رواية بنات الحارة الفصل الثاني والأربعون 42 – بقلم نسرين بلعجيلي

رواية بنات الحارة – الفصل الثاني والأربعون

الفصل 42

الفصل 42

**بنات الحاره 4cats**

بقلم نسرين بلعجيلي

Nisrine Bellaajili

الفصل 42

🔹 المقدمة

كل سرّ بيتكشف بيخلي النار تكبر، وكل خطوة جديدة بتفتح جرح أعمق. الحارة بقت مليانة وجع وأسئلة، واللي جاي أصعب من اللي فات.

🔹 كلام نسرين

“أنا باكتب مشاهد الحارة عشان أوري إن الوجع مش بيكسرنا… هو اللي بيكوّنّا. البنات، الشباب، كل شخصية في القصة صورة من ناس عايشين حوالينا، يمكن ساكتين.. لكن جواهم بركان.”

نسرين بلعجيلي

داخل البنك

دخلوا البنك بخطوات ثقيلة، القلق باين على وشوش البنات، والشباب ماشيين وراهم بعزيمة وغضب.

صفاء كانت شبه مرعوبة، إيد رحاب ماسكاها عشان ما تقعش، وزينب بتحاول تديها شجاعة بكلمة همس :

“ماتخافيش… لازم نعرف الحقيقة.”

وصلوا لشباك الموظفة.

رحاب بصوت حاد :

“لو سمحتِ إحنا عايزين نعرف وضع القرض بإسم صفاء عبد الحميد.”

الموظفة بدأت تكتب على الكمبيوتر وتراجع البيانات، وبعد لحظات رفعت عينيها وقالت ببرود :

“القرض اتسحب بالكامل من 3 أيام.”

الجملة وقعت زي الرصاص.

صفاء شهقت، ودموعها نزلت، وإيدها مسكت في طرف الكاونتر كأنها هتقع.

جمال انفجر :

“إتسحب إزاي؟! ومين اللي استلمه؟!”

الموظفة ارتبكت :

“أنا ماقدرش أدي تفاصيل أكثر، لو عايزين توضيح لازم تقابلوا مدير الفرع.”

أسامة بسرعة :

“يبقى نشوفه حالًا.”

بعد دقائق، الباب اتفتح، ودخل المدير.. راجل في أواخر الخمسينات، نظارته نازلة على طرف مناخيره، ملامحه متوترة.

قعد قدامهم وحط ملف صغير على المكتب، وابتدى يتكلم ببطء :

“أنا فاهم إنكم مصدومين، لكن لازم أقول لكم الحقيقة. القرض اتسحب باستخدام مستندات كاملة، من بينها توكيل رسمي بإسم صفاء. المعاملة اتنفذت بشكل طبيعي جدًا قدامنا.”

رحاب انفعلت :

“إزاي؟! إزاي حاجة زي دي تعدي من غير ما حد يراجع؟!”

المدير اتنحنح، صوته هادي لكنه متردد :

“الموظف اللي كان مسؤول عن الملف قدّم استقالته من يومين، وسافر يشتغل في دولة عربية. التحقيق الداخلي أظهر وجود تجاوزات في الإجراءات، لكن التفاصيل كلها اتحولت للإدارة المركزية.”

أسامة عض شفايفه، صوته غاضب :

“يعني الموظف لعبها صح، والفلوس اتسحبت، وصفاء دلوقتي هي اللي هتشيل الليلة؟!”

المدير رفع إيده بسرعة، وكأنه بيحاول يسيطر على الموقف :

“أنا مقدرش أصرّح أكثر من كده، لكن لازم تفهموا إن الحل مش عند الفرع. لازم يتقدم بلاغ رسمي للنيابة، لأن من غير محضر، صفاء هتفضل مسؤولة قانونيًا عن المبلغ.”

الكلام وقع زي الطعنة. البنات اتجمدوا في مكانهم، صفاء دموعها غرقت خدودها، وصوتها اتكسر :

“يعني أنا… أنا اللي هدفع التمن؟!”

رحاب حضنتها بسرعة :

“لا يا صفاء، مش هنسيبك.”

أسامة ضرب الطاولة بكفه وقال :

“لازم نتحرك فورًا. الموضوع مش هيتساب كده.”

جمال عينه مولعة :

“ده نصب واضح ومش هنسكت.”

المدير كان قاعد متوتر، حاول يهدّي :

“زي ما قلت لكم، البلاغ هو الحل الوحيد. وإحنا هنسلّم كل المستندات للنيابة.”

ساعتها فارس وقف، صوته واثق وحاسم :

“يبقى ما فيش وقت نضيعه. نطلع من هنا على القسم مباشرة، نعمل محضر رسمي. لازم القضية تبقى في يد القانون قبل ما يتحركوا بخطوة تانية.”

البنات بصّوا لبعض، ملامحهم كلها خوف وقلق، بس كلام فارس كان زي سند.

أسامة أومأ برأسه :

“معاه حق، يلا دلوقتي.”

الكل قام، خطواتهم ثقيلة لكن عينيهم مليانة إصرار.

صفاء وسطهم، ضعيفة ومنهارة، لكنها لأول مرة حست إنه فيه ناس واقفين جنبها.

المدير خلص كلامه ومشي، الجو اتخنق أكثر. صفاء مسحت دموعها وقالت بصوت مبحوح :

“طب إزاي أعمل بلاغ وأنا أصلاً ماعنديش أي صورة تثبت إنه كان معايا؟! حتى صورنا سوا مافيش”

رحاب رفعت صوتها بدهشة :

“إزاي يعني مافيش صور؟! إنتِ متجوزاه، إزاي ماخدتيش معاه ولا صورة واحدة؟!”

صفاء أطرقت برأسها وقالت وهي بتعيط :

“كان دايمًا يرفض، يقول مش بيحب يتصور وأنا صدقته. و بعدين كان فيه صور اخذتها من غير ما ياخد باله بس لاقيتها محذوفه من الموبايل  ”

ياسر اتدخل، صوته غاضب بس فيه فضول :

“طب كنتوا بتتقابلوا فين؟ في مكان محدد ولا متغيّر؟”

صفاء مسحت دموعها بسرعة وردّت :

“كان في شقة صغيرة في حي شعبي في القاهره. هو اللي كان بيجيبني هناك، وكان دايمًا يقول ما تسأليش كثير.”

أسامة شد نفسه وقال بحدة :

“يبقى ده خيط. العنوان ده لازم نوصله.”

ياسر نظر للبنات وقال بحسم :

“يبقى اللي جاي واضح، إحنا هانروح هناك ونشوف بعنينا. يمكن نلاقي أي دليل، أو حد يعرفه.”

رحاب بصّت لصفاء وقالت بعصبية :

“كل ده ومخبيه يا صفاء؟! وإحنا نجري ورا سراب؟!”

Nisrine Bellaajili

صفاء نزلت دموعها من غير كلمة،

والكل فهم إن اللعبة لسه في أولها.

صفاء مسحت دموعها وقالت :

“كان بيحلفني ماقولش لحد وأنا صدقته.”

أسامة خذ نفس طويل، وبص للجميع وقال بحسم :

“خلاص، ده أول خيط حقيقي. العنوان لازم نروح له.”

جمال ردّ بسرعة :

“دلوقتي حالًا؟”

أسامة هز راسه :

“أنا هعدّي على البيت الأول، آخذ شاور وأغيّر هدومي. الليلة دي كانت طويلة، وأنا محتاج أبقى صافي وأنا داخل على خطوة زي دي.”

ياسر قال وهو يبص للبنات :

“وإحنا نروح على الشقة اللي صفاء قالت عليها. لازم نشوف المكان قبل ما يضيع مننا أي دليل.”

فارس أكدّ بصوته الهادي :

“صح. نتفرّق دلوقتي ونلتقي عند الشقة. هناك ممكن نلاقي الحقيقة.”

البنات اتبادلوا نظرات خوف وقلق، صفاء جسمها بيرتعش، وزينب مسكت إيدها وقالت :

“خلاص، المهم إننا مش لوحدنا. نواجه اللي جاي سوا.”

أسامة رجع الشقة، تعبان ووشه مرهق من طول الليل. دخل وهو بيقول لنفسه :

“شاور سريع وألحقهم قبل ما يتصرفوا لوحدهم.”

لكن أول ما دخل وقف مكانه.

قدام باب الشقة من جوّه كان فيه موبايل قديم وورقة مطبوعة عليها كلمتين :

“شوف الفيديو.”

قلبه وقع. مسك الموبايل وإيده بتترعش، ضغط على زر التشغيل.

الشاشة سوّدت شوية، وبعدين الفيديو ظهر.

كاميرا مهزوزة، ظلمة، وبعدين بان المشهد بوضوح :

الحاج اليزيدي قاعد في غرفة ضيقة، وراجل واقف معاه وشه معروف جدًا : جوز بطة.

قدامهم راجل تاني، مربوط وإيده متكتفة، صوته باين وهو بيتوسل :

“سيبوني.. حرام عليكم، عندي عيال!”

أسامة حسّ جسمه بيتجمّد.. الصوت ده مش غريب.

الكاميرا اتقرّبت، والراجل المربوط رفع وشه..

أسامة شهق :

“أبـــــــويا!”

في اللحظة دي ظهر اليزيدي وهو بيشاور لجوز بطة، صوته ثقيل مليان غل :

“خلص عليه وادفنه، محدش يعرفله طريق.”

الصورة وضّحت أكثر، جوز بطة شدّ سكينة وغرزها في صدر الراجل.

صرخة أبوه كانت آخر حاجة سمعها، والدم سال على الأرض.

الموبايل وقع من إيد أسامة وهو بيصرخ :

“لااااااااااا!”

وقع على ركبته، إيديه ماسكة راسه، دموعه بتغرق عينيه وصوته متقطع :

“أبويا… قتلوك يا بويا… اليزيدي قتل أبويا!”

الشقة كلها لفّت حواليه، والضحكة الباردة لليزيدي في آخر الفيديو بتدوي كأنها شبح.

أسامة وقع على الأرض، عينيه مسمّرة في الموبايل كأنه مش قادر يرمش.

الفيديو خلّاه يسمع تاني نفس الصرخة… نفس الدم… نفس الوجع.

الذكرى ضربت دماغه بقوة :

طفل صغير مستخبي ورا الباب، عينيه مليانة دموع، بيشوف أبوه وهو بيتقتل قدام عينيه ولسانه مربوط ما يقدرش يصرخ.

رجع للحاضر فجأة، صرخ بأعلى صوته :

“أنا ساكت سنين، أنا كنت طفل صغير ماقدرتش أنقذه، دلوقتي الدليل في إيدي والذنب بيقتلني”

إيده ماسكة شعره بقوة، دموعه نازلة زي المطر :

“الذنب ده أكلني حيّ، أنا اللي عشت جبان، أنا اللي عشت مكسور، أنا اللي عشت ميت من جوّه”

المشهد كان مرعب، مش بس لأنه شاف القتل للمرة التانية، لكن لأنه عاش أقسى شعور : الذنب والجلد النفسي.

وأسامة فهم إن مرضه مش جسدي، مرضه هو الجرح اللي عمره ما اتقفل.

نسرين بلعجيلي

إيده مسك شعره بقوة، راسه بتخبط في الحيط كأنه بيعاقب نفسه :

“الذنب قتلني، جلد الذات دمرني، أنا عشت جبان”

فجأة وقف، عينه حمرا مولّعة، صوته خرج من وسط البكاء زي الرعد :

“بس خلاص، مش هسكت تاني، مش هسيب دمك يروح هدر”

رفع الموبايل بإيده، وبص للشاشة اللي لسه واقفة على صورة الحاج اليزيدي.

صوته طلع غليظ وهو يصرّخ :

“والله لأنتقم منك يا يازيدي، هتشرب من نفس الكاس اللي شربتني منه، ودم أبويا مش هيسيبك”

في إيطاليا من أحياء ميلانو، في جنينة كان علي وأحمد قاعدين بيسكروا.

شوية وعدّت بنت إيطالية مع كلب صغير.

أحمد : “يا ديني النبي على القمر اللي معدّي.”

علي : “فين؟ أنا مش شايف حاجة.”

من كثر الشرب وقع على الأرض ونام.

أما أحمد قام ورا البنت.

أحمد : “Ciao bella، تعالي معايا هابسطك أوي.”

البنت : “Eh cosa vuoi??”

عايز إيه؟؟

أحمد : “أنا مش عارف هي بتبرطم عايزة إيه.”

أحمد : “Io no italiano… أنا لا إيطالي.”

البنت : “Uffa vai via… أوف، روح من هنا.”

بس أحمد مكانش في وعيه. الكلب الصغير ابتدا ينبح كتير،أحمد أخذه بكل قوته وضربه على الأرض، وكسر إزازة الخمرة، وغرزها في الكلب.

البنت أول ما شافت الدم راحت تجري بسرعة.

أحمد كان لسه مترنّح من الخمرة، وشه أحمر وعينيه تايهة.

البنت جريت بأقصى سرعتها بعد ما شافت كلبها واقع ومابيتحركش، دموعها نازلة وهي بتشهق :

– “Aiuto! Aiuto!”

الحقوني الحقوني

لكن أحمد لحقها بخطوات سريعة، مسكها من دراعها بكل قوته.

البنت حاولت تفلت، إيديها بتخبط فيه وتعيط، صرختها بتقطع السكون:

– “Lasciami! سيبني!”

أحمد شدّها بالعافية وساقها ناحية خرابة فاضية جنب الجنينة، صوته خشن ومترنّح :

“تعالي معايا، ماحدش هيسمعك هنا.”

البنت انهارت دموعها، صوتها اتكسر وهي بتبكي وتترجّى، لكنه ماكانش سامع غير نفسه.

الباب الحديدي القديم للخرابة اتقفل وراهم وصوت بكاها العالي اختفى جوّه. المشهد أسود، والليل ابتلع صرختها.

أسامة صحي من الصدمة وهو عرقان، عينه لسه مغيّمة من اللي شافه. دماغه بيلفّ، وصوت أبوه وهو بيتقتل راجع يرن في ودانه زي ما كان وهو طفل صغير.

مسح وشه بإيده، شد نفسه وقال بصوت واطي كأنه بيكلم روحه :

“خلاص، كفاية هروب. المرة دي أنا اللي هجيب حقك يا بابا، وحق أسماء كمان.”

ركب عربيته على طول واتجه للمستشفى. دخل أوضة أسماء، لقاها نايمة هادية، الأجهزة جنبها بتدي إشارات ثابتة. قرب منها، مسك إيدها، دموعه وقعت على كفها :

“متخافيش يا أسماء، أنا معاك. واللي ظلمك مش هيفلت.”

خرج من الأوضة، أخذ نفس عميق، وفتح الموبايل اللي كان فيه الفيديو. بإيد مترددة شوية بس مليانة إصرار، بعث الفيديو على طول لرقم ظابط الشرطة اللي كان متابع قضية أسماء  من الأول. كتب له رسالة قصيرة :

“شوف الفيديو ده، ده الدليل اللي هيقلب كل حاجة.”

ضغط إرسال، وقف لثواني يبص للشاشة لحد ما ظهر علامة الصح.

إبتسم ابتسامة حزينة وقال لنفسه :

“الليلة دي.. بداية الحرب.”

المستشفى – الإسكندرية.

عصام واقف قدام أوضة الإنعاش، ضهره ملزوق في الحيطة، عينه حمرا ودموعه نازلة من غير ما يحس.

تمتم بصوت متكسّر :

“ليه يا حنان؟ ليه تسيبيني دلوقتي؟ أنا اللي ضيعتك، أنا السبب في كل ده.”

أبوه قاعد على كرسي في الكوريدور، راسه بين إيديه، صوته طالع مبحوح :

“إحنا اتفضحنا يا ابني، ضيّعنا البت بإيدينا، مافضلش غير الندم.”

عصام ضرب إيده في الحيطة، صوته مليان حسرة :

“أنا راجل فاشل، لا قدرت أكون زوج ولا أب، خسرت كل حاجة.”

في اللحظة دي، وقف الحاج اليزيدي، خطواته ثقيلة وعينه فيها برود. بص حوالين الكوريدور المليان حزن وقال بنبرة جافة :

“كفاية ندب بقى. مش وقته البكا.”

عصام رفع عينه عليه بغضب :

“إزاي تقول كده؟ مراتى ماتت، ضاع كل حلم في حياتي”

اليازيدي قرب منه وقال بصوت واطي لكنه ثقيل :

“اسمع يا عصام، البت خلاص راحت، ودي مش نهاية المصايب، اللي جاي أسوأ الدنيا هتولع أكثر من كده، ولازم تشد حيلك لو عايز تعيش.”

الكلام وقع زي الحجر. عصام حس إنه بيتكسّر من جوه، بس برضه كلام اليزيدي فتح باب خوف جديد..

إيه اللي جاي؟ وليه بيقول إن الدنيا لسه ما ولعتش؟

الخبر لسه رايح بيت أهل حنان يا ترا هيستقبلوا الخبر ازاي؟؟

“أصعب خيانة، هي لما تلاقي نفسك خنت ثقتك في نفسك قبل ما حد يخونك.”

اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم إكفنا شرّ الخيانة والخذلان، واجعل قلوبنا عامرة بالإيمان واليقين.

يتبع ..

نسرين بلعجيلي

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية بنات الحارة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق