رواية عازف بنيران قلبي – الفصل السادس
البارت السادس
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
مبارك يانفسي عليكِ وجعي..مبارك الغدر والطعن، كنت سأحاربُ بها الحياة ولكنها أعلنت الكبرياء..وأنا لم أصمت بل أعلنت القسوة الجفاء ..فهل يُكتب لنا الفراق أم يكتب لنا اللقاء …؟!
❈-❈-❈
وصلت ليلى لمنزلها وجدت ذاك المتجبر يجلس أمام والديها يضع ساقًا فوق الأخرى..
دلفت وهي ترمقه بنظراتٍ غاضبة :
-بتعمل إيه هنا ؟!.نصب عوده ووقف بمقابلتها، وأردف وهو يضع تبغه بفمه:
– عروستي الجميلة أخيرًا وصلت، وضعت حقيبتها وجلست بجوار والدها ثم رمقته بسخرية:
– وجودك مرفوض في بيتنا وياله أطلع برة، ياإما اتصلك بالشرطة.
دنا منها وأمال بجسده يحاوطها بذراعيه:
– تؤتؤ يالولا ياحبيبتي..كدا ماجد يزعل وزعله وحش جدًا حتى أسألي والدك..كنا لسة بنتفق..
نهض عاصم واتجه لباب منزله وفتحه على مصراعيه:
-امشي اطلع برة..ولو جيت هنا تاني صدقني هقتلك..قهقه بضحكاتٍ صاخبة فاعتدل ينظر إلى عاصم:
– والدك الحبيب ماضيلي على شيك عشرة مليون جنيه
، وإنتِ عارفة يالولا فلوسي غالية عليا أوي..قدامك تلات تيام ياأما ترجعلي فلوسي ياإما يوم الخميس هكتب على جميلة الجميلات.
قالها وتحرك خارجًا، شعر والدها بوخز قوي بقلبه..فجلس يضع يده على صدره..
أسرعت سمية إليه عندما وجدت تغير بوجهه..
-عاصم إنت كويس ..؟!ابتلعت ليلى حزنها واتجهت لوالدها ترسم ابتسامة:
-إيه يابابا!..وعى تكون خُفت منه دا بق على الفاضي..جلست على عقبيها أمامه ورفعت كفه وقبلته:
– بابا حبيبي مش عايزاك تخاف..متشلش هم، من بكرة هوقفه عند حده..ضم والدها وجهها:
– ليلى ابعدي عنه حبيبتي وأنا هقول لوالده يعرف يوقفه عند حده..
استمعت رنين هاتفها فوقفت متجهة إليه:
وجدت اسمه منقوشا على هاتفها، ابتسامة عفوية ظهرت على وجهها..ولكنها تذكرت ماصار..فوضعت الهاتف مرةً أخرى ولم تجبه..كان والديها يراقبان حركاتها..
– مين ياليلى ..؟! قالتها سمية بتساؤل،
وزعت نظرها بين الهاتف وبين والدتها وتحدثت بتقطع:
-دي ..دي أسما ياماما..دنت والداتها وهي تربت على كتفها:
– خالتو عاملة إيه ؟ وليه روحتي المزرعة مش البيت؟..صمتت وكأن أسئلة والدتها خرجت عن المألوف ولم تعلم بماذا تجيبها..
قاطع حديثهما درة التي استيقظت من النوم وأنقذت ليلى من براثن أسئلة والدتها..
– ماما مش قولتلك صحيني الساعة خمسة..دلوقتي الساعة تمانية وعندي تست بكرة ينفع كدا..أووف ياماما، قالتها بصوتٍ ناعسٍ ثم اتجهت لغرفتها وهي تزفر بغضب..
عند يونس..
خرج متجهًا إلى المزرعة..استمع لرنين هاتفه..فتح الخط وتحدث:
– أيوة ياسيلين، على الجهة الأخرى كانت تجلس بحديقة المنزل تحت قطرات المطر وتبتسم بحب:
– يونس فينك مختفي فكرتك هتستناني..أنا آسفة لسة واصلين من ساعة بس..وحشتني أوي ..
أغمض جفنيه بألم..فقد اشتاقها كثيرًا..اشتاق لضحكاتها البريئة..ولمسة يديها الناعمة..ولكنه لم يجد كلماتٍ تعبر مايجيش بصدره، سحب نفسًا وتحدث إليها على غير عادته:
سيلين لو مفيش حاجة مهمة ممكن نتكلم بعدين ..توقفت تستمع إلى كلماته القاسية:
– يونس إنت زعلان علشان روحت مع سليم شرم ..ماهو راكان اللي شرط بكدا.
تجهمت ملامحه من صوتها الرقيق الذي اخترق قلبه ورغم ذلك صاح بغضب:
– سيلين أنا بقولك مش فاضي مبتفهميش..
اغرورقت مقلتيها بالدموع والحزن..وأردفت بصوتٍ مكتومٍ باكي:
-آسفة..قالتها ثم أغلقت الهاتف دون حديث آخر ..توقف يونس بالسيارة على جانب الطريق وبدأ يضرب على قيادة السيارة ويصيح بغضب:
– ليه عملتوا معايا كدا، ليه ضحكتوا عليا..مسح على وجهه بغضب وحاول أن يهدأ..عقد العزم على اقتلاعها من قلبه..لحظات وهو يحاول السيطرة على انفعالاته..ثم أدار السيارة مرةً أخرى متجهًا إلى المزرعة.
عند سيلين..
جلست تنظر حولها بتشتت تحاول أن تفهم لما ابتعد عنها في تلك الفترة..فهو منذ شهر وحالته متغيرة..آهاتٍ ملتاعة مصاحبة بنبرة مرتعشة من تغيره المفاجئ ..انسدلت عبراتها تغسل وجنتيها:
-ياترى إيه اللي مغيرك يايونس؟! ودا وعدك ليا إنك هتتحدى الدنيا كلها علشاني..
شعرت بدوار يضرب رأسها من فكرة اقترابهِ من سارة في فترة غيابها..
❈-❈-❈
قاطع حديثها مع نفسها وصول سليم:
-سيلي قاعدة كدا ليه في المطر؟..إنتِ مجنونة قومي هدومك اتبلت كلها..
ظلت كماهي وكأنها لم تستمع إليه..جلس بجوارها يضمها لأحضانه:
– حبيبتي مالك قاعدة ليه كدا؟ من وقت مارجعنا من شرم وإنتِ كدا..مش هتغيري؟..
أزالت عبراتها دون أن يلاحظ وأردفت بصوت جعلته متزنا..حيث خبأت آهاتها الصارخة وخيباتها وأجابته بقلب مفطور:
– كنت مستنية أبيه راكان وحشني أوي.
شعر بلهيبٍ بصدره كلما تذكر حديث يونس الغاضب قبل سفرهم بيوم واحدا..فاتجه إليها يمسد على خصلاتها وضمها لأحضانه:
– قومي ياقلبي علشان ماتخديش برد..وراكان أكيد لو عرف إنك رجعتي هيطلعلك على طول هو عنده كام سيلي بس…
أومأت برأسها ثم توقفت متجهة للداخل..كان يراقب دلوفها وهي تتحرك بروح مسلوبة، أطبق على جفنيه حزنًا عليها فهمس لنفسه:
– ياترى عملت إيه يايونس مخليها كدا، زفر غاضبا من حالة أخته وظل جالسًا كما هو..إلى أن أتت فرح وجلست بجواره:
– عامل إيه؟..حمدلله على السلامة..استدار ينظر إليها وابتسم لها:
– الله يسلمك، أوعي تكوني إنتِ كمان بتحبي المطر..إيه اللي منزلك في المطر؟..دنت من جلوسه متعمدة إثارة قربها ثم ضمت ذراعه:
-يمكن علشان وحشتني وجاية أسلم عليك.
أنزل يدها بهدوء وأجابها:
-فرح إنتِ زيك زي سيلين..أخذ نفسًا ثم زفره وأكمل مستطردًا:
-وانسي كلام جدو لأني مرتبط..وخلال يومين هعلن إرتباطي بيها..قالها ثم نهض متجهًا لمنزله..
كسا الوجوم ملامحها وهي تجز على أسنانها:
– والله طيب هشوف كلام مين اللي هيمشي ياسليم، قال مرتبط..قالتها بغضب دفين..
عند راكان ونوح ..بعد ذهاب أسما ولميا..
جلس وبدأ يتجرع بعضًا من أنواع الكحول..
جذب نوح الكوب من يديه وصاح به بغضب؛
-أكيد اتجننت ياراكان ..إيه الهبل دا من إمتى وإنت بتشرب كدا!!..
رجع بجسده وهو يتكئ بظهره على المقعد وبدأ ينفث تبغه حتى أخفى جسده خلف غبارها:
– بنت خالتك دي خرجت عن المألوف، صدقني أنا اللي مصبرني عليها القرابة اللي بينكم، بتصل بيها مبتردش، دنا نوح بجسده منه وتساءل:
– ليه الدنجوان كان ناوي يعمل إيه لو ليلى مش قريبتي ؟!
نفث دخان سيجاره وهو يطالع نوح بهدوء مميت:
– كنت خطفتها، صدمة تجلت على ملامح نوح فأردف:
– لا أكيد اتجننت مش كدا!..من إمتى وإنت كدا..ظل ينفث تبغه بشراسة ثم توقف ينظر من خلف زجاج النافذة:
– ولو قولتلك أنا مبقتش عارف نفسي..اتجه بأنظاره إلى نوح وأكمل :
– من يوم قضية باباها وأنا بقرب منها أو تقدر تقول بقربها مني..عارف أنك هتتصدم وعارف هتقول وصلت لمرحلة ضعف..اتجه بخطواته ونظر إلي نوح الذي ظهر على ملامح وجهه الغضب:
– غصب عني..شدتني بطريقة مثيرة، مكنش ينفع أقولك..كنت عايز أتأكد من مشاعري، ولا هتكون زي غيرها..ابتسم بسخرية وأكمل:
– إنت مفكر نزولي الشركة علشان بابا طلب مني كدا؟..طيب ماهو بيطلب بقاله سنين..وبلاش أقولك إيه ورا تخطيط توفيق البنداري..سحب نفسًا وأغمض عينيه :
– نزلت علشانها وبس..علشان أقرب منها..علمت فيا ياأخي هو مش من حقي أحب وأتحب بعد اللي غدروا بيا؟..وقبل ماتقولي هتضعفك ياراكان…هقولك أنا ضعفت فعلًا يانوح..بقيت زي الطفل قدامها..بتقولي كلام لو واحدة تانية كنت دفنتها، لكن منها بيكون على قلبي زي نسمة الربيع في عز الحر .
تنفس بتثاقل وكأن حجرًا يطبق على صدره ثم قال بوجع مرير:
كان نفسي أصارحك وأصارحها من بدري، لكن غصب عني بقيت أشك في كل الستات، رفع نظره إليه بحزن وشعر بقلبه يُقتلع من بين ضلوعه:
– ليلى لو كانت زيهم صدقني هتبقى نهايتي..فكان لازم أصبر شوية وأتأكد من حبي ومنها..
ظل جالسًا يستمع إليه بقلب مفطور، ثم ابتلع ريقه محمحمًا:
– راكان إنت عرفت إيه عن ليلى، علشان تتمسك بيها كدا..توقف نوح أمامه، قبل ماتكون صاحبي هي بنت خالتي، يعني مقدرش أشوفها بتقرب من النار وأسبيها تحترق.
تنهد بألمٍ وشعور بالاختناق يعيق خروج زفراته الحارقة يريد صفع نوح بقوة على وجهه، ورغم ذلك حاول السيطرة على غضبه:
– قصدك قرب ليلى مني نار يانوح..يعني أنا بحرقها؟..بعد اللي حكتهولك دا بتقولي هحرقها!!.
اشتعلت نظرات نوح بشكل مخيف وهتف بغضب:
-اخرس..قالها واتجه إلى سيارته.
– رفع هاتفه وحاول الاتصال بها عدة مرات ولكن ككل مرة، لا يوجد رد… فقد الأمل ولكن بمرته الأخيرة قبل الانتهاء فتحت الخط بيد مرتعشة ونبضات هادرة:
– أيوة مين؟ قالتها بصعوبة لعلمها من المتصل..استمعت لأنفاسه العالية التي زعمت أنها لو أمامه لأحرقها بها،
أخرجت زفرة حادة عند صمته علها تهدأ من ذاك المتجبر الذي يشعل أعصابها..
– لو مقولتش إنت مين هقفل في وشك.
عقد حاجبيه وهو يقود السيارة ويتلذذ بصوتها الغاضب، لقد أخرجته من حالته الغاضبة ببعض كلماتها التي أصبحت دواءً لداء عشقه، فأردف بهدوء:
– عايز أتكلم معاكي، بكرة الصبح هستناكِ في مكتبي، ومش عايز اعتراض.
صدمة ثم ذهول فتمتمت بصوتٍ خافت:
– أي أوامر تانية حضرت الطاووس المغرور؟.
توقف بالسيارة فجأة حتى أصدرت صريرًا مرتفعًا وابتسامة عفوية خرجت من بين شفتيه، تمنى لو رآها أمامه لسحقها بأحضانه..قاطعه صوتها:
– حضرة الطاووس المغرور قفل السكة؟..حبيت أسأل علشان ميقولش قاطعها..
– لا ياحضرة ذات اللسان السليط، ابتسمت بخفوت على صوته الغاضب..
تجولت أنظاره على معالم الطريق وأخذ نفسًا وأخرجه بهدوء:
– ليلى فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه.
تسمرت بوقفتها ودقات عنيفة أصابت قلبها، أحست بأن سيقانها لم تحملنها..فجلست على مخدعها تتنفس بهدوء، تستمع لنبرة صوته الرجولية التي تنسيها العالم بأكمله؛
وجد صمتها طال فابتسم فلقد سدد هدفه ببراعة هداف متقن فأكمل حديثه وهو مازال ينظر على الطريق:
– أنا كنت عايز أكلمك النهاردة ولكن كالعادة حضرتك هربتي ومدتنيش فرصة أتكلم.
أغمضت جفونها باستسلام حتى أخرجها عقلها من حالتها:
– الموضوع متعلق بالشغل؟. تساءلت بها وتمنت أن يكذب حديثها..
-لا ياليلى مش بالشغل خالص..ولو ترضي نتقابل في مكان ونتكلم على راحتنا معنديش مانع، قاطعته سريعًا:
– لا طبعا مينفعش..وكمان مينفعش تتصل بيا برة الشغل..بعد إذنك هقفل دلوقتي.
رد عليها بزفرة خافتة:
– تمام متتأخريش بكرة..قالها وأغلق الهاتف قبلها يزفر بغضب على شراستها في الحديث..أرجع جسده على المقعد:
– وبعدهالك ياراكان آخرة لعبة القط والفار دي إيه، أتمنى متعصبنيش ياليلى.
❈-❈-❈
بمنزل عاصم المحجوب وخاصة بغرفة درة..
كانت منهمكة بالمذاكرة والتخطيط لبعض المشروعات المقدمة إليها لتجتاز اختبارها..قاطع انهماكها رنين هاتفها..ابتسمت عندما وجدته خطيبها:
– عاملة إيه؟ استنيت تليفونك..
اتجهت تجلس على مخدعها وهي ترجع خصلاتها السوادء كسواد الليل:
– صحيت متأخر ولسة يادوب مخلصة كام مخطط..إنت عامل إيه؟.
على الجانب الآخر كان يجلس بجوار ابنة خالته ووالدته يتناول العشاء..
– اعملي حسابك بكرة بعد الجامعة هنخرج مع بعض شوية..ارتبكت بجوابها وحاولت الحديث:
– نور إحنا اتكلمنا في الموضوع دا كتير، قولتلك بابا هيرفض متنساش مفيش بينا رابط قوي..نهض وحاول السيطرة على انفعاله:
– ماليش دعوة، أنا عايز أخرج مع خطيبتي براحتنا، عايز أحس إني خاطب مش مجرد رايح زيارة وخلاص..
لم تتحمل الكثير من حديثه الغاضب فتحدثت:
– نور أنا مشغولة دلوقتي، ممكن نتكلم بعدين، بعد إذنك هقفل دلوقتي.
ألقى الهاتف بغضب أمام ابنة خاله ولم تكن سوى سارة ..
ابتسمت بخبث:
– علشان تعرف إزاي تروح تخطب واحدة مش من مستواك..وصلت عايدة حيث جلوسهم ونظرت إلى نور:
– مالكم فيه إيه؟..لكزت ابنتها وتحدثت بغضب :
– إنتِ زعلتي ابن خالتك في إيه ياسارة؟..
مطت شفتيها وهي تنظر إلى نور بسخرية:
– مش أنا ياماما..البنت اللي خاطبها دي، حتى أسألي خالتو هي سمعت المكالمة.
اشتعلت نظرات نور الموجهة إلى سارة فنصب عوده وجمع أشيائه وهو يرمقها بغضب:
– ياريت تاخدي بالك من دكتورك الفاشل اللي مش قادرة عليه، قالها وتحرك للخارج..
اتجهت بأنظارها إلى خالتها التي تدعى بسلوى:
– شوفتي إبنك ياخالتو بيقول إيه؟..وضعت شريحة اللحم بفمها وبدأت تلوكها بهدوء، ثم رفعت نظرها إلى سارة:
– عايزة منه إيه ياسارة؟..مش دا نور اللي مقدرتيش تحبيه وسبتوا بعض، هو حر خليه يتعامل مع خطيبته براحته.
قاطعتها عايدة قائلة باعتراض:
– ماهو ابنك اللي معجبوش ياسلوى هنيجي دلوقتي نتحاسب، وبعدين إنتِ عارفة سارة من صغرها مرتبطة بيونس.
رمقتها سلوى بسخرية..فدنت منها وتحدثت بخبث:
– يونس اللي رايح جاي مع بنت أسعد ياعايدة..فاكرة أسعد؟..
عند ليلى بعد إغلاقها الهاتف بتلك الطريقة..
ظلت تتجول بالغرفة ذهابًا وإيابًا كالأسد الجائع، ثم أرجعت خصلاتها للخلف بقوة كادت تقتلعها:
– هو مفكر نفسه مين؟ حاولت أخذ أنفاسها التي سلبها منها..شهيقًا وزفيرًا حتى هدأت تمامًا وذهبت بذاكراتها لليوم الذي حفرته بقلبها، اليوم وهي قريبه منه تذكرت نظراته وهو يضمها عندما سقطت من فوق الحصان..وحديثه لها:
– لما تيجي تركبي الحصان بلاش حركاتك دي..كان ممكن تتئذي..قالها وهو يمسد على ظهر الحصان وهي بجواره..
أمسك بعض الطعام الخاص به من حبوب ووضعها بكفها وأمسك كفها يقربها من فم الحصان..ونظر لمقلتيها:
– حسسيه إنك مهتمة بيه..خليه يحس بحنانك..رفع كفيها فوق كفيه وأطعم الحصان، اتجهت ببصرها تنظر إلى وجهه القريب وكفيها فوق كفيه، استدار إليها وابتسامة جميلة على وجهه جعلته كنجمٍ سينمائي يخطف القلب والعقل ثم أردف لها بهمسٍ خافت:
– على فكرة الحصان دا بقى ملكك خلاص محدش يقدر يقرب منه..أغمضت عينيها فكانت زخات المطر تشتد من فوقهما..خلع جاكيته ووضعه فوق أكتافها:
– خليه علشان هدومك ماتتبلش..كان يرتدي قميصه الأبيض كحال قلبه في ذاك الوقت..رفعت نظرها إلى صدره وتذكرت تلك الرصاصة التي اخترقت صدره:
كأن وجود الدماء مازال على قميصه فارتجفت شفتيها وتحدثت مسلوبة الإرادة من قربه الذي زلزل كيانها:
– الجرح عامل إيه ؟ مكنش قصدي وقتها.
قطع حديثها عندما ابتسم إليها:
– عارف مكنش قصدك..أنا كويس وبعدين لسة فاكرة؟
ابتعدت عنه برفق تطرق رأسها للأسفل قائلةً بشفتين مزمومتين:
– على فكرة كنت بسأل سليم عليك، مين كان عايز يموتك..اكتفى بتنهيدةٍ مرتجفة أفلتت من بين شفتيه:
– دول ناس مكنش عاجبهم الحكم في القضية، فحاولوا يتخلصوا مني ،ودي مش أول ولا آخر مرة.
ظلت صامتة لثوان تحاول تنظم دقاتها الهادرة وأنفاسها العارية أمامه من فكرة فقدانه، حمحم مردفًا:
– بلاش سليم دي، ليه بتحسسيني إنكو أصحاب..تحركت عندما لم تجد ما تجيبه ولكنها توفقت بعد خطوة وأمسكت جاكيته:
– مش محتاجاه اتفضله، جذب الجاكيت ووضعه فوقهما و تحركا متجهين إلى نوح وهو يتحدث:
– امشي ياليلى متخليش صبري ينفذ.
خرجت من شرودها وهي تمسك كنزتها بين يديها تستنشق رائحتهِ كمدمن يتجرع جرعته..استمعت لإشعار رسالة..ظنت أنها منه ولكن جحظت عيناها عندما وجدتها من ذاك المدعو ماجد:
– شوفي يالولا، الشيك هرفعه على باباكي في النيابة، مفيش غير بكرة بس، وبعده نكتب كتابنا.
جلست على الفراش وكأن روحها تُسحب منها وهي تقرب تلك الورقة المصورة ويوجد به إمضاء لوالدها..ظلت جالسة لبعض الوقت، ثم رفعت الهاتف تحاول الوصول إلى حمزة ولكن هاتفه مغلق.
انكمشت ملامح وجهها بامتعاض ولمعت عيناها ببريق الخوف على والدها من ذاك المتجبر..وضعت وجهها بين راحتيها علها تجد مخرجًا من ذلك المأزق..قاطع شرودها مع نفسها رنين هاتفها..
ضيقت عيناها عندما وجدته سليم، رفعت الهاتف وانتظرت حديثه:
– عاملة إيه ياليلى..قالها سليم الذي كان يحتسي مشروبًا دافئًا، وهو يجلس أمام حاسوبه..
أرجعت خصلاتها وأجابته:
– الحمد لله كويسة، حضرتك رجعت؟..كان يدقق بالعمل وأجابها وهو على وضعه:
– أيوة وبراجع على المشروع..جهزي نفسك إنتِ هتسافري مع آسر بكرة إسكندرية علشان تشوفوا كل حاجة على الطبيعة.
مسحت على وجهها وزفرت بحزن:
– ممكن أطلب من حضرتك أجازة يومين، آسفة بس حقيقي محتاجة اليومين دول..
ممكن تشوف حد من الزملا..
ترك جهازه وتساءل:
– ليلى فيه حاجة، بتواجهي أي مشاكل؟..
هزت رأسها رافضة:
– لا يافندم كل حاجة تمام، أنا تعبانة شوية وعايزة أرتاح..أطبق على جفنيه، لقد اشتاق إليها كثيرًا وكان يتمنى أن ترافقه تلك الرحلة..أغلق الهاتف واتجه لشرفة جناحه يتذكر وجهها البريء وحديثها المهذب..دلفت والدته إليه:
– سليم هو راكان لسة مارجعش؟ قالتها زينب وهي تنظر لشرود ابنها..سليم كررتها زينب مرةً أخرى وهي تربت على ظهره حتى أفاق من شروده:
– أيوة ياست الكل..طالعته بنظراتٍ تفحصية ثم تساءلت:
– إيه اللي واخد عقلك ياحبيبي..احتوى كفيها وجذبها تجلس على المقعد وجلس على عقبيه أمامها:
– ماما ابنك بيحب واحدة، برقت عيناها وتسألت:
– ابني مين فيكم؟..إنت ولا راكان؟!
قهقه سليم عليها وغمز بطرف عينه:
– إيه ياست الكل، هو راكان بتاع حب برضو، دا سمعته في مصر كلها..لكزته بكتفه:
– احترم نفسك ياباشمهندس، دا راكان البنداري ..قبّل كفيها:
– بهزر يازوزو إيه متعرفيش الهزار..مسدت على وجنتيه:
– ربنا يسعدك ياحبيبي، وأشوفك إنت وأخوك دايمًا مرتاحين وتتجوزوا وتكونوا أسرة بقى، تنهدت وتجولت بأنظارها في أرجاء الغرفة:
– شوف إنت دلوقتي كملت التمانية وعشرين وهو داخل على الأربعة وتلاتين ولسة أوضكم فاضية ياحبيبي..نفسي أسمع كلمة نَانا من ولادكم.
نصب عوده واتجه لغرفة ملابسه وهو يحادثها:
– طيب ياستِّ الكل جهزي نفسك علشان يومين كدا نروح نعملهم زيارة أنا وأنت وراكان.
تبسمت بحبور وتحدثت لكي تتأكد:
– بجد ياسليم يعني مابتخدنيش على أد عقلي وهتتجوز..هي حلوة؟..حد أعرفه، توقفت فجأة وتساءلت :
– طيب فرح، جدك هيسكت ولا هيوافق ..مش كفاية عدواته مع راكان..
وصل إليها:
– ماما دي حياتنا وجدو مالوش دخل..وأنا وفرح مفيش حاجة بينا غير الأخوة وبس، زيها زي سيلين..
هزت رأسها وتوقفت متجهة للخارج:
– شكل راكان جه، صوت عربيته تحت، تصبح على خير ياحبيبي.
قبّل جبينها : وإنتِ بخير ياست الكل..
بالأسفل وصل راكان وظل جالسًا لبعض الوقت بسيارته، يعيد أحداث اليوم، أغمض عينيه للحظات، ثم ترجل من سيارته ودلف للداخل..
بغرفة سيلين ظلت فترة في شرفتها تنتظر رجوعه بفارغ الصبر..استمعت لصوت سيارته، هبطت سريعًا للأسفل وخرجت من باب القصر متجهةً لفيلتهم، توقفت أمام السيارة وهو يترجل منها، تصنم جسده وهو يراها تقف تعقد ذراعيها وتطالعه بنظراتٍ هادئة رغم اشتياقها الكامل له:
-” سيلين ” أردف بها يونس..تقدمت بخطواتها إلى أن وصلت أمامه:
– أيوة سيلين اللي حبيت تتلاعب بمشاعرها يادكتور، سيلين اللي سلمتك قلبها..فرت دمعة من عينيها تسيل فوق وجنتيها ببطء، وضعت كفها المرتعش وأزالتها:
– مبروك يادكتور، كنت عرفني بدل ماأتفاجئ زي زي الغريب..روح يايونس ربنا ينتقم منك ،لكمته بصدره بقوة:
– إلهي ربنا يوجع قلبك زي ماوجعت قلبي.
قالتها وتحركت من أمامه سريعًا، وعبراتها تسابق خطواتها..أما هو جلس بمكانه..
عندما فقد الحركة يطالع خطواتها المتعثرة، تذكر صباح اليوم:
– ماما اجهزي بالليل هنروح لعمو خالد نطلب سارة، والفرح بعد شهرين…أغمض عينيه بألم شديد، كلما تذكر دموعها ودعواتها عليه.
صباحًا على مائدة الإفطار..هبط للأسفل كان الجميع ينتظرونه لتناول طعامهم:
– صباح الخير يابابا، رد والده تحيته وهو يطالع جريدته..
– راكان إيه رأيك نسافر ألمانيا ياحبيبي، عايزين نخلص من موضوع سيلين دا.
ارتشف قهوته وتوجه لوالده بالحديث:
– الأسبوعين دول مشغول جدًا يابابا..عندي قضيتين مهمين، وغير مشروع الغردقة اللي حضرتك ماصدقت سبت الشغل كله..
– ابعد عن راكان ياأسعد،خليه يشوف شغله وإنت روح خلص موضوع سيلين …كانت تجلس تتناول فطورها بصمتٍ تام..
طالعها بنظرات تقيمية:
– مالك ياسيلي؟ رحلة شرم مش كويسة ولا إيه..هزت رأسها بالنفي:
– أبدًا ياأبيه، بس منمتش كويس..دلفت سارة وهي تنظر إليهم بسعادة وترمق التي تجلس بصمت فتحدثت قائلة:
– صباح الخير ياعمو أسعد، صباح الخير ياطنط زينب..
تبسمت زينب وردَّت تحيتها:
– صباح الخير ياحبيبتي، اقعدي افطري معانا..رفعت نظرها إلى راكان:
اووبا راكي باشا متشيك ورايح على فين ليكون مسافر؟..
اتجه الجميع بنظراته عليه،
قوست سيلين فمها وأجابتها :
– راكي طول عمره وهو شيك، يمكن حضرتك اللي مكنتيش بتركزي، بس معرفش الصراحة النهاردة مركزة أوي ليه..
جذبت مقعد وجلست بجوار سيلين ثم رفعت نظرها إلى زينب:
– طنط زينب ممكن آخد سيلين عند الكوافير النهاردة..حضرتك طبعًا عارفة النهاردة أنا ويونس هنلبس الدبل.
صاعقة قوية هزت جسدها بل ارتعشت يديها وتساقط كوب الماء من يديها، رفعت عينيها إلى راكان وارتجفت شفتيها وبعينين مغروقتين:
– آسفة ماأخدتش بالي، جذب راكان المنشفة من فوق ساقيه وبدأ يمسح الماء من على ملابسها:
– اهدي حبيبتي ولا يهمك، اطلعي غيري وارتاحي ..اتجه بنظره إلى سارة:
– سيلين تعبانة ياسارة، شوفي أختك ولا بنت عمك تروح معاكي، قالها وهو يجذب سيلين متجهًا بها للأعلى..
شعرت بدوار خفيف فتشبثت بذراعيه:
– راكان أنا تعبانة أوي..أردفت بها سيلين بصوتٍ باكي…
توقف أمام المصعد وضم وجهها بين راحتيه:
– مالك ياسيلي؟ محتاجة دكتور..أجبلك دكتور حبيبتي؟..هزت رأسها رافضةً حديثه:
– لا بس خليك جنبي، أنا تعبانة خليك جنبي النهاردة لو سمحت..
أدخلها المصعد بهدوء ووصل لغرفتها..وهو يحملها بين يديه عندما فقدت الحركة، وضعها على مخدعها ودثرها بالغطاء:
– ارتاحي حبيبة أخوكي، أنا جنبك لحد ماتنامي..انسدلت عبراتها بقهرٍ أمامه..
جثا بركبتيه أمامها وأردف بنبرةٍ حنونة:
– سيلي إنتِ حصل معاكِ حاجة في الرحلة، ولا إنت تعبانة جسمانيًا؟..
أغمضت عيناها مدعيةً النوم أمامه..علها تخرج من آلام قلبها..نظر إليها والدمع مازال يترقرق من عينيها..جفف دموعها مقبلًا جبينها ثم همس إليها:
– أنا مش هتكلم معاكِ دلوقتي، هسيبك ترتاحي، وبعد كدا نتكلم..أومأت برأسها، ثم ذهبت بثبات عميق هروبًا من واقعها الأليم.
❈-❈-❈
بعد فترة وصل إلى الشركة..جلس بمكتبه ينظر بساعته ينتظرها، ولكنها تأخرت كثيرًا، قام بمهاتفة السكرتيرة الخاصة قاطعه دلوف سليم لمكتبه:
– أنا هسافر أنا وأنجي إلى الغردقة،طبعا ليلى إجازة يومين، فالحمل كله على آسر بما إنك مسافر بكرة.
بخطواتٍ ظاهرها ثابت ولكن متعثرة في خيبات أمله منها ومن هروبها المعتاد؛ أشعل تبغه الذي زاد نيران صدره أكثر وأكثر فأومأ لسليم دون حديث.
مساء اليوم تم خطبة يونس وسارة بجو عائلي مبهج سوى من سيلين وراكان، الذي شعر بوجود خطب ما لأخته..
بإحدى المطاعم المشهورة جلس يتناول عشائه وهي تجلس بمقابلته:
– سامعك ياسيلي، مالك، إيه اللي حصل في الرحلة مخليكِ حزينة كدا، ولا الموضوع متعلق بيونس؟..
كانت الصدمة تجتاحها من حديث أخيها، فظلت تنظر إليه مدهوشة من معرفته، بادلها نظراتها، فخرجت الكلمات من فمه غاضبة رغم محاولته السيطرة على نفسه:
– فيه حاجة بينك وبين يونس، مش كدا؟. وهو كالعادة اتخلى عنك وراح سمع كلام توفيق البنداري..
انتفض جسدها من حديث أخيها الغاضب، فهزت رأسها رافضة:
– لا ياراكان هو، قاطعها عندما أشار بسبباته إليها:
– عارفة لو كان جه وطلبك للجواز كنت رفضته، فياريت تشيليه من دماغك، مش تشليه بس ياسيلين لا دا تمسحيه من حياتك..قالها غاضبًا.
حاول أن يهدأ فأردف بهدوء:
– مش هو ابن عمنا، لكنه مش أمين ياسيلي دا كل ليلة في حضن واحدة حبيبتي، ودا يوجعني أكتر منك..
انسدلت عبراتها تحرق وجنتيها فأردفت:
– زي حضرتك كدا ياأبيه، ماهو أنتو الاتنين زي بعض.
طافت عيناه في جميع الاتجاهات فزفر بغضب وتحدث ولم ينظر إليها:
– مش كل اللي تسمعيه تصدقيه ياسيلين، أنا ويونس مختلفين تماما، فلو هتصوريني بيونس هقولك يبقى معندكيش ثقة في أخوكي.
-أنتوا الاتنين واحد للأسف ياراكان، هرب اللفظ من بين شفتيها فجأة، سرعان ماوضعت أناملها على فمها عندما وجدت نظراته الحزينة إليها..توقف عن الطعام وأجابها:
– يبقى لازم تعرفي أخوكي من أول وجديد.
بعد يومين دلفت إلى مكتبه كان منهمكًا في بعض التصاميم التي أمامه ولم يلاحظ وجودها..فركت يديها وهي تنظر بكافة الإتجاهات لم تعلم كيف تحادثه، شعر بوجود أحدهم ظنًّا أنها السكرتيرة الخاصة..رفع رأسه وتحدث سريعًا:
– اطلبي قهوتي، وابعتيلي سليم، ثم اتجه لأوراقه مرة أخرى..ولكنه توقف ورفع بصره مرة أخرى ليتأكد من وجودها..نعم!! إنها ليست وهما..همس وهو يطالعها باشتياق:
-“ليلى” إنت رجعتي إمتى؟ واقفة كدا ليه، فيه حاجة؟
دنت من مكتبه وهزت رأسها:
– عندي مشكلة ومفيش غيرك هيقدر يحلها أنا بحاول أتصل بأستاذ حمزة لكن تليفونه دايمًا مقفول.
نهض سريعًا متجهًا إليها..وهو يحثها على الجلوس:
– بتسألي على حمزة ليه وأنا موجود، وبعدين حمزة مسافر..جلس بمقابلتها وتفحصها بنظراته:
– ليلى عندك مشكلة؟! وعلشان كدا مجتيش الشغل بقالك يومين ومبترديش على تليفوني؟! هز رأسه يمينًا ويسارًا مستنكرًا مافعلته، بتعاقبي مين بالظبط قالها صارخًا..
استقامت بوقفتها عندما شعرت بانقباضٍ شديد في قلبها يكاد يمزقها من الألم من فكرة ارتباطها بذاك الشخص، وقف راكان أمامها وأردف بحدة:
– قولتلك عايزك في موضوع مهم، عملتي إيه هربتي مني وطلبتِ أجازة من سليم..
دنا خطوةً منها فلم يعد يفصل بينهما شيئًا وهمس إليها:
– عايزة توصلي لإيه ياليلى، عايزة تقنعي نفسك إني بجري وراكِ، ضحك ضحكة مستهزئة من نفسه وأشار بسبابته:
– مهما كنتِ تعنيلي، لكن مبحبش اللي بيشوف نفسه عليا..نظر لداخل مقلتيها وابتسم بحزن:
– مفكرة نفسك هتكسريني..احتدت نظراته وأكمل:
– لا ياباشمهندسة غلطانة، مش راكان البنداري اللي تهزه واحدة ست.
قاطعته عندما رفعت بصرها إليها، اغروقت مقلتيها بالدموع لأول مرة بحضرته فهربت من نظراته الغاضبة.. وهي تتحدث بصوت خافت:
– “راكان” محتاجة مساعدتك.
ساد صمتًا مختنقًا بحزن بينهما..هو حزن مسيطر بألم قلبه، وهي من احتياج مساعدته..شعر ببعض تأنيب الضمير عندما شاهد طبقة كرستالية من الدموع تتشكل في حدقتيها.. وأيقن بالفعل أنها تقع بمشكلة..
جذب كفيها وأجلسها وجلس بجوارها على الأريكة:
– فيه إيه مالك؟ هنا استمعت لرنين هاتفها ارتعشت يديها وهي تنظر للذي يهاتفها ،ثم رفعت نظرها إلى راكان:
– فيه واحد بيهددني، وبيهدد بابا..قالتها وعبراتها تنسدل بقوة لأول مرة أمام عينيه..عبرات كوت قلبه، لا يعلم كيف يزيل ألم قلبه..كم آلمته دموعها التي تغرق وجهها، هذه المرأة استولت على كيانه بالكامل اشتعلت نظراته بشكل مخيف وتحدث:
– مين دا وعايز إيه وليه بيهددكم؟
تلعثمت بالحديث وهي تفرك كفيها وخرجت الحروف من بين شفتيها متقطعة:
– ابن صاحب الشركة اللي بابا كان بيشتغل فيها، دا اللي عمل القضية لبابا قبل كدا.
بصعوبة كمم صراخ قلبه الذي انتفض غضبا وألمًا على مظهرها وخوفها من ذاك المنحط..
أمال بجسده يحاوطها بنظرات تفحصية:
– عايز منك إيه؟ ظل يراقب عيناها الهاربة منه، طرق بقوة على سطح المكتب وصاح:
– بيهددكم بإيه ياليلى..قاطعهم دلوف حمزة ويتحدث بمرحه المعتاد:
– عرفت إنك مسافر..توقف عن الحديث عندما وجده بجوار ليلى
ونظراته تتجلى بالغضب، حمحم وتراجع للخلف:
– شكلك مشغول، هشوف سليم لما تخلص شغلك، نهضت ليلى إليه سريعًا:
– أستاذ حمزة بحاول أتواصل مع حضرتك من يومين، ممكن نتكلم في موضوع مهم؟..
جز على جانب فمه يحاول منع نفسه من صفعها بقوة ليعلمها كيف تتخطى الحديث معه وتذهب تتحامى بغيره…
لم تعطي حمزة التفكير فأشارت بيديها على الخروج:
– هنتكلم في المكتب..رفع بصره لراكان الذي اشتعلت نظراته ود لو يطبق على عنقه، أشار حمزة بيديه لكي يهدأ، ثم خرج سريعًا خلفها..
بعد فترة بمكتبها..
– والدك بالفعل مضى على الشيك دا؟..مسحت على وجهها حتى تهدأ وهزت رأسها بالموافقة:
– الندل حطه ضمن أوراق كتيرة وبحكم شغل بابا مضى طبعًا زيه زي أي ورق مهم..
– للأسف ياباشمهندسة الموضوع مفهوش ثغرة..أولًا الإمضاء صحيح مش مزور كان سهل نطعن فيه، يعني لازم السداد..
أطبقت على جفنيها بقوة فكان لديها أمل بحمزة..دلف راكان وهو يطالعهم:
– إيه ياأستاذ حمزة مالقتش حل للمنهدسة ولا إيه..قالها بزواية فم ملتوية بعبث عندما لجأت إلى حمزة..دنا بخطواته وهو يرمقها وبداخله حربًا شعواء تدور بين عقله وقلبه:
“لماذا تفعل به ذلك ؟”
توقف حمزة متجهًا إليه وسحب كفيه:
– فيه موضوع مهم، عايزك تعرفه في قضية عمك قبل ماتسافر..كان يصوب نظراته لتلك التي كانت بعالمٍ آخر
أومأ رأسه:
روح على مكتبي وأنا لاحقك.
همس حمزة إليه:
– امسك لسانك، البنت في مشكلة..قالها حمزة وتحرك للخارج..
دنا واستند بظهره بمقابلها على المكتب ورغم انزعاجه منها إلا قلبه الخائن لم يتحمل ضعفها وحزنها،
حبس أنفاسه داخل صدره..ضاغطًا على كل عصب في جسده ألا ينفلت ويتعصب عليها..
– ليلى متختبريش صبري..رفعت نظرها إليه واكتسى الحزن ملامحها، وسقط قناع القوة عن وجهها فأردفت بألمٍ مزق روحه:
– ليه مش كنت بتقول إني بدلل عليك..خلاص الموضوع اتحل وأنا هتصرف..
مسح بكفيه على وجهه في محاولة لتهدئة نفسه من الأدرينالين الذي ارتفع عن معدله الطبيعي بسبب هدوئها:
– مين دا ياليلى؟ أنا مش مكفيكِ، علشان تحتاجي حمزة؟..
– الموضوع إتحل إن شاءالله وخلاص لو احتجت لك أكيد هجيلك، قالتها بعصبية..
مط شفتيه يهز رأسه:
– ليلى السوبر..كان رده على كلامها مختصرًا ساخرًا بطريقة أثارت حنقها،
فأخذت جرعة كبيرة من الهواء:
– ممكن تبطل تريقة لو سمحت..رفعت نظرها لتصطدم بعينيه الصقرية التي كانت قريبة جدًا منها، تناظره بطريقة جعلت أنفاسه الساخنة تلفح وجهها، فأصبح خداها محمرين وضربات قلبها التي دقت بعنف، حتى شعرت بأنه يسمعها..
بأنفاس مرتجفة ولسان تجمدت فوقه الحروف تساءلت حتى تخرج من حالتها:
– كنت عايز مني إيه، وعلى فكرة أنا مكلمتش الباشمهندس سليم، هو اتصل فأنا..
– أشش..إهدي، بعدين نتكلم..أخلص من الحقير اللي مخلي العيون الحلوة دي تبكي، وقف يتأمل شحوبها وعيناها الدامعة..لم يتعود على هدوئها وعجزها هكذا..
كم آلمه هذا الشعور والذي كان كسكين ينخر عظامه..
فتحرك بعض الخطوات وتوقف لدى الباب:
– أتمنى ماتكونيش مخبية حاجة تانية، تراجع ينظر لمقلتيها:
– الحقير دا صدقيني مش هرحمه، وهعرفه إزاي يتعدى على خصوصياتي..
– “عايز يتجوزني”تصنم جسده، وتحولت عيناه لغضب جحيمي، فرجع إليها بخطوة:
– كان عايز إيه ياختي؟..يا إيه!!..أشار بيديه حتى تعيد ماقالته:
منعت ابتسامة من مظهره..وحدثت حالها:
– هذا الرجل أصبح خطيرًا على قلبها الضعيف .خاطرتها فكرة حتى تغضبه..دنت بخطواتٍ سلحفية فأردفت:
– عايز يتجوزني، هو الصراحة كويس، يعني شاب تتمناه أي بنت لكن طريقته بالجواز اللي خلتني أرفضه.
انحنى ينظر لمقلتيها ونيران عيناه لو خرجت من مقلتيه لأحرقتها:
– لا والله..إيه أروح أقوله غيَّر طريقة طلبك في الجواز علشان الجميلة توافق..عادي ممكن أدّخل..
ملأت صدرها بأكسجين عطره مبتسمة على عصبيته المجنونة فأجابته:
– لا طبعا هو لازم حد يعرَّفه، كان المفروض يكون عارف إن بنات الناس مش لعبة.
– “اخرسي ” قالها وهو يدقق النظر بمقلتيها، أشار بسبباته:
– صدقيني كله هيخلص بس بوقته..تحرك خارجًا قبل فقدانه أعصابه أمامها..
❈-❈-❈
بعد عدة أيام، عادت مياه الأمل تركض من جديد بعدما علمت ما صار لذاك المتجبر المدعو ماجد، وحبس راكان له..
جلست أمام مرآتها لأول مرة تنتقي ثيابها بشكل منمق، حتى مكياجها الذي أظهرها بطلَّةٍ خاطفة، ارتدت فستانًا من اللون الأزرق الناعم ويلتف على خصرها شريطًا باللون الأبيض من الستان، وحجابًا بنفس لون حزامها، ابتسمت برضا على جمالها الهادئ، وتحركت للخارج بأناقتها.. فاليوم سيعود الغائب الحاضر بالقلب، وتحل لغز كلماته إليها..ابتسامة واسعة شقّّت ثغرها كلما تذكرت لقائهم آخرة مرة..
وصلت بعد قليل إلى الشركة ولكنها تسمرت عندما وجدته يترجل من سيارة نورسين وهي تحاوط ذراعيه، وهذا إن دل على شيئا فيدل على رابط بينهما..
أشاحت بوجهها، آهة خافتة تحررت من بين شفتيها يتبعها قولًا مبرَّرًا لنفسها ولكنه كسكينٍ باردٍ انغرس بقلبها:
– زعلانة من إيه؟!. دا واحد دي حياته الطبيعية كدا، لأول مرة تشعر بانقباضٍ حاد يسري كالنيران بصورتها، فأصبح كل أنشٍ في جسدها يأنُّ ألما وغضبًا بآنٍ واحد..
– كنتِ مفكرة إنه بيحبك..دا راجل هلاس فوقي ياليلى ودوسي على قلبك، وخز قوي صاحب قلبها فشعرت بأنينه..
تسللت دموعها المتقطرة والمتجبرة على وجنتيها لتحرقها كحرق قلبها المسكين، هرولت لتختبئَ بأحزانها داخل المصعد قبل أن يراها..
وصلت إلى مكتبها ودقات عنيفة عاجزة بأنينٍ يحرق صدرها بالكامل، حاولت التنفس ولكن كيف وغصَّةً بحلقها تمنع تنفسها كليًّا، غصة كأشواكٍ حادة..
وضعت وجهها بين راحتيها وهي تبكي بنشيجٍ على حالها:
– آه..آآآه..خرجت من جوفها تتمنى بعدها إنسحاب روحها..قاطع حزنها رنين هاتف المكتب:
– الباشمهندس سليم طالب حضرتك ياباشمهندسة..
– حاضر، قالتها بخفوت..ظلت لبعض الوقت، ثم تحركت متجهةً إلى مكتب سليم، دلفت وجدت آسر وبعض المهندسين يعملون على بعض المشاريع..اتجهت بجوار سليم وهو يتناقش معهم بعض الأشياء، كانت صامتة، تائهة مشتتة، لاحظ سليم ما تشعر به، فقاطع حديثه:
– نطبق اللي طلبته وبكرة نكمل..أومأوا وخرجوا من المكتب سوى آسر الذي يجمع أشيائه، اتجه لليلى التي تقف ولا تفعل شيئًا..
– ليلى واقفة كدا ليه؟.. تعالي معايا عايزك في موضوع..قاطعه سليم:
– ليلى تعالي، فيه حاجة لازم تخلصيها، وإنت ياآسر روح على مكتبك وابعتلي المطلوب..
أومأ برأسه وهمس إلى ليلى:
– هستناكِ نروح مع بعض، ماتروحيش لنفسك..هزت رأسها دون حديث..
تحركت متجهةً تجلس بمقابلة سليم..ظل يطالعها لبعض الوقت، ثم حمحم:
– ليلى فيه موضوع مهم أجلته كتير، ودلوقتي جه الوقت المناسب..
رفعت بصرها تنتظر حديثه..نهض واتجه يجلس على المقعد الذي يقابلها:
– أنا مبعرفش أتكلم كتير، هجبلك من الآخر..
غامت نظراته عليها بالكامل فابتسم وتحدث:
– أنا معجب بيكِ جدًّا، ومش من يوم ولا أسبوع لا من أول يوم شوفتك فيه، خطفتي قلبي برقتك وشجاعتك وثقتك بنفسك، الصراحة المواصفات اللي اتمنيتها في شريكة حياتي..والأهم من دا كله تديُنك والتزامك..
صاعقة قوية ضربت رأسها بقوة..وتوسعت عيناها بل تجمد جسدها وقد شعرت برغبتها في التلاشي من أمامه، كيف يعترف لها بإعجابه وهي التي تنتظر حب أخيه، ارتجفت شفتيها كحال قلبها وهي تردد بخفوت غير مسموع “راكان”!!
غصة مريرة تشكلت بحلقها جعلتها غير قادرة على التنفس من ذكر إسمه بقلبها وليس شفتيها فقط..هنا دلفت نورسين:
– فين راكان ياسليم، أخوك دا عامل زي الفراشة مبعرفش أمسكه..ضحك سليم ضحكات صاخبة:
– أوافقك الرأي يانور، لكن راكان خرج بقاله نص ساعة، فيه حاجة؟..
وضعت حقيبة بلاستيكة مزينة وبها إحدى قمصانه:
– قميصه نسيت أدهوله، كل مرة لازم ينسى حاجة عندي .جذب الحقيبة يستنشقها:
– ووواو وكمان معطرها، إيه يابنتي ارحمي الراجل شوية..ولا أقولك اعمليله دولاب عندك وشكليها على مزاجك.
قهقهت بصوتها الأنثوي وجلست بمقابلة ليلى التي اغروقت عيناها، فتوقفت متمتمة بخفوت:
– هروح مكتبي ياباشمهندس، ممكن نكمل كلامنا بعدين، أنا تعبانة..شعور مقيت جعل دقاتها تتقاذف بين ضلوعها في حربٍ طاحنة تهلك أنفاسها وتحرق أوردتها..عندما تحدثت نورسين بهذا الحديث، توقفت نورسين قائلة:
– هسبقك على البيت أنا ياسليم..يمكن أعرف أمسك أخوك ونكمل سهرتنا، تحركت نورسين مغادرة..
توقف سليم أمام ليلى يطالعها بنظراتٍ لأول مرة تراه ينظر بها:
– ليلى مكملناش كلامنا..هربت بأنظارها وتمنت أن تكون في كابوس وستفيق منه..
رفعت بصرها إليه بعينينٍ تقطران ألمًا وملامح يكسوها الحزن فأجابته بصوتٍ مكسور:
– ممكن نأجل كلامنا لوقت تاني..تحرك خطوة ووقف بالقرب منها:
– لا ممكن تفكري في طلبي وتردي عليا في أقرب وقت ،” ليلى انا عايز أكمل حياتي معاكِ، عايز أكون أسرة، ليلى تتجوزيني ”
كانت تقف مدهشةً لما تسمعه ملجمة اللسان لا تستطيع الحديث أو حتى النطق..تمنت لو أنه راكان، هو فقط، ياالله كيف تضعني في ذلك الاختبار الصعب والثقيل على قلبي،
ابتلعت ريقها بصعوبة وأخفضت بصرها خجلًا من نظراته فتحدتث:
– لو سمحت ياباشمهندس، ماتتغطش عليا.
ابتسم وتراجع خطوة للخلف:
– هسيبك تفكري براحتك..تحركت سريعًا وهي تتخبط بسيرها تتمنى أن تصرخ صرخةً بعدها تنسحب أنفاسها بالكامل..
اتجهت لمكتبها ولكنها تسمرت عندما استمعت إلى إحدى المهندسات بالشركة:
– السعادة باينة أوي على وشك يانور، شكل السهرة كانت مع راكي جامدة..قهقهت نورسين وبدأت تتلاعب بخصلاتها:
– أوي، أوي، يانجوى..هو دا أي حد، دا راكان البنداري يابنتي..وقريب جدًا هكون حرم المستشار راكان البنداري..
ابتسمت نجوى بخبث وتمتمت:
– يعني أقدر أقول مبروك لحرم راكان البنداري قريبًا؟..هزت رأسها وهي تتحرك بخيلاء:
– الورقة متهمنيش ياقلبي، أهم حاجة أكون مؤثرة وبس..
تحركت ليلى سريعًا ودلفت إلى مكتبها وهي تغمض عينيها بقوة وشهقة بكاء مريرة خرجت من أعماقها المحترقة؛ وضعت كفيها على فمها تمنع صوت نحيبها..
ظلت لفترة لا تعلم كم من الوقت مرَّ عليها وهي بتلك الحالة، قامت بتجفيف عبراتها وتنفست بهدوء متجهةً للخارج، ولكنها اصطدمت بجسدٍ بشري..
تراجعت للخلف عندما استنشقت رائحته..
توقف يستند بذراعيه على باب المكتب..ظل يطالعها باشتياق، فتحرك إلى أن وصل إليها وتفقدها من كاحلها لرأسها حتى رسمت عيونه وجهها الجميل الذي شبه الحور العين..
– عاملة إيه؟ استدارت تواليه ظهرها حتى لا تقوم بصفعهِ على وجنتيه، فتحدثت بخفوت:
– الحمد لله..زفر بغضب وتحرك متجهًا إليها:
– دي مقابلتك ليا بعد خمسة أيام؟!..مش ناوية تتغيري خالص،
تورمت الغصة في حلقها لدرجة جعلتها فقدت السيطرة فاستدارت تنظر له بغضب وصاحت بقوة:
– تقصد إيه بمقابلتي دي، ليه الأستاذ مفكر علشان ساعدني يبقى أصبحت معبودة له، خطت حتى توقفت أمامه ولم يفصل بينهما شيئًا:
– لو عايز تمن لمساعدتك دي معنديش مشكلة، أهم حاجة مكنوش مديونة لأمثالك..
انتهت من كلماتها المتألمة بعد عناء مع أنفاسها المتقطعة..فرمقته بجفاء:
– ياريت تاخد بالك من كلامك بعد كدا، أصل اللي يسمعك يقول إن فيه حاجة بينا والصراحة دا ميشرفنيش..
ظل صامتًا يحاول تنظيم دقاته الهادرة من غضبه، ولكن غضبه تصاعد فلم يتمالك نفسه فجذبها بقوة من خصرها حتى اصطدمت بصدره..وتلاقت شرارة النظرات الغاضبة، حاولت التملص من بين يديه ونزعه بالقوة، ولكن نيران صدره جعلته متمكنًّا بقوة من ضمِّها..
❈-❈-❈
– بتقولي مايزيدكش شرف، لا وكمان عايزة تمن علشان متبقيش معبودة لأمثالي..
رفع كفيه يمسد على وجنتيها..أطبقت على جفنيها..لقد احترقت بالكامل من اقترابه منها..
– تمام ياباشمهندسة، عايزة تدفعي تمن مساعدتي مش كدا؟..قالها وهو يضغط على خصرها بقوة، ويجزُّ على أسنانه
دفعته بقوة من شدة آلامها ورفعت سبابتها له:
– إياك تتخطى حدودك، ماتلمسنيش تاني لو سمحت، ومساعدتك هدفعهالك..المهم مكنش مديونة ل،
وضع إصبعه على شفتيها، في حركة أجفلتها..فدفعت كفه بقوة ونظرت إليه نظرات جحيمية..متجهةً لمكتبها ولملمت أشياءها كي تغادر من حصاره الذي سيطر على كيانها فلم يعد لها القدرة على التماسك أمامه..
وصلت لدى الباب فتوقفت عندما استمعت لكلماته التي أزهقت روحها:
– التمن إنتِ ياليلى، عايزة تسددي دينك، يبقى إنتِ التمن.
تسمرت بمكانها وكأن صاعقة ضربتها دون رحمة حتى أصبح جسدها كالهلام لم يستطع يحملها، فتحرَّكت سريعًا وهي تتخبط بسيرها وشعور بالضعف والخذلان يسيطر عليها حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى بالإغماء..
أما عنده ارتجف جسده من مغادرتها بهذه الطريقة؛ جلس بمكانها على مكتبها وهو يتجه بأنظاره على غرفة المكتب بالكامل ليريح قلبه المتألم من تلك المرأة التي أصبحت له كالأكسجين الذي يتنفسه..
رفع يديه يلمس أشيائها بابتسامةٍ خلابة، لرائحتها التي تخللت لرئتيه فتحدث:
– هشوف آخرك إيه ياليلى..نفسي طويل فوق ماتتصوري لما الموضوع يرتبط بيك ياإمرأة هزت قلبي وكياني..إمرأة لم تكن سوى إنها حبيبتي، فلم أناديها سوى بحبيبتي..أغمض عينيه وهو يردد تلك الكلمة مع نفسه بابتسامةٍ لقلبه قبل شفتيه..
بعد عدة أيامٍ ظهرًا بمكتبه في الشركة..
دلف إليه حمزة وأردف بسعادة:
مبارك ياحضرة المستشار…إيه يابني الحلاوة دي..الكل بيتكلم عن مرافعة وكيل النيابة اللي هزت المحكمة،
ابتسم بحبور لصديق عمره:
– عامل إيه ياحضرة المتر وحشني، ضمَّه بمحبة وقال:
– وإنت أكتر ياحبيبي لسة واصل حالًا للقاهرة، وعرفت اللي حضرتك عملته..
قاطعهم دخول نوح:
– حمزة يخربيتك إنت بقيت مستقر في الشركة يامتر ولا إيه؟..
اتجه حمزة بنظره إلى راكان فأردف:
– متعرفش إن راكان وظفني في الشركة دي؟..وباخد مرتبي منه.
ضحك نوح بصوته الرجولي..فغمز بعينه وأردف مازحًا:
– لا دا شكلك مسيطر ياجميس بون، ثم اتجه لحمزة:
– المهم ياحموزي عامل إيه، هتحضر حفلة خطوبتي ولا ظروفك إيه؟..
– أنا الحمدلله..خطوبتك!!..إنت خطبت؟..
أشعل نوح سيجارته وتحدث:
– أيوة ياسيدي، يحيى الكومي أصدر الأمر وخلاص..اقترب منه حمزة وتساءل:
– وأسما؟!.حب العشرين سنة اللي فاتوا، سهل كدا تتخلى عنهم؟!..
زفر نوح وأجابه:
– بلاش نفتح دلوقتي الموضوع دا، انسوا..الدور على مين المرادي، مفيش واحد فرح بحبه فينا، يمكن الدنجوان يكسب المعركة..
حاول حمزة التخفيف بمرحه المعتاد فقال:
– بقولك يانوح حاسس مناخيري كبرت شوية إيه رأيك تعملي فيها حاجة..
قهقه راكان عليه، رفع نوح حاجبه بسخرية وأردف بتهكم:
– والله أنا عايز أعملك عملية في شفايفك علشان تحرم تتكلم تاني،
تهكم ركان وأردف:
– ومال الشفايف ومال الكلام… متظلمش الشفايف..الشفايف دي لحاجة تانية ياغبي.
أشار حمزة إلى راكان وأردف متهكِّمًا:
– أهو قالك الخبير…الشفايف دي لحاجة تانية…اتجه له حمزة وأردف متسائلاً:
– وعلى سيرة الشفايف الحلوة ياحضرة المستشار..
إمتى هتدوق الشفايف الجديدة… وقف ولكمه بكتفه:
– لا هنا بتدخل في الأعراض ياحبيبي… هنا وهنسى إني أعرفك…دي خط أحمر ياحبيبي..
ارتشف نوح من قهوته وأردف:
– أنتوا بتتكلموا عن مين؟
أرجع بجسده على مقعده وقد فاض الحب من عينيه حتى ارتسم على ملامحه، ورغم مافعلته، لكن أجاب نوح:
– بنت خالتك الشريرة ، اللي عاملة فيها زينة وهركليز زمانها، اصبر عليا إنت وهي..
ناظره نوح بعمق وأردف متسائلاً:
– ليلى غير البنات اللي بتتسلى بيهم ياراكان..وإحنا اتكلمنا في الموضوع دا كتير، ويكون في علمك لو حصل حاجة بينكوا أنا هقف معاها..إنت وعدتني وأنا خرجت من بينكم لكن حاليًا مش أكتر، قولت هتثبت حبك..
طالعه بنظراتٍ كاتمة وقال مهددًا إياه:
– أولاً إسمها الباشمهندسة ليلى.. وثانيا ليلى خط أحمر للكل يانوح… مش هستنى منك أو من غيرك يقولي أعمل أيه معاها..
دنا نوح وأمال بجسده أمامه:
– دي لولة مش ليلى..سمعتني يابن البنداري، إنت اللي تقولها ياباشمهندسة.
لم يدعه يكمل حديثه عندما أحس بلكمة بوجهه..وضع نوح كفيه على وجهه وصاح غاضبًا:
– يخربيت تقل دمك، واحد غبي..إيده سبقاه.
وضع حمزة يديه على خديه:
– دا الحب بهدلة ياولاد…والله هفرح فيك كتير يابن البنداري…قاطعهم دلوف سليم متشابك الأيدي بليلى:
دا إيه الحلاوة دي..متجمعين عند النبي إن شاء..ناقصكم دكتور الهبل… هو فين دا أنا مكلمه قالي على الطريق..
هذا ماأردف به سليم وهو ينظر للجميع ويبتسم.
وقعت أعين راكان على أيديهم المتشابكة فقط…نظر نوح تجاه سليم عندما وجد نظرات راكان:
– إيه ياسليم شايفك مبسوط خير إن شاء الله…اتجه بنظره لليلى وأردف ماكسر ظهر البعير:
– مش تقولوا مبروك أنا وليلى قررنا نتجوز.
هزة عنيفة أصابته..حتى جعلته كالمعتوه وتساءل:
– يعني إيه ياسليم مش فاهم؟..قالها ونظر بتمعن وترقب لتلك التي تهرب بنظراتها منه.
ارتجف قلبها من صوته الهادئ.. ناظرته وتقابلت نظراتهما للحظات فقط..كفيلة أن تموِّت حبًّا دام لسنوات..
ابتسم سليم واقترب منه :
– أنا وليلى هنتجوز ياراكان إيه الصعب اللي مش مفهوم؟..
ساد صمتًا مميتًا على الجميع..
كلمات رغم إنها بسيطة إلا إنها خرجت كالسهم نفذ إلى صدره ليخترق جدران قلبه..
بل صاعقة قوية ضربت قلبه فبعثرته لأشلاء..ورغم ذلك
حاول تهدئة نفسه ولكن كيف وهو يشعر بنيرانٍ تحرق صدره بالكامل.. كور قبضته حتى ابيضت ثم رفع عيناه و حاول أن يرسم بسمة..مبتلعًا غصة وخزت جوفه بأشواك حادة..لتمنع تنفسه فتحول وجهه للاحمرار..ونهض بتكاسل كالذي طُعن بطعنةٍ غادرةٍ بخنجرٍ بارد نفذ ليشق صدره بكلِّ ألم
وأردف بثباتٍ ظاهري:
– مبروك، ألف مبروك..
تحرك ببطء استعدادًا للمغادرة.. أشفق عليه أصدقائه كثيرًا..فالأمر مؤلم وصعب.
ابتلع ريقه الذي جفَّ عندما شعر بأن الأرض تميد به..وتحدث وهو يواليهم ظهره:
– أنا عندي جلسة بعد نص ساعة يادوب ألحقها..قالها مغادرًا..كإنسانٍ
آلي بل إنسانًا سُحبت أنفاسه..
تحرك مرورًا بوقوفها..نظر لها نظرات أخيرة حتى كادت مقلتيه تخرج من محجريها وقلبه أوشك أن يتوقف من الألم..
هنا شعر بضعف الدنيا يحتلُّ كيانه، وبرودة تجتاح جسده من نظرة عينيها الجميلة وابتسامتها الرائعة لسليم..
دلف يونس وهو يصيح بصرخات..
– سليم استنى..ولكن توقفت الكلمات..فلقد خرج السهم من القوس وابتلع الكلمات بجوفه عندما وجد يديهما المتشابكتين..رفع نظره سريعًا إلى راكان الذي كان يرتدي جاكيتيه…بجسدٍ مسلوب الإرادة.. ويهرب بنظراته من الجميع..اتجه يونس سريعًا عندما علم بما يشعر به راكان..
اللي بتعمله دا غلط ياسليم!!
– يونس صاح بها راكان بقوة…
أطرق رأسه للأسفل يحاول لملمة شتات نفسه:
– مش تقول مبروك لابن عمك…ثم رفع نظره له وتحدث بصوتٍ مخنوق:
– أهو الصغير هيكون أحسن مننا ويدخل الفرح البيت، أو بالمعنى الأصح مبروك ليكم أنتوا الاتنين..
همَّ أن يتحدث يونس:
– راكان إنت عارف بتقول إيه؟..
استوقفه بسبابته محذرًا:
– بارك لابن عمك يادكتور، ثم تحرك مغادرًا وهمس له:
– انسى أي كلمة قولتها حتى بينك وبين نفسك..صُعق يونس من كلامه..
اتجه حمزة سريعًا له:
– أنا كمان عندي قضية في محكمتك… بينما تحرك نوح اتجاه ليلى ونظر بعمق وأردف :
– مش غريبة أعرف زي الغريب ياليلى… دا إحنا متعشيين مع بعض إمبارح… تمنى نوح أنه علم بالأمر قبل ذلك.. حتى يكون الألم أقل..
اقتربت منه مبتسمة وأردفت:
– والله يانوح سليم فاجئني، هو كان مكلمني من أسبوع بس لقيته النهاردة مُصّر ياخد الرد..الموضوع جه بسرعة ومجتش مناسبة.
نظر لعينيها وتحدث بمغذى:
– أسما تعرف ياليلى ولا هتتفاجئ زي كدا؟..
هربت من أنظاره:
– لسة هقولها…هعدي عليها أكيد النهارده وأبلغها.
أومأ برأسه متجهًا إلى سليم:
– ألف مبروك ياصاحبي بس أنا زعلان منك زيها..قطب مابين جبينه:
– هو إيه الموضوع أنا حاسس أنكم مصدومين أكتر من فرحتكم؟..
تحركت ليلى مغادرة:
– سليم هروح على مكتبي..هسيبك مع صحابك.
أسرعت خلف راكان الذي كان واقفًا منتظرًا المصعد يبكي مأساته بقلب مفطور..يود أن يقتلع قلبه ويلقيه بعيدًا عن جسده..
خطا خطوات هزيلة ثم فتح باب المصعد ولكنه تسمر بوقفته عندما استمع إلى آخر شخص يود أن يراه ويسمعه الآن..
– أستاذ راكان..وقف كمن تلقى ضربة موجعة بقلبه من صوتها ونعتها له بأستاذ..
استدار بهدوء على عكس نيرانه المستعرة:
– فيه حاجة؟
نظرت لداخل مقلتيه لأول مرة:
– سهام السكرتيرة قالتلي حضرتك عايزني في موضوع مهم، آه لو على الدين ممكن تشوف حاجة تانية، أصل طلبك متستهلوش الصراحة..دنت منه وهي تعقد ذراعيه وابتسامة سخرية:
– مش ليلى المحجوب اللي تبقى من جواري معاليك..ليلى المحجوب هتكون مرات أخوك، فخليك محترم معايا بعد كدا وإلزم حدودك..
آهة خفيضة تحررت من بين شفتيه.. وغصة كبيرة أحكمت تنفسه حتى شعر باختناقه..صمتًا مميتًا للحظات
ثم رفع عيناه إليها:
– آسف قالها مغلقًا المصعد ونظراتهم متعلقة ببعضها البعض…ازدردت ريقها من حالته التي لأول مرة تراه بها..شعرت برجفة بجسدها وانسدلت عبراتها ولا تعلم لماذا..أيعقل أنها تسرعت!
أيعقل أنها جنت على قلبها وقلبه!كيف وهي التي رأته وسمعته..تحركت سريعًا إلى مكتبها تجفف دموعها بقوة..تمنت لو لم يحدث كل هذا.
أما عنده وصل إلى الجراج يحبس أنفاسه داخل صدره ضاغطًا على كل عصب بجسده…
قاد سيارته بسرعة جنونية..يكاد صدره يحترق مثل احتراق وقود السيارة،
اتجه لشقته
بخطا متعثرة، دلف لداخلها بساقين مرتعشتين..خطوات واهية..قلبًا ينزف وجعًا:
آه وآه على حرق وإشتعال نيران قلبه للمرة الثانية على التوالي..صفعة تلي الصفعة دون رحمة حتى شعر أن الحب أصبح لعنته..
جلس على أقرب مقعد وأرجع بجسده للخلف…
لم يستطع تمالك نفسه أكثر من ذلك وانهارت حصونه بالكامل…الآن أبت الدموع داخل الجفون وتساقطت لأول مرة بغزارة…لتعلن عن إنها أصبحت الأولى التي تعزف بنيران قلبه..
آآه..صرخ بها بقوة وهو يحطم المائدة الزجاجية التي أمامه حتى غُرس زجاجها بكفيه…
أغمض عينيه وعبراته تحرقه بشدة، عندما شعر بالألم ينخر عظامه نخرًا عميقًا..شعر بقلبه الدامي داخل جسده..
استمع لرنين هاتفه…نظر إليه وهو موضوع على المنضدة أمامه..جسدًا كالمشلول..قلبًا كالمدبوح…ولسانًا هربت منه الحروف.
دقات عنيفة تكاد تذهق روحه..ولكن هنا لم تكن سوى دقات ألمٍ وحزن،
أخرج سيجارته وبدأ يدخن بشراسة… أعاد هاتفه للرنين مرة ومرة أخرى،
صرخة بآهة عالية خرجت من جوف حسرته…رفع يديه المدمية يرجع خصلاته التي كاد أن يقتلعها..بدأ يركل كل ما يقابله ويضرب بقبضته على كل شيء حتى فتحت جروحًا كثيرة دون شعوره..
جثا بركبتيه على الأرض بعدما خارت قواه وبدأ يتمتم بكلماتٍ غير واعية:
– ليه كل مرة اندبح بالطريقة دي…ليه هو أنا فيا حاجة غلط
استمع لطرقاتٍ على باب الشقة تسطح على أرضية الشقة كأنه أصم…أبكم نعم هو لم يريد أن يرى أحد الآن
فتح حمزة بمفتاحه ودلف..
هزة أصابت جسده عندما وجد محتويات الشقة بالكامل على الأرض… خطا عدة خطوات يبحث عنه بعينيه، جحظت عيناه عندما وجده متسطحًا بهذه الطريقة…اتجه سريعًا إليه..
جلس بجواره وارتعدت مفاصله عندما وجده بهذه الحالة ويديه التي تنزف بقوة:
-راكان…قوم، افتح عيونك عامل في نفسك كدا ليه؟..اعتدل راكان وهو ينظر حوله فرق وجهه بعنف…وأطبق جفنيه المتعبتين :
– انسى أنا كنت مخنوق شوية وفشيت غليلي..يعني من اللحظة دي كأن مفيش حاجة حصلت..
رفع نظره وتحدث إليه بصوتٍ مكتوم:
– حمزة موضوع ليلى تمسحه من ذاكرتك..حتى مع نفسك..انسى إني كلمتك في حاجة.
ظل حمزة ينظر له بنظراتٍ قاتمة ونهض يجلب الإسعافات الأولية لتطهير جروحه..تنهد بحرقة على صديقه ثم أجابه:
– والله وبعدين ياحضرة النايب كمل.. سامعك..
هتقدر تشوفها مع سليم؟..هتقدر تنسى إن مرات أخوك حبيبتك؟..دا أخوك مش واحد صاحبك..
بااااس، صرخ بها من أعمق نقطة تهز قلبه..
ضرب بقبضته على صدره:
– بقولك مش عايز أسمع كلمة..دا موضوع اندفن هنا، قالها وهو يشير لقلبه..ثم رفع نظره له:
– مكنش موضوع أصلًا علشان نتكلم فيه..وزي ماقولت دا أخويا، ومستحيل أوجعه حتى لو هموت..لو هموت ياحمزة مستحيل أكسر سليم، قاطع حديثهم رنين هاتفه، فنظر إلى المتصل..أمسك هاتفه سريعًا:
– أيوة..نهض سريعًا وهو يصيح:
– مستشفى إيه؟..
ممكن فوووت ياحلوين
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.