رواية عازف بنيران قلبي – الفصل التاسع
البارت التاسع
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
لماذا …
من بين آلاف الأرواح التي … تعبرنا ..
لا نسقط إلا …على حُبّ الروح التي لن …
نسكن إليها إلا في … غفوتنـــــا .. !!-
– لماذا ..
من بين كل الوجوه التي طرقت أبوابنـــــا ..
لا نفتح … سوى لوجه … لا نملك
أن نتأمل ملامحه الا بشق الأنفس .. !!
– لماذا ..
من بين كل الأكتاف الملاصقة لنَـــــا
لا نسقط رأسنا إلا ..على كتف بيننا وبينه مسافة ..
الأرض والسمــــــاء … والاحتمالات ..
– لماذا ..
جاء الإنجذاب للآخر متاخراً ..
… قويــاً ….. مستحيلاً …
– فهل في عتمة الألم، تتشابك أوجاعنا، وتتعالى صرخات القلوب المكسورة، تاركة وراءها أثراً من الحزن الذي يعتصر الروح ويغرق العينين.؟
#راكان_البنداري
❈-❈-❈
قبل عدة ساعات
خرج من مكتبه بالنيابة متجهًا لسيارته، توقّف أحد الأشخاص أمامه وتحدّث إليه بوقار
– حضرتك حضرة وكيل النيابة راكان البنداري
أومأ برأسه وهو يدقّق النّظر لملامحه ،فبسط الرّجل يديه وأعطاه مظروفًا:
– الظرف دا باسم حضرتك واللي باعته يتسلم لحضرتك شخصيًا
ضيّق عيناه متسائلًا
– إنت شغال هنا ؟! تسائل بها راكان ..هز الرجل رأسه وأجابه متوترًا
– أيوة يافندم ..ظلّ راكان يطالعه بصمت، ثم أشار بعينيه ليتحرك
أمسك المظروف وقام بفتحه وأحدهما يراقبه من على بعد مسافة …قوّس فمه بسخريةٍ وتحرّك وهو يغلق المظروف …نظر الرجل الذي يراقبه مستغربًا فقام بالاتصال بأحدهم
– دا ماتهزش من حاجة، قفله ومشي ولا كأنّه شاف حاجة
على الجانب الآخر كان يجلس يستمع له باهتمام، تأفّف بضيق من فشل مؤامرته ورغم ذلك تحدث:
– هو حويط بس أكيد اتأثر، المهم خليك بعيد عنه، ممكن تكون خدعة منه علشان يعرف مين اللي بيلعب بيه
استقلّ سيارته وهو ينظر بجميع الاتجاهات، ثورةٌ حارقةٌ اندلعت بجوفه وهو يكوّر كفيه، ضاغطًا على أعصابه حتى ظهرت عروق رقبته
فتحرك بسيارته وهو يتحدّث بهاتفه
– حمزة نص ساعة وتكون عندي في العنوان اللي هبعتهولك، ومعاك ورقة الجواز
– إيه اللي حصل ياراكان، مكناش متفقين على كدا دلوقتي …أخذ يتنفس بهدوء وهو ينظر بمرآة سيارته
– معرفش حد بيلعب معايا وعايز يشغلني بموضوع تافه، فأنا هرد عليه بس ..مفرقتش الشهر دا من اللي بعده، المهم أنا هسبقك وأعرف الدنيا فيها إيه واعتراف كامل من الزفتة دي، وحياة ربنا لدفعهم التمن غالي
قالها عندما شعر بثورة حارقة بأوردته تريد أن تلتهم أحشائه من الداخل
– خلاص اهدى ياراكان وإن شاء الله هنعمل اللي إنت عايزه ..
وصل بعد قليل لمبني ضخم بأحد الأحياء الراقية ..ترجّل من سيارته وارتدى نظارته وتحرك بشموخ وهيبته المعتادة ..طافت عيناه المكان بملامح ثابتة جامدة وتحرك متجهًا للمبنى ..دلف للمصعد وخلال دقيقة صعد للطابق السابع ..
فتح الباب وطلّت تلك الحرباء متصنمة بوقفتها وتوسّعت عيناها من الصدمة عندما وجدته يقف بهيئته أمامها
– “راكان “ردّدتها بشفتين مرتجفتين وجسدًا ينتفض رعبًا، من نظراته التي أوحت لها بأن القادم مهلك لا محالة
توقف يرمقها بسخرية فأردف:
– إيه مفيش اتفضل ياحبيبي، ولا كلمة حبيبي مبتنقلش غير في الشركات
تصلبت تعابير وجهها فهزّت رأسها بعد لحظة من التدقيق بملامحه
– لا ياحبيبي مش قادرة أصدق إنك قدامي في بيتي …دلف للداخل بخطواته الثابتة وهو يجيبها
– قصدك دا اللي كان مفروض بيتنا مش كدا، دا تمن خيانتك ليا
فركت كفيها وتحدثت بتقطع:
– ليه مش عايز تنسى ياراكان …جيتلك كتير وزي ما إنت …تحركت إلى أن توقفت أمامه ثم سحبت كفيه تضمّه
– انا كنت غبية ومقدرتش النّعمة اللي كانت معايا، صدقني مقدرتش أنساك ولا أحب بعدك
أمال بجسده وهو يحدقها:
– حلا هو أنت لسة بنت …صاعقة أصابت جسدها حتّى فقدت اتزانها واستدارت تواليه ظهرها
– إيه اللي بتقوله دا، إزاي تسأل وكأنك متعرفنيش، أنا لسة بحبك
جلس على المقعد وهو يطالعها بغموض ثم أخرج تبغه يشعله بهدوء ورغم هدوئه الذي يظهر عليه إلا أن داخله يحترق بنيران مثلما يحترق تبغه …
جثت على ركبتيها أمامه تضمّ كفيه وطالعته
– راكان قول إنك جاي علشان نرجع تاني لبعض ،مش كدا حبيبي
نفث دخان تبغه بوجهها وأمال برأسه ثم تسائل:
– هو إنتِ حبتيني بجد ياحلا؟!
ترقرق الدّمع بعيناها وضمّت كفّيه ووضعتهما موضع نبضها وتحدثت:
– وحياة ربنا حبيتك وحبيتك أوي كمان، لكن الظّروف كانت أقوى مني ..هز رأسه وكأنه يحاول أن يصدّق حديثها ..ألقى بتبغه ثم توقف ودعسه بحذائه وتحرك بخطوتين يضع يديه بجيب بنطاله ينظر من الشّرفة للخارج وتحدّث:
– تعرفي إنك وجعتيني أوي، لدرجة بقيت ماأحسش بالوجع بعدها، استدار يشملها بنظرة ماكرة:
– أصلك ماتتنسيش ياحلا، عارفة ليه …أشار لقلبه وأكمل مسترسلًا:
– بيقولوا وما الحب إلا للحبيب الأولي، تفتكري هعرف أحب تاني بعد ماحبيتك، ودوستِ عليا أوي …ذهب بذاكرته لذاك اليوم وتحدث:
– خلتيني مسخرة وحديث السوشيال، العريس اللي هربت عروسه يوم زفافهما مع عشيقها
تنهد بحزن وأكمل:
– وطبعا كل واحد بقى يطلع قصص،ليه العروسة هربت من عريس زي راكان البنداري غير إنها وجدت الأحسن والأغنى…تحرّكت وتوقفت أمامه تطالعه بنظرةٍ نادمةٍ:
– راكان سامحني والله ماكان قصدي ..متعرفش عملوا فيا إيه ..دول خطفوا أمي وكانوا هيموتها لو كنت اتجوزتك
❈-❈-❈
أومأ برأسه وتمنى لو تلك الفترة مُسحت بالكامل من الذاكرة …أعاد يجلس وأشار بعينيه أن تجلس:
– دلوقتي هندفن الماضي ياحلا وكأنّه محصلش بس بشروطي أنا، وقبل ماتجاوبي
– الماضي هيندفن وللأبد ومش بس كدا، هنتجوز لفترة معينة وكل اللي هتطلبيه عندك، ومتخافيش هعرف أقدرك كويس ..راقبته بعيونٍ مرتعشةٍ وأنفاسٍ تعلو وتهبط من شدّة اضطرابها ..فتحدثت بتقطع:
– مش فاهمة قصدك ياراكان؟!
قالتها بعدما ابتعدت وأولته ظهرها وهي تفرك كفيها ..قلّص المسافة بينهما ووقف أمامها وهو ينظر إليها بغموض:
– قصدي هعوضك على شغلك مع توفيق باشا
جحظت عيناها من الصدمة فارتبكت بوقفتها وفقدت الكلام مبتعدة عن مدى نظره..لحظات حتى لملمت شتات نفسها فتحدثت:
– إيه اللي بتقوله دا ..هز رأسه وهو يدور حولها ينظر بساعة يديه
– مش وقت أسئلة وصدمة ياحلا دلوقتي موافقة على جوازنا لمدة محدودة وبشروطي ولا لا
توقفت خطواتها واتّسعت عيناها تجيبه:
– إنت عايز الرّد دلوقتي ياراكي، مش تسبني أفكر
– لا …مفيش تفكير ..قالها راكان وهو يضع يديه بجيب بنطاله
صمتت لبرهة وهي تتفحصه بنظراتٍ ماكرةٍ وابتسامةٍ خبيثةٍ فاقتربت منه
– موافقة طبعًا ياراكي هو أنا أطول أكون حرم المستشار راكان البنداري
أنزل يدها بهدوء ،ثم جذبها من خصرها بقوة واقترب منها مدعيًا تقبيلها ولكنّه همس بجوار اذنها:
– أول الشروط إنك متقربيش مني من غير إذن ياحلا
نظرت إليه باستفهام ..ابتعد عنها وهو يشير بيديه إليها:
– لازم يكون فيه حدود بينا ..الحدود دي هتكون لما نكون مع بعض لوحدنا ،أما دلعك الفاضي والمنحط دا، معنديش مانع تستعمليه قدام الناس ..قالها بنظراتٍ مستهزئةٍ ..ودلوقتي هتصل بحمزة يجيب عقود الجواز والشهود ..كنتِ غيرتي هدومك دي، ولا ناوية نتجوز بالترنج دا ياعروسة
صدمة أصابت جسدها وهي تردّد حديثه:
– عقود جواز، ليه هو مفيش مأذون ..قام بإشعال سيجاره لمرة أخرى وهو ينفثه بهدوء ينظر إليها:
– جوازنا هيكون عرفي، ليه إنتِ مفكرة هتجوزك رسمي وعند مأذون …توقف عندما فتحت فمها لتعترض:
– أهو جواز زيه زي الجواز العادي، عادي تعرفي أهلك معنديش مشكلة ومتخافيش هاخدك بعد جوازنا لأهلي وأعرفهم ..يعني بحسبتك إنتِ الكسبانة
عقدت ذراعها أمام صدرها وأردفت:
– بس مش مضمون حقي فيه ياراكان ..سحب نفسًا من تبغه وزفره وهو يتحدث:
– ولو متجوّزك رسمي هتضمني حقك وأنا مش راضي .. ضربها بخفّة على كتفها:
– فوقي ياحلا متفكريش اللي واقفة قدامه دلوقتي دا راكان القديم ..أنا مش فاضي للكلام الأهبل بتاعك دا، عندي ميعاد مهم وإنتِ أخدتي أكتر من وقتك …قالها وهو يرتدي جاكيته متحركًا لباب المنزل …أوقفته وهتفت:
– أنا موافقة كفاية عليا أكون مراتك، وفي حضنك أي إن كان نوع الجواز ..ابتسم بسخرية ثم استدار إليها :
– مش هتكلم تاني في موضوع الجواز دا ..هزّت رأسها بالموافقة …بعد قليل انتهى حمزة من إتمام زواجهما وهو يغمز لراكان:
– بالرفاه والبنين ياراكي
ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهو ينظر لحلا :
– ايوة ادعيلي من قلبك يامتر …ياله ممكن تهوينا عايز العروسة على أنفراد
– لسة زي ما انت ياحمزة ،قالتها حلا لحمزة الذي يجمع أشيائه ..توقف ينظر إليها ثم نظر إلى راكان
وأجابها:
– غلطانة يامدام حلا، مش إنتِ مدام برضو ..توسعت بؤبوتها مشدوهة من مغذى كلماته فاتجهت سريعا بنظرها إلى راكان
– راكي إيه مش بتقول وراك مشوار ..توقف يبسط يديه إليها :
– ما المشوار دا لازم يكون بيكِ يازوجتي الجميلة
صراعٌ عنيفٌ أصابها وشعرت أنها لم تعد تعلم شيئًا بما يحيكه راكان ولكنّها تحرّكت بجواره وهي تحتضن ذراعيه ورغم شعورها بالرهبة بما هو آتٍ ولكنّها كانت سعيدة لما توصّلت إليه، حتى ظنّت أن راكان مازال يهيم بها عشقًا
استقلّ سيارته وهو يلوح بيديه لحمزة الذي تحرّك مغادرًا المكان بأكمله ..أما راكان الذي استدار إليها
– النّهاردة كتب كتاب سليم، هنروح نحضر كتب الكتاب ونرجع على شقتي اللي في العاصمة اكيد لسة فاكراها
ضيّقت عيناها وتساءلت:
– مش إنت قولت مش فيه حاجة هتحصل بينا لفترة …قهقه ونظر إليها بخبث مردفًا:
– غيّرت رأيي يازوجتي الجميلة، رفع أنامله يتحسّس بشرتها وابتسامة خبيثة تشقّ ثغره ثم تحدّث:
– يمكن لما بقيتي مراتي حنيت لأيام زمان ..قالها وهو يقرص وجنتيها ثمّ قام بتشغيل محرّك السّيارة متجهًا لمنزل عاصم المحجوب ..
بعد فترة وصل لمنزل ليلى..ودقات قلبه تأنِّ وجعًا، بداخله نيرانٌ تحرق أوردته، كيف سيتحمل هذا الألم العظيم الذي يشقّ صدره..كان يشعر ببرودة تجتاح جسده، نعم هرب وهرب ولكن كيف لدقات القلوب أن تتوقف..رفع أنامله يقرع الجرس..فتح الباب وكأنّه يبحث عنها بقلبه قبل عينه …ماذا يفعل يؤنب نفسه أم يؤنب قلبه، لا يعلم سوى شيئٍ واحدٍ سوف يُذ بح بطرق عدّة واليوم أول طريقة لذ بحه ..لفّ ذراعيه حول خصر حلا علّها تخرجه من حالة التّشتّت التي انتابته
– مساء الخير ..رفع الجميع أنظاره إليه
– حابب أعرفكم حلا مراتي…قالها بابتسامة تشقُّ ثغره
..هناك من ابتسم، وهناك من جحظت عيناه من هول مارأى.. تحرك نوح إليه يجذبه عندما وجد نظرات سليم وزينب النارية إليه
توقف نوح أمامه بإحدى الغرف، وبدأ يصيح بصوتٍ مرتفعٍ بعدما غادر المكان تاركًا حلا بصحبة يونس ..
– إيه اللي عملته دا …من امتى وإنتَ بتسامح اللي كسرك …تحرّك خطوة وهو يجيب نوح:
– لو خلصت غضبك ولاحظت أننا في بيت ناس غريبة، ياريت تسمح لي أخرج علشان الناس برة مستنية، وبعد كدا نتحاسب يادكتور …تحرّك خطوة إذ وجدها تقف أمامه بالرّدهة بفستانٍ أبيض جميل يرسم ملامحها بسخاء، مصنوع من التل وبه بعض الورود من نفس اللون ..وحجاب بنفس اللون ولكن منقط باللون الوردي.. حقا كانت تضيف حلاوة من نوع فريد، تخطف كلّ من ينظر إليها
دنى بعض الخطوات وكأنّه يتحرك على نيرانٍ من الجحيم ثم طالعها بنظراتٍ مرتجفةٍ ، و رسم ابتسامة واستدار ينظر إلى نوح ثم رجع بالنظر إليها:
– الباشمهندسة عندها إهانة أو اتذكرت حاجة توجعني بيها…ولا يمكن جاية تباركلي على جوازي..مط شفتيه للأمام ينظر لليلها الخلاب الذي يجذبه
– عارفة إنتِ عدتيها بمراحل باشمهندسة
هزت رأسها بالنّفي..ناظرةً للأسفل وهي تتحدّث بتقطع:
– أنا جاية أتأسف لحضرتك ..آسفة ياسيادة المستشار…وبتمنى تنسى أي كلام قولته لك ..رفعت نظرها وتقابلت بشمس عينيه وأكملت:
– أتمنى تسامحني…أنا مش منحطة أوي زي ماحضرتك مفكّر ..وبكرة الأيام تثبتلك، آه زي ماقولت جاي أباركلك
– ألف مبروك …قالتها وتحركت سريعًا للخارج ..كانت تنتظرها أسما التي أطبقت جفنيها تعنف نفسها على ماقالته لها منذ أمس …ولكنها كان يجب عليها فعله
استدار إلى نوح ولا يعلم ماذا يحدث …ربّت نوح على كتفه، ثم خرج متجها للمأذون الذي وصل
جلس الجميع ينتظرون إتمام عقد القران ..سليم الذي اتّسعت ابتسامته وهو ينظر إليها ويحدّث نفسه:
– أخيرا الملاك دا هيكون ملكي أنا ..ابتسم لها ابتسامة عذبة ناظرته بابتسامة، ورغم ابتسامتها إلا أن قلبها يبكي دمًا وهي تتذكر كلمات أسما
– بلاش تتجوزي سليم ياليلى..لسة قدامك وقت هتتوجعي حبيبتي..وسليم مالوش ذنب، إنتِ مش بتعاقبي غير نفسك ..مش هتقدري تكوني مع سليم وقلبك مع راكان
هزّت رأسها رافضةً حديث أسما:
– صدّقيني نفسي أرجع بكلامي، لكن أمجد خرج من السجن بمركز أبوه هيلف على بابا تاني …متعرفيش أمجد دا تعبان كبير..متنسيش البنت اللي اغتصبها وعمل فيلم وداسو على شرفها..الناس دي احنا مش قدهم ..بكت بنشيج وتحدّثت من بين بكائها:
– كان نفسي يحصل معجزة في حياتي ياأسما والجوازة توقف..لكن خروج أمجد خلاني عاملة زي الطير المدبوح، تعرفي أنا قولت لراكان إيه علشان يكرهني
أزالت عبراتها وهي تنظر لصديقتها بحزنٍ وألمٍ معًا:
– قولت له أنا هتجوز أخوك علشان أوجعك ،علشان أكون مبسوطة وأنا شايفاك بتتألم وحبيبتك في حضن أخوك …أغمضت عيناها وانقطعت أنفاسها وصرخت حتى جثت بركبتيها على الأرض الصلبة:
– دبحته بكلامي ياأسما …لما الحقير دا جالي وهدّدني وقالي لو فاكرة إنك مسنودة من رئيسك في الشغل تبقي عبيطة …رصاصة طايشة ولا فرامل عربية مقطوعة ..دنى منها أمسك رسغها وضغط عليها وهو ينظر إليها بوقاحة:
– ولا اغتصاب …أموت أنا في قضايا الاغتصاب، بس دا هيكون معاكي ولا مع أختك الجميلة درة ..ولا شوية هيروين لأبوكي يتحطوله في أي مكان ، اتّجهت بنظرها لأسما التي ساعدتها على الجلوس وهي تضمها لأحضانها وتبكي :
– قولي لراكان ..أكيد معرفش إنه خرج ..مسحت دموعها وهي تهز رأسها رافضة:
– لا ياأسما ..هو ميعرفش إن سليم خطبني ،ميعرفش إني اتخطبت لو يعرف أكيد مكنش عمل كدا …وبعدين راكان هيعملي إيه، ماهو حبسه كام شهر وخرج أوقح ..هزّت رأسها بهستيريا وهي تتحدث بخوف:
– لا مستحيل أقوله ، لا دا بيقول فرامل عربية، ولا رصاصة ..جحظت عيناها:
– ولا درة ممكن يأذيها، إنما لو اتجوزت سليم هيتهد ويبعد عني مش هيقدر يعمل حاجة ..بكت بنشيج وهي تردد هو عايزني أنا ..بلاش أذيهم بسببي دا دخّل بابا السجن وممكن يقتل راكان ويغتصب درة ..هزت رأسها كالمجنونة
– لا لا مقدرش …ملعون قلبي اللي يحب ..مش مشكلة قلبي يوجعني بس مأذيش حد، ومتنسيش راكان طلب مني مقابل مساعدته إيه
أطبقت على جفنيها وتحدثت:
– سليم كويس وأكيد هحبه كتير كمان …ادعيلي ياأسما أقدر أحبه وأنزع حب راكان من قلبي ..مش عايزة أكون خاينة يا أسما والله عمري مافكرت في كدة ..أنا مش خاينة يا أسما والله أنا ماخاينة …أنا بس حبيت الشخص الغلط في الوقت الغلط ..
– ياااااارب قالتها بقلب مقهور …خرجت من شرودها عندما سألها والدها أمام الحضور
– موافقة ياحبيبة بابا على سليم يكون زوجًا لكِ…نظرت إليه بدموع مترقرقة، توجّه بنظره للبعيد وهو يكوّر قبضته يتمنّى أن تخيب ظنّه وترفض هذا الزواج الذي سيدمرهما ولكن ليست الأماني بالتّمني ..اتّجهت لسليم ورسمت ابتسامة بصعوبة فأجابت والدها :
-” موافقة يابابا” بعد قليل أعلن المأذون
” بارك الله لكم وجمع بينكما في خير ”
ابتسمت وقام الجميع يهنئون العروس والعريس
أما الذي أعطاه الوثيقة ليضع إمضائه عليه، كأنه يقوم بالتوثيق على شهادة وفاته ..رفع نظره إليها وجد ابتسامة تنير وجهها وسليم متجهًا إليها بابتسامته ثم ضمّها مقبلًا جبينها …تعالت الزغاريط والتهاني ..نزلت ببصرها للأسفل تنظر إليه وجدت حلا تشبك أصابعها بيد وترجع خصلاته للخلف باليد الأخرى وهي تهمس له …كان في بداية الأمر شخص ذو جسدٍ بلا روح كأنه إنسان آليّ ينظر للجميع ويرى الابتسامة على الوجوه سواه فقط ..
هل هو بغيبوبة الآن..حقًا لقد فعل به أكثر من ذلك، ولكن ألمه اليوم يفوق الحدود ..وضع كفه على شقه الأيسر، ثم قام بفك رابطة عنقه عندما وجد الجميع يوجهون أنظارهم لذلك الثنائي ..وهم يتراقصون على نغمات رومانسية هادئة يضم خصرها ويحاوطها بذراعيه، ثم يهمس إليها بكلماته التي توردت وجنتيها من خلالها ..أطبق على جفنيه ثم همس لحلا :
– خليكِ جنب سيلين هروح أشرب سيجارة برة
ابتسمت وهي تهز رأسها بالموافقة…أما يونس الذي ما إن توقف راكان مغادرًا المكان…اتّجه سريعًا لحلا يجذبها بعنف متحركًا بها لبعض الغرف …دفعها بقوة حتى كادت أن تسقط وأشار بسبابته:
– إيه اللي رجعك يابت وناوية على إيه؟! وبلاش شغل السبع ورقات أنا قولت لك راكان نسيكي
دفعته بشراسة وصاحت بغضب:
– إنت مالك وبعدين احنا اتجوزنا دلوقتي ياريت تطلع منها، وبلاش أنت يادكتور …قالتها وغادرت غاضبة تبحث عنه في الأرجاء عندما وجدت نظرات مستاءة إليها
عند راكان بعد دقائق وصل سليم إليه ..كان ينظر لحركة الناس بالشوارع ..ثمّ رفع نظره للسماء الملبّدة بالغيوم ويختفي القمر خلفها ..ابتسم بسخرية حيث شبهها بالقمر الذي اختفى منه خلف الغيوم …همس لنفسه
– كنت عارف هتعاقب عقاب كبير من ربنا بس عمري ماتوقعت العقاب يكون صعب اوي كدا ..يارب عارف إني عبد مهمل لايصلح لقبول دعائه ولكن رحمتك وسعت كل شيئ”
تنهد متألمًا، وهو يضع يديه على شقّه الأيسر الذي كاد أن يتوقف من الألم
– مش طالب غير أنك تشيل وجع قلبي، يارب ريح قلبي وأبعده عن الظلمات…قالها بقلبٍ مؤلم ووجه حزين …ربت سليم على كتفه واستدار يقف أمامه:
– انا مش هلومك ياراكان ولا هقولك ليه عملت كدا، بس هقولك عمري ماشفتك ضعيف كدا ياراكان …ملقتش غير حلا، اللي كسرتك.
حاول رسم إبتسامة على وجهه وأجابه
– أنا مبقاش فيا رجا …يعني حلا زيها زي غيرها مش هتفرق ..وبعدين دي مش جديدة عليا ياسليم ما إنت عارف، اللي بتعجبني بتجوزها
❈-❈-❈
مطً سليم شفتيه وأردف:
– هحاول أصدق تمثيلك ياراكان ..
جذبه راكان لأحضانه يربت على ظهره:
– المهم مبروك ياحبيبي وعقبال لما تجبلي بيبي يقولي ياعمو ..أخرجه وتمنى لو يصرخ من أعماق قلبه لتزهق روحه بعدها …حينما ابتسم سليم وتحدّث مؤكدًا:
– اجهز بس علشان تربيه …أنا مش هأمن لتوفيق يربيه بقولك أهو ..لازم يتربى زي مااتربينا…لكزه راكان وهو يحاول السيطرة على نفسه
– هو إحنا اتربينا يلا ..مش فاكر، ظلّوا يتحدثون لبعض الوقت حتى وصلت ليلى وهي تنظر إلى سليم
– أنا جاهزة ياسليم ياله علشان منتأخرش ..تشابكت الأيدي أمامه وهو يطالع أخيه:
– هنروح نتعشى برة …أخيرا هنخرج لوحدنا ،،يااااه دا الواحد ماصدق ..نظر إلى ليلى التي تهرب بأنظارها
– ولازم نحتفل يالولا دلوقتي إنتِ حرم سليم البنداري
ابتسمت له ابتسامة هادئة:
– طيب ياسليم باشا ممكن نمشي وبعدين نشوف موضوع حرمك دي بعدين..جحظت عيناه وهو يرمقها بنظرات ذات مغذى:
– لا ياحبيبتي دا صلب الموضوع..إنتِ مراتي دلوقتي..فاهمة معنى الكلمة …توردت وجنتيها من مغذى حديثه، فتركت كفيه وخرجت سريعا مردفة:
– سليم هستناك برة ..جذب راكان يديه
– بلاش تحرجها بالكلام دا ياسليم، ليلى تربيتها مش زينا ..
ضحك سليم وتذكر كلماتها:
– تعرف قالتلي كدا…قالت أنا بضايق جدًا من طريقتكم بالتعامل مع نورسين ..مفيش بينكم رابط علشان تكون قريبة كدا لحد التلامس، بتكره دا جدا .. متخافش الكام مرة اللي قعدت معاها فيهم فيه حاجات كتيرة عرفتها مكنتش واخد بالي منها …قالها سليم متحركًا إليها ..
بينما راكان الذي وقف يتابع المارة وجدهما متجهين لسيارة أخيه وهو يضم خصرها وابتسامة على وجههما وإن دلت فتدل كم يعشقان بعضهما البعض
حاول سحب بعض الهواء الذي شعر بانسحابه بالكامل حتى الاختناق.. حاول أن يفعل شيئا محاولًا نسيان مايؤلم قلبه ويوقف خفقانه القوي بصدره ..قاطع حالته وصول حلا إليه وضعت رأسها على كتفه:
– هنفضل هنا كتير، أنا زهقت ..وصلت زينب إليهما…لم تنظر لتلك الحرباء كما وصفتها واتجهت بأنظارها إليه:
– إحنا هنمشي، أخوك خد عروسته وراح يسهر .مااعتقدش وجودنا له لزوم ..
يعلم من حديث والدته أنها غاضبة منه ..ولكن عليه التريث حتى ينهي مخططه
– مين هيوصلكم، معاكي السواق ولا بابا هيروح معاكم ..تحركت وهي تتحدث:
– ابوك معانا ..زفر بغضب وهو ينظر لحلا:
– يلا إحنا كمان هنمشي…بعد فترة وقف يونس أمام سيارة عمه
– عمو أسعد بعد إذنك هاخد سيلين معايا في عربيتي …توجهت سيلين لسيارة والدها وفتحتها بغضب ثم تحدثت:
– انا مش هركب غير عربية بابا…استقلّتها بالخلف بجوار والدتها ..وصل إليها يحاول إخراجها رغمًا عنها ولكن صاحت زينب:
– ابعد ايدك يايونس، ومش معنى إنك رفضت تكتب على بنت عمك يبقى كدا بترضينا، روح شوف واحدة زي اللي ابن عمك اتجوزها
وصل إليهم أسعد وتسائل بحيرة:
– مالكم فيه إيه ؟ وليه سيلين رافضة تركب مع يونس؟
أجابته سيلين سريعا:
– محتاجة ماما في موضوع مهم يابابا، أومأ رأسه وهو ينظر ليونس ..خلاص يايونس روح إنت وإحنا وراك …تحرك الجميع بسيارتهم ..
❈-❈-❈
بعد فترة وصل راكان إلى منزل حلا مردفًا:
– انزلي …قطّبت مابين حاجبيها متسائلة:
– يعني إيه ؟! زفر بغضب يفتح باب السيارة وصاح بصوتٍ غاضبٍ من يراه يظن أنه مجرمٌ وسيقتل أحدًا بالحال
ترجلت سريعا من السيارة حينما وجدت حالته وعيونه التي تحولت للون الأحمر، وعرقه النافض بعنقه…حقا مظهره كان مروعا.. تحرك بالسيارة يقطع طريقًا سريعًا حتى تركت السيارة غبارًا خلفه من شدة سرعتها…ظلّ يقود السيارة بلا هدى وهو يتخيل مايصير بينهما
نظر حوله وجد نفسه بمكان على المقطم يخلو من البشر ..ترجل من سيارته وهو يقوم بفتح زر قميصه عندما أحسّ بالاختناق ..سحب نفسًا طويلًا …ثمّ زفره دفعة واحدة…جلس فوق صخرة وهو ينظر للأسفل عندما حركت قدميه بعض الصخور التي تدلت مندحرة للأسفل بقوة
تمنى لو يكون مثلها حتى يفقد الحياة فالقادم سيكون مؤلمًا حقا …تذكر حديثها
– عايزاك تتوجع ياراكان وإنت شايف حبيبتك مع أخوك
أرجع خصلاته للخلف وكاد أن يقتلعها بكفيه ..توقّف يتطلّع حوله بانهيار، ثمّ جثى على ركبتيه وصرخ صرخة شقّت الصدور ..لحظات ولحظات وهو يصرخ من أعمق نقطة بقلبه علّه يخرج آلام واحتراق صدره ..استمع لرنين هاتفه ..لم يكن بحال ليجيب على أحدٍ ، ولكن الهاتف ظل بالرنين عدة مرات حتى قام بفتحه
– إنت فين ؟ نظر بضياع حوله وهو يهز رأسه:
– مش عارف …قالها بقلب يأنّ وجعًا ..أمسك هاتفه ونظر إليه وأجابه
– في المقطم ولو جاي …هات أي حاجة أشربها لعل وعسى أنسى وجع قلبي …
كز على شفتيه صارخ به …وتحدث بغضب
– قدامك ربع ساعة لو مكنتش عندي صدقني وقتها هنسى أننا أصحاب…نوح هنا هو كمان، تعالى حطوا وجعكم على بعض، مفيش ألم مستمر طول العمر ياراكان ..
لم يجادل حمزة كثيرا واستقلّ سيارته متجهًا إليهما …وصل بعد فترة قابله حمزة على باب المزرعة تصنّم بوقفته أمامه وانكمشت ملامحه حينما وجد حالته التي كانت عبارة عن لوحة من الألم والحزن …ربّت على ظهره مردفًا
– راكان لازم تقوى عن كدا، أومال يوم الفرح هتعمل إيه ..ابتسم نوح بسخرية وأجابه وهو يتجرع من كأسه:
– هيروح يتجوز تاني ويقضي الليلة مع البنت اللي معرفش هيجبها منين بس اللي اعرفه هتكون أمها داعية عليها …لأن الليلة دي بالذات ممكن يتخيلها ليلى
لكمه راكان حتى سقط نوح بجسده هاويا على الأريكة وهو يمسك وجهه
– يخربيتك حمار دايما إيدك تقيلة …ابتسم بسخرية مردفًا:
– إيه الكلام وجعك …بتحسسني إنك مش بتعملها ..نهض متجها للبار، وجذب كأسا من النبيذ خالي من الكحول بعض الشيئ وبدأ يتجرع منه وذكريات تهاجمه بقوة ..اتجه حمزة وجذب مقعد جالسًا أمامه:
– وآخرة دا إيه، ماقولنالك خد خطوة صريحة، لكن اسم الله عليه كرامته ناقحة عليه
تهاوى جسده على المقعد ممسكا كأسه وهو يدوره بيده على البار ..ثم فجأة أطلق ضحكة صاخبة وهو يتكأ بظهره على المقعد
– حلا بتقولي تعبانة، الهبلة مفكراني هقرب منها، دقّق حمزة النظر إليه ثم التفت إلى نوح الذي تسطح بجسده على الأريكة وهو يقهقه
– أسما بتقولي روح اتجوز وأنا اول واحدة هباركلك ..قهقهات مرتفعة منهما حتى نهض حمزة وهو يتسائل:
– دكتور الحريم فين خليها تكمل، اعتدل نوح جالسًا وهو يتكأ بذراعه
– راح يعمل عمل لتوفيق وسيلين والكل كليلة
ضرب حمزة كفيه ببعضهما:
– والله العمل شكله عليا أنا عشان مصاحبكم
– ربنا يصبرني ..هو أنا قدرت على راكان لما تطلعلي إنت كمان ..فوق يابن الكومي …طيب دا حزين وصعبان عليا، إنت إيه مشكلتك
دنى منه وجلس أمامه:
– لو بتحبها بجد، لازم تعمل المستحيل يانوح وتعرف هي متغيرة ليه، وليه فجأة قررت انكم تفترقوا
اعتدل ينظر لمقلتي حمزة
– بقولك فرحي بعد أسبوع ..ودا اللي هيتم غصب عنها وعني ..وياريت متفتحش الموضوع تاني عشان منخسرش بعض
توقّف وهو يرمقه بغضب:
– طول عمرك غبي، بس بتأكدلي إنك متستهلش اتّجه لراكان الذي بدأ يتجرع الكثير من النبيذ وجذب منه الكأس وألقاه متهشمًا
– فوق ياراكان ومتنساش إنك وكيل نيابة، مش عيل صيص حتة بنت تعمل فيك كدا …رفع سبابته وتحدّث بهدوء:
– حمزة متغلطش دي بقت مرات أخويا ..ومش هي اللي عاملة فيا كدا ابدًا
أومأ حمزة رأسه مردفًا بسخريةٍ :
– أيوة فعلا إنت هتقولي، أنا اللي عامل فيك كدا ..توقّف واتّجه للمرحاض ووضع رأسه تحت صنبور المياه ..وقام بتجفيفها ينظر للمرآة
– حمزة عنده حق ..إنت اتجننت ، حلا عملت الأكتر من دا وعمرك ماكنت كدا..فوق ياراكان ..عشان تاخد حقك وحق والدتك وأخواتك ..وارضى بالأمر الواقع ..ليلى مرات أخوك، وإياك تتعدى المحظور ..إياك ياحضرة المستشار…كلهم بيستنوا منك غلطة علشان تقع وإنت بتروح للغلط وتعمله
خرج متجها ينفث تبغه وجلس ينظر لحمزة:
– عملت ايه وصلت لحاجة ..
ابتسم حمزة وهو يشعل سيجاره
– ايوة كدا ياعم فوق كدا وارجعلي راكان البنداري عشان أحبك..لم يجادله راكان فتسائل :
– وصلت لحاجة ؟!
أومأ برأسه
– حلا شغالة معاه في شركة السويس ..وزي ماتوقعت هو اللي جابها وبعتها …ومقابلتش سليم أبدا ..قبل شهر كانت عند يونس في العيادة
ضيق عيناه متسائلا:
– وإيه اللي وداها ليونس..رفع كوب قهوته مرتشفًا منه وأكمل حديثه:
– دا معرفوش ..ممكن تسأل يونس..نهض ينظر من النافذة وينفث دخان تبغه وتسائل:
– عرفت البنت اللي شغالة مع حلا ..طلعت تبع قاسم الشربيني…اتّجه إليه حمزة:
– قصدك قاسم الشربيني المشهور الل…أومأ برأسه وهو مازال ينظر للخارج وأكمل:
– جاسر الألفي هو اللي جمعلي المعلومات دي، وفيه حاجة قاسم الشربيني له علاقة بالقضية اللي معايا ..فوق ياحمزة شكلنا داخلين عش دبابير كبير
تنهّد حمزة وهو ينظر إلى نوح الذي ذهب بسبات عميق، ثم اتّجه بنظره إلى راكان:
– مقولتليش ليه جدك بيعمل كدا..يعني إيه سبب عدواته مع طنط زينب
أمسك كوب قهوته يرتشف منه ثم ذهب بذكرياته واتّجه إلى حمزة
– تعرف أنا خايف على نفسي لأعمل زي جدي
قطب حمزة حاجبيه متسائلاً :
– مش فاهم تقصد إيه؟! …تنهّد راكان بحزن ثم أطبق على جفنيه يتذكر حديث والده فرفع بصره لحمزة وبدأ يقص له ماقاله له والده
– جدي ووالد طنط زينب وقاسم الشربيني دول كانوا أصدقاء زينا كدا …اتخرجوا من كلية الهندسة وعملوا مشروع والدنيا لعبت معاهم والمشروع كبر وعملوا شركة والشركة كبرت وبقت شركتين …لكن طبعا مش كل حاجة فضلت زي ماهي …أخرج تبغه وقام بإشعاله ..زفر حمزة منه وصاح بغضب:
– وبعدهالك ياراكان صحتك، شوف كام واحدة حرقتها …طالع حمزة بنظرة قاتمة وأجابه:
– صدقني انا بحترق من جوايا أكتر من السيجارة، فبلاش تتعبني ياحمزة لو سمحت..تنهد حمزة وأشار بيده:
– طيب كمل ياراكان، خف شوية من التدخين عشان خاطري …أومأ برأسه وتحدث:
– ان شاءالله..نفث دخان تبغه وأكمل
– قاسم الشربيني حب بنت غنية، البنت دي مش فاكر اسمها بالظبط، المهم حبها فكان شرط باباها إن قاسم يسيب الشراكة ويعمل شركة لنفسه عشان يكبر ويكون في مقام خطيبته ..طبعًا جدي اتجنن وقاله مستحيل إزاي عايز تسبنا في الوقت دا ..والد طنط زينب جدو محمد قاله خلاص ياتوفيق سيبه وربك هييسر ونشوف حل
فضلو تلات تيام والدنيا والعة بين جدي وبين قاسم الشربيني اللي وقف وقال أنا لقيت حد يشتري نصيبي ..جدو محمد والد ماما زينب رفض وقاله أنا عندي بيت كبير وارثه عن بابا هبيعه..وفعلا باع البيت وكان له أخت ادلها نصيبها واشترى نصيب قاسم ..كدا بقى جدو محمد عنده الضعف والإدارة كلها بايده ..عملو مشروع سكني كبير ومكسبه كان أكبر. في الوقت دا دخلت شركة كبيرة وطالبت تشاركهم طبعا توفيق باشا فرح بالعرض بتاعها بس جدو محمد رفض ..فضل بينهم توتر وخناقات لحد مالموضوع هدي واضطر جدو محمد يوافق على الشراكة
تنهد راكان بمرار ويبدو أن جراح جده تلتهمه هو كذلك ..فنظر إلى حمزة وأكمل:
– بنت الراجل بتاع الشركة دي كانت حلوة أوي وذكية طبعا جدو كان متجوز في الوقت دا ومخلف بابا …تهكم بسخرية وأردف:
– بس طبعا البنت خلته ينسى مراته وابنه وحاول يجذب البنت دي في الوقت اللي اقتربت من جدو محمد وبدأت قصة بينهما بس سرية ..يعني لاهو اتكلم ولا هي اتكلمت حب نظرات …لحد مافي يوم طلبها جدو محمد للجواز…طبعا الصدمة على توفيق شديدة، هو بيحاول يقربلها وفجأة سمع إنها اتخطبت لصديق عمره …اتجنّن طبعا وقاله إنت خطفتها ..الموضوع ماوقفش على كدا …هو عارف وقتها سيولة محمد في المشروع ومعندهوش رصيد …وقف وقاله انا مش هكمل في الشراكة
اقترب راكان وأمال بجسده أمام حمزة عارف أنا دلوقتي عذرت جدي ياخي …لكزه حمزة وهو يرتشف قهوته للمرة الثانية
– كمل ياعم العاشق …قصة عشق توفيق الفاشلة ..أفلت راكان ضحكة من بين شفتيه:
– ماتتريقش عشان بكرة ممكن تتريق عليا ..دفعه حمزة حتى سقط من فوق مقعده على الأرض
– هتكمل يابارد ولا أروح انام …نوح بياكل رز ولبن مع الملايكة …اتّجه بنظره إلى نوح:
– نوح دا غبي ونفسي أضربه ..ضرب حمزة كفيه ببعضهما مردفًا:
– لا حوش ياحنين دا أنت آخر واحد يتكلم ..المهم بلاش السيرة اللي توجع القلب دي وخلينا في توفيق اللي عمري مااتخيلت عنده قلب وحب فعلًا
زفر راكان محاولا سحب كم من الهواء وأكمل:
– لما توفيق أصر على فضّ الشراكة عشان يحطم محمد ويعرف خطيبته إنه ولا حاجة من غيره …كان لازم يبيع الشركة عشان يديله حق ..بس جه اللي كسر جدي لما خطيبته قالت لمحمد هدخل شريكة مكان توفيق ..وقتها توفيق اتجنّن وقال إنت عملت دا كله عشان تخرجني وشوية خناقات ..طبعا محمد كان حكيم بعد عنه واتّجوز وخلف ماما زينب وخالتو زينة ..وشركته هو ومراته كبرت جدًا لكن مراته اتصابت بالسرطان وماتت بعد خماستشر سنة ..والعدواة كبرت بينهم ..هو رجع لقاسم وعملوا شراكة مع شركة ألمانية وكان صاحب الشركة دي جدو والد ماما هيلينا
سحب جرعة كبيرة من الهواء وزفرها وأكمل:
– بابا كان معيد في الجامعة اللي فيها ماما زينب ..حبو بعض فضلوا أكتر من سنة لحد ماراح يقول لجدو توفيق …طبعًا جدي اتجنن وفكر ان دي لعبة من جدو محمد عشان يرد على اللي هو بيعمله ، أصله حاول يأذيه كذا مرة، لكن محمد محبش يغدر بيه
بابا كان بيحب ماما زينب جدا ومقدرش يبعد عنها وراح لباباها وطلب يجوزهاله من ورا جدي …في الأول جدو محمد رفض ..لكن مع إصراره ومع حب ماما زينب اضطر يوافق
واتجوّزها وقعدوا حوالي أربع شهور محدش يعرف لحد ماجه توفيق عرف والدنيا ولعت وخناقات وهدّد جدي وخلى بابا يطلقها عشان يكسر فرحة جدي ببنته…جدي مكنش عنده غير بنتين بس، كان بيعايره وكان بيقوله إزاي عندك شركات كتيرة ومفيش غير بنات بس ..شوف انا عندي اللي هيرفعوا اسمي كلام كتير اتقال وقتها
وراح اتجوز هيلينا، طبعا كانت مسيحية وألمانية..العادات وكل حاجة مختلفة ..بابا اتخنق منها ومقدرش يكمل حياته، راح يعيط لجدي محمد بعد مارجع ماما زينب لعصمته …ماما زينب كانت حامل في إبنها الأول وماما كانت حامل فيا …يعني كان بينا شهور ..ماما كانت بتشرب طبعا خمور ودا كان غلط وحصل مضاعفات في حملي وولدتني في الشهر السابع وفضلت فترة في الحضانة …أما طنط زينب ابنها مات في بطنها بسبب دوا غلط ..ونزل ابنها ميت ..خرجت من الحضانة وخدوني عند ماما اللي اتجننت لما عرفت بابا متجوز عليها ..راحت لطنط زينب كانت لسة والدة اليوم دا وفقدت ابنها…وماما طبعا اتخانقت مع بابا لما لقيته هناك ..وطلبت الطلاق ورجعت على البيت وقفلت على نفسها أسبوع كامل لحد ماخرجت وهي طبعا شاربة ومتقلة العربية انقلبت بيها …بعدها بيومين بابا أخدني كنت حوالي شهرين وداني لماما زينب ومعه وصية كاملة من ماما إنها هي اللي تربيني وغير تنازل عن حقها باسمي وماما زينب هي الواصية، وبالفعل ماما زينب هي اللي اهتمت ورعتني يعني زي مابتقول كدا أنا عوضتها عن فقدان ابنها وهي عوضتني عن فقدان أمي اللي بابا عرف وقتها ان جدو توفيق حاول يجبرها على التنازل عن أملاكها..في الوقت دا جدو محمد مات
توقف يجمع أشيائه وهو يطالع حمزة
– دي قصة العدواة اللي بينهم، هو حاول يعمل كل حاجة وقتها عشان يجبر بابا ياخدني منها، بس هي رفضت وقالت لو هتموتني مش هدولك ..كانت في الوقت ماسكة شركات باباها وعندها قوة يابني مش زي دلوقتي خالص ..تعرف أنا بحبها رغم ضعفها دا ..وخصوصا لما عرفت انها مستعدة تتنازل عن كل حاجة عشاني .وعملت مع سيلين زي كدا بالضبط ..لازم امشي وبعدين احكيلك قصة خالتو زينا وعمو محمود
❈-❈-❈
بعد عدة أيام سافر راكان إلى ألمانيا …وفي إحدى الليالي كان يغط بنوما عميق ..استيقظ على صوت هاتفه ..
– أيوة يابني هو فيه حد يصحي حد دلوقتي إنت عارف الساعة كام دلوقتي
قهقه سليم الذي يجلس أمام المسبح وسيلين بأحضانه تلعب بهاتفها ألعاب إلكترونية
– فيه اتيليه عندك في برلين منزل فساتين زفاف لسة شايفه بعد ماكلمت معارض في باريس ..بس دول عجبوني أكتر، شوف كدا لو فيه حاجة تناسب ليلى تجبها معاك أنا عارف ذوقك حلو
اعتدل في نومه ودقات عنيفة بصدره..وكأن أحدهم سكب عليه دلو من الماء المثلج بفصل الشتاء قارص البرودة…ناهيك عن أن هناك مايمنع تنفسه فأردف:
– أنا مابفمهش ياسليم في الحاجات دي، ممكن تشوف حد غيري …قالها بصوتٍ متقطع
كسا الوجوم ملامحه وبدأ يتحدث بعتاب :
– يعني مش عايز تفرح أخوك ياراكان ..مسح على وجهه متنهدا ثم أردف:
– حاضر ياسليم …مقدرش على زعلك …
باليوم التالي توجه لذاك الاتيليه الذي أخبره به
نظر إلى كل الفساتين وهو يتخيل ملامحها بهم ، ولكن لم يروق له أي فستان ..تحرك مناويًا المغادرة…رأته مالكة الاتيليه فتوجهت إليه تحدّثه باللهجة الألمانية:
– ماذا تؤمر سيدي؟! أراك وكأنك تبحث عن شيئٍ محددٍ …تبسّم لها بعملية وأجابها:
– كنت أود أن أجد ما أبحث عنه ولكن خاب ظنّي ..ابتسمت وتحركت أمامه لأحد الأماكن التي توجد بالطابق العلوي ويبدو أن بها من الفساتين التي تبدو باهظة الثمن
بدأت تفتح له العديد من الفساتين وكانت توجد بمكان يشبه الخزانة يدور ليظهر جمالهم ..ذهب بنظره لأحد الفساتين التي توضع بأعلى وجهة ويبدو أنه ماركة إعلانية …رفع بصره يقيمه يتخيله عليها ..ثم أشار عليه
– عايز دا …توسعت بؤبوتها مشدوهة بذهول وهي تهز رأسها رافضة:
– عفوا منك سيدي ولكنه هذا وجهة المعرض الإعلانية..لن أستطع بيعه
تحرك مغادرا وتحدث:
– لم يعجبني غيره ..عذرًا فكلهم شيئ واحد
أوقفته قائلة:
– هل تعلم كم يبلغ سعر هذا الفستان
ابتسم ينظر إليه وكأنه يراها به ..وأجابها:
– مهما يبلغ ثمنه، فلم يكن بالكثير على من ترتديه…ابتسمت واتّجهت إلى الفستان وأنزلته أمامه:
– يبدو أنك عاشق، راقني جدا نظرة الحب التي تبدو بعينك ..فأنا موافقة سيدي على بيعه ولكن سيكلّفك الكثير من النقود
أشار عليه بيديه:
– ضعيه بصندوق من أجمل وأرقى الصناديق التي تضع بها تلك الفساتين …أريده فستانا لملكة الملكات
ضحكات خرجت من فمها تراوده:
– بالطبع أيها الوسيم…سأرسل لأرقى الأماكن كي ترسل لي صندوقًا خصيصا لك ..ويطبع عليها اسمك واسمها .. هلّا أخبرتني أيها الوسيم ما اسم عروسك الجميلة:
-“ليلى” قالها بعيونا لامعة ودقات صاخبة …دنت تربت على كتفه:
– مبروك عروسك أيها الوسيم ..يبدو أن العشق هو سعادة قلوبنا ووجوهنا، لكن لم تقل اسمك
صمت للحظات ثم أردف:
– لم يكن مهم …يكفي اسمها وحدها …
بعد يومين بالقاهرة …وخاصة بمنزل عاصم المحجوب …جلس سليم بجوار والدها محمحمًا
– بعد إذنك ياعمو، ماما بكرة عازماكم على الغدا..وكمان عشان تشوفوا المكان اللي احنا عايشين فيه
اتّجه عاصم موجهًا حديثه إلى ليلى وسمية:
– إيه رأيكم ؟ تبسّمت ليلى وأجابته
– اللي حضرتك شايفه يابابا …تسائلت سمية:
– هو حضرة المستشار هيتجوز معاك ياسليم ، أصله قال كتب كتابه، بس مقلش الفرح أمتى
ارتشف سليم من مشروبه وأجابها
– لا راكان هيتجوز بعدنا…هو دلوقتي في ألمانيا وممكن يجي بكرة أو بعده..طبعا سيلين بقالها فترة عايشة في ألمانيا ..وجنسيتها ألمانية فبيخلص حاجات هناك ..هو مشغول بموضوع سيلين مش فاضي للجواز دلوقتي ..وكمان بيصفي بعض الشغل اللي متعلق بعمو الله يرحمه
أومأت برأسها وتسائلت:
– مراته دي ..يعني اللي فهمته من والدتك إنهم كانوا مخطوبين وحصل حاجة وافترقوا..دا صحيح
تنهد سليم بوجعٍ وأجابها وهو يوزع نظراته بينهم:
– ايوة كان بينهم قصة حب كبيرة، بس اختلفوا ليه معرفش، هي جت فجأة وقالت مش هكمل ..آسف بس حياته الخاصة هو بيرفض يتكلم فيها، لحد دلوقتي منعرفش ليه افترقوا وليه رجع لها تاني
تذكرت ليلى حديث نورسين فتوقفت:
– تيجي نقعد في البلكونة شوية..الجو حلو ..نهض متجها معها إلى الشرفة كانت تضع شالا من الصوف الثقيل على أكتافها …ضمّ الصوف على صدرها ينظر لسواد عيناها
– دفي نفسك الجو برد والفرح قرب، مستحيل أأجله ولا دقيقة ..جلس على أريكة من الخشب توضع بالشرفة ..وجذبها يضمها من أكتافها واضعًا رأسها فوق كتفه
– ليلى مبسوطة إننا هنتجوز قريب؟ تسائل بها سليم ..اغروقت عيناها بالدموع وصمتت للحظات لا تعلم بما تجيبه، ولكن تعلم أنها مطمئنة النفس وهي بجواره، نعم أبعدت راكان عن قلبها أو ربما خيِّل لها ذلك …كل ماتعلمه حاليا..أن سليم مصدر أمانها وحمايتها..الاطمئنان على والدها وأختها بعيدا عن أمجد ..اعتدلت تحتضن كفيه:
– سليم كل اللي أقدر أقوله ، بكون مطمنة وأنا معاك…ممكن مايكونش وصلت لمرحلة الحب، بس أماني بقربك دا أهم من الحب، وإن شاء الله اكيد كل مااقرب منك هحبك ..ودا كان كلامي معاك في الأول
جذبها لأحضانه ولثم جبينها:
– انا بحبك اوي ياليلى خليكِ واثقة في كدا..وهستناكِ تحبيني، ودا أنا واثق فيه ..ربتت على كفيه ودعت من قلبها أن ينتزع أخيه من قلبها ويضع محبته به..
– قولي بقى إيه حكاية مرات أخوك اللي ظهرت فجأة كدا..وبعدين سمعت نورسين بتقول إنها حامل من راكان
أطلق سليم ضحكة من جوفه وهو يهز رأسه:
– نور وراكان …وحمل ،دي مجنونة بتقول لمين ..ضيقت عيناها وتسألت:
– بتضحك ليه والله سمعتها بتقول كدا…وضع فنجانه على الطاولة
– راكان مش بتاع علاقات من اللي في بالك حبيبتي..هو يقعد قاعدة رومانسية اه بس علاقات في الحرام وكدا لا طبعًا
ابتسمت بتهكم:
– ياسلام يعني قعدته لوحده معاها دا مش حرام ..قهقهت تضرب كفيها ببعضهما وأردفت بسخرية:
– ويعني إيه قاعدة رومانسية يامحترم ..دققت النّظر لملامحه
– سليم أوعى تكون زي أخوك دا..والله أموتك
جذبها يضمها لأحضانه وهو يقهقه
– حبيبي اللي غيران..وعايز يضربني…لكزته بكتفه وتوقفت:
– هستنى إيه من أخو راكان البنداري..توقفت فجأة …سليم ليه نورسين قالت أنها حامل من راكان …
رفع كتفه للأعلى وأجابها:
– معرفش بس اللي اعرفه راكان لو عرف إنها قالت كدا هيموتها ..
ذهبت بنظرها للبعيد وأردفت بشرود:
– مش يمكن حامل حقيقي ياسليم، أصلها مش هتخترع موضوع زي دا من نفسها
ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهو يجذبها من رسغها:
– صدقيني معرفش، لكن اللي متأكد منه، راكان مالوش في شغل نورسين دا …المهم فرح نوح آخر الأسبوع ..عرفتي
تذكرت أسما ومأساتها فهزّت رأسها متألمة:
– عرفت ربنا يسعده..نهض يقف بمقابلتها وتحدّث بشكٍّ:
– ليه مش مبسوطة من جوازه …تحرّكت للداخل ولم تجبه …جلس ينظر للخارج بقلب يهتز داخله:
– ممكن تكونِ بتحبي نوح ياليلى..معرفش ليه حاسس ان عيونك مخبية حزن جواها، وليه بتقولي إنك محبتنيش …تنهد وهو يشعر بتثاقل أنفاسه وعينيه تمشط الطريق وقلبه الذي ينبض بالألم:
– خايف ياليلى لتكونِ وخداني مسكن لأحدهم..
عند أسما
في (الإسطبل) جلست أمام الحصان تداعبه وتضع بعض طعامه ممسدة على ظهره بحنان …وقف خلفها يستنشق رائحتها حتى يملأ رئتيه برائحتها …استمع لصوتها:
– تعرف أنا حبيتك قوي زي البت ليلى..عارف ليلى اللي ركبت أول مجيت، ابتسمت بحب تتذكر ذاك اليوم … ثم اتّجهت للحصان تحدثه وكأنه يستمع إليها:
– أهي ليلى دي حظها منيل بنيلة، زيّي كدا بالظبط، بتحب واحد وهتتجوز من واحد تاني ..انسدلت عبراتها على وجنتيها:
– هو إحنا ليه نصيبنا من الحب قليل كدا..أنا قلبي بيوجعني أوي، وهي هتموت معرفش إزاي هتقدر تتحمل تتجوز وهي شايفة حبيبها قدامها طول الوقت وهي ملك لغيره ..ظلت تمسد على ظهره
– زيي كدا مش عارفة أتحمل إزاي اشوف حبيبي ملك لغيري ..لم تكمل حديثها إذ وجدت نفسها بالهواء وهي تحمل من جانب أحدهما…صاحت بغضب حينما علمت هويته:
حملها متجهًا بها إلى الملحق الذي تسكن به ثم أغلق الباب بالمفتاح عليهما ..ثمّ أنزلها..أسرعت تبتعد عنه…
– ليه ياأسما ..ليه توجعي قلبي وقلبك حبيبتي..إيه اللي حصل مني..والله عمري ماقربت لأي واحدة، حبك مكفيني، ليه عايزة تحرقينا كدا وانت بتحبيني زي مابحبك
صاحت بغضب وهي تشير بسبابتها:
– ابعد عني يانوح، إنت شارب ومش حاسس بنفسك …دنى منها وانسدلت دموعه تكوي وجنتيه:
– ولو مبعدتش هتعملي إيه..وريني كدا هتعملي ايه؟ …صاحت بصراخ
– هتصل بالدكتور يحيى يجي يلم قرفك دا
أحسّ بارتفاع ضغط دمه واختنق حلقه فأسرع يجذبها بقوة محاوطًا خصرها بقوة:
– وريني كدا هتصرخي إزاي، ولا هتتصلي إزاي، إنتِ من حقي ومحدش هيقرب مني غيرك، حاولت بس مقدرتش
حاولت دفعه بقوة ولكنه كان كالجدار ورائحة الخمور تفوح من فمه:
– نوح …قالتها بصراخ ، ابعد عني إنت مش حاسس بنفسك، فرحك بعد يومين مينفعش تعمل كدا
دفعها بقوة على الاريكة وبدأ يحطم كل مايحاوطه:
– إنتِ إيه! معندكيش قلب، أنا نوح حبيبك اللي كان سعادتك وأمانك ..إيه اللي حصل لدا كله
جرح كفيه من تحطيمه للأشياء أسرعت إليه وأمسكت كفيه:
– نوح إيدك بتنزف…إنت مجنون
أحرقته بكلماتها لم يشعر بنفسه وهو يضم شفتيها بين خاصتيه علّه يصمت حديثها للأبد
ظل يقبلها بقسوة حتى أدمى شفتيها ولم يصمت عن ذاك فقط …قام بجذب حجابها حتى أسقطه على الأرض ..وتحوّل لشيطان يقتنص من مؤمنٍ إيمانه وهو ينزل بشفتيه يقتنص كل مايقابله ..حاولت دفعه وجسدها ينتفض بين يديه كان يخرصها بقبلاته حتى لايفيق على صوتها الذي يذلذل كيانه
ابتلع دموعها وهي تحاول إنقاذ نفسها من براثنه ولكنه كان مغيبًا تمامًا ولايشعر سوى حبيته وعشق حياته بين يديه
بفيلا جلال البنداري وخاصة بغرفة فرح
بدأت تحطم جميع مايقابلها وهي تصرخ
– والله لأكسر قلبك ياسليم، أنا تعمل معايا كدا…هدأتها سارة وحاولت امتصاص غضبها
– ممكن تهدي عشان نعرف نفكر صح …ماانت شايفة يونس لغى كتب الكتاب بحجة هايفة، لازم نهدى ونعرف نخطط، عشان نضرب ضربتنا صح
عند فريال كانت تأكل خطاويها ذهابًا وإيابًا …حتى وصل يونس إليها ..وقفت تصرخ بوجهه:
– إيه يادكتور، لسة بدري من يوم الحفلة اللي اتلغت وحضرتك مهاجر البيت
دلف وهو يطلق صفيرا وكأنه لم يستمع لحديثها ..صاحت بغضب
– يووووونس ، أنا بكلمك ولما اكلمك ترد عليا، أخوك بقاله يومين مش باين وحضرتك بقالك أسبوع ومحدش يعرف طريقك
زفر بضيق ثم اكمل طريقه:
– ابنك الصايع في شرم الشيخ بيجري ورا بنت يارب ماتجبش أجله…إنما أنا كنت فين، كنت بتفسح عشان أنسى الوجع
تحرك إلى أن وصل لجناحه وارتمى على تخته وهو يبتسم حينما تذكر منذ قليل وهو ينتظرها أمام القصر حتى لمحها تخرج من سيارتها..فاتجه إليها
❈-❈-❈
باليوم التالي وخاصة عصرا
عاد راكان من العاصمة الألمانية برلين، قابلته زينب بالشوق رغم حزنها منه
– كدا ياراكان أسبوع كامل ياحبيبي، رفعت كفيها على وجهه تتحسسه وحشتني أوي ياحبيبي..قالتها وعبراتها تنسدل بقوة على وجنتيها
أزالها بحب ثم طبع قبلة مطولة على جبينها و قبل كفيها:
– زوزو حبيبتي اللي زعلانة من ابنها الكبير، لكزته بخفة في كتفه:
– لسة هنتحاسب على كدا يابن أسعد.. وضع رأسه على ساقيها وابتسم:
– انا ابن زينب يازوزو متنسيش …الله الله ياحضرة المستشار، مش مكسوف تبقى في مكانتك دي ، وسنك ولسة بتنام على رجل زينب هذا ماقاله توفيق
اعتدل بجلوسه يمسح على وجهه، ثم نهض:
– أنا ميت نوم يازوزو، هنام وياريت محدش يصحيني، ولما الباشمهندس يجي قوليله الفستان في أوضته سلام مؤقتا ياحبيبة قلبي
اشتعل الغضب بأعين توفيق وهو يرمقه شرزا:
– سمعت أنك بتلعب مع ابن الألفي على قاسم الشربيني..متخلنيش أتدخل ياراكان، ملقتش غير قاسم الشربيني وتلعب معه دا صديق قديم، ولو مفكر إن قد جواد الألفي هيساعدك تبقى عبيط…جواد طلع معاش وابنه مش زيه، وقاسم نايبه أزرق
دنى من جده يمسح على ثيابه بتصنع وتحدث:
– مش أكتر منك ياتوفيق باشا، ومتخافش عليا، هو اللي ابتدى دي قضيتي ليه بيدخل …من الأفضل تحذر صديقك اللدود
استدار لوالدته:
– هنام ياست الكل، عايز هدوء، ولو جدي مش قادر يهدى ممكن تبعتيه عند ولاده التانين ، شكل قصرنا عجبه ومش عايز يمشي
قالها وهو يغلق باب المصعد متجهًا لجناحه..أما توفيق الذي وصل إلى زينب بخطوة وأمسك ذراعها يضغط عليه بقوة:
– لو مش لمتيه صدقيني هعرفه كلّ حاجة..كلّ حاجة، شوفي بقى بعد أربعة وتلاتين سنة يفوق على الست اللي بيحبها ويموت فيها ويعتبرها أمه تكون وهم
بكت وصاحت بوجهه:
– إنت ايه لسة عايز مني إيه. .فلوسي كلها وأخدتها، وولادي الاتنين وقتلتهم، وأختي دفنتها بإيدي الاتنين دي وهي لسة والدة، وابنك اللي حبيت تقتلني هو دفع التمن …إنت راجل ظالم، وربنا عمره ماهيسكت على الظلم وقريب قوي ياتوفيق باشا الكل هيعرف حقيقتك وأولهم أسعد
دفعها بقوة وهو يشير بسبابته:
– اتكلمي كدا وشوفي هعمل فيكِ ايه، وإنتِ لسة قايلة موتلك ولدين ومستعد أقتل الاتنين التانين…ضرب على رأسها
– فوقي يازينب أنا وبعدي الطوفان، وأوعي تفكري هيصعب عليا راكان ولا أسعد حتى.. لازم توقفي الولد عديم التربية دا أصل ، قسما عظما أدفنه حي.
هزت رأسها بهستريا وتحدّثت:
– لا مش ممكن تعملها، دول أحفادك، مستحيل تعملها، صح ياعمي
ابتسم بسخرية ورفع رأسه للأعلى
– عملتها قبل كدا يازينب، ومستعد أعملها تاني، قاطعهم وصول العاملة
– خطيبة الباشمهندس سليم جم برة مع الباشمهندس ياست هانم
أومأت برأسها وتحركت كجسدٍ دون روح:
بعد قليل جلس الجميع بغرفة المعيشة …نظرت زينب بساعة يديها بعيون حزينة مشتتة …دقق سليم النظر بعيناها
– ماما فيه حاجة…ربتت على كفيه وأردفت:
– لا بس حلا إتأخرت، كنت اتصلت وطلبت منها تيجي عشان تتعرف على ليلى وكدا
قوس سليم فمه بسخرية:
– ياماما هو راكان هنا عشان تجبيها…هزت رأسها كأنّها تناست أن تخبره:
– أيوة ياحبيبي جه من حوالي تلات ساعات..وهو نايم وبيقولك الفستان في أوضتك …قالتها بهمس إليه
كانت ليلى تتجول بنظرها للمنزل …لا تعلم لماذا شعرت بالرهبة منه..ربت سليم على ظهرها
– حبيبتي إنت كويسة ..!!
دلفت حلا ملقيه السلام
– آسفة عارفة إتأخرت، الطريق وزحمته في الوقت دا …ابتسمت زينب وهي تقوم بالترحيب بها
– تعالي حبيبتي..شوية وخطيبك هينزل هو لسة راجع من شوية قال هيرتاح شوية
تحركت متجه إلى غرفته:
– انا هروح أصحيه ياطنط زينب..وحشني أوي
– الجناح اتغير مدام حلا قالها سليم بجفاء وهو ينظر إليها ..توقفت على أول درج ثم استدارت:
– راكان غير الجناح اللي كنا هنتجوز فيه..استدار إليها بجسده وهز رأسها يجيبها باستخفاف:
– يمكن مكنش عايز حاجة تفكره بيكِ، قالها مشمئزًا
– سليم قالتها زينب بصياح وهي تتجول بنظرها لعاصم وسمية فأردفت:
– ممكن نتكلم بعد الغدا ..وأخوك هينزل بعد شوية، وياريت تقنع نفسك إنها بقت مراته
صدمة زلزلت كيانه فزفر بغضب يمسح على وجهه وتحدّث:
– حنيتك دي اللي عملت منه شخص بالشكل دا..لكزته تكزّ على شفتيها تهمس له:
– عيب تتكلم على أخوك قدام حد كدا ..نهض و سحب كف ليلى ونظر إلى سمية:
– بعد إذنك ياطنط سمية هنطلع فوق لو فيه حاجة مش عجبتها في الجناح أغيرها ..أومأت سمية برأسها عندما هزّ عاصم رأسه بالموافقة
بجناح راكان دلفت بعدما دلتها العاملة عليه
دلفت كان يغط بنومٍ عميقٍ لا يشعر بشيئٍ ..جلست بجواره تؤنب حالها، كيف أن تترك شخص مثله، تمنّت لو يعود بها الزمن لم تتركه ابدًا..تنهدت وحدّثت حالها
– قولت جوازنا لفترة، وعد مني لأوثق جوازنا ياراكان ونجيب ولاد كمان..نزلت بجسدها تقتنص قبلة ، فتح عيناه على أثرها، ثم هبّ فزعًا وصاح بغضب:
– أزاي تتجرأي وتدخلي الجناح دون إذني..أشار على الباب وصاح:
– بررررة …قالها بغضب ..
– انا كنت يعني بصحيك…لم يدعها تكمل حديثها فأمسك رسغها ضاغطًا عليها بقوة، ثم دفعها للخارج وهو يكاد يلتقط أنفاسه، لكم الحائط وهو يصرخ
– مفكرة بالساهل كدا..أرجع خصلاته بقوة حتى كاد أن يقتلعها بيديه..طرقت العاملة على باب الغرفة وتحدّثت:
– مستنين حضرتك عشان الغدا يافندم، وهات الباشمهندس مع حضرتك
– تمام قالها دون حديث…متوجهًا لمرحاضه، علّه ينعش بحمامٍ يزيح عنه أرق اليوم
عند سليم
دلف لجناحه يسحب كفيها ..توقف بمنتصف الغرفة يطالعها بابتسامته الخلابة:
– شوفي حبيبتي لو عايزة حاجة تغيريها تحت أمرك..طافت بنظرها بأرجاء المكان كاملًا وابتسمت:
– حلو ياسليم أهم حاجة نكون مرتاحين ..الحاجات دي متفرقش معايا..اتّجه إل الفراش وهو يسحب يديها ثم قام بفتح صندوقًا كبيرًا وأخرج منه فستان زفافها :
– يارب يعجبك …وعلى فكرة دا مش اختياري ..توسعت عيناها من أناقة الفستان، ثم رفعت عيناها له :
– حلو أوي ياسليم ..نظر لابتسامتها وفرحة عيناها التي جعلتها كقمرٍ منيرٍ ، ولم يشعر بنفسه إلا حينما اقترب يقتنص قبلته الأولى وهو يجذبها من خصرها ،حتّى فتح الباب فجأةً وهو يتحدث :
– سليم أنا….ولكنه توقف فجأة معتذرًا
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.