رواية طوفان الدرة – الفصل الثاني والأربعون 42 (الخاتمة)
بغرفة جود
كانت تقف أمام المرآة بصمت… نظرت إلى انعكاسها طويلًا… فستان الزفاف الأبيض بدا وكأنه يُعيدها لسنواتٍ مضت، يومٍ كانت تبتسم فيه بخجلٍ مماثل لكن بمشاعر قلبٍ مختلفة، اليوم أكثر خجلًا وهي تُفكر أنها ليست تتزوج للمرة الأولى… أحاديث من حولها ربما تنتقدها… ذلك قد يسبب لها إنزعاج، لكنها رغبة طوفان… رغم انها الشئ الوحيد التي إعترضت عليه، لكن هو أصر على ذلك، وهي استسلمت مقابل موافقة حاتم…
اقتربت وجدان منها وهي تُعدل الطرحة فوق كتفها هامسة:
مالك يا جود وشك أصفر كده ليه المفروض إنتِ عروسة.
أجابت بصوتٍ خافتٍ وابتسامةٍ باهتة:
يمكن علشان دي مش أول مرة ألبس فستان زفاف… بس أول مرة أحس إني مش عايزة الناس تبص عليا كعروسة، نفسي اليوم يعدي بهدوء، من غير ضجة ولا نظرات شفقة.
تنهّدت وجدان بغصة تتمني أن يختلف حظ جود عنها…حين عادت لـ نوح…لم تجني غير البؤس،لكن انجبت جود وكانت لها مثل النسمة الهادئه بليالي جافة
.. ربتت على كتفها بحنو قائلة:
اللي راح خلاص، النهارده بداية جديدة يا جود، وربنا ان شاء الله يعوضك مع حاتم، هو بيحبك وأثبت وده كفاية.
اومأت جود ببسمة تتمني أن يثبت حاتم حقًا أنه تغير… ولا يخذلها مرة أخرى.
زادت بسمة جود حين دلفت درة بطفلها قائلة:
شوف يا نوح عمتوا عروسة زي القمر… قولها ألف مبروك.
تبسمت وجدان قائلة:
طوفان فين.
أحابتها وهي تضحك:
طوفان فى المكتب باين… ربنا يعدى الليلة على خير.
ضحكن ثلاثتهم..
بعد قليل
تجمد طوفان في مكانه للحظة، شعر بوخزة في قلبه، كأنه للمرة الأولى يرى في زفاف أخته شيئًا غير “الواجب والقبول”…
ذهب بخطوات بطيئة، نظر إليها وقال بنبرة خافتة تخالطها غصة:
عاوزك ترفعي راسك يا جود، عاوزهم كلهم يشوفوا بنت “نوح مهران” وأخت طوفان اللي وقف الدنيا عشانها.
رفعت جود عينيها نحوه، ارتسمت على وجهها ابتسامة ممتنة، همست بخجل:
شكراً يا طوفان… بس ياريت النهاردة تبقى هادي… علشاني أنا متوترة من غير حاجه.
تبادل الاثنان نظرة صامتة، مليئة بما لا يُقال…
قبل أن تقطع درة لحظتهما قائلة بمرح:
خلاص يا جماعة، العروسة هتبوظ الميكب من كتر الكلام العاطفي ده.
بعد قليل بقاعة العُرس كان حاتم لديه شعور مختلف عن الزفاف السابق… الليلة قلبه يدُق… حياة عكس السابق… الليلة يرا جود الحبيبة الرقيقة.
مر الزفاف بـسلام
بمنزل حاتم
الليلة إستقبلتها بدرية بأوراق الزهور تنثرها عليها وعبارات السعادة كذالك جذبت الملح تخشي عليهما من الحسد…
بعد قليل
بغرفة النوم
تبدل العفش، برغبة طوفان
لكن نفس الغرفة التى جمعتهما سابقًا… كانت جود أشد خجلًا… وحاتم أكثر هيامًا بها، وبطريقة أخري كانت بداية زواجهما… بداية عشق توغل من قلب حاتم وهو فى أوج لحظات إنتقامه فازت رِقة جود على جحود قلبه….والليلة كان البرهان…
حاتم متيمً وهي جودًا بالعشق.
❈-❈-❈
بعد إنتهاء الزفاف
بمنزل طوفان
صدفة أثناء سيره سريعًا
إصتطدام بفتاة… لم يسلم من لذاعة لسانها لكن استغرب أنها نادته بإسمه… تغاضي عن لذاعة لسانها ونظر لها بإعجاب قائلًا:
إنتِ مين… تقربي للعريس ولا للعروسه.
تهكمت باستهزاء قائلة:
لاء أقربلك إنت كمان…مش عارف أنا مين…أه نسيت ما إنت بقالك فترة كنت غايب عن هنا أكيد نسيت أهلك.
نظر لها بتمُعن وأتخذها بالشبة وتنهد بتذكر قائلًا:
إنتِ بنت عمتي كوثر…
توقف يفكر قائلًا:
بس مين فيهم.
أنقذه من لذاعة لسانها نداء
“ريم”
ابتسم قائلًا:
ريم…غزال…
لكن لم يكمل وهي ابتعدت نحو من كان ينادي عليها.
ابتسم بإعجاب وعيناه تتبعها..تنهد بخفقان قلب يجزم أن
كبوة ابدلت حياته من مصير الضياع الى مصير النجاة… وهنالك قصة بداية جديدة نشأت
حين ارتطمت نظراته بنظرات ريم وسط الزحام، أدرك أن القدر كتب سطرًا جديدًا في حياته… فكبوة عابرة تحولت إلى نجاة، واصطدام بسيط فتح له دربًا لم يكن يومًا في الحُسبان.
……..*****….
بالسيارة على الطريق
كان هنالك حديثً بود بين كريمان وكوثر يتحدثان عن جمال ورونق الزفاف…
كانت سجي تجلس جوارهن صامته، لكن تلاقت نظرتها مع نظرات باسل فى المرآة وهو يقوم بتعديلها لرؤية من خلفه ابتسم لها شعرت بالخجل…
لاحظن كوثر وكريمة تلك النظرة وذاك الخجل نمت بداخلهن أمنية أن يحصد أبنائهن السعادة
❈-❈-❈
بالفندق
تبسم طوفان لـ جلال الذي وقف معه ينتظر إقتراب درة وخلود
تبسم قائلًا:
فكرة حلوة أنا كمان حجزت أوضة فى الفندق هنا… من يوم ما خلود خلفت وانا عايش عالبوس وبس، عارف إنت السبب فى الحرمان ده.
ضحك طوفان سائلًا:
وأنا مالي بقي.
ضحك جلال قائلًا:
لما رجعت لها محَروق… ليلة حريق الهنجر… جود إتخضت قامت حِبلت من نفس الليلة دي، حِبلت من هنا وانا بقي عِشت عالرف، مره تحذيرات الدكتورة بلاش عشان صحة البيبي، مرة عشان منسرعش الولادة، حرمان… حتى بعد الولادة حرمان بسبب الولد.. وخد بقي.. الولد سخن… واخد تطعيم… وأنا فين.. بس انا بقى سربت الواد مع أمي وهستفرد الليلة بـ خلود هنا مش هتعرف تبعد عني بأي حِجة.
ضحك طوفان قائلًا:
لاء متقلقش هتقولك نرجع عشان الولد، أنا مجرب قبلك.
نظر له بسخط قائلًا:
بلاش تقُر… يلا خد مراتك وانا اخد مراتي وهفصل موبايلها وكمان انا قولت في الاستقبال ممنوع اي ازعاج.
…… ❈-❈-❈
بعد قليل بغرفة الفندق
وضعت خلود رأسها على صدر جلال…يسود الغرفة صوت أنفاسهم الصاخبة…
ابتسم جلال بإنتشاء يضمها بقوة له قائلًا:
أخيرًا ليلة هادية بعيد عن الحرمان.
ضحكت قائلة:
حرمان من إيه… إنت اللى طماع.
-طماع!
اعادها جلال بإبتسامه ، وبمكر بدل وضعهم أصبحت أسفله..نظر لها…شهقت قائلة:
بتفكر فى إيه يا جلال.
أجابها بغمز ولمسات جريئة قائلًا:
طماع بقى…..يس الليلة هعوض كل الحرمان.
ضحكت قائلة بمزح:
بلاش طمع، أنا مش باخد وسيلة منع حمل.
نظر لها بتفكير قائلًا:
وماله مجتش من ليلة… الليلة دمار يا خلود.
ضحكت وإستقبلت جنانه وهيامه بها، ولمساته وعشقه…
وخيالها سعيد .. هما كانا أولاد عم تربطهم صلة الدم…. حكايتهم تشبه آلاف الحكايات التي تبدأ بالقدر وتنتهي بالزواج… لكن بينهما شيء مختلف…عشقهما لم يكن التزامًا عائليًا، بل عشقًا خرج عن كل قاعدة، كأنه كتب ليكسر النمط ويفرض نفسه رغم العواصف.
❈-❈-❈
بعد مرور سنوات
بالشتاء
وقت شروق الشمس
بأسوان
كانت درة على سياج شُرفة تلك الغرفة المُطلة على ضفة النيل، وشاح رأسها يتطاير مع نسمات الجنوب الدافئة.. عينيها تلمع بانعكاس ضي شروق الشمس..
اقترب منها طوفان بخطوات هادئة، كأنه يخشى كسر تلك اللحظة.
قائلًا بنبرة دافئة:
عمري ما شفت النيل كده، ولا حسّيت إنه بيحكي غير النهارده.
ابتسمت درة بخفة، وردت وهي عينيها على المية:
يمكن علشان شايفه بعين رايقة… بعد ما سكتت العواصف.
ضحك طوفان بخفة، مدّ يده لها:
ولا يمكن لأن العاصفة لسه واقفة قدامي… بس أنا اللي اخترت أغرق فيها.
التفتت له ببطء، عيناها تحمل مزيج من الدهشة والعشق المكبوت.
ثم مدت يدها تمسك بيده، وقالت بصوت خافت:
الجنوب علمني إن الشمس حتى وهي بتغيب… بتسيب وراها نور.
مساءً
جلسا معًا على صخرة تطل على النيل، وصوت المراكب ، وأغنية نوبية يتعالى نغماتها من بعيد…مع صوت الموج وهو بيقبل ضفة النيل بهدوء، كأنه يروي له أسرار العاشقين. .. أمامهم النيل في ضوء القمر..
صمت طويل لكن مريح،
وضعت رأسها على كتفه، وهو لف ذراعه حولها بهدوء… كأن الليل بيغمرهم بدفء غريب،رغم النسمة الشبة باردة
في تلك اللحظة، دوّى صوت دف نوبي بعيد، وصوت مغنّي يغنّي بلُكنة الجنوب:
” يا عروسة النيل يا حتة من السما…. ياللى صورتك جوة قلبي ملحمة”
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
العلمين “مرسى مطروح”
“وقت غروب الشمس واقف البحر بعيد
عمال بحكيله وأشكيله وأشرح وأعيد
فجأة لاقيتها وكنت فاكرها عروسة البحر
خارجة من الماية وطلتها أقوى من السحر
لما شوفتها قلبي دق 3 دقات
والطبلة دخلت لعبت جوا دماغي حاجات
لما الرق دخل قلبي رق وحنيت
طب هعمل إيه، روحت أنا غنيت
أمتى الحب طال قلبي ولا في الخيال
عودك ده فيه يتقال موال
ويا عيني ياه، يا سيدي على الأيام
لما تهادي قلوبنا غرام فجأة يهون كل اللي فات
ولاقيت جوايا خناقة كبيرة قامت على طول
عقلي يعقلني وقلبي يقولي “روحلها قول”
مخدتش ثواني وكان قلبي طالع كسبان
روحت وقولتلها، إن أنا ولهان”
بتلك الكلمات كان يشدوا حاتم بنبرة شجية، رغم غلاظة صوته لكن معني الكلمات غزا القلب…
تبسمت جود وهو يقترب منها ينظر الى تلك اللوحة الموضوعة فوق حامل خشبي، نظر لها بإنبهار قائلًا بإشادة:
روعة أوي، اللوحة تجنن.
إبتسمت قائلة:
بجد.
اومأ بتأكيد قائلًا:
روعة شوية عليها.
ابتسمت قائلة:
بقي عندي مجموعة لوح، بفكر أعمل معرض لوح هنا… “العلمين “بقيت مزار سياحي مهم.
أومأ لها بتشجيع قائلًا:
متأكد المعرض الجاي هيبقي أقوى وانجح من المعرض اللى فات.
إبتسمت له قائلة:
بجد…
أكد برأسه… وضمها قائلًا:
أكيد… بس خلينا ندخل جوة..
الجو برد، بقينا المسا.
ضمت نفسها له قائلة:
إحنا فى البلكونة… كمان النهاردة الجو كان دافي والشمس كانت طالعة عكس الايام اللى فاتت.. كانت ضباب وغيوم.
نظر لها وفكر للحظات:
كم كانت حياته” ضباب وغيوم”
قبلها… هي أزاحت ذلك، وأشرقت شمسً دافئة فى قلبه.
اثناء ذلك صدح صوت بكاء صغير… قريب منهم
تبسمت جود قائلة:
بنتك صحيت خلينا ندخل لها…
تبسم الإثنين على تلك التى تحدثت لهما بإنزعاج قائلة:
الجو برد واقفين فى البلكونه وقصادكم البحر كمان…كمان سايبن البنت كده تعيط…تعالي يا قلب تيتا دول عندهم تناحة لكن إنتِ رقيقة.
ضحكت جود ودلفت وخلفها حاتم يحمل اللوحه ضاحكًا…
تبسمت جود حين رات جلوس بدرية تحمل طفلتهم الصغيرة كذالك يجلس جوارها طفلهم الآخر تحتاط بهما…
لمعت عيني حاتم بسعادة رغم غصة قلبه على فُراق والده منذ عامين تقريبًا ومن وقتها وبدرية تشاركهما حياتهما… تهتم بهما، وطفلهما الاول كأنها نسيت وجع الفُراق… أو بالأصح كان ذلك هو النسمات الطيبة التى مست قلبها فأهدأت قسوة وجفاف الفُراق بشمل جديد.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفه
مازال يقوم بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال… أجيال خلف أجيال… وهو يجود عليهم بتحفيظ وتجويد القرآن…
بالداخل
إستقبلت زوجته درة ومعها طوفان بترحيب
ثم جلست معهم قائلة:
الشيخ زمانه قرب يخلص تسميع… أها ملحقتش أخلص كلامي.
تنهد الشيخ عرفة وهو يجلس بإرهاق قائلًا:
الجيل ده مُتعب أكتر عيال أشقية جت عندي من يوم ما بدأت فى تحفيظ القرآن.
ابتسمت درة وطوفان وهما يتذكران نفس الجملة كان يقولها لهما وهما صِغار.
لاحظ عرفة بسمتهما فقام بذمها:
بتبتسموا على إيه…
أه عشان إبنكم البكرى”نوح”الولد شقي جدًا بس للآسف كل ما أحاول أمسك عليه غلطة مش عارف.
تبسمت زوجة الشيخ عرفة قائلة:
مش إبن طوفان و درة… الإتنين من حفظة كتاب الله.
أومأ الشيخ عرفة بتأكيد قائلًا:
طول عمري أقول الكُتاب بتاعي بيأسس دكاترة وشخصيات كبار الشأن.. مش بس طوفان ودرة كمان فى غيرهم.
ابتسمت درة وفتحت حقيبة يدها أخرجت ثلاث علب صغيرة قائلة:
أنا غيرت عدسات النضارة بتاعتك حسب المقاسات الجديدة كمان جبت لك واحدة تانية إحتياطي، كمان جبت نضارة الحجة.
أخذ الشيخ عرفة منها العلب قائلًا:
كويس إنك جبتي نضارة الحجة أهم من نضارتي… خدي يا حجة النضارة ألبسيها وإنتِ بتنقي الرز عشان تشوفي الدنيبة من الرز… بقينا بناكل الرز بالدنيبة.
تذمرت زوجته بمرح قائلة:
جرا ايه يا شيخ مكنتش مرة.
ضحك طوفان ودرة.. وجلسا معهما لوقت قليل وأستأذن الشيخ وأخذ طوفان معه لغرفة أخرى وظلت درة تتحدث مع زوجته…
بعد وقت قليل
وقفت درة بالحديقة تبتسم…
بينما طوفان يخرج من تلك الغرفة… ابتسم هو الآخر
الاثنين كأن الماضي يُعاد أمامها الآن
نوح يقف على السلم جوار طوفان… وطفله أخرى صغيرة تصعد السلم دون إنتباه منها تتطرف نحو الحرف، سريعًا تحدث نوح:
“حاسبي حرف السلم هتقعي”
لكن إختلف الحاضر عن الماضي،إنتبهت الطفلة وإبتعدت عن الحرف وصعدت تقف جوار نوح قائلة:
المرة دي حفظت الوِرد اللى قالي عليه الشيخ عرفة وهاخد بونبون وشيكولا وإنت كمان هتديتني اللى هو هيديهم لك.
ضحكت درة كذالك طوفان وذكري الماضي… تُعاد… ربما ترسم مستقبل… فهل يتشابة القدر مثلما تشابك مع “طوفان الدرة”
يخلق مستقبلًا
…. ملحمة طوفان هزمة العشق…
{تمت بحمد الله}
- اقرأ ايضا روايات الكاتبة روايات سعاد محمد سلامة من هنا
الفهرس.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.