رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الثامن والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن والأربعون:
انعقد لسانها…وشلت أطرافها رغبت بالرد وأخباره بأنها لم تقل شيء….رغبت بالهروب من أمامه ودخول المنزل…لكنها ظلت أحلام فـ لا لسانها يتحدث ولا قدميها تتحرك ولو خطوة واحدة وكأن احدهم يثبتها بالأرض….
علت وتيرة تنفسها بعدما بات أمامها…لا يفكر في شيء سوى في كلماتها واعترافها التي ألقته عليه وصدمته بها والآن ترفض الحديث كأنها لم تفعل به شيء….
نفذ صبره ولم يتحمل الابتعاد أكثر….رفع يديه وأحكمها حول خصرها جاذبًا إياها على حين غرة….هامسًا لها جوار أذنيها بصوت يعكس مشاعره نحوها:
-انا مسمعتش غلط…أنتِ قولتيلي بحبك…انا مش بحلم ولا بتخيل…انتِ قولتيها…..وهتقوليها تاني…قوليلي أنك بتحبيني…قوليها يا وئام.
اعتصرت جفونها المغلقة تتلذذ بهذا القرب الذي لم يخطر بجالها بأنه سيحدث اليوم وعقب اعترافها الأحمق…..
وبدون وعي منها كانت تنفذ له مراده، قائلة بنبرة هامسة ويدها تعرف طريقها مبادلة إياه عناقة متشبثة به بقوة:
-بحبك يا عابد…بحبك.
تراجع خطوة واحدة مبعدًا رأسه قليلًا كي يستطع التمعن بوجهها وخاصة عيناها التي قامت بفتحهم وباتت تتلاقى مع عينيه….
مسح بيده على وجهها البارد…وبدون مقدمات كان يضمها مجددًا بقوة مضاعفة قائلًا:
-وانا بحبك أكثر… أنا عُمري ما تمنيت حاجة زي ما تمنيت قربك…..ولو أنتِ بتحبيني مرة فـ أنا بحبك الف مرة.
كانت تبادله احتضانه بقوة…متحدثة بذات الهمس والضعف بين يداه:
-بعدك عني بيدمرني..بيخليني مش طبيعية…ببقى عايزاك جمبي علطول… انا طول اليوم كنت مخنوقة…ودبلانة…. زي الوردة اللي متسقتش وكانت قربت تموت…. أنت الماية اللي سقتني..
ومن غيرها أموت….أنا بحبك يا عابد…..بحبك بجد..
بحبك أوي.
ابتعدت عنه تنظر بحدقتاه…وعلى الفور بات عشقهم المتحكم بهم…لم يبالي أحد بالمكان أو الزمان…لم يفرق إذا رأهم أحد…متبادلين القبل الشغوفة… المشتاقة..
اتسعت عين نضال وجابر المتابعين حتى الآن لما يحدث…بدءًا من تحدثها معه..ومجيئه من خلفها…واحتضانهم لبعضهم البعض…وبالنهاية تلك القبلة التي جعلت الغيرة تسيطر على “نضال” لعدم تمكنه أخذ تلك الحرية مع زوجته…
بينما همس جابر له بمرح وهو يبتعد عن النافذة:
-مش كنت عايز تبوس….ادي أخوك اللي متخانق بيبوس…شكلك خرا أوي…
كز على اسنانه وصاح بهدر:
-ماشي..ماشي…وربنا ما هسكت.
تحرك من مكانه قاصدًا مكان جلوس أبيها…فلحق به جابر ممسكًا بمرفقيه يوقفه قائلًا:
-أنت هتعمل ايه يخربيتك…
-وسع يا عم…مش أبوها كان بيقول عليه محترم..انا هخليه يشوف الاحترام اللي بحق وأخليه يتلهي فيهم يمكن يشلني من دماغه بقى…..
حاول جابر منعه والتصدي له…لكن لم تفلح محاولاته معه.
ودخل مناديًا طالبًا الحديث معه…وعلى مضض نهض مروان فجذبه نضال معه وهو يهمس له:
-تعالى عايزك في موضوع مهم…مش لازم حد يسمعه…عشان كدة هنخرج برة نكلم براحتنا..يلا…
رغب مروان في التحرر والخلاص من حصاره له فرفض نضال واصر على جذبه، فغمغم مروان:
-برة ايه يا حلوف أنت…انت عايزني اتعب ويجيلي نزلة برد…اوعى…
هز رأسه بأصرار و وصل أمام الباب رافضًا تركه تحت متابعة الجميع له ولما يفعله….
تدخل جابر وقال من بين اسنانه:
-ما خلاص يا نضال..قالك مش عايز يطلع..هي عافية يا زفت…
-هشش متدخلش..يلا يا ميرو يا حبيبي…
انتهى هامسًا له تلك المرة كي يخضع ويتحرك معه:
-بنتك برة مع عابد لوحدهم.
-عابد ايه ؟؟ هو عابد هنا !
رددها بذهول فهز رأسه يؤكد له حضوره:
-اه لسة واصل و واقف برة مع بنتك.
تبدلت تعابير مروان واسرع مبادرًا بفتح الباب باعين متلهفة تجوب بحثًا عن ابنته….
خرج نضال وجابر من خلفه واغلقوا الباب..وعلى الفور جحظت عين مروان وتسمر مكانه وهو يراها تقف قبالته ويحسس على وجهها بحنو..ثم طبع قبلة أعلى جبينها….
قائلًا بصدمة من رؤيته لهم هكذا:
-يالهوي بيبوسها في قورتها !!
صك نضال على اسنانه وصاح:
-طبعا لو حلفتلك ميت يمين أنه كان لسة بيبوسها بوسة غير دي مش هتصدقني….
نهره جابر وصاح يدافع عن عابد:
-هشش انت بقى…شوفت يا اونكل مروان توأمي محترم ازاي بيبوسها في قورتها زي ما تكون والدته….تسلم يا بني والله..وتسلم البطن اللي جبتك…
التقطت عين عابد مروان وعلى جانبه الأيمن نضال والايسر جابر…ابتسم لها ومسك بيدها وتحرك نحو أبيها يلقي السلام عليه:
-ازيك يا عمي عامل إيه؟
كانت حدقتاه ترتكز على أيديهم المعانقة لبعضها البعض…وبغيظ وغيرة على ابنته فرق يديهم عن بعض.. متمتم بسخط:
-عامل بوتجاز…وابعد عني بدل ما أهب وامسك فيك..
تلفظ الأخيرة وهو يجذبها معه للداخل…حاولت وئام الحديث فأشار لها يحثها على الصمت….
ولج المنزل ومن خلفه الثلاث شباب…
مال جابر على نضال قائلًا له:
-ادعي اخوك ميعرفش عشان لو عرف مش هيحلك…
-وهو هيعرف منين يا غبي..
رددها نضال وهو يلكزه فأشار جابر نحو نفسه متمتم:
-مني طبعًا يا اغبى…
******************
ولج مؤنس المنزل مجددًا و رحب بـ عابد بابتسامة بشوشة جعلت الشك يغمره…ويفكر بأن ما طرحه جابر عليه لم يكن سوى كذبه كي يأتي إلى هنا….وبعد دقائق من وصوله وترحيب الجميع به..تجمعوا من جديد على شكل دائري راغبين باللعب للمرة الأخيرة بمشاركة عابد و وئام ويرون من هو تعيس الحظ الذي سيخسر وسيتوجب عليه تنفيذ الحكم.
وبعد وقت من اللعب كانت تلك التعيسة هي “ثراء” والتي صاحت وعد مقترحة عقاب نال إعجاب الجميع عدا هو…”جابر”.
-بما أن الجو سقعة وبما أنها آخر جولة.. فلازم نختمها بحاجة ضرب نار…وبمناسبة النار وبمناسبة انك فقرية فـ أنا شايفة أن قرن فلفل نار في الجو التلج ده هيعمل معاكي احلى واجب…
ازدادت تعابير “ثراء” تذمرًا واستنكارًا لما تتلفظ به وترغب منها تنفيذه، متمتمة بسخرية:
-بتهرجي..اكيد مش هأكل قرن فلفل حامي..أنتِ عايزاني اموت؟
عقبت أبرار توافق وعد معترضة على رفض ثراء:
-مش هتموتي من قرن فلفل يعني وبعدين كل اللي خسر نفذ اشمعنا أنتِ اللي مش عايزة تنفذي!
اندفعت وعد متمتمة:
-يمكن على رأسها ريشة ولا على رأسها ريشة واحنا منعرفش..
زفرت ثراء وعلقت وهي تنظر للجميع:
-يعني كلكم موافقين؟
حك جابر مقدمة رأسه ورغب بالحديث وإبداء رفضه.. لكن لم يتحدث أحد أو يرفض هذا العقاب..وإذا فعل فسيثير التساؤلات والشكوك في نفوسهم..
لذا لزم الصمت واكتفى بمراقبة ما يحدث من نهوض تاليا وحضور الفلفل الأخضر الحار..
مدت تاليا يدها به لـ ثراء فألتقطته على مضض وبقسمات متوترة..مشمئزة بذات الوقت…
تساءلت:
-هو انا مينفعش انسحب؟ خليكم جدعين بقى.
رفضت وئام وقالت مازحة:
-انسي…ويلا كان زمانك كلتيه.
حرك “وسام” رأسه موافقًا على كلمات وئام مصفقًا بيديه الصغيرة يحثها على التهامه دفعة واحدة:
-يلا يا ثراء..ده حلو يلا يلا..
ابتلعت ريقها وعلقت بتذمر طفولي:
-حلو إيه ده مش حلو خالص يا وسام…انا مني لله اني بلعب معاكم…
اخذت نفسًا عميقًا واوصدت جفونها مقربة إياه من فمها…على أتم استعداد لتناوله…
لكن ما حدث جعلها تفتح عيناها.. فقد شعرت بيد أحدهم تسحبه من يدها…رفعت رأسها تنظر نحو صاحب تلك الفعلة فلم يكن سواه…ملتهمًا نصف قرن الفلفل….
نهضت من مكانها تحت دهشة وذهول الجالسين من فعلته والتهامه له بدلًا منها….
صرخت عليه وهى تراقب احمرار وجهه ودموعه التي بدأت تتجمع بمقلتيه:
-ايه ده أنت ازاي تشده كدة وتاكله بدالي؟؟؟؟؟
هبت وعد هي الأخرى واضعة يدها بخصرها مرددة:
-اه إزاي تأكله بدالها ده عقابها يا حلوف انت….
جذبها أشرف من يدها متمتم من بين أسنانه وهو يجبرها على الجلوس مجددًا:
-اقعدي ولمي لسانك..اللي بتغلطي فيه ده اخويا..
جلست بالفعل قائلة له بغيظ:
-وهو انا بكدب ما اخوك حلوف فعلا يا استاذ وبوظ اللعبة..
انتظرت “ثراء” جواب منه لكن لم يمنحها هذا بل بدأ بالتحرك يحاول ابتلاع هذا الكم من النيران بحلقه…مطالعًا النص الثاني الذي لم يمسه بعد….
تابعته هي مرددة بغضب:
-هو انا مش بكلمك…
حدق بها ورد بصعوبة وهو يحرك يديه أمام وجهه كمحاولة لتبريد تلك الحرارة التي اندلعت بكل جزء به معقب:
-بُقي موحوح…ومولع يا عديمة النظر….
اتسعت عين ثراء واشارت على نفسها مكررة تطاوله هذا:
-أنا عامية !
اغمض عيناه يزفر من حماقتها فقد تغاضت عما فعله من أجلها وبدل شكره وشعورها بالامتنان لا يقابل الا البغض والسخط.
بتلك الأثناء انتشلت ما تبقى من الفلفل والتهمته دفعة واحدة…..
فتح عينيه الحمراء ورفع يده يمسح تلك الحُبيبات من العرق المتجمع على جبينه….
وبصوت مبحوح تساءل:
-عندكم لبن….
أكدت داليدا له:
آه..
كاد يخبرها بجلب كوب له..لولا رؤيته لـ ثراء تهرول ناحية المطبخ…فقام باللحاق بها وهم خلفهم….
ولجت المطبخ وجاءت باللبن…والكوب…
وضعت لها الكثير حتى امتلئ على آخره….فجاء هو من خلفها وفعل المثل تمامًا وبدأ الاثنان بارتشاف اللبن….
أما عن البقية فكانوا يضحكون على هيئتهم وما حدث بهم…….
*****************
تحرك الجميع نحو مكان العائلة كي يرافقوهم بجلستهم…بينما صعدت وعد لغرفتها كي ترتدي معطفًا ما لشعورها بالبرد يتسلل إليها ولبرودة أطرافها…
أما عن وسام فقد اظهر تذمره وعدم رغبته بانتهاء اللعبة وبدء جولة جديدة….قائلًا لهم وهو يعقد ساعديه أمام صدره ويزم شفتاه تبرمًا….
“مليش دعوة أنا عايز يتحكم عليا زيهم كلهم”
مما جعل كلا من خالد..أبرار…وجابر يجلسون معه كي يسترسلون اللعب..
متناهي إلى مسامعه سخرية جابر منه:
-اه يا اهبل..يا عبيط..عايز تخسر..اهو هو ده الافترا بعينه…يعني ربنا مكتبلكش تخسر.. وأنت اللي عايز تخسر..صحيح محدش بيعجبه العجب…
احتج “خالد” مغمغم بحنق زائف:
-متشتمش ابني يا عم..
انكمش وجهه واتسعت عيناه صدمة واشمئزازًا مكرر كلمته الأخيرة:
-عم !!!! بقيت بيئة يا خالد..
ابتسم خالد بتهكم و علق:
-البركة فيك..ما أنا اتعلمت ابقى بيئة ازاى منك..
تبدلت تعابيره وتصنع عدم استماعه وتابع ترتيب الأوراق…
أما خالد فحول بصره نحو أبرار المتابعة بصمت لما يحدث بين الأثنان..وكيف احرج خالد جابر بالاخير..
وجدها تحملق به فأبتسم لها…
هربت بحدقتاها وتلاشى هدوئها وحل مكانه الارتباك…
بتلك الأثناء ارتفع رنين هاتف خالد…اخرجه من جيبه ونظر به…ثم على الفور نهض مستأذنًا منهم:
-هرد على التليفون وجاي علطول.
تركهم وابتعد غافلًا عمن باتت الغيرة تتأكلها…وتنهش بأحشائها….تتساءل عن هوية المتحدث معه..ترى هو رجل أم امرأة؟!!
وصل إليها صوت جابر الماكر والخافض في ذات الوقت:
-اكيد دي اللزقة طليقته…مش سيباه ولا رحماه…
وبدون أن يدري جعلها على وشك الأنفجار…ولاح هذا على ملامحها…..
استطاع تمييز ما يحدث معها فأراد تفاقم الأمور…وتابع:
-اكيد عايزة ترجعله…
عضت شفتيها من الداخل..ولم تتحمل حديثه معقبة:
-وانت جايب منين الثقة دي؟؟ ممكن يبقى اي حد مش لازم هي يعني…
-لا هي اسمعي مني انا عارف أنا بقول إيه..ده أنا جابر يا ماما..جابر اللي بيلقطها وهي طايرة كدة…وبعدين الولية دي مش سهلة…
قالها بثقة زائدة…وهو يضع الورق على الأرض….
اغلق خالد المكالمة ودنا منهم مرة اخرى والبسمة تزين محياه…بسمة جهل عما فعلته بقلب تلك العاشقة……التي اندفعت تستفسر منه بحنق:
-كنت بتكلم مين كل ده؟؟؟؟
لمعت عين خالد ببريق من السعادة من تلك الغيرة، وأجابها بصدق وهو يجلس على الأرض جوار ابنه:
-دي عميلة عندي مسكلها قضية..
وعلى الفور صاح جابر:
-شوفتي مش قولتلك عميلة…بلاش سوء ظن بقى…
انتهى ينظر لخالد الذي لايفقه شيء وبات حاجبيه معقودين بعدم فهم فأوضح له:
-دماغها محدفة يسار….ويسار هنا بمعنى شمال…وقعدت اقولها عميلة عميلة..مفيش فايدة…افتكرتك بتك
كاد يتابع لولا صراخ ابرار عليه بطريقة مغتاظة:
-ما تخرس بقى..
-ايه ده أنتِ بتزعقيلي…طب مش لاعب..أنا محدش يزعقلي..العبوا مع نفسكم بقى….
ترك الورق ونهض فلم يتبقى سوى الثلاث…حاول خالد الحديث فقالت له بطريقة حاولت أن تكن هادئة:
-بص انا قاعدة عشان خاطر وسام..فـ يلا نبدء و وزع الورق ومتكلمش معايا خالص..
مالبث فتح فمه فقالت بإصرار :
-لو سمحت متكلمش معايا قولت ويلا..
كبح ضحكته وباشر بتوزيع الورق واللعب ومساعدة ابنه على اللعب…وبعد وقت كانت أبرار هي الخاسرة..
هلل وسام وقال بحماس:
-انا..انا اللي هحكم على أبرار…
ابتسمت عليه وقالت بترقب:
-مش عارفة ليه حساك فرحان فيا…معأنك كان نفسك تخسر.
أومأ يؤكد لها رافعًا سبابته جوار جبينه يضرب به عليه يتصنع التفكير..وبعد وقت قال:
-أنا عايز ابرار تبوس بابي…
اختفت بسمتها وظهرت بسمة خالد متمتم مع ذاته:
-يا حبيب قلبي..هي دي الأحكام ولا بلاش…
صدمت ابرار واعتذرت إليه:
-حبيبي مينفعش نهائي اللي بتقوله ده شوف حاجة غير دي…
أيدها خالد وقال من وراء قلبه:
-ايوة مينفعش شوف حاجة غيرها يا حبيبي…
تأفف وعاد يفكر ثم صاح يخبرها:
-خلاص بوسي وسام تلت بوسات..هنا وهنا وهنا..
أشار على وجنتيه وجبينه…فأبتسمت باتساع و وافقته مقبلة إياه أمام خالد الذي صك على أسنانه وقال يخبرها بمرح:
-هو كان هيبقى عيب اوي يعني..
تجاهلته ونهضوا اخيرًا ولحقوا بالبقية يشاركون إياهم بمشاهدة التلفاز…..
***************
-ايه ده اومال فين وعد؟؟
تساءلت “أبرار” بعدما انتبهت لغيابها وعدم تواجدها بينهم، كادت رحمة ان تتحدث وتخبرها بصعودها لاعلى لارتداء معطف ثقيل وعدم هبوطها بعد، لولا صوتها الذي وصل إليهم، مجيبة عليها بنبرة مرتجفة:
-وعد متلجة…مش حاسة لا بصوابعها ولا بمناخيرها..
تبسم وجه أشرف ما أن التقطتها عيناه…وسرعان ما تحولت تلك البسمة إلى ضحكات يشاركها معهم على هيئتها فقد هبطت بغطاء الفراش واحكمته حولها جيدًا بدءًا من رأسها حتى أخمص قدميها ولا يظهر منها سوى وجهها فقط….
انزعجت من ضحكاتهم وصاحت وهي تتحرك قاصدة المكان الفارغ جوار زوجها:
-بتضحكوا على ايه..انا واحدة سقعانة واضحك عليها..كله كان بيقول الدبلة بدفي..الدبلة بدفي..لحد ما صدقتهم..وطلعت لا بدفي ولا نيلة…بس ملحوقة معدتش هصدق بوستات الفيس..واللي هلمحها بتقول انها بدفي هدخل اهزقها…
-انتِ غبية يا بت هي الدبلة هدفي ازاي يعني؟ ايه الهبل ده!
رددتها وئام، فصاحت وعد توافقها:
-تصدقي اول مرة تقولي حاجة صح..انا المرة دي بعترف اني هبلة وصدقت….
رددت الأخيرة وهي تناظر “آدم” محدثة إياه بمرح:
-يلا يا دومي هاتلنا فيلم كدة يكون رعب ينسينا التلج ده..
وافق آدم وبدأ بحثه…بتلك الأثناء كان مروان منشغلًا بشيء آخر..ألا وهو متابعة وئام الجالسة جوار عابد….
حاول تمالك نفسه كثيرًا حتى لا ينهض ويجلس بالمنتصف بينهم…لكن لم يعد يتحمل ونهض واقفًا أمامهم مغمغم:
-زيح شوية كدة يا بني خليني اقعد.
ظهرت بوادر الاستنكار على ملامح عابد الذي تبادل النظرات مع وئام وقال وهو يفسح له بجواره من الاتجاه الآخر:
-اتفضل يا عمي اقعد جمبي…
رفض وأشار له بالمنتصف مغمغم:
-لا معلش مش بحب اقعد على الحرف بحب النص..بذات لو هتفرج على فيلم رعب…اصلي بترعب..بحس أن اللي بيحصل في الفيلم هيحصل معايا…وبعدين أنت هتتساير معايا..ما تتاخر يالا..
وعلى مضض ابتعد تاركًا له مجالًا….كبح جابر وأشرف وخالد ضحكاتهم أما نضال فقد أبتسم بسعادة فقد امتنع هو من الجلوس بجوارها.. أما هو فكان يجلس جوار داليدا….وينعم بقربها.
انتبهت لابتسامته وهمست بعتاب:
-عيب كدة على فكرة…
-على فكرة مش عيب خالص..يستاهل..خليه يشوف اللي انا شوفته….بقولك إيه..
-لا ابوس ايدك متقولش..
أصر على القول متمتم بمرح:
-لا هقول، اول ما عمك يشغل الفيلم والدنيا تضلم زي السينما كدة اديني بوسة.
عضت على شفتيها وعقبت بخفوت:
-انت بقيت قليل الادب اوي بجد..وشكلي
لم تتابع لمقاطعه مروان حديثهم قائلًا لـ أحمد الذي كان يجلس جوار والدته:
-واد يا حمادة حسك مش مرتاح في قعدتك وبتخاف زيي..قوم اقعد جمب نضال وبنت عمك داليدا يلا…بس في النص خليك ناصح..
تبسم احمد بمكر ونهض مستجيبًا لحديثه:
-صح انا برضو حسيت اني مش مرتاح…
نظر نضال حوله ثم خلفه متمتم ببلاهة:
-نضال وداليدا دول اللي هما احنا؟؟؟
أكد أحمد له وهو يجلس بالمنتصف عنوة:
-اومال مين..هو فيه غيركم..صباح الفل…
وبحنق بالغ كان يتحدث يرفض ما يحدث:
-فل إيه ده زفت على دماغك..انت تقعد في النص ليه افهم…أنا محدش غيري يقعد جمب مراتي…جرا ايه يا عمي سليم ما تكلم..
سبق أحمد سليم، متمتم:
-وهو انا غريب ده اخوها الصغير..ده انا اعرفها من قبلك دي…اسكت اسكت الفيلم بدء….
شعر عابد بالتشفي لما حدث معه..كذلك اغلقوا الإضاءة وبدء الفيلم وعم الصمت والهدوء التام…… …أما أشرف فأقترب بوجهه من وعد وقال لها:
-عارفة الجو ده محتاج إيه؟؟
ردت عليه وعيناها لا تنزاح من أعلى الشاشة محتضنة القط الذي صعد على قدميها:
-طبق محشي مشكل من اللي موجود في المطبخ دلوقتي.
عض على شفتاه ونفى هذا، متمتم:
-لا مش قصدي كدة يا مفجوعة انتِ…هي حاجة من تلت حروف..
ردت ببساطة:
-واضحة…تلت حروف يبقى عدس.
-يا بنتي بقى همد ايدي عليكي أنتِ مفيش في دماغك غير الأكل؟!!! حاجة يا وعد من تلت حروف ومش أكلة…
قلبت عيناها بتفكير ثم ابتسمت باتساع وكأنها قد وجدتها:
-عرفت…
-أخيرًا..
قالها بحماس وترقب لما هو قادم وسيخرج من شفتيها فتابعت مغمغمة:
-سحلب…
اكفهر وجهه ولم يعلق اكتفى بمطالعتها بحنق…فنظرت إليه وسرعان ما انتبهت وصاحت:
-لا السحلب من أربعة مش تلاتة…طب ايه حمص؟ ولا تكونش درة ؟!
ابتسم لها بغلاظة متعمدة مغمغم بغل:
-اتفرجي يا وعد اتفرجي…
أما خالد فكان لا يرى سواها رغم تجاهلها له والذي كان سببه غيرتها…فلم يضايقه هذا بل جعله يشعر بانه يرفرف وبأنه يملك السعادة بين يديه…
لم يختلف حال جابر كثيرًا و رغم تفكيره بها إلا أنه حاول ألا ينظر لها متذكرًا كلمات خليل الذي كان دائمًا يلقيها عليه
“غض بصرك…”
وبالفعل فعل هذا مبتسمًا بسعادة من ذاته فاليوم و رغم تواجده معهم إلا أنه حافظ على تأدية صلاته ولم يسمح بأن يشغله أو يلهيه شيء …
بعد وقت من متابعتهم وتركيزهم مع هذا الفيلم صاح مروان مهللًا معلقًا على إحدى المشاهد مسببًا فزعهم:
-غبي..غبي..مراتك هتقفشك يا متخلف..يعني خاين واهبل…الله يخربيتكم….اداري طيب خش ورا الشجرة يا متخلف بدل ما انت باين كدة…عيل متخلف ولعلمكم مراته شكلها هي اللي ورا اللي بيحصل ده كله..
صرخت رحمة به مغمغمة:
-يا اخي ارحمنا بقى يخربيت كدة…فزعت اللي خلفونا.
-يعني عايزة تفهميني انك مش مفزوعة من الفيلم واللي بيحصل فيه وانا اللي فزعتك…
لاحت شبه بسمة على وجه سليم وصاح بنبرة ذات مغزى يعقب على حديث مروان:
-بمناسبة الشجرة وكدة اعرف واحد اتقفش مع واحدة ورا شجرة برضو …لا ومين اللي قفشتوا اللي بقت مراته بعد كدة وعملتله فضيحة بجلاجل وقتها كانوا يطيقوا العما ولا يطيقوا بعض سبحان مغير الاحوال….تعرفوا يا مروان؟
-وانا هعرفه منين يعني…اسكت اسكت…
ضحك بسام وإياس وأيهم مدركين مغزى كلماته وتلميحه و رميه بالحديث نحو مروان …الذي انكمش بجلسته متجنبًا نظرات علياء نحوه….فقد تذكرت ذلك اليوم وكيف رأته ذات يوم مع إحدى الفتيات..وقامت بفضحه وتسببت في طرده من المنزل بعدما علم جده بالأمر و وقتها كانوا يبغضون بعضهم البعض وتدريجيًا بات عاشقًا لها وتبدل لآخر من أجلها..…….
*****************
بعد ساعة ونص تقريبًا غادر الشباب وعادوا إلى الشاليه القاطنين به….وما أن وطأت قدميهم للداخل وأغُلق الباب حتى انتبه جابر لفعلة عابد من تسلل يده إلى حزام سرواله فصاح بمرح:
-أنت بتعمل ايه ياض؟!!
خمن نضال ما يوشك حدوثه…فأنتهز حديث جابر معه وانشغال البقية معهم وتسلل خلسة….والجًا إحدى الغرف والتي كان خليل ينام بها مختبئًا داخل الخزانة مغلقًا على ذاته بهدوء وحرص جالسًا بالداخل حتى ينتهى ما يحدث بالخارج…
بدأ الشك يغمر قلب جابر ولكي يمنع اخيه من التطاول عليه…لم يجد أمامه سوى “وسام” فقام بحمله على الفور على كتفيه وبدأ بالركض به…وعابد من خلفه..متجاهلًا أشرف و خالد تمامًا……متمتم بغيظ وغضب:
-بقى الواد لزقلها بغره وعامل فيها الصدر الحنين مش كدة…ده انا اللي هلزقك بغرة دلوقتي….ده الواد مرفعش عينه فيها…وسلم عليا بالاحضان…يا كداب…
توقف جابر معلقًا وسام بالهواء كحاجز بينه وبين أخيه لا يبالي بضحكات الصغير التي تطلق عاليًا…متمتم:
-يمكن بيعمل كدة بس عشان انت موجود…
-ياض بطل كدب بقى على ابو شكلك يا أخي….
-طب على فكرة مش أنا صاحب الفكرة أخوك نضال هو السبب..انا مليش دعوة يا عم..هو اللي فضل يقولي ولعها ولعها..الهي تولع يا نضال…
-ده انا اللي هولع فيكم…هو فين….هو فين…..انت يا نضال الزفت..
دنا أشرف منه يحثه على الهدوء مغمغم:
-ما تهدأ يا عابد خليل اكيد نايم هتصحيه….
-دمي محروق يا أشرف..انت متعرفش استفزوني إزاي..وكنت هعمل كام حادثة على الطريق بسببهم….
عقب جابر بتهكم:
-الله !!! يعني الحق علينا اننا عايزين نصالحك معاها طب تصدق انت مينفعش الواحد يعمل معاك خير..ده لولا أنا انهاردة كان حماك المتخلف قفشك وطلع عينك…بص روح حاسب نضال لأن اولا هو صاحب الفكرة…ثانيا هو اللي دخل جاب حماك وخرجه عشان يشوفك…
ومع هتافه الاخيرة حمل الصغير بشكل لائق وطبيعي وبحركة مباغتة لم يتوقعها عطس الصغير بوجهه رغمًا عنه….
انكمش وجهه اشمئزازًا وهو يتركه:
-شكرا يابن الكلب…
في ذات الوقت تكاظم غضب عابد ولم يصيح الا بإسم أخيه المختبئ:
-نـــــــضـــــــال…..
ضرب نضال على وجهه برفق من صراخه بإسمه مغمغم بخفوت:
-يا حوستي السودة ياني ياما…
هنا وفُتحت الخزانة وصاحبها صوت خليل المصدوم من جلوسه بالداخل:
-أنت بتعمل ايه هنا..ده انا افتكرتك فأر يخربيت كدة…
-استر عليا الله يخليك..اقفل الدولاب ولا كانك شوفتني.. أخوك عابد مستحلفلي..وجابر الفتان اكيد فتن…كلب ويعملها…
-أنا مش فاهم حاجة !!
-مش مهم..مش لازم تفهم اقفل بس و
دخل عابد بتلك اللحظة ورآه بتلك الوضعية…ابتلع نضال ريقة واستمع لكلمات عابد وهو يخرج بتوتر طفيف من الخزانة:
-بقى رايح تفتن عليا..وانت اللي مسلط اخوك جابر…
-كداب في أصل وشه…
-والله !!! ومدام هو كداب استخبيت ليه…ما أنت لو صادق وبتقول الحق مش هتستخبى زي الحرامية…..
زفر نضال ورسم الهدوء والجدية على وجهه قائلًا :
-بص يا عابد انا هفهمك..كل الحكاية أن هما علمونا..أن الجري نص الجدعنة….
قالها وهو ينحنى بجسده يهرب من قبضته مفارقًا الغرفة والجًا أخرى مغلقًا عليه من الداخل متنفسًا الصعداء لتمكنه من الهروب…….متمتم بصوت عالي:
-سامحنى يا اخويا كانت نيتي خير والله..وبعدين انت المفروض تشكرني انتوا اتصالحتوا بسببي..
****************
اليوم التالي..
يسير خالد رفقة إياس بالخارج بعد أن طلب منه محادثته منفردًا..بعيدًا عن الجميع..متلهفًا لمعرفة جوابه وإذا كان موافقًا عليه أم لا…
توقف عن السير مخرجًا ما لديه من قلق يلازمه:
-كنت حابب اعرف رأي حضرتك لاني بصراحة متوتر..وعايش على اعصابي..فلو تعمل فيا معروف وتعرفني قرار حضرتك…
حدق “إياس” بعيناه وتساءل بتمعن شديد:
-قولي يا خالد لو وافقت عليك واديتك بنتي..هتعرف تسعدها زي ما أنا و والدتها وكلنا بنعمل معاها؟..يعني شايف نفسك جدير بيها..ومش هتزعلها يوم؟
وبدون تفكير كان يجيب يؤكد على كل ما تلفظ به:
-بأذن الله ده مش هيحصل..انا مش واخدها ازعلها أو اطلع أي عقد عليها..انا الحمد لله معنديش عقد…وبعرف اقدر النعمة كويس أوي..وأبرار نعمة لو دخلت حياتي هفضل احمد ربنا عليها وادعيه بأنها متزولش من حياتي…
-يبقى هستناك تشرب معانا القهوة أول ما نرجع… عشان نتفق ونقرأ الفاتحة….
ضحك بفرحة لم يتصورها إياس، متمتم:
-أنا بجد مش عارف اقول لحضرتك إيه….
-متقولش اهم حاجة عندي بنتي تبقى في عينيك..اكتر من كدة مش عايز..
-دي مش في عيني..دي هي عيني اللي هشوف بيها…
تحدث بصدق ولهفة بسيطة…ثم صمت وحمحم قبل أن يضيف:
-أنا كنت حابب البسها الشبكة مع الفاتحة..ونحدد ميعاد الفرح علطول…يعني بصراحة مش حابب استنى لبعد ما تخلص دراسة…ممكن تكمل اللي باقي في بيتي..وده طبعا بعد إذن حضرتك…….
يتبع.
فاطمة محمد.
رأيكم وتوقعاتكم. 💜💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.