رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثالث عشر
الفصل الثالث عشر
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الثالث عشر:
“يا بابا …. يا أبي … يا أمي … يا ناس ….ياهوووووو حد يلحقني همووت في ايدهم.”
لم يستجيب أحد إلى ندائه و ظل يتلقي الضربات المتفرقه محاولًا قدر الإمكان تفاديها و صدها ولسانه لا يتوقف عن الاستنجاد بأحد أفراد عائلته
وعندما لم يجدي ندائه واستنجاده نفعًا صرخ بعلو صوته:
“انتوا فين يا شوية بني ادمين، انتوا فين يا ناس؟؟
محدش عنده ريحة الدم يجي ينتشلني مما أنا فيه الآن…هل من مستمع..طب هل من منقذ. ”
عقب “محمد” ساخرًا وهو ينزل بيديه على ظهره:
“ده أنا اللي هنتشلك دلوقتي علشان أنا زهقت خلاص، أنت إيه مش بتحس يالا معندكش دم.”
“قسمًا عظمًا بحس، لو مبحسش مكنتش عرفت أن ايدك زي المرزبة يا جحش.”
ولجت والدته في تلك اللحظة باحثه عنه بأعين خائفة متلهفة للإطمئنان عليه:
“في إيه يا حبيبي.”
لم تسترسل كلماتها بل أبدلت الحديث واستفسرت عما يفعلون بابنها وهي تقترب منهم وتخلصه منهم:
“إيه ده في إيه، انتوا بتعملوا إيه في ابني، نزل ايدك أنت وهو..”
تنفس أحمد الصعداء محتضنًا والدته بامتنان وحب كبير غافلًا عن نظرات صابر ومحمد الثائرة.
فما فعلوه الآن لم يخمد نيرانهم بل باتت مشتعلة أكثر وأكثر.
ألتفت أحمد إليهم وهو يهندم ملابسه ويمسح على وجهه:
“اهي جت اللي تشكمكم يا جزم..انا هوريكم، وحياة أمي اللي واقفة دي، ما هعديلكم اللي عملتوه ده وهتدفعوا التمن غالي اوووووو…يالـــهــوي…الحقيني يا ثراء….”
قال الأخيرة وهو يحتمي بوالدته من صابر الذي نفذ صبره ولم يستطع كبحه أكثر من هذا مندلعًا من مكانه كي ينال منه مرة أخرى.
هتف صابر من بين أسنانه وهو يخبره:
“لو راجل متستخباش واقف قدامي راجل لـ راجل.”
رد عليه من خلف والدته:
“ما هو أنا مش هقف قدامك لأجل إني راجل، أنا محدش يقولي اعمل إيه ومعملش إيه، أنا لو عايز اقف قدامك يبقى بمزاجي مش بمزاجك أنت يالا.”
اغمض صابر عينيه لوهلة ثم قال من بين أسنانه موجهًا حديثه لوالدته:
“ماما لو سمحتي ارجوكِ سبينا لوحدنا معاه.”
وقبل أن تجيب رافضة هذا الاقتراح كان أحمد يرد مسرعًا:
“ماما مش هتتحرك من هنا ولو اتحركت هيبقى رجلي على رجلها.”
“اسكت أنت بقى خالص دلوقتي.. وأنت يا صابر وأنت يا محمد قولولي عملكم إيه وأنا هجبلكم حقكم بس بالعقل مش بالهمجية دي.”
“قوليلهم يا ماما الهمج دول.”
لكزته ثراء كي يصمت متابعة:
“في ايه بقى احكولي، ها يا محمد عملك إيه.”
تبسم وجه أحمد وقال بنبرة خبيثة مدركًا بأنه لن يستطع الحديث وسيلزم الصمت:
“اه صح قولها يا محمد عملتلك إيه أنا.”
وبالفعل لم يجد محمد ما يقصه فقال بنبرة تغلغلها بعض التردد:
“بيدخل في كل حاجة وكل حاجة بعملها يبوظها… أنا هروح في داهية بسببه.”
هتف أحمد ساخرًا:
“وانا مالي يا عم.”
“اومال مال مين؟؟”
“ما انا قولتلك مش مالي روح دور بقى مال مين ولقيله صاحب.”
غضب صابر وصاح مستنكرًا:
“أنت ليك نفس تهزر..ماما بقولك إيه أحمد ميهوبش ناحية الاوضة دي تاني وإلا و ربي هنسى أنه أخويا وابن أمي وأبويا وهديله علقة موت ترقده في السرير.”
استنكر وجه أحمد حديث أخيه فقال شاعرًا بالاسف:
“هو الإنسان كدة لما ربنا بيديه بيفتري.. وأنت عشان ربنا مديك شوية صحة على عضلات بتفتري..”
جاء صوت تصفيق من خلفهم جاذبًا أنظار من بالغرفة، قائلًا بطريقة مسرحية ويديه لا تكف عن التصفيق:
“الله يا بني..فنان والله.”
ابتسم أحمد وتساءل بفخر:
“عجبتك يا بابا ؟”
رد عليه جابر مؤكد حدوث هذا:
“عجبتني بس ؟؟؟
أنت مش عارف أنت بتعمل فيا إيه أنت بتفكرني بالذي مضى وبترجعني سنين كتير لورا.”
“عمي أنا آسف على المقاطعة بس بجد أحمد مزودها معايا اوي وأنا كل ده ساكتله احترامًا لحضرتك..”
ما لبث يتابع فقاطعه أحمد متمتم:
“لا يا شيخ متصدقوش يا بابا ده كان لسة مسكني بيضربني هو وصابر..قال احترام قال وأنت لما تمسكني تضربني كدة تبقى بتحترمه اومال لو مش بتحترمه بقى كنت عملت إيه؟
اقولكم حاجة أنا ماشي ومليش دعوة بيك وأنت.”
قالها وهو ينظر لصابر والذي كان يركز عينه عليه.
ابتلع ريقه وقال راغبًا بالفرار:
“اوضتك دي اشبع بيها ولا تلزمني اصلا..تصبحوا على خير.”
بعد ذهابه خرجت والدته من خلفه لاحقة به منادية عليه:
“خد يا أحمد، أنت رايح فين.”
مسك بها جابر من ذراعيها يمنعها من ملاحقته قائلًا:
“رايحة فين سبيه.”
دُهشت من حديثه ولم تخفي دهشتها بل سألته:
“اسيبه ايه يا جابر، مش اعرف ابني رايح فين.”
وببساطة أجابها:
“يعني هيكون رايح فين يعني، اكيد هيقعد مع أهلك، يعني مراحش بعيد، وبعدين ابنك ده بُق هو مش ابني، بس ابصملك بالعشرة أنه طالع لعابد أخويا في الحتة دي وبُق زيه، وأساسًا أساسًا فلسع عشان خايف مش عشان زعل واتقمص زي ما أنتِ متخيلة بس هو حب يصيع بس على مين ده أنا الأستاذ.”
***********
“بقى كدة يا جدو؟؟؟
بتعمل فيا أنا كدة؟؟؟
بتغدر بيا وتخوني بعد ما امنتلك ؟؟
طب أصدقك تاني ازاي وامنلك ها قولي ؟؟”
صاح “أحمد” مستفسرًا بعد ذهابه لعائلة والدته مثلما خمن والده، باحثًا عن مروان حتى وجده بالحديقه جالسًا بأريحية مغمضًا عينيه بل و وصل به الأمر إلى الغناء والتي عكست ما يشعر به الآن من سعادة غامرة.
ولكن ما أن تناهى إليه صوته المزعج حتى فُزع وسأله بتعجب:
“ايه اللي جابك هنا، هو أنت مش كنت بتضرب وبعدين بتكلمني كدة ليه هو أنا صاحبتك؟”
“بضرب !! معذرة بس أنت أكيد قصدك اتغدر بيا، بس ملحوقة يا جدو وعشان تبقى عارف أحمد مش بيسكت عن حقه وخليك فاكر أن أنت اللي بدأت وعلى رأي المثل العين بالعين والسن بالسن، تصبح على خير يا اللي كنت فكرك جدو وبتحبني، تصبح على خير.”
تحرك والجًا المنزل قاصدًا الغرفة الذي يمكث بها “يوسف”
طرق على الباب بخفة ولكن لم يأتيه جواب فقام بفتح الباب ودخل الغرفة لكنه لم يجده وقبل أن يخرج وقع بصره على الشرفة ورآه بداخلها يوليه ظهره ومن الواضح أنه يتحدث مع أحد.
اقترب منه وقبل أن يفعل أو يقول أي شيء وصل إليه كلماته تلك:
“لا يا محمد مش لازم انزل ولا نتكلم دلوقتي الصباح رباح وبعدين متقلقش مش ناوي أقول لحد حاجة ولا اجيب سيرة باللي حصل، انا أصلا مشوفتكش انهاردة…”
كان يتحدث مع “محمد” والذي ما أن عاد إلى حجرته قام بمهاتفته راغبًا في رؤيته مستفسرًا عن مكانه في الوقت الحالي وبعد أخذه الرد من يوسف.
تنفس الصعداء وقال بامتنان:
“مش عارف أقولك ايه بجد.”
“متقولش حاجة إحنا مش ولاد عم إحنا أخوات واكتر كمان.”
بعد انتهائه صمت ثواني ثم قال بتردد:
“محمدهو أنا ينفع اسألك على حاجة ؟”
“أكيد يا يوسف اتفضل.”
“برق.”
“مالها ؟”
زاد توتره ثم قال بصراحة:
“انا مش عارف مالي يا محمد من ساعة ما شوفتها، اقسم بالله ما عارف فيا ايه، كل اللي فهمه أنها مش عايزة تروح من بالي، وحاسس اني عايز اشوفها تاني، محمد هي مخطوبة أو مرتبطة ؟؟
أو حتى حد متكلم عليها ؟”
ابتسم محمد وشعر بما يشعر به إبن عمه، ثم أجابه بنبرة هادئة مطمئنة:
“لا يا يوسف لا مخطوبة ولا مرتبطة ولا حد متكلم عليها.”
“الحمدلله انا كدة اطمنت، وبجد مش عارف اقولك ايه يا محمد، ربنا يخليك بجد.”
في الخارج ابتعد أحمد وخرج من الغرفة واغلق الباب بهدوء مرددًا بينه وبين نفسه بصدمة:
“يوسف شكله طب ولا حد سمى عليه.”
********
في اليوم التالي، تسير “ضياء” بجوار “طارق” في إحدى الشوارع، بعدما قام بمهاتفتها وطلب مقابلتها قبل ذهابها إلى درسها اليوم، ورغم رفضها وعدم قبولها إلا أنها لم تستطع النطق ورفض طلبه وانصاعت إليه وقابلته.
وهناك ما يسيطر عليها في تلك اللحظة ألا وهو المشاعر المختلطة ما بين الندم، الغيظ، والغضب المكتوم الذي لا تستطع الإفراج عنه، فهي المسؤول الأول والأخير عما يحدث معها الآن وهي من سمحت له وقدمت له تلك الفرصة على صحن من ذهب.
انتشلها من أفكارها ومشاعرها لمسة يديه ومحاولته لمسك يديها عنوة، فقد كانت لمسته كالنيران التي احرقتها.
انتفضت وتوقفت عن السير وبدون أن تشعر أبعدت يديها وطالعته بنظرات نارية تكاد تحرقه فلم تستطع الصمود تلك المرة.
توقف هو الآخر ولم يغفل عن نظراتها، غضبها و انتفاضه جسدها.
ابتسم بسمة جانبية تحمل بين طياتها الكثير من الشر والتلذذ مما يحدث، متمتم :
“مالك، اتنفضي كدة ليه، متخافيش مش بعض، ده انا همسك إيدك بس، وبعدين هي أول مرة ولا إيه؟؟ ”
اعماها غضبها ومن بين أسنانها ردت عليه متناسيه وضعها قائلة:
“لا مش أول مرة بس آخر مرة يا طارق تفكر تلمس أيدي، أنت سامع ؟؟”
اعترض واستمر بذات الطريقة المتلذذة:
“لا مش سامع اصلي اطرش. ”
أنهى كلماته وهو يمد يده بجراءة ممسكًا بيديها رغمًا عنها.
كادت تبعده ويعلو صوتها أكثر واكثر، لولا كلماته ونبرة صوته التي تحولت وأصبحت مخيفة:
“بقولك إيه يا بت انتِ، قسمًا عظمًا لو ما اتعدلتي، لهكون موريكي وش جديد خالص، مشفتيهوش قبل كدة مني، فخلينا حلوين ولميلي نفسك. ”
ابتلعت ريقها بصعوبة وشعور بالقهر وقلة الحيلة يملئها، وانعكس هذا على تعابيرها.
زفر بصوت عالي وعلق بهدوء تلك المرة تنافي نبرته المخيفة منذ لحظات:
“شوفتي خلتيني اتعصب إزاي، شوفي يا بنت الناس انا بحبك ولو مش بحبك مش هصمم اني افضل معاكي رغم انك مش عايزاني، بس اقولك حاجة أنا عارف انك لسة شيلالي جواكي شوية حب..”
عم الصمت بينهم يتبادلان فقط النظرات، الباردة من تجاهه، والنادمة منها.
لم يقطع هذا الصمت إلا صوته وهو يشير بسبابته تجاه إحدى المطاعم:
“بقولك ايه في مطعم هناك اهو تعالي اما نطلبلنا سندوتشين ولا حاجة، انا هفتان ومكلتش حاجة من الصبح.”
لم ينتظر ردها وجذبها عنوة تجاه المطعم، وبعد وصولهم وجلوسهم على واحدة من الطاولات المتواجدة التقط قائمة الطعام المتواجدة وتمعن بها، ثم سألها:
“تأكلي إيه ؟؟”
لم تجيبه فرفع عينيه عن القائمة وسألها مرة أخرى مستخدمًا نبرته المخيفة مرة أخرى:
“انا بكلمك وبسألك تأكلي إيه، والمفروض أنه من الذوق والأدب تردي ولا إيه ؟”
ابتلعت ريقها وردت عليه مجبرة:
“مليش نفس، كُل أنت”
هز كتفيه وهتف بلامبالاة:
“عنك ما طفحتي، هطفح انا.”
وبالفعل طلب لنفسه وما هي إلا دقائق وكان طعامه يُوضع أمامه، وعلى الفور مد يديه وبدأ بالتهامه متجاهلًا إياها وكأنها لا تتواجد معه
غافلًا تلك المرة عن نظراتها الكريهة المشمئزة.
وسؤال واحد يتردد بداخلها
“كيف أحبته يومًا؟؟؟؟؟؟”
لم تجد جوابًا على سؤالها إلا أنها حمقاء، بلهاء، كانت تتعجل أن تعيش قصة حب مثل صديقاتها ولكن هذا التعجل لم يكن بصالحها..بل تدفع ثمنه الآن ولا تدري كيف ستتخلص منه.
انتهى من التهام الطعام وطلب الحساب، لحظات وجاء له، تمعن بثمن الطعام، ثم رفع رأسه وثبت عينه عليها وقال بفظاظة:
“معاكي فلوس ؟”
ضاقت عينيها وهي تهز رأسها تؤكد تواجد نقود معها..
وبفظاظة اكبر استفسر منها:
“معاكي كام”
“معيش إلا 100 جنيه وشوية فكة ليه ؟ ”
“هاتي الـ 100 جنية وخلي معاكي الفكة عشان تعرفي تروحي الدرس”
“ليه معكش فلوس ؟؟ ”
وببسمة مستفزة قال:
“اعتبريني معيش، ايه هتقوليلي لا ولا ايه، لا ده انا ساعتها أزعل وزعلي هيبقى وحش اوووي.”
وصل إليها تهديده المبطن، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تفتح حقيبتها وتلتقط المائة جنيه ماددة يديها بها.
اتسعت ابتسامته وقال وهو يلتقط المال منها:
“من يد ما نعدمها…”
*********
“يا راجل عاش من شافك، ألا قولي يا وسام هما كل اللي بيكتبوا كتابهم بيختفوا كدة ومحدش بيعرف عنهم حاجة.”
جاء هذا الصوت الذكوري من خلف “وسام” الذي سرعان ما ألتفت منتبهًا إلى صاحبه والذي يدركه جيدًا.
تشكلت البسمة على محياه وهو يتحرك من مكانه متجهًا صوب صديقه الذي لم يتوقف عن التقدم منه هو الآخر.
قام باحتضانه وهو يربت على ظهره بقوه امتزجت باشتياق، معقبًا على كلماته بمرح:
“لا وحياة امك يا شيخ مش ناقصة قرك أنت كمان، وبعدين ده عاش من شافك أنت، وحشتني ياض يا ياسين مبتسالش ليه يا عم.”
انتهى عناقهم وتفرقا، فصاح “ياسين” قائلًا:
“وحياة أمك!!! أنت بتسبق يعني ولا إيه، وبعدين هو مين اللي جاي يشوف مين، اومال لو أنت اللي جاي تسأل عني هتعمل ايه، ده أنا اللي جايلك مكان أكل عيشك عشان اشوفك وع
رفع وسام يديه واضعًا إياها على فمه يمنعه من استرسال ثرثرته التي لا تنتهي، متمتم ببسمة يغمرها المرح:
“لا بقولك إيه انا مصدع، مش عايز رغي، بدل والله هتلاقيني فتحت دماغك واسيبك سايح في دمك واخلع.”
نزع ياسين يديه متمتم بمرح كبير:
“واهون عليك يا صاحبي، ده انا ياسين صاحبك، ده إحنا بينا عيش وملح يا جدع، وبعدين اسمع اللي عندي وبطل رغي ”
ارتفع حاجبي وسام مستنكرًا كلماته، معقبًا :
” ده انا ها، ما علينا، اشجيني يا صاحبي”
ابتسم ياسين باتساع ثم قال وهو يهندم ياقة قميصه بفخر وسعادة:
“انا هتجوز وفرحي اخر الاسبوع الجاي، وجاي اعزمك على فرحي أنت والمدام، إيه رأيك بقى في المفاجأة دي.”
“بتهزر، يا جدع ما تقول كدة من بدري، ألف مبروك يا صاحبي، ربنا يتمملك على خير يارب، واكيد هاجي، بس المدام مش اكيد أصلها وقعت و رجلها اتكسرت ومش بتتقدر تتحرك ، انا نفسي اعرف يا اخي مين اللي باصصلي في الجوازة كدة، اقسم بالله لو عرفته ما هحله….”
رن هاتفه مقاطعًا مزاحهم سويًا..
اخرج “وسام” هاتفه من جيب بنطاله ورغمًا عنه تشكلت بسمة واسعة على ثغره بعدما زين اسم حبيبته شاشة هاتفه.
ألتقطت عين ياسين تلك البسمة واللمعه بعينيه فاسترسل مازحًا:
“مدام عينك لمعت و وشك ابتسم كدة تبقي دي كدة واحدة تانية غير المودام ما هو اصل استحالة تبقى المودام و عينك تلمع كدة أكيد دي اللي بتخونها معاها صح.”
نفى وسام هذا وقال بنبرة متعجلة وهو يتأهب للابتعاد:
“لا يا ظريف غلط مش انا اللي اعمل كدة واصلا اصلا مفيش في قلبي غيرها ولو في أو ناوي حتى إنه يبقى فيه مكنتش اتجوزتها وكنت قضتها بقى وبعدين اتقى الله أنت خلاص هتجوز.”
اختفى عن نظراته يجيب على معشوقته ومن ملكت قلبه و وجدانه تاركًا صديقه خلفه يضرب كفًا بالآخر مغمغم بخفوت ومزاح:
“طب ما اتجوز ايه المشكلة وبعدين هو في حد دلوقتي يبقى مع واحدة بس !!!
طب الواحد يزهق ويجزع.”
في ذات الوقت كان وسام يلقي تلك الكلمات على مسامع زهر :
“بقى ده يرضي ربنا..ابقى كاتب قبل ياسين ويتجوز قبلي..انتِ راضية عن نفسك وعن اللي بتعمليه فيا ده؟؟
قوليلي الحقيقة مين مسلطك عليا؟؟؟
وقبل أن تجييه كان يهلل مازحًا معها:
“بس خلاص متقوليش عرفته ده اكيد ابوكي واخوكي الجحش اللي إسمه أحمد.”
ضحكت بنعومة أسرت قلبه قائلة من بينهم :
“اشمعنا يعني بابا وأحمد ما ممكن تبقى ماما وصابر ”
نفى ذلك مسرعًا مبررًا سبب اختياره لاخيها وأبيها:
“لا أمك ست سكرة وبتحبني مش هتعمل فيا كدة وصابر حبيبي انما ابوكي واخوكي مفيش بينا عمار..اقولك على حاجة انا مش هستنى اكتر من كدة انا هخلص كل حاجة بحيث رجلك تخف وتبقى عارفة تمشي عليها نتجوز علطول..”
“يا سلام يعني أنا اخف من هنا فـ اتجوز من هنا لا طبعا مش هينفع وبعدين الصبر يا وسام الصبر. ”
“نفذ وحياة امي نفذ..بقولك ايه هو انتِ بتحبي المخلل ؟”
قطبت حاجبيها دهشة من سؤاله فمن المفترض انه يدرك عنها كل شيء وليس هناك ما لا يعمله.
“ايه السؤال الغريب ده ما أنت عارف اني بحبه عادي هو في حد مبيحبوش..”
“بس خلاص هي وصلت وعرفت انتِ بتعملي ايه..”
“بعمل إيه مش فاهمة.”
“بتخلليني يا حبيبتي..بقولك إيه انا جايلك بليل ويا اقنعك يا تقنعيني.”
************
ينتظر آسر داخل سيارته يضرب بأطراف انامله على مقود السيارة أمامه عينيه تترصد تلك البناية منتظرًا خروجها.
لحظات وكان يحرك عينيه محدقًا بساعته متأففًا بصوت عالي فهو ينتظر منذ نصف ساعة تقرييًا وبدأ الضجر والملل يتسللان إليه.
لكن سرعان ما تهلل وجهه عند رؤيته لخروج بعض الفتيات والفتيان من البناية مدركًا انتهاء الدرس وأنها على وشك الظهور.
مد يده وفتح الباب وخرج من السيارة واقفًا بجوارها مستندًا بجسده عليها.
ثواني وكانت تظهر وبرفقتها صديقته يارا وتوأمها خلفهم لا ترافقهم.
تهللت أسارير يارا لا تصدق بأنه قد جاء لأجلها ولرؤيتها..
جاهلة تمامًا عن سببه الحقيقي وأنه قد جاء من اجل رؤية صديقتها التي لا تعطيه وجه.
التهمت المسافة بينهم تاركة إياهم خلفها قائلة بعدم تصديق:
“انا مش مصدقة أنت بجد قدامي وجيت عشاني.”
وببسمة جدية وسخرية خافية قال:
“اكيد..يلا اركبي. ”
تناست كل شيء وكادت تتحرك وتصعد جواره لولا توقفه وتزيفه لانتباهه لها ملتفتًا إليها مستغلًا قربها مثبتًا بصره عليها :
“أخبارك إيه؟”
توقفت مجيبه إياه بتوتر:
“تمام.”
تسللت الغيرة لقلب يارا وتساؤلات كثيرة طرحتها بينها وبين نفسها حول فعلته تلك.
حاولت الحفاظ على ثباتها كي لا تخرب يومها معه وهتفت ببسمة:
“اشوفك بكرة يا ضياء..يلا يا آسر.”
لم ينظر إليها وظل يحدق بضياء والتي لم تتحمل نظراته لها وهربت بعينيها منه.
ولكنها عادت تناظره عندما هتف بكلمات لم يتوقعها اي منهم:
“يلا ايه مش عيب نسيب صحابك يمشوا لوحدهم وعربيتي موجودة ؟ طب افرضي حد غريب عاكسهم؟”
تلك المرة لم يأتيه الرد من ضياء أو يارا بل جاء من روضة التي كانت تقف خلف شقيقتها مباشرة وقالت بطريقة هجومية:
“ده على اساس أنك مش غريب يعني وأنك من بقية أهلنا وأنك مش بتعاكس دلوقتي اصلا..جرا إيه يا يارا ما تشوفي صاحبك.. وأنتِ يلا بينا..”
وقع الحديث كالصاعقة عليه لم ينتظر هذا أو توقع حدوث هذا بل كان في مخططه شيء آخر وها قد خرب كل ما خطط له .
بينما كبحت ضياء ضحكتها وسعادتها مما فعلته اختها وبعد تحركهم من أمام آسر همست لها:
“يسلم فُمك..اقولك خدي بوسة.”
وبالفعل قامت بتقبيلها قبلة سريعة فقامت روضة بالتعليق بانفعال:
“واد مستفز ويكون في علمك عينه منك واديني اهو بحذرك منه واياكي تفكري تكلمي معاه ولو فكر يهوب منك أو يكلم معاكي نص كلمة متسكتيش عشان ده عيل شمال.”
“حاضر.”
رددتها بهدوء فطالعتها روضة بعدم تصديق لموافقتها السريعة قائلة:
“غريبة يعني وداني مش مصدقة أنك بتقولي حاضر من غير وجع قلب ياريت اسمعها كتير بقى بعد كدة..”
وتنفيذًا لرغبتها كررتها على مسامعها متمتمة بحب وهي تتشبث بذراعيها:
“حاضر..حاضر..حاضر.”
*********
“عجبك كدة ؟؟؟ وبعدين إيه اللي أنت عملته ده ؟؟؟ أنت جايلي ولا جاي توصل الهوانم؟؟؟
أنا حتة بت معفنة زي دي اسمها على اسم راجل تخليها تسمعني كلمتين زي دول؟؟؟؟”
صرخت “يارا” عليه أثناء قيادته بثوران كبير وغضب اعمى مما حدث بسببه.
وما اشعلها اكثر واكثر هو التزامه الصمت وعدم رده عليها كأنها لا تتحدث..
تابعت صراخها وعينيها تتسع من شدة الغضب والنيران التي تشعر بها:
“أنت عارف إسمه إيه اللي أنت عملته ده ؟؟؟
اسمه عدم احترام وقلة تقدير ليا.. أنا بجد مش مصدقة أن حتة بت زي دي تسمعني أنا الكلام ده وتوصلي إني مش ملية عينك…”
توقفت عن الحديث وايضًا لا يجيب عليها فقط ينظر أمامه ويتابع طريقة ببرود متواجد على تعابيره
فلا يوجد أحد يدري مدى غضبه وكم الغضب والحروب التي نشبت داخله..
“أنت مبتردش عليا ليه..متبقاش مستفز يا آسر انا زهقت وتعبت مب…آه حاسب في إيه؟؟”
نطقت الكلمات الاخيرة بفزع بعدما قام بوقف السيارة وجذب الفرامل اليدوية بقوة مما جعلها تندفع للأمام وتكاد ترتطم بزجاج السيارة من أمامها.
التفت اليها وصاح باهتياج:
“انا اللي زهقت وقرفت..وحطي تحت قرفت ميت مليون خط مش مليون بس..انتوا إيه مهما الواحد حاول يعمل معاكم ويعمل ليكم مبيطمرش..وبعدين هو انا كنت بقولهم يركبوا ليه مش علشان صحابك ولا روحت لبنات غريبة وقولتلهم يركبوا معانا دول صحابك يا بني ادمة واكيد انا مش هبصلهم..وبعدين من امتى بتضايقي لما حد بيركب معانا ما أنتِ همسة علطول كانت بتركب معانا.”
ابتلعت ريقها معللة:
“بس همسة غير ومجتش انهاردة هو أنت فاكر لو كنت عملتها معاها أنا كنت اضايقت أكيد لا دي صاحبتي..”
“ودول إيه يعني مش دي اللي انتي حكتيلي عنها..”
“ايوة بس انا مش حبه اخليها تتعامل معاك..آسر هي اه صاحبتي بس هي بجد مش كويسة وشمال انا خايفة تاخدك مني…”
لم تكتفي بهذا الكم من الاساءات عن صديقتها بل أضافت كاذبة كي تبعده عنها وتشوه صورتها :
“أنت تعرف أنها عملتها قبل كدة وكان لينا واحدة صاحبتنا مرتبطة بواحد وكانوا خلاص هيبقى موضوعوهم رسمي لولا أنها لفت عليه من وراها وخدته منها وخليته سابها وياريتها كملت معاه بعد ما سابها بسببها مفيش اسبوعين وكانت سيباه..هي اه صاحبتي بس مش كويسة وعشان كدة انا مش مخلياها قريبه مني اوي وباخد حذري كويس اوي معاها..”
بعد تلقيه كل هذا عاد ناظرًا أمامه وقام بتدوير السيارة فتنهدت الصعداء وابتسمت بظفر فقد ظنت بأن الامر قد مر مرور الكرام.
لكن سريعًا ما علمت الحقيقة ورأته يسير باتجاه منزلها فقالت:
“إيه ده هو احنا مش خارجين؟؟”
“لا سديتي نفسي ومبقاش ليا مزاج ومترغيش كتير علشان قسمًا عظمُا يا يارا هقف تاني وهنزلك من العربية ..”
كزت على اسنانها وهي تسب ضياء وشقيقتها بداخلها..بل وصل الأمر بالدعاء عليهم بالموت.
*************
بالمساء جاء الموعد الثاني للدرس والمتفق عليه وحضر “أحمد” بوجود والدهم، بينما أوصت جهاد اختها إحسان على الجلوس بمقربة منهم مثلما فعلت في المرة السابقة.
ابتسم أحمد بوجه رضا وبادلته هى الاخرى بواحدة اكثر اتساعًا فقال :
“عاملة إيه يا رضا وايه اخبارك يارب تكوني بخير.”
“رضا يا استاذ احمد والله.”
“طب يارب دايما قوليلي بقى.”
قاطعته مثرثرة معه بصوت خافض مقتربة برأسها بعض الشئ:
“اقولك ايه..اقولك إن بابا حالف ليموتني ويموتك لو منجحتش وجبت درجات عالية ولا اقولك اني اتخانقت مع البت ضياء اختي قبل ما أنت تيجي علشان كانت عايزة تخش الحمام قبلي وانا أصلا كنت داخلة قبلها بس هي استغلت فرق الأحجام وزقتني وخشت برضو..”
“خشت !! إيه خشت دي يا رضا.”
“خشت يا استاذ يعني دخلت صحصح كدة معايا..”
“مصحصح اهو وبعدين كملي عملتي فيها لما طلعت .”
إجابته ببراءة لا تليق بها:
“معملتش.”
رد عليها منفعلًا:
“عبيطة مكنتيش سكتي كدة انتي سهلة بالنسبالها وكل ما تيجي داخلة الحمام هتدخل قبلك.”
“اومال كنت اعمل ايه.”
“مش عارف بس هفكرلك.”
ابتسمت له سعيدة بمحاولته لمساعدتها..وقبل ان يبدأ في اعطائها الدرس سألته:
“هو حضرتك مرتبط.”
تبسم وجهه وسألها:
“عندك عروسة ولا إيه. ”
أكدت متمتمة:
“البنات كتير يا استاذ والله..نقى أنت بس ولو بايدي اساعدك هساعدك.”
هنا وتذكر أمر يوسف وحديثه عن برق فسألها بترقب كي يتأكد أكثر وأكثر من عدم تواجد أحد في حياتها واضعًا احتمال ارتباطها دون علم محمد بذلك:
“ألا قوليلي حد من اخواتك مرتبط؟”
على الطرف الآخر تحديدًا داخل المطبخ كانت جهاد تتحرك بخفة محاولة تجهيز شيء لتقديمه للضيف.
وبخطوات مترددة ولجت “روضة” والتي لم تكن تدري بحضوره اليوم بل تفأجات أنه بالخارج.
اقتربت منها قائلة :
“بتعملي إيه يا جهاد ؟”
“هكون بعمل ايه يعني بحضر ضيافة للراجل اللي قاعد برة ده، عيب اوي نسيبه من غير ما نقدم حاجة.”
بللت روضة شفتيها واخبرتها بنبرة مترددة :
“طب عنك أنتِ.”
ارتفع حاجبي جهاد وتركت ما تفعل واولتها كامل اهتمامها واضعة يديها بمنتصف خصرها، قائلة بنبرة تحمل بين طياتها كثير من المكر:
“الله الله هي إيه الحكاية احنا طبينا ولا ايه.”
تفاقم توترها وابتلعت ريقها ثم خرج صوتها متلجلج:
“طبينا إيه وحكاية إيه انتِ سخنة ولا ايه يا جهاد.”
رفعت يديها ومسدت على جبينها ثم أخبرتها نافية:
“وربنا ما سخنة انا باردة أهو، بس أنتِ اللي وراكي حاجة وغالبا كدة وصلتلي.”
وبذات التوتر ردت عليها نادمة على مجيئها الذي فضح إعجابها بهذا الأستاذ الذي ساعدها من قبل.
“بجد وصلتلك طب حمدالله على سلامتها، وعلى فكرة أنتِ فعلا باردة وانا غلطانة علشان فكرت اساعدك.”
غادرت باندفاع متجهة صوب غرفتها..
بينما صاحت جهاد تنادي عليها :
-يا بت..خدي يا بت بهزر معاكي.
بالخارج نفت رضا سريعا ارتباط أي منهم وسردت عليه قائلة :
“لا مفيش، روضة والروش بيضايقها وهي مش بتحبه ، إسلام ومفيش، جهاد وبرضو مفيش وبرق برضو مفيش بس دي تعبانة في دماغها اصلا طول الوقت بتقول عايزة واحد سرسجي أو بلطجي قمور و شرير وفتوة كمان يصبحها بعلقة ويمسيها بعلقة عارف لولا أن الروش مش حلو كان ممكن تحبه…..”
شرد “احمد” بحديثها مرددًا بينه وبين نفسه:
“عايزاه يبقى سرسجي وبلطجي وشرير وفتوة………….”
يتبع.
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.