رواية عازف بنيران قلبي الفصل السابع 7 – بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي – الفصل السابع

البارت السابع

البارت السابع

كفاك ياقلب..لاتدق فقد أوجعتني

لمن تدق الآن؟..أمازلت لا تعي؟..

أتحاربني ياقلب..أم أنت معي..

تضغط ويعلو نبضك..في دمي.

ألم تمل بعد أو تهتدي؟..

اهدأ ياقلب..ولاتستعجل مصرعي

فقد كنت قلبي..يوم وعدت ألا تترك معصمي..

ضعت ياقلبي..وضيَّعتني..

كفى ياقلب واصمت فقد أوجعتني..

❈-❈-❈

دلفت إلى غرفة مكتبه ..أغلقت الباب خلفها ثم جلست أرضًا خالية من أي مشاعر سواء ندم أو لوم..تتحسس قلبها الذي توقف نبضه عندما تذكرت نظراته الحزينة إليها، هل بالفعل ظلمته أم ظلمت قلبها ؟!

عادت إلى متاهة قلبها الذي يخادعها مرةً بكرهه ومرةً بعشقه..أخذت نفسًا طويلًا تشحن رئتيها بالأكسحين حتى تستطيع المواجهة مع نفسها..

ظلت عدة دقائق على حالتها، ثم توقفت تجمع أشياءها متجهة للخارج، قابلها سليم وهو يهرول سريعًا، أسرعت متجهة إليه تخشى أن يكون أصابه شيئًا.. لا تعلم لماذا شعرت بذلك حتى أحست بتوقف قلبها تمامًا..توقفت أمامه:

– بتحري ليه في حاجة؟

سحبها من كفيها متجهًا للمصعد وهو يحادثها:

– سيلين تعبانة ونقلوها المستشفى.. لسة عارف دلوقتى..تعالي أوصلك في طريقي وأعدي عليها..

هزت رأسها رافضة وتوقفت:

– لا هروح مع آسر، روح اطمن عليها وبعدين طمِّني..

أومأ برأسه فتحرك عدة خطوات ثم توقف مستديرًا إليها:

– إيه رأيك تيجي معايا وتتعرفي على ماما..فركت كفيها ولم تعلم بما تجيبه..عزمت أمرها ودنت بخطواتها:

– سليم مينفعش أخرج معاك غير لما يكون بينا رابط قوي وكمان مش خاتم خطوبة، أقل حاجة كتب الكتاب، دي حاجة، الحاجة التانية لازم تعرفها تربيتي غير تربيتك، طبعًا مش بشكك فيك لكن شايفة كل حاجة عندكم مباحة، زي مثلًا طريقة كلامك مع نورسين وتقربها منكم، عندي دا غير مقبول.

اقترب منها يطالعها بنظراته العاشقة:

– عايز أقولك حاجة ممكن؟..رفعت رأسها تنظر لعينيهِ لأول مرة..تقابلت نظراتهما فأردف بصوته الرجولي  الهادئ:

“ليلى أنا بحبك” هزة عنيفة أصابت جسدها..لحظة تجمد الدم بعروقها وشعرت بتعطل أجهزة جسدها حينما تخيلته حبيبها ودامي قلبها..اقترب وتحدث:

– ليلى مبترديش عليا ليه؟! هنا لم تستطع السيطرة على نفسها ولم تمنع تساقط عبراتها..فرجعت خطوة للخلف واستدارت سريعًا متجهةً للخارج حيث وقوف آسر بانتظارها..

كانت تسير بخطواتٍ واهية إلى أن وصلت لآسر الذي يراقب وقوفهما..طالعها بترقب وتمعن:

– سليم كان عايز منك إيه؟ استقلت السيارة بجواره وجسدها يرتعش كلما تذكرت كلماته..كيف ستتأقلم على ذلك؟..فلم تستطع التحمل من مجرد اعتراف حبه، فكيف لها أن تتحمل الزواج به..

وضعت كفيها على وجهها علها تمنع صرخات قلبها:

– سحقا لكِ ليلى، ماالذي فعلتيه بنفسك؟

كل هذا حتى تسحقي كرامته!!.قاطع حديثها مع نفسها آسر:

– ليلى مقولتيش سليم كان عايز منك إيه؟ استدارت وحاولت رسم ابتسامة:

– إيه رأيك في سليم ياآسر؟..كان يقود السيارة بهدوء ولكنه توقف فجأة عندما استمع لحديثها:

– قصدك إيه؟ ابتسمت ونظرت للخارج:

– يعني إيه رأيك فيه كراجل يعني؟

زفر باختناق وطالعها عندما شعر بشيءٍ بينهما فأجابها بهدوء رغم  حربه الداخلية:

– مبحبوش، بحب راكان أكتر منه، ولو سألتي ليه هقولك معرفش، فيه ناس تتحب لوحدها وفيه ناس مجرد ماتشوفيهم تحسي بخنقة..

ضيقت عيناها وتساءلت:

– ودا سليم؟.. لا بالعكس سليم إنسان هادي وناجح وأهم حاجة إنه محترم..

قهقه آسر قهقهات لا تعبر عن فرحته بشيء وأجابها

– لسة صغيرة ياليلى، أو الأصح تقييمك للناس غلط، عارفة راكان متخافيش منه أد ماتخافي من سليم..

انكمشت ملامح وجهها بامتعاض وتحدثت سريعًا:

– بلاش تجبلي سيرة الراجل اللي بيحرق دمي دا، دا واحد كل ساعة تلاقيه في حضن ست..

انعقد حاجبيه بسخرية وأكمل حديثه:

– علشان كدا مش طيقاه، والله إنتِ واحدة هبلة، أنا بقالي أكتر من خمس سنين أسمع عنه كلام من دا، لكن تقييمي له غير اللي بسمعه، هتقولي أهبل هقولك يمكن..

تنهد وهو ينظر للطريق مرة وإليها مرة..كانت نظراته تتناقض كليًّا مع كلماته فأكمل حديثه:

– عارفة الشخصية دي باينة للناس على إيه، يعني مش خبيثة، غير بقى اللي عامل ملاك وهو للأسف شيطان..

كسا وجهها بتساؤل..قصدك إن سليم خبيث؟..

– لا أبدًا مش قصدي، أنا قصدي إن راكان واضح غير سليم، ممكن يكون طبع سليم الهدوء، وممكن يكون الخبث معرفش..لكن الصراحة مسمعتش حاجة عنه بالباطل..

توقف آسر عن الحديث وتساءل:

– بتسألي ليه عن سليم؟ سحبت نفسًا وطردته دفعة واحدة:

– طلب إيدي للجواز النهاردة..

توقف مرة واحدة حتى اصطدم جسدهم للأمام..صاحت بوجهه:

– إيه ياآسر؟ دي مش أول مرة مالك في إيه؟

احتدت نظراته..قولي كدا كنتِ بتقولي إيه؟

زفرت بضيق وتحدثت:

– بقولك سليم البنداري طلبني للجواز..أشار بكفيه:

– أيوة بعده، قولتلي له إيه ياأبلة؟..

التفتت إليه بحنق وضيقت عيناها:

– إيه أبلة دي، شايفني واقفة قدام السبورة وبشرح للعيال..

حاول تمالك أعصابه والسيطرة على غضبه قدر المستطاع، فسحب نفسًا واستدار بجسده إليها:

– ليلى مش معقول محستيش بيا طول الفترة دي..

عند راكان وحمزة..

توقف وجمع أشيائه بعدما سيطر على موجة الغضب التي حاوطته لفترةٍ من الوقت، توقف حمزة حينما رأه يتحرك للخارج:

– راكان مين في المستشفى؟..أمسك هاتفه بأصابع مرتعشة وحاول الاتصال بسليم:

– سليم أختك في المستشفى الحقني  على هناك..

كان سليم يقود السيارة بطريقه إلى المستشفى فأجابه:

– ماما كلمتني وأنا في الطريق عشر دقايق وهكون عندها، خلص قضيتك وتعال على هناك..

جف حلقه وحاول التماسك فأردف:

– القضية أتأجلت عشر دقايق وهكون عندك..رفع بصره لحمزة:

–  كلم نوح وفهمه مش عايز يتكلم ولا يفتح موضوع ليلى نهائي حتى مع نفسه، أكد عليه وبلاش يجادل أسما..مش عايز سليم يشك مجرد شك إني اكون عائق في سعادته..

وإنتَ هتقدر ياراكان؟..تساءل بها حمزة..

آهة خفيضة تحررت من بين شفتيه يتبعها قولًا مبررًا بالحزن والضعف في آن واحد:

– هقدر ياحمزة، الموضوع مش موتة يعني عادي، عديت بالأصعب منها..تحرك خطوة ثم تراجع ينظر إليه:

– ماتيجي نسافر ألمانيا كام شهر لو معندكش حاجة مهمة؟..

للحظة لم يستوعب حديثه..توقف حمزة يستنكره:

– هتهرب؟. شهر، شهرين،  سنة، سنتين..طيب بعد كدا هتعمل إيه؟..

كان لحديث حمزة صدى مؤلم على قلبه، فلأول مرة لا يعرف بماذا يجيبه فاكتفى بإيماءةٍ بسيطة من رأسه..وتحرك للخارج..

وصل بعد قليل للمشفى وجد والده يقف مع الطبيب ويحادثه عن حالة سيلين..اتجه إليهما

– سيلين مالها يابابا؟..ربت والده على كتفه:

– مفيش حاجة خطرة ياحبيبي شوية إرهاق مع قلة غذا أُغمى عليها..

تحرك للداخل وجد سليم يجلس بجوارها ويحتضن كفيها..أما والدته فتقرأ بمصحفها، اتجه لوالدته وقبل رأسها وتساءل:

– هي عاملة إيه دلوقتي؟!..اغروقت عيناها بالدموع:

– أختك مالها ياراكان؟ إنت قعدت واتكلمت معاها، أكيد عارف حاجة خلاها توصل لكدا..

سحب والدته من يديها وأجلسها على المقعد بجوار فراش سيلين:

– هي كويسة، إنتِ عارفة ياماما كل ماالامتحانات تدخل هي تتوتر وتتعب..

غامت عيناها بتأثرٍ من حالتها، فنظرت إليه ثم إلى سليم الجالس الصامت:

– معرفش حاسة أنكو مخبين حاجة..قاطعهم دلوف يونس ويتجلى على ملامحه الذعر..توقف أمامهم وهو يكاد يلتقط أنفاسه من سرعة ركضه:

– سيلين مالها؟ هي كويسة، تعبانة إزاي؟

توقف راكان يطالعه بصمت..حاول أن يهدأ فأخذ جرعة كبيرة من الهواء بحبسه بداخله عله يهدئ من نيران الغضب الممزوج بخوفٍ ظهر على ملامحه..فاقترب يسحب يونس للخارج:

– إنت جاي هنا ليه؟! تساءل بها راكان، اندلع بشعور أهوج وصاح بغضب:

– ابعد عني ياراكان متخلنيش أفقد أعصابي وأضربك..

أظلمت عين راكان وارتسم بها نظرة قاسية، فدفعه بقوة حتى اصطدم جسده بالجدار خلفه..وأمسكه يطبق على عنقه حتى كادت أن تُزهق روحه.. فأردف بصوتٍ كفحيحِ أفعى:

– إنت ابن عمي وصاحبي وكل حاجة، لكن هي أختي أغلى ما أملك في الدنيا، الهلس بتاعك دا لما يوصل لحد من دمك تبقى حقير ومالكش أمان..قالها وهو يدفعه حتى شعر بإاسحاب أنفاسه..

بدأ يونس يتحسس عنقه ويلتقط أنفاسه بصعوبة..

اندفعت الدماء إلى أوردته وسرت كالنيران الذي شعر بها تحرق أحشائه،  فتلونت حدقتاه باللون الاحمر واتجه إلى راكان:

– أنا مخدعتش حد، وبما إنك عارف علاقتي بأختك من الأول، أه كنت بحبها، لا كنت بعشقها لكن تستغفلني وتعيشوني في خدعة، مستني بعدها إيه؟..أكمل مع واحدة معرفش أصلها من فصلها، وصل أسعد على صراخ يونس..ولكنه تسمر بوقفته بعدما استمع لحديثه:

– قصدك إيه يايونس بكلامك دا؟ تسائل بها أسعد..أما راكان الذي وقف وكأنه تلقى صاعقة برأسه أطاحت بتوازنه..فأصبح قاب قوسين أو أدنى من فقدانه للوعي، فتساءلل بصوتٍ مهزوز:

– ايه اللي بتقوله دا ياحيوان؟ لم يجب عليهما ودلف للداخل متجهًا إلى سيلين..طالع أسعد راكان بنظرات مرتابة وهمس بصوتٍ غير مفهوم:

– يونس، يونس، الولا دا يقصد إيه ياراكان؟..

ازدرد ريقه بصعوبه يستجمع كلمات يونس فتوقفت الكلمات على طرف لسانه؛ وأجاب والده بثباتٍ انفعالي بعض الشيء:

– تفتكر عرفوا حقيقة سيلين يابابا؟ يعني جدي عرف سيلين تكون بنت مين؟..

هزة عنيفة أصابت أسعد وهو يهز رأسه بخوف، وجسده الذي بدأ يرتعش:

– لا جدك لو عرف مكنش سابها عايشة، أنا عارفه أكيد كان موتها، لا أكيد ميعرفش ياراكان ،صح أكيد هو ميعرفش..

اقترب راكان ساندًا والده حتى أجلسه على المقعد الحديدي الذي يوضع أمام الغرفة؛ وتدارك توتره فتحدث بثقة كي يطمئنه:

– بابا متخافش، إنت ليه خايف كدا؟..ميقدرش يقرب منها، هو إحنا عايشين في غابة، أقسم بالله لو قرب منها لأحاسبه على القديم والجديد

تنهد أسعد ممسكًا بكف ابنه:

– بلاش نسبق الأحداث ياحبيبي، خليك ورا يونس اعرف منه ليه قال كدا..ربت على كتف والده وأومأ له بإيماءة بسيطة:

– المهم حاول متظهرش حاجة قدام ماما، إنت عارف ماما لو عرفت ممكن تعمل إيه، حتى لو عرف متخفش..

هز أسعد رأسه محاولًا اطمئنان نفسه فتحدث:

– خلاص روح شوف أختك فاقت ولا لسة..بالداخل جذب يونس سليم من ذراعيه وجلس بجوارها ممسكًا كفها:

– سيلين فوقي حبيبتي، أنا آسف مكنش قصدي أزعلك أبدًا..اقتربت زينب منه ووزعت نظراتها بينه وبين ابنتها الراقدة على الفراش لا حول لها ولا قوة ثم تحدثت:

– ليه عملت في بنت عمك ليه يادكتور؟!

تنهد بألمٍ رافعا كفها لشفتيه مقبلًا إياه ثم أردف بصوتٍ مختنق:

– معملتش حاجة ياطنط، بعدت عنها بس..دنت زينب وجلست بجواره تربت على كتفه:

– فهمني أكتر ياحبيبي بعدت عنها إزاي؟.اتجه بنظره إليها وانسدلت عبرة خائنة من عينيه فتحدث بصوتٍ متقطع:

– ماوفتش بوعدي، وعدتها وأخلفت الوعد، قولتلها بحبك وهحارب الدنيا علشانك..وفي الآخر روحت خطبت غيرها..هنا فقدت زينب سيطرتها على نفسها ولم تشعر بكفها الذي ارتفع على وجنتيه وصفعته بأقوى مالديها، ثم توقفت تشير إلى الباب:

– اطلع برة، الراجل اللي يقطع وعده مع بنت، يبقى مش راجل..الراجل اللي يدوس على قلب بنت يبقى مش راجل، ومن النهاردة بقولك إياك تقرب من بنتي، وياله اطلع برة..

أطبق على جفنيه بألمٍ وانسدلت عبراته على خديه تكويه:

– آسف..قالها يونس بأنين قلبٍ ممزق..والته ظهرها وصاحت بغضب:

– أسفك غير مقبول ياحضرة الدكتور، ووجودك غير مرغوب، رفع بصره إلى سليم الذي اقترب منه:

– ليه يايونس، ليه كسرت قلبها بالطريقة دي؟. قولتلي اديني فرصة أثبت حبي، إدتلك فرص كتيرة وضيعتها..

جحظت أعين زينب تنظر لابنها بغضب:

– إنت كنت عارف بعلاقته مع أختك وساكت ياحضرة المهندس العظيم؟!..

أصابتها حالة من الذهول وهي تفرك كفيها بقوة وتنتقل بنظراتها بينهما:

– سليم، إزاي رضيت إن أختك تكون على علاقة غير شرعية بالانسان الغير أمين دا ؟!.

ثارت وبدأت تلكمه:

– من إمتى وانت مش راجل كدا ياسليم؟..أسبلت جفنيها وقالت بصوت مهزوز:

– لدرجة دي معرفتش أربي، أنا أم فاشلة، توقفت مرة واحدة ورفعت بصرها إليه:

– راكان كمان كان عارف بالعلاقة مش كدا؟..أيوة أنا إزاي مفهمتش لما جه وأخده برة، هو هيفرق معاه حاجة..ماهو مقضي حياته كلها هلس وخمور، هستنى منه إيه!!..دلف راكان في تلك الأثناء وهو يرمق يونس باذراء:

– ماما روحي مع بابا وأنا وسليم هنجيب سيلين ونيجي لما تفوق..

طالعته بنظرات غاضبة وتحركت تقف أمامه وصاحت بغضب:

– حياتك المقرفة ياحضرة وكيل النيابة أختك دفعت تمنها، قالتها بملامح جامدة..

صُعق من حديث والدته المبهم فتساءل:

– مش فاهم حضرتك تقصدي إيه؟

هنا أفاقت سيلين وهي تهمس باسم والدتها:

-” ماما ” أسرعت زينب تجلس بجوارها:

– حبيبة ماما، عاملة إيه دلوقتي؟..

رمشت بجفونها عدة مرات تحاول أن تفتحهم..فهمست:

– إيدي وجعاني أوي ليه؟ وأنا فين دلوقتي؟ فتحت عينيها تنظر حولها فتلاقت عيناها المتألمة بعينيهِ المذعورة عليها فأردف:

–  حاسة بإيه أجبلك الدكتور ؟..رمقته زينب بنظرة أوقفت حديثه..اقترب سليم إليها:

– حاسة بإيه حبيبتي؟ طالعت راكان الصامت الذي صُدم من حديث والدته واتهامها له:

– راكان عايزة أروح خدني من هنا..مسدت زينب على خصلاتها فأردفت:

– تخلصي المحلول ياحبيبتي وهروحك أنا وباباك، أخواتك وراهم شغل، حضرة وكيل النيابة عنده قضية مهمة، لازم يروح يترافع فيها، أصله بيترافع بالحق مش كدا ياحضرة وكيل النيابة؟..قالتها زينب بمغزى..

❈-❈-❈

تحرك سليم للخارج عندما شعر بحالة التوتر التي حاوطت المكان وأن والدتهم لم تستهن بالأمر..

سحب يونس وحاول الخروج ولكن يونس دفعه وهو يطالع زينب متجهًا إلى سيلين، جلس بجوارها

وسحب كفها المغروز به الأبر يتحسسه:

– عاملة إيه؟ حاسة بإيه؟

سحبت كفها وهي تنظر إلى راكان وتحدثت:

– راكان قبل ماتمشي رجعني البيت، أنا كويسة مش عايزة أشوف حد..قالتها ثم أستدارت للجهة الأخرى.

نصب يونس عوده ووقف يرمقها بنظراتٍ غاضبة:

– تمام ياسيلين، أنا كنت جاي أطمن عليكِ بنت عمي وقلقت عليها..

جذبه سليم عندما وجد نظرات راكان النارية إليه وتحرك للخارج، دفعه يونس وتحدث بغضب:

– مش تبقوا غلطانين وتحطوا الغلط عليا..قالها وتحرك مغادرًا المشفى وقلبه يأنُّ وجعًا، وصل لسيارته وهو يكاد يغلي بنار جهنم حينما لم يستطع ابعادها عنه لأسبوع فقط، فكيف يتحمل إبعادها عنه العمر كله…جلس بالسيارة يمسح على وجهه بغضب:

– ماشي ياسيلين..تذكر منذ ثلاث ساعات، ذهب إلى كليتها، كانت تقف مع صديقة ولم تكن سوى درة يتحدثون..اقترب نور وهو يطالعهم وتحدث:

– واقفين كدا ليه مستنين حد؟..ابتسمت درة وتحدثت:

– دا دكتور نور طبعًا عارفاه..بيكون خطيبي.

أومأت سيلين برأسها وبسطت يديها تحييه:

– أهلًا دكتور نور..الصراحة درة كلمتني كتير على حضرتك، توقفت عن الحديث فأردفت:

– حضرتك نور الدين زيدان..هز رأسه وأجابها بابتسامة:

– سيلين البنداري مش كدا ؟..ضحكت بصوتها الأنثوي الهادئ وأشارت إلى درة:

– إحنا طلعنا قرايب، دا بيكون ابن خالة سارة وفرح ولاد عمي.

توسعت أعين درة وأجابتها:

– والله، لا كدا هنشوف بعض كتير، رمقها نور بنظرة هادئة فأردف:

– انا مشفتكيش غير مرة أو مرتين، لكن كنتِ صغيرة، دلوقتي ماشاء الله كبرتي،

ابتسمت وأجابته :

– آه رجعت من ألمانيا انا كنت مستقرة هناك، ودلوقتي رجعت وتانية هندسة..اتجهت بنظرها لدرة وتحدثت:

– وأول حد أتصاحب عليه كانت خطيبتك، بس بعد خناقة بينا..

قهقه على حديثها وابتسم:

– لا خدي من دا كتير، درة بتتخانق مع أي حد، بس إنتِ شكلك كيوتي، هنا لم يستوعب يونس إكمال حديثه فتدخل:

– “سيلين” أردف بها يونس..قطبت مابين حاجبها وتفاجأت من وجوده، فتحركت بعد استئذانها:

– دا إبن عمي، لازم أمشي..أشوفك بكرة إن شاء الله…وصلت إليه:

– بتعمل إيه هنا؟ كلية الحقوق مش هنا خالص..

جذبها من كفيها ونيران تشعل صدره بالكامل:

– امشي بلاش أتغابى عليكِ متخليش الطلبة ياخدوا بالهم..تحركت بهدوء حتى خرجت من الحرم الجامعي كانت سيارته مصفوفة بأحد الطرق،

توقفت وهي تناظره بغضب:

– ممكن أعرف إيه اللي جابك هنا، وليه تحرجني قدام صاحبتي؟..دنا منها ونظر إليها نظراتٍ جحيمية:

– كلمة كمان وهنسى إنك حبيبتي، اركبي العربية ومش عايز ولا كلمة..

نزعت يديها بغضب وصاحت وهي تلكمه بذراعيه:

– أنا مش حبيبتك ياكذاب، ابعد عني وإياك تقرب مني، أنا خلاص مسحتك بأستيكة من حياتي، وبكرة هلاقي اللي يصون حبي، ويعرف يقدر حبي وقلبي له..

..جذبها بقوة من خصرها حتى أصبحت بأحضانه وضغط عليها:

– دا في جهنم والجحيم إن شاء الله..يوم ماتفكر العيون الحلوة دي تخوني وتبص لغيري، صدقيني هعميها..

دفعته تجزُّ على أسنانها :

– أنا نسيتك ومفيش رابط بينا..افهم بقى، وحياتي ملكي أنا وبس.

– آه حياتك الحلوة أوي، وإنتِ قاعدة تضحكي مع الغرب، ولا كأن مفيش حد هيحاسبك، إيه بتعوضي بعدي بحد تاني، همس بجوار أذنيها:

– عادي ياسيلي اعتبريني واحد غريب وعوضي نفسك بيا.

صفعة قوية على وجهه وأشارت بسبباتها:

– من إمتى وإنت حيوان كدا، ولا إنت كنت حيوان وأنا العمية؟..لأول مرة تشعر بالقهر وقد كان بيد من دق له قلبها..أغمضت جفنيها بألم:

– ابعد عني وإياك تقرب تاني مني، متخلنيش أحكي لبابا وأخواتي..قالتها وتحركت مغادرة..

وصل إليها بخطوة واحدة وجذبها بقوة يدفعها بسيارته وهي تلكمه..كان بعض الطلبة يحاوطونهم متجهين بسياراتهم…تاهت بنظراتها وحاولت السيطرة حتى تهرب من النظرات الموجهة إليهم..استقل السيارة بجوارها

وحاول إفراغ شحنات غضبه حتى لا يعاقبها على صفعه..كان الصمت سيد الموقف لبعض الدقائق حتى ابتعدوا عن الجامعة، فاقتربت تلكمه وتصيح:

– وقف العربية، أنا بكرهك ومش عايزة أشوف وشك، ربنا ينتقم منك يايونس..

قالتها بصرخاتٍ عاتية من قلبها المتألم بحبه..توقف بجانب الطريق.. وعلى حين غرة جذبها بقوة إليه وهو يضمُّ ثغرها بشراسة وكأنه يعاقبها على ماتفوهت،حاولت دفعه بكل قوتها، ولكن قوة واهية ضعيفة في حالته التي وصلت للجنون، ظل يقبلها بشراسة إلى أن انسحبت أنفاسها بالكامل حتى فصل قبلته وهو يضم وجهها بقوة آلمتها:

– يبقى قولي كدا تاني، ضغط بقوة حتى صرخت بوجهه، نظر لمقلتيها بجحيم وأردف:

– المرة دي جت ببوسة بس..أشار بسببابته واقترب يلمس شفتيها التي تورمت بسبب قبلته وهمس أمامها:

– المرة الجاية هخليكي ملكي للأبد، غمز بعينه وأكمل:

– أكيد عارفة معنى كلامي ياحبي..لمي الدور ياسيلين واحترمي نفسك وإياكِ أشوفك واقفة مع جنس ذكر..

وقتها هتلاقي واحد غير يونس حبيبك..

بصقت بوجهه وأردفت :

– الله يلعن اليوم اللي قلبي حب واحد زيك..حقييير، إزاي كنت عامية كدا!!.

جذبته من ياقة قميصه:

– تعرف يايونس اليوم اللي تفكر فيه إني أكون ملكك وقتها اعرف إنك حفرت قبري بإيدك..

دفعته ثم فتحت باب السيارة وترجلت تغلقه بقوة..حتى شعر بتحطيمه كما حطم قلبه قلبها.

أوقفت سيارة أجرة سريعًا واستقلتها عندما وجدته نزل من سيارته متجهًا إليها بجنون..بدأ يركل عجل السيارة ويصيح عليها بغضب..بينما هي تتساقط عبراتها بقوة عندما أحست بقلبها مازال ينبض له..

في منزل عاصم المحجوب..

دلفت إلى غرفتها بعد تناول طعامها بهدوئها الغير معتاد..دلف والدها يتساءل:

– لولا مالك ياقلبي؟ مسد على خصلاتها..

دخلت لأحضان والدها وانسدلت عبراتها وهي تعجز عن إجابته..كيف ستقص له ماصار اليوم، ابتعدت عن أحضانه بعدما جففت عبراتها:

– مفيش حبيبي، كان فيه شغل كتير النهاردة، مرهقة شوية.

طبع قبلةً على خصلاتها ونهض:

– ارتاحي حبيبتي…أومأت برأسها، خرج والدها وهي تسطحت على الفراش تبكي بنشيج..وضعت الوسادة على وجهها حتى لا يسمعها أحد..أطبقت على جفنيها كلما تذكرت نظراته إليها…أيعقل إنها نظرات عتاب،

أيعقل أنه أحبها بالفعل

! لماذا وجدت نظرات الحزن على وجهه؟..نعم أحست بتصلب جسده ونظراته المشتتة باتجاهها..همست بشفتيها وهي تتذكر كلماته:

– لدرجة دي شايفني رخيصة وعايزني بأي تمن..هنا شهقة خرجت من جوفها بآلامٍ عاتية..وضعت يديها على قلبها وهي تعاتبه:

– لسة بدقله بعد ماعرفت حقيقته، فوق دا واحد مالوش آمان كان عايز يقضي ليلة مش أكتر ..تنهدت بحزن وحرب شعواء بين قلبها وعقلها إلى أن غلبها النوم..

عند راكان قام بحمل سيلين بعدما فقدت القدرة على الحركة..وبعد فحصها تبين أنها حالة نفسية مؤقتة..وضعها بهدوء بسيارته..بعد نقاش حاد بينه وبين والدته أودى به للابتعاد لفترة من الوقت، وصل بها إلى القصر حملها متجهًا لغرفتها، ولكنه توقف عندما وجد جده يقف في بهو القصر وهو يرمقه بنظراتٍ نارية..لم يعيره اهتمام واتجه بها ناحية المصعد، ولكنه توقف عندما استمع لحديث جده:

– هو أنا مش مالي عينك ياراكان؟ مفيش عامل إيه ياجدو…استدارَ بجسده وهو مازال يحمل سيلين التي كانت تغط بنومها بسبب علاجها:

–  هو حضرتك كنت مسافر علشان أسأل عليك، وبعدين أسأل على حضرتك وإنت واقف قدامي سليم أهو ماشاء الله..المفروض حضرتك اللي تسأل على حال حفيدتك، قالها بمغزى..

اقترب توفيق وهو يوزع نظراته بين سيلين وبينه فأردف متهكمًا:

– على أساس إنها حفيدتي يابن أسعد..هنا ابتسم راكان بسخرية، ثم دلف المصعد ولم يجادله عندما علم بأن جده على علم بكل شيء..

وضعها على مخدعها بهدوء..وطالعها لبعض اللحظات وقبضة قوية اعتصرت قلبه عندما تذكر حديث جده..جلس يمسد على خصلاتها ويهمس لنفسه:

– طول ماأنا عايش محدش هيقدر يلمس شعرة منك، وخليه يعمل فيكِ زي ماعمل في باباكي..دلفت زينب إليها ترمقه بنظرةٍ جانبية، فاليوم لأول مرة يحادثها بغضب عندما وضعت عليه اللوم في حالة أخته وتحدث بحالةٍ جنونية فيكفي مابه..

” هو ليه كل حاجة وحشة بترموها عليا، حد قلك إني شخص حقير أوي كدا؟..دي أختي على فكرة ولو كنت أعرف علاقتها بيونس مكنتش سمحت بكدا، اقترب منها وصاح بغضب:

– متحطيش فشل مراعاتك ليها في السن دا عليا ياست ماما، شوفي غلطك الأول وبعد كدا تعالي حاسبيني..

راكان صرخ بها سليم عندما وجد دموع والدته وحزنها من كلمات ابنها الجارحة..

نصب عوده واتجه بنظراته إليه، توقف أمامها كطفل منتظرًا عقابه فأردف بصوتٍ حزين وقلب محمل بالهموم:

– آسف عارف زعلتك مني وكلمتك بأسلوب مش كويس، سامحيني حبيبتي..

جذبته لأحضانها وتعالت شهقاتها وهي تتحدث:

– مكنش قصدي أزعلك ياحبيبي، ولا قصدي أحط اللوم عليك، لكن إنت الكبير ياراكا، ولما عرفت سليم كان عارف اتجننت وحطيت همي فيك..

قبّل جبينها وأردف بحنان:

– عندك حق ياماما، أنا الكبير كان المفروض آخد بالي منها أكتر من كدا، علشان كدا اتعشينا برة وحاولت أفهم منها لما شكيت وقت خطوبة يونس، بس ماوصلتش لحاجة..

ربتت على كتفه:

– متزعلش مني حبيبي، إنت أغلى من نور عيني..رفع بصره إليها ولأول مرة انهارت حصونه بالكامل أمامها.. وتساقطت دموعه، فألقى نفسه بأحضانها:

– ماما أنا مش وحش زي ماكلكم مفكرين، أنا بحاول أبعد عن وجعي بس عمري ماعملت حاجات تخليكِ تتبري مني، وتقولي إني منحط..

مسدت على خصلاته وهو جالسًا أمامها، ثم سحبته وأشارت على ساقيه..فرد جسده بجوار سيلين واضعًا رأسه على ساق والدته:

– قولي مالك ياحبيبي، أول مرة أشوف كم الحزن اللي في عينك دا؟!..

انسدلت عبراته حتى شعرت بها والدته:

– دا شكل الموضوع كبير ياراكان اللي يخلي دموعك الغالية اللي لأول مرة أشوفها وأشوف ضعفك..ملست على خديه وابتسمت:

– لا تكون عشقان يابن زينب، آهة خفيضة خرجت من جوفه وهو يطبق على جفنيه بألمٍ حتى شعر بانقباض قلبه وانسحاب روحه وهو يتذكر تشابك أيديهما..اعتدل سريعًا يجفف وجهه، ورسم إبتسامة مزيفة أمامها:

– حب إيه يازوزو..تعرفي عن راكان كدا برضو، لا أنا صعبان عليا سيلين، وجعتلي قلبي.

مدت كفيها تزيل عبراته العالقة بجفنه تحاوطه بنظراتها مشككة:

– كان نفسي تفرحني زي سليم،  تنهدت وهي تطالعه:

– مش كان الأولى إنك اللي تيجي تفرحني، دلف سليم في تلك الأثناء وتساءل:

– سيلين عاملة إيه؟..نهض راكان وهو يجيبه:

– هي نايمة دلوقتي الدكتور بيقول هتفضل نايمة للصب، اتجه بنظره لوالدته:

– روحي نامي شوية ياماما وأنا هفضل جنبها علشان لو صحيت..هزت رأسها بالنفي:

– لا روحو ارتاحوا أنتو الاتنين وأنا هبات معاها، مينفعش هي مهما كانت بنت وهتحتاجني أكتر منكم..

خطا راكان بعض الخطوات ولكنه تسمر عندما استمع لحديث سليم:

– ماما أنا اتكلمت مع ليلى النهاردة، وطلبت تاخد ميعاد مع باباها..جهزي نفسك إنت وراكان وبابا علشان نروح بكرة نطلبها..إيه رأيك ياراكان بكرة قبل مابابا يسافر ألمانيا؟..

تجمدت الحروف على شفتيه، فأطبق على جفنيه وحاول أن يهدئ من دقات قلبه العنيفة داخل صدره..ابتسمت زينب تربت على كتفه:

– اسمها ليلى ياحبيبي؟..أومأ برأسه ولمعت عيناه بالسعادة وتحدث:

– أيوة ياماما..ليلى وهي ليلى فعلًا، حلوة أوي ياماما، لما تعرفيها هتحبيها، بس طبعًا هي وراكان زي القط والفار..اتجهت ببصرها إلى راكان الذي يكور قبضته حتى ابيضت وهو يرى السعادة على وجه أخيه:

– مالك ومالها ياراكا، دا سليم بيقول فيها أشعار، وشكل البنت محترمة وحلوة من كلامه عليها، بصراحة حبيتها من غير ماأشوفها..

صاعقة ضربته بقوة وهو ينظر لوالدته:

– حضرتك كنتِ عارفة بالموضوع؟…ضم سليم والدته وهو يراقص حاجبيه:

– قولتلها من يومين بس ..نيران مستعرة أشعلت صدره بالكامل وهو يستمع لحديثه عن جمالها ورقتها لوالدته..خطا سريعًا للخارج وهو يتخبط بخطواته وكأنه غريق في بحر الظلمات..أيقظه من ظلمات قلبه صوت توفيق الصاخب لوالده:

– البنت دي لازم ترجع الشارع إللي جت منه، ياإما كدا، ياإما لا إنت ابني ولا أعرفك..دلف بخطواته لغرفة المعيشة على صيحاتهم..توقف يرمق جده بغضب:

– ومين إدالك الحق إن شاءالله، تقولنا نقعد مين في بيتنا ومين لا..

– راكان..قالها والده بحنو حتى لا تكبر الفجوة بينهما..تحرك الجد حتى توقف أمام راكان:

– انت إزاي تكلمني كدا؟..جلس راكان وقام بإشعال تبغه ليحرقه كما يحترق صدره، فأردف بهدوء رغم نيران جسده بالكامل:

– من الآخر ياتوفيق يابنداري..هقولك كلمتين ومفيش بعدهم:

– اللي جوا دي أخت راكان البنداري..وحط مليون خط تحت أخت راكان..

هسمع غير كدا ،يبقى إنت اللي بدأت.. وبيقولوا إيه يابابا، أيوة صح ،”البادي أظلم” وحياة الراجل اللي واقف جنبك دا اللي هو أبويا

لو حاولت تقرب من سيلين ولا تقولها حاجة ماهرحم العيلة من أكبرها لأصغرها، توقف يتحرك حوله وهو يشير بسبباته:

– استحملت منك الكتير..لو حابب أعدلك تمام وقتي يسمح، نبدأ منين ياتوفيق باشا آه…

راكان قالها والده حتى يصمت، رفع بصره لوالده:

– بابا لو سمحت النقاش محترم ومتبادل بينا أهو مش كدا يا…أه توفيق باشا..

رمقه الجد بنظرات لو تحرق لأحرقته فأردف:

– اللي حايشني عنك يابن أسعد إنك حفيدي..قهقه راكان بضحكاتٍ صاخبة وهو يشير بيده بالنفي:

– لا ياجدي الغالي..يعني واحد موت ابنه هيصعب عليه حفيده..نهض توفيق يصرخ بوجهه:

– اخرس ياولد مين اللي قتل ابنه دا؟!..نفث راكان دخان تبغه بشراسة وأجابه:

– إنت ياتوفيق باش ..نسيت عمو محمود وخالتو زينا؟..قوس فمه ووضع ساقًا فوق الأخرى ومازال ينفث تبغه وينظر بنظراتٍ قاتمة لجده:

– مكفكش إنك طلقت أبويا وأمي وخليته يتجوز واحدة لا من دينه ولا من جنسه، لا وبعد مادمرتهم وسبت أبويا واتنقلت على ابنك الصغير، حتى ماادتلوش فرصة يحكي..وياريت عقلك يهدى بعد دا كله لا..جاي تكمل على ابنه ومفكره هيخضع لقوانينك..

نجح في تسديد هدف قاتل لجده.. الذي تغيرت ملامح وجهه وشَحُبت كالموتى..

نهض راكان واتجه لنافذة الغرفة وأكمل:

– موت قلبي ومسخت مني شخص بيكره الستات من كتر ماجنيت عليه في أول حبيبة..وحتى بعد سنين لما أتجمع بواحدة عرفت تلملم وجعي،  جيت ودوست بكل غدر ووجعتني وموِّت فرحتي وقتلتها بدم بارد..تصلب جسده وشعر بنيران تحرق دواخله فاستدارَ يرمقه بغضب وبعدما تحولت عيناه للون الأحمر:

– عروسة تتقتل في حضن جوزها يوم صباحيتها ويتعملها محضر إنها خانته وانتحرت..قالها بصراخ وهو يركل كل مايقابله وأشار بسبابته مقتربًا منه كالمجنون:

– إنت مستحيل تكون بني آدم..حفيدك اللي ميشرفوش نسب عيلتك دي كبر وكبر قوي فلو عايز تفضل محافظ على هيبة توفيق البنداري ابعد عن غضب راكان البنداري …قالها ثم تحرك بعض الخطوات ولكنه توقف متسائلًا:

– سؤال واحد بس..إزاي قدرت تعمل فيا كدا، إزاي جالك قلب تتفق معهم على كسر قلبي..استدار يناظره فتقابلت عيناه المحجرة بالدموع بنظراتِ جده القاسية ذو نظرة الجفاء..ابتسم توفيق بسخرية وتحدث ماشقه لنصفين:

– أنا معملتش حاجة إنت اللي روحت لبنات لمامة وحبوا اسم راكان البنداري..ماهم لو حبوك يابن ابني مكنوش خانوك مش كدا ولا إيه ياحضرة وكيل النيابة؟..

أومأ راكان رأسه وهو ينظر لوالده الذي يطالع ابنه بحزن فتحدث:

– إنت في دي صح ياتوفيق باشا..صح جدًا المرادي فعلًا غلبتني..تراجع إليه وتحدث:

– علشان كدا أنا بعشق أمي اللي مهما عملت فيها ماحاولتش تخون جوزها اللي هو أبويا، اللي راح اتجوز عليها وسمع كلامك، للأسف أنتوا متستهلوش أمي..قالها وتحرك سريعًا عندما شعر بانقباض أنفاسه..

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي..

توجه سليم إلى غرفة سيلين..دلف بعد إذنه بالدخول..ابتسم بوجهها:

– صباح الورد ياسيلي..عاملة إيه دلوقتي؟..

ابتسمت له وأجابته:

– أنا كويسة حبيبي..هو أبيه راكان فين؟..جلس بجوارها يمسد على خصلاتها:

– نزل على الشركة ، أنا مسافر إسكندرية بالليل وهو هيتولى شغل الشركة..قبّل جبينها:

– متزعليش منه، عارف إنه اتعصب عليكِ بس إنتِ غلطي ياسيلي كان المفروض تحكلنا..

أمسك كفيها يضمهما ثم أردف:

– يونس قالي قبل سفرنا بيوم، بس معرفش إيه اللي غيره كدا..قبلت كفيه الذي يضمها بهما وأردفت:

– انسى ياسليم..أنا اللي أستاهل علشان بعد كدا مرميش قلبي لواحد مايستهلوش..

مسد على خصلاتها وابتسم من بين كلماته:

– لازم نغلط حبيبتي علشان نتعلم من غلطنا..قالها سليم ثم توقف وهو يطالعها:

– متخليش حاجة تكسرك، لازم اللي يوجعك يقويكِ مش يضعفك، بس عايز أقولك حاجة مهمة:

– يونس بيحبك فعلًا، أنا شوفت خوفه ولهفته عليك..أغمضت عينيها بألم وأجابته

– روح على شغلك حبيبي..بعدين نتكلم في موضوع يونس..أومأ برأسه ثم استدار إليها:

– أرجع من أسكندرية ألاقيكى مستنياني علشان عايز أعرفك بأجمل بنت شفتها  عنيا..

شهقت بسعادة وهي تصفق:

– احلف، أخيرًا هتعملها وتتجوز وتفرحنا..اقترب وطبع قبلة على خصلاتها:

– أيوة ياأجمل أخت في الدنيا، خفي بسرعة علشان تيجي معانا، أنا وإنتي وماما وراكان، قولت لبابا قالي هكون برة البلد، وعايزني أستنى وطبعًا مش قادر..

ضحكت ضحكات خافتة وقالت:

– ربنا يسعدك ياحبيبي، عقبال مانفرح براكان هو كمان..ابتسم لها وتحدث:

– إن شاءالله ربنا يهديه هو كمان..هسيبك علشان لسة هعدي على الشركة..

اعتدلت محاولة الجلوس وتذكرت يوم خطبته..

بعدما رجعت هي وراكان من الخارج..دلفت للمسبح محاولة نسيان ألم قلبها من أصوات الفرحة التي تجاور قصرهم..ظلت بعض الوقت، ثم خرجت ترتدي مئزرها ووضعت سماعتها ودموعها تنزرف بقوة، لم تشعر إلا به وهو يجذبها لأحضانه:

– مش قادر ياسيلين..حاولت أبعد مقدرتش، نهضت سريعًا تدفعه بلكمات يديها وتحركت سريعًا للداخل..

خرجت من شرودها وابتسامة سخرية على ملامحها..

بعد يومين بالمزرعة جلست بجوار أسما وفجأة نظرت إليها وتحدثت:

– نوح قالك حاجة؟..ضيقت أسما عيناها وتساءلت:

– مش فاهمة تقصدي إيه؟..ابتسمت تطالعها ثم غامت عيناها بالعبرات؛

– سليم طلبني للجواز وأنا وافقت..جحظت أسما عيناها وتساءلت لعل مااستمعت إليه يكون خاطئًا:

– مش فاهمة ياليلى كلامك؟..تنهدت بحزن ثم وضعت كفيها على وجهها وأجابتها:

– سليم طلبني للجواز ياأسما وأنا وافقت..هبت أسما كالملدوغة وصاحت بها بغضب:

– لا قولي إنك بتهزري مش معقول تكوني مجنونة وتروحي تتجوزي أخو حبيبك..

قطبت مابين جبينها وابتسمت بسخرية:

– إيه ياأسما مش دا سليم اللي اتمنيتي أنه يكون مكان راكان..دفعتها أسما بقوة وتحدثت كالمعتوهة عندما فقدت السيطرة على غضبها:

– مش دا قصدي ياحضرة المهندسة العظيمة، قصدي لو حبيتيه هو مش راكان ومش معنى كلامي تروحي تحبي واحد وتتجوزي أخوه..دي اسمها خيانة ياليلى..

قالتها أسما بقهر من صديقتها..بكت ليلى بنشيج وهي تهز رأسها:

– قوليلي أعمل إيه..واحد طلب مني تمن مساعدته وقالي عايزك إنتِ، انسدلت عبراتها كالشلال وضربت على صدرها:

– طالب تمن ليلة معاه..وياريت عارفة أكرهه من خبتي التقيلة محبتش غيره ياأسما، وهو بتاع ستات، حاولت أكرهه ومعرفتش، يوم عن يوم حبه بيكبر جوايا، لدرجة بقيت بكره الليل علشان أشوفه..بقيت اتجنن لو غاب يوم، وفي الآخر يحطم قلبي ويدوس عليا ويخوني، كنتي مستنية مني إيه، كان لازم أشوف حد ينزعه من قلبي..

صفعة قوية على وجهها وصاحت بغضب من ليلى:

– أيوة إنت واحدة مجنونة لما يوصل بيكي الانتقام أنك تكوني خاينة يبقى مش عايزة قلم واحد عايزة مليون قلم ياليل..فوقي صرخت بها أسما..

تفاقم غضب أسما أكثر واكفهر وجهها كاظمة نيران صدرها التي أشعلتها ليلى فرفعت سبابتها:

– الخطوبة دي مش هتم ومش هتتجوزي سليم، ودا آخر كلام عندي ياصاحبتي..قالتها وتحركت، أسرعت ليلى خلفها وحاولت التحدث توقفت أمامها:

– أسما أرجوكي أنا محتاجاكي، أنا لازم أبعد عن راكان ومفيش حد هيبعدني عنه غير سليم..

– إزاااااي صرخت بها أسما..دا أخوه، يعني طول الوقت هيكون قدامك، إنتِ لسة بتقولي بقيتي تكرهي الليل علشان بيكون بعيد..هتتحملي تكوني في حضن سليم وبينك وبين راكان جدار واحد!!.

احتضنت وجهها وتحدثت بهدوء:

– ليلى حبيبتي اللي بتعمليه دا إنتِ أكتر واحدة هتتأذي بيه..صدقيني، لازم ترفضي الجوازة دي حتى لو هتبعدي عن راكان مع إني أشك إن راكان هيسكت ويسيبك ترتبطي بأخوه..

– يعني إيه؟..تساءلت بها ليلى، ولكن قطع حديثهم دلوف سيارة راكان بجواره نورسين إلى المزرعة ويبدو على ملامحهم السعادة..ترجل من السيارة ينتظر نزول نورسين ولكن التقطتها عيناه وهي تناظرهما..ابتسم بسخرية ثم تحرك بجوار نورسين وهو يحاوط خصرها متجهين للداخل..

استدارت إلى أسما وبدا على وجهها كم الآلام مع وديان دموعها الحزينة:

– هستناكِ الليلة ياأسما، ماهو مش معقول تسيبي صاحبتك في يوم زي دا لوحدها..

أطبقت أسما على جفنيها بقوة وانسدلت عبراتها متحدثة:

– بتغلطي ياليلى ، اللي بتعمليه دا هيكسرك..تذكرت شيئًا فسحبتها من يدهها وأجلستها:

– تعرفي أنا شاكة إن راكان بيحبك..طالعت أسما بابتسامة سخرية وأجابتها:

– بدليل دخوله دلوقتي وهو حاضن واحدة مش كدا، دا قصدك؟..اتجهوا بأنظارهم عند خروج نوح وراكان ونورسين متجهين لحظيرة الأحصنة..

هنا شعرت  بأن الأرض تدور بها..فتحركت دون وعي متجهةً إليهم، حاولت أسما توقيفها ولكن كأن عقلها لم يعد بجسدها، اقتربت وتوقفت تطالع نورسين التي تضحك ضحكات صاخبة وهي تردف:

–  مش معقول ياراكان، يعني هو يلف ويشتري الحصان وإنت تاخده، طول عمرك صياد ياحبيبي…عقد ذراعيه وتحدث:

– الموضوع مش كدا هو عجبني وطلبته من دكتورنا العبقري وأخد أضعافه مش كدا يلا؟..قالها راكان وهو ينظر لنوح الذي كان يطالع ليلى بنظراتٍ مبهمة من وقوفها خلفهم..فتحدث:

ماهو التمن يستاهل ياحضرة وكيل النيابة..استدار ينظر للذي ينظر إليه نوح..

هزة أصابت جسده وهو يراها تقف خلفه بنظراتٍ شاردة..قاطع تفحصه لها حديث نورسين:

– بقولك ياراكي إنت اللي هتركبني الحصان وكمان هنلف المزارع، قولت اليوم دا ملكي..فخليني أستمتع بيه..تحركت ليلى مغادرةً المزرعة وهي تتخبط بسيرها عندما شعرت بنيران الغيرة تتآكل بقلبها..ولكنها توقفت عندما أسرع نوح خلفها وهو يرمق أسما بنظراتٍ ذات مغزى:

– تعالي..أمسك نوح بيديها وغمز إلى راكان وتحدث:

– بنت خالتي أولى منكم أنتوا الاتنين..وضع يديه:

– ياله يالولو ..خلي بالك أوعي توقعي المرة اللي فاتت كان فيه اللي ينقذك المرادي معرفش الصراحة..كأن كلمات نوح اخترقت صدره كيف يفعل وهو لا يتحمل مزح صديقه..فكيف لأخيه الاقتراب منها …سحب أيدي نورسين متجهًا لجواد آخر وأردف:

– الحصان دا حلو تعالي جربيه..أشار لذاك الحصان الذي اعتلته ليلى بابتسامةٍ خلابة ونوح يمازحها حتى خرجت من كبوة حزنها وهي تصفق بيديها كالأطفال:

– بحبه أوي يانوح..الحصان دا بقى عشقي..شعر بدقات تخترق صدره وكأن حديثها موجه له، فتحرك متجهًا إليها:

– متخرجيش رجلك من هنا ومتبصيش لتحت لتقوعي..اقتربت أسما تنظر إليهما بحزن فأردفت بهدوء عندما وجدت شرودهما هما الاثنين:

– روح إنت ياحضرة النايب أنا هتولى ليلى..أومأ برأسه وتحرك يعتلي أحد الأحصنة الأخرى متحركًا خلف نورسين، وضع نوح يديه بجيب بنطاله:

– من إمتى وإنت عارفة بحب ليلى وراكان..استدارت بجسدها إليه:

– هو فين الحب دا يادكتور، الحب اللي بدوسوا عليه بجزمكم..آه صحيح نسيت أباركلك..

– مبروك..جذبها بقوة حتى أصبحت بأحضانه:

– غلطك بيكتر ياأسما ماتوصلنيش لحاجة بحاول أبعد عنها..قدامك يومين بس ياإما نكتب كتابنا ونتجوز زي أي اتنين بيحبوا بعض..

ارتجف جسدها بين يديه وتحدثت:

– ياإما إيه يانوح؟..لمس خديها ودنا يهمس بجوار أذنها:

– ياإما وعد من حبيبك نوح على آخر الشهر هيتجوز ياأسما..هرولت سريعًا متجهة لليلى التي تراقب راكان بنظراتها الثاقبة وهو يسرع بجواده بجوار نورسين..

مساء اليوم..

دلف سليم لغرفته وهو يطلق صفيرًا..وإن دل على شيء فيدل على سعادته:

– إيه دا أنت لسة متجهزتش؟..قطب جبينه وتساءل:

– مجهزتش لإيه؟..إنت خارج ولا إيه؟..زفر سليم وهو يعدل من ربطة عنقه:

– النهاردة هنروح نطلب ليلى ونلبس الدبل..هي ماما ماقلتش لك؟..ظل ينظر إليه بصمت حتى يحاول تنظيم دقاته الهادرة وأنفاسه العارية أمام أخيه فتحدث مبررًا:

– هو لازم أنا يعني، ماكفاية ماما وبابا..وبعدين مينفعش أسيب سيلين بحالتها دي..روح إنت حبيبي وألف مبروك مقدَّمًا..

جلس سليم وشعر بالحزن فأردف:

– يعني أروح من غير أخويا الكبير ياراكان..عايزني أروح أخطب من غيرك!..

توقف يضمه وتحدث بصوتٍ حزين:

– راكان عايزك تشاركني فرحتي الليلة، لو سمحت مينفعش أفرح وإنت مش معايا..خرج من أحضانه ولكزه بخفة:

– يمكن لما تشوفنا تغير رأيك وتحب واحدة وتطلب تتجوزها..

وكأنه بكلماته ضغط فوق جرحه.. فأصاب جسده برعشة حزينة ثم جذبه لأحضانه يربت على ظهره وتحدث ماأصاب قلبه المكسور:

– لا ياحبيبي هشاركك فرحتك..بس مش النهاردة، خليني مع سيلين،

رفض سليم وتحدث:

– عمتو سمحية هتيجي تقعد معاها..ياله اجهز بقى أصلي والله ألغي الموضوع، وأطلع عيل قدامهم..

أومأ برأسه فتحرك سليم للخارج..أما هذا الذي انسدلت دمعة غائرة من عينيه وهو يكور قبضته:

– كيف يتحمل كل هذا العذاب..بعد قليل هبط للأسفل كان الجميع بانتظاره، توقف سليم يطلق صفيرًا مرةً أخرى:

– أنا خايف ياماما يفكروه هو العريس..وقتها ممكن أروح فيها، يبقى مصيبة أخويا خطب حبيبتي؛ تسمر بوقفته وتجمد الدم بعروقه وكأن حديث سليم العفوي وضع طوقًا حديديًا منصهرًا حول عنقه ليخنقه دون رحمة..

تحرك بعض الخطوات ولكنه اصطدم بآخر شخص تمنى رؤيته بهذه اللحظة:

– إيه ناوين تمشوا من غيري؟..قالها توفيق وهو يرمق سليم..روحت عصيت جدك وخطبت واحدة لا من مستوانا ولا نعرف لها أصل..وصلت فرح خلف جدها ودموعها تنسدل بقوة:

-ليه يابن عمي دا أنا بحبك..اقترب سليم وتحدث بهدوء:

– فرح مفيش حاجة بينا..أنا بحب واحدة تانية، وقولت لك قبل كدا..أشارت بسبباتها أمام ناظريه وأردفت بغضب:

وحياة قلبي اللي حطمته ياسليم ماهخليك تتهنى..فرح قالها الجد بغموض:

– روحي ولكل حادث حديث يابنتي..ثم رفع نظره إلى سليم:

– ياله زمان عروستك مستنياك..وعقبال راكان لما نشوف هو كمان هيبتلينا بمين..

صمت راكان لثواني..فهو في حالة لم تجدي للنقاش فأردف:

– هو حضرتك هتروح معانا ليه؟..دي حاجة على الضيق..استدار لوالدته عندما أيقن أنها خلف مجيئه فأردف:

– إحنا رايحين فرح ياماما عايزين أشكال تفتح النفس..مش رايحين معتقل..قالها راكان ثم تحرك للخارج واستقل سيارته بجواره سليم..

أما الجد الذي استقل سيارة أسعد وزينب وهو يسبُّ راكان:

– معرفش ليه مش عايز تلم ابنك ياأسعد، الولد عياره فلت..

تنهد أسعد بصوتٍ مسموع فأردف:

– لو  عياره فلت صدقني مكنتش لسة في قصره يابابا..حاول تتلاشى راكان، راكان مشغول الأيام دي دا اللي مسكِّته..

لكزه بعكازه موبخًا إياه:

– إنت بتهددني ياأسعد..بتهدد أبوك!..صمت أسعد عندما وجد النقاش سيأخذ منحنى آخر..

وصلت السيارات بعد قليل..ترجل سليم وراكان وتقابلا مع نوح الذي ترجل هو الأخر ..أومأ برأسه بهدوء عندما وجد نظرات راكان المنكسرة فتحدث:

– ألف مبروك ياسليم..وبعدين تعال هنا يابني..كتب كتاب إيه اللي عايز تعمله؟..عمو عاصم كان هيتجنن من طلبك.

غمز سليم وتحدث:

– إيه ياأخي عايز أخد راحتي مع خطيبتي..ماإنتَ عارف ليلى محافظة جدًا ومستحيل تخليني أمسك إيدها، وأنا الصراحة مش هضمن نفسي وأكون مؤدب.

تركهم راكان وصعد للأعلى بروح محترقة وقلب يتمزق ألمًا وعلامة دامية تشوه شقه الأيسر..أطبق على شفتيه حتى لا تتساقط عبراته وهو  يقرع الجرس..فتحت درة الباب بابتسامتها الخلابة:

– أهلًا..إبتسامة بسيطة من شفتيها  وهو يدلف للداخل يبحث بعينيه عنها..تمنى لو أنه العريس المنتظر، ولكن ليس الأماني بالتمني..

دلف خلفه الجميع الجد، وزينب وأسعد وسليم ونوح وكذلك يونس..جلس الجميع بغرفة المعيشة..وبعد الترحيب بهم، طالع توفيق المنزل بنظراتٍ مزرية:

– هو دا بيتكم ولا إيجار؟..قالها توفيق وهو يرمق عاصم الذي يجاوره نوح..

ابتسم عاصم عندما علم بما يعنيه فأجابه:

– دا بيتي وارثه عن جد الجدود..هنا بلاقي سعادتي في ضحكة من بناتي والدفا من مراتي والحنان من ابني..البيت اللي حضرتك شايفه دا أدفى من قصور كتير..

أكد أسعد على كلامه قائلًا:

– عندك حق طبعًا ياأستاذ عاصم..المهم الحب اللي يحاوط العيلة، عايز أقولك أنا في بداية حياتي كان عندي بيت بسيط كله دفا وحب..

خرجت ليلى بجوار والدتها بطلتها التي خطفت الحضور ..حتى تحدث نوح:

– والله ياعمو كان أنا أولى بيها، ضحك الجميع وهم يطالعون ليلى بنظراتٍ إعجابية..سوى الذي هرب بنظراته بعيدًا عن ليلها الدامس..

جذبتها زينب:

– تعالي ياحبيبتي هنا جنبي..لا سليم طلع محظوظ جدًا..أومأت برأسها

وقدمت للجميع مشروبهم والذي عبارة عن قهوة..

اقتربت منه ورفعت نظراتها إليه..كان يطالع هاتفه محاولًا السيطرة على أعصابه..فهمست له:

– قهوتك ياحضرة المستشار..هنا رفع بصره إليها وتقابلت نظراتها بنظراته، حمحم يونس وجذب فنجان قهوته:

– شكرًا ياليلى..تحركت متجهةً تجلس بجوار والدتها وارتعاشة جسدها الذي لم تتحكم به من نظرة عينيهِ الحزينة..لأول مرة تجد شمسه بها غيومًا كسماء الشتاء القاسية..

حمحم أسعد وتحدث قائلًا:

– طبعا إحنا جينا قبل كدا وطلبنا إيد كريمتكم والنهاردة جينا بناءً على طلبكم هيكون تلبيس دبل بس، فأنا كنت بقول بعد إذنك طبعًا ياأستاذ عاصم نعمل حفلة الخطوبة وكتب الكتاب والدخلة آخر الشهر..

شهقت سمية واتجهت بنظرها لزوجها فتحدث:

– مستعجل على إيه يا باشمهندس..أدونا وقت وبعدين على الأقل الولاد يتعرفوا على بعض..قاطعهم سليم وتحدث:

– بعد إذن حضرتك يابابا، أنا مش هرفض طلبك أكيد ياعمي، لكن فيه رجاء بسيط..نعمل حفلة الخطوبة وكتب الكتاب بعد أسبوع وبعد كدا الفرح وقت ماحضرتك تحب ولا إيه ياراكان؟..قالها سليم وهو يلكز راكان بذراعيه..

حمحم راكان وحاول أن يتحدث بطبيعته:

– سليم عنده حق طبعًا..طبعًا الباشمهندسة هتكون معاه في الشغل فمنعًا للكلام الأفضل يكتبوا الكتاب..قالها بصوتٍ حاول جاهدا أن يكون متزنًا..

دنا يونس منه وهمس:

– يابرود أعصابك ياخي..لو منك كنت خطفتها دلوقتي…على فكرةفيه حاجة جيت مخصوص النهاردة علشان أتأكد منها..

رمقه بنظرةٍ جانبية؛

– اخرس مش عايز أسمع صوتك..إنت جاي ليه أصلًا..دنا وهمس بصوتٍ مما جعل دقاته تخرج من صدره:

– ليلى بتحبك إنت ياعبيط، أمَّا عملت كدا ليه إجابته عندها..رفع بصره إليها سريعًا فوجد خيوط من الدموع محتجزة بعينيها..توقفت ورسمت ابتسامة وتحدثت:

– بعد إذنكم..ثم دلفت سريعًا للداخل..

استدار يرمق يونس بنظرةٍ تحذيرية أخرسته..

نهضت سمية وهي تبتسم؛

– عارفين البنات طبعًا بتكون مكسوفة وكدا..أومأ سليم بتفهم..أما توفيق الذي أمال على سليم:

– دا النسب اللي هيشرف عيلة البنداري، لا ومستعجل على كتب الكتاب..قاطعه عاصم وهو يردف لأسعد:

– إحنا مالناش طلبات يابشمهندس..هو ابننا وهي بنتكم..ابتسم الجد بسخرية مردفًا:

– واحنا لو طلبنا هتقدروا على طلبنا؟..قاطعه راكان:

– وإحنا نطلب بصفتنا إيه؟..دي عروسة وهي المفروض اللي تتشرط وحضرتك تقول سمعًا وطاعة..ابتسم أسعد إلى عاصم محاولًا التخفيف من حدة راكان وجده..ورغم ذلك قاطعه الجد:

– لا يطلبوا إيه، كفاية عليهم نسب البنداري هما هيطولوا أكتر من كدا!..رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة سخرية وأجاب جده متناسيًا النظرات الموجهة:

– ايوه ياتوفيق باشا، فيه الاحترام والأخلاق..ولو على الباشمهندسة يندفع فيها مال البندارية كله..حاجة كدا متعرفش تقيِّمها.

لكزه يونس وهو يجز على أسنانه عندما وجد نظرات سمية ودرة الموجهة إليه فابتسم:

– راكان كان نفسه يبقى نايب في مجلس الشعب علشان كدا متحكمش في نفسه..قالها يونس وهو ينظر إلى راكان..

أما نوح الذي أغمض عينيه ألمًا على صديقه..فحاول التخفيف من حدة الموقف:

– ليلى هنوصلها لعندكم من غير حاجة ياتوفيق باشا..هز رأسه توفيق وهو يرمق نوح:

– ودا متأكد منه يابن يحيى الكومي، بدليل إنك روحت خطبت من برة العيلة..

نهض راكان حينما فقد أعصابه وهو يرمق جده فتحدث:

– ماقولنا لحضرتك ياجدو الحاجات دي تقيمية صعب عليك تفهمها..ثم تحرك مستأذنًا:

– بعد إذنكم عندي مشوار مهم..جذبه سليم وهو يحادثه:

– راكان هتمشي قبل ماألبس الدبل!. اتجه بنظره إلى درة وتحدث:

– نادي ليلى يادرة..دلفت للداخل..أما الجد الذي تحدث:

– دا العروسة شكلها مغصوب على العريس، ينفع عروسة تسبنا وتدخل كدا..

مسح سليم على وجهه محاولًا السيطرة على نفسه:

– وبعدين بقى ياجدو الناس تقول علينا إيه..

بالداخل دلفت درة وجدتها تجلس بغرفتها ويحيطها الظلام،  استغربت حالتها فتحدثت:

– ليلى قاعدة في الضلمة كدا ليه؟..جففت عبراتها وتحدثت؛

– لا مفيش ياحبيبتي كنت خارجة.. اقتربت درة وتساءلت:

-مين الحلو اللي لابس بدلة رمادي دا؟.. يخربيت حلاوته لو تشوفيه عمل إيه..توقفت منتظره حديثها:

– الراجل الكبير دا الصراحة محبتوش..إنما حماتك عسل..وكمان سليم شخص محترم باين عليه، ربنا يسعدك حبيبتي.

خرجت بروح محترقة وتتمنى لو تُزهق روحها بالحال..لا تعلم ماذا عليها فعله الآن..وصلت أسما بتلك الأثناء دلفت للداخل وهي تضمها وتهمس إليها:

– مقدرتش أسيبك في يوم زي دا..ربنا يسعدك ياليلى، وهرجع أقولك فكري تاني متخليش غرورك يحطم حياتك..رمقته بنظرة جانبية..

كان يقف بجوار نوح ويونس ويدخن وضحكاته الصاخبة..ضغطت على فستانها متجهة إلى سليم..هنا استدارَ ينظر من الشرفة عندما وجد اقترابهما وتلبيس خواتم الخطبة…أطبق على جفنيه..ربت يونس على ظهره:

– الحل الوحيد للكل إنك تتكلم معاها بصراحة..البنت دي بتحبك صدقني، وأنا شوفت دا قبل كدا في عينيها يوم حادثتك والنهاردة شوفته وهي بتبصلك وبتقولك اخطفني واهرب..

قهقه فجأة وهو يطالعه:

– لا دا شكل خطوبتك من سارة جننتك..أوعى تفكر إني سامحتك يايونس على اللي عملته في سيلين،  تبقى متعرفنيش يابن عمي..قالها ثم دلف للداخل…توقف أمامهما:

– مبروك ياحبيبي..عقبال لما أباركلك يوم فرحك كمان ..ربت سليم على ظهره:

-عقبالك ياراكي إن شاء الله، اتجه بنظره إليها:

– مبروك ياباشمهندسة..قاطعه سليم

– باشمهندسة إيه بقى ياراكان..دي هتكون مراتي، يعني بلاش التكليف..

رفعت حاجبها ونظرت إليه:

– عادي مش فارقة معايا ياسليم …مش كدا ياراكان..أومأ وتحدث:

– ألف مبروك..ثم تحرك للخارج..

❈-❈-❈ بعد قليل دلفت لغرفتها وتسطحت على فراشها تضم جسدها كالطفل وهي تبكي..يارب أكون بعمل الصح..سليم شخص كويس ومع الأيام هحبه أكيد..

كانت الشمس قد هلت بشائرها وأيقظ الفجر نور ربه، فتجلى صباح يومٍ جديد..ليلة مرت على البعض بسعادة وحبور وعلى البعض الآخر بالحزن والألم.

في شركة البنداري..

دلفت للمصعد ونظرت به تمنت لو تراه ككل يوم..ارتعش قلبها حينما فتح المصعد ووجدته واقفا بجوار آسر ويعطيه بعض المعلومات..

رآها من بعيد تقترب منهما..تحرك لمكتبه وهو يتحدث:

– لما تخلصه ياآسر ابعته لسليم أو الباشمهندس معتز.

وصلت حيث وقوفهما طالعته وأردفت:

صباح الخير، أومأ برأسه وتحرك للداخل..قام بخلع جاكيته وثني أكمام قميصه كعادته:

-” منى” هاتيلي قهوتي..واتصلي بمعتز يجيلي بآخر التطورات…تمام أستاذ راكان، هكذا أجابته السكرتيرة..

دلفت للداخل وتوقفت أمامه..رفع نظره حينما شعر بوجودها فتساءل:

– فيه حاجة، لو جاية تسألي على سليم معرفش أتأخر ليه..جلست بمقابلته وطالعته بعيونٍ أرهقها الحزن والألم بآن واحد:

– ممكن نتكلم؟! قالتها بهدوء..أشاح بعينيه بعيدًا عنها يحاول تمالك أعصابه بعدما وعد نفسه بأن يتحمل  ويواجه بأقصى مالديه..

-” راكان ”  همست بها بشفتين مرتجفتين..أطبق على جفنيه بألمٍ وسحب نفسًا عله يهدأ من نيران قلبه التي أشعلتها ولم تدر..كانت تطالعه بملامح هادئة، تغيره وصمته ناهيك عن هروب عيناه ونظرة الحزن التي يحاول يتلاشاها، هنا شعرت بأنها جنت عليهما:

– كنت عايزة أعرف إيه المقابل لمساعدتك ليا؟..

نهض وقام بإشعال تبغه ينفثه بهدوء على عكس نيرانه وتحدث وهو يواليها بظهره:

– معرفش جاية تتكلمي في إيه، وعلشان ترتاحي..أنا مدفعتش فلوس، القضية مجرد تهديد وبس، وكمان رسايله اللي حضرتك خبتيها دي اللي وصَّلته للي هو فيه، فياريت تريحي نفسك ومتفكريش، وبعدين إنتِ خطيبة أخويا دلوقتي..

اقتربت منه وتحدثت:

– كذاب..إنت كداب ياحضرة وكيل النيابة، توهجت عيناه وصاح بغضب:

– مش معنى إنك خطيبة سليم تنسي نفسك.

دلفت السكرتيرة:

– الأجتماع جاهز يافندم..أومأ برأسه وأشار بيديه على الخروج..

بعد قليل بغرفة الاجتماعات وقفوا جميعا يتناقشون المشروع الجديد..كانت تقف بمقابلته، اتجه بأنظاره إلى سليم وتحدث:

– خلاص شوف المهندسين المسؤولين عن التصميم وروحوا عاينوا المكان كويس..حلوة الفكرة تكون في المنتجعات السياحية كلها..

حرك سليم حاجبيه وتساءل:

– يعني أنا اللي هدبس برضوا في السفرية دي؟..

جلس وأجابه:

– سليم دا شغلك أكتر واحد هيعرف المطلوب، أنا مبفهمش زيك، غير طبعًا ارتباطي بالشركة بعد كدا هيكون مش دايم.

حدقت به بعينيها، لأول مرة تراه بهذه العصبية والجدية في آن واحد..نهض مستندًا بذراعيه على الطاولة وهو يشير لبعض المخطوطات:

– خد دي معاك وشوف دراستها هتعمل إيه..ممكن نورسين تساعدك فيه لو حسيت الدنيا مش تمام..

رفع بصره لليلى وتحدث:

– لا أنا هاخد ليلى، بلاش نورسين، وبعدين نورسين زي ماطلبت منها معدتش بتدوام زي الأول..

حمحمت ليلى تنظر إلى راكان:

– “آسفة” ياسليم مينفعش أسافر معاك، أكيد بابا مش هيوافق..اقترب يهمس لها بوجود آسر وراكان وهناك اثنين من المهندسين الآخرين وتحدث:

– هكلم والدك وبعدين هتكوني معايا حبيبتي متخافيش..كان بجوار سليم واستمع كلماته وكأن كلمة حبيبتي اخترقت قلبه..ضغط على القلم الذي بكفه ولم يشعر به إلا عندما تحدث آسر:

– أستاذ راكان إيد حضرتك مجروحة..هنا توجه سليم بنظراته وضيق عينيه:

– نسيت أسألك ياراكان إيه اللي جرح أيدك امبارح كدا؟..توجه بنظراته للموجودين:

– مفيش حاجة، الإجتماع خلص وسليم هيبلغكم بالجديد..وزي ماقولت لكم شغلي هيكون محدود في الفترة دي..دلف نوح، وحمزة، ويونس في تلك الأثناء..

– إيه الأجتماع خلص ولا إيه؟..أشار بيديه لخروج المهندسين

وجلس بمكان رئيس الإدارة ودعاهم للجلوس..أمسك سليم برسغ ليلى عندما توجهت للخارج:

– ليلى استني..توقفت تنظر إليه وتساءلت:

– فيه حاجة ولا إيه؟..حمحم نوح عندما نظر لراكان الذي يقاوم نيرانه الملتهبة التي تظهر بعينيه وإيقاف ارتعاشة شفتيه..محاولًا السيطرة على نفسه فتحدث نوح:

– سليم ياله عندي شغل، بعدين تكلم ليلى..جذبها سليم وسحب كرسي للجلوس بجواره وابتسم بسعادة وهو يطالعها:

– لا هي هتحضر معانا الاجتماع، وبما إنها هتكون مراتي فعايزها تعرف كل حاجة عن الشركة.

استدار بجسده ينظر إليها وتحدث وهو يشير إليهم:

– طبعا إنتِ عرفاهم كلهم، توقف ينظر إلى حمزة وتحدث:

– دا حمزة صاحب راكان برضو، زيه زي نوح ويونس، والتلاتة دول مابيفرقوش بعض يعني ممكن تقولي هم لبعض زي السمك والمية..

توجهت بنظراتها لراكان مباشرة..رأته يغلق عينيه وأنفاسه تعصف به من كثرة سحبه للهواء ثم اتجهت لسليم:

– طيب أنا برضو مفهمتش بتحكي لي ليه، دا اجتماع بينكم أنا دخلي إيه  تقولي حاجة زي كدا؟..تسلطت عيناه على وجهها الساطع متناسيًا ما حوله فأردف بهدوء:

– ماهم دول شركائي في الشركة، وبما إنك هتكوني مراتي لازم تعرفي كل حاجة..نهضت عندما استمعت إلى تنهيدة غاضبة ولم تكن سواه:

– لا ياسليم أنا ماليش دعوة بشغل الإدارة، أنا هنا مهندسة وهفضل كدا حتى بعد مانتجوز.

– أقعدي ياليلى..قالها نوح بهدوء وهو يطالع راكان:

– بدل سليم عايز كدا أقعدي،ومتنسيش إنك هتكونِ مراته، أنا بكرة مراتي هتنزل معايا وتعرف كل حاجة، جحظت أعين راكان من كلمات نوح..وكأن أحدًا هوى بمطرقة فوق قلبه فتنهد بصوتٍ مسموع:

– لما أكون مراته يانوح ..قالتها ثم تحركت سريعًا للخارج، حاول راكان استجماع شتات نفسه حينما علم بمغزى حديثه فتحدث:

– مش عايز شغل حريم يانوح ماشي، دا مجلس إدارة شركة كبيرة مش مجلس اجتماعي، مراتك في بيتك وأوضة نومك، مش ناقصني غير المجانين كمان..

– ليه كدا ياراكان..ليلى هتكون مراتي وبما أنا شريك يبقى المفروض تشارك..انفلتت أعصابه فصاح بغضب:

– لما تكون مراتك وقتها ربنا يحلها، لكن لسة وعايزها تشارك في اجتماع زي دا تبقى اتجننت..

– راكان اهدى..قالها يونس عندما وجد الأمور خرجت عن سيطرة راكان..

– أنا ميهمنيش حاجة من اللي بتقولها ياراكان، دي هتكون مراتي، غير إنها حبيبتي وبدل أنا حطتها في المكانة دي يبقى لازم تكون عارفة كل حاجة..راكان أنا بحبها علشان كدا هتجوزها..دي خلاص معدش فيها لما تكون مراتك، ومعنى إني وصلت لباباها وطلبت إيدها وهو رحب بطلبي..يبقى خلاص بقت مسؤولة مني ومبقاش غير عقد الجواز قدام الناس وبس.

أطبق على جفنيه عندما أصاب قلبه التمزق..أحاسيس قوية كالإعصار الذي لم يخمد أبدًا..فنهض سريعًا وتحدث:

– كملوا الاجتماع أنتوا، أنا النهاردة مش تمام..قالها متحركًا للخارج..توقف نوح خلفه سريعًا وهو يشير بيده إلى سليم كي يهدأ..

خرج سريعا متجهًا إلى المصعد..ناداه نوح:

– راكان استنى..كانت تخرج من مكتبها صدفة فاصطدمت به وكادت تسقط لولا ذراعيه القويتين التي احتوت خصرها بقوة..

رعش قلبها وأصابتها الصدمة فجعلتها صريعة حين تقابلت بعينيهِ  وأصبحت بأحضانه، أصابته دقات هادرة من قربها ودقاتها العنيفة التي ظهرت من خلال ارتفاع صدرها وهبوطه بشكلٍ ملحوظ..وصل نوح إليهم، لونت الصدمة تقاسيم وجهه وهو يراهم بتلك الحالة..آلمه قلبه على صديقه وهو يتجول بنظراته عليها..نعم يعلم تلك النظرات..عاشق حد النخاع، توصل لنظراته التي خرجت عن سيطرته حينما وجده يقربها لأحضانه متناسيًا ماحوله..ولكن صدمته الأقوى من نظرات ليلى..هل هي تعشق صديقه؟..نعم حالتها بل نظراتها توحي بالكثير..همس راكان وتساءل:

– إنتِ كويسة؟..هنا أفاق العقل فخرجت سريعًا تحاول السيطرة على نفسها..

أومأت برأسها عندما لم تستطع الحديث ولكن وجدت قطرات الدماء التي تتساقط من كفه،

بلهفة أمسكت كفه وتحدثت بخوف ظهر بعينيها:

– راكان إيدك بتنزف..رفع بصره إليها،  تقابلت نظراته بليلها الدامس الذي غرق صريعًا به.،

كانت هناك لهفة بصوتها وخوفها ناهيك عن تلامس أناملها الرقيقة لكفه…لامس الذعر المرتسم بعينيها،  ولم يتوقف الأمر على ذاك بل سحبت كفيه متجهةً لغرفة مكتبها وسحبت إحدى المحارم تكتم دماء يديه وتضعها على جرحه..كان يرسمها بعينيه..كيف له أن يتحمل أن تكون لغيره وليس بشخص عادي بل أخيه..توأم روحه..

❈-❈-❈

استند نوح على الجدار يراقبهم بصمت..أوجعه صمت راكان الذي شطر قلبه، ونظراته التي ترسم ملامحها عن قرب..أطبق على جفنيه عندما شهقت وهي تضع كفيها على فمها بعدما فكت ضماده ورأت جرحه:

-راكان  إيه اللي عمل في إيدك كدا؟!. دي كانت عايزة خياطة..إزاي تكون مهمل كدا؟..

سحب كفيه بهدوء حينما تأزمت حالته بقربها..حاول أن يقاتل بضراوة ألمِ قلبه ولكنه ضعف أمامها…كره نفسه كثيرًا:

– بتعملي معايا كدا ليه ياليلى؟..أنا مش قولت لك إبعدي عني..جذبت كفيه وهي تحاول تضميد جراحه..

-دفع كفيها غاضبًا حد الألم الذي شعر به قلبه..وبدا صارمًا متجهم الملامح..عندما ضغط على آلام قلبه فتحدث:

-إنتِ عارفة الست اللي تحب واحد وتروح تتخطب لواحد تاني بتكون إيه؟..

صدمة تجلَّت على ملامحها وهي تهز رأسها وكأن الصاعقة التي تلقتها جعلتها غير متزنة؛ فارتجفت شفتيها وحاولت لملمت شتات نفسها:

– إيه اللي بتقوله دا؟!هترجع تنفخ نفسك عليا وتعملي الطاووس المغرور اللي مموت العذارى بعجنهيته..

دنا للحد الغير مسموح وهو يطالع عينيها فأردف:

– علشان تعاقبيني رايحة تتجوزي أخويا ياليلى؟..ملقتيش غير سليم..قالها وهو يجز على أسنانه ويضغط على كفيها حتى آلمها:

– راكان، صرخت بها عندما شعرت بتقطع أصابع يديها..مازال على وضعه وكأن هناك شيئًا تذكره لكلمات يونس:

– إيه تنكري إن هزيتك؟..أشار على قلبها وأكمل بعينين يملؤها الألم:

– تنكري إن دا مااتهزش من قربي..دارت الأرض حول قدميها وارتجفت شفتيها تحاول الحديث:

– غرورك اللي مصورلك كدا..نظرت له والكبرياء يعتلي كل ذرة بكيانها عندما تذكرته مع نورسين فأجابته بعيون مشتعلة من الغيرة:

– لا ياحضرة النايب إنت ولا هزيت فيا شعرة..واللي زيك ميعجبنيش…قهقه بصوتٍ مرتفع ورغم أن كلماتها نخرت قلبه وحولته لأشلاء  متمزقه فاقترب بابتسامةِ سخرية:

– غلطانة يالولا..وعلى حين غرة وضع كفيه موضع نبض قلبها فجأة وتحدث:

– حطي إيدك هنا وإنتِ تعرفي إنك كذابة..نفضت كفيه سريعًا وتوقفت تصيح بغضب حينما شعرت بانهزام قلبها أمامه فتحدثت:

– غلطان ياحضرة النايب..أنا وافقت على أخوك علشان حسيته أنه محترم، مش كل ليلة في حضن ست، دا اللي أقدر أمِّنله على روحي وحياتي..

استندت بذراعيها أمامه على المكتب وتعمقت بمقلتيه:

– سؤال واحد نفسي أفهمه، أزاي شخصية مرموقة زيك وعكاك ومقرف كدا؟..نصب عوده واستدار إليها :

– لا دا شكلك مراقبة حياتي كويس، بصي ياليلى اللي بتعمليه دا غلط..ابعدي عن سليم، إنتِ كدا بتحطمينا إحنا التلاتة..

هزة عنيفة أصابت جسدها من مغزى كلماته..

تاهت نظراتها بكل اتجاه تهرب من عينيه فتساءلت:

– تقصد إيه من كلامك دا؟..هنا خلع كبريائه واتجه إليها وتعمق بالنظر داخل مقلتيها:

– يعني جوازك من سليم مش صح، بلاش توجعيني وتوجعي قلبك..ووعد هبعد عنك خالص..انتابتها عاصفة من الضياع بين قلبها وعقلها فأجابته:

– وإيه اللي يخليني أرفض سليم ياحضرة النايب..هزها بعنف حينما وصل الغضب لذروته فصاح:

– أنا إيه مش مكفيكِ، لآخر مرة بقولك جوازك من سليم غلط..أنزلت يديه وهي تنظر إليه بسخرية

– وياترى غلط ليه؟..وضعت إبهامها وبدأت تدور حوله وأردفت:

– أيوة علشان متكنش مهزوم قدام نفسك، وإن البنت اللي رفضتك هتكون لأخوك..مش كدا ياحضرة النايب؟..لم تكد تنهي حديثها فصرخ بها وهو يهزها:

-” لا” علشان مكرهش أخويا..لو سمحتِ متوصلنيش إني أكره أخويا..كانت نظراته ثاقبة وهو يشدد على كل حرف يتفوه به..

اخترقت كلماته أعماق قلبها فاهتز جسدها وتساءلت وهي تنظر إليه:

-تقصد إيه من كرهك لأخوك؟..

تمنت لو يضمها ويعترف لها اعترافا تنتظره..

اشتعل غضبه بصورة كبيرة واحتدت نظراته حتى شعر باختناقه من تجاهلها لحديثه:

– عايزة تفهميني بعد دا كله إنك مفهمتيش حاجة؟..

اغتاظت من حديثه وغروره فأردفت بقوة:

– لا مش فاهمة ولا عايزة أفهم..جذبها بقوة من خصرها عندما فقد سيطرته من برودها المستفز…هنا تدخل نوح:

– راكان اتجننت، اهدى..دفعها بقوة وصرخ به:

– حاولت يانوح وجابت أخري..بنت خالتك بتعاقبني متعرفش أنها  كدا بدمر أخويا..

اقتربت ترمقه بغضب:

– أنا معرفش قصده إيه، أنا وسليم بنحب بعض ماله دا..دفع نوح وهو يصيح بغضب ووصل وتوقف أمامها صارخًا بوجهها:

– لا والله بتحبي سليم..تمام ياباشمهندسة…افتكري إني جتلك وحذرتك..

– خليه يبعد عني يانوح..قالتها بقهر، دا واحد مريض عايز الكل تحت إشارته وبس..ربت نوح على كتفها:

– ممكن تهدي ياليلى..راكان مايقصدش حاجة هو قصده أنه بيح..

صرخ راكان بغضب وقاطع حديثه:

– نوح اتجننت..اللي ملكش فيه ماتتكلمش فيه، أشار بسببابته وعيناه تحرقها ودلوقتي هتقولي:

– ليه سليم ياليلى..قاطعتهم نورسين:

– راكي اتأخرت ليه ياله..استدار يرمق ليلى بنظراتٍ نارية ولم يعر نورسين  اهتمام وتساءل:

– مستني جوابك ياباشمهندسة..دنت نورسين توزع نظراتها بينهم، ثم حاوطت ذراعيه ترفع رأسها إليه حتى لامست شفتيها ذقنه وتساءلت:

– مالكم حبيبي في إيه؟

لم يجب نورسين وظل يطالع ليلى منتظرًا جوابها:

– آخر مرة بسألك؟ صدقيني بعدها هيكون مفيش طرق تجمعنا تاني..دلوقتي ممكن طريق يجمعنا فيما بعد حتى لو بعد سنين ..إنما لو فضلتي بعنادك ..هضيعينا كلنا..

اتجهت بنظراتها  لأيدي نورسين التي تحاوطه ونظراتها ولمساته له، ثم سحبت نفسًا عميقًا:

– متشكرة لحضرتك على النصيحة..وأتمنى أباركلك قريب مع إني أشك، قالتها ثم تحركت للخارج وعبراتها تسابق خطواتها..أنزل أيدي نورسين يطالع نوح بصمت ثم تحرك مغادرًا..

استقل سيارته وبدأ يدور بها دون وجهةٍ معينة كحال قلبه..أما عندها جلست بجسدٍ هاوي على المقعد..بعد تأكدها من حبه، ولكن كيف لها أن تثق به بعدما استمعت لحديثه ورجائه..

مساءً..تحرك متجهًا لحفلة خطوبة نوح..وجدها تجلس بجوار والدتها ووالدها، اتجه إليهم ثم ألقى السلام عليهم، وبعد السلام تحرك إلى حمزة الذي يجلس يطالعهُ بنظراتٍ مبهمة..وصل ثم جذب كرسي وهو يكاد يختنق:

– معرفش نوح بيعمل إيه هو كمان؟ تساءل بها راكان..

بيشعلل القلب ياحبيبي.

قطب مابين جبينه متسائلًا:

– تقصد إيه؟! أشار بعينيه على أسما التي تجلس بجوار ليلى وعلامات الحزن تخيم عليها..

– أومال بقيت غبي كدا ليه ياحضرة النايب؟..نوح بيعمل كدا علشان يضغط عليها، بس شكل يحيى الكومي مزود العيار شوية..وضع راكان ساعديه على المنضدة:

– إنت مخبي عليا إيه ياحمزة؟ فعل مثلما فعل راكان..وأردف:

– هقولك بس متعرَّفش نوح …أنا سمعت يحيى بيهدد أسما بأنها تبعد عنه..جحظت أعين راكان وهو يهز رأسه رافضًا حديث حمزة..

أومأ حمزة بعينيه وأردف:

– طيب وحياة ليلى عندك سمعته بيهددها..رغم كلمات حمزة الساخرة إلا أنها أحيت روحه لبعض اللحظات،  فرفع أنظاره يتأملها بحب..كانت تتحدث بابتسامتها الجميلة لأسما مرة ولدرة مرة..تمنى لو أصبح واحدًا منهما..أطبق على جفنيه يعنِّف نفسه:

– اتجننت ياراكان!!..حتة بت خلتك مجنون بحبها، دا اللي قبلها معملش كدا..حدثه قلبه:

– هي ليلى زي غيرها..دي لمسة للقلب..وعازفة للروح ..استند بجسده على المقعد مغمض العينين وذهب بخياله لها وحدها..

بفستانٍ أبيض اللون يظهر منحناياتها بسخاء..دلفت بأقدامٍ حافية إليه..وجدته مكبًّا على مكتبه بين القضايا؛ دنت خطواتها بهدوء لم يلاحظه إلى أن وصلت إليه ثم طبعت قبلة بجانب شفتيه وأردفت بدلال تجذب كفيه:

– كفاية بقى شغل إيه مابتزهقش، توقف يضم خصرها ثم حملها ووضعها بخفة أمامه على المكتب:

– إيه خلصتي شغلك؟..مطت شفتيها كالأطفال وهي تعانق رقبته:

– حتى لو مخلصتش بس إنت وحشتني..ممكن حبيبي يسيب شغله شوية ويفضى لولته..دنا واضعا جبينه فوق خاصتها وهو يحاوط خصرها:

– حبيبك تحت أمر ليله..أغلق الملف أمامه، وقام بحملها وشفتيه تعزف لحنَ موسيقا من نوع خاص لم يكن لسواها وحدها..فتح عيناه فجأةً على صوت يونس الذي جذب مقعده بقوة مصدرًا صوتًا:

– إنت نمت ياخويا وإنت قاعد..استدار ينظر بتيه حوله، فتوقف فجأة وهو يحاول فك ربطة عنقه عندما وجدها تجلس بجوار سليم ويتهامسون، ارتفعت دقات قلبه وارتجف جسده وخطا سريعًا بعيدًا عن المكان الذي أصبح يطبق على عنقه..كانت تراقبه خلسة..شعرت بأنين عندما وجدت خطواته الواهية..تمنت لو تسرع إليه، ولكن كلما تذكرت خيانته يحترق قلبها ..حاولت تجاهله واتجهت إلى سليم الذي كان يتحدث مع درة ونور،

استمعت درة إلى رنين هاتفها فتحركت مستأذنة:

– هرد على أروى يانور..أومأ برأسه تحركت وهي تضع يديها على أذنها من صخب الأصواتِ

حولها ..فجأة سقط الهاتف من يديها واصطدمت بأحدهم:

-” آسف ” قالها حمزة وهو ينزل بمستواه يتناول هاتفها..جذبته وتقابلت نظراتها به وأردفت:

– متشكرة..رآها نور الذي جن حينما وجدها تتحدث مع أحدهم..اتجه إليها سريعًا يجذبها بعنفي

– كنت بتكلمي مين دا حد تعرفيه؟….نزعت يديها بقوة وصاحت بغضب:

– اتجننت ولا إيه، دا واحد خبط فيا بالغلط وبيعتذر..قالتها وتحركت إلى والدتها..

عند نوح..

تحرك متجهًا يجلس بجوار ليلى وأسما وابتسم بسخرية:

– مفيش مبروك ياأسما، رفع سليم بصره إليه وأردف متسائلًا:

– إنت تعرف أسما يانوح؟ اللي أعرفه إنها صاحبة ليلى.

رمقته ليلى بسخرية وأردفت:

– دا أقربلها مني ياسليم، لكن الحياة بتغير النفوس..دنا يهمس إليها وتحدث بمغزى:

– بلاش إنتِ يالولو ..دا حتى راكان طفشتيه من الحفلة..ضيقت عينيها بنظراتٍ استفهامية ولكنه توقف وخطا بعض الخطوات..توقفت سريعًا متجهةً إليه:

– مبروك يادكتور نوح، ربنا يسعدك يانوح بجد، قالتها أسما بوجعٍ فتحركت من أمامه..كور قبضته ورفع نظره لوالده الذي أشار بعينيه لعودته لعروسته..

باليوم التالي وخاصةً بمكتبه..

دلفت وتوقفت أمامه وتحدثت:

– عايزة أتكلم معاك، كان يتحدث بهاتفه:

– أيوة رحلة لألمانيا..لا ذهاب فقط، ممكن مرجعش تاني..قالها وهو يرمق التي تجلس أمامه..أنهى حديثه وأمسك بعض الملفات وتحدث مرةً أخرى بهاتفه:

– تعالي على المكتب فيه ملف توديه النيابة..

امتلأت عيناها بنيران الغضب فتحدثت:

–  راكان ممكن تسمعني؟..تمنى لو يضع يديه فوق أذنيه..أو يشعر بالصمم حتى لا يسمع صوتها الذي يزلزل كيانه ويضعف..استسلمت لصمته فاقتربت حتى لم يفصل بينهما سوى خطوةٍ وتحدثت:

– من فترة..اتصلت وقولت عايزك في موضوع، وبعد كدا حصل مشكلة بابا، وبعدين..توقفت ولم تعلم بماذا تكمل..ظل كما هو ولم يتجه إليه ولكنه تحدث:

– لو خلصتي كلامك ممكن تروحي تشوفي شغلك..صرخ قلبها متألمًا وصاحت بصوتٍ متقطع:

– لما تقولي كنت عايزني في إيه..وليه نظرة الحزن اللي في عينك دي، وليه زعلت لما سليم خطبني؟..

– باااس، صرخ بها واتجه ينظر بنظراتٍ جحيمية:

– روحي على شغلك وإياكِ تنسي حدودك معايا..اقتربت أكثر وهنا.. أيقنت أنه يكن لها مشاعر فرفعت حاجبها وحدثته:

– إيه لسة بتفكر تاخد دينك مني؟..ولا زعلان علشان سليم سبقك بشكل محترم؟.

دفعها بقوة حتى ارتطم جسدها بالجدار:

– مش مسمحولك تتمادي بالغلط..واحمدي ربنا لولا إنك بقيتي  خطيبة أخويا، كنت قطعت لسانك دا، بعد كدا تتكلمي معايا باحترام وأدب..والكلام بينا في حدود

ومتشليش التكليف..ياااا..هز رأسه ونظر إليها بمقت:

-باشمهندسة، ياخطيبة أخويا، دنت وهي ترمقه بتحدي:

– إيه محروق أوي علشان معرفتش تحقق رغبتك فيا؟..وفيه واحدة وقفت تقولك لأ..لا، وتكون لأخوك..رفع كفيه للأعلى وكاد أن يصفعها ولكن كور قبضة يديه بالأعلى يهزًُ رأسه وتحرك خارجًا..ولكنه تسمر لدى الباب:

-عمري في حياتي ماقابلت واحد منحط زيك..ولا عمري كرهت أد  ماكرهتك..أطبق على جفنيه بقوة وأجابها وهو مواليها ظهره:

– مفيش حاجة أقدر أقولها غير إنك للأسف دلوقتي تعني لأخويا، ومينفعش أقلل من إحترامك..حبك أو كرهك صدقيني مش فارق معايا، استدارَ بجسده وتلاقت عيناه الحزينة بعينيها التي رسمت بها كبرياء أنثى طاغية..

ثم أسبل جفنيه مبتعدًا عن نظراتها التي أودته لرجلٍ سُلبت رجولته وداست على كبريائه فأردف بصوتٍ جعله ثابتًا:

– خليكي دايمًا كرهاني ياليلى..وكل مايحاول قلبك يستعطفني دوسي عليه بجزمتك، بدل ماأخليكِ تدفني نفسك  بالحيا…قالها ثم خرج صافعًا الباب خلفه بقوة حتى اهتزَّ جداره…

ظلت كما هي لبعض اللحظات ثم تحركت للخارج وعزمت أمرها أنها ستنهي خطبتها من سليم ولكن عليها استماعه حتى لو كلفها الأمر أنها تعترف كم تعشقه..خرجت تسأل عنه السكرتيرة:

– فيه واحدة جاتله وسألت عليه وهو راح معاها المكتب..قالتها منى السكرتيرة، خطت بأقدامٍ سريعة وهي عازمة أنها ستحارب من أجل حبها، قبل قليل خرج من غرفة مكتبه بغضبٍ جحيمي ولكنه اصطدم بأحدهن..جحظت عيناه فهمس:

– “حلا” طالعته باشتياق ..واقتربت تلقي نفسها بين ذراعيه:

– وحشتني أوي حبيبي..جذبها بعنف ودلف بها لغرفة الأجتماع:

– بلاش شغل الرقاصين دا، إيه اللي فكرك بيا بعد السنين دي؟..دنت منه تطوق عنقه:

– دي مقابلتك لحبيبتك بعد السنين دي كلها..دنت تطبع قبلة سطحية على خديه..رمقها بنظراتٍ نارية:

– بت هاتي من الآخر أصل ورحمة أمي أدفنك مكانك..إيه اللي فكرك بيا وليه بتحسسيني إني ببكي على أطلالك..

– سليم اللي اتصل بيا وخلاني آجي..قالتها وهي تقترب تطبع قبلةً على شفتيه…في تلك الأثناء فُتح  الباب ودلفت ليلى وهي تتحدث:

– راكان خلاص..ولكن تجمدت الحروف وتوقف دوران الأرض حولها وهي تشعر بتمزقِ كل أعضائها حينما وجدته يقبل أحداهن..

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق