رواية عازف بنيران قلبي – الفصل الثالث والثلاثون
البارت الثالث والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
كان بعدك…
كنزع الروح عن الجسد….
وقساوتك كقلب من حجر…
وكأنه انتقام من اشد عدو….
كان كل شي فيه…
مؤلم وجمر…
يتبعه ثورة لهب…
فياهذا لاتترك قلبي ينصهر
أجابها بعينًا عاشق حد الجنون
طويتكي في قلبى فاطمئني٠٠
ولاتخشي مفاجأة الدواهي٠٠٠
جريتي مع العروق وصرتي مني٠٠٠
وذوبنا في الهوي حد التناهي٠٠٠
أكاد أبوح باسمكي غير أني اغار عليكى من همس الشفاه٠٠٠
❈-❈-❈
قبل شهر، خاصةً يوم حفل زِفاف حمزة ودرة؛
أنهى نوح عمليته واتجه إلى مكتبه بالمشفى الخاصة به، وهو يُدوّن بعض المعلومات المتعلقة بـالمريض، قاطع اندماجه بـعمله رنين هاتفه؛ زفر بـاختناق وأجاب على الهاتف:
-نعم!!!
على الجانب الآخر أجابه والد راندا:
-محتاجين نقعد مع بعض يادكتور..
سحب نفسًا ثم زفره قائلًا بــهدوء:
-حضرتك مفيش بينا حاجة نتكلم فيها؛! بنتك طلقتها وبعت ورقة طلاقها، وحقوقها بـالكامل وصلتها..
نهض المدعو راجح البحيري وهو يتحدث بـ.فظاظة غليظة مغلفة بـالتهديد:
-مفيش طلاق والبنت حامل، ايه يادكتور مش عارف أمور دينك؟!!
رجع نوح بجسده وهو يمسح على وجهه قائلًا بـ.رزانة:
-حضرتك شكل الباشمهندسة مش معرفاك إننا اتطلقنا من قبل ما أعرف بالحمل!، ورغم كدا خليتها في بيت بابا واتعاملت أحسن معاملة لحد الولادة..
صرخ راجح قائلًا:
-مش بنتي الل تطلق من جوزها في أول شهور جوازها!! لا وبعدها تكون حامل يادكتور، أنا مكنتش أعرف بـ.موضوع الطلاق دا، ودلوقتي هـترجعها لـعصمتك لحد ماأنا الل اقولك هتطلقها إمتى!!!
-بنتك طلقتها بـالتلاتة يا راجح باشا، مش عايز أسمع كلمة تاني، قالها ثم أغلق هاتفه يلقيه على مكتبه بـ.غضب:
-غلطة وهـفضل اتحاسب عليها طول عمري، ازاي نزلت للمستوى الزفت دا؟!!!
بـمدينة لوس أنجلوس..
سحبهما أحد الرجال وتحدث بـ.لكنتِه الانجليزية:
-سيدي؛ لقد أحضرت لك الفتيات.. استدار ينفث تبغه وهو يشير بـيديه للخروج، ثم اتجه لـ.شاشته ينظر لتلك التي تصرخ بأحد رجاله:
-سأمزقك بـ.أسناني أيها الغبي، أغرب عن وجهي، تراجع بجسده وظل يراقبها بـصمت قائلًا لـنفسه :
-أبله وأحمق أيها الرجل!! منذ متى وتقف بـوجهك أنثى تتدلى عليك مثل تلك الشرقية التي تتفعم بطاقتها الحيوية؟!!
نفث تبغه، ونظراته ثابتة عليها لم تتوانى عنها لحظة، دقائق يُراقبها بـنظراته الثاقبة..
بالغرفة كانت تجول ذهابًا وإيابًا، وتحطم مايقابلها..
-كفى حبيبتي اهدئي، الآن سنعرف من الذي فعل ذلك؛ جذبت خصلاتها الشقراء بـ.عنف :
-كيف لي أن أهدأ وذاك الجبان مختبأ؟؟ ولا نعلم لماذا نحن هنا؟
نظرت حولها فوجدت بعض الكاميرات توضع بالغرفة، أشارت بـسبابتها :
-من أنت أيها الغبي الجبان؟ ولما نحن هنا؟!
عند راكان وليلى
جلس بـجوارها يمسد على خصلاتها استمع لصوتها بين النوم واليقظة؛
-“بحبك” ابتسم وكأنها لأول مرة تنطقها، شعور مفعم بالعشق، استند يدمغ جبينها بـقبلة مطولة هامسًا بـجوار أذنها :
-“وأنا بعشقك يامولاتي”، مسح على وجنتيها يتذكر ما مر به منذ أن رآها لليوم، ثلاثة أعوام أُنهك قلبه المعذب بـعشقها النادر، وهجرها كـ.هجر النجوم للسماء بـليل الشتاء، وضع رأسه ومازال يملس على وجنتيها بــ.عيونٍ سعيدة همس لـنفسه قبلها :
-أوعد نفسي وقلبي قبلك إن حياتنا الجاية تكون هادية وسعيدة، هـحاول بـكل جهدي نعوض أيام الحزن والوجع الل دفعنا فاتورتها غالية اوي، أطبق جفنيه يسحب عطر أنفاسها، ودّ لو فتحت ليلها لــ.يُقر قلبه الملتاع بـقربها، أيقظه من أحلامه رنين هاتفه، أمسكه متجهًا للخارج بعدما دثرها جيدًا :
-ايوه يازفت متصل ليه؟!
ولكنه صمت عندما استمع لشهقات أسما :
-فيه ناس ضربوا نوح وهو في المستشفى حالته خطيرة، حالته خطيرة..قالتها بـصوتٍ باكٍ متقطع، حتى سقط الهاتف من يديه هامسًا:
“نوح”..
شُل جسده وكأنه لم يعلم كيف يكون السير، وتاهت نظراته بـالمكان كأنه شخص غريب يعيش بــصحراء قاحلة، فُقد بها كل شئ..دقائق مرت عليه كـالدهر، حتى ثنى جسده وعقله يرسم أشياء خطيرة، أمسك هاتفه بـأصابع مرتعشة، وقلبٍ ينتفض خوفًا :
-يونس ..قالها بـتقطع وأنفاسٍ سُحبت من رئتيه هامسًا :
-نو..ح..ن..و..ح، فين يا..يو.نس..
على الجانب الآخر كان يقود السيارة بـسرعة جنونية يتحدث:
-أنا كنت عنده وحصل مشكلة مع سيلين، لازم أسافر حالًا إنت خلي بالك من نوح لازم أقفل دلوقتي..
جحظت عيناه من حديثه الصادم، حاول الاتصال به، ولكنه أغلق هاتفه،
اتجه للخارج استقل سيارته متجهًا للمشفى سريعًا، وصل خلال دقائق معدودة، ترجل من سيارته ودلف للداخل، وجد أسما تقف أمام غرفة العمليات وبـجوارها كريم أخو ليلى:
-ايه ال حصل، ومين ضربه ؟؟
ابتلع كريم غصة مريرة وأجابه :
-منعرفش، هو بقاله نص ساعة جوا..
اتجه لـمدير المستشفى ليعرف أخر الأخبار التي وصلت إليه!!
عند يونس؛ قبل صعوده للطائرة قام الاتصال بـوالده:
-بابا أنا هركب الطيارة،ساعات وأكون عندك في أمريكا، قابلني في السفارة المصرية بعد ما أوصل هناك
أجابه خالد قائلًا:
-أنا مع السفير دلوقتي يايونس، وعملنا بلاغ وبندور يابني متقلقش…
أغلق هاتفه بعدما تحدث:
-تمام يابابا، حاول توصل لحاجة، مش هقولك حالتي إزاي؟!
بعد فترة وصل راكان إلى منزله، صعد للأعلى ،اتجه بـنظره لـغرفة زوجته، فـ.خطى للداخل بـ.خطوات متعثرة وكأنه يسير على نيرانٍ تحرقه دون رحمة، دلف للداخل بـهدوء وجدها تتقلب بـ.فراشها، شعرت به فابتسمت له
-ماتيجي تنام بدل ماأنت مراقبني كدا!!، صدقني لو قادرة أقوم أقعد معاك كنت قومت..قالتها وهي تغمض عيناها بين النوم واليقظة
توقف ينظر إليها بـهدوء، لا يعلم كيف يُخبرها بـماحدث، اتجه إليها وقام بـحملها دون حديث:
فتحت عيناها تضع رأسها بـ.حنايا عنقه:
-راكان صدقني مش قادرة خالص، معرفش عايزة أنام على طول بـطريقة غبية !!
اتجه للخارج دون حديث، ثم وضعها بالسيارة، هنا توسعت عيناها وهي تنظر حولها باستفهام:
-إحنا رايحين فين حبيبي؟.
استقل السيارة بـجوارها وجذبها لأحضانه :
-هنروح القصر، المكان هنا مبقاش آمان، بس مش عايز حد يعرف بـحملك حتى ماما نفسها، توقف عن الحديث متسائلًا:
-عرّفتي حد بالحمل؟؟..
هزت رأسها بالنفي :
-إزاي هـعرفهم قبل ماأقولك ياحبيبي! طبع قبلة على جبينها، ثم قام بتشغيل المحرك، محاولا السيطرة على آلامه وحزنه :
-حافظي على علاقتنا قدامهم، مش عايز حد يشك إننا رجعنا لبعض، الدنيا كلها فوق دماغي، فـ.لو سمحتي حبيبتي بلاش إنتِ كمان..
قالها وملامح الحزن تكسو وجهه، متنهدًا بألمٍ والخوف على صديق عمره يشق صدره..
كان يقود السيارة بـصمتٍ استغربته ليلى، أدارت وجهه مالك ياراكان ايه الل حصل وبعدين مش المفروض نروح عند بابا ليه هـنروح على القصر؟!!
سحب نفسًا، قاطعه رنين هاتفه أجابه سريعًا:
-ايه وصلت لـحاجة؟؟
أجابه الرجل :
-ماوصلناش لحاجة يافندم، بس والله هي رفضت..
جز على أسنانه صارخًا به:
-حسابكم معايا بعدين، هز رأسه وهو يضغط بكفيه على المقود:
-روح السفارة بلغهم لحد مااشوف هعرف أجيلكم امتى، قالها وأغلق هاتفه دون حديث آخر…
ارتفعت دقاتها بخوفٍ وهي ترى تبدل حالاته، فأردفت بتقطع:
-را..كان فيه إيه؟!
اتجه بـأنظاره إليها وحاول التحدث بـهدوء، رغم حزنه الكامن :
-سيلين اتخطفت، معرفش مين ال خطفها، ونوح فيه حد ضاربه وفي المستشفى بين الحيا والموت..
شهقة خرجت من فمها وهي تصرخ:
-يالهوي إمتى حصل دا كله؟؟..
أطبق على جفنيه محاولًا السيطرة حتى لا يفقد اتزانه أمامها ويخوفها، فهو يشعر بأن هناك حجر ثقيل يطبق على صدره، جذبها وهو يوزع نظراته بين الطريق وبينها :
-حبيبي لازم نتماسك قدام ماما، أكيد حمزة هيأجل الفرح، ماهو مش معقول نوح يكون حالته خطيرة، وهو يكمل فرحه!! المشكلة تليفونه مقفول مش عارف أوصله، أنا هوديكي القصر بس خلي بالك مش عايز ماما وبابا يعرفوا حاجة وخاصة بابا قلبه مش هيتحمل، آخر مرة الدكتور قالي حالته في النازل يعني ممكن لا قدر الله يموت فيها..
رفعت كفيها على وجهه وترقرق الدمع بـ.عينيها :
-متقلقش، كله هـيكون تمام، أهم حاجة عندي أنك تكون بـخير، بعدها كله هـيكون كويس..
طبع قبلة مطولة على كفيها :
-ربنا يخليكِ ليا ياروح قلبي، حافظي على نفسك عشان البيبي، ومش هـقولك أكتر من ال قولته أهم حاجة تحافظي على هدوئك لو حاولت عايدة أو نورسين يضايقكوا، مش هقولك إنتِ عايشة في بيت جوزك دلوقتي، إنتِ عايشة في بيت ابنك فهماني ياليلى
أومأت بـ.رأسها ونظرت للخارج وهي تضغط على ثيابها، زفر مختنقًا عندما شعر بها فـتحدث :
-ليلى نورسين عندها معلومات مهمة، هي مش عندها هي، عند باباها، عايز أعرف مين ال قتل سليم؟ أو بمعنى أصح مين بيحاول يقتلني؟، وآخر محاولة خطف أمير وتهديدك، مين دول مش عارف أوصل لـحاجة، عقلي عاجز وخصوصا بعد حالة جدي المتأخرة؛ أدار وجهها إليه :
-مش عايز أضعف بيكِ، عايزك تكوني قوتي، أهم حاجة خافي على ولادنا، ممنوع حد يعرف ارتباطنا حتى في الشركة، أنا دلوقتي بقيت أشك في الكل، إنهم يوصلوا لـ.سيلين دا كسرني في وقت حادثة نوح، دول محترفين فاهمة حبيبتي..
وضعت رأسها في أحضانه :
-راكان أنا بحبك أوي، وبـموت لما نورسين دي تقرب منك، بحس احساس بشع، انسدلت دمعاتها حتى شعر بها راكان؛ توقف بـ.جانب الطريق ثم أخرجها من أحضانه:
-آسف حبيبتي، بس وعد هـحاول على أد ماأقدر مخلهاش تقرب..
تقابلت نظراتهما الولهة لبعض اللحظات متناسيًا مايدور حوله وحالة الحزن التي سيطرت على كليهما، ومن فراق سيدوم لبعض الوقت، بدأت تسحب أنفاسها بصعوبة تضع رأسها بـأحضانه، وهو يقوم بتشغيل محرك السيارة دون حديث فـكفى وجودها ورائحتها التي تملأ روحه وحياته بل جلبت السعادة بأكملها..
وصل بعد قليل إلى القصر، أخرجها من أحضانه مبتسمًا :
-نمتي ولا إيه؟!..وجد آثار الدموع بـعيناها، مسحها بـأنامله:
– مش عايز الدموع دي تاني، عايز ليلى القوية ال شوفتها أول مرة وخطفت قلبي وخلتني قديس لها..
ابتسمت من بين دموعها واستدارت :
-خايفة على نوح اوي، وكمان زمان أسما منهارة..
هز رأسه وأجابها:
-ان شاءالله يقوم بالسلامة، فترة وهتعدي زي غيرها، قالها وهو ينظر للبعيد..
ربتت على كفيه وتحدثت :
طيب جاهز ياحضرة التنين عشان المسرحية ال هنعملها دلوقتي؟!!..
أسبل عيونه وأشار لها بـالنزول..
تحركت بـ.ساقين مرتعشة تخطو بـجواره وهي تحتضن جسدها بـذراعيها وهي تهمس :
-بابا هيزعل مني على فكرة، وممكن يقطعني..
ارتدى نظارته قائلًا:
-عامل حسابي، ادخلي عند ماما ولو سألتك اخترعي أي حاجة، مش هـتغلبي ماأنا شرير الرواية!
-اسكت عشان مضحكش، قالتها وهي تخطو للداخل، أمسك ذراعها ونظر لـ.مقلتيها :
-مش هتروحي لأسما؟
أشارت لـ.ثيابها :
-هروح بـالترنج وبـشعري ال حضرتك جبتني بيهم؟!!!..
وصلت زينب بعدما استمعت لـحديثهما:
-ليلى ايه ال جابك؟!
سحبت ذراعها وهي تتجه بـنظرها إليها
-ابن حضرتك ال جابني غصب، وشوفتي جايبني إزاي؟!!!..
تحرك للأعلى وهو يردف:
-اجهزي بـسرعة لحد ما أغير، هـنزل لو لقيتك مش جاهزة هـمشي..
كانت تراقب تحركه بابتسامة باهتة ورغم بهتانها، إلا أن عيونها العاشقة له فضحتها أمام زينب، فـ.جذبتها زينب لأحضانها تربت على ظهرها:
-والله هو كمان بيحبك وبيموت فيكِ، ومعرفش ليه عايز يتجوز نورسين، يمكن زي ماقالي إنك بتضعفيه!..
شهقات مرتفعة عندما فقدت السيطرة على نفسها :
-مش قادرة ياماما، مش قادرة حاسة إني بـموت وبـتخنق وأنا بشوفه ملك لغيري، بحاول أدوس على قلبي بس بضعف ومبقدرش، ابنك أخد كل قوتي بقيت ليلى الضعيفة الهشة..
أخرجتها من أحضانها تحتضن وجهها وتتعمق بـنظراتها :
-تعرفي ياليلى لو واحدة غيري سمعت منك كدا كان ممكن تكرهك اوي، انسدلت دموع زينب رُغمًا عنها قائلة :
– إنتِ كنتِ مرات ابني وحبيبته، وبقيتي ملك لواحد غيره وشوفت حبك له في عيونك عمري ماشوفتهم لابني، بس مقدرش مفرحش بـكدا، عشان الاتنين ولادي، عجزت يابنتي إني أفرح لـ.راكان ال الدنيا مش رحماه من هو صغير وبين حزني ووجع قلبي على فقيدي ال ماشفش الدنيا وكان كل أمنيته انه يكون أسرة ويعيش حياة هادية وبس…
أزالت ليلى دموعها قائلة بنبرة متقطعة:
-سليم كان غالي عندي ياماما، وأيامه عمري ما هـعوضها، دا أول راجل في حياتي..
لكمتها زينب بـهدوء مردفة:
-بس راكان حبيبك مش كدا؟؟،
وضعت رأسها بـأحضانها وأكملت :
-بس مش لما كنت متجوزة سليم صدقيني، أنا حبيته بعد ماقربت منه ودلوقتي بتمنى لو يرجع بيا الزمن عشان محبوش ويوجعني كدا..
مسدت على خصلاتها:
-متزعليش، أنا هشدلك عليه، وانتِ كمان متبقيش غبية كدا، شغلي عقلك شوية واستخدمي حيلك الأنثوية
خرجت من أحضانها تمسح دموعها بـكفيها :
-هروح أجهز عشان ميطلعش زعابيبه عليا..
قطبت زينب مابين حاجبيها متسائلة:
-فين أمير؟! وازاي جابك كدا من عند باباكي؟ هو مش المفروض الفرح النهاردة!!
-ايه ياماما دي كلها أسئلة..قالها راكان الذي وصل ينظر إلى ليلى
-لسة واقفة، أنا لازم أروح المستشفى وحضرتك بـتدلعي، خلاص أنا هـمشي ويبقى تعالي براحتك..
أسرعت إلى الدرج:
-لا هـلبس بـسرعة اهو، متمشيش
جلس وأمسك هاتفه يحاول الوصول إلى حمزة :
-انت فين ياحمزة..كان حمزة يخرج من مرحاضه وهو يقوم بتجفيف خصلاته
-ايه مستعجل عشان توجب مع العريس؟
سحب راكان نفسًا يزفره على عدة دفعات قائلًا بـحزن:
-نوح في المستشفى، قابلني على هناك، حالته خطيرة، أنا اتكلمت مع مدير المستشفى هو لسة في العمليات، ربنا يستر..
ترنح جسده للخلف، وهو يتسائل بحزن:
-بتقول ايه، إزاي دا حصل، ومين ال عمل كدا؟!
نهض راكان وهو يبتعد عن والدته التي جلست تستمع إليه بقلبٍ منتفض..
-حمزة الغي الفرح، كلم الأستاذ عاصم فهمه الوضع، مش وقت فرح دلوقتي، أنا هسافر أمريكا بالليل، ومفيش غيرك هتكون مع نوح، قابلني على هناك عشان نعرف هنعمل ايه..
نزلت ليلى متجهة إليه :
-راكان أنا خلصت..
توقفت والدته تنظر بـعمق لـعيناه:
-انتوا مخبين ايه عليا؟ وفين امير؟ إزاي تجيب ليلى وتسيب امير؟! وليه نوح في المستشفى؟
وصل أسعد وهو يستمع لحديثهما:
-عرفت ال حصل لـنوح ياراكان؟!
جذب ليلى من كفيها، وأجاب والده:
-عرفت يابابا، ورايح دلوقتي أشوف ايه اللي حصل، تحرك بعض الخطوات، ثم توقف متسائلًا :
-جدي مفيش أي جديد في حالته؟! مسح أسعد الذي جلس متنهدًا:
-للأسف مفيش، كنت عايزك تخلي سيلين تنزل، يمكن لما يشوفها قريبة منه يكون أحسن يابني..
استدار راكان بـكامل جسده، ينظر إلى والده ونار أشعلت صدره :
-ودا في حكم مين ان شاء الله؟!!! ضغطت ليلى على كفيه عندما وجدت الغضب يتحكم فيه فـهمست:
-راكان لو سمحت اتأخرنا..
نظر أسعد إلى كفيهما المتشابكتين، فـتحدث متهكمًا :
-هو انت رجعت مراتك تاني حتى من غير ماترجعلنا، يعني وقت ماتحب تطلق تطلق، ووقت ماتحب تتجوز تتجوز، طيب نورسين ال عمال تلف العالم كله تشتري فستان فرح، انت ناوي تتجوز الاتنين ؟!!!
سحبت ليلى كفها سريعًا واختلج صدرها شعورا متألمًا جعل قلبها يتقاذف بـدقات عنيفة، ويتمزق ماتبقى في رئتيها من أنفاس مبعثرة، رفعت نظرها إليه، ثم اتجهت إلى أسعد والدمع يترقرق كـطبقة كرستالية زينت عيناها السوداء فـتحدثت بـصوتٍ متألم :
-إحنا مرجعناش لبعض، بس كالعادة ابن حضرتك المتجبر جابني هنا غصب عني، بعد مافيه ناس معندهاش ضمير هجموا علينا وحاولوا يخطفوا أمير..
شهقة خرجت من جوف زينب تصرخ به :
-ابن اخوك فين ياحضرة المستشار؟! اتجهت لليلى تهزها بـعنف :
-فين ابنك؟! إزاي تسبيهم ياخدوه؟!! ربتت ليلى وحاولت تهدئتها فـجذبها راكان من رسغها متحركًا:
– ماما الكلام دا من فترة، أمير مع جدته، هـبعتهولك مع بهاء ممنوع تفارقيه وداليا عينك عليها، ماما كفاية عليا كوين ليلى، مش يبقى انتِ وهي،
تحرك سريعًا وهي تتحرك بـجواره، فـخطواته السريعة جعلتها تتعثر بـخطواتها :
-اهدى ياحضرة المستشار، هتوقعني. توقف فجأة حتى اصطدمت بصدره، فتأوهت :
-آه، يخربيت كدا..
حاوط خصرها بـذراعيه عندما اختل توازنها قائلًا من بين أسنانها:
-غباء متواصل مولاتي، أنا معرفش بـتكلم في ايه! ناقص آخدك بالحضن عشان الكل يشوفنا بنموت في بعض؛
امشي ياليلى بدل مااديلك قلمين على وشك يمكن تتعدلي!
دفعته بـقوة مشيرة بـسبابتها صارخة به:
-احترم نفسك، أنا هنا حرة أعمل ال عايزاه، ومتفكرش إنك بــ.تِلوِي دراعي.. ضيق عيناه مستغربًا هجومها، فتح فاه للحديث ولكن أوقفته فريال:
-مالك ياراكان؟! رجعت ليلى ليه كنا مرتاحين من خناقات توم وجيري!!
دفعته بـقوة متجهةً إلى فريال كـ.القطة الشرسة :
-مش ذنبي إن العيلة بتاعتكم دي عيلة مقرفة، عيلة عايزة جهنم وبئس المصير، وأولهم حضرة المستشار!!
مسح على وجهه كاد أن يشحذ جلده:
-وحياة ربنا هـموتك، مين دول ال عايزين جهنم وبئس المصير؟! ياسلام عليك بـتفكريني بالخنساء!!
ضربت فريال على كفيها :
-وحياة ربنا البت جننت الراجل، بس يستاهل، بالهنا والشفا يازينب..
استمعت لـصوت السيارة التي تحركت للخارج، فتوقفت متسائلة :
-ودي بتعمل ايه هنا النهاردة يوم فرح اختها؟!! لا فيه حاجة غلط..
استدارت إلى عايدة التي وصلت إليها:
-ليلى رجعت ولا ايه يافريال؟!..
استدارت إليها تهز كتفها :
-ولا أعرف حاجة، بس البت دي لسانها بينقط شهد، والله فرحانة في راكان..
نظرت إليها :
-إنتِ خارجة ولا إيه؟!!.
اومأت بـرأسها تتحرك أمامها بــ.خيلاء وعنجهية:
-ايوه رايحة بيت أختي، عايزة أتغدى معاها النهاردة؛ قالتها وتحركت لسيارتها.
وقفت فريال تعقُد ذراعيها :
-ياترى ناوية على إيه يا عايدة؟! ياخوفي منك، قالتها وتحركت متجهة لمنزل أسعد..
بـالمشفى وخاصة أمام غرفة العمليات
كانت تبكي بـجسدٍ مرتجف وتستجدي حضنًا يحميها من ظلمة فراقه المميتة، فـ.حديث الأطباء لا يبشر بالخير، استمعت إلى فتح باب الغرفة وخروج الممرضة سريعًا، توقفت أمامها تحادثها بـصوتها المبحوح من كثرة بكائها:
-لو سمحتِ طمنيني، هو ليه محدش بيتكلم؟؟؟
طالعتها الممرضة بـشفقة قائلة :
-ادعيله، لو سمحتِ لازم اجيب دم، محتاجين دم؛ قالتها وتحركت سريعًا، توقفت تنظر حولها كالتائه بـغياباتِ الجب، احتضنت جسدها ودموعها كالشلال تندفع بقوة..
توقفت تهاني والدة نوح :
-تعالي ياحبيبتي اقعدي الوقفة غلط عليكِ، استدارت تنظر إليها بـ.حدقتين متسعتين كـالذي فقدت صوابها :
-هو مات ومخبين عليا ولا إيه!!
شهقة خرجت من بين شفتي والدته وهي تهز رأسها :
-بعيد الشر عنه، ليه بتفولي عليه!!..
وصل راكان وهو يحاوط ليلى:
-ليلى حبيبتي متنسيش إنك حامل..
تركت ذراعه وأسرعت تُلقي نفسها بـأحضان خالتها :
-خالتو نوح عامل إيه؟؟..
ضمتها والدته وهي تشهق بـبكاء :
-محدش عارف حاجة، مفيش حد بيطمنا يابنتي..
اتجه راكان إلى يحيى الجالس بـصمتٍ وتنهيدة متألمة خرجت قائلًا:
-لسه مفيش جديد؟!..رفع رأسه قائلًا:
-عايز أعرف مين ال عمل في ابني كدا ياراكان؟؟ مش انت وكيل نيابة، شوف شغلك ياحضرة الوكيل!!
ابتلع غصة مسننة جرحت حلقه فخرج صوته مرتعشًا :
-يقوم بالسلامة الأول ووعد أجبلك ال عمل كدا وأعمل فيه زي ال عمله معاه، قالها بـصوتٍ فظٍ غليظ..
بينما اتجهت ليلى لأسما التي تسند رأسها على الجدار، وتزرف عبراتها بقوة تدعو من الله أن يقوم زوجها بكامل صحته..
-“اسما” همست بها ليلى بتقطع..
استدارت إليها تطالعها بـهدوء وظلت كما هي، ثم اتجهت بـنظرها إلى راكان؛ ورجعت تستند على باب الغرفة وهي تتحدث :
-نوح هيموت ويسبني صح؟؟! ولا هو مات اصلا وبيضحكوا عليا؟!!، هو فيه عملية تقعد الوقت دا كله!!!..
جذبتها ليلى لأحضانها وشعورًا بألمٍ قوي يفتت عظام كلتاهما مصحوبًا بضيق تنفس، اتجه راكان إليهما :
-مش عايز حد يعيط، هو جوا لسة في العمليات، ادعوله بدل المحزنة ال عاملنها دي، دي والدته معملتش ال بتعملوه!!
مسحت ليلى دموعها وسحبت أسما من كفيها المرتعش :
-تعالي حبيبتي لازم ترتاحي، وإن شاء الله هيخرج بالسلامة، قاطعهم خروج الطبيب، توقف راكان أمامه :
-ايه الأخبار يادكتور؟!!
اتجه الطبيب لـيحيى الصامت مردفًا:
-الضرب كان شديد، مش هـخبي عليك الوضع يادكتور يحيى، فيهم ضربة أثرت على عموده الفقري، وطبعًا حضرتك عارف النتيجة ممكن تكون ايه!!
صرخات وشهقات خرجت من الجميع حتى صرخ راكان بهم:
-مش عايز أسمع صوت، المهم انه عايش، وبعد كدا كله هيكون تمام، الحمدلله المهم يكون عايش،اتجه للطبيب :
-حياته في خطر ولا إيه؟ عايزين نعرف؛ وضع الطبيب يديه بجيب معطفه الطبي:
-طبعًا زي ماالدكتور يحيى كشف وعارف، كان فيه ضربة شديدة على الدماغ، ودي مش هنعرف نتيجتها إلا لما يفوق بالسلامة..
جثت أسما على الأرضية بعدما تلاشت قواها وجلست تنظر حولها بـ.ضياع تتمتم :
-كذب، بتضحكوا عليا، هو هيفوق ويقولي تعالي نربي ولادنا مع بعض..
كتمت ليلى شهقاتها الباكية بـشقِ الأنفس وهي ترى حالة أسما، رفعت نظرها لـ.راكان وضعت نفسها مكانها، انسدلت دموعها تغرق وجنتيها تحاول توقفها :
-أسما قومي معايا، نوح هيقوم بالسلامة..
آهة صارخة من جوف عاشقة وهي تصيح بـ.اسمه:
-هموت ياليلى لو حصله حاجة، أنا راضية بكل حاجة، راضية حتى لو خرج عاجز بس أهم حاجة يحاوطني بحبه وبدفء حنيته، مقدرش أعيش من غيره ..
وضعت كفيها على صدرها وهي تبكي بنحيب وتصرخ منادية الواحد القهار
-” يااااااارب” ..وقف راكان عاجزًا بعد تركه للطبيب بعدما سحبه من أمام الجميع متسائلا :
– متخبيش عني حاجة لو سمحت عن حالته..
نزل الطبيب بـنظره للأسفل بأسى:
-للأسف الكام ساعة دول صعبين، الضرب كله مميت في أماكن حساسة، سلامته إن شاءالله، قالها وتحرك، انحبس النفس بـصدره ونبضات قلبه التي ارتفعت بـشكل عنيف، حتى شعر بتجلط دمه..
وصل حمزة الذي وقف أمامه بقلبٍ منتفض :
-راكان نوح، نوح حصله حاجة؟ واقف كدا ليه؟؟
تراجع راكان بعض الخطوات يجلس على المقعد عندما شعر بتثاقل أنفاسه:
-حالته خطيرة ياحمزة، نوح لو حصله حاجة مش هـسامح نفسي أبدا..
استمع لصرخات ليلى على أسما التي تهاوى جسدها وسقطت مغشيا عليها، أسرع إليهما في حضور المسعف ونقلها لغرفة للمعاينة…
ألقت ليلى نفسها بـأحضانه تبكي وجسدها يرتجف، حاوطها بـذراعيه :
-ليلى اهدي، نوح هيقوم بالسلامة، تمتمت بـصوتها الهامس :
-راكان أنا بحبك اوي، بحبك أوي، ظلت تتمتم بها..
أطبق على جفنيه متألمًا من حالتها التي شعر بها، حاوطها متجهًا للمقعد ثم أجلسها يضمها لأحضانه :
-ليلى أنا كويس أهو قدامك، ممكن تبطلي عياط متنسيش إنك حامل، مكنتش عايز اجيبك معايا..
ارتفعت شهقاتها كلما تذكرت ماأصاب نوح وحالة أسما التي تدهورت فـتحدثت:
-قتلوه، كانوا عايزين يقتلوه، زي ماكانوا عايزين يقتلوك، صح هم مش هيبطلوا غير لما يقتلوك!!!!
وصلت والدتها ووالدها بـجوار درة التي أسرعت إلى ليلى :
-نوح حصله ايه ياليلى؟
رفع راكان نظره لحمزة؛ فـجذبها حمزة قائلًا:
-اهدي حبيبتي هو كويس، في العناية، توقف عاصم أمام يحيى :
-حمدلله على سلامته يايحيى..
أومأ يحيى برأسه ثم توقف متجهًا للعناية:
-ان شاءالله هيقوم بالسلامة، ابني هيقوم بالسلامة، قالها وهو يتحرك بـتثاقل، احتضن عاصم ذراعه ينظر لزوجته:
-شوفي أختك فين مش باينة؟!!..
تحركت تبحث عنها حتى وجدت ليلى المنهارة بـحضن زوجها فـاتجهت إليها:
-ليلى حبيبتي، جلست بـجوارها تُمسد على ظهرها تطالع راكان بـصمت ثم تسائلت:
-هو عامل ايه دلوقتي فيه أخبار عنه؟؟
نهض راكان وأجابها :
-لحد دلوقتي كويس، أمير بهاء أخده القصر؟؟
أومات برأسها :
-أيوه أخده، اتصلت بـليلى كتير مردتش..
أشار عليها قائلًا:
-خلي بالك منها، لازم أروح النيابة، وزي ماحضرتك شايفاها منهارة..
أمسكت كفيه تهز رأسها بـالرفض:
-متسبنيش!! لو سمحت ياراكان متسبنيش..
جلس بـجوارها يحتضن وجهها:
-حبيبي أنا جنبك أهو، مش هسيبك، هروح نص ساعة وارجع..
انسدلت عبراتها بـشهقات هامسة:
-هـيقتلوك زي نوح!!
-ليلى عايز أشوف شغلي، لازم أعرف مين اللي عمل كدا؟؟
احتضنت ذراعه وبكت بـصوتٍ مرتفع
-هـيقتلوك مش هـقدر ياراكان لو سمحت بلاش تروح لهم..
توسعت أعين سمية وهي تشير على ابنتها :
-هي مالها يابني؟ ومين ال عايز يقتلك؟
احتضن وجهها وقربها يطبع قبلة على جبينها :
-حبيبتي دا مجرد حادث مفيش قتل ولا حاجة، ممكن يكونوا حرامية، لازم أشوف شغلي..
ضمته بـقوة تهز رأسها رافضة مغادرته:
-لا، دول كانوا هـيقتولك، وسليم مات، مش هقدر أعيش لو بتحبني متسبنيش، أنا خايفة ترجعلي زي نوح..
سحب نفسًا ينظر لوالدتها التي تسائلت:
-راكان ايه اللي بيحصل يابني؟؟ طيب عرفت مسرحية الطلاق عشان تحميها، طيب من مين، ونوح ذنبه ايه؟!
توقف يجذب ليلى وأجابها:
-طنط سمية مش وقته، دلوقتي ليلى لازم ترتاح، هاخدها للدكتورة تعطيها مهدئ..
تحركت بـجواره تجُر أقدامها بـصعوبة:
-أنا خايفة عليك بس، أنا مش تعبانة..
حاوطها بـذراعيه بـقوة كاد أن يشق صدره و يُدخلها بين عظامه من حالتها التي وصلت إليه :
-تعالي نشوف البيبي مع بعض إيه رأيك، ونعرف هو ولد ولا بنت..
حاوطت خصره بـقوة:
-مش عايزة غيرك دلوقتي صدقني، بـتقول كدا عشان تسبني وتمشي..
رجفة عنيفة أصابت جسده وهزت كيانه من كلماتها، ماذا يحدث لها حتى تفعل ذلك؟ ضمها يهمس لها :
-مش هسيبك وعد، بس لازم اطمن على ابني مش من حقي؟!!
خرجت من أحضانه تومئ بـرأسها، وتحركت بـجواره حتى وصلت لـغرفة الطبيبة..
بعد قليل
تسطحت على الفراش المُعَد للكشف بـمساعدته، وقامت الطبيبة بـتشغيل جهازها، ووضعت السائل أسفل بطنها مع تحريكه ببطء تنظر بشاشتها مبتسمة:
-الجنين وضعه ممتاز وأحنا في نص التاني، كل حاجة مستقرة الحمد لله..
نظر للشاشة ولتلك النقطة التي يراها أمامه، تحجرت الدموع بـمقلتيه، رفعت ليلى نظرها له وضغطت على كفيه، عندما شعرت بـحالته، فـنزل بـأنظاره إليها؛ الآن ودّ لو يحطم عظامها بين ذراعيه، لقد اخترق عشقها الجارف قواعده وانهارت حصونه، فـنزل بـجبينه على خاصتها متجاهلًا وجود الطبيبة فــ.تعثرت الكلمات على شفتيه، أطبق على جفنيه وأنفاسه ثقلت بـ.صدره فلم يَعُد التحمل بــابتعادها عنه، ودّ لو يخوض معها الآن معركة من معارك عشقه الجارف، سكت هنيه؛ يستجمع رباطة جأشه، فـتحرر من صدرها نفسًا ناعمًا مبتسمة من ردة فعله التي كانت تتيقن منها :
-حبيبي أحنا طردنا الدكتورة، شكلنا بقى وحش، أخرج ضحكة خفيفة وقال ببحة رجولية عذبة :
-مستعد أطرد العالم كله عشان نظرة الحب والحنان ال بشوفها في عيون مولاتي، رفعت كفيها على وجهه :
-ربنا يخليك ليا، وتشوف ابنك ولا بنتك بخير..
أمسك كفيها يطبع قبلة عليه قائلًا:
-لازم تخافي على نفسك عشان أقدر أواجه، أنا من غيرك ولا حاجة!!
اومأت بـرأسها عندما تذكرت ما صار لـنوح، واعتدلت بعد مساعدته لها، متجهين إلى الطبيبة:
جلست الطبيبة تُدوّن لها بعض الأدوية، وهي بـمقاابلتها وهو يحاوط مقعدها فتسائل:
-مفيش قلق من وضع البيبي؟؟
ابتسمت الطبيبة:
-كله تمام بس المامي تهتم شوية بأكلها مع شوية الفيتامينات دي، طبعا الزعل والتوتر مش كويس لأي حامل..اتجه بنظره إلى ليلى وتحدث:
-قوليلها يادكتور، ولو ينفع مهدىء تاخده ياريت..
قاطعته ليلى وهي تمسد على بطنها
-لا أنا كويسة، خلاص مش هعيط تاني، صدقني مش عايزة حاجة تأثر على البيبي..
خرجا بعد نصائح الطبيبة، هـتقعدي مع ماما لحد ماارجع تمام..
-اومأت وهي تنظر للأرض:
-متتأخرش عليا..
أمال يطبع قبلة على جبينها هامسًا لها:
-باباكي عارف إني رديتك، بلاش نظرة الكسوف منه دي، أنا جوزك قدامهم كلهم، فـ.متقلقيش..
وضعت رأسها على صدره متسائلة:
-نوح هيبقى كويس مش كدا؟
مسّد على ظهرها محاولًا السيطرة حتى لا يَضعُف أمامها :
-إن شاءالله، وهـعرف مين عمل فيه كدا؛ سحبها متجهًا للخارج..
عند درة وحمزة
كان يجول الردهة ذهابًا وإيابًا حتى توقف أمام الزجاج ينظر إليه وهو متسطح لا حول له ولا قوة، ظل يطالعه لـبعض الدقائق ودموعه محتجزة بـمقلتيه، يتذكر تلك السنوات التي عاشوا معها سويا، كم مرت عليهم لحظات سعيدة وأخرى حزينة!! وضع رأسه على النافذة، وآهة حارقة اندلعت بـجوفه أردات أن تصل إليه حتى يشعر بــ.كم الآلام التي تسكن روحه بما صار له..
وصل راكان إليه ثم ضمّه من أكتافه قائلًا:
-هـيعيش ياحمزة، وهـناخد حقه، وحياة وجع قلبي عليه لأحصرهم على حياتهم، دا مش وقت ضعف أبدا، لازم نتكاتف مع بعض؛ رفع حمزة نظراته الحزينة:
-تفتكر مين الل ورا ال حصله دا، وانت عارف إنهم مستحيل يقربوا منه عشان ابوه؟!!
كور قبضته بـ.عنف حتى ابيضت:
-ماهو دا ال مجنني، مين ال عمل في نوح كدا، عقلي عاجز عن التفكير، المهم أنا لازم أسافر أمريكا، يونس مجنون وممكن عصبيته تضيعه..
ربت حمزة على كتفه :
-متقلقش أنا هنا سداد، المهم نطمن على سيلين، بس مين ال ممكن يعمل كدا؟! وليه بعتولك فيديو اختطافها؟
نظر للبعيد غارقًا بتفكيره بـعقل محصور، حتى شعر بـتوقف عقله فأردف:
-هـعرف، بس لازم أزور توفيق باشا، جه وقت المواجهة..
أمسكه حمزة من مرفقيه:
-راكان بلاش تهور، جدك ممكن يموت وتكون السبب ويشيلوك ذنب موته..
أنزل ذراع حمزة:
-ما أنا شايل سبب ال هو فيه!! رغم الحال معكوس ياأخي، دا حتى أمي شيلتني ذنب موت سليم، وضرب سيلين وعارف لو عرفت بـخطف سيلين هـتقولي انت السبب، تفتكر ممكن الواحد يقول كلام موجوع في عز حزنه؟؟ ولا هي بتفكر فيا كدا؟ حتى خلتني ابدأ أعيد حسابي إنها بتعاملني كــ.ابن ضرتها من وقت ما عرفت إن أنا وليلى بنحب بعض حستها اتغيرت، خايف أفوق على كابوس منها..
جحظت أعين حمزة رافضًا حديثه:
-لا متخليش شيطانك يتحكم فيك يابني.
هز رأسه وتحرك قائلًا:
-هـشوف هـعمل ايه وأرد عليك..
مرّ يومين والحال على ما هو عليه، يونس الذي سافر ولم يعلم شيئا عن سيلين، ونوح مازال غارقًا بـ.غيبوبته بعدما توقف قلبه لعدة مرات حتى شيع خبر موته، مما أدى إلى انهيار أسما وتنوميها بعقاقير طبية، وتأجل سفر راكان بعد تدهور حالته حتى شعر بـعجزٍ كامل يعصِفُ به، فـأحس كأنه طائر مقصوص الأجنحة مربط الأرجل، ومحبوس بـداخل قفص، فــفقد كل ما يُشعِره بـالحياة، ولكن تواصله مع يونس والسفارة التي أكدت بـأنها لم تُخطف من قِبل مجرمين جعله يظل بـجوار نوح يومًا آخر..
يومًا آخر والوقت يمر ثقيلًا عليه، وهو يبحث بـكل ما يخُص نوح وما حدث له حتى وصل لـ.مكالمة هاتفية بينه وبين والد طليقته أثارت ريبته، فـتحرك يبحث بناءً عليها، بعدما تم نقل يحيى للعناية بسبب سكتة قلبية..
أتت ليلى بـبعض الشطائر وجلست بـجواره:
– راكان مأكلتش حاجة من امبارح حاول تاكل حاجة؛ عشان تقدر تقف على رجلك!!
هز رأسه رافضًا الطعام بعدما أشعل سيجاره :
-ماليش نفس صدقيني، أنا هروح أشوف الدكتور يمكن يطمنا، لازم أسافر، أختي هناك معرفش عنها حاجة، قاطعه رنين هاتفه بـرقم خارجي؛ ضيّق عيناه وأجاب :
-ايوه..
على الطرف الآخر
-مستر راكان البنداري، أهلا بك، اعتذر لك عن طريقتي في الوصول إليك، ولكن ظننت أنك ستصل قريبًا ولكنك تأخرت كثيرًا، لكن علمتُ أنك مشغولًا بـصديقٍ لك، فهل صديقك أهم من حياة أختك؟!! أو ابنة عمك كما تقولون بـالمصري!!
شعر بـ.دورانٍ يضربُ رأسه فــ.هوىٰ على مقعده يسحب أنفاسًا حينما شعر بــ.انسحاب الأكسجين من حوله فـتحدث بـصوتٍ جعله متزنًا بعض الشئ:
-مين معايا؟؟؟!!
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.