رواية طوفان الدرة – الفصل الثالث والأربعون 43
جحظت عيني سامية تستوعب ما قالته تلك الدونية، صوتها يرتد في أذنها كصفعة حارقة… شعرت كأنها مثل فرع شجرة مقطوع يتخبط وسط عاصفة قوية، لا سند له ولا جذر يشده إلى الأرض… ابتلعت ريقها بصعوبة، تتأرجح مشاعرها بين الغضب والخذلان، وبين رغبة جامحة في أن ترد بحده تكسر غرور تلك المرأة، لكن قدميها كأنهما التصقن في الأرض، وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متقطّعة…
رفعت ذقنها بتحدٍّ، تحاول أن تخفي ارتجافها، وكأن كبرياءها هو الدرع الوحيد المتبقي لها في هذه اللحظة… تضيق عينيها بتحدٍ، قائلة بصوتٍ متماسك رغم رجفة قلبها:
إنتِ كدابة… ومحتالة أكيد وإنتهازية عاوزه تنتهزي حالة عزمي الصحية…مستحيل إنتِ مين وأنا مين وبنت مين.
ضحكت ابتهاج باستهزاء، رفعت كتفيها باستخفاف:
أصلًا إنتِ لا ليكِ قيمة ولا مكان… مجرد واجهه مش أكثر…فرع على لمسة ويتقطع. .
اشتعلت عيني سامية، تقدمت خطوة وكأنها تتحدى العاصفة نفسها،
سادت لحظات صمت متوترة، الهواء نفسه بدا وكأنه متجمد، بينما ابتسامة باردة ارتسمت على شفتي سامية، كأنها تعلن نهاية معركة هي أول المنسحبين منها…. بالفعل نظرت نحو عزمي الغافي بسبب الأدوية، كانت نظرة مُلخصها “لا داعي لإهدار كبريائها الآن”
لن تضيّع طاقتها في صراع مع الحُثالة، فمعركتها الحقيقية إنتهت، وليست الخسارة بشيء جديد عليها
همست في سرّها وهي تجذب حقيبة يدها:
مش هخسر لوحدي يا عزمي، وإنت المعركة اللي حاربت فيها وكنت دايمًا بخسر لحد ما إتأخر وقت إنسحابي منها .
ارتفعت أنفاسها الثقيلة، وابتلعت غضبها كمن يبتلع جمرة ملتهبة، ثم استدارت ببطء، تُخفي ضعفها خلف هالة من الكبرياء، تاركة خصمتها تتخبط في صمت الهزيمة… وغادرت الغرفة بصمت، أسوء من الكلام…
نهضت وجدان تقترب من ابتهاج تنظر لها بتمعن شعرت بالنفور وإحساس البُغض مباشرةً، رغم أنه أول لقاء لهما لكن ترك شعور البُغض لدي وجدان لها، بينما ابتهاج تمتلك من البجاحة ما يجعلها لا تهتم بمشاعر غيرها نحوها، كذالك نظر لها طوفان،
لكن إختلف رد فعلها من نظرة طوفان وهو يُنهي حديثه مع الطبيب الذي استأذن غادر بعد أن اعطي بعض الارشادات الطبية لم يهتم بما حدث فلا شأن له، إقتراب طوفان منها بخطوات بطيئة، جعلها، ربما تندم على كشف نفسها أمامه لكن حدثها عقلها لا تراجع، ولا خوف، ولن تظل فى الظل وتفشل، بل ستظهر فى العلن وتفلح وتنال ما تريده، رهبة طوفان، لكن مُخطئة،
توقف طوفان جوار وجدان، ثم نظر الى تلك الحمقاء، لم تستوعب أنها بكشف نفسها وضعت أمامه حقائق كانت مخفية، أولها ذاك السلاح، كيف وصل ليد ذلك المجرم الذي كان يستهدف درة…
والسؤال برأسه لما أظهرت نفسها الآن، والجواب واضح… أن تنتقم وهي تنظر لعينيه تتشفي به،وأنها كانت قريبة منه…لكن هو لن يسمح لها.
تجاهل معرفته السابقة بها عمدًا وتحدث ببرود مُشككً:
مدام…
آسف معرفش إسمك…وبعدين فين إثبات إنك مرات خالي،ما هو مش أي كلام يتقال أصدقه انا مش زي مرات خالي سامية هصدق أي كدب.
برودته فى الحديث معها أغاظها ،كذالك إنكاره معرفتها،شعرت بالغضب قائلة:
أكيد مش هكدب،أنا مرات عزمي مهران،ومعايا قسيمة الجواز.
نظرته الباردة بعدم ثقة أغاظتها،بتوتر ويدها لاحظ طوفان إرتعاشها حين فتحت حقيبتها وأخرجت تلك الورقة مدتها نحوه،أخذها منها وقرأها،ثم تفوه بايحاء واضح:
ده عقد جواز شرعي عند مأذون،طب ليه كان فى السر.
أجابته بتوتر:
كانت رغبة عزمي.
ابتسم بمكر قائلًا:
وإيه اللى إختلف دلوقتي وليه أظهرتي نفسك.
أجابته بكبرياء حقود:
حقي أبقي جنب جوزي وهو متصاب.
لمعت عيني طوفان ببسمة ساخطة،لكن تفوه بإحتقار:
للآسف:
الدكتور مانع تواجد كتير فى أوضة خالي،وبما إنك زوجة تانيه وكنتِ فى السر فالحق للي فى العلن هنقول للدكتور إنتِ مين،كمان خالي لو كان عاوز يعلن جوازه منك مكنش حد هيمنعه ولا يخاف من حد، واضح إنها رغبته لهدف في دماغه.
نظرت له بحقد بعدما فهمت تلميحاته المُقللة من شأنها، تفوهت بغضب:
أنا مرات عزمي مهران، و…
نظر لها بهدوء وحسم قائلًا:
قولت الدكتور مانع وجود أشخاص مش مرغوب فيهم، وأعتقد إنك عارفه إن من الادب زيارة المريض لوقت قليل وزي ما إنتِ شايفه
مش هنقدر نستقبلك أكتر من كده،الزيارة إنتهت.
غيظ…كُره…حقد…غضب… وأمنية واحدة تتمناها… هي حرق قلب ذلك المُتغطرس.
لم تُجادل، فـ بالمجادلة ستخسر أكثر أمامه غادرت مثل هبوب عاصفة ترابية تختفي إعصار.
نظر طوفان نحو والدته، تشعر بآسف وآسي قائلة:
عزمي ليه عمل كده.
وضع يده على كتف والدته وربما أعطي لـ عزمي التبرير فهو فعل ذلك حين شعر بالضياع والانهزام، مع إختلاف الأسباب، لكن هو لم يستمر بذلك الخطأ الجسيم، مثل عزمي الذي يبدوا أنه مع تلك المرأة من سنوات، وكذالك إبنة مجرم، ويبدوا أنها لا تختلف عنه، والدليل السلاح، بالتأكيد وصل عن طريق عزمي، هو من أخفي السلاح، وهل هو خلف مطاردة درة
عقله لا يستوعب، هل بعلم حقيقة ابتهاج ومشارك معها…
نفض ذلك عن عقله لوقت فقط حين تحدثت وجدان ببؤس:
أنا هفضل هنا مع خالك، مرات خالك مشيت برضوا الموضوع صعب عليها.
تنهد طوفان قائلًا:
وصحتك يا ماما انا خايف..
قاطعته بتصميم:
أنا الحمد لله بخير، يومين بس على ما حالته تتحسن ومرات خالك تهدا.
وافق مرغمً، رغم أنه أصبح لديه سبب قوي للخوف من حماقة ابتهاج.
❈-❈-❈
بمشفى آخر
دخلت جود بخطوات مترددة، كل خطوة أثقل من التي تسبقها، حتى توقفت… حدقت في ملامح حاتم الشاحبة، ربما رأف قلبها…لكن إرتبكت حين ازاح الدثار عنه وجذب ذلك العكاز الطبي وقف جوار الفراش لثانيه، بينما بداخل عقل جود صراع، وخطواتها تعود للخلف ببطئ وعينيها تنظر الى حاتم الذي كان يقترب ببطء،لاحظ عودتها للخلف، أسرع حين رأها تضع يدها على مقبض الباب سريعًا وضع يده فوق يدها كادت تسحب يدها…لكن تمسك حاتم بيدها…رفعت وجهها تنظر له تشعر بإرتباك قائلة:
مكنش المفروض أجي.
لحظة صمت سادت المكان، أنفاسها متلاحقة، وصوت دقات قلبها تخترق الصمت….
نظر إليها بعينين تلمعان بخليط من الرجاء والانكسار، صوته خرج مبحوحًا:
جود… ما تهربيش تاني.
ارتعشت أصابعها على مقبض الباب، تبحث عن نجاة لا تعرف أين تكون، تمتمت بصوت مرتعش:
أنا جيت بس عشان أطمن… وده غلط… إحنا إنتهينا.
اقترب أكثر ، يقف يستند على العكاز الذي أحدث صوتًا مكتومًا على الأرض، لكن نظراته كانت أقوى من ضعفه، قال بنبرة جريحة:
غلط… ولا خوف… أنا عمري ما كنت وحش ليكُ، ليه حطاني في خانة الغلط.
خرجت أنفاسها مضطربة، شعرت وكأنها محاصرة بين الماضي وارتباك الحاضر، لم تجد ما تجيب به، فاكتفت بالهمس:
سيبني أمشي يا حاتم… قبل ما أضعف تاني كفاية مش هتحمل خذلان مرة تانية.
أطبق جفنيه لحظة، يتصارع بين رغبته في التمسك بها وبين خوفه من أن يخيفها أكثر، ثم همس:
خذلان…صدقيني يا جود،أنا ندمان على كل لحظة طنت فيها قريبة مني وضيعتها فى وهم كنت عايش فيه،بس صدقيني كنت عايش فى صراع….لما كنت بتعمد أبعد عنك، مكنش عشان أنتقم منك، لاء كنت خايف أضعف وأقولك إن براءة قلبك،هزمت الحقد اللى كان جوايا…
ليه مش عاوزة ترجعي لي… ما تسيبنيش من غير كلمة.
يدها تراخت عن المقبض، نظرت له للحظة طويلة، صامتة، بينما دموع محبوسة تثقل عينيها…حائرة،هنالك صراع عاد ينشب فى قلبها وعقلها،خطأ مجيئها كان خطأ هذا ما يدور بعقلها…وقلبها له رأي آخر يُبرر:
مجرد زيارة مريض…
وإعتراض عقلها يلومها:
أي مريض اليس هذا من بسبيه فقدتي جنينك،لم تجدي معه أي مشاعر قدمتيها له ،وإزداد فى الجفاء… وتلك التي كانت خطيبته…
لوم… لوم… وعقلها يفوز باللوم على قلبها الهش البرئ الذي عاد يتحرك نحو شلال فيضان قد يجرفها لتغرق به مره أخرى…
لكن لا…
سحبت يدها من أسفل يده… بسهو منه تمكنت من ذلك حين أرخي يده فوق يدها… وأزاحها عن المقبض
كادت تفتح الباب لكن عاود وضع يده،حاصرها بين الباب وبينه،يلمع الندم بعينيه…وهي تلمع الدموع بمقلتيها…
مشاعر متناقضة للإثنين…
هي تود الفرار
وهو يود ان يحتضنها… عاد يشعر بألم ساقه لم يعُد يتحمل الوقوف عليها… بصعوبة حاول السيطرة، لكن ضعفت ساقه نظر نحو العكاز، لكن لا يريد الاستناد عليه، لوهله ترك الإنهيار وتراخى وأنخفض بجسده، يآن بآلم وهو يكاد يجثو أمام جود، غير مهتمً لإظهار ضعفه أمامها…
ضعفه الذي هز قلبها… قبل أن يجثو مدت يديها بلهفه تُمسك بيديه… لم يذُهل من موقفها فسابقًا كانت تسنده وهو يقسوا عليها…
مشاعر ضائعة
يلوم نفسه
كأنه كان فى وسط عاصفة تدور به إما أن يتشبث بها وينجوا، أو يترك نفسه للعاصفة تسحقهما… وقد كان لم يهتم وجرها خلفه وسط العاصفة إنسحق الإثنين…وتبعثرا…
سندته حتي جلس على أحد مقاعد الغرفة…رفع رأسه ينظر لها والندم هو ما يتحدث
رفع رأسه نحوها، عيناه دامعتان لكنه يُكابر، نبرة صوته مُنكسرة:
أنا السبب… أنا اللي خذلتك… بس والله يا جود عمري ما كنت عايز أوجعك، أنا اللي كنت مكسور ومش قادر أعترف… وأنتي دفعتِ تمن كسرتي.
أنحنت برأسها للحظة تشعر، كأن كلماته تخترقها وتعيد نزف جرحٍ ظننت أنها كبَحته، لكن همست بمرارة:
وجعت حتة جوايا مش هتتصلح تاني يا حاتم… حتى لو بتندم، الندم عمره ما بيرجع اللي راح.
مد يده المرتعشة نحوها، كأنه يستجدي لمسة، لكنه لم يجرؤ أن يلمسها مرة أخرى، فقط قال بصوت متهدج برجاء:
ما تسيبنيش لوحدي… مش عايز آخُر صورة بينا تكون دي.
جفنتاها ارتعشتا، تنفست بعمق وهي تشعر أن الخطوة التالية إما أن تُنهي كل شيء، أو تُعيد فتح باب كانت أغلقته منذ زمن.
بلا وعي وحنانةقلب اقتربت ببطء، مدت يدها ومسحت دمعة سقطت على وجنته رغمًا عنه… لحظة خاطفة، لكنها أشعلت نارًا بينهما.
تراجعت سريعًا، كأنها لمحت الخطر الكامن في قلبها، ورفعت يدها عن وجهه وهمست بصوت مخنوق:
سلامتك…زيارة المريض بتبقي قصيرة.
قالت ذلكثم التفتت، وفتحت الباب هذه المرة دون أن يمنعها، فقط بقي ينظر لها وهي تبتعد، وعجزه يثقل صدره أكثر من ساقه الجريحة…
بقي وحيدًا، والندم ينهشه، بينما جود تحمل قلبًا مثقوبًا بالحنين والخذلان معًا… وهي تفتح الباب و كادت تخرج، صدى أنفاسها المتقطعة يسبقها، لكن قبل أن تخطو خطوتها الثانية خارج الغرفه سمعت صوته الضعيف يناديها:
جود… لو قلبك كرهني ، قولي بصراحة وأنا هقبل… بس لو لسه في نبضة ليا جواه… ما تقتليش نفسك بالهروب.
تجمدت مكانها، كلمات بسيطة لكنها اخترقت دفاعاتها، شعرت بارتجاف في يديها ودمعة أفلتت رغمًا عنها، توقفت على عتبة الباب…
أغمضت عينيها بشدة، تتمنى لو تستطيع أن تمحو تلك اللحظة، ثم التفتت نحوه ببطء، نظرت في عينيه المرهقتين، وقالت بصوت واهن:
النبض لسه موجود… بس الخوف هو المسيطر أكتر.
تركته مع جملتها تلك، وغادرت
أما هو فابتسم ابتسامة باهتة رغم ألمه، وكأن كلماتها أعادت إليه نفسًا للحياة، جعلته يتشبث بأمل جديد لم يكن يملكه من قبل.
ظل جالسًا على المقعد بعد خروجها، يراقب الباب المغلق وكأن بقايا وجودها ما زالت عالقة في الهواء… لمس أثر دموعه على وجنته بيده المرتعشة، ثم تمتم لنفسه بصوت خافت:
يعني لسه في فرصة.
أغمض عينيه للحظة، يستعيد صورًا من الماضي، أخطاؤه، جفاءه، قسوته، وكل لحظة تركها وحيدة وهي تنزف ألمها… شعر كأن الحمل الذي أهمله يعود ليقع على كتفيه من جديد…
فتح عينيه ببطء، ونبرة إصرار غريبة تسللت بين أنفاسه:
أنا مش هسيبهك تاني… المرة دي هثبت لك إن حاتم اتغير علشانك… مش بالكلام، بالفعل.
أمسك بالعكاز، لكن هذه المرة لم يتكئ عليه فقط لينهض، بل كأنه يحمل عزيمة جديدة… أوجاع ساقه لم تخفف عزيمته، بل جعلته يشعر أن التغيير لابد أنيبدأ من هنا، من ضعفه.
ابتسم ابتسامة هادئه وهو يهمس باصرار:
لازم اثبت لها إني إتغيرت… هخليها تشوف رجل تاني… راجل يستحق نبض قلبها
خارج المشفى، كانت جود تمشي بخطوات سريعة، تشعر أن الهواء يضغط على صدرها، وكلمات حاتم تطاردها في كل خطوة..
وضعت يدها على قلبها، محاولة تهدئته، لكن الحقيقة كانت أوضح من أي وقت مضى… قلبها لم يمت تجاهه، فقط غلفته بطبقات من الخوف والخذلان…
لحظة توقفت، استدارت لا إراديًا نحو المشفى، بعينيها دموع وصراع، ثم قالت في سرها:
اثبت لى إنك إتغيرت يا حاتم… يمكن ساعتها اقبل أرجع.
❈-❈-❈
بحديقة مشفي عزمي
نفث طوفان دخان السيجارة وهو يسمع لاستفسار جلال:
وهتعمل إيه واضح إن الست دي خلاص بإعلانها نفسها إن عندها نوايا خبيثة، وإنت بتقول ان ابوها كان تاجر سلاح والتهمة إتثبتت عليه، يعني ممكن تكون كملت فى نفس الطريق.
زفر طوفان نفسه بحيرة قائلًا:
ده أكيد واضح جدًا فاكر يوم ما إتهجموا على درة بالطريق بعدها في التحقيقات أنا كنت حاضر والمجرم يومها راوغ فى التحقيقات، بس أنا أنفردت بيه وحاولت معاه لحد ما قالي هو خد السلاح من وسيط والوسيط قاله لو نجحت فى العملية وحصل المراد هيبقي لك فرصة تبقي من رجالة “سيتنا”
ولما أتكلمت مع وكيل النيابة بعدها قالي معلومة ان فى تُجار سلاح ظهروا فى المنطقة وفي منهم اللى بدأ ينكشف وإسم “سيتنا” منهم، بس مش معروف هي مين بالظبط…
ظهور ابتهاج النهاردة دخل شك كبير إنها هي
“سيتنا”،نفسي اعرف إزاي وصلت لطريق خالي عزمي وليه إتجوزها فى السر كمان ظهورها النهاردة مالوش غير معني واحد إنها راجعة لهدف فى دماغها،انا كنت وكيل النيابة فى قضية أبوها،أبوها مكنش من الفطاحل،كان كبش فدا للـ الكبار وهو اتحمل القضية وواضح إنه وقتها خاف من أذيتهم، فقال كام سنه سجن أرحم، كمان هيعيش فى خيرهم وهو فى السجن وكمان وبنته،بنته كانت متجوزه صبي من صبيانه إتقتل وقت المُداهمة وعرفت فيما بعد إن والدها مات فى السجن بعد شهور قليلة.
تفهم جلال ذلك لكن تسأل للتوضيح:
طيب وخالك ساذج للدرجه دي، معرفش هي بنت مين… ولا يمكن مشارك معاها بدون ما يعرف.
ـ عزمي مش ساذج يا جلال… بس كمان قلبه طيب زيادة، والست دي عارفة تدخل منين. يمكن لعبت على نقطة ضعفه وهو تعبه واحتياجه لحد جنبه بعد ما خسر كتير.
بس اللي مقلقني أكتر… إن الموضوع شكله أكبر من مجرد زواج سرّي. دي مرجعة بخطة، وأنا متأكد إن اللي وراها لسه موجودين وبينفخوا في النار.
توقف لحظة ومسح على جبينه وكأنه بيحاول يلملم أفكاره، وأضاف:
فسر طوفان:
خالي مش ساذج…إنه يتحول لواجهة زي ما بتقول…، كمان والد ابتهاج كان بيشتغل فى نصلخة البريد، موظف كستار طبعًا، ممكن يكون مدورش وراها، أو عرف وطنش….
حاسس إن كلنا داخلين في دوامة، ودي مش لعبة سهلة. “سيتنا” مش مجرد اسم في التحقيقات، دي عقل مدبر وهتستغل أي فرصة.
واللي يخليني متأكد أكتر إن في رابط… إن الوسيط أكد للمجرم… إن اللي ورا العملية ست، وإنها مش بتظهر بنفسها غير لما تكون عايزة توصل رسالة واضحة… وظهورها رساله واضحة.
-طب وإنت هتعمل إيه.
هكذا تسأل جلال بإستفسار
القي طوفان السيجارة أرضًا وسحقها قائلًا:
مفيش قدامي غير حلين
الحل الاول إنى مخرجش لا درة ولا جود ولا أمي من الدار نهائي وده مستحيل طبعًا وهيزرع فى قلبهم الخوف… درة على تكة دي لسه بتحلم هواجس وهي نايمة وأوقات بحسها بتخاف إن نوح يطلع بره الدار… وزاد خوفها بعد ما انا كمان إنصابت
-طب والحل التاني؟
أجابه طوفان وهو يتنهد بسأم:
الحراسة مفيش قدامي غير تزويد الحراسة عالكل، حتى على خالي عزمي نفسه.
❈-❈-❈
ليلًا
بمنزل طوفان
بغرفة النوم
إنتهت درة من إطعام صغيرها من زجاجة الحليب، مسحت على وجنته بأصابعها ثم نهضت تبتسم له بحنان،
نظرت نحو طوفان، الواقف خلف زجاج الشرفة، يداه معقودتان خلف ظهره وعينيه تنظران في الأفق البعيد.
رفعت حاجبها باستغراب وتفوهت بخفة:
طوفان…
لم يلتفت، ظل صامتًا، وكأن أفكاره تأخذه بعيدًا عنها وعن المكان… تقدمت نحوه بخطوات هادئة، حتى وقفت بجانبه، انعكس ظلها هي نوح على الزجاج بجوار ملامحه الجامدة.
قالت بصوت هادئ:
بكلمك مش بترد، سرحان فى ايه
التفت طوفان ببطء، عيناه ما زالت تحملان ثِقل أفكاره، ثم زفر تنهيدة عميقة وتبسم حين تحدثت درة لصغيرها:
باباك سرحان ومش مهتم بجنابك.
ضحك طوفان بغصة وهو يحمل الصغير منها يُقبل وجنتيه… تبسمت درة قائلة:
كنت سرحان فى إيه، لو موضوع خالك وإن الدكتور قال إنه إحتمال كبير يفضل عاجز، الطب إتقدم متقلقش.
غص قلب طوفان، مازال يشعر بالقلق والريبة…
لكن تبسم لها…
كذالك تبسمت درة لصغيرها الذي يتثائب، تحدثت بمرح:
نوح بيتاوب شكله هينام… شكرية قالت لى إنه منامش كتير النهاردة، كان لسه هينام، جود كاتا خرجت ولما رجعت وقعدت تشاغبه ومنامش.
استغرب طوفان سائلًا:
و جود كانت خرجت راحت فين.
لوهلة إرتبكت درة لكن راوغت قائلة:
معرفش ده اللى قالته شكرية، يمكن كانت بتشتري أدوات رسم تخصها، هات نوح أما أنيمه فى سريره شكله هينام، كويس عشان انا كمان انام حاسة إني مُرهقة، شغل المستشفى اليومين دول فى دور حساسية شغال فى العيون والمرضي كتير
ربما فرصه لـ طوفان يجعلها تأخذ أجازة دون أن يجبرها أو تلاحظ قلقه،تنهد قائلًا:
خدي أجازة شكلك فعلًا مرهقة.
تبسمت درة قائلة:
خدت أجازات كتير،كمان أنا أتأخرت كتير عن زمايلي عاوزه أبدأ فى الماجستير… وتجهيزات مركز البصريات، لغاية دلوقتي حتي ملقتش مكان مناسب…
لوهله تغضنت ملامح درة للحزن قائلة:
اللى حصل فى الفترة الأخيرة أخرني كتير.
ضمها طوفان يشعر بوخزات وقلق ينهشان قلبه…ضمها من كتفها ثم وضع قّبله على جانب عنقها…نفضت درة ذلك الشعور وتبسمت بغصة قائلة:
هات نوح وإنت غير هدومك عشان تنام،شكلك إنت كمان مرهق.
تبسم لها ليس بمزاج مشاغبة معها…
رغم ملاحظة درة وتوقعها انه سيشاغب لكن خاب توقعها لم تهتم بسبب تثائب نوح ذهبت به نحو مهده الصغير وقفت قليلًا تحمله،حتى إمتثل للنوم وضعته بمهده ثم تبسم لـ طوفان الذي تخلص من ثيابه وإستلقي على الفراش،خفضت إضاءة الغرفة وذهبت نحو الفراش إستلقت عليه سُرعان ما تبسمت حين فرد طوفان لها يده،إقتربت منه وألتصقت به
تبسم،وضعت قُبله على وجنته قائلة:
تصبح على خير.
إبتسم وهو يراها تحاول إغماض عينيها،بنفس عاد الفِكر السيء يشغل رأسه،لكن حاول نفض ذلك
وظل يحتضنها للحظات، لكن مازالت ثورة عقله لم تهدأ بعد، داخله عاصفة صامتة… تنهد بقوة يحاول ويحاول…
لاحظت درة ذلك،شعرت ان هنالك ما يؤرقه.. رفعت رأسها عن صدره تنظر إليه، تبحث عن إجابة بين ملامحه الجامدة:
طوفان… في حاجة مخبيها عني.
تردد، نظر بعيدًا عن وجهها ثم عاد إليها، كأنه يحارب نفسه بين أن يُصارحها أو يُطمئنها بكلمات عابرة…
لكن ليس أمامه غير ذلك،حاول إخفاء توتره وقام بوضع، قبلة فوق جبينها قائلًا:
وهخبي عنك إيه، مفيش حاجه، ممكن إرهاق مع إصابة كتفي.
اقتربت أكثر، تلتصق به،ضمها بين يديه يتنهد يود أن ينسي معها كُل هواجسه.
رفعت يديها تحاوط وجهه تبتسم دون حديث، فقط بينهما نظرات صامته… ضم شفتها لشفتيه فى قُبلة طويلة عميقة
همس بصوت دافئ:
أنتي حياتي يا درة.
لمعت عينيها ببسمة ، تستسلم لاحتوائه لها …
عاد يتحدث من بين أنفاسه:
خليني أضيع فيكِ لحظة… يمكن أنسى الدنيا كلها.
أغمضت عينيها، تستسلم لحضنه وقبلاته المتفرقة على وجنتيها، تشعر دائمًا أن حضن طوفان هو ملاذها من كل خوف.
شعر طوفان بضمها له بدأ يهدأ تفكيره… ابتسم وهو يبعد وجهه قليلًا عنها، عينيه تغوص في عينيها. همس بدفء وإحتياج:
محتاجك…محتاجك جنبي دايمًا.
وأنا جنبك دايمًا يا طوفان مش هسيب إيدك ولا هبعد عن حضنك.
أنا قوتي كلها منك… من عينيك وصوتك ولمستك.
مال عليها أكثر، قبلها ببطء، قبلة امتدت حتى ذابت فيها كل الكلمات، كل الخوف، كل القلق…
انسابت أنفاسها بين شفتيه، وأطبقت جفونها لتستسلم لحنانه، بينما هو يحتضنها كان العالم كله قد انكمش داخل هذا الفراش، داخل هذا العناق… شعرت بحرارة أنفاسه تلفح بشرتها… لم يقبلها كعاشق فقط ، بل كمن عثر على كنز ثمين
مرر أصابعه على وجنتها، ينزل ببطء إلى عنقها، ثم همس بصوت خافت يُشع عشقًا:
درة… إنتي كل اللي ليا، ولو الدنيا كلها بقت فوق راسي… يكفيني حضنك.
أغمضت عينيها، قلبها يخفق بعنف، كأن كلماته أعادت إليها الاطمئنان المفقود… شدت يده إلى صدرها، كأنها تؤكد له أنها تريده أن يسمع دقات قلبها العاشق…
ابتسم وهو ينظر إليها، ثم مال عليها ببطء، يغمرها بقبلات متفرقة على جبينها، على وجنتيها… على شفتيها التي ارتجفت أولًا ثم سرعان ما استسلمت له…
تقلص الفاصل بينهما حتى لم يعد هناك شيء يفصل جسديهما غير الدثار الذي سرعان ما أزاحه، ليغطيها بجسده هو ، يريد أن يحميها من كل لمسة هواء…
غرقا معًا في لحظة لم يعد للوقت ولا للخوف فيها أي سُلطة، لحظة كان فيها العشق وحده هو السُلطة الحاكمة.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
فى ظُلمة آخر الليل
قبل الفجر
بهنجر قديم كان أحد مخازن مصنع عزمي…
دلفت تلك المُلثمة تنظر حولها، حتى رأت ذلك الجالس إقتربت منه… ازاحت التلثيمة عن وجهها ونظرت نحوه تهكم بإستهزاء قائلًا:
خير يا مرات أبويا ليه طلبتي نتقابل فى السر.
نظرت نحوه ابتهاج لديها شعور أنه ليس أقل من سوءًا… تنهدت تلتقط نفسها قائلة:
خير يا إبن جوزي، طلبت نتقابل، لان إحنا الإتنين عدونا واحد وعلى رأي المثل
“عدو عدوي…”
ضحك وليد قائلًا:
مستحيل نبقي حبايب طبعًا بس ممكن نتحالف سوا طالما هدفنا واحد.
زفرت ابتهاج نفسها سائلة:
ومين العدو ده.
أجابها ببسمة سخرية.
طوفان طبعًا، ومعروف نقطة ضعفه مين.
-طب واللى تجبهالك لحد عندك.
قالتها ابتهاج بثقة، فتبسم وليد قائلًا:
مش عاوزها هي بس فى واحدة تانية ودي الأهم عندي، يا مرات أبويا.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفة عقب صلاة الظهر بالمندرة
جلس مع حاتم يتحدثان ببعض الشؤون حتى دلف عليهما طوفان ألقي السلام فى البداية كاظ يبتسم، لكن تغضنت ملامحه حين رأي حاتم…
رحب الشيخ عرفه به وجلس، تنحنح عرفة قائلًا:
أنا طلبتك النهاردة يا طوفان عشان شأن مهم.
اومأ له طوفان قائلًا:
خير يا شيخ عرفة.
تبسم عرفه وهو ينظر لـ حاتم قائلًا :
خير بإذن الله… بص يا طوفان بدون الدخول فى أضغان ومنغصات الماضي… حاتم جالى وه. ناوي يفتح صفحة جديدة فى حياته…
توقف عرفة يلتقط نفسه بينما تهكم طوفان بسخرية قائلًا بنظرات حادة لـ حاتم:
هيفتح صفحة ولا كتاب حتى وأنا مالى…حضرتك طلبتني وقولت عاوزني فى أمر هام،إيه هو.
تنحنح عرفة ربما يتوقع رد فعل طوفان لكن لا مهرب تفوه بهدوء:
حاتم جالي عشان أتوسط له فى أمر رجوعه هو وجود بتجوزوا تاني… بس قبل ما تقول قرارك فكر، كمان تأكد مش هتلاقي مني ضغط ولا حتى هزعل أيًا كان قرارك.
انعقد حاجبا طوفان بحدة، وكأن الكلام ارتطم بجدار صدره فجأة…. ابتسم ابتسامة باهتة سرعان ما انطفأت، وصوته خرج أقوى مما أراد:
رجوع مين ،حاتم و جود… بعد كل اللي حصل.
أخفض حاتم وجهه للحظة، عيناه تهربان بعيدًا نحو الظلال خلف زجاج الشرفة،ثم عاد ينظر نحو طوفان بريق حائر حين تسأل طوفان:
بس ليه جالك إنت… طبعًا عشان يستغل طيبتك وتأثيرك عليا
تنحنح عرفة وهو يرد بهدوء يعلم تأثير كلماته:
جالي أنا عشان عارف إنك مش هتسمع له، ولا هي هتقبل تواجهك بالكلام ده… يمكن شاف إني الأهدى فيكم… أو يمكن خايف من رد فعلك الصريح.
ثم مد يده ووضعها على كتف طوفان:
بص يا ابني، أنا مش بدافع عنه… ولا بقولك وافق أو ارفض… أنا بوصل لك طلبه، والباقي عندك… إنت أدرى بشؤون أختك.. يمكن قلبها خلاص قفل، ويمكن لسه فيه باب موارب… القرار مش بتاعي ولا بتاعه… القرار بتاعكم إنتوا الاتنين.
سكت لحظة، ثم تحدث بنبرة أكثر رصانة:
أوقات الجرح الكبير محتاج وقت… وأوقات تانية محتاج خطوة جريئة. فكر قبل ما ترد، لأن الكلمة في المواقف دي بتغير مصاير.
وقف طوفان بكبرياء وبلا تردد قائلًا:
الموضوع مش محتاج تفكير يا شيخ عرفة،
المرة اللي فاتت لما حاتم طلب يتجوز جود أنا سيبت القرار في إيدها، وكانت النتيجة قاسية وظالمة عليها… لكن المرة دي أنا مش هسمح لنفس الغلطة تتكرر.
توقف للحظات ثم تحدث بقرار حاسم ونظرة قسوة لـ حاتم :
جود مش ورقة شجر في مهب الريح…جود مش بس أختي…دي بنتِ…. والقرار عندي، وإن كنت غلطت مرة وسيبت لها القرار… فأنا المرة دي اللى هاخد القرار وهي مش هتعترض عليه…. وانا برفض طلب سيادة الظابط المُغفل.
يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.