خلاص مش زعلان، ولو زعلان مكنتش هسأل فيها ولا طلعت وراها.
ابتسمت بسمة مشرقة وشعرت كأن روحها قد عادت إليها قائلة:
-صح، أنت صح، قولي خوفت عليا يا نضال..
ضمها إليه بحب وهو يجيبها معترفًا بما اجتاح صدره:
-خوفت دي كلمة قليلة، أنتِ متعرفيش أنتِ بالنسبالي إيه، أنتِ أحلى حاجة حصلتلي.
بادلته عناقه، وتصافى وتناسى الاثنان أي خلافات قد حدثت من قبل، وفتحوا صفحة جديدة بيضاء تخلو من أي شيء قد يعكر صفوهم، وطالها أخيرًا وعوض ما فاتهم بحماقتها وسذاجتها..
_____________________
-يعني إيه الكلام ده؟؟؟؟ وايه التهريج ده؟! انا مش موافق، والجوازة هتكمل يعني هتكمل مش بمزاجها، انا اللي اقول هنا الجوازة دي هتم ولا لا مش هي، أنت سامع…هي فين بنت ***** دي..
هكذا هلل منتصر بشراسة و وجه ينذر بالشر والغضب بعد أن قرر زاهر تنفيذ رغبة أخته والتعجل بها وأخبار والده اليوم بأنها لا ترغب بتلك الزيجة حتى قبل أن تنهي امتحاناتها، فلن تبقى يوم آخر مع جابر، ذلك الرجل الذي أجبرت عليه وفُرض عليها.
شارف على التحرك والصعود لابنته وتهديدها ومد يده عليها كي تنفذ وتتزوج رغمًا عنها فأوقفه زاهر و وقف أمامه كالسد المنيع متمتم بصوت خافض:
-وطي صوتك، أروى نايمة.
التوى ثغره وسخر منه:
-ايه يا واد الحنية دي؟ تصدق معرفتكش ! ده من امتى وانت حنين كدة، اوعى من وشي خليني اطلع لها، وسع وغور من وشي.
-لا واسمعني بقى يا بابا، أروى من النهاردة خطوبتها هي وجابر فركش..بح، وانسى أنك تجبرها عليه.
-لا يا راجل!! ما تمد إيدك عليا أحسن، مدها مدام بقيت راجل البيت وأنت اللي بتاخد القرارات عني.
رد عليه بهدوء مفتعل محاولًا معه:
-يابا بقى افهم، أروى مش عايزاه، وأنا غلط في حقها كتير اوي، زيك بضبط و زي ماما كمان، كلنا آذيناها..عشان خاطري ابوس ايدك يا شيخ ما تجبرها وتسيبها براحتها.
-لا، على جثتي أن الجوازة دي تتلغي.
تنهد زاهر وقال بحسم ونبرة غامضة جعلت والده يضيق عينيه بشك:
-طب تمام، تمام اوي..
-هو ايه اللي تمام يالا؟؟؟
لم يجيب عليه واتجهه نحو غرفته فلا ينوي ترك المنزل ويترك والده ينفرد بها….
___________________
داهم جابر حجرة عابد وهو ينادي عليه:
-عبودي..عبودي..
لم يجده بالحجرة فعقد حاجبيه متسائلًا بينه وبين ذاته:
-ايه ده بُقو راح فين؟؟؟
آتاه الجواب على الفور واستمع لصوت يأتي من دورة المياه، فابتسم متمتم بخفوت:
-طلع في الحمام..طب حلو نستناه بقى.
قال الأخيرة وهو يدفع جسده على الفراش، ممدًا عليه بكل أريحية، واضعًا قدم فوق الأخرى مشابكًا يديه معًا خلف رأسه محملقًا بسقف الغرفة.
بعد لحظات خرج عابد وسرعان ما فُزع من تواجده بل ونومه على فراشه..فدفع عليه المنشفة صارخًا عليه:
-يا أخي ارحمني بقى هو حد دافعلك فلوس ومسلطك عليا..
اجابه وهو يعتدل جالسًا على فراشه:
-لا، وعيب لما ترمي اخوك بالفوطة وتعالى اقعد عايز اتكلم معاك لقيتلك حل مع وئام.
تخصر عابد وأخبره بحنق:
-مش عايز حلولك ويلا اتفضل اتكل..
-وربنا ما يحصل أنت لازم تسمعني، بص يا سيدي دلوقتي إحنا بكرة هنروح المحل تاني، فـ ايه بقى؟؟ أنا هشغلك ثراء وأنت اتكلم مع وئام بمنتهى الصراحة، شوف إيه اللي يرضيها ويريحها واعمله، قولها بكل اللي أنت حسه، قولها إن الأعمار بيد الله، وأنت دلوقتي موجود وموجوع، يا عالم يمكن ربنا ياخدك بعد الشر يعني يا حبيبي وهي تقعد تبكي وتعيط وتندب على غبائها وأنها مستغلتش كل لحظة وضيعتها هباء..
-خصلت؟
اماء له فقال بنبرة مغتاظة:
-طب برة يلا…
-ايه مش عجباك؟؟؟
-طبعا مش عجباني ومستحيل اعملها يلا بـــرة…….
___________________
في اليوم التالي..
ولج عابد رفقة جابر المتجر، فسارعت وئام من الاقتراب منه بعد أن رأته، وهي تسأله بعصبية واضحة:
-أنت تاني؟؟؟
هز رأسه مثبتًا عينيه بعينيها متمتم:
-أيوة انا تاني وتالت ورابع.
أضاف جابر بمرح:
-وخامس وسادس وسابع لحد العاشر..
لكزه عابد فصمت جابر وبحث بعينيه عن ثراء فأستئذن منهم بعد أن رآها:
-طيب بالأذن انا يا شباب اتكلموا براحتكم عقبال ما اتكلم مع آنسة ثراء.
رحل وتركهم فعاود عابد حديثه متحدث بهدوء:
-ممكن نتكلم بهدوء وعقل إحنا ناس كبيرة مش عيال صغيرة.
ردت عليها تؤكد حديثهم عدة مرات:
-وده حصل واتكلمنا كتير فعلا يا عابد، الكلام خلص وبقى بيتعاد.
سحب نفسًا عميقًا ثم قال بنبرة تشتاق إليها:
-يا وئام كفاية، اقسم بالله تعبت، طب قوليلي شايفة اني مكنش معايا حق في رد فعلي؟؟ طب مش شايفة أن رد فعلي ده كان من حبي و وجعي.
اطرقت رأسها شاعرة بآلام تتجدد وصراع لا تقدر عليه..
استرسل عابد وتابع ما لديه:
-إحنا الاتنين مش ملايكة، وانا مبقاش عندي استعداد اعيش أكتر من كدة من غيرك..ارجوكي بقى، انسي كل اللي فات وارميه ورا ظهرك خلينا نرجع، أنا عارف أنك حاسة باللي أنا حاسس بيه ويمكن أنا اكتر كمان واضعافك، أنا بحبك من قبل ما تحبيني، قلبي دقلك من بدري ومن قبل ما قلبك يحن عليا، خلينا نقول إن اللى حصل ده كان درس لينا وعبرة عشان نتعلم منه ونعرف قيمة بعض أكتر ونحافظ على بعض أكتر……
على الطرف الآخر وقف جابر مع من ملكت قلبه والتي رحبت به بشيء من البرود، يثرثر معها رغم عدم استجابتها معه وفجأة برق بذهنه أن يلقي هذا السؤال عليها:
-ألا قوليلي لما تخلفي كدة إن شاء الله ناوية تسمي عيالك إيه؟؟
اندهشت من سؤاله وقالت بجمود:
-نعم وأنت مالك معلش؟؟
ابتلع ريقه ثم أجاب مازحًا:
-مالي ايه معلش، هو سر؟؟ ده اسم عيال وادينا بندردش لحد ما عابد يصالح وئام، يلا قولي متكسفيش لو ولد هتسميه ايه؟؟
زفرت ولم تجيب فألح عليها متمتم:
-أنتِ كدة بتكسفيني انا، بالله عليكي لتقولي لو ولد هتسميه إيه؟؟
عقدت ساعديها وهي تجيبه بملل:
-هسميه صابر على اسم جدو الله يرحمه..
ارتفع حاجبيه وهتف بإعجاب ودهشة:
-بالله عليكي هتسميه صابر؟؟ ده انا حلمي اجيب واد واسميه صابر، تعرفي أنه ممكن صابر يبقى جابر لو بدلنا الـ ص لـ ج…طب تعرفي اسم إيه كمان ينفع ويليق مع صابر وجابر؟؟
لم تجيب ورمقته بحنق فتابع بمرح:
-جاسر، لو شيلنا الـ س وخليناها باء..
-أنت رغاي اوي على فكرة..
هز رأسه متمتم بذات المرح:
-أيوة حصل، بس مع اللي بحبهم بس..زيك كدة.
انزعجت وكادت ترحل فاسرع يوقفها يعتذر لها:
-خلاص والله ما قصدي، خلينا نكمل كلامنا، وقوليلي لو بنت هتسميها إيه؟
ردت من بين اسنانها تنفي معرفتها:
-معرفش.
اتسعت عينيه وصاح مبديًا اعجابه بالاسم:
-الله تصدقي حلو اسم معرفش..لا وجديد، تخيلي كدة وسام و معرفش…ايه الجمال ده….صحيح مش انا واروى هنفركش خلاص وهبقى سنجول، بس السنجلة دي مش هطول عشان ناوي اتقدم لبنت زي القمر هخلف منها معرفش و صابر…
على الجانب الآخر، كان لا يزال يتحدث معها يحاول إقناعها بالعودة إليه، لا يدري بما يحدث معها وبداخلها وعينيه تغفل عنه..
فهناك شيء ما يحثها على الرفض والبقاء على هذا الحال وشيء آخر يحثها على الشفقة عليه وعلى قلبها الذي يموت تدريجيًا ببعده هذا..
ولج مروان المتجر في هذا الوقت، والتقطت عينيه عابد الواقف مع وئام، وجابر الذي يقف مع ثراء..
تركت عينيه وئام وعابد اللذان لم ينتبهوا إليه، وثبتها على جابر بل واندفع نحوه ممسكًا به متمتم بصوت عالي:
-بتعمل ايه ياض مع بنتي ياض؟؟؟
التفت عابد و وئام إليه، بينما ابتلع جابر ريقه وقال وهو ينظر نحو اخيه يستنجد به:
-ايه يا اونكل مالك في إيه؟؟
-متقوليش زفت اونكل، وقولي بتعمل ايه مع بنتي..
-هكون بعمل ايه يعني ما احنا قدامك أهو واقفين بنكلم يعني مش محتاجة فقاقة وسؤال..
هزه بقوة متمتم بغضب وغيرة على ابنته:
-بنتي خط أحمر ياض أنت سامع؟؟
تحدث عابد كي يفض ما يحدث:
-عمي انا و وئام كنا بنكلم وهو كان واقف مع ثراء ب
قاطعه مروان وهو يستمر في هز جابر:
-طب انت تكلم ماشي، أنت مهما كان هتبقى جوز بنتي، هو يكلم بأمارة إيه ها؟؟
رد جابر ببساطة:
-بسيطة وسهلة، هبقى جوز بنتك التانية برضو….
صُدمت ثراء من وقاحته بينما جحظت عين مروان وهلل باعتراض وهو يهزه بغل مجددًا:
-على جثتي يـــالا…
تدخل عابد وفرق بين الاثنان فنظر مروان تجاه وئام وقال كي ينهي تلك المهزلة:
-دلوقتي هتقرري وهتقولي سواء عايزاه أو لا…وهيبقى قرار نهائي لو آه هيقعد معايا وهنتفق من غير الحيوان ده…ولو لا مش عايزاه هياخد برضو الحيوان ده وهيطلعوا برة ومشوفش وشهم تاني.
وقبل أن تجيب وئام ردد جابر بتحدي:
-طب إيه رأيك بقى الحيوان ده هيبقى أبو أحفادك صابر ومعرفش يا مروان، انا خلاص يعتبر مفركش، ودلوقتي وحالا بطلب ايد ثراء منك…
تلفت مروان حوله بجنون يبحث عن شيء ما يبطحه به، وقبل أن يجد تحدث عابد وهو يدفع أخيه خارج المتجر:
-امشي دلوقتي الله يحرقك….
وافق جابر ولكن قبل أن يغيب وأثناء بحث مروان ردد:
-ماشي همشي بس خليك عارف بنتك دي هتبقى مراتي عاجلًا أم اجلًا مراتي…
زاد غضب مروان واخذ وقت حتى هدأ، وما أن حدث هذا حتى طالع ابنته والتي كانت بعالم آخر تفكر في الجواب التي ستمنحه سواء كان بالعودة وتخطي كل شيء حدث أو الفراق الأبدي………
-ها قررتي؟؟
انتشلها من أفكارها وذكرياتها معه، ابتلعت ريقها ونظرت نحو عابد والذي تسارعت ضرباته في تلك اللحظة وشعر بخوف لم يختبره من قبل….
ترجاها بعينيه أن تمنحه وتمنح حبهم فرصة أخرى ولا تحكم عليهم بالموت، وكان له ما أراد، وانتصر قلبها وعشقها بتلك المعركة التي كانت دائرة بداخلها وقالت أخيرًا:
-أنا موافقة يا بابا نرجع…..
يتبع.
فاطمة محمد.
انا مش مصدقة اني وصلت للحظة دي😂😂😂😂
الفصل خد مني وقت كبير وملحقتش أجيب كل الشخصيات وبأمر الله من الفصل الجاي هزودلكم مشاهد لكل الشخصيات. ❤️
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.