رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن والعشرون:
يقف “أشرف” خارج المطعم، يكز على فكيه مسببًا في برزة، رافعًا يده اليمنى التي تحمل هاتفه ينظر به من حين لآخر بذهن منشغل بها..وبهؤلاء الشباب من عائلتها.
انتشلته ضربة خليل البسيطة على كتفيه من أفكاره التي كانت في حالة هرج ومرج، وسؤاله المباشر عما حدث معه كي ترتفع نبرته ويلقي تلك الكلمات البذيئة بحضور الجميع دون أن يهتم لأحد:
-في ايه؟؟ صوتك كان عالي ليه وليه الشتايم دي ! أنت اتخانقت مع وعد ؟
لم يجيب..ظل صامتًا ينظر بالفارغ..
يأس أخيه من الحصول على جواب ومعرفة ما يدري معه، فقال مربتًا على ظهره:
-طيب خلاص، تعال ندخل جوه، متقفش كدة الجو مش لطيف وممكن تأخد دور برد، يلا.
تحرك معه وانصاع لحديثه دون ان ينبس بحرف واحد..
خطوتان..تلاث..أربعة وكان يتراجع متوقفًا مرة اخرى مردفًا ببرود ولامبالاة زائفة:
-ادخل يا خليل.. هعمل مكالمة واحصلك.
-تمام..
ولج المطعم تاركًا أشرف خلفه، مبتعدًا بضعة خطوات جالبًا رقمها..واضعًا الهاتف على أذنيه مترقبًا ردها على احر من الجمر.
____________
في ذات الوقت..
صف “مؤنس”سيارته قبالة منزلهم، هابطًا منها..مجاورًا “ثراء” التي ترجلت هي الاخرى في سيرها نحو الباب..
فتح الباب ودخل الأثنان ليتفاجأ بتواجد كلا من وعد و داليدا وترحيبهم بـ مؤنس الذي ارتفع حاجبيه وتصنع ضجره من تواجد وعد:
-ايه ده مقولتوش ليه أن وعد جاية، مكنتش جيت..
ردت عليه واضعة يدها أعلى خصرها محتجة على كلماته المازحة:
-ليه يا بابا…ليه يا حبيبي..باكل أكلك ولا
-بس بس اقفلي البكابورت اللي طفح ده…مالك داخلة عليا بزعابيبك ليه؟؟
أشارت نحو نفسها تستنكر، مصححة له:
-أنا ولا أنت..
زفرت ثراء بملل من طفولتهم سويًا، معقبة وهي تلج باحثة عن البقية:
-مش معقول كدة، مبتكبروش ابدًا..
وصل إليها صوت وعد الصارخ:
-خليكي في حالك يا دلوعة..
ثم حدقت بأبن خالها مبتسمة له بأتساع:
-عامل إيه ياض وحشتني يا معفن..
-وأنتِ كمان يا اعفن.
أغمضت داليدا عيناها، هامسة بخفوت وصل إليهم:
-علاقة قذرة..
رمقتها وعد بعتاب تجاهلته هي مغادرة هي الأخري لاحقة بـ ثراء..
التوى ثغر مؤنس ببسمة جانبية مباركًا لها:
-صحيح الف مبروك على قراية الفاتحة عقبال الخطوبة والفرح..
تذكرت “أشرف” في الحال مما جعل بسمة حالمة تأخذ مسارها على وجهها..مستمعة لبقية حديثه:
-نفسي اشوفه والله عشان اعرف هبب إيه عشان يقع فيكي..
جعدت قسماتها اشمئزازًا منه، قائلة:
-هبب !! تصدق يالا انك ابن خال مش جدع، ده بدل ما تطبلي وتقولي يا زين ما اختار .
رد على الفور ببراءة أجادها:
-اكدب يعني؟؟
-لا متكدبش..رازي فيا واحرق دمي..روح منك لله..واقولك على حاجة ده امه دعياله..ودعوتها استجابت..امه اصلا دي ست بركة….واد يا مؤنس بقولك إيه ما تيجي نلعب ماتش كورة بعد الأكل..
رفع حاجبه الأيسر متحدث بتهكم:
-أنتِ حلوفة يا بت..ماتش كورة في الجو ده؟؟
-أنت غبي ياض، ده لعب الكورة ميحلاش الا في الجو ده، الجري ورا الكورة والتحليق عليها هيخلينا منحسش بسقعوية..
وصلت “أبرار” إليهم وهي حاملة هاتف وعد الذي لم يتوقف عن الرنين، مردفة بخبث:
-اتفضلي سي أشف بيتصل.
تبدلت تعابيرها إلى أخرى متوحشة صارخة بها بتهديد:
-لا لمي نفسك محدش يقوله اشف غيري، انا بس اللي اقوله..
-طب خدي ردي يا أم لسانين..قبل ما يولع فيكي..
لوت فمها بسخرية وهي تنتشل الهاتف تنفي ما تقوله:
-يولع في مين أنتِ متعرفنيش ولا ايه، مش وعد يا ماما..
ابتعدت عنهم قليلًا كي تجيب عليه، تزامنًا مع وقوف ابرار ومؤنس بجوار بعضهم يتابعان ابتعادها وطريقة إجابتها عليه:
-ألو.
رد بأقتضاب وصوت منفعل:
-كل ده عشان تردي!!! انا هتشل بسببك، قوليلي وصلتي؟؟
-اه من بدري و
قاطعها صياحه الشرس، متمتم بغيرة نهشت به:
-يا بجاحتك يا بت..ولما هو زفت آه..متصلتيش ليه؟؟؟ مش قايلك تتزفتي تكلميني لما توصلي؟؟؟ ايه اللي منعك؟؟ الهانم مشغولة اكيد مش كدة..مش فاضية بس تطمنيني عليكي..وتعرفيني انك وصلتي.
انزعجت من صياحه الدائم عليها والتي لا تجد له مبرر قوي…كادت تنطق وتخرج كلمات قد تكون لاذعة لطريقته..لكن اوقفها سؤاله المباغت والذي جعلها تشك بما يحدث معه وسبب هذا الأعصار:
-قوليلي ولاد خالك دول كام سنة..يعني كبار ولا زفت صغيرين..
عضت على شفتيها ولم تمنع ابتسامتها من الظهور، مقررة إجابته بهدوء وبراءة زائفة ستزيد من غضبه وغيرته لا محال:
-ولا كبار ولا صغيرين..مؤنس قدنا و زيدان أصغر من تاليا بـ يجي سنة كدة أو أقل..هو أنا فاكرة..دماغي مش دفتر أنا..انا فاكرة كلت ايه امبارح بالعافية…
دس يديه بخصلات شعره..جاذبًا إياهم بعنفوان فقد تكاظمت غيرته عندما أدرك بأن الشاب يماثلها بالعُمر وليس صغيرًا…
عقدت حاجبيها ونظرت بالهاتف تتأكد بأنه المكالمة لاتزال مستمرة، مرددة:
-نمت انت ولا ايه؟؟
-لا موجود…هتمشوا امتى.
خرج سؤاله حاملًا الكثير من الغيظ والحنق والذي لم يكن من الصعب عليها ملاحظتهم لتدرك غيرته عليها…
تعمدت آثاره حنقه أكثر وأكثر، معقبة:
-نمشي إيه هو احنا لحقنا نقعد، وبعدين لسة الاكل بيجهز ولسة هنتغدا..ولسة هنلعب ماتش كورة بعد الأكل…
حقًا لم يتحمل..يكفي هذا القدر..فقد نفذت طاقته وانفجرت غيرته…
اغلق بوجهها كي لا تنصت لهذا الكم من الكلمات والألفاظ النابية……
مقتربًا من إحدى الحوائط الواقعة بجواره..ضاربًا عليها بكامل قوته مخرجًا ما يعتريه……
-يا ابن الكلب مفيش فايدة برضو بتقفل في وشي…
التفتت بظهرها مع انتهائها من جملتها لتجد الأثنان خلفها مباشرة..عيناهم كالمرصاد لها..ابتلعت ريقها وقالت:
-في إيه ؟؟؟
ابتلعت ابرار ريقها مقلدة طريقتها بالحديث منذ دقيقة واحدة:
-يولع في مين أنتِ متعرفنيش ولا ايه، مش وعد يا ماما..
عقب مؤنس بهزل من ابنه خاله:
-طلعنا فعلا منعرفهاش…اخص بيقفل في وشك…ده أنا فاكر يا مؤمنة المرة اللي السكة قفلت فيها في وشك مخلصتش منك…احنا وقعنا ومحدش سمى علينا ولا ايه؟؟؟
تهربت بحدقتاها من الأثنان متحدثة بتلعثم جلي:
-أنا..انا..انا مش هرد عليكم انتوا الاتنين..خير الرد على السفيه الصمت..يا سفيه منك ليها…وسعوا كدة..كتكم القرف..قرابة معفنة..
______________
-تسلم ايدكم يا رجالة..عاش بجد.
هتف “عابد” كلماته على أذن العاملين في الصالون الخاص به متأملًا ما توصل إليه وذلك التغيير الجاري والواقع بوقت قصير..
سعد العمال من كلماته البسيطة وعاد كلا منهم يباشر عمله…
ابتعد هو لإحدى الزوايا الخالية من العمال راغبًا..بل مشتاقًا لمحادثتها.
اخرج هاتفه واشتياقه إليها ينعكس على تعابير وجهه..
اختفت تلك البسمة تدريجيًا عندما وجد كم هائل من الاتصالات التي تعود إلى حبيبته..وأيضًا فاتن.
تجاهل فاتن تمامًا وحادث “وئام” الذي انشغل قلبه عليها..فلا يتذكر بأنها قد سبق وهاتفته بهذا الشكل المُلح..
انتظر جوابها والذي آتاه سريعًا متمتم بقلق:
-في حاجة؟؟؟ أنتِ كويسة؟
ردت ببسمة محبة:
-اه الحمدلله كويسة..
تنهد بأرتياح ثم تساءل:
-اومال اتصلتي كتير ليه، انا قولت حصل حاجة والله..وقلبي وقع في رجليا..
نفت سريعًا تطمئنه:
-محصلش والله..انا بس كلمتك عشان اقولك اننا خارجين ورايحين بيت عمو إبراهيم..
عقد حاجبه وتساءل:
-مين عمو إبراهيم؟
-ده يبقى جوز عمتو مهرة..وعمتو مهرة تبقى اخت عمو سليم وتبقى بنت عم بابا..
-اها..قوليلي.
-ايه؟؟
تنحنح قبل أن يستفسر منها:
-عنده شباب؟؟؟؟
ابتسمت مدركة مغزى سؤاله..هاتفة بهدوء:
-أيوة مؤنس و زيدان..وعلى فكرة الاتنين اكتر من اخواتنا.. يعني متقلقش..
حك رأسه لانكشاف أمره أمامها، قائلًا:
-وانا هقلق من إيه؟ انا بسأل بس..هو السؤال حرام..
-لا مش حرام، بس عارفة دماغك راحت لفين فـ حبيت أريحك عشان دماغك متقعدش تجيب و تودي وتبقى مطمن…
رد بصدق نابع من قلبه:
-وانا مش هطمن غير لما تبقى مراتي على سنة الله و رسوله..والناس كلها تبقى عارفة انك مراتي..بس هانت..عدي الكتير مش باقي غير القليل.
عشقت جوابه…وذلك الأحساس الذي دائم بأيصاله إليها..فهي شيء ثمين بالنسبة له..يتوق ويحترق كي يحصل عليها..
نفضت تلك الدوامة من المشاعر المريبة، مبادرة بسؤاله:
-أنت فين؟؟
-في الصالون..واقف مع العمال.
-تمام..لما تخلص كلمني..هستناك..سلام.
-سلام..
انزل الهاتف وكلمتها معلقه بذهنه..جاعلة إياه يرفرف في عنان السماء “هستناك”……
ضم الهاتف إلى صدره وكأنه يقربها هي..موصدًا جفونة يتخيلها أمامه وبين يداه…في أحضانه… يغمرها بالكثير والكثير من المشاعر المفرطة….
أفاق على صوت هاتفه الذي دوى رنينه..فتح عيناه وراقب الأسم..
تأفف من أصرارها على الإتصال رغم عن إجابته…اغلق بوجهها كي يصل إليها عدم رغبته بالحديث…متمتم بسخط من ذاته:
-انا كان إيه اللي خلاني اتنيلت وكلمتك….اوووف..
______________
نهض “نضال” عن الفراش بتكاسل..ملتقطًا هاتفه من أعلى الكومود كي يرى الوقت الذي استيقظ به..فقد توقع تأخره بالأستيقاظ بعد أن جفاه النوم الليلة السابقة وظل طيلة تلك الساعات يفكر بها..ويطارده طيفها..صوتها الناعم الذي يأسره ويجعله يتمنى أن تدوم محادثتهم كي يظل ينصت لهذا الصوت الذي يشبه اعزوفة موسيقية….
وجد الهاتف مغلقًا بعد أن نفذت بطاريته..ضجر من نسيانه لأمر شحنه..وغمغم بصوته المتحشرج:
-وقتك ده..يادي القرف اللي على الصبح…
وضعه على الشاحن ثم انطلق من الحجرة هابطًا الدرج باحثًا عن والدته..مناديًا عليها:
-ماما….ماما…ياما….
جاءت من حجرة الصالون مرددة:
-ايه في إيه.!!!!
-بابا هنا ولا نزل؟؟
-لا لسة نازل..عايز منه إيه..
هز كتفيه يخبرها بما يفكر به وسيعمل على تنفيذه:
-كنت عايزه يجي معايا وانا رايح لـ حمايا..انا جو الخطوبة ده ميأكلش معايا..انا عايز اكتب كتابي زي عابد..
ابتسمت بمكر قائلة بعبث:
-يا واد اتقل بلاش دلقة..وبعدين جو الخطوبة ميأكلش معاك ولا البت كلت دماغك وم
قاطعها ينفى كلماتها الصادقة، كاذبًا عليها:
-ايه اللي بتقوليه ده.. وبعدين أنا محدش كل دماغي..ومش مدلوق على فكرة وممكن مكتبوش عادي..
ردت بمراوغة:
-طب خلاص بلاها كتب كتاب خليها خطوبة بس..
رفض بشدة، متمسكًا بقراره:
-لا هكلم ابوها.. وبعدين أنا حر..اه حر..
ارتفع رنين هاتف بتلك الاثناء…نظر الاثنان للهاتف الموضوع على الأريكة..اقتربت منه دلال وقالت وهي تلتقطه:
-تليفونك ده؟؟
تقدم منها نضال نافيًا:
-لا ده تليفون جابر..هو هنا.
-هو هنا ازاي يعني..اومال انا مشفتوش ليه…
-معرفش..
انتهت دلال من حديثها مع ابنها مجيبة على هاتفه:
-الو…
تناهى إليها صوت انثوى مرددة:
-الله!! مش ده موبايل جابر؟؟؟
مصمصت شفتيها مؤكدة:
-اه يختي هبابه..أنتِ مين يا بت وعايزة ايه منه…
-أنتِ اللي مين؟؟؟ وفين جابر؟!!!
قلبت دلال حدقتاها بنفاذ صبر من وقاحة الفتاة، مغمغمة:
-أنا امه يختي..أنتِ مين فيهم بقى..جومانا..ولا نهال..ولا أبصر اسمك ايه..ما هو اللي بيكلمهم كتير….هو عاتق حد…بقولك ايه يا بت أنتِ انا ابني ده صايع مش بتاع جواز…وحطي فوق ده ميطقش…فـ انقذي نفسك واهربي متخليهوش يشتغلك….ودي نصيحة مني ليكي…عايزة تعملي بيها براحتك مش عايزة برضو براحتك..
قالت الأخيرة مغلقة مع الفتاة….أما نضال فكان يتابع بأعين متسعة معجبًا بما فعلته والدته…مهلل بتصفيق حار:
-الله عليكي يا دلال….هو ده الكلام….وهي دي أمي..
كادت تعلق سعيدة بذاتها لولا رؤيتها لـ جابر قادمًا نحوهم بجسده المبلل وخصلاته المبللة..ممسكًا بيده منشفة صغيرة..
ضربت على صدرها صائحة:
-يالهوي..هو انت كنت بتعوم في الجو ده؟؟؟؟؟ انت عايز تموت يا واد..في حد عاقل يعمل كدة…
كان وجهه مكفهر…باردًا..لم يجيب عليها وانتشل هاتفه من يدها متحركًا به كي يصعد لغرفته…
-أنت يا واد مش بكلمك؟؟؟
أيضًا لم يجيبها وظل يتابع طريقه..فقالت علها تجذب اهتمامه ويتساير معها وتعلم ما به:
-طب على فكرة في واحدة اتصلت عليك وانا رديت عليها وقولتلها تهرب بجلدها….و
توقفت هي من نفسها تلك المرة فسكونه وصموته..يشغلان عقلها..وينهشان قلبها عليه..
عقد نضال ساعديه يتابعه هو الآخر..مالت دلال عليه:
-هو اخوك ماله؟؟؟ مش عوايده !!!
مط شفتاه بعدم معرفة قائلًا:
-علمي علمك…
ابتلعت ريقها مقترحة عليه:
-طب إيه رأيك تطلع تكلم معاه و
رفض قبل أن تستأنف حديثها:
-لا يأكل زفت…مليش دعوة بيه..انا هطلع اغير واروح لحمايا…..
______________
-اش..اش ده المحل اتغير خالص وبقى احلى كتير وأخر ألسطة…لا برافو عليكم….
التفت “خليل” و “أشرف” نحو هذا الصوت المجهول بالنسبة لهم والذي جاء صاحبه للتو ولا تتوقف عيناه عن فحص المكان بنظرة شمولية…..
تقلصت المسافة بينه وبين خليل الذي تقدم منه يستفسر عن هويته:
-مين حضرتك؟؟؟
ابتسم الشاب بغلاظة وهو يمد يده معرفًا ذاته:
-زاهر منتصر…صاحب المطعم اللي جنبكم بشوية…كنت معدي بعربيتي الصبح مع ابويا وشوفت التجديدات وعرفت انكم هتحولوه مطعم..فقولت اجي واباركلكم…واقولكم فتحة خير ان شاء الله…
توسطهم أشرف بتلك اللحظة وجابت عيناه على هذا الشاب..ردد خليل بمجاملة ممزوجة بجمود:
-ان شاء الله..انا خليل سلطان..وده أشرف أخويا…
حول “زاهر” بؤبؤ عيناه نحو أشرف مبتسم له بسمة حملت بين طياتها الكثير والكثير….
-اتشرفت بيكم…
انتهى ينظر بساعته مغمغم:
-هستأذن دلوقتي واسيبكم تشوفوا شغلكم..بس لينا لقاء تاني……الكلام بينا مخلصش….سلام عليكم……
______________
عاد “نضال” خالي الوفاض بعدما أوقفه الحارث وأخبره بغياب الجميع عن المنزل وذهابهم لمنزل أقاربهم…
دخل غرفته مطبقًا الباب خلفه…وهو يعبث بهاتف يأتي برقمها…
ردت داليدا بعد ثوانِ بصوت خافض بعدما تسللت من بين الجميع:
-الو..
وكأن غضبه.. وسخطه قد تبخر مع استماعه لصوتها…
تلعثم لسانه ولم يسعفه على الحديث…
كررت هي كلماتها ظنًا بأن هناك معضلة بالشبكة….
-ألو..سامعني يا نضال؟؟؟
بلل شفتاه وجمع شتاته مجيبًا:
-معاكي.. معاكي.. انا روحتلكم البيت وعرفت من البواب انكم برة..هترجعوا امتى؟؟
-بليل..
-تمام..هما مين قرايبكم دول!!
-دي عمتو مهرة اخت بابا.. وجوزها…
-طيب…هما عندهم عيال؟
-اكيد طبعًا..عندهم مؤنس و زيدان…
هلل بغيرة لا تفرق شيء عن أشرف وعابد:
-يا حلاوة ومالك مبسوطة كدة لية؟؟؟
-فين مبسوطة ده؟ هو انت عايز تتخانق معايا وخلاص دي مبقتش طريقة دي…يعني الواحد مبسوط وانت تعكنن عليه..
كز على أسنانه متمتم بغيظ:
-ماشي يا محترمة…انا هقفل ومش هعكنن عليكي…انبسطي وسلميلي على مؤنس و زيدان عقبال ما اسلم عليهم بنفسي…….
_____________
حل المساء وعادت عائلة الحلواني إلى منزلهم…وصعدت كل فتاة إلى غرفتها…
ترقبت “داليدا” مجيئه و محادثته مع والدها..لكنه لم يفعل..ولم ياتي كأنه يعاقبها…
او قد يكون تراجع عن الأمر ولم يعد يرغب بعقد قرأنهم…
لم يختلف حال “وعد” كثيرًا عنها وترقبت اتصاله والسؤال عنها لكنه منذ أن أغلق في وجهها لم يحاول الاتصال من جديد…تجاهلها مما جعل النيران تضرم بقلبها….
أما “وئام” فقد اختلف وضعها عنهم ولم ينسى عابد محادثتها..بل طال حديثهم لساعتين تقريبًا دون أن يشعروا متحدثين في أمور عدة…لم تخلو من مغازلات عابد الصريحة..
مضت عدة أيام وجاء اليوم المتفق عليه بين العائلتين كي يجلبون الشبكة للثلاث الفتيات قبل موعد الخطوبة الذي بات وشيكًا…
صفت ثلاث سيارات أمام الباب وهبط كل من “عابد” “جابر” “خالد” من مقعد السائق…فقد قام جابر بشراء سيارة له بعدما بات متمكنًا من القيادة وأخرج رخصة القيادة بمساعدة خالد الذي جاء معهم بسيارته لعدم تمكن الآخرين من فعلها فعرض عليهم مساعدته و وافقوا على الفور….
ترجل أشرف ونضال ودلال تزامنًا مع فتح الباب وخروج الثلاث فتيات رفقة والدتهم..وخلفهم باقي الفتيات يودعونهم بسعادة كبيرة…..
ولم يغيب عن أنظار ابرار تواجد خالد المسلط لانظاره عليها متابعًا مايصدر عنها من رد فعل وايماءات….
تقابلت عيناهم دون عمد منها وبقصد منه مبتسمًا بسمة جانبية مدركًا انجذابها نحوه..فليست الأولى بل هناك العديد والكثير ممن ينجذبن إليه…لكن الغريب بأنه أيضًا ينجذب اليها…محبًا لذلك الخجل والحياء الذي يحدث معها..وابتعادها وتهربها من نظرة عيناه السالبة للأنفاس..
على الجانب الآخر تجاهلت ثراء تمامًا جابر ولم تهتم بنظراته الماسحة فوقها مما جعله يستشيط وعلى وشك إخراج النيران من أذنيه…
صعد عابد سيارته وجلست جواره وئام أما بالخلف جلس كل من داليدا ونضال وبينهم روفان التي أصرت على الجلوس في المنتصف والسماح لـ وئام بالجلوس جوار عابد بالمقعد الأمامي…
اخرج نضال حنقه بينه وبين نفسه وحاول ألا يظهره متمتم في سره:
-هما يقعدوا جمب بعض قدام وانا امها تقعد بيني وبينها.. وربنا ما هيحصل واحنا راجعين……..ويا قاتل يا مقتول.
كتمت داليدا ابتسامتها وسعادتها بفعله والدتها فقد كانت تغتاظ منه فحتى الآن لم يفاتح والدها في ما يخص عقد قرآنهم……
بالسيارة الثانية العائدة الى جابر جلس جواره أشرف وبالخلف جلست كلا من وعد و والدتها رحمة…
لم يتبقى سوى سيارة خالد أخذًا بها كلا من دلال و علياء….
وقبل أن تغادر الثلاث سيارات أطلقت دلال ( الزغاريد) العالية تعبيرًا عن مدى سعادتها بأبنائها…….
ثم انطلقت السيارات قاصدين أشهر محلات الصاغة………
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم.❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.