رواية عازف بنيران قلبي – الفصل الحادي والثلاثون
البارت الواحد والثلاثون
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك
كالذي ينتظر ذنباً يُغفر…
أنتظر مجيئك..
” ألم يخبرك قلبك بأني إشتقت لك !!
تعال وأعد ترتيب النبض ؛؛ الذي بعثره غيابك ”
أتيتك بقلبًا ينتفض عشقًا وشوقًا؛ لأعد ترتيب نبضك ونبضي
ألم تعلمين ان قلب العاشق لايهدأ حتى يبادله محبوبه الوله
الفصل 31
❈-❈-❈
خرجت ليلى من غرفة الاجتماعات وقلبها ينتفض بشدة، تكاد تأخذ أنفاسها بصعوبة، هي لم تحتاج سوى الاختلاء بنفسها، دلفت سريعًا إلى مكتبها وهي تضع يديها على صدرها تحاول أن تلتقط أنفاسها التي شعرت بانسحابها، انسدلت دمعة بجانب جفنيها أزالتها وهي تضغط على هاتفها بقوة حتى لا تفقد سيطرتها وتقوم بـ الإتصال به..ارتفع صوت شهقاتها حتى وضعت كفيها على فمها ظلت لفترة ثم اتجهت إلى سيارتها
قبل شهر فلاش باك
جاء الصباح استيقظت على ألمًا يفتك بها فتحت عيناها تنظر حولها متذكرة أحداث الأمس، وجدت أسما تجلس بجوارها تقرأ بمصحفها ..اتجهت أسما لها بعدما استمعت لـ تأوهاتها ابتسمت تمسد على خصلاتها
– صباح الخير حبيبتي، نمتي كويس..اتجهت تنظر بشاشة هاتفها متسائلة
-الفجر أذن ولا إيه؟!
أجابتها أسما بابتسامتها الجميلة
-صبح ، صبح ياعم الحج..الساعة خمسة ونص حبيبتي الفجر أذن من ساعة..اعتدلت تتثاءب وهي تضع كفها على فمها، ثم توقفت فجأة، بللت حلقها وابتلعت ريقها بصعوبة تتسائل عنه
-راكان..راكان فين ؟!
وضعت أسما وجنتيها على راحتيها تتأملها بصمت وبؤس مزّق روحها، رفعت ليلى رأسها متسائلة
-فيه إيه يا أسما بتبصيلي كدا ليه، أنا بسأل عن راكان…قالتها وهي تنزل من فوق مخدعها
وبعدين إزاي متصحينيش للفجر، كدا تضيعي صلاة الفجر..قالتها وهي تتحرك تجاه مرحاضها ، قاطعتها أسما
-راكان مشي امبارح بعد ما حضرتك قلبتي الترابيزة عليه، ومش بس كدا وعدني إنه مش هيقرب منك وقالي خلي بالك منها
تحركت عندما شعرت بأن قلبها هوى بين قدميها..أغلقت باب المرحاض خلفها واستندت تبكي وهي تهمس لنفسها
-إرتاحتي كدا… ابتلعت غصة مريرة ملئت جوفها بطعم الصدأ، لازم تفوقي يا ليلى، متخليش قلبك يجرك، وضعت كفيها على قلبها
-.اتجهت لتقوم بالوضوء متجهة للحي القيوم
بعد قليل أنهت صلاتها وجلست تذكر ربها وتقرأ وردها إلى أن أشرقت الشمس وقامت بصلاة الضحى …
انتهت ليلى من صلاتها، وجلست بأجندتها كعادتها تدون بعض الأشياء التي تشعر بها،
ثم دونت بعض السطور متنهدة وكأن صورته على صفحات دفترها
مرت الساعات تلو الأخرى إلى أن أشرقت الشمس، وملأ شعاعها بنور ربها بقطرات فصل الخريف الندية..توقفت تعقد ذراعيها تحتضن نفسها تنظر لتلك المناظر الجميلة مبتسمة وكأن حبيبها يعلم بما تشعر به من حضورها بين تلك الأشجار، ابتسمت وهي تضع كفيها على أحشائها
-اتمنى ما أشعر به هو حقيقة وليس حُلمًا، فـ يارب أسألك أن تجعل لي نطفة في أحشائي لكي أتذوق حنانه الذي حرمت منه..دلفت أسما وجلست بمقابلتها تتفحصها بنظراتها
-سمعاكي يا ليلى، قوليلي إيه اللي وصلكم للطلاق، والحب الكبير دا بينكم؟!
رفعت بصرها إليها تكاد تسمع دقات قلبها من فرط اضطرابها، نظرت بالخارج وقامت بقص كل شيئا لها ابتداءً من خطف والدها إلى أن أتى بها لذاك المنزل
فغرت شفتيها بعدم تصديق ثم نهضت واقتربت منها تتحدث بعصبية
-ايه الناس دي، وازاي ترمي ودانك للي اسمها عايدة وتوفيق، وبعدين تعالي هنا طنط زينب حذرتك ليه مسمعتيش منها
وضعت كفيها على وجهها وأجهشت بالبكاء
-عارفة إني غلطت، بس متكونش نتيجة غلطي إنه يرميني بالطريقة دي
ساد صمتًا مختنق بحزن بينهما فربتت أسما على ظهرها متحدثة:
-ليلى راكان معذور، أي حد مكانه كان هيطلقك من وقتها، ما هو اللي اتعمل مش سهل عليه
اتجهت بأنظارها وتحدثت بصوتها المفعم بالبكاء
-ولا سهل عليا يا أسما، أنا شوفته بعيوني والحقيرة دي بتقرب منه، تستحملي تشوفي جوزك واحدة تتحسس جسمه يا أسما وتقفل في وشك، تتحملي تكوني في حضن جوزك طول الليل وهو بيبنيلك قصر في الجنة وفجأة تلاقي القصر دا جدرانه عبارة نار تحرق قلبك
ابتسمت أسما بسخرية تنظر للخارج
-لا عيشت أكتر من كدا يا ليلى، شوفت جوزي وهو في علاقة كاملة، أنا اتجردت من ملابسي كلها واتصورت مع راجل، عايزة أكتر من كدا إيه
تنهدت بألم شديد وكأنها تحارب نصل سكين حاد مغروس في صدرها ثم أردفت بخفوت
-عارفة حسيت بإيه، حسيت وكأني في قبر وعايزة أصرخ بس صوتي مش طالع لحد..إتجهت بجسدها تطالعها بنظرات حزينة
-انا عيشت جوا الوجع يا ليلى، ونوح واقف متكتف، بس إنتِ جوزك بيحارب وبيتحارب من الكل، راكان بيعشقك ودا مش كلام، دا حقيقة، متخليش شيطانك يلعب بيكي، وحاولي تحافظي على جوزك، وزي ما قولتي هو مكنش قصده إنه يقرب منك ولا يدبحك يا ليلى، بس قلوبكم اتحكمت فيكم، وراكان مش الشخص الضعيف اللي يسمح لقلبه يضعفه كدا
رفعت كفيها تمسد على خصلاتها بعدما استمعت لتأوهاتها ونحيبها
-انا ضايعة يا أسما مبقتش عارفة دا حب ولا لعنة، بيحبني ولا بيلعب بمشاعري لما اتأكد اني بحبه أوي كدا
اقتربت أسما تجلس على عقبيها أمامها وامسكت كفيها
-والله بيحبك وكتير كمان، أنا أكتر واحدة عارفة ومتأكدة من كلامي، أنا عشت معاه وجعه، مش هقولك بلاش إنت بتحسي بأيه لما بتقربوا من بعض، بس هثبتلك دا لحظة وراجعة
اطبقت على جفنيها وعبراتها كزخات المطر تغسل وجنتيها إلى أن أتت أسما إليها وقامت بالرنين عليه ثانية مجرد ثانية من رنين الهاتف، رفعه سريعًا
-أيوة يا بشمهندسة ليلى حصلها حاجة..نظرت بعمق لداخل عيناها وأجابته
-لا ..ليلى كويسة، آسفة اتصلت بدري بس كنت بستأذنك هاخد ليلى عندي البيت تغير جو شوية
مسح على جبينه وهو جالسًا أمام غرفة العمليات
-أسما ليلى مش هتطلع من بيتها دا إلا بعد موتي وعشان منتعبش مع بعض وتقولي شعارات، أنا اه دكتاتوري يا ستي ومتحكم ودا آخر كلام، واسف مضطر اقفل، خلي بالك منها
اغلقت الهاتف وهي تطالعها
-اإيه رأيك؟؟ دا واحد بيتلاعب بالمشاعر؟؟ بلاش دا، قاطعتها ليلى قائلة
-صوته باين عليه الحزن والإرهاق ياترى وصلوا لسيلين، كنت عايزاكي تسأليه
ربتت على كتفها متحدثة
-دا مش تسأليه حبيبتي، دا تروحي وتقابليه وتوقفي جنبه، بلاش تقولي الكرامة وشغل الهبل دا، انتِ اللي غلطتي من الأول، ولو باقية عليه لازم تتنازلي شوية..فيه حاجة كمان عايزاكي تشوفيها، بس أشوف مين بيخبط
نهضت متجهة إلى طفلها بعدما استمعت إلى بكائه مع مربيته
-صباح الخير يا ميرو..رفع ذراعيه وهو يبكي
-بابا ..بابا هنا تجمد جسدها للحظات وهو يجذب ثيابها مردفا بين بكائه “بابا”
اتجهت بنظرها إلى مربيته
-هو بيعيط من زمان ..حملته بين ذراعيها محاولة تهدئته
-مالك يا حبيبي..ارتفع بكائه أكثر بصوته ينادي أبيه
وصلت أسما إليها
-ليلى طنط زينب تحت، بتقول جاية تشوف أمير وحشها، بس شكلها حزينة أوي
اتجهت وهي تحمل طفلها متجهة إلى زينب
-ماما زينب صباح الخير!! ..ليه تعبتي نفسك كنتِ عرفيني وأنا أجيبه لحضرتك
تلقت الطفل وجلست والحزن يتعمق على وجهها
-يعني أهمك يا ليلى، لو أنا مهمة عندك مكنتيش مشيتي وسيبتيني في الظروف دي، وأنا هموت على سيلين..ربتت ليلى على ظهرها
-والله يا ماما راكان محذرني من الخروج، وحضرتك عارفة هو مضغوط بسبب موضوع سيلين محبتش أضغط عليه بأمير كمان
هزت رأسها وهي تتسائل هو بيعيط ليه كدا
اهتزت شفتيها وللحظة شعرت بأن لسانها غير قادر على إجابتها ثم رفعت نظرها لأسما واجابتها:
-بيسأل على راكان عايزه..قالتها وهي تهرب بنظراتها منها
ضمته زينب بكل شوق زرع في قلوب الأمهات المكلومين على فلذات أكبادهم..ودمغته بقبلة مطولة وانزلقت عبراتها وهي تتلمس خصلاته
-يا حبيبي يابني اتحرمت من أبهاتك الإتنين واحد مدفون تحت التراب والتاني عايش فوقه زي اللي تحته بالظبط ..قالتها وهي تطالع ليلى بأنظارها الحزينة..قاطعهما دلوف نوح
-صباح الخير..عاملة ايه يا ماما زينب
-صباح الخير يا حبيبي..إيه خير جاي ليه على الصبح كدا
وقف صامتا للحظات ينظر إلى ليلى، يشعر بأنياب حادة تنهش قلبه فتحدث بهدوء
-روحت القصر فنعيمة قالت راحت تشوف أمير، عرفت انك هنا..هبت ليلى فزعة من مكانها ودقاتها بالارتفاع وشعور جسدها بالدوران وكأنها ستفقد وعيها متسائلة بلسان ثقيل
-راكان حصله حاجة ولا إيه، بس إزاي
برقت زينب عيناها متجهة بنظرها سريعا إليه
أردفت بتقطع عندما وجدت صمته وشحوب ملامحه
-اب.ني ..را..كان، اقتربت ليلى وجسدها ينتفض بقوة وروحها كادت أن تفارقها حينما رسم عقلها سيناريو مفزع ومؤلم لقلبها، فامسكت نوح الصامت
-جو..زي فين يانوح؟!
ابتلع ريقه وهو ينظر إلى زينب
-راكان كويس بس سيلين اتصابت بطلق ناري وهي في المستشفى..ضربت زينب على صدرها وهي تصرخ
-بنتي، يا حبيبتي يا بنتي..أنزلت أمير من احضانها وبدأت تبكي ممسكة بيد نوح
-قولي إنها عايشة يا نوح، قولي إنك مش مخبي عني حاجة..وديني لبنتي يا نوح
استنى يانوح هلبس واجي معاكم بسرعة
صرخت زينب التي وصلت لباب المنزل نوح
أشار لأسما التي تقف متجمدة تبتعد بنظراتها عنها، فأردف
-أنا لازم أمشي وانتِ تعالي مع أسما، قالها وتحرك للخارج..أسرعت لغرفتها وقلبها ينفطر
-يا ترى راكان عامل ايه دلوقتي..اقتربت أسما وتوقفت أمامها
-قبل ما تقابلي راكان، ولو مقتنعتيش بكلامي، شوفي الفيديوهات دي، طبعا انتِ عارفة نوح حاطت كاميرات في المزرعة، ومكنش قصدي اشوفهم، بس شوفتهم صدفة وافتكرت حاجة حبيت ابرئ نفسي منها، يمكن تثقي في جوزك شوية..أنا هروح ألبس
جلست ليلى على مخدعها تنظر لذاك الفيديو الذي ظهر به راكان وهو يوم زفافها على سليم،
وهو يضرب نوح عندما أردف له
-اووه حضرة المستشار قاعد بيشرب هنا، وحبيبته في حضن أخوه، اقترب نوح يطالعه، يا ترى عارف اخوك بيعمل ايه في حبيبتك..هجم عليه راكان وبدأ يلكمه بكل قوة ويركله حتى اقترب حمزة للفكاك بينهما..انسدلت عبراتها وهي تتحسس وجهه والألم يعصف به..فيديو آخر
-عايز تعرف ايه يا نوح
-اه بحبها، ومش بحبها بس بعشقها، تقول اني واطي اني خونتك وخبيت عليك قول، عايز تعرف ان بقالي سنة وانا بقفل في وشها كل الشركات علشان توصل لعندي، علشان بس أشبع من النظر ليها، اقترب نوح قائلا
-ليلى مش زي البنات اللي تعرفها، متخلينيش أزعل منك
-ومين قالك إن ليلى كدا، أنا بحبها يا نوح، وناوي أخطبها لا مش هخطبها هنتجوز، بس لازم أتأكد من مشاعرها الأول، مش عايز وجع لقلبي تاني، المرة دي صدقني هتكون بموتي
اهتز جسدها بالكامل وهي ترى فيديوهات كثيرة له عن حبه لها، شعرت بنبضها يحترق المًا، ونيران بداخل صدرها تمنت لو أنه أمامها الآن حقًا مظهرها أصبح مبعثرًا ونظراتها ضائعة وشفتيها ترتجف هامسة بإسمه
-“راكان” آسفة حبيبي..
بعد فترة قليلة وصلوا إلى المشفى، كانت تبحث عنه بقلبها قبل عينيها، قابلهم حمزة على باب المشفى
-هي كويسة مفيش قلق، الحمدلله الرصاصة مش في مكان خطر
هزت ليلى رأسها تتسائل عنه
-فين راكان يا حمزة؟! قالتها وقلبها ينتفض اشتياقًا لضمه..أشار بسبابته
-قاعد جنب ماما زينب هناك أهو…أسرعت بخطى متعثرة وعينيها لم تفارق وجوده الطاغي لقلبها وصلت وهي تستمع لصوت زينب ولكنها كالصم البكم وهي تراه بتلك الهيئة
نظرت إلى زينب
-الحمد لله يابني، الحمدلله، يارب إني استودعتك ابنتي، ظلت ترددها وهي تجلس بقلب ام انتزع قلبها على فلذة كبدها إلى أن وصل إليها يونس الذي كان يقف أمام غرفة العمليات
-ان شاء الله هتقوم بخير، مستحيل ربنا يئذيني فيها لا مستحيل ظل يرددها وهو يذهب إيابا وذهابا أمامهم
…أما راكان الذي جلس بكتفين متهدلين وقلبًا يئن وجعًا وكأنه فقد أخيه اليوم..وقفت تتأمل شحوب وجهه بأعين دامعة ولم تشعر بنفسها وهي تتحرك بإتجاهه تجلس على عقبيها أمامه تحتضن كفيه التي بها أثار الدماء
-“راكان” أردفت بها بصوتها الهامس، رفع عيناه
لامست وجنتيه وملامحه المتوجعه التي ظهرت على وجهه جعلها تئن المُا
❈-❈-❈
انزل كفيها بهدوء وانكمشت ملامحه مع نظرات متهكمة مردفًا
-يا ترى جاية تشمتي فيّا ولا كنتِ مستنية أموت وتفرحي …قالها بنبرة قوية يشوبها قسوة رغم ما يشعر به من حزن والمًا على أخته.. نصب عوده ناهضا تجاه والدته التي استمع لبكائها بأحضان والده بعدما اتجهت إليه
وقفت ليلى محاولة السيطرة على نفسها، فأخذت عدة أنفاس علها تهدأ من دقات قلبها العنيفة، جلست مكانه ونظراتها تحاوطه، وهو يضم والدته، جففت عبراتها ..اتجه نوح يجلس بجوارها مع أسما
-ليلى راكان محتاجك أوي، متسمعيش كلامه، أنا معرفش ايه اللي حصل بينكم وأنا زي ما قولتلك معاكي في أي حاجة، بس مش الوقت دا حبيبتي، هيكون عيب في حقك، أخته اخدت الرصاصة مكانه فإحساسه بالذنب هيموته
نهضت وهي تتوجه بحديثها إلى نوح
-مش مستنية منك دا يا نوح والله، أنا مش هسيبه الوقت دا ولا غيره مهما يعمل..نهض يقف بمحاذتها
-ليه راكان طلقك يا ليلى رغم الحب اللي بينكم؟!
ظلت للحظات صامتة ولم تجيبه، ثم تنهدت قائلة
-عقاب لينا احنا الاتنين، أنا غلطت كتير وهو غلط أكتر فـ بنعاقب بعض دا اللي أقدر اقوله ..قالتها وتحركت خلفه بعدما وجدته يدلف للمرحاض بعد خروج الطبيب من غرفة العمليات وحديثه الذي هدأ من روعهم
دلفت للداخل وهي تراه يضع رأسه تحت صنبور المياه، وكأنه يريد برودة جسده، اتجهت تقف خلفه، شعر بها نظر للمرآة وجدها تقف بعينين ضائعتين طمس بريقها من الحزن، كور قبضته عندما شعر بعدم سيطرته على نفسه حينما فقد قدرته على التحكم ودّ لو يلقي نفسه بأحضانها
-را..كان…قالتها بتقطع ونبرة يشوبها التوسل..استدار إليها سريعا
-عايزة ايه جاية للحقير ليه..أشار على نفسه وأردف بصوتًا متألم حزينًا
-انا واحد حقير بجري ورا غريزتي، مش دا كلامك يا مدام..اقترب منها وعيناه ترمقها بنظرات نارية وهي تتراجع للخلف مردفًا
-طلّعتك من حياة الحقير المقرف دا عشان متربطيش نفسك بواحد قذر بيجري ورا غريزته، واحد كل همه السرير يا مدام ..دنى يهمس بجوار أذنها
-رميتك برة حياتي عشان تفضلي ليلى النضيفة بعيد عن راكان القذر ..أشار بكفيه للخارج
-القذر اللي بتقولي عليه لولا سيلين كان زمانكودافنينه تحت التراب ، موتيها لما تفوق، قوليلها ليه أنقذتِ الحقير دا
هزت رأسها ودموعها تسيح بغزارة على وجهها من اتهاماته التي أصبحت كالسهام تخترق صدرها، فلم تتحمل ذاك واقتربت تلقي نفسها بأحضانه وتجهش بالبكاء بشهقات مرتفعة
-بعد الشر عليك، يارب أنا وإنت لأ …متقولش كدا لو سمحت…رجفة قوية اجتاحت جسده حتى تجمد من فعلتها وحديثها الذي بعث قشعريرة قوية سرت بعموده الفقري إلى سائر جسده بعدما استمع إلى صوتها الحزين وهي تعتصر نفسها بأحضانه
-.سحب نفسا قويا حتى يسيطر على نفسه من قوة المشاعر التي اجتاحت جسده، ظل للحظات متجمدًا لا يبادلها أحضانها رغم تمنيه اذابة عظامها وفرم لحمها بين ذراعيه، ولكن كفى ما صار بينهما
حرب دامية اجتاحت قلبه حتى شعر به كأنه فوهة بركانية فتراجع للخلف حتى تبتعد عن أحضانه
-حرام يا مدام اللي بتعمليه إيه نسيتي إنك اتطلقتي زيك زي اللي قبلك، وأنا اللي بطلقها برميها ورايا ومببصش عليها تاني
نزلت كلماته على قلبها كالطلقات النارية التي اخترقت قلبها دون رحمة رغم كلماته التي مزقتها إلى أشلاء إلا أنها حاوطت عنقه وتعمقت بعيناه التي يهرب بها
-لا ما حبيبي هيرجعني تاني لعصمته، دا لو مكنش رجعني اصلًا مش كدا ولا إيه..مش إنت رجعتني يا راكان ؟
انزل ذراعيها وتهكم مبتسمًا بسخرية
-شكل البشمهندسة مسمعتش كويس أنا اللي بطلقها أو بمعنى أصح برميها برة حياتي مش برجعها تاني، وأه مش مشكلتي أن أحلامك كبيرة
أصابها بخنجر غرزه دون رحمة في جدار كبريائها..ابتلعت اهانته وشعورها بإنسحاب أنفاسها وشحوب وجهها بالكامل، تراجعت للخلف مستديرة المغادرة ولكنه اوقفها
-مدام ليلى شكرًا لاهتمام حضرتك ملوش داعي وجودك في المستشفى ممكن تمشي تروحي لابنك ماينفعش تسبيه لوحده
أجابته بصوتها المكتوم بالبكاء وهي تواليه ظهرها
-هتطمن على سيلين وأمشي، آسفة لو هضايق حضرتك لكن متخافش هقعد بعيد عن حضرتك
قالتها وتحركت سريعا ودموعها تفترش خطاويها المبعثرة حتى وصلت إلى غرفة، فتحتها ودلفت سريعا تقف خلف الباب، تنزل بجسدها وصوت بكائها يرتفع مما جعلها تضع كفيها تمنع شهقاتها..جلست لفترة تعيد سيطرتها على نفسها ثم خرجت متجهة للمرحاض تغسل وجهها وتزيل دموعها العالقة بعينيها..تنهدت تجمع شتاتها المبعثرة، متيأسيش يا لبلى كنتِ عارفة إنه هيكون دا رده، فترة وقفت تسترد نفسها ثم خرجت محاولة السيطرة على حزنها..قابلتها درة بجوار حمزة
ضمتها لأحضانها
-وحشتيني اوي حبيبتي عاملة ايه؟!
اجابتها ليلى برسم إبتسامة على شفتيها
-الحمد لله..بابا وماما عاملين ايه، بفكر اجي اقعد يومين قبل ما أنزل الشغل ..قالتها وهي متجهة لجلوس الجميع ..استمعت لصرخات يونس وهو يقوم بتوبيخ والده
-مش عايزهم هنا، حقي واللي مش عاجبه يخبط دماغه..اقترب حمزة منه يدفعه بعيدا عن والده وعايدة وفريال
-يونس اهدى، دا لا وقت ولا مكان اللي بتعمله
اتجه بنظره لحمزة جاحظًا عيناه يشير عليهم
-دول يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته، معرفش هما عاملين ايه، بس اللي متأكد منه انهم خربوا حياتي كلها ياحمزة، دمروني ودمروا البنت اللي بحبها
❈-❈-❈
ربت حمزة على ظهره
-بعدين يا يونس، نتكلم بعدين دا مش وقته، إحنا عايزين نتطمن على سيلين أهم حاجة
اتجهت ليلى تجلس بعيدًا عن زينب التي يضمها راكان لأحضانه مطبقًا على جفنيه، ورغم ما فعله وقاله إلا أن حالته أدمت قلبها
نهضت زينب تنظر إليه
-ممكن تدخلني اطمن على أختك، مش قادرة يابني عايزة أشوفها، توقف وهو يضمها من أكتافها متجهًا لغرفة العناية، دلفت زينب بجسد مرتعش وكأن الذي أمامها ابنها الفقيد
-يا حبيبي يابني، يا حبيبي..انزلقت عبراتها المتلألئة على وجنتيها تزيلها بكفيها وهي تقترب من فراش ابنتها تهمس بإسم سليم
كتم صرخاته وهو يكور كفيه بعدما استمع لهمسها الذي أدمى قلبه، فاتجه إليها يمسك كفيها ويحتويها
-ماما حبيبتي دي سيلين مش سليم عشان خاطري بلاش توجعي قلبي أكتر ما هو موجوع
هزت رأسها رافضة مانطقه
-اطلع برة ياراكان سيبني مع ابني شوية..تجمد جسده وشعر بانسحاب أنفاسه، وانعقد لسانه وتوقف الكلام بحلقه ..دفعته للخارج وهي تصرخ
-إمشي ولادي بيموتوا بسببك إمشي من وشي مش مسامحاك على اللي عملته حتى استكترت فيا حفيدي، أمشي يا حضرة المستشار روح شوف إبن اخوك صاحي من النوم ومفيش على لسانه غير بابا..هزت رأسها و ارتفعت شهقاتها
-ربنا يسامحك يابني على اللي عملته فينا
آه خفيضة خرجت من أعماقه لتحرر مدى آلامه المحفورة بقلبه، ثم استدار متجهًا للخارج بخطواته الذي يجزم من يراه أنه يتحرك على بلور يشحذ قدميه دون رحمة..وصل حيث جلوسها يجذبها بعنف من ذراعيها وسط الحضور
-تعالي معايا، تحركت معه دون مقاومة حتى وصل إلى غرفة ودفعها بقوة داخلها ثم حجزها بين ذراعيه يحرقها بنظراته
-إنتِ قايلة لماما إيه، إيه موضوع أمير وإنه عايزني دي، بترسمي على إيه قولي
بأعين زائغة غير مستوعبة حديثه، ارتجفت شفتيها وتسائلت
-تقصد إيه من كلامك دا؟!
طحن ضروسه ضاغطا على كل كلمة تخرج من فمه بقسوة قائلا
-أنا مش هرجعك تاني لحياتي يا ليلى، وبلاش تضغطي على ماما بأمير، إنتِ قتلتيني مرة مش مسموحلك تقتليني تاني، أنا تعبت من سلبيتك في حبي ليكي كل شوية شك ، أنا تعبت
انا حياتي متعرفيش عنها حاجة عشان تحكمي عليا، رغم اللي عملتيه وجوازك من سليم جيتلك وفتحتلك قلبي، انتِ عملتي ايه، ولا حاجة روحتي ودوستي على قلبي ورجولتي بكل جبروت واتفقتي مع ناس يدمروني لولا أتدخلت في الوقت المناسب كنت زماني بقيت أضحوكة
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة تحاول الحديث لكنها فقدت النطق من شرارة نظراته وكلماته النارية ..ضغطت على نفسها ورفعت كفيها تحتضن ذراعيه
-مش أنا اللي رفعت القضية، وحياة ربنا ما أنا، أنا اتجبرت على الإمضا دي
دفعها بقوة وابتعد عنها
-مش مهم المهم النتيجة واحدة، اتكسرت وخلاص، كسرتيني، عارفة يعني إيه تكسري جوزك وتحطي السيف على رقبته، مفكرتيش شكلي هيكون إزاي وسط صحابي
دنت منه ودموعها تنسدل على وجنتيها
-كنت هقولك والله بس سبقوني..أشار بسبابته
-اخرسي، دلوقتي انا عايز أتعالج من قلبي اللي خلاني إنسان كاره نفسي بسببه، سيبيني أتعالج لو سمحتِ
اتجه بأنظارًا متألمة وحاوط ذراعيها
-عارف انا ساعات بقسى عليكي كتير، وعارف ردود فعلك بتحاولي تحافظي على كرامتك، بس أنا بضعف قدامك، مش هنكر وأقولك أنا بكرهك وعايز أنتقم منك ورميتك زي غيرك
أنا قولتلك كدا من قهرتي، هتصدقي إني قولتلك كدا عشان أقنع نفسي بكرهك، بس لا يا ليلى مقدرتش أكرهك ولا قدرت أنتتقم منك
لامس وجنتيها بإصبعه
-احنا وجعنا بعض بما فيه الكفاية، مش هقولك انتِ لوحدك غلطانة للأسف أنا كمان غلطت، لازم ارجع نفسي اللي ضيعتها، وانتِ كمان، لازم تعالجي نفسك زي ما قولتيلي، يمكن نرجع نقدر نكمل مع بعض
أنزلت ذراعيه وهي تهز رأسها
-حاضر يا راكان، هبعد عنك، أنا كمان لازم اداوي قلبي من كتر الضغوط والوجع اللي شوفتهم معاك
استدارت للتحرك، أمسك كفيها مردفًا
-هكون قريب منك وقت ما تعوزيني هتلاقيني..تحركت وهي تمسح دموعها متحركة حتى تفتح الباب ..جذبها من كفيها يوقفها أمامه، رفعت أهدابها المنطفئتين وأردفت:
– راكان أنا تعبانة، وضايعة عايزة اللي يقويني، أنا آسفة حقيقي آسفة، عارفة إني وجعتك وتعبتك قوي، سامحني
شهقاتها اخترقت جدار روحه تطعنه بخناجر مسمومة وللحظة أحس بأن الأرض تميد به وأصبح قاب قوسين او أدنى من فقدان وعيه أمام بكائها وشعوره بضعف الدنيا يحتل كيانه ورغبة بآختطافها وسحق كرامته بعيدًا عن قلبه
-صدقيني كدا أحسن لكل واحد فينا، علاقتنا مخدناش منها إلا الوجع، وشوفتي انتِ قولتي إيه إمبارح هفضل في عيونك زي ما رسمتي مهما عملت
تحركت تخرج بخيبة أمل تلوم نفسها على ما وصلت إليه ..أما هو ظل بمكانه يود لو يصرخ من أعماقه ويجذبها لأحضانه، جلس لبعض الدقائق حتى استعاد شتات نفسه وتحرك للخارج
جذبه نوح من ذراعيه، يجاهد في إخفاء غضبه منه..خرجا إلى حديقة المشفى جلس وأشار إليه بالجلوس
-وعدتك قبل كدا من يوم ما قولت بتحبها، قولتلك هكون معاك، ولكن لو أذيتها هقفلك يا راكان..إيه اللي حصل وصلكم لكدا
مسح على وجهه بغضب فالنقاش حاليا سيصل إلى خسارة بعضهما البعض..أشعل تبغه وهو ينظر للبعيد
-مشكلة بيني وبين مراتي ملكش دخل فيها..
تنهد نوح وحاول سحب نفسًا طويلا يزفره بهدوء حتى لا يغضب عليه
-مرات مين يلاَ، إنت من كام يوم قولت طلقتها، جاي دلوقتي بتقولي مراتي
نفث دخان تبغه بوجهه وهو يرمقه بنظرات غير مفهومة وتحدث
-طول ما احنا في شهور العدة هي مراتي، إطلع منها انت
استدار إليه
-راكان لو سمحت، ليلى مش زي البنات اللي انت اتجوزتهم قبل كدا
توقف راكان وولاه ظهره قائلا
-متدخلش بينا، ملكش دعوة بينا، واسمها البشمهندسة مش ليلى، ليلى دي مراتي يعني أقربلي منك
-رااااكان، صرخ بها نوح
-دلوقتي إبعت ورقة طلاق ليلى، وإياك تقرب منها
التوت زاوية فمه بابتسامة باهتة
-لم نفسك يلا وشوفلك جثة العب معاها بشوية التجميل بتوعك وإبعد عني وعن مراتي عشان متندمش
اقترب نوح بعدما فقد سيطرته و أمسكه من تلابيبه
-انت طلقتها يا راكان ابعد عنها، سيبها تعيش، ليلى من يوم ما قابلتك وحياتها اتدمرت، لو سمحت وحياة صداقتنا لتسيبها في حالها
فجأة احس بإنقباض شديد في قلبه يكاد يمزقه من الألم فرفع رأسه مضيقًا عينيه
-بتتكلم جد يانوح؟! ، انت عايزني أبعت لـ ليلى ورقة طلاقها
لكزه نوح بقوة في صدره:
-راكان متبقاش غامض معايا، قولي إيه مشكلتك بالضبط، ماشي بتمثل لا بحبه ولا قادر على بعده، ليلى دي اختي وأنا مرضاش اشوفك بتبهدل فيها واسكت، قولي آخرة اللي بتعمله ايه، الحب مش بالكلام، واكيد عرفت أنا عملت إيه عشان أسما
-أنا معملتش حاجة يا نوح، ولا أي حاجة عشان حبي، بس برضو هسبها كدا متعلقة لا هي مطلقة ولا متجوزة..أشار بسبابته قائلا:
-عشان تعرف مش كل اللي تلعب معهم، أنا راكان البنداري مش حتة بنت تدوس عليا ..أشار على نفسه يضرب على صدره
-على آخر الزمن حتة بنت ترفع عليا قضية طلاق، وكل شوية طلقني، طلقني مش متحملة أكون مراتك
دنى منه يغرز عيناه بعينيه مردفا
-بنت خالتك بتقولي أنا مستحيل أجيب منك ولاد، علشان ميعاتبوهاش على أبوهم يا حضرة الدكتور، كرهت نفسها لأنها ارتبطت بواحد زيي
رفع سبابته قائلا
-متقربش مني يا نوح علشان ماوجعكش،
-خلاص يا راكان طلقها طلقة بائنة وكل واحد يروح لحاله خليها تأسس حياتها مع حد تاني، يعرف يلملم جروحها، بدل ما انت موجوع منها أوي كدا
قبضة بكفيه على عنقه وهو يدفعه بقوة على الجدار حتى كادت أنفاسه تخرج، عندما تغير وجهه للشحوب، وأصبح كشحوب الموتى
لولا حمزة الذي وصل بالوقت المناسب يدفع راكان بعيدا عن نوح ، ورغم قوة حمزة إلا أن غضب راكان فاق الحدود وهو يجز على على أسنانه متحدثًا بصوت كالفحيح :
-دا إن شاءالله في قبرها، لما تدفنها كدا يبقى خليها تبني حياة الآخرة يا حيوان
دفعه حمزة بكل قوة حتى صفعه على وجهه ليفيق من حالة غضبه الأعمى تجاه صديقه
بدأ يسعل نوح ليلتقط أنفاسه بصعوبه، حتى شعر بالإختناق، ساعده حمزة في الجلوس، يربت على ظهره حتى استعاد أنفاسه وجلس يطالع راكان المتجمد يرمقه بنظرات نارية قائلا:
-متقربش مني تاني عشان مدفنكش عايش، مراتي خط أحمر حتى عليكو، محدش يقولي أعمل ايه، أنا قولت عايزة تربية يبقى لازم أربيها، لازم تتربى عشان متغلطش تاني
قالها وتحرك بخطوات تأكل الأرض كالذي يتربص بعدوه وصل إليها وجدها تجلس بجوار سيلين التي استيقظت للتو، ابتسمت سيلين عندما رأته، احتضن وجهها
-حبيبة قلبي حمدالله على السلامة، كدا تخوفيني عليكي..قبلت كفيه
-فداك يا حبيبي، فاكر قولتلي إيه بعد العملية زمان ؟ ..أفديكي بروحي ياسيلي مش بكليتي، كنت مستخسر فيا حتة رصاصة يتيمة
طبع قبلة مطولة على جبينها متحدثا:
-ولو طلبتي روحي مش هتأخر، قاطعهم دلوف يونس، بخطوات متعثرة وعينيه تعانق عينيها، سحب راكان ليلى من كفيها
-تعالي عايزك، خلي يونس مع سيلين شوية
خرج للخارج وجلس أمام الغرفة يشير بعينيه إليها
– كلمتين حطيهم حلقة في ودنك..سحب نفسا ثم زفره متجها بنظره إليها ثم رفع نظره إلى عايدة التي تطالعهم بترقب فتحدث مبتسمًا وهو يطالعها:
-ابعدي نوح عني، بلاش يخليني أفقد أعصابي، عايزة تعيشي حياتك إعملي تنازل عن الولد..نزل ببصره إليها يدقق النظر بعيناها
-ورقة طلاقك هتوصلك، ووقت ما تفكري مجرد تفكير بس إنك تتجوزي صدقيني مش هرحمك وهدوس عليكي واخد الولد حتى لو موتي قدامي، ودلوقتي روحي لابنك
ضحكت ضحكة مستهزئة
-مستر راكان، متتعبش عقلك بيا، وقت ما أحب أمشي همشي، بلاش تعمل واصي عليا، ودلوقتي أنا اللي بقولك إبعد عن حياتي وملكش دعوة بيا
❈-❈-❈
قالتها ونهضت متحركة تجاه نوح الذي دلف بجوار حمزة
-نوح أنا هاخد أسما ونمشي، اطمنت على سيلين، دلوقتي ملهاش داعي القعدة
اتجه بنظره إلى راكان الذي يصوب نظراته اليهما..
-هي فين أسما؟!..أشارت للخارج
-برة مع درة، لازم أمشي علشان أمير..اتجه بنظره إلى راكان مرة اخرى، فبسط يديه إلى ليلى
-تعالي يلا، عشان أوصلكو، وكمان أشوف أمير
استدارت تنظر إلى راكان، ثم احتضنت كفيه وتحركت معه للخارج، توقف سريعًا، ولكن حمزة توقف أمامه
-بتغلط يا صاحبي اللي بتعمله غلط، نوح عنده حق، انت مش عارف بتعمل ايه يا راكان، اتغلب على غضبك شوية، بص حواليك شوف بيبصوا عليك إزاي
ضغط على قبضته يحاول التمسك بكل قوة حتى لا يخرج يدمر فك نوح المبتسم له، ثم جلس يضغط على نفسه وهو يهمس
-وحياة أمك يا نوح لاموتك، بتغيظني وبتدوس عليا ماشي
أطلق حمزة ضحكة خافتة
-ما تتهد يا عم الحبيب، هو انت مريض، طلقتها ومش عايز حد يقرب منها، دنى يهمس بإذنه
-اقطع دراعي من لغلوغه لو كنت طلقتها فعلا
رمقه راكان باحتقار قائلا
-دراعي ولغلوغه ليه دراعك بيتكلم
رفع حمزة حاجبه بسخرية وأجابه
-سايب المهم وماسك في المقشة، انت مطلقتش ليلى صح يلاَ، أنا مش مختوم على قفايا يا كينج، وافهمها وهي طايرة، ماهو مش معقول بعد مطحنة العشق اللي بتفكرني بـ مباراة خنزير ضرب خنزير وبعد كدا تطلقها بسهولة كدا
رجع برأسه على الجدار مغمض الجفنين وهو يتحدث بصوتًا متألم
-سيبني يا حمزة عندي مشاكل بالكوم، آخرهم ليلى..قطب حمزة ما بين جبينه
-فيه حاجة حصلت ولا إيه؟!
-فرح..قالها راكان وهو مازال على وضعه
-فرح راجعة بولد وبتقولي ابن سليم، والولد فعلا ابنه، أنا عملت التحليل بنفسي
شهقة خرجت من حمزة متسائلا
-وبعدين ناوي تعمل ايه ..فتح عيناه ثم هز كتفه
-معرفش سليم كاتب كل حاجة لـ ليلى، ودا وراه سر مخوفني، إزاي سليم يغامر بحاجة زي كدا، هو كان عارف انه هيموت ولا ايه، لا وموضوع حضانة أمير دا وراه لغز، ليه ربطنا ببعضنا
قاطعه حمزة
-طيب إنت عارف الحاجات دي من زمان ليه خايف وشاكك في ايه دلوقتي !!
مسح على وجهه ينفخ بكفيه قائلًا:
-الأول مكنش فيه ولد تاني، دلوقتي فيه حاجات مريبة بتحصل، ودا خطر على حياة أمير وليلى
-اووووه، أنا كدا فهمت عشان كدا طلقتها وبعدتها عن البيت مش كدا
اتجه ينظر إليه بضياع
-ياريت كدا بس، بقسى عليها بطريقة توجع، إحنا الاتنين بنشيل أغلاط غيرنا، ليلى حواليها تعابين وهي غبية، عايدة بترتب لحاجة نفسي أدخل جوا دماغها، وانت شوفت أهو توفيق باشا شلله مش في صالحنا أبدا، كنت عايز أوصل مين اللي بيحاول يقتلني، مين اللي قتل سليم، هتجنن وانا بربط بين الشربيني والنمساوي، وجواد الألفي بيقولي بيلعبوا بجدك، يعني جدي فيه حاجات كتير خرجت من وراه، انت تعرف أنا حاسس بأيه، حاسس بالعجز والوجع وانا طول الفترة دي بعامله كأنه مجرم حرب، واتضحلي انه ضحية من غير ما يعرف، لعبوا بيه كويس، وأخرتها أهو لا كلام ولا حركة، والدكتور بيقول حالته مفيهاش تقدم وممكن يموت
لم تظهر تعابير على وجه حمزة وهو يحاول التفكير بمعضلته قائلا
-نورسين..دلوقتي حلك الوحيد دا اللي بتفكر فيه مش كدا
ابتسم بسخرية قائلًا
-تعرف الغبية حطيتلي جهاز تصنت في تليفوني، شوفت وصل بيهم الحال لفين، والله يابني دول مجرمين، عايزين يخرجوا ابن التيت من السجن عشان شحنة الأسلحة، بيحمدوا ربهم بعد ما جواد استقال، اغبية ميعرفوش انه بيدكنلهم..نظر إليه حمزة
-طيب ليه جواد يغامر بحاجة زي كدا معاك
اجابه وهو يزفر بغضب
-عشان ميوصلوش للورق دا، غير انهم فاقدين الثقة فيه
-دا كله عشان الورق ..تسائل بها حمزة
اعتدل بجلسته يميل بجسده مستندا على مرفقيه ينظر إليه
-الورق مش مجرد قضية عادية، إحنا بس مستنين الأشخاص اللي برة عشان يرجعوا مطمنين، وبعد كدا نعرضه للنائب العام تعرف مين على رأس الورق دا ..اقترب يهمس له حتى جحظت أعين حمزة قائلًا
-بتهزر، الراجل اللي كل كلامه مواعظ وعبر، يطلع بالقذارة دي، غسيل ومخدرات ..ابتسم راكان ساخرا
-ودعارة وحياتك، وتجارة أعضاء، دول شبكة قذرة، اصبر بس وهيوقعوا كلهم، المهم دلوقتي نورسين مفكرة مطلق ليلى عشان هتجوزها، أنا عايز الفكرة دي تكون مترسخة عندهم، فيه حاجة لازم أعملها، ودي مش هتتعمل إلا لما تتأكد من بعدي عن ليلى فعلا بس طبعا فرح اللي نطتلي زي عفريت العلبة دي وقفت عقلي، وخلتني افكر في حاجات تانية..اتجه بنظره إليه
-نور فاكره، دا بيخطط مع عايدة على ايه، بشوفه عندهم معظم الوقت، طيب لو بيحب سارة زي ما هو عايز يفهمني، ليه اللعبة الحقيرة دي، طيب لو عايز فرح ..ازاي بعد مابقى عندها ولد..فيه ريحة مش عجباني
-الحقير دا رجع إمتى من السفر، هو مكنش اترفض من الجامعة..ربت راكان على كفيه
-وحياة أبوك متتجنش، كفاية عليا نوح، هو بعيد عن خطيبتك، وأنا مراقبه متخافش، بلاش تخليني أندم إني قولتلك
بالداخل عند سيلين نهضت زينب
-هروح أصلي العصر حبيبتي، ثم اتجهت إلى يونس
-خلي بالك منها يا دكتور..اقترب يونس وجلس بجوارها
-عاملة ايه حبيبتي؟! اطبقت على جفنيها متألمة
-إزاي تتجوزني من غير ما ترجعلي، إيه مفكرني هرضى بالأمر الواقع
-دلوقتي انا مش هتكلم كتير، خفي وبعدين نتكلم ..
-مفيش كلام يتقال بعد اللي شفته منك يا يونس
ودلوقتي طلقني لو راجل محترم يا دكتور، الجواز كان من ورايا، ودلوقتي بطلب الطلاق
هب فزعًا يحاوطها بذراعيه
-بت اوعي تفكري عشان تعبانة هعديلك كلامك لمي الدور، أنا قولتلك قبل كدا يا بنت عمي، موتيني وبعد كدا عيشي بعيد عني، وبما انك عرفتي إني جوزك، شدي حيلك عشان بعد ما تكملي شفاءك، هنعمل الفرح، وضع إصبعه على شفتيها عندما أتت للحديث فاقترب يهمس أمام شفتيها
-وحياة سيلين عندي لأتجوزك حتى لو غصب عنك، ومهما تقولي مش هسمع، أنا مش محترم، ولا راجل إرتاحي ومتفكريش غير في حاجة واحدة بس؛ إزاي هتبسطي جوزك اللي حرمتيه منك سنتين كاملين وانتِ بتموتي فيه
لامس وجنتيها وهو يحاوطها بنظراته الهائمة وأكمل
-فكري هتسمي عيالنا ايه، مش كلام غبي زيك
-هطلقني يا يونس، حتى لو غصب عنك
قهقه ودنى من شفتيها يلمسها بهدوء
-عادي يا حبي نموت مع بعض هو دا خلاصك مني
دفعته بضعف
-ابعد كدا، احتضن شفتيها بين خاصتيه بقسوة كأنه يعاقبها على ما تفوهت به، ثم فصل قبلته قائلا
– ريحي نفسك يا عروسة، وبعد كدا نتكلم
❈-❈-❈
تعاقبت الأيام واحدا تلو الأخر حتى جاء ذاك اليوم ..استمعت إلى جرس منزلها، فتحت العاملة الباب، دلف عاصم بجوار آسر، نهضت سريعا تحتضن والدها
-حبيبي يا بابا وحشتني..ضمها والدها بين أحضانه قائلا
-يعني لو جيتي قعدتي معايا مش أحسن من كدا..ربتت على كفيه تقبله
-اعذرني حبيبي دلوقتي أنا مش ليلى الصغيرة، كبرت وبقى ليا حياتي مع ابني يا بابا، وزي ما حضرتك عارف بنتك مبتحبش تكون تقيلة على حد
صفعها بهدوء بابتسامة
-هو أنا حد يا عبيطة، دا أنا أبوكي، وجد الولد الشقي دا..رفع ذراعيه لأمير
-حبيب جدو..اسرع أمير وهو يصفق
-دود ..حمله يقبله ويضمه لأحضانه، ينظر بالمكان
-راكان مبيجيش خالص عندك من وقت الطلاق..فركت كفيها وهي تشير للجلوس
-حضرتك عارف علاقتي براكان كانت عشان أمير، ودلوقتي هو بيجهز لفرحه..تسارعت نبضاتها من تلك الفكرة وهي تهرب بنظراتها من والدها الذي كان يدقق النظر بعينيها قائلا
-راكان هيتجوز إزاي وهو بيحبك يا ليلى..تجمد جسدها وشعرت بتوقف نبضها وهي تنظر لوالدها بأعين جاحظة
-إيه اللي حضرتك بتقوله دا، حضرتك عارف لولا وصية سليم..رفع ذراعه أمامها
-أبوكي مش عبيط يا ليلى ويعرف يميز الراجل اللي بيحب من اللي بيكره وبلاش يكره دي اللي بيأدي واجبه، أنا شوفت نظرات واحد بيحب يا بنتي، ولو انتِ عايزة تفهمي أبوكي غير كدا يبقى بتحاولي تداري حاجة هو عملها معاكي
اقترب يحتوي وجهها
-هو خانك يا حبيبتي، يعني فيه حد حب يدخل بينكم وفهمك إنه بتاع ستات زي ما قولتي قبل كدا ايام ما كنتي مخطوبة لسليم
كانت عاجزة تناظر والدها بعينًا تائهة، وشعورها بالضياع مستحوذ عليها حتى همست له
-لا يا بابا، راكان شخص كويس، بس هو كان خاطب قبل ما سليم يموت، وأنا مش من شخصيتي أخليه يبعد عن خطيبته ويغير حياته، وكمان إحنا جوازنا عشان أمير فبكدا اتفقنا على كل حاجة وبدليل البيت دا، بيته وانا قاعدة فيه
جلس عاصم ومازال حديثها يؤلمه، تنهد متوجعا على حالها وهروبها، هو يعلم بحب ابنته له فتحدث
-طيب يا ليلى، قعدتك لوحدك مش عجباني، وقبل ما تتكلمي، أنا مش موافق، ودلوقتي آسر عايز يخطبك، عارف إنك لسة في شهور العدة، بس دا تأمين له عايز ردك، لحد ما تخلصي عدتك
هزة عنيفة أصابت جسدها من فكرة ارتباطها بشخص غيره، فهزت رأسها رافضة حديث والدها
-انا مش هتجوز، أنا هعيش لابني وبس يا بابا، ودا هيفضل بيتنا، مستحيل اسيبه، آه إحنا اتطلقنا بس هو مش بيقصر معايا
اقترب والدها يحاوطها بذراعيه:
-ليلى دا آخر كلام عندي، مش باخد رأيك على فكرة، انتِ هتيجي تعيشي معايا، ومحدش يقدر ياخد ابنك عشان في حضانتك، أما عن ارتباطك بآسر براحتك، قعدتك لوحدك لا
نهض آسر الذي كان صامتا وتحدث:
-ليلى اديني فرصة وهعوضك عن سليم واللي شوفتيه من راكان، أنا عرفت كل حاجة..رمقته بنظرات تحذيرية..تحرك عاصم للخارج بعدما قال
-جهزي نفسك هبعتلك كريم ياخدك بالليل، مفيش بيتان هنا تاني، لما ابوكي يموت يبقى اقعدي في بيت البنداري
-بابا ..قالتها وهي تناظره بعينين هالكة من فرط الألم الذي اجتاح كيانها ..هز رأسه بالنفي وخرج
أمسك آسر كفيها وهي تطالع خروج والدها بعينين حزنتين
-ليلى تعالي نتجوز بعد شهور العدة، هعيشك ملكة، وهنربي ابنك مع بعض
صفعة قوية على وجنتيه وهي تشير بسبابتها
-كلمة كمان وهنسى إنك ابن عمي، اوعى تفكرني غبية ومعرفتش إنك ورا الصور يا حقير..اقتربت تلكمه بصدره:
-أنا حياتي ملك راكان البنداري وبس، وعايزة أأكدلك حاجة بدل بتلعب على المكشوف
-انا وراكان بنحب بعض من سنين، ومتفكرش انه طلقني كرهًا فيا، لا طلقني عشان انا اللي طلبت منه عشان واحد حقير زيك صورني مرضتش إن جوزي حد يكسر عينه بمراته، فاهمة الاعيبك يا آسر وانا بحذرك تقرب من حياتي، أنا هفضل ليلى راكان البنداري لحد أخر يوم في عمري، ما هو مش بعد ما أكون مراته اتجوزك انت..دنت حتى لم يفصل بينهما انش واحدًا
-مفيش راجل قلبي دقله غيره، يعني هو حبيبي وعشقي وكل حاجة، ولو موتوني كدا عشان أبعد عنه مستحيل، خلي في عقلك الجملة دي
-ليلى بتعشق راكان البنداري، وعمرها ما هتكون ملك لحد غيره ويلا امشي اطلع برة دا بيت جوزي مش مرحب بيك فيه
انكمشت ملامحه بألم وتحول سكونه لغضب حارق وهو يجذبها بعنف من رسغها
-راكان اللي كل شوية في حضن واحدة دلوقتي بتدافعي عنه.. دفعته بقوة
-عجبني وبموت فيه، أحسن منك
ضغط على رسغها
-وحياة حبي ليكي يا بنت عمي، لاندمك على كل كلامك دا، وبكرة يرميكِ بتاع الستات الحقير دا، عايز وقتها أشوف وشك، هخليكي تتذلي ليا يا ليلى
دفعته بقوة تصرخ بوجهه
-كلمة كمان صدقني هندمك ..دنى حتى اختلطت انفاسهما وهمس بجوار اذنها
-ليلى انتِ ملكي أنا، وأنا أحق بيكِ، قالها وتحرك للخارج سريعًا
جلست على المقعد تضع كفيها المرتعش على صدرها..وبعدين في وجع القلب دا، انت فين يا راكان، أسبوعين وأنا ولا على بالك للدرجة دي نسيت ليلى، رمتني فعلا زي ما قولت
قبل قليل بشركة البنداري، دلف أحد الرجال إليه ، أشار إليه متسائلا:
– فيه ايه، المدام خرجت النهاردة..أومأ الرجل يضع أمامه ملف
-دول الأماكن اللي رحتلهم، بالصور يا فندم..إومأ برأسه، وأشار إليه بالخروج ..فتح هاتفه يراها كانت تتلاعب مع طفلها وهي تعصب عيناها وهو يضحك.. ابتسم بحزن تمنى لو أن يكون ثالثهما..قاطعه دلوف نوح، أغلق هاتفه متجها إليه بنظرات متهكمة
-نعمين جاي ليه؟!..جلس نوح أمامه وهو ينظر لكفيه يتلاعب بحديثه
-عامل ايه يا مطلق..أشعل تبغه وهو يرمقه شزرا قائلا :
-لم نفسك عشان مزعلكش..نصب عوده يتجه لشرفة مكتبه وهو ينظر للمارة وأكمل حديثه:
عايز ايه يانوح، اوعى تتلاعب بمشاعري، علشان هنخسر بعض..نهض نوح يقف أمامه يضع يديه بجيب بنطاله
-راكان ليلى جالها عريس، وهم راحولها دلوقتي لو مش مصدق انت حر، مسح على أنفه عندما رأى نظراته النارية، حتى تحولت للهيبًا قائلا:
-آسر طلب ليلى مني وأنا وافقت وهو راح لأبوها عشان يطلبها رسمي لحد ما عدتها تخلص، دنى منه وهو يغرز عينيه بعين راكان قائلا:
-البت حلوة أوي، معرفش بتحلو كل يوم عن اليوم اللي قبله..عارف ليه يا صاحبي عشان اتخلصت منك ومن أنفاسك، ياسلام البنت دي لو حبتها قبل أسما، كان زمانا عصافير كناري، ومش بس كدا، كنا عشنا قصة حب روميو وجولييت، وجبنا عيال حلوة شبه أمهم..وضع ذراعه على كتف راكان يرمقه بطرف عينيه
-إنما يا راكان كنت بتحس بأيه وانت مع قمر زي ليلى كدا، ياخي نفسي بنتي تطلع شبهها
لم يشعر راكان إلا وهو يثور عليه كالوحش الضاري، يلكمه بكل قوته، حتى أسقطه على الأرض، رغم قوة نوح الجسمانية إلا أن ضربات راكان فاقت الحد، وهو يزأر بصوته الذي زلزل الغرفة بل المكان بأكمله قائلا
-قولتلك يا حيوان متلعبش بأعصابي، ..وصل يونس وحمزة بعدما استمعا لشجارهما المرتفع وهو يصيح بغضب
-هموتك يا نوح واخلص منك، قالها وهو يطبق على عنقه..جذبه يونس بقوة بمساعدة حمزة
-راكان فوق يخربيتك هتموته
دفع يونس بقوة وهو يجذبه من تلابيبه بقوة حتى نزع زراير قميصه بأكملها
-ورحمة أمي لاقتلك يا حيوان..توقف حمزة بينهما..ونوح يمسح دمائه التي سالت على وجنتيه
-ولد غبي وحمار، ايدك يا خنزير، إيه يا حلوف، طب وحياة ربي لاندمك عليها بحسرتك
دفعه حمزة للخارج غاضبا عندما لم يستطع يونس منع راكان من الوصول إليه
-أمشي يانوح من هنا دلوقتي..أشار بسبابته
-ماشي يا راكان، ماشي هعرفك إزاي تعمل معايا كدا ومبقاش نوح إلا لما احصرك عليها
دفع يونس متجهًا إليه
-تعالى يلا وريني نفسك، قرب من حياتي يا نوح وشوف هعمل فيك ايه
دفعه حمزة بقوة
-ما تتهد يابني، فين هي حياتك دي، هو عشان ساكت هتسوق فيها
جلس راكان وأنفاسه كالطبول وهو يثني كم قميصه ويفتح أول زر لقميصه حتى يلتقط أنفاسه
-ماشي يا حيوان والله لاندمك، أنا تقولي كدا..طاح بكل ما يقابله على سطح مكتبه وجهر بصوته
-هموته والله لأموته الحيوان دا..دنى يونس وهو يشير لحمزة بالصمت بعدما وجد حمزة اقترب ليتحدث
-راكان ممكن تهدى وتفهمنا إيه اللي حصل بينكم ..ثورة حارقة اندلعت بجوفه أردات ان تلتهم كل ما يقابله..اخذ يتنفس الصعداء وهو يمسح على وجهه
-سيبوني لوحدي لو سمحتم، مش عايز اتكلم..اقترب حمزة قائلا:
-راكان لازم نتكلم انت مش شايف نفسك الأيام دي …أغمض جفونه وتحدث بوجع وانهيار بآن واحد وكأن كرة ملتهبة تحرق أوردته فأشار بكفيه
-لو سمحتم عايز أكون لوحدي..جذب يونس حمزة متجهًا للخارج
-تعالى نطمن على نوح يا حمزة، سيب راكان لما يهدى ..ابتلع ريقه وبنظرات ضائعة ينظر لغرفة مكتبه التي تناثرت بسبب حالته المتوجعة، شعر كأنه في بئر من الظلام مكبل الأيدي مصفد المشاعر، قلبه يرتجف بداخل صدره، ونيران تحرقه ..آهة خرجت من جوف حصرته كارهًا حالته وما وصل إليه يردد لنفسه
-بكرهك يا ليلى وبكره نفسي وضعفي، دمعة غادرة نزلت من جفنينه المتحجر أزالها بقسوة
-فوق ياغبي من اللعنة اللي انت فيها إيه يعني تتجوز ولا تتنيل..ظل يوهم نفسه انها لا تهمه بقدر انتقامه منها، أراد أن يرضي غروره بتلك الكلمات، ان ليس هناك من انثى تحطمه بتلك الطريقة..ولكن كيف لصمود القلب عن تلك الاتهامات المغلفة بالوجع ..حدثه قلبه
-هترتاح وانت شايفاها مع راجل غريب، تذكر حديث نوح..أطبق على جفنيه يكور قبضته ويلكمها بالمكتب
-مستحيل حد يقرب منك هقتلك يا ليلى، مش بعد الوجع دا كله تستمتعي بحياتك بعيد عني..اتجه لهاتفه يراقب منزلها..جحظت عيناه وهو يستمع لحديث والدها..تصلبت تعابير وجهه واجتاحه رغبة شديدة في الوصول إليهما وتحطيمهما..ولكن هدأ عندما استمع لحديثها مع آسر، هنا خمدت ثورته وتحولت حالته من الثوران إلى الهدوء، وهو يستمع إليها بقلبًا ينتفض عشقًا، أحس برعشة أصابت قلبه وهي تدافع عنه وتثور ضد ابن عمها …ابتسم برضا متنهدًا براحة أصابت قلبه الضعيف بالارتواء بعد فترات أصابته بالقلح، وهي تصرخ له
-اه هفضل ليلى راكان البنداري لحد اخر يوم في حياتي..ود لو يمتلك جناحين حتى يصل إليها يسحقها بأحضانه..اخذ يمرر يديه المرتجفة على ملامحها..ولكنه توقف عندما وجدها هوت تضم ساقيها إلى صدرها تنظر حولها بخوف، وكأن يحاربها أحدهما..استمع بمنادتها إليه.. أطبق على جفنيه يعتصرهما من الألم يهمس لنفسه
– خايف عايز أقرب بس خايف لتكسرني مرة تانية، لازم اتأكد يا ليلى، آسف سامحيني..قالها بملامح جامدة تبدلت تماما بعد ما كانت منذ قليل يهيم بها عشقا، ولكن لذاكرة القلب والروح أحكام
❈-❈-❈
عودة للحاضر، بعد تلك الأحداث، وخاصة بعد أكثر من شهر
خرجت ليلى متجه لسيارتها واستقلتها تنظر خلفها لذاك الرجل الذي عينه لها لحمايتها، تحركت إلى منزلها مبتسمة على ما يفعله معها
بالجامعة وخاصة كلية الهندسة، خرجت درة وهي تتحدث بهاتفها
-أيوة حبيبي، لا خلصت ومروحة، حاضر هركب مع عمر، معرفش مالك يا حمزة بقيت صعب كدا ليه، بتحسسني إني هتخطف ..على الجانب الآخر كان يراقبها من مسافة ليست بالقريبة، وهو مردتي نظارته السوداء، وجدها تتحدث بهاتفها وابتسامتها تنير وجهها ترجل من سيارته متجهًا إليها اقترب حتى تلامس جسده ظهرها..ألتفتت سريعا وهي تنظر حولها بخوفًا كاد أن يوقف نبضاتها، شعرت برائحته حولها، ظلت تدور حول نفسها تبحث عنه، ولكنه غير موجود..حدثت نفسها
-معقول دا هوس، بس إزاي انا متأكدة اني شوفته…استمعت لرنين هاتفها سقط الهاتف فجأة عندما ارتجف كفيها من الخوف..أجابت حمزة
-أيوة يا حمزة..قالتها بتقطع ..أجابها
-درة مخرجتيش لعمر ليه، مستنيكي برة..ظلت تلتفت حولها فاجبته
-حا.ضر أنا خارجة كان فيه زحمة
صمت للحظة واردف
-مالك يا درة فيه حاجة..؟!..هزت رأسها بالنفي
-مفيش حاجة حبيبي انا خارجة أهو
بقصر البنداري وخاصة بفيلا جلال البنداري..جلست عايدة وهي تفرك يديها تنظر لإبنتها
-يا رب نور ينجح يا فرح، من وقت ما نورسين قالتلي انه اتنازل لـ ليلى هتجنن، لازم نتخلص منها
توقفت، ثم أمسكت هاتفها تحادث أحدهما
-راكان فين دلوقتي..اجابها الشخص:
-داخل كافيه دلوقتي على النيل..ابتسمت وهي تطالع ابنتها:
حلو اوي إعمل زي ما فهمتك..والصور ابعتها على الرقم اللي عندك
-تمام يا فندم..جلست وهي تهز ساقيها بعنف تنتظر اتصال نور ولكنه لم يتصل، قامت بالاتصال عليه
-نور ايه الاخبار..أجابها بابتسامة
-متخافيش يا خالتو الراجل دخل بيت ليلى، وكمان راكان موجود في مكان بعيد، واحنا سيطرنا على الأمن، كله هيكون تمام وخلال دقايق الشركة هتكون بتاعتك..
ابتسمت مردفة:
-برافو يا نور، مخيبتش ظني، بس متستهونش براكان، اوعى أي حاجة تحصل تبوظ تخطيطنا
توقفت فرح تعقد ذراعيها
-ماما معرفش ليه مُصرة إننا ننطرد من القصر، تعرفي لو نور فشل أقل حاجة هتتعمل فينا ايه؟
صرخت عايدة بوجهها
-اخرسي مش عايزة اسمع كلامك، ماهو إنت اللي غبية معرفتيش تقنعي راكان إنه يكتب عليكي، وضاع كل حاجة، قشطت بالولد اللي معاها، لا وكمان كانت حامل من كبير العيلة، لولا اتدخلت في الوقت المناسب كان زمانها طردتنا كلنا واتربعت على عرش البنداري، أنا اللي قتلت الولد سمعتيني
هبطت سارة تجر حقيبتها خلفها ..استدارت عايدة إليها ترمقها
-انتِ رايحة فين؟!
تحركت حتى توقفت امام والدتها
-طالعة من البيت دا، أاول ارجع نفسي اللي ضيعتوها، وحضرتك شايفة بعد مرض جدو، كل حاجة ضاعت ومبقاش ليا نفس اقعد في البيت دا سيلين طلعت احسن مننا كلنا والله برافو عليها
جرت حقيبتها اوقفتها عايدة تصرخ بها
-مفيش خروج، عايزة تعملي زي سيلين وتهاجري، هدبحك، انا مش زينب متساهلة اسيبك تسافري وتعيشي لوحدك
استدارت تنظر لوالدتها متهكمة
– بلاش تقارني يا ماما، علشان للأسف هتطلعي خسرانه، انتِ مش متساهلة للأسف انتِ طماعة ومش بتفكري في حاجة غير الانتقام بس ياترى بتنتقمي من طنط زينب علشان الورث فعلا ولا علشان خطفت منك الدكتور الحليوة اللي كنتِ متراهنة عليه
صفعة قوية نزلت على وجنتيها
-اخرسي يا غبية، جذبتها من خصلاتها، ودلوقتي مفيش خروج من البيت دا، هتفضلي هنا لحد ما تموتي بحسرتك وانتِ شايفة يونس بيتجوز سيلين، اوعي تصدقي مسرحيته انه مسحها من حياته وكلامه الأهبل قدام الكل دا، دا راجل مجروح مش أكتر، وبكرة يهدى ويجيبها غصب عنها، متفكريش لما تعملي كدا هيجري عليكي
عند ليلى ترجلت من سيارتها متوجهه لحارسها
-مفيش داعي تفضل حارسني كدا، روح قول للي مشغلك ليلى مش محتاجة حماية من حد ..قالتها وتحركت للداخل، أمسك هاتفه قائلا
-راكان باشا المدام وصلت البيت، وشكلها متعصب، وفيه حاجة لاحظتها معرفش عندك علم ولا لا
اجابه راكان بعدما توقف معتذرا من حسن صديقه:
-ايه اللي حصل..نظر الرجل حوله يطالع الجميع بنظرات ثاقبة وتحدث
-حضرتك غيرت شركة الأمن، فيه وجوه جديدة واقفة..تجمد بوقوفه، ونظراته تتحرك بكل الأرجاء، حتى أصاب هدفه قائلا
-ادخل عند ليلى يا بهاء، شكيت في حاجة ابعتلي وانا في الطريق، وهتصل بجاسر، تحرك متجها لصديقه وامال يهمس له
-انا متراقب، متبصش وراك، قوم خلينا نتمشى شوية..تحرك حسن بجواره بهدوء
-سلاحي مش معايا يا جدع، شكلنا هنموت من غير سلاح..كان في وقت لا يسمح له بالمزاح
-حسن انا همشي كدا وانت تابع لحد المدخل عشان نمسكه، مراتي فيه حد وصلها، تمام انا عقلي واقف حاول تستوعب الموقف
أومأ برأسه موافقًا :
-تمام متخافش، انت مكلمتش بهاء..تحرك راكان وامسك هاتفه حتى يبحث في المراقبة، ولكن قاطعه اتصال جاسر
-راكان ..انت متراقب، متبصش وراك، ومدام ليلى فيه راجل عندها من فترة تقريبا فيه حد عرف يسيطر على الوضع
سقط قلبه بين أضلعه وأظلمت عيناه بالغضب قائلا
-جاسر أنا عارف اني متراقب المهم توصل لـ ليلى بسرعة لو انت قريب، وأنا هتصرف واعرف مين الكلب دا
-راكان خلي بالك من نفسك هو مشير مسدسه عليك..توقف فجأة وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعقله يصور له سيناريو حزين، اوصل لـ ليلى بسرعة يا جاسر، وخلي بالك من أمير، قالها بعدما وجد بعض الملثمين يحاصرون المنزل، من خلال كاميرا المراقبة
نيران الذنب تحرق احشاؤه من الخوف عليها، ووقوعها لقمة سائغة في أيدي أعدائه..دلف لأحد الأماكن حتى يستطع الإمساك بأحد الأشخاص..وبالفعل تحرك الرجل خلفه، ولم يجد نفسه سوى انه جاثيا على الأرض، بعدما ركله راكان، ممسكًا سلاحه الذي دفعه بعيدًا عنه
-انت مين يلاَ، ومين زقك عليا..ابتسم الرجل بسخرية وهو ينظر إلى حسن الذي وصل اليهما -طليقتك اللي قالتلي اقتلك، لأنك خانقها..سحب السلاح وكاد أن يقتله لو توقف حسن أمامه
-قوات الشرطة في الطريق..سيبه هم هيعرفوا يتعاملوا معاه
عند ليلى دلفت وإذا بها ترى أحدهما يضع السلاح أمامها ثم وضع كفيه على فمها
-صوتك لو طلع هنقتل جوزك، ومش بس كدا ابنك اللذيذ دا هنموته، حتى شوفي المشهد دا يمكن توديعه..نظرت بشاشة هاتفه وجدته جالسًا مع احد أصدقائه والسلاح مصوبًا على صدره..شهقت وكأن أحدهما هوى فوق قلبها بمطرقة، وهي تراه أمامها، اغروقت عيناها بالعبرات
-انتو مين وعايزين ايه..دفعها بقوة حتى هوت على المقعد بجوار المربية وهي تضم أمير الذي يبكي بصوته المرتفع ..ماما، ماما
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تطالع ذاك الرجل الذي يشبه الخارجين عن القانون
-انت مين وعايز ايه..اقترب يضع أمامها بعض الأوراق
-امضي هنا ومالكيش دعوة انا مين..وإلا هنموته ونموتكوا
أمسكت الورق بأيدي مرتعشة وكأنها فقدت النطق ..وجدت تنازل عن حضانة ابنها بأحد الأوراق، والورقة الأخرى تنازل عن جميع أملاكها بيع وشراء باسم أحد الأشخاص..ضيقت عيناها تنظر للأسم بإستغراب..
نهضت متجهة إليه
-انت مين وليه الورق دا، اتنازل عن حضانة ابني لمين ان شاءالله انت شكلك مجنون
دفعته بقوة وصرخت
-اوعى تفكرني هخاف من مسدسك دا، لا تبقى غبي، اتنازل عن ابني يعني اتنازل عن روحي، ويلا اقتلني ..ورغم قوتها الواهية التي رسمتها أمامه إلا أن قلبها يدق كالطبول من الخوف ..استمع الرجل لحركة خلفه وما هي إلا ثواني حتى انقض عليه بهاء من الخلف..ولكن كان يوجد أحد الأشخاص الأخرين، معه الذي رأى بهاء يتسلل من أحد أركان المنزل..
-ارمي مسدسك لافرتك نفوخك .. قالها أحد المجرمين إلى بهاء ..نظر بهاء إلى ليلى على هاتفها ففهمت ماذا يعني..تحركت بهدوء تجلس على المقعد وهي تتحدث لألهائه
-تمام همضي على الورق، وعلى غفلة فتحت هاتفها باليد وهي تنظر إليه
-اعرف بس انتوا تبع مين وبعدين إنت بتقول هتموتني، يعني مفيش خوف مني..ضغطت على رقمه..كان يصارع الموت وهو يسرع بأقصى سرعة حتى يصل إليها، استمع لهاتفه فتحه سريعا عندما وجد صورتها تنير هاتفه
-ليلى.قالها بقلبا منتفض.ولكنه استمع لأحد الأشخاص
-متتكلميش كتير، دنى منها وخطف الولد وأشار بسلاحه عليه وصرخ بها
-امضي يا بت يا إما نقتله..ارتعشت يديها وهي تهز رأسها
-طيب سيبه وانا همضي حاضر، عايزني اتنازل عن امير، وكمان الشركة، حاضر هتنازل بس سيب الولد ..لحظات وجسدها يرتجف من بكاء ابنها وهي ترمق هاتفها بجوارها وترى مكالمتها وصلت إليه.. نهضت حتى تأخذ الولد لأهدار بعض الوقت ولكنه صفعها بقوة على وجهها
-ابعدي يا بت اياكِ تلمسيه، هوت على الأرض
وهي تصرخ بإسم زوجها، وما هي الا دقائق واقتحم جاسر المنزل..تراجع الرجل وهو يحمل الطفل وليلى تتحرك تجاهه وتصرخ، قابله راكان على الباب الخارجي
-سيب الولد هموتك..نظر الرجل حوله بخوف، ينظر للرجل معه
-خليهم يبعدوا عني، وصلت ليلى إليه وهي تقترب منه
ابني..قالتها ليلى وهي تتحرك خلفه..صرخ راكان بها
-ليلى ابعدي، هزت رأسها رافضة
-ابني..اتجه الرجل بنظره إليها
-عايزاه تعالي معايا، وأنا هديهولك..أشار راكان بالنفي ..اياكِ تتحركي من مكانك، أشار لجاسر للتحرك ، وزع الرجل نظراته وهو يتراجع وصوت أمير يرتفع بالمكان حتى شل حركة راكان، وهو يرى اندفاع ليلى اتجاه الرجل وهي تصرخ عندما وجدته يصل لتلك السيارة التي تنتظره بالخارج
-لا ابني، ابني..تحركت وهي تبكي وتنادي على طفلها..اطلق جاسر رصاصته التي استقرت برأسه مباشرة حتى وقع صريعا..تحركت السيارة التي تنتظره سريعا ..فاسرع راكان إليه حتى يتناول أمير الذي سقط على الأرض بسقوط الرجل
❈-❈-❈
حمله يضمه لأحضانه، في حين توقفت ليلى وهي تنظر اليهما وتبكي حتى فقدت حركتها وحديثها فجثت على ركبتيها وشهقاتها ترتفع كلما تخيلت فقدان ابنها، ضمه راكان يهدئه
تحرك جاسر خلف السيارة التي هربت مع الشخص الأخر..بينما اتجه راكان إليها سريعا بعدما وجدها بتلك الحالة..
جلس بمستواها يضم أمير بأحد ذراعيه، وبالذراع الأخر يضمها لأحضانه
-اهدي، كل حاجة تمام، اهدي توقف وأوقفها يضمها بقوة لأحضانه مناديًا على المربية
-داليا خدي الولد..لكنها التقطته تضمه بقوة وتبكي تستنشق رائحته
-خلاص يا حبيبي بطل عياط، الوحش مشي
أخذ راكان الولد يمسح على وجهه
-حبيبي روح مع انطي داليا..هز رأسه بالنفي وهو يبكي
-ماما ..عايز ماما..حملته ليلى ودلفت للداخل بساقين مرتعشة، لا تعلم كيف وصلت لغرفة ابنها والقت نفسها على فراشه تضمه بقوة وتبكي
وقف بالخارج مع بهاء
-فين الناس اللي قولت عليهم..وزع نظراته على المكان
-شكلهم انسحبوا بعد ما جاسر اقتحم المكان
اومأ برأسه شوفوا الكاميرات الخارجية واتحرك مع جاسر، قالها ودلف للداخل يبحث بعينيه عليها، استمع لصوت بكائها..تحرك للداخل وجدها تحتضن ابنها وتبكي
جلس بجوارها يجذبها لأحضانه
-هتفضلي تعيطي كدا، خوفتي الولد..جذب منها أمير يجلسه على ساقيه يداعبه بأنفه
-وحشتني يا ميرو، كدا تطلع قاسي ومتجيش تزور بابا ولا مرة، يعني نسيت بابا معنتش بتسأل عليه..قالها وهو يرمقها بنظرات جانبية
هنا فاقت من حالتها ورفعت رأسها، ونظرت إليه والكبرياء يعتلي كل ذرة بوجهها
-اللي يبيعنا يا أمير نبيعه..قالتها ونهضت متجهة إلى غرفتها
صك على أسنانه من الغيظ من عجرفتها، ورغم ذلك فقد اشتاق إليها كثيرا، لمعت عيناه عندما تخيلها بين أحضانه، فنهض وهو يضع لأمير ألعابه، مناديًا على داليا
-خلي بالك منه، حاولي تلهيه عشان ينسى اللي حصل اجابته بابتسامة
-متخفش حضرتك..اتجه لمعذبة قلبه، طرق على باب غرفتها ثم فتحه بهدوء يبحث عنها وجدها تخرج من غرفة ملابسها، عقدت ذراعيها قائلة:
-رجعنا نقتحم الأوض ونقول بيتي، ومش بيتي و..قطعت حديثها عندما استمعت لهمسه
-دا بيتك حبيبي مش هتطفل عليكِ بس عايز اطمن وهمشي على طول
استدارت تواليه ظهرها بعدما فقدت سيطرتها بهمسه بتلك الطريقة
-إحنا كويسين مش ناقصنا حاجة، ممكن تمشي دلوقتي، لو مفيش حاجة تانية
اقترب منها قائلا
-ليلى..استدارت تضع كفيها أمام وجهه
-ليلى ماتت من يوم ما دبحتها وهجرتها، اللي قدامك دي بقايا انثى، لو سمحت بلاش نتعب بعض، ويا ريت تعرفني مين اللي اقتحم بيتي وعايز ياخد ابني، أنا مش هامنني الفلوس ..قالتها متجها لمرحاضها قائلة
-إبفل الباب وراك
بعد اسبوع آخربمزرعة نوح ..جلس بجوارها صامتا يطالعها بهدوء، لبعض الوقت حتى قطعه
-هتفضلي مخصماني كدا، دا حتى حرام على فكرة..نهضت تجمع الصحون قائلة :
-إحنا اتفقنا على كل حاجة بلاش تخليني اسيبلك البيت يا دكتور، قولت شهر واطلقك، ودلوقتي عدى أكتر من شهر
جذب مفرش طاولة الطعام يجذبه بعنف، حتى تبعثر الطعام بالمكان وصرخ بوجهها
-مفيش طلاق ووريني أخرك يا أسما..قالها وتحرك للخارج
جلست ترفع حاجبها بسخرية
-استنى عليا يا نوح لو مش علمتك إزاي تقدر تسيب حقي مبقاش انا أسما الكومي يا نوح يا ابن الكومي..توقفت فجأة
-هو فين حمايا العزيز مختفي ليه؟! ربنا يستر ميكنش هو والحربابة بيحضروا لمصيبة
بمكتب يحيى الكومي دلف أحد الأشخاص، جلس امامه وتحدث
-عملت تحليل DNA وزي ما حضرتك شكيت الولد مش ابن نوح ..صاعقة نزلت على رأسه حتى شعر بدوران الأرض حوله، وانسحابها من تحت أقدامه، فتحدث بتقطع
-يعني ايه؟! يعني بنت الكلب بتستغفلني
بمكتب راكان يتحدث بهاتفه
-موصلتش لحاجة خالص..اجابه جاسر وهو يفرك جبينه
-للأسف لا، لو أمجد مش محبوس كنا قولنا هو
رفض راكان حديثه
-لا أمجد مالوش دخل بكدا، دا واحد قريب عايز الشركة..صمت وأكمل
– عندي شك في شخصين، يا بنت النمساوي، يا إما عايدة هانم
مط جاسر شفتيه
-نشوف الاتنين متقلقش..دلف يونس اليه، وألقى نفسه على المقعد وثقوب الألم تجتاح كيانه ..اغلق هاتفه متجهًا إليه
-مالك يا يونس..أطبق على جفنيه متألما
-تعبان اوي يا راكان..حاسس اني مش عايش..ربت راكان على كتفه
-ومين سمعك معلش فترة وهتعدي ونرجع نهلس تاني متخافش..فتح عيناه نصف فتحة ينظر إليه
-بتتريق ياحضرة المستشار
ضرب كفيه ببعضهما
-قولي اعملك ايه، هي اللي عملت مش انا
تنهد بوجعًا ينظر إليه
-صدقني مش هرحمها لما ترجع، مش بيقول من الحب ما قتل
سحب نفسا وزفره قائلا
-ولا هتقدر تعمل حاجة، متفكرش كتير المهم عايزين نوجب مع حمزة حنته بعد أسبوع
رفع حاجبه بسخرية
-ليك نفس توجب، البعيد معندوش قلب ولا دم..لكزه راكان
-لا دي مفيهاش كلام. ..انسى وجعك عايزين نفرح حمزة، يعني انا هدوس على نفسي بعربية ليمون واضطر اقعد مع نوح البارد
أطلق يونس ضحكات مرتفعة عندما تذكر خناقاته مع نوح..فاقترب يغمز بعينبه
-الولد نوح دا نمس والله العظيم، نفسي أعرف قالك ايه خلاك زي التور كدا
تحرك للخارج . أمشي يا بغل من قدامي، بدل ما اقلب عليك…
بعد عدة أيام وهو اليوم المقرر لحفل حناء درة وحمزة..اتجهت ببعض الأشياء الخاصة بأختها لتضعها بمنزلها …أما عنده استمع لرنين هاتفه امسكه :
-راكان ليلى راحت عندي البيت زي ما أنا خططت أي خدمة، بس إياك تدنس البيت يلا،
زفر يمسح على وجهه بغضب قائلا
-احترم نفسك يا متخلف..وبعدين انا مطلبتش منك حاجة، تروح ولا تيجي ميهمنيش
قهقه حمزة مردفًا
-يعني مش هتموت وتشوفها بعد ما سابت كاميراتك، وراحت بيت أبوها، وكمان مفيش خروج من البيت…ابتسم راكان عندما تذكر آخر لقاء بينهما بعد عدة أيام من اقتحام منزلها
دلفت إلى قصر البنداري…إحنا جينا يانَانَا ..خرجت زينب تفتح ذراعيها
-قلب نَانَا يا حبيبي..اسرع أمير إلى زينب، كانت تبحث عنه بعينيها، رأتها زينب ولكن تجاهلت نظراتها وحدثت أمير
-بابا قاعد مع خطيبته جوا..شوية ويطلع يلعب مع أمير.. لم تشعر بنفسها وهي تتحرك تقتحم الغرفة بعدما شعرت بنيران الغيرة تأكل صدرها كالنيران التي تأكل سنابل القمح..دفعت الباب..وجدت نورسين تجلس أمامه على سطح المكتب وتتلاعب بزر قميصه..دفعت الباب ودلفت للداخل
-اووه آسفة شكلي جيت في وقت غلط..معلش يا أنسة نورسين هاخد حبيبك شوية عايزاه ضروري
كتم ضحكة بداخله وهو يرى نيران تخرج من نظراتها، حبس أنفاسه داخل صدره ضاغطا على كل عصب بجسده مانعا رغبته في ضمها وتذوق شهدها الذي حرم منه
توقفت نورسين وهي تزفر، ثم طبعت قبلة بجوار شفتيه..نزلت على قلبها كالنيران التي تأكل أحشائها ..روحي وبكرة نتقابل ونكمل كلامنا ..قالها راكان الذي يطالع ليلى بهدوء
-تمام يا حبيبي..قالتها وتحركت أمام ليلى بخيلاء ترمقها بنظرات احتقارية..نهض يضع كفيه بجيب بنطاله
-خير يا مدام ليلى..اقتربت ترمقه بنظرات نارية
-هتفضل لحد إمتى كدا
ضيق عيناه متسائلا
-كدا إزاي مش فاهم كلامك
سحبت نفسا ودفعته مرة واحدة
-انسى يا أستاذ، أنا هنزل بكرة عند بابا فرح درة بعد أقل من شهر، أكيدةحضرتك عارف، هسيب أمير الأسبوع دا مع ماما زينب، وممكن يبقى تبعته مع حد تاني لو تعبها
اقترب يضغط على ذراعها بقوة ونظرات لو تحرق لأحرقتها
-تروحي فين، عشان الحقير آسر كل شوية ينط عند أبوكي
دفعته بقوة ترفع سبابتها وتحدثت بغضب
-ملكش دعوة بحياتي، أظن من شوية كنت في حضن واحدة تانية، مالكش دعوة بحياتي سمعت ولا لا، أنا مجرد أم أمير، متنساش دا كلامك..قالتها وتحركت سريعا من أمامه
اطاح كل ماقابله على المكتب يصرخ بها
-طيب خليه يقربلك وانا اقتلك..استمعت لكلماته وتحطيمه للأشياء، فابتسمت بغرور وتحركت للخارج
خرج من شروده على حديث حمزة الذي لم يستمع للكثير منه، ولكن أفاقه حديثه عندما قال
عارف انها لسة مراتك، بس بحب ألعب بأعصابك..سلام يا راكي باشا
❈-❈-❈
بعد قليل دلفت ليلى إلى منزل اختها، وضعت بعض ثيابها التي احضرتها، وانهت بعض الأشياء..دلفت لمرحاضها وقامت باغتسال وجهها بالماء البارد بعدما شعرت بالدوران وألمًا بمعدتها.. وضعت كفيها على أحشائها مبتسمة
-هتطلع شقي زي بابا، لسة في الأول وبتعمل فيا كدا..أغمضت عيناها وهي تشعر بنسمة هواء محملة برائحته..استدارت تنظر للوراء وجدته خلفها كالحُلم ابتسمت لا تعلم أتحلم أم أنه حقا خلفها ..أخرجها من شرودها عندما همس بجوار اذنها:
-وحشتيني لدرجة الموت..احتضن وجهها يضع جبينه فوق خاصتها يسحب نفسًا مختلطًا بأنفاسها
-مش قادر، جيتلك رافع الراية البيضة وبقولك مش قادر أعيش من غيرك
رفعت كفيها تحتضن وجهه حتى تتأكد من وجوده بذاك الوقت وذاك المكان الذي لا يربطهما..همست له
-را..كان، أنا مش بحلم مش كدا، قالتها وعبراتها كزخات المطر تغسل وجنتيها
-تعالي نروح بيتنا، البغل بيقولي إياك تدنس بيتي..توقفت تتذكر ما صار منذ لحظات
-هاجي معاك ازاي، مينفعش
حملها يضمها لصدره حتى يشبع روحه المفقودة
-ينفع ومليون،
– نزلني يا راكان، ملبستش حجابي
انزلها بهدوء وهرول يجذب حجابها يضعها بعشوائية على رأسها ثم اتجه بها لسيارته سريعا
وصل إلى منزله، ترجلت من السيارة واتجهت معه لداخل المنزل الذي زينه وأصبح منتظرا عروسه، رفعت نظرها إليه
-انت اللي عملت كدا..
-نفسي أعملك فرح أوي، وإن شاء الله ناوي اعملك أحسن فرح همست له عندي خبر هيجننك..ثم أمسكت كفيه تضعها على أحشائها
-حبيبي هيجيلنا بيبي، شبه باباه
حامل ..اردف بها بقلبًا مرتعش وعيونًا لامعة بالعبرات، أصابته قشعريرة تختلج كيانه وتملكته عاطفة قوية وهو ينتظر ردها بشق الأنفس عله أخطأ بسماعه
أومأت رأسها وعبراتها تنزرف بغزارة على وجنتيها، وانفرجت شفتيها بإبتسامة..ثم حاوطته تضم نفسها بأحضانه
-هتكون أجمل بابي في الدنيا كلها..
ارتجفت أوصاله جميعا من كلماتها، فأخرجها يحتضن وجنتيها وتلاقت أعينهما يتعانق فيها نبض كليهما فهمس لها
– مش بحلم مش كدا..رفعت كفيها واحتضنت وجهه
-“آسفة، حقيقي آسفة على كل حاجة”
جذبها لأحضانه يشد على عظامها بذراعيه يعتصرها وقلبه يقفز بين ضلوعه..
-أنا اللي آسف على كل كلمة وجع وجعتك بيها
لكمته بصدره بقوة قائلة
-لا يا حبيبي لسة هحاسبك على اللي شوفته في المكتب متخافش..اطلق ضحكات مرتفعة وهو يحملها متجها بها للأعلى، ولكنه توقف عندما استمع إلى أحدهما يصرخ به، استدار لمصدر الصوت وجده بهاء، لحظات واستمع لطلقات نارية تحاوط المنزل بالكامل ..ارتجفت أوصاله وهو ينظر لزوجته التي وضعت كفيها على أذنها تصرخ عندما اخترقت رصاصة النافذة الزجاجية
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.