رواية طوفان الدرة الفصل الرابع والأربعون 44 – بقلم سعاد سلامة

رواية طوفان الدرة – الفصل الرابع والأربعون 44

بعد مرور يومين
فى عتمة الظلام،أمام ذلك الهنجر القديم…كان موعد
لقاء الشياطين على ضوء الهواتف المحمولة
جلس وليد على جذع أحد الأشجار المقطوع ينظر بإستهزاء وتقليل من قوة ابتهاج قائلًا بضحكة استفزاز:
خير… طلبتي نتقابل، رغم لغاية دلوقتي منفذتيش أي شيء من سبق اتفقنا عليه.

شعرت بالإستفزاز من نبرة وليد الواضحة، ليس فقط إستفزاز كذالك غضب لكن لو لم تحتاج الى ذلك الوضيع لكانت أقل شيء قتلته وبصقت على جثته، تحكمت فى ذلك وإبتلعت ريقها قائلة:
إنت عارف ان طوفان بدل الحراسة وزودها كمان بالأخص على مراته و…

قاطعها وليد بعُنف:
الوضيعة مرات طوفان، متفرقش معايا قد ما يفرق معايا البنت التانية اللى قولتلك عليها، هي الأهم عندي وبعدها، أصفي حسابي مع طوفان على رواق، كانت غلطة منك ظهورك قدامه، خلاه خد حذره وزود الحراسة،…

توقف للحظه ثم عن قصد تفوه بنبرة ذم مباشرة:
مش عارف كان فين عقلك لما وقفتي تتباهي قدام طوفان إنك مرات أبويا وكشفتي نفسك له، إيه خوفتي أبويا يموت وينسوكِ فى الميراث ولا كان فى دماغك هدف تاني، أهو بدل ما كان مأمن زود الحراسة وأكيد مراقبك عالنفس ومش بعيد يكون واحد من رجالته متعقبك دلوقتي.

نظرت له بسخط قائلة:
بلاش طريقتك دي فى الحديت معايا،أنا بسهولة أنقض الاتفاق اللى بينا وأكمل هدفي لوحدي…لكن إنت محتاج لى والدليل كدبة رجلك المكسورة اللى واضح إنها خدعة بس فاتت على رؤسائك فى الجيش حتى كمان الدكتور صدق كدبك…بص يا وليد أنا عارفة بعمل إيه،وظهوري قدام طوفان مقصود وعارفة إنه أكيد زارع مراقبة عليا،بس متأكدة إن مفيش حد متعقبني مستحيل،عارف ليه…

توقفت للحظات تنظر لملامح وليد المُتهكمة،ثم ت شفتيها ببسمة
أكملت ببرود وهي تميل قليلاً للأمام، بصوت منخفض لكن مليء بالتحدي:
أنا اللي زارعة المراقبة يا وليد… أنا اللي محددة خطواتي بنفسي من الأول للآخر، وعارفة كل واحد فيكم بيتحرك إزاي وفين. أنت فاكرني لعبة سهلة لا يا وليد… أنا اللي ماسكة الخيوط مش إنت… ولو حبيت أقطع الخيط اللي بينا هعمل كده في ثانية… فاهم.

ارتبك وليد لوهلة، اختفت السخرية عن وجهه لتحل محلها نظرة حذرة، كأن كلامها أصابه في مقتل… أما هي فاعتدلت في جلستها، وأشاحت بوجهها عنه وهي تهمس لنفسها بابتسامة منتصرة:
اللي بيلعب بالنار لازم يكون مستعد يتحرق بها.

ارتسمت على وجه وليد نصف ابتسامة، تلك التي يجيد بها إخفاء ارتباكه كلما شعر أن خصمه كسب الجولة… ألقى بجسده إلى الخلف قليلًا شبك ذراعيه على صدره ونظر لها بنظرة طويلة قبل أن يقول بنبرة هادئة لكنها محملة بالتهديد:
واضح إنك فاهمة اللعبة صح يا مرات أبويا… بس المشكلة مش في فهم اللعبة، المشكلة إن اللي حواليكِ بيلعبوا بقواعد غير القواعد اللي حطتيها لنفسك…
اللي زيك ما بيخافش، بس برضه ما يعرفش كل حاجة. وأنا على فكرة ما كدبتش في رجلي… أنا فعلاً رجلي مكسورة، بس مش باللي إنتِ متخيلاها.

نهض واقفًا وإنحني يقترب منها فجأة، كأنه يريد أن يكسر المسافة بينهما، حتى شعرت بحرارة أنفاسه وهو يهمس عند أذنها:
الكسرة اللي عندي مش في العظم… في القلب، وفي الضهر اللي انطعن من ناس كانوا محسوبين عليا.

ثم استقام و ابتعد خطوتين للخلف، وعاد ذلك اللمع في عينيه وهو يقول بابتسامة ساخرة:
بس صدقيني يا مرات ابويا مش هتقدري تكلمي خطوة واحدة لوحدك من غير ما أنا أكون في الصورة… حتى لو كنتِ فاكرة إنك ماسكة الخيوط.

رفعت رأسها بثبات، نظرت له نظرة متحدية وهي ترد بسخرية باردة:
يبقى استعد للعبة طويلة يا وليد… لأن اللي قدامك ما بيعرفش ينسحب ولا يعرف يخسر.

قبل أن تكتمل كلماتها، صدح فى المكان دوي مسموع
ارتجف الإثنين
كأن الأرض نفسها انشقت تحت أقدامهما… سمعا كأن صوت ارتطام زجاج من النوافذ، ،

شهقت هي وهي تتشبث بحافة الجذع بينما اندفع وليد الى داخل بغريزة المعرفة، ثواني حتى هدأ قلبها وذهبت خلف وليد الى الداخل، تتبين ما حدث، كم سخرت من ذلك الهلع الذي أصابها، حين رأت سقوط بعض المصابيح من السقف البالية وإفتعلت شرر متطاير مصحوب بصوت فرقعه أربكهما الإثنين…

توقفا ينظران لبعضهما ببُغض شديد لولا احتياجهم لبعض لقتلا بعض فى الحال، لكن كذالك هو تحالف الشياطين دائمًا على غِش بناءًا على المصلحة.
❈-❈-❈
صباحً بغرفة نوم طوفان… إستيقظت درة على همهات صغيرها، نهضت من الفراش، وتوجهت نحو مهد صغيرها إبتسمت حين وجدته مُستيقظ تيقنت أنه جائع، وضعت اللهايه بفمه ثم جذبت مئزر مُحتشم وإرتدته فوق منامتها وغادرت الغرفة لدقائق ثم عادت بزجاحة حليب لصغيرها حملته من مهده وجلست تُطعمه حتي شبع، نهضت وضعته بمهده الصغير توقفت لحظات
رمقت صغيرها ببسمة حنونة، ثم نظرت نحو الفراش تنهدت وهي تنظر نحو طوفان الغافي يبدوا الارهاق واضح على ملامحه،شعرت بوخز فى قلبها، بتلقائية ذهبت نحو الفراش، إنحنت قليلًا وكادت تمد يديها نحو طوفان لكن سُرعان ما شهقت وهي تلتقط انفاسها بعدما جذبها طوفان على غفلة منها أصبحب ممددة على الفراش وهو يطُل عليها بجسده

رغمً عنها إبتسمت شفتاها وهي تحاول التملص من قبضته، لكن يده كانت أسبق، استقرت على معصميها يثبتهما، وعيناه تحدقان بها بعمق … همست بصوت متقطع:
إنت صاحي من إمتى… وبعدين إبعد عني، إبنك صاحي.

ابتسم بخبث خافت، وصوته خرج أجشًا:
صاحي من أول ما قومتي من حضني وخرجتي ورجعتي، وبعدين إبني حتى لو صاحي فهو رايق فى سريره… يبقي إنتِ من حقي دلوقتي.

ازدادت وجنتاها ابتسامًا، قلبها يصرخ بعشقه .. حاولت دفعه بدلال، لكنه ازداد قربًا، حتى صار يفصل بين أنفاسهما نفسٌ واحد
أغمضت عينيها للحظة، تائهة بين رغبتها في المقاومة وبين انجذابها الذي لم تستطع إنكاره… تنهدت بخفوت
ابتسم وهو يمرر أصابعه برفق على وجنتيها ثم إستقر على شفتيها قائلّا بعشق:
بحبك يا درتي العنيدة.

إبتسمت بدلال… رفعت يديها حول عُنقه لكن لم تتحدث حين هبط بشفتيه يضم شفتيها بقبلات ناعمة تزداد شغفّ
كلماته وقبلاته حاصرت قلبها، فاستسلمت لفيضانه العذب الرقيق… أسند جبينه فوق جبينها، تنفّس منها كأنه يلتقط روحه من أنفاسها… ترك شفتيه تنزلق إلى عنقها في قبلات دافئة، تركت جسدها يذوب في حضنه….
بعد قليل هدأت أنفاسهم الصاخبة، رفعت رأسها عن صدره نظرت له بإستفسار سائلة:
مش هتقولى بقي إيه اللى مضايقك و..

قاطعها بتبرير كاذب:
مفيش حاجه مضيقاني و..

قاطعته بتأكيد:
طب والحراسة اللى زادت حوالين البيت، وعليا و…

قاطعها بتبرير كاذب لا يود إثارة قلقها:
عادي، نفس الحراسة، بس عشان إتغيرت متهيألك إنها بقت أكتر كمان…

قاطعته بإصرار بعدما لم يُرضيها تبريره:
طوفان…

قاطعهما الإثنين صوت بكاء صغيرها، الذي أنقذ طوفان وفرصه ليتهرب من الرد عليها… رغم إصرارها لكن نهضت من جواره وذهبت نحو مهد نوح وحملته بنفس اللحظة كي يتهرب نهض طوفان هو الآخر قائلًا:
هروح أخد دوش عندي ميعاد فى المصنع مع جلال وبعدها هروح لـخالي المستشفي.

اومات درة وإنشعلت مع صغيرها، بعد قليل على طاولة الفطور
لم يقتات سوا القليل، يتهرب من نظرات كل من وجدان و جود ودرة
نهض قائلًا:
عندي شغل مهم لازم أخلصه، أشوفكم المسا.

تهرب ولم ينتظر.. بينما نظرن الثلاث لبعضهن ولم يتحدثن… كل منهن فى قلبها قلق واضح تحاول إخفاؤه.

❈-❈-❈
قبل الظهر بقليل
بمنزل كوثر
دق جرس المنزل،ذهبت سجى لفتح الباب…بمجرد أن فتحت الباب إندهشت وتوقفت مثل الصنم…
تبسمت لها كاريمان قائلة بعتاب رقيق مرح :
صباح الخير يا سجي هتسبيني واقفه عالباب كده مش هتقوليلي إتفضلي يا طنط.

نفضت سجى الإندهاس وإرتبكت قائلة:
آسفه… إتفضلي يا طنط.

دلفت كريمان الى المنزل قائلة:
أنا جايه أزور الست كوثر، عارفه إني إتأخرت المفروض كنت أزورها من زمان، بس الظروف بقى.

إرتبكت سجي، لاحظت كريمان ذلك وأعطت لها العُذر فزيارتها حقًا غير متوقعه، وربما غير مُرحب بها لكنها أخذت قرار أن تبدأ هي بالوصل

بابتسامه باهتة تحدثت سجي!
أكيد يا طنط، ماما هتفرح بزيارتك.

أشارت بيدها لتدخل كريمان إلى الصالون، بينما قلبها يخفق بشدة وكأن شيئًا ما يُنبّهها أن تلك الزيارة لن تكون عابرة.
لمحت كوثر ذلك صدفة كانت تخرج ببطء من غرفتها، تضع شالًا رقيقًا فوق كتفيها، عيناها اتسعتن بدهشة أكبر من دهشة ابنتها وتفوهت بإندهاش
كريمان!

ذهبت نحو غرفة الضيوف ودلفت بحركة بطيئه قائلة بهدوء:
كريمان… إيه المفاجأة دي.

نهضت كريمان وإقتربت منها بخطوات هادئة، مدت يديها لتعانقها قائلة:
عارفة إني جاية بدون إذن سابق… آسفه لو كنت أزعجتك.

توترت كوثر وإستغربت ذلك لكن رحبت بها قائلة:
إحنا أهل… وده بيتك تجي فى أي وقت.

لم يكُن الاندهاش لـ كريمان وحدها التي توقعت فتور من كوثر، لكن سجي نفسها إندهشت من ذلك، لكن دخل الى قلبها شعور سعيد… حين مدت كريمان يدها بعبوة ورقية متوسطة قائلة:
ده عسل نحل من مزرعة باسل، عسل طبيعي وكمان شمع عسل نحل فيه شفي لما جابهم باسل قولت لازم أخد صندوق لـ كوثر.

نظرت كوثر لـ سجي وامات براسها مبتسمة تقول بوِد:
خدي الصندوق من طنط كريمان وديه المطبخ وهاتي لينا عصير الجو بدأ يحرر…طبق كيكه من اللى إنتِ عملاها.

ابتسمت سجي بسعادة وهي تأخذ الصندوق من كريمان، بينما أشارت كوثر لـ كريمان بالجلوس…
جلست كاريمان كذالك
كوثر التى تجمدت ملامحها للحظات، كأن الماضي كله اندفع أمامها فجأة، ثم حاولت أن نفض ذلك الحقد من قلبها، ايقنت ان كل شيء كان قدرًا، وهي تقبلت ذلك وإنتهي الحقد، فربما كان القدر ألطف معها، رزقها بزوج ربما ليس كما طمحت، لكن كان رؤوفًا عكس والدها الثري الذي كان يستخسر الدواء في والدتها، هو ينفق عليها بلا إنزعاج… كذالك ثلاث فتيات
يستابقن على خدمتها دون تذمُر،نسوا قسوتها وبدلوها الى محبة وإهتمام منهن لها.. تبسمت ماذا تود أكثر من ذلك،ربما مرضها لا علاج له لكن العلاج فى إهتمام من حولها بها…

بينما جلست كريمان على الأريكة، ظلت لحظات عيناها مثبتتين على كوثر بنظرة تحمل خليطًا من الوِد والأُلفة…كذالك عادت سجى وضعت صنيه صغيرة ثم بجوار والدتها، تشعر بارتباك يتصاعد مع كل ثانية صمت بينهما…

صمت قطعته كوثر حين رحبت بـ كريمان ثم سألتها بوِد:
واضح إن باسل مش بس واخد ملامح والده كمان هاوي نفس الهوايات.

أومات كريمان ببسمة رغم غصة قلبها ولمعة عينيها بالدموع قائلة:
باسل كان دايمًا مرافق لـ مختار،كمان نفس الدراسة فى آخر سنه فى الجامعة السنة دي.

ابتسمت كوثر قائلة بصدق:
ربنا يباركلك فيه ويفرح قلبك.

-آمين
قالتها كريمان
ليجرهم الحديث الى مواضيع دون حساب، رغم أنه لقاء أول مباشر بينهم لكن فتح الباب على مصراعيه لبداية صداقة قد تتحول بالمستقبل لارتواء قلوب.

❈-❈-❈
عقب الظهر
بمديرية الامن بـ المنيا
دلف طوفان الى إحد الغرف، صافح ذلك الشخص الذي رحب به وما هي الا لحظات وسمعا طرق على باب الغرفة ثم فتح الباب ودخول شخص آخر تنفس طوفان ثم زفر نفسه بضجر، نهض القائد يصافحه قائلًا:
وصلت فى ميعادة يا سيادة الظابط، إتفضلوا إقعد.

جلس بالمقابل لـ طوفان الذي رمقه بنظرة إشمئزاز مقصود منه…لم يُبالي حاتم،بينما نظر لهما القائد وأخرج ملف قائلًا:
قدامي تقرير الطب الشرعي،وفيه مفاجأة ليكم إنتم الإتنين،واضح جدًا إنها كانت نوايا مقصودة.

تسائل حاتم:
خير يا أفندم إيه اللى فى الملف ده.

أجابه القائد بتوضيح:
الرصاص اللى إتصاب به السيد طوفان أثناء الهجوم عليه قدام المقر بتاعه،للآسف التقرير مكتوب إن العيار طلع مطابق تمامًا لسلاحك يا حاتم، اللي كنت مبلغ إنه اتسرق.

ذُهل حاتم لحظة، قبل أن يتمالك نفسه ويرد بحزم:
مش معقول يا أفندم، السلاح ده مسروق ببلاغ رسمي من شهور، ومثبت بمحضر… يعني واضح جدًا إن في حد متعمد يورطني.

ذُهل طوفان هو الآخر قائلًا:
معني كده إن مقصود
في طرف ثالث بيحاول يزرع فتنة بينا ويستغل أي ثغرة.

وافق القائد على رأي طوفان قائلًا:
فعلًا ده واضح جدًا، من وقت سرقة سلاح حاتم وكان فى توقع إن السلاح ده يستخدم لهدف خاص…وطبعًا اللى اعرفه كان بينكم نسب تقريبًا فممكن يكون ده هدف السارق بعد ما إستخدم السلاح ضدك يا طوفان، طبعًا متوقع نشوب صراع شخصي، يمكن يكون انتقام متخفي ورا جريمة ظاهرها عادية.
عدل القائد جلسته ونظر في عيون طوفان بجدية:
الموضوع مش مجرد سرقة سلاح والسلام… دي خطة محبوكة، والمستهدف الأساسي واضح…
أنا محتاج منك تركز وتفتكر أي تفاصيل حتى لو بسيطة عن خلافات قديمة، خصومات، أو حتى تعاملات كانت مرتبطة بيك أو بيه.

تبادل طوفان وحاتم النظرات، ثم زفر طوفان قائلًا:
ـفيه حاجات كتير اتسابت ورا ضهرنا، وكنت فاكر إنها انتهت… بس يبان إن الماضي بيرجع بطريقة أقسى.

رد القائد بصرامة:
الماضي لما بيتساب من غير حسم بيرجع يطارد صاحبه… والمرة دي، واضح إن الهدف أكبر من مجرد أذى شخصي، دي ممكن تكون رسالة تهديد عامة.

تحرك حاتم بتوتر وهو يقول:
يعني نفهم إيه… إن اللي ورا السرقة دي بيخطط لضربة أكبر أكيد.

ابتسم القائد ابتسامة غامضة وهو يهز رأسه:
ـ دبالظبط… وأظن الدور الجاي مش هيكون سهل.

تحدث طوفان بحزم:
أنا مش هسيب الموضوع يمر كده… أياً كان اللي ورا السرقة دي، وأياً كان هدفه، لازم يتكشف… مش عشاني أنا بس، عشان مايبقاش فيه دم تاني يندفع تمن لعبتهم.

أومأ القائد برأسه موافقًا:
تمام يا طوفان… بس خلي بالك، اللي قدامنا مش عدو سهل، وبيتحرك بخطوات محسوبة جدًا… محتاجين نكون أذكى منه.

تدخل حاتم بقلق واضح وهو ينظر نحو طوفان سائلًا:
يعني هنتصرف إزاي دلوقتي… المفروض يكون فى حذر شديد، متأكد إن الشخص ده ممكن يكون كشف عن نفسه بدون ما يعرف.

تبادل طوفان معه النظر، للحظة كاد يتفوه بإستهزاء، لكن أومأ بتأييد… تبسم حاتم قائلًا:
كده يبقي ضروري نتكاتف.

نظر له طوفان وزفر نفسه بينما تفوه القائد بحسم:
دي قضيتك يا حضرة الظابط، رد سلاحك زي رد شرفك لازم تعرف مين اللى كان هدفه يزرع الشك فيك مش بس فيه فى شرف الشرطة،ان المفروض هي اللى بتحمي المواطنين…إنت اللى أنقذك من الإتهام هو وجودك فى عملية خاصة كمان إصابتك فيها…لازم تسترد شرفك كـ ظابط شرطة قبل ما تسترد سلاحك،وكمان يا سيد طوفان إنت عليك دور مساعدة،لان واضح الخصم قريب منك إنت كمان،كمان إنت كنت وكيل نيابة سابق يعني عارف القانون كويس،المفروض تتكاتف مع حاتم وتوصلوا لاتفاق وتضامن مع بعض بعيد عن أي خلافات شخصية.

أوما حاتم موافقًا ونهض يمد يده لمصافحة طوفان،نظر طوفان ليده الممدودة وتجاهلها عمدًا وتحدث مع القائد:
تمام هو ده المفروض فى الوقت ده.

غادر الإثتين الغرفة،سار حاتم جوار طوفان قائلًا:
فى كافية قدام المديرية ممكن نشرب فيه قهوة ونتكلم فيه عن تخمينات القضية.

اشعل طوفان سيجارة ونفث دخانها بغضب قائلًا:
تمام، ياريت نختصر.

بعد دقائق جلس الإثنين فى ذلك المقهي… ظلا الصمت لدقاىق حتى وضع النادل أمامهم أكواب القهوة وغادر تنحنح حاتم وهو ينظر لـ طوفان قائلًا:
جود….

سحق طوفان باقيا السيجارة التى كانت بيده بالمنفضة ونظر له بسحُق قائلًا:
قولت لك تنسي جود نهائي
وبلاش تخليني أقل من قيمتك في الكافية… مفيش بينا غير قصة سلاحك اللى اتسرق ما اهو لم مش مغفل مكنش اتسرق منك.

رغم ضيق حاتم من رد طوفان لكن غصبً تقبل ذلك، فـ جود قالتها له صريحة، لا رأي لها بقرار عودتهما القرار بيد طوفان، وهي لن تعترض… إذن فا عليه تحمُل غضب طوفان ربما يُبدد قراره القاطع.

❈-❈-❈
المشفي التي تعمل بها درة
كانت تتحدث مع والدتها عبر الهاتف، طلبت منها كريمان:
المسا هاتي نوح وتعالي إنتِ وطوفان إتعشوا عندنا.

ابتسمت درة قائلة:
حاسة فيه غرض خفي من العزومة دي، أكيد طبعًا نوح قلب ناناه…آه عشان الورد ينسقي العُليق.

ضحكت كريمان قائلة:
طبعًا، تعالي بقالنا فترة مقعدناش مع بعض.

تنهدت درة قائلة:
هشوف لو خلصت بدري هتصل على طوفان ونجي.

سألتها كريمان:
وإيه اللى هيأخرك… خلاص كلها ساعتين وتخلصي نبطشيتك فى المستشفي.

تنهدت درة بارهاق قائلة:
أخيرًا فى سمسار جاب لى مكان ينفع أعمل فيه مركز البصريات، لما اخلص شغلي هروح أشوفه، وياارب يكون مناسب، عشان أخلص من جزء مركز البصريات وأفوق بقي للماجستير… انا حاسة إنى هولد مرة تانية قبل ما أخده.

ضحكت كريمان قائلة بمزح:
ده مش احساس ده يقين.

ضحكت درة قائلة:
لاء… هتقوليلى زي طوفان بيقولي كده بس ده أمر مستبعد…

قطع حديث درة مع والدتها حين سمعت طرق على الغرفة… تبسمت لمن دخلت ثم تحدثت مع كريمان قائلة:
نكمل كلامنا بعدين يا ماما، جالي حالة محتاجة كشف هخلصها وأرجع أكلمك.

فجأة مع اغلاق درة للمكالمة إنتاب كريمان شعور غريب بالقلق، كذالك قلبها انقبض بلا سبب واضح…شيء ما توغل الى قلبها الذي فقد الهدوء.

بينما درة أغلقت الهاتف ونظرت الى تلك السيدتان قائلة:
أهلًا وسهلًا… اللى هتكشف تتفضل ورا المنــــــ…

لم تكمل كلمتها حين إقتربت منها إحد السيدتين وقامت ببخ رذاذ على وجهها قريب من أنفها جعلها تسعُل للحظات قبل أن تغيب عن الوعي.

❈-❈-❈
مساءً
بعد أن تنتهي من عملها بذلك المشغل كما تعودت بالفترة الأخيرة يصحبها خطيبها الى المنزل بتلك الدراجة النارية الخاصة به، لكن اليوم تفاجئ الإثنين بجذع شجرة مقطوع يسد الطريق، على آخر لحظة توقف بالدراجة قبل أن يمُر من فوقه، حتي لا تنقلب بهما الدراجة، شهقت زينة بخضة، بينما ترجل خطيبها، قائلًا:
الحمد لله لو كنا عدينا بالموتوسيكل من فوق الشجرة كانت اتقلبت بينا ووقعنا فى الترعة… مش عارف مين اللى قطع الشجرة وسابها كده عالطريق، حتى لو مش بتمر من عليه عربيات ممكن حد فى الضلمة يخبط فيها وتعوره، هحاول أجنبها على جانب الطريق.

ترجلت هي الأخري قائلة:
خليني أساعدك أهو أخد ثواب.

لحظات حين إنحني الإثنين شعرا بضربة قوية فوق رأسيهما وقبل أن يستقيما كان رذاذ قوي المفعول …يندفع على وجهيهما، رذاذ حارق كأنّه نار تمزق العيون والأنف معًا، فصرخت زينة بخوف وهي ترفع يديها غريزيًا لتمسح عينيها، لكن الألم ازداد وكأن سُمًّا قد اخترق مقلتيها.
ترنح خطيبها للخلف وهو يأن بألمٍ مماثل، قبض بيديه على رأسه يحاول المقاومة، لكنه شعر بجسده يضعف، وكأن الأرض تهتز تحت قدميه حتي سقط أرضًا بلا حراك…كذالك شعرت زينة
من خلف ذاك الظلام الذي يتوغل برأسها تناهى إليهما صوت خطوات سريعة، أعقبتها همسات غامضة غير واضحة، قبل أن يخيم السكون للحظة… فجأة أحست بأيدٍ خشنة تمسك بأذرعهما وتجرهما بعيدًا عن الطريق، بلا رحمة ولا تردد .. نطقت اسم خطيبها لكن
لم يستطع الرد، كان صوته يختنق، والرذاذ قد بدأ يُغيب عقله كذالك هي
آخر ما لمحته قبل أن تنطفئ عيناها تمامًا، قناع أسود يلمع تحت ضوء شمس المغيب.

❈-❈-❈
مساءً
دلف طوفان الى المنزل، تقابل مع جود التى تحمل صغيره، أخذه منها مُبتسمً قائلًا:
هي درة لسه مرجعتش ولا إيه.

أجابته جود:
أيوة، يمكن زمانها على وصول.

أومأ لها ثم سأل:
فين ماما.

أجابته:
ماما راحت عند خالتي كوثر، إتصلت عليها وقالت لها تروح لها من بعد العصر، يمكن زمانها على وصول هي كمان.

أومأ طوفان:
تمام فرصة نقعد سوا، نتكلم انا وإنتِ ونوح..
نوح اللى بيحب عمته جود ومتعلق بها.

ضحكت جود وهي تُقبل يد الصغير، الذي شاغبها ببسمته الطفولية… تبسمت جود بينما ضحك طوفان قائلًا:
كده عرفت سبب غِيرة درة إنك بتحب وتنسجم مع عمتو أكتر منها.

ضحكت جود قائلة:
لاء هو بيحب ماما أكتر… طول الوقت معاها ده لو مش راحه عند خالتي كان زمانه فى حجرها.

إبتسم طوفان
جلس مع جود يتجذبان الحديث المرح وسط مشاغبة الصغير، حتى صدح رنين هاتفه أخرجه من جيبه وتبسم حين علم هوية المتصل إنها والدة درة، التى تحدثت بهدوء عكس شعور قلبها:
كنت قولت لـ درة تجيي إنت وهي ومعاكم نوح ونتعشي سوا… بس جالها حالة تكشف عليها وقالت هتكلمني تاني، وبتصل عليها موبايلها بيرن مش بترد.

قلق زحف الى قلب طوفان قائلًا:
انا لسه راجع البيت ودرة مش موجودة، يمكن راحت تشوف المكان اللى هتعمله مركز بصريات وإنشغلت مع السمسار، وفونها فصل شحن او سيباه فى العربية، هتصل عالسمسار معايا رقمه.

حاولت كريمان عدم الاستسلام لشعورها السيء قائلة:
تمام ابقي خليها تتصل عليا.

-حاضر.
أغلق طوفان الهاتف شعر بتوجس، فقام بإتصال على رئيس الحراسة الخاصة بـ درة وسأله:
إنتوا فين.

أجابه بهدوء:
إحنا قدام المستشفي الدكتورة لغاية دلوقتي مخرجتش من جوه.

زادت هواجس طوفان قائلًا:
بنتصل على موبايل الدكتورة بيرن ومش بترد، إدخل جوة المستشفي فورًا… وأنا معاك عالخط.

سريعًا دلف الحارس الى المشفي الى غرفة الكشف الخاصة بـ درة تفاجئ بعدم وجودها…
كذالك ذهب الى غرفة الأطباء لم يجدها، أخبر طوفان:
الدكتورة مش موجودة لا فى أوضة الكشف ولا فى أوضة الاطباء، يمكن…

تفوه طوفان بقلق:
أرجع شوفها فى اوضة الكشف تاني.

بالفعل ذهب لغرفة الكشف، نظر بداخلها لم يجد درة لكن سمع رنين هاتف، دخل الى الغرفة وعثر على ذلك الهاتف بنفس الوقت سمع طوفان رنين هاتف، قبل أن يسأل تحدث الحارس:
ده واضح إنه موبايل الدكتورة نسيته هنا فى أوضة الكشف ومامتها اللى بتتصل.

تنرفز طوفان قائلًا:
نسيت الموبايل وهي فين،إقفل أنا جاي المستشفي فورًا حضر لى كل سجلات الكاميرات… مداخل ومخارج، وممرات المستشفي بالذات الممر اللى بيوصل لاوضة الكشف.

أغلق طوفان الهاتف… مد يده بـ نوح نحو جود… التي شعرت بقلق سائلة:
فى إيه يا طوفان.

أجابها وهو يتوجه نحو باب الخروج:
مفيش، خلى بالك من نوح.

إجابته لا توحي بالإطمئنان.
❈-❈-❈
بذلك الهنجر
بدأت درة تستعيد وعيها تدريجيًا، هنالك رائحة مواد كيماوية تسربت الى أنفها جعلتها غصبً تشعر بالإختناق قليلًا وبدأت تسعُل…

وصل سُعالها الى ذلك الوغد الذي إقترب منها وقف أمامها، ظله الضخم جعلها ترفع عينيها تنظر له، لولا ذلك السُعال لتهكمت وسخرت منه هي رأت أنه شخص ضعيف وجبان سابقًا، لكن السُعال جعلها تحاول الهدوء حتى يهدأ وتستطيع الحديث…
لكن إستغل ذلك وضحك قائلًا:
فين السلاح اللى كنتِ هتضربيني بيه
ولا فين طوفان اللى منعني من دخول بيت عمتي عشان خاطرك
ولا فين شجاعتك، كله راح، إنتِ هنا تحت سيطرتي.

تضايقت درة من حديث ذلك الوغد… حاولت النهوض والسيطرة على السُعال، لكن إكتشفت أن ساقيها مقيدتان
…بـ حبال غليظة مشدودة للمقعد الحديدي المُلتصق بأرضية الهنجر التي تجلس عليه، شهقت بصدمة، ارتجفت عيناها وهي تحاول الحركة لكن كل محاولة تزيد من ألم ساقيها كذالك السُعال.

ابتسم الوغد باستهزاء، اقترب أكثر، انحنى قليلًا أمامها يستمتع بضعفها، ثم همس بصوت متقطع غليظ:
فين صوتك هتتخنقي… قبل كده كنتِ تعرفي تواجهي بالسلاح، دلوقتي مش لاقية حتى نفس.

رفعت درة رأسها بعناد رغم ضيق تنفسها، عينيها تلمعان بالغضب وهي تحدثت بثقة وبصوت مبحوح… ونهجان:
حتى وأنا مربوطة… مخوفاك يا وليد.

تراجع خطوة للخلف وضحك بصوت عالٍ مستفز، ثم أشار بيده نحو الباب الحديدي قائلاً:
أنا أخاف منك، إنتِ وجود طوفان هو اللى بيقويكي… بس طوفان خلاص لما يوصل ليكِ هتكوني إنتهيتي…

توقف قليلًا عن الحديث ثم نظر لها بشماتة قائلًا:
ده إن وصل ليكِ أساسًا… بس تعرفي، أنا هعترفلك بسر، يمكن طوفان نفسه ميعرفوش..

نظرت له وهي تسعُل باستهزاء وسخرية فضحك قائلًا:
مفاجأة لما تعرفيها عقلك هيشت وتتمني لو كان حسام عايش.

نظرت له درة بإحتقار،فزادت ضحته غلظه قائلًا:
لو مكنش طوفان إتسرع وقدمني للشرطة كبش فدا قبل ما يعرف إن اللى قتل أبوكِ…
هو “حسام”… مش أنا.

زاد سُعال درة وتفوهت بحشرجة صوت:
كداب.

ضحك وليد قائلًا بتأكيد وثقة:
اللى قتل “مختار غُنيم” هو… حسام
وأنا اللى قتلت حسام لانه كان شخص إنتهازي وأنا كنت الوسيط والشاهد على الرشاوي اللى كان بياخدها من أبويا قصاد خدمات بيقدمها له ولغيره من الفلاحين.

-كداب وقاتل
قالتها درة… فضحك وليد قائلًا يإستفزاز:
عندي الدليل إن “حسام بدران” هو اللى قتل
“مختار غُنيم”

 

يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق