رواية الحب كما ينبغي الفصل التاسع والأربعون 49 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل التاسع والأربعون

الفصل التاسع والأربعون

الفصل التاسع والأربعون

ڤوت قبل أو بعد القراءة، وهستنى رأيكم في الفصل وأي توقعات في الكومنتات 🫂🩷

__________________________

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل التاسع والأربعون:

مغادرة عادل للمقهى وتركه صديقه خلف ظهره ينادي عليه لم تكن عبثًا أو هباءًا بل كان لها سببًا قويًا وهو الذهاب لها والحديث معها أو الشجار معها إذا صح القول.

وهذا لأنه يعلم إلى أي حد كانت تعشقه ولا يزال هذا العشق يتربع على عرش قلبها لم تستطع إخراجه بعـد ولن تستطع.

فلو كانت تكرهه ولا يفرق معها حقًا مثلما أدعت لم تكن ستفعل كل هذا…

هكذا كان يخبر نفسه بتحدي يحاول التحلي بالهدوء التام بعدما فشل كليًا في الوصول إليـها أثناء قيادته للسيارة، حتى رقمه الجديد التي لا تملكه لم تجيب عليه وكأنها تدرك أنـه لـه.

وصل أمام البناية التي تمكث بها، صف سيارته وهبط منها مغلقًا الباب من خلفه بقوة تعبر عن مدى سخطه وحنقه.

اقترب من البناية وقبل أن يلج أوقفه حارس البناية يتصدى لـه يمنعه من تقدم أي خطوة أضافية.

-على فين يا أستاذ هي عمارة من غير بواب ولا إيـه؟ ولا أنا مش عجبك ولا أكون مش عجبك.

حدقه عادل بنظرات محتقنة متحدث بعصبية واضحة:

-أنت هتستعبط ده على أساس أني جديد عليك ومتعرفنيش.

رد الحارس على الفور ينفي معرفته بـه:

-لا معرفكش، وست سـارة قالتلي لو جيت متدخلش، يلا يا بيـه طرقنا مش عايز مشاكل مع الأستاذة وأساسًا هي مش هنا.

صر على أسنانه وبرز فكه، وتحرك عائدًا لسيارته من جديد ولكن ليس للمغادرة فلا يتواجد لديه النية لفعل هذا بل يصر على رؤيتها والشجار معها حتى لو اضطر لانتظارها حتى الصباح فلن يبرح مكانه.

____________________________

-هو عك فعلًا أنتِ مكدبتيش، وبعدين أفكر معاكِ في إيـه بس أنا مش فاهم! على فكرة مفيش أي دليل على كلامك اللي بتقوليه ده، البنت ومجتش وقالوا أنها تعبانة عادي، وآسـر وريحنا منه عادي برضو، وصابـر وكان عادي خالص مكنش باين عليه أنه في حاجة، وأحمد دي عادته مش جديد عليكِ، وإذا كان بيعمل كدة في جده مش هيعملها في الغريب عادي! كلنا عارفين أنه بيحب يهزر، واللي عمله مع شكري مش شرط يكون عشان روضة على فكرة.

أجاب وسـام عليها بتلك الكلمات، مما دفعها للرد عليه تؤكد لـه ما تشعر بـه:

-أنت ليه مش مصدقني بس، على فكرة حوارات الحب دي علطول بتبان وبتبقى مفقوسة ومفضوحة أوي بتخلي اللي قدامك كتاب مفتوح تعرف تقراه بسهولة وأنا بقى قريتهم، ويلا بقى فكر نعمل إيـه لازم نجمعهم يمكن الأمور تنصلح والقلوب تتجمع، بس وأنت بتفكر خليك فاهم أن المشكلة لا في صابـر ولا ضياء ولا حتى أحمد و روضة المشكلة عند آسر وجهاد لأن هما دول اللي مجوش وهما دول اللي لازم نفكر نجيبهم إزاي.

وهكذا ظلت تثرثر مع زوجها طوال الطريق حتى وصلا بسلام إلى منزلهم.

ولج الاثنان وعلى الفور وقبل حتى أن يغلق باب المنزل خلفهم استدارت إليه بحركة سريعة باغتت الآخر متحدثة بحماس:

-بـس لقيتها يا وسـام وعرفت إزاي أجبر جهاد على أنها تيجي.

أوصد وسـام جفونه لوهلة، متحكمًا بنفسه وبأعصابه التي أضحت على باب الأنفلات.

فتح عيونه وهو يكز على أسنانه يسألها ببسمة صفراء:

-طيب أقفل الباب بس حتى وبعدين قولي هتعرفي إزاي تجبري جهاد على أنها تيجي، أقفل بس الباب وأغير بس هدومي ممكن؟

وببساطة أجابته:

-طب ما تقفل الباب وتغير هدومك هو أنا حيشاك يا وسـام؟! ده أنت غريب جدًا، وبعدين إيـه اللي يمنع أني أقولك هعمل إيـه سواء وأنت بتقفل الباب ولا حتى بتغير هدومك، وبعدين بتكلمني من تحت سنانك كدة ليه كأنك مش طايقني.

أشار نحو نفسه متحدث بطريقة طبيعية ينفي تلك التهمة عنه:

-هل أنـا قولت أني مش طايقك! أنا من ساعة ما ركبنا العربية وأنا سامعك وبتكلم معاكِ وبناقشك كمان، بس اديني فرصة ادخل حتى بيتي ولا أغير هدومي وبعدين هسمع كل اللي عندك وكل اللي عايزة تقوليه، أنا كدة غلطان؟

اغتاظت منه وانعكس هذا الغيظ عليها فصاحت حاسمة آمرها مقررة معاقبته:

-طب ماشي يا وسـام اتفضل ادخل وغير هدومك، بس عقابـًا ليك مش هقولك على اللي ناوية أعمله وهحرمك من أفكاري ودماغي المتكلفة دي.

أولته ظهره وتحركت عدة خطوات سمعت خلالهم صوت الباب الذي أنغلق، وقبل أن تخطو أي خطوات أضافية، أوقفها صوته المنادي عليها وباسمها:

-زهــر استني.

لاحت شبه بسمة على وجهها لم يراها هو وبإتقان أخفتها وادعت الغضب الذي خرج طفوليًا يليق بها.

التفتت إليه برأسها، تجيب عليه بانفعال بسيط:

-نعم عايز إيـه؟ ندمت مش كدة، فضولك هيقتلك وهتموت وتعرف ناوية على إيـه صح؟

-لا خالص، أنا كنت هسألك لو معاكِ مسكن للصداع، الصداع هيموتني مش سايبني، مش عارف ليه بصراحة.

نطق كلماته الأخيرة بطريقة ذات مغزى ونظرات صوبها لها بجانب عيونه:

-والله!!! كمان أنا السبب في صداعك!!! طب خليه بقى مش سايبك، أصلًا الحق مش عليك الحق عليا أني افتكرتك ندمت وعرفت غلطتك وحبيت تصلحها.

أنطلقت ضحكاته عاليًا على موقفها الطفولي وحركة قدميها التي دبدبت بالأرض سخطًا قبل أن تتحرك وتبتعد عن مرمى عيونه.

نما إليها كلماته الذي حاول بها إصلاح ما حدث:

-طب خدي طيب ندمت إيـه وغلطة إيـه اللي حبيت اصلحها هو أنا بقولك أتجوزت عليكي وجايلك ندمان، ده أنا بقولك مصدع يا زهـرتي هو الصداع بقى حرام ولا إيـه!!

كادت توصد باب الغرفة عليها، لولا قبضته التي مسكت بالباب وكتفه التي تصدى للباب يمنع إغلاقه، يتحدث بمرح معها:

-لا معلش دي أوضتي وليا فيها زي زيك وبعدين أنا حابب اسمع الفكرة الجهنمية اللي جتلك وهتعرفي تجمعي بيها صابـر وجهاد وآسـر وضياء.

تشنجت وقالت وهي تستعد لمغادرة الغرفة وتركها لـه:

-طب اشبع بالأوضة أنا سيبهالك، واحلم أني أقولك أنا هروح أقول وأحكي لـريهام صاحبتي على الأقل هتسمعني ومش هتتريق وتزهق مني وتختمها بأني جبتلها صداع زيك.

مسك بذراعيها يمنعها عن ترك الغرفة وبحركة تلقائية باتت تقف قبالته وجهًا بوجه، تلقي كلماتها المنفعلة عليه:

-أوعى يا وسـام متمنعنيش.

نظر لها طويلًا بملامح وجه لاحظت تغيرها.

خاصة عيونه التي تخبرها بفعلها لشيء ما أثار حنقه حقًا.

تلك النظرات لا تمزح.. هناك ما يحدث معه.

كادت تعلن عن حيرتها وتسأله عما بـه ويحدث، لكنه سبقها، متحدث بغيرة شديدة:

-هو في إيـه بقى هي ست ريهام دي طلعالي في البخت!! برضو النهاردة وأحنا بنكلم عن شكري جبتي سيرتها!

ارتفع حاجبيها وبعدم تصديق لتلك الغيرة التي تراها وممّن؟ ريهام صديقتها!! امرأة مثلها!

-أنت غيرت من ريهام ولا إيـه؟

لم ينكر مسببًا صدمتها أكثر وأكثر:

-ومغيرش ليه لما مراتي تحطها كل شوية في كلامها وبعد ما كنتِ هتحكيلي هتعملي إيـه غيرتي رأيك ورايحة تكلميها وتحكيلها هي!! وأنا روحت فين إن شاء الله!

ردت بعفوية:

-ما أنت مش طايقلي كلمة ومش عايز تسمع وطلعتني جبتلك صداع يا وسـام.

جلس على طرف الفراش وهو يجيب عليها:

-لا معلش هتحكيلي أنا برضو حلو أوي ريهام اللي طلعتلي في البخت دي..ويلا ادي قاعدة مش هغير حتى احكيلي هتعملي إيـه.

وبحماس عاد إليها من جديد وسعادة من غيرة حبيبها عليها والتي تحتاج إلى الشعور بها من حين لآخر.

التهمت المسافة بينهما وجلست بجواره وهي تخبره محاولة امتصاص غضبه وغيرته ومشاركته أفكارها وأخذ مشورته:

-أنا كدة كدة كنت هقولك ميغركش البوقين اللي قولتهم دول، أنا أساسًا اسمي الحقيقي زهـر بُقه…المهم الفكرة يا سيدي هي كالتالي، أنا بفكر أني لو كلمتها فون عزمتها ممكن عادي متجيش برضو.

ابتلعت ريقها ثم أكملت محل توقفها بذات الحماس الذي يتفاقم كلما تعمقت أكثر بالحديث وسرد مخططها:

-وعشان كدة بفكر أروح أزورها بذات أنهم قالوا أنها تعبانة فـ أنا هأخدها حجة وهروح أزورها وهعزمها وهأكد عليها بدل المرة عشرة وهي أكيد مش هتحب تكسفني وطبعًا مش هكدب عليها وهعرفها إن كله هيبقى موجود عشان حرام البنت تبقى عاملة حسابها ومتتصدمش، بالنسبة بقى لـ آسـر فـ أحنا ممكن نزق عليه قُصي أخوك مش عامل فيها صاحبه يحلها هو بقى ويصارحه أن ضياء هتبقى موجودة ويشوف هيجيبه إزاي.

__________________________

ظل ينتظر..وينتظر.

انتظر طويلًا بعيون لا تغيب عن البناية، ومن وقت لآخر يرفع يده ينظر بساعته.

ورغم مشاعره المختلفة والكثيرة التي اعترته أثناء انتظاره لها من ضجر…غضب…حنق…وقلة حيلة.. يأس.

وخوف مما ينتظره وبما سيحدث معه من بعد الآن.

فقد انقلب عليه الكثير من الناس وقاموا بمهاجمته عندما أعلنت فقط انفصالهم ولم يكونوا وقتها يدركون سبب الانفصال..فما سيحدث وينتظره غدًا!!!

انتهى.. وانتهى مشواره.. لن يرحمه أحدًا وحتى من كان معه سينقلب ضده ويأخذ صفها بعدما خرجت ضحية أمام الجميع وأضحى هو الجلاد.. الظالم.. والخاين..

وأكثر ما تكرهه المرأة ويجعلها تتعاطف مع أخرى هو تعرضها للخيانة.

أصدرت أسنانه صوتًا نتيجة لاحتكاكهم معًا من شدة غضبه والذي جعله يجز بقوة.

كاد اليأس والاستسلام يتمكنان منه لكنه لم يسمح بحدوث هذا ورفض تلك الفكرة.

فلن يرحل قبل أن يراها ويحاسبها على فضحها لـه.

يرى أن ما فعلته فعل شنيع ولا يصح أو يجوز لها أن تفعل هذا بـه، لكنه لا يرى كل ما فعله وبات كفيفًا عما جعل الأمور بينهم تصل إلى تلك المرحلة.

لم يفكر في شعورها وإحساسها عند خيانته لها..لا يرى كم عدد المرات التي سامحته بها ومنحته فرصة جديدة لكنه لم يستغل تلك الفرص ويبدأ معها من جديد.

ربما لأنه شعر أنها لن تستطع الإستغناء عنه وسيعودان لا محال، خاصة بعد مسامحتها لـه عدة مرات رغم إدراكها بخيانته ومواجهتها لـه.

وأخيرًا وبعد أن طال انتظاره وصلت سـارة، أو السفيرة عزيزة كما أطلق عليها ما أن التقطت عيونه سيارته التي صفت وهبطت منها وهي تبصره بلا مبالاة.

هبط من سيارته وأغلق الباب بعنف وبدأ بالتحرك نحوها.

لم تعريه اهتمامًا كأنه سرابًا أو شيء غير مرئي مستمرة في تقدمها كي تلج البناية.

ولولا صوتـه الذي هتف ينادي باسمها ما كانت ستتوقف ولكنها وباللحظة الاخيرة قررت المواجهة والوقوف بوجهه.

-ســــارة.

التفتت إليه تجيبه بعيونها عوضًا عن لسانها.

فهم رغبتها في مواصلة حديثه واستفهامها عما يريده، فقال بعصبية مكتومة:

-إيـه مش شيفاني وأنتِ نازلة من عربيتك ولا الهانم عارفة هي عاملة إيـه فبتهرب مني.

تزين وجهها ببسمة واسعة، ساخرة، تستهزء من حديثه حول رغبتها في الهروب منه، قائلة باستهجان واضح:

-وأنا لما أحب أهرب من حد يا عادل ههرب منك أنت!!! حبيبي أنا أصلًا مش شيفاك، مش هقولك أنت بقيت قد كدة..لا..

أشارت في نهاية حديثها بيديها دلالة على صغره في عيونها، مضيفة بقوة كونت بداخله رغبة في الإمساك بها وضرب رأسها بأي حائط:

-أنا مش شيفاك أصلًا يا عادل ومش هشوفك تاني، سـارة العبيطة اللي كانت بتسامحك على أي حاجة وكل حاجة بتعملها خلاص مبقتش موجودة اتبخرت، وأنت السبب في ده، وهقولك على حاجة عشان أريحك.

ضاقت عيونه التي تشع وتطلق غضبًا وبغضًا لها:

-أنا عارفة أنت جاي ليه، ومش هقولك مش أنا… لا أنا وأعلى ما في خيلك اركبه، واللي عندك اعمله ونشوف مين فينا اللي في الآخر هيتحط عليه ويتمسح بيه الأرض أنا ولا أنت، أنا لو كنت سامحتك زمان فـ أنا كنت بسامحك عشان كنت بحبك، بس دلوقتي مش هسامحك وده عشان بقيت أكرهك، على قد ما حبيتك على قد ما كرهتك، و زي ما خليت الناس…فانزي… يحبوك هعرف اخليهم يكرهوك ويخلوك تكره حياتك خالص، وده كمان هيبقى قليل بالنسبة لكل الوحش اللي شوفته منك والوجع اللي عيشته في كل مرة خونتني فيها يا عادل.

عض على شفتيه من الداخل، وحل التحدي بعيونه، اقترب منها عدة خطوات حتى بات بات وجهه أمام وجهها، مسببًا في إرباكها داخليًا، مجيبًا على كلماتها بتحدي طامحًا في إثارة غضبها واستفزازها:

-مش هتنسيني يا سـارة، وعُمرك ما هتعرفي تبطلي تحبيني، كل اللي بتعمليه ده من قهرتك وده عشان أنتِ عارفة أن على قد حبك ليا على قد ما أنتِ عُمرك ما عرفتي تملي عيني وتخليني اكتفي بيكِ، كنت بتسرمح وبعرف دي ودي عشان أنتي مش عارفة تملي عيني وتشغلي قلبي مش عشان أنا خاين، وأنا اللي من النهاردة مش عايزك مبقتيش تلزميني، أو أقولك أنا هبقى صريح معاكِ وهقولك أني كنت بستغلك مش أكتر وعُمري ما حبيتك، وبصراحة أنا معذور وأوي كمان، إزاي افكر أحب أو حتى افكر اتجوز واحدة ملهاش كبير ولا راجل يشكومها ويحكمها أنـ……

صفعة قوية، عنيفة هبطت على وجهه جعلته يتوقف عن جرحه لها و… معايرتها.

فـهو قد وضع الملح على الجرح للتو!!!!

جعلها تعيش حالة خذلان وندم على الوثوق بـه ذات يوم وأخباره بكل شيء يوجعها وسبب لها ندوبًا لم تلتئم حتى الآن حتى بعد مرور سنوات عديدة.

لم يتحدث لسانها واكتفت عيونها بالتعبير عن وجعها.

أما هو علم جيدًا أنـه قد نجح في استفزازها، فابتسم لها بسمة واسعة، قائلًا:

-يلا معلش هي الحقيقة بتوجع، وأنا هسامحك على القلم ده، وعادل اللي أنتِ بتقولي أنك خليتي الناس تحبه وبرضو تكرهه هيرجعوا يحبوني تاني وأكتر من الأول كمان، هخليكي وهحولك فانز ليا، تتمني بس اتصور معاكِ…. سلام يا….. سـارة… ابقى سلميلي على مامي ده لو موجودة ومش مسافرة كالعادة.

___________________________

تتمدد زهـر على الفراش، وهاتفها يقع بين يديها، تراسل صابـر عبر الواتساب، مرسلة لـه تلك الرسالة القصيرة.

“فاضي بكرة بعد الفطار؟”

وعلى الفور قرأ الرسالـة، مجيبًا عليها:

“آه، اشمعنا؟ في حاجة ولا إيـه؟”

أكدت لـه وجود شيء، مرسلة تلك الكلمات والذي رآها مبهمة:

“آه في، عايزاك في مشوار بعد الفطار، فـ زي الشطور كدة بعد ما تخلص فطار تيجي تعدي عليا.”

تساءل معبرًا عن عدم فهمه لما يحدث:

“مشوار إيـه ده، ما وسام يوصلك.”

بعد بعثه لرسالته سرعان ما شعر بالقلق عليها وعاد يكتب لها:

“أنتِ متخانقة معاه ولا إيـه؟؟ أوعي يكون زعلك ولا ضايقك في حاجة!! متخافيش وتخبي عليا وصارحيني يا زهـر!!”

لاحت بسمة على وجهها وهي تقرأ ما أرسله والذي انعكس بها مدى قلقه وخوفه عليها.

سارعت بالنفي وطمأنته بتلك الكلمات المازحة مستعينة بالرموز التعبيرية

“مالك في إيـه قلبت على بابا كدة لية!! كل ده عشان بقولك عدي عليا بعد الفطار أنا بس عايزاك في مشوار معايا عشان وسـام مشغول ومش فاضي، فقولت مفيش غير أخويا حبيبي، بس شكلي كان المفروض اكلم أحمد كان زمانه وافق علطول ومكنش فاتحلي سين وجيم.”

شعر صابـر بالطمأنينة عليها وأن علاقتها بزوجها على ما يرام، فأجاب على رسالتها سريعًا:

“يا ستي لا سين ولا جيم ولا ميم حتى، أنا بس قلقت ليكون حصل معاكِ حاجة ولو على المشوار بتاع بكرة فـ أنا حتى لو مش فاضي أفضالك مخصوص هو أنا عندي كام زهـر يعني.”

ردت على كلماته المحبة الحنونة:

“هي واحدة بس طبعًا، المهم بكرة تجيلي علطول متتأخرش عليا وأنا هبقى جاهزة، بقولك إيـه تيجي تفطر معانا”

“لا خليها مرة تانية، وحاضر مش هتأخر، ده أحنا عنينا يا أستاذة.”

في اليوم التالي وبعد انتهاء صابـر من الإفطار رفقة عائلته وصلاة المغرب، سارع بالمغادرة كي يذهب إلى شقيقته ويقوم بإيصالها لذلك المشوار والذي لم يبالي بمعرفته، هاتفها قبل أن يصعد سيارته مخبرًا إياها بأن تستعد وأنـه على وشك التحرك والمجئ إليها.

وصل بعد وقت وعلى الفور التقط هاتفه وقام بالاتصال عليها يخبرها بتواجده بالخارج.

“أنا وصلت أهو جهزتي ولا هتخلليني.”

اطلقت ضحكة وهي ترتدي حذائها، تخبره بمرح:

-لا خلاص خرجالك أهو، دقيقة واحدة وتلاقيني قدامك.

بعد إغلاقها معه وانتهائها من ارتداء حذائها واضعة حقيبة يدها على كتفيها.

أبصرت بعيونها زوجها الواقف أمامها، يسألها بترقب:

-صابـر عارف بقى على كدة أنتِ وخداه ورايحة على فين.

ردت عليه ببسمة:

-آه عارف أنه واخدني مشوار عشان حبيبي اللي هو أنت مشغول ومش فاضي، بس فين وليه ميعرفش بس الحق مش عليا الحق عليه هو اللي مسألش فـ أنا مش غلطانة في حاجة وعداني العيب وأزح كمان، يلا سبني اطلعله بقى وادعيلي ميولعش فيا لما يكتشف المصيبة دي.

ابتسم وجه وسـام وعلق بمرح زاد من وسامته:

-طب الحمدلله أنك عارفة أنها مصيبة، قوليلي الحقيقة أنتِ كان نفسك تبقى خاطبة.

-لا كان نفسي أبقى مراتك.

أنهت جوابها تغمز لـه بحب ومشاكسة جعلته يتبسم رغمًا عنه وتلمع عيونه من جوابها الغير متوقع!

فارقت المنزل بخطوات متعجلة حتى وصلت إلى سيارته.

فتحت الباب وصعدت جالسة بجواره مبتسمة لـه، ملقية عليه تلك الكلمات بأسلوب مرح:

-عامل إيـه.. اتاخرت عليك؟!

-لا خالص، أنتِ عاملة إيـه.

-أنا الحمدلله حلوة.

ابتسم من ردها ثم سألها وهو على أتم استعداد للانطلاق وبدأ ذلك المشوار:

-على فين بقى يا حلوة.

ابتلعت ريقها ثم ألقتها في وجه دفعة واحدة ولا تزال ترسم بسمة بريئة على وجهها:

-على بيت جهاد، بس قبل ما نروح عدي على محل جدو مروان أخدلهم حاجة وكمان وقفني أجيب ورد للبنت.

لم يستوعب بعد ما نطقت بـه!!

عن أي جهاد تتحدث هي!

سألها بترقب وعدم استيعاب واضح:

-جهاد مين!

عقدت حاجبيها دهشة مخبرة إياه:

-يعني هتكون جهاد مين! هو أحنا نعرف كام جهاد أصلًا، مالك يا صابـر ما تركز معايا أكيد بكلم على جهاد أخت إسلام وبـرق، البنت تعبانة ولازم أروح أزورها واطمن عليها.

استدار برأسه للجانب الآخر بعيدًا عنها يوصد جفونه ضيقًا، ويعض على شفتيه غضبًا.

عاد يبصرها يسألها باستنكار وضيق يليح على قسمات وجهه التي تحولت من الهدوء إلى شيء آخر يفسر نفسه، ولا داعي لتسأله عما يحدث معه الآن:

-هو ده المشوار اللي عايزة تروحيه، لو كنت أعرف كنت قولتلك قولي لـ أحمد ياخدك، أنتِ معرفتنيش ليه أنك عايزة تروحيلها، المفروض كنت أعرف.

هزت كتفيها وردت تدعي البراءة وعدم فهمها لشيء:

-هو أنت سألتني وأنا مقولتش يعني، ما أنت اللي مسألتش من الأول، وبعدين فرق إيـه المشوار ده عن غيره، في إيـه يا صابـر مالك؟ لو مضايق أوي كدة ومش عايز تيجي خلاص هنزل وهاخد أي تاكسي أو حتى هطلب عربية من على أي ابلاكيشن متزعلش نفسك.

قالت حديثها الأخير بحزن زائف أجادت رسمه على ملامحها وتغليف نبرتها بـه، شعر بالسخط نحو نفسه لإحزانه لها، فالتقط نفسًا يهدأ من حالـه، يكتم غضبه الذي تسلل إليه وتمكن منه بسهولة ما أن أدرك ماهية هذا المشوار.

كادت تفتح الباب كي تنزل وتغادر السيارة على يقين بأنه لن يتركها بتلك السهولة ولن يشعر بالرضى إذا تراجع عن الذهاب معها.

مسك بذراعيها يمنعها من فعلتها، يخبرها بهدوء:

-رايحة فين هوصلك بلاش هبل وخليكي.

وعلى الفور عادت بسمتها وقامت بلكزه بكتفيه متحدثه معه بمرح:

-ما كان من الأول لازم تديني موشح وتحسسني أني قتلالك قتيل.

____________________________

-وبعدين يا منيلة مش ناوية تحني على المواعين اللي مالية الحوض مكان الفطار دي؟ هتخليني اندم أني رجعتلك موبايلك، والله اخده منك تاني لو ما قومتي دلوقتي شوفتي المطبخ يا إحسان.

طرحت جهاد كلماتها على مسامع إحسان المتفرغة من المذاكرة وتنشغل بهاتفها التي لا ترفع بصرها عنه.

أخفت إحسان تذمرها و ردت عليها بهدوء دون أن تبعد عيونها عن الهاتف:

-حاضر يا جهاد قولتلك قايمة والله، هي المواعين هطير يعني! ما هقوم اعملها حاضر، الصبر بس الاكل لسة متهضمش وحسة أني مدروخة ومش قادرة اعمل حاجة.

هنا وحسمت جهاد آمرها وقالت بتوعد:

-طب قسمًا عظمًا يا إحسان لو ما قومتي خلصتي المطبخ وشوفتيه لهاخد منك الموبايل اللي لاحس دماغك ده.

لم تنصت إحسان لحديثها الأخير والفضل يعود لتلك الحالة التي قامت بفتحها وقرأت محتواها.

“مطلوب بنت تملك موهبة التمثيل من سن 20 لحد الـ 25 واللي حبة تقدم تتواصل معايا برايفت.”

ارتفع حاجبيها وصاحت تخبر جهاد التي كانت لا تزال تتحدث معها وعندما لم تجد رد كادت تتقدم منها:

-إلحقي يا جهاد عادل منزل استوري من شوية عايز بنت بتعرف تمثل يكون عندها من عشرين لخمسة وعشرين، شوفتيها؟ أكيد عايزها تطلع معاه.

نفت جهاد رؤيتها لها مجيبة عليها وهي تلتقط وسادة موضوعة أعلى الاريكة:

-لا مشوفتش حاجة وبعدين أنا بكلمك في إيـه وأنتِ بتكلمي في إيـه أنتِ عايزة تشليني يا بت؟

أثناء حديث جهاد هتفت إحسان بتذمر وصوت عالي، تتجاهل تعنيف جهاد لها:

-بس ليه من عشرين سنة يعني واللي تحت العشرين يدفنوا نفسهم يعني، ده إيه الحظ ده.

توقفت جهاد عما تفعله معها، رافعة لحاجبيها بعد أن فهمت مغزى كلماتها ورغبتها في التمثيل مع عادل:

-حظ إيـه يا معدولة، أوعى شيطانك يوزك يا بت أنتِ و تقدمي ولا تعملي الجنان ده، على الله يا إحسان تعمليها، ساعتها مش هيكفيني اسحب موبايلك بس زي المرة اللي فاتت، لا هكبر الموضوع وهرميه في حجر أبوكي ومنه ليكِ بقى تصطفلوا سوا أنتوا الجوز.

ارتبكت إحسان وصاحت تنفي تلك الفكرة:

-لا طبعًا مش هعمل كدة، بقولك طالب بنات من أول العشرين وأنا لسة بدري على ما أتمهم.

-جدعة ياختي ركزي بقى في مذاكرتك وشدي حيلك كدة عشان تنجحي السنة دي وتجيبي مجموع حلو.

جاءت روضة بصحبة ضياء من الداخل على أصواتهم، ولكن ليس بمفردهما فكل منهما تحمل كتابًا وأوراقًا بين يديها.

خرج صوت ضياء أولًا تستفسر عما يحدث:

-في إيـه بتزعقوا ليه.

ردت عليها جهاد:

-ولا حاجة، أنتوا إيـه اللي خرجكوا هتذاكروا هنا؟

أكدت روضة لها وهي تجلس أعلى الأريكة وتربع قدميها:

-آه زهقنا من جو الاوضة قولنا نطلع نقعد معاكم، أومال فين رضا وعصمت؟

-دخلو يناموا، وست إحسان راكنة المواعين وهتفضل سيباهم لحد السحور أنا عارفة.

طفح كيل إحسان المغلقة لهاتفها أخيرًا، فنهضت من جلستها وهي تتأفف، تخبرها:

-أنا مش فاهمة أنتِ هتبيضي على المواعين ليه ما عمالة أقولك هغسلهم هغسلهم، اديني قايمة اعملهم اهو عشان نخلص.

-شوف قلة أدب البت والله أقوم اجبها من شعرها أنا دلوقتي، يعني أنا مطلوب مني اعمل الأكل وكمان اقعد اغسل وهي تفضل قاعدة هانم على الموبايل، يعني لو بتذاكر كنا قولنا ماشي، بس الحق عليا أني رجعلتها الزفت.

تدخلت روضة وقالت تهدأ من روعة شقيقتها المنفعلة من إحسان وأفعالها:

-خلاص يا جهاد قامت تعملهم، معلش اهدي بقى.

دوى رنين الجرس عاليًا، كادت ضياء أن تنهض وتذهب لتفتح وترى الطارق.

منعها صوت جهاد التي تحسها على البقاء جالسة ومتابعة المذاكرة:

-اقعدي ذاكري أنتِ، أنا هفتح.

وبالفعل ذهبت وأثناء ذهابها رن الجرس مرة أخرى فصاحت بصوت عالي تعنف من بالخارج:

-طيب يا اللي واقف على الباب، في إيـه نايمين ورا الباب أحنا.

فتحت الباب بملامحها المتشنجة المنفعلة والتي سرعان ما تبخرت ورحلت عن وجهها لتحل محلها صدمة من وجود زهـر قبالتها، مبتسمة لها بأتساع، وتحمل بين يديها باقة من الورود البيضاء وحقيبة تحمل طبق كبير مغلف بعناية من الحلويات الشرقية التي آتت بها من أحد متاجر عائلة والدتها “الحلواني”.

نطقت زهـر بابتسامة ولا يغيب عنها صدمة جهاد:

-إزيك عاملة إيـه؟ أنا أسفة عشان جيت من غير ميعاد أو من غير ما أقول بس قلقت عليكِ لما قالوا امبارح أنك تعبانة وعشان كدة مجتيش فحبيت اطمن يارب تكوني أحسن دلوقتي.

تلجلجت جهاد في بادئ الأمر لكن سريعًا ما بدأت تستوعب وتخرج من الحالة التي تسربت إليها:

-الحمدلله اتفضلي، ده إيـه الزيارة العسل دي بس، تعالي ادخلي.

خلعت حذائها قبل ولوجها ثم دخلت واغلقت جهاد الباب.

مدت يدها لها تمنحها الزهور وما جاءت بـه قائلة ببسمة:

-اتفضلي الورد ده عشانك وده كمان متأكليش حد منه كليه لوحدك.

اتسعت بسمة جهاد تشكرها بامتنان وهي تأخذه من يدها:

-ليه بس كدة كلفتي نفسك.

-مفيش تكلفة ولا حاجة، دي حاجة بسيطة.

عقب ردها عليها تحركت معها ورحب بها روضة و ضياء ما أن وقعت عيونهما عليها ومثلهما مثل جهاد تفاجأوا من زيارتها لهم.

وبعد جلوسها معهم وتبادل الأحاديث التقليدية المعتادة بمثل تلك الزيارات، وتقديم الضيافة لـ زهـر.

رن هاتفها المتواجد بحقيبتها، أخرجته تحملق بشاشته تقرأ اسم أخيها “صابـر”.

حدقت بجهاد تخبرها ببسمة:

-معلش هرد على صابـر بس، أكيد هيسألني قدامي قد إيـه أصل هو اللي موصلني لحد هنا وأنا قولتله لف لفة عقبال ما اطمن عليكِ، وصحيح كنت هنسى قالي أوصلك سلامه.

ابتسمت لها جهاد بسمة مجاملة على يقين بأن كلماتها غير صادقة وما هي إلا تحسين لصورة ذاك غليظ القلب.

-أيوة يا صابـر.

أوقف السيارة أسفل المنزل تزامنًا مع ردها.

نما إليها رده بصوته الرخيم:

-قدامك كتير لسة ولا إيـه، أنا لفيت شوية وخلاص زهقت ودلوقتي واقف تحت البيت، حاولي تشهلي شوية.

-طيب اديني خمس دقايق ونزلالك….حاضر هسلملك على جهاد، حاضر بقى عرفت.. جهاد صابـر بيسلم عليكِ وبيقولك ألف سلامة إن شاء الله اللي يكرهك ويزعلك قولي يارب.

اتسعت عيون صابـر وأزاح الهاتف عن أذنيه غضبًا مما فعلته زهـر.

حقًا لا يصدق أنها وضعته في هذا الموقف المحرج للغاية.

كز على اسنانه وشعر برغبة في أطاح أي شيء أمامه الآن لكنه لم يجد.

اعاد الهاتف على أذنيه متمتم من بين اسنانه:

-اقفلي يا زهـر اقفلي.

أنهت المكالمة مبتسمة لجهاد التي لم تعقب بتاتًا وظلت محافظة على ملامح وجهها، لا تدري ما يحدث ولكن من المحتمل أن زهـر تحاول بشتى الطرق تحسين صورة صابـر أمامها.

-طيب بما أنك الحمدلله بقيتي أحسن أنا حبة أعزمك على الفطار يوم الخميس أنتِ وروضة وضياء وعصمت وإحسان وكدة كدة هكلم يوسف وبرق وإسلام ومحمد برضو وأحمد وآسـر وصابـر عشان نفطر كلنا سوا، ولو على عمو شكري هخلي وسـام يكلمه وهو أكيد مش هيقول لا.

وقعت جهاد في مأزق ولا تعلم ما الذي عليها فعله.

هل ترفض عزيمتها وتظل تتجنب رؤيته وتتهرب مثل اللصوص ومرتكبي الجرائم!!

أم توافق وتتواجه معه، فبالنهاية لن تظل تتجنبه كثيرًا وسيأتي يوم وتراه لا محال.

-إيـه يا جهاد مردتيش يعني، موافقة تيجي ولا لا.. مش معقول تكسفيني والله ازعل هتزعليني وأنا حامل ترضيهالي؟ لو أنتِ ترضيها أنا مرضيهاش.

ابتلعت جهاد ريقها ولم تستطع حسم قرارها.

الأمر صعب بالنسبة لها……رؤيته والتواجد معه في مكان واحد وتحت سقف واحد آخر ما تتمناه وترغب في حدوثه.

وجدت نفسها تجيب عليها بهذا الرد المحايد:

-إن شاء الله ربنا يسهل.

دقائق معدودة وغادرت زهـر المنزل بل البناية، ثم دنت من سيارة أخيها وصعدت بها.

على الفور سألها صابـر بعد أن فشل في التحكم بنفسه وبأعصابه:

-ليه عملتي كدة يا زهـر!! ليه توصليلها حاجة أنا مقولتهاش ومنطقتهاش أصلًا!

ردت زهـر تدافع عن نفسها:

-عشان ده اللي ذوقيًا كان يحصل، أنا خايفة على صورتك كنت عايزة أطلعك چنتل مان قصادها.

-يا زهـر… يا زهـر… يا زهـر…

ردد اسمها بطريقة سريعة تعبر عن استياءه وغصبه ربما بتلك الطريقة يمسك لسانه من الإنفلات وقول ما لا يصح من سباب أمامها.

لاحت الدهشة على وجهها وسألت ببلاهة:

-أنت علقت ولا إيـه، مالك بس أنا عملت إيـه لكل ده صحيح صدق اللي قال خيرًا تعمل شرًا تلقى… بقولك إيـه صحيح أنا عزمتهم يوم الخميس، وهكلم يوسف ومحمد برضو أعزمهم، وأنت كمان هتيجي وهتجيب معاك أحمد وآسـر….. عارف يا صابـر لو مجتش هعمل فيك إيـه؟

صمت لثواني يجز على أسنانه، ثم سألها:

-هتعملي إيـه؟

اراحت ظهرها وعقدت ذراعيها أمام صدرها، وهتفت بطريقة طفولية بحتة:

-هزعل منك بالجامد وبـ الـ أوي كمان.

______________________________

-أحمــــــــــد….يا أحمـــــــد.

صرخ آسـر مناديًا على أحمد القابع داخل غرفته، يمسك المصحف ويقرأ منه.

وصل ندائه إليه فلم يعيره انتباههًا وتابع قراءته للقرآن الكريم.

اغتاظ آسـر من تجاهله، فغادر غرفته واقتحم غرفته لمعرفته مسبقًا بتواجده بالداخل.

متحدث بتشنج وهو يلوح بيده:

-أنت يا بني مش بنادي عليك، ولا مش بنادي عليك أنا.

سقط بصره عليه وهو يقرأ من المصحف الشريف، فالتزم الصمت وعقد ذارعيه وظل واقفًا منتظرًا انتهائه من القراءة.

لم يطيل أحمد وعقب انتهائه وإغلاقه للمصحف، حملق بـه يسأله:

-وبعدين بقى الواحد ميعرفش يرتاح في البيت ده ويقعد لوحده لازم ازعاج واقتحام للخصوصية، عايز إيـه من زفت أتفضل.

رد آسـر ببساطة يخبره:

-صابـر.

-اشمعنا؟! عمل إيـه!

-لا ولا حاجة، ده يدوب عمل حمام على سريري بس يعني بسيطة.

اتسعت عيون أحمد ورفع يده يضعها على فمه دلالة على صدمته، مردد بعدم تصديق:

-ماذا!!! صابـر عنده تبول لا إرادي يعني ولا إيـه!!!

هنا واستوعب وسأل نفسه بصوت عالي وصل إلى آسـر:

-بس صابـر إيـه اللي هينيمه في أوضك ما هو عنده أوضته وبعدين هو نزل مع زهـر.

نظر بعيون آسـر متحدث بتذمر ودفاع مستميت عن أخيه:

-أنت بتتبلى على صابـر أخويا صح؟

-صابـر أخوك إيـه بس اللي يعملي حمام على السرير، مش هو أكيد أنا بتكلم على صابـر القط بتاعك يا أحمد، أنت عارف تيتا دلال لو عرفت هتعمل فيه إيـه، ده مش بعيد ترميه في الشارع تاني.

ازداد اتساع عين أحمد متمتم بصدمة:

-إيـه!! ده على جثتي الكلام ده وبعدين متجبش سيرة تيتا لحسن دي بتيجي على السيرة.

لاحق حديث أحمد صوت دلال التي استمعت إلى حديثهم صدفة بعد أن ترك آسـر الباب مفتوحًا على مصراعيه، وكان يتحدث بصوت عالي:

-يا مصيبتي القط عمل حمام على السرير!! يعني بهدل المرتبة!!!!!!!

ارتعب أحمد من استماعها لفعله الهر، فسارع ينفي متخطيًا آسـر الذي التفت هو الآخر محملقًا بـ دلال:

-لا لا مش هو اسمعي بس.

-مش هو إيـه!! أومال مين، أنا سامعة بوداني وهو بيقولك أنـه هو و…

-مش هو بقولك يا تيتا صدقيني.

-أومال مين يا بن جابـر؟

-أنــــا…. أنا اللي عملت معلش حقك عليا.

-ياض يا بن الكدابة، أنت برضو اللي عملتها ولا بتلبسها لنفسك عشان ممشيش الزفت اللي بليتنا بيه ده.

كبح آسـر بسمته مما يحدث بين الاثنان من غضب وانفعال دلال ودفاع أحمد عن قطه ومحاولته في دفع التهمة عنه وحملها عنه.

رد أحمد عليها مستمرًا فيما يفعله:

-صدقيني يا تيتا أنا اللي عملتها، يا ستي اعتبري عندي تبول لا إرادي ومقدرتش امسك نفسي، إيـه هتطردوني عشان مش مقدرتش امسك نفسي مفيش في قلوبكم رحمة.

وقبل أن تجيب دلال صاح آسـر متمتم من بين ضحكاته المكتومة بصعوبة:

-والله أنت عملتها هو عملها مليش في، المرتبة تتغير أنا مش هنام عليها وهي كدة!

حاول أحمد لملمة الامر فصاح يخبره ببسمة:

-حاضر هغيرهالك، نام عندي النهاردة وبكرة هنزل اجبلك مرتبة جديدة.

هنا وهتفت دلال بتحذير:

-آخر مرة الكلام ده يحصل لو اتكرر تاني مش هتقعد هنا دقيقة لا أنت ولا القط، أنت سامع.

لم تنتظر تعقيبه وفارقت الغرفة ليصيح أحمد بتذمر طفولي:

-اتقوا الله بقى يا عالم يا مفترية ده أحنا حتى في رمضان.

رد عليه آسـر متمتم ببسمة:

-ده هي برضو، طب بطل أنت كدب في رمضان، قال أنت قال طب قول حاجة تتعقل وتتصدق وبعدين هو ملقاش غير سريري أنا اللي يعمل عليه!

-يا عم براحته يعملها مكان ما يحب الله ده أنتوا عالم غريبة بجد يعني يعمل إيـه مش فاهم….

-لا ولا أي حاجة أعمل بقى حسابك أني هنام هنا النهاردة لحد ما تغير المرتبة زي ما قولت.

_____________________________

تقف إحسان أمام المرآة المتواجدة بغرفتها عيونها تسير على جسدها من أعلاه لأسفله، حيث جاء في بالها فكرة لا تزال تفكر بها لم تستقر على قرار بعد.

بعد إلقائها نظرة متفحصة على نفسها، سألت نفسها لما لا!!!

لما لا تتقدم وتنتهز تلك الفرصة الذهبية التي جاءت لها على صحن من ذهب.

فمن سيراها لن يستطع تخمين عُمرها الحقيقي!!

سيظن أنها فتاة بالغة ربما لا تزال تدرس في الجامعة وربما قد انتهت من الدراسة، وليس مجرد فتاة لا تزال في السنة الأولى من الثانوية العامة، أمامها سنوات حتى تنهي الدراسة كليًا.

لم تبالي بالتفكير في رد فعل والدها أو حتى شقيقتها جهاد التي قامت بتحذيرها بل كل ما تفكر بـه بأنها قد تكون فرصتها كي تحقق حلمها الذي سُلب منها وامتنعت عن تحقيقه.

ذهبت تجاه هاتفها وأخذته وبدون أي تردد أو ذرة تفكير أخرى قامت بأرسالة رسالة إلى “عــادل”.

تنوي الكذب عليه وإخفاء عُمرها الحقيقي عنه إذا نالت تلك الفرصة التي ستجعل حياتها تنقلب رأسًا على عقب وتملك أموال طائلة ستجعلها تعيش في سعادة لا نهاية لها وتفعل ما تشاء.

____________________________

يجلس وسـام على الأريكة الهاتف على أذنيه يقوم بالتحدث مع قُصي من خلالـه يسرد عليه تفاصيل تلك العزيمة التي ترغب زهـر في إقامتها من خلال استضافة يوسف و زوجته، وكذلك محمد و زوجته و…شقيقاتهم… ورغبتهم في ترك آسـر لـه كي يقنعه بالمجئ.

فلا يرغبان في الكذب عليه فبإمكانهما أن يكذبان عليه ولا يخبراه بأن الفتيات ستحضر وحينها سيحضر لا محال، ولكنهما لا يرغبان في فعل هذا، فمثلما عرف صابـر حقيقة العزيمة وباحتمال تواجد جهاد التي عزمتها زهـر شخصيًا، يرغبان في أن يعرف آسـر أيضًا ولا يتفاجئ بوجودها وأن يأتي راضيًا غير موضوعًا أمام أمر واقع!

وبجانب وسـام تجلس زهـر تلتصق بـه تنصت جيدًا لتلك المحادثة والتي حثت زوجها على أن يجريها.

-فهمت يا قُصي هتعمل إيـه ولا مفهمتش وأقول تاني؟

أجابه قُصي المتحدث معه عبر سماعات الأذن بعدم تركيز، وأعين لا تنزاح عن هاتفه الذي يمعن النظر بـه أو.. بتلك الفتاة التي جاءت أمامه صورها على الإنستغرام ونالت إعجابـه مما دفعه لمتابعتها.

-لا فهمت خلاص، متقلقوش سيبوه عليا، أنا هخليه يجي، يلا اقفل بقى دلوقتي عشان اكلمه وهبعتلك على الواتس وأبلغك أنه وافق.

ابتسم وسـام وقال مازحًا معه:

-إيـه يا واد الثقة دي!

-عيب عليك ده أنا قُصي برضو، ده لو آسـر رفض مع كله يجي لحد عندي ويفرمل ويوافق أفكورس، يلا اقفل بقى متعطلنيش.

أغلق وسـام معه تاركًا له تلك المهمة، نظرت زهـر داخل عيونه تسأله بترقب:

-تفتكر آسـر فعلًا هيوافق بسهولة ومش هيغلب أخوك حتى بعد ما يعرف أنـه ضياء جاية، أصل المشكلة مش عند ضياء المشكلة من عنده هو مدام هو اللي منزلش.

رد عليها وسـام وهو يدنو من وجنتيها يطبع قبلة أعلاه:

-متقلقيش قُصي هيعرف يقنعه.

مالت عليه واضعة رأسها أعلى كتفه:

-والله أخوك ده مش مرتحاله حساه هيعكها.

رد عليها ببسمة مستعينًا بكلمات قُصي الذي طرحها عليه منذ لحظات:

-عيب بقى ده قُصي برضو، يعني لو آسـر رفض مع كله يجي لحد عنده ويفرمل.

-آه يا خوفي ميفرملش ويدوس عليه يجيب أجله.

على الطرف الآخر، وبعد إنتهاء المكالمة مع أخيه بدأ يقلب بصفحة الفتاة وانشغل بفيديوهات لها تتمايل بها يمينًا ويسارًا وهي ترتدي ملابس مخصصة للرقص الشرقي.

بعد ما يقارب الساعة انتبه وسـام لتأخر أخيه، فأرسل لـه رسالـة عبر الواتساب:

“عملت إيـه يا زفت مردتش عليا لحد دلوقتي!! آسـر موافقش ولا إيـه!”

انتشلته تلك الرسالة من تركيزه مع تلك الفتاة، مما جعله يهب منتفضًا وهو يقول بارتباك طفيف:

-أحيه نسيت اكلمه وسـام هينفخني.

سارع في إغلاق صفحتها وجاء برقمه وعلى الفور اتصل عليه.

ثواني وكان يجيب عليه آسـر قائلًا تلك الكلمات المرحة:

-لو جاي في خروج انساني.

-لا متقلقش مش جايلك في خروج أنا جايلك في عزومة زهـر و وسـام عاملينها يوم الخميس وأنا وأنت أكيد رايحين، فـ اعمل حسابك بقى.

لم يضيف حرف آخر، متجاهلًا حديث وسـام في مصارحته وأخباره بقدوم آخرين….

عقد آسـر حاجبيه وسأله بترقب:

-أيوة عرفني عزمة مين لتكون عزمة ضياء، أنت عارف اللي فيها يا صاحبي.

ابتلع قُصي ريقه وشعر بوقوعه في مأزق فلو أخبره الآن بحقيقة تواجدها سيرفض المجئ دون شك.

حسم أمره وقال نافيًا:

-عيب عليك يا صاحبي، لو رايحة كنت قولتلك، ما أنا عارف اللي فيها زي ما قولت المهم متنساش يوم الخميس.

وبالطبع لم يشك آسـر في مصداقيته معه وصدقه على الفور……..

بعد إنتهاء قُصي من تأدية مهمتة أرسل رسالـة إلى وسـام يبلغه بها بما حدث:

-Done يا كبير

____________________________

في ذات الوقت قرأ وسـام رسالته، بعدها أخبر زوجته التي كانت تحادث أحمد، ثم آتى وسـام بذلك الوقت برقم محمد وقام بأخباره هو الآخر..وبعد انتهائه معه وموافقة محمد الذي قرر تولي أمر أخبار شكري.

اتصل كذلك على يوسف والذي وافق دون تردد أو تفكير.

أنتهت المكالمة بين الاثنان وعلى الفور وضع يوسف هاتفه على الشاحن، ثم تحرك نحو غرفة النوم والتي كانت تقبع بها بـرق.

ولج الغرفة ولسانه ينادي باسمها.

-بـرق.. حبيبي بتعملي إيـه؟

رفعت عيونها عن هاتفها تنظر لـه ببسمة تخبره ببساطة:

-واحد زميلي في الكلية كان بيبعتلي المحاضرات عشان كنت موصياه عشان خايفة اتسوح أوي يا يوسف.

تبدل حال وجهه وغابت البسمة عنه، وحلت غيرة تطلق من عيونه ما أن استمع لحقيقة من تحادث وتراسل… وبمثل هذا الوقت المتأخر!!

لم يبذل مجهودًا لإخفاء غيرته وسألها باستنكار، وهو يقترب منها عاقدًا ذراعيه أمام صدره:

-زميلك!!!  يعني ولد.. يعني راجل… يعني شاب!!!! يعني إيـه!!!!

لم تفهم شيء فقالت بعدم فهم:

-هو إيـه اللي يعني إيـه يا يوسف!

-يعني ليه واحد زميلك شاب راجل ولد هو اللي يبعتلك المحاضرات، إيـه هي البنات خلصوا ولا إيـه؟ ثم إيـه زميلك دي! بـرق معلش أنا آسف بس أنا مش عايزك تكلمي مع الولد ده تاني ولا أي ولد غيره لو سمحتي.

أثناء حديثه تحرك بخفة لا يثبت في مكان واحد، بل يتنقل هنا وهناك…

ضاقت عيونها وهي تراقبه بعيون ثاقبة تحاول استنتاج سبب ما يحدث معه الآن.

خمنت غيرته عليها والتي كانت بالتأكيد نابعة من حبه وعشقه الجنوني لها، قائلة بعيون لا تفارقه بتاتًا:

-يوسف أنت غيران!

توقف أخيرًا وابتلع ريقه وعلى الفور نفى كلماتها:

-غيران!! لا طبعًا.

تحرك مجددًا كي يفارق الغرفة ولكن قبل أن يفعلها تراجع وعاد يبصرها من جديد وهو يردف بغيرة لن يختلف عليها اثنان:

-أيـوة غيران، حقي أغير على حبيبتي ومراتي، مغيرش ليه يعني، ده أنا بغير من الهوا اللي بتتنفسيه مش هغير عليكِ من راجل!!!

اعترف للتو بمشاعره الحقيقة، لم يكبحها داخله كثيرًا ولن يخفيها عنها، فليس عيبًا أو حرجًا أن يغير المرء على من يحبه!

وهي ليست بالحبيبة فقط، بل أيضًا زوجته، من وقع في غرامها من الوهلة الأولى!

اعترتها فرحة جعلت قلبها يتراقص بل ورغبت كليًا في الرقص تعبيرًا عن سعادتها لرؤيتها غيرة زوجها.

نهضت من فوق الفراش، ودنت منه، تلتهم أي مسافة تفصلها عنه.

نظرت داخل عيونه التي تسحرها، ورفعت يدها تلمس وجهه، تخبره بنبرة تعكس فرط مشاعرها:

-أنا مش متعودة أكلمه أصلًا والله، وحتى لما بنكلم بيبقي بحدود يا يوسف، أنا من نفسي لو لقيت تجاوز للحدود دي هقطع كلام من نفسي معاه والله، ومكنتش أعرف أنك هتضايق أوي كدة، بس والله أنا..

وضع سبابته أمام شفتيها يمنعها من الاسترسال متحدث بضيق:

-أنتِ بتحلفي كتير ليه، هو أنتِ فاكرة أني شاكك في حاجة، أنتِ عبيطة أنا مش شاكك فيكِ، أنا غيران عليكِ في فرق بين الغيرة والشك، واللي أنا فيه ده غيرة، أنا بثق فيكِ، بس مينفعش، مفيش راجل يستحمل أن مراته تكلم مع واحد تاني غيره أي كان مين قريبها، زميلها سواء دراسة ولا شغل، مينفعش، وغير أنه مينفعش ليه نفتح باب للشيطان يدخلنا منه أصلًا ما نقفله في وشه خالص.

أزاح أصبعه ومسك بيدها مقبلًا باطن كفها، وفور ابتعاده عنها قال على سبيل المثال:

-عندك مثلا وسـام جوز زهـر لسة قافل معايا، كان بيعزمني أنا وأنتِ عشان نفطر عندهم، تفتكري ليه هو اللي اتكلم معايا مش زهـر؟

وصل لها مغزى حديثه، وأدركت خطأها، لم تكابر، معقبة بتفهم:

-فهمت يا يوسف وحاضر مش هتكلم مع أي راجل غريب عني بعد كدة، أنا أسفة.

-مش عايزك تتأسفي يا بـرق، عايزك بس تحبيني، مش طالب ولا طمعان في أكتر من كدة، حبيني وبس.

___________________________

حل يوم الخميس سريعًا على البعض، متثاقلة على البعض الآخر.

حضر محمد رفقة إسلام أولًا، باكرًا بعض الشيء وقبل الجميع وبعد قدومهم بربع ساعة تقريبًا حل يوسف وبـرق.

وبتلك اللحظة لم يعد يتبقى على موعد الإفطار سوى نصف ساعة وحتى الآن لم يحضر أي من الفتيات أو الشباب!

مما دفع زهـر بالتحدث مع إسلام وبـرق تقترح عليهم الاتصال عليهم.

وتتكفل هي مهمة الاتصال بالشباب.

ولكن قبل أن تفعل همست لوسام بقلق بسيط:

-أنا هكلم أحمد أشوفهم فين، يا خوفي جهاد متجيش في الآخر، ولا آسـر يغير رأيه ولا صابـر أخويا تركبه هو الجنونة المرة دي وهو اللي ميجيش وجهاد هي اللي تيجي ونبقى مستفدناش حاجة..عمومًا أنا هسأل واتأكد من أحمد يارتنا اتصلنا عليهم بدري شوية.

تساءل وسـام بصوت خافض:

-كنتي هتعملي إيـه يعني مفيش في أيدنا حاجة نعملها أكتر من كدة.

-لا عادي كنت هخلي أحمد وقُصي يربطوهم ويكتفوهم ويجبوهم بالعافية، مدام الذوق مش جايب نتيجة معاهم نلجأ بقى للعنف و زي ما بيقولوا الغاية تبرر الوسيلة.

أثناء محاولـة إسلام الاتصال على جهاد، دوى رنين جرس المنزل معلنًا عن قدوم أحدهم.

تراجعت زهـر عن الحديث مع أحمد بالوقت الحالي والذهاب خلف زوجها الذي اندفع من مكانه متقدمًا من الباب كي يقوم بفتحه.

محاولـة التخمين سواء كان الفتيات أم الشباب.

عرفت الجواب الصحيح لتخمينها ما أن أبصرت بعيونها الست فتيات وبالمقدمة تقف جهاد التي جاءت بالفعل مما جعل ابتسامة عريضة تحتل وجهها دون أن تشعر مرحبة بهم بحرارة خاصة جهاد التي لم تخجلها ولبت دعوتها اليوم وبالطبع لم يأتي هذا القرار بالساهل بل أخذ التفكير الكثير من وقتها حتى توصلت لهذا القرار.

وبعد دخول الفتيات وما لبث وسـام أن يغلق الباب حتى نما إلى سمعه صوت أحمد الذي صرخ عاليًا وبأسلوب مرح:

-أنتظــــر، استنـــى، أحنا جينا يا جوز أختي، تمهل يا رجل! Slow down, man!

انعقد حاجبي وسـام والذي لم يراه بعد، فقط استمع لصوته وتعرف عليه على الفور.

عاد وسـام يفتح الباب على مصراعيه من جديد والبسمة تزين ثغره لما استمع إليه من أحمد الذي كان يهرول تجاه وخلفه يأتي كل من صابـر.. قُصي… وآسـر.

الذي آتى هو الآخر.

سارعت زهـر بترك الفتيات ودنت من الباب تبصر من جاء وسرعان ما تنهدت براحة ممزوجة بسعادة كبيرة، فها هي خططتها قد نجحت وصارت على أكمل وجه.

استقبلتهم بحرارة هي و زوجها تسألهم بعتاب وهي تلكز أحمد بخفه في كتفيه تمزح معه:

-اتأخرتوا ليه كدة.

رد عليها أحمد بعد أن التقط يديها التي ضربته يقبلها بحنو يعتذر لها بلباقة وحنان لا يليق برجل سواه:

-أسفين يا حبيبتي، بس قُصي هو السبب اتأخر علينا.

أثناء حديثه انتبه بجانب عيونه لمن تقف بالخلف مع البقية.

وكم كان الأمر شاقًا عليه…

أن تكون أمامه ولا يملك الحق في التطلع بها.

ولكنه سيظل مثابر وينتظر حتى تصبح حلاله ويحل لـه التطلع بها حتى يشبع ويرضي قلبه العاشق المسكين.

في ذات الوقت دارت عيون صابـر لهفة بحثًا عنها دون أن يشعر بما يفعله.

وبالأخير وبعد بحث لم يطول كثيرًا وقع بصره الباحث عنها عليها.

كادت ترتسم بسمة على وجهه لكنه تدارك نفسه وفاق لنفسه مانعًا إياها من الظهور على وجهه مبررًا ما فعله ولهفته بأنها ليس أكثر من فضول لمعرفة إذا كانت قد جاءت أم لا.

أبعد عيونه عنها مبصرًا أي شيء سواها قلقًا من أن تمسك به بالجرم المشهود.

أما عنها فلم تكن تبالي بقدومهم ولم تعريهم  اهتمامًا وانشغلت بـ إسلام وبـرق وإلقاء السلام على محمد ويوسف.

بينما كل هذا يحدث تلاقت عيون آسـر وضياء وتسمر لثواني.

ورغم سكون الاثنان وعدم تحدث لسانهما بشيء إلا أن للعيون حديث ورآي آخر.

تهرب آسـر من عيونها وحملق بـ قُصي الكاذب والذي أخبره بأنها لن تتواجد ولكنه فيما بعد علم من أحمد بالليلة الذي شاركه بها الغرفة بأنها ستكون متواجدة، والآن حقق هدفه ومبتغاه ورآها حتى ولو لثواني وانتهى الأمر، وعليه أن يرحل ولا يظل معهم.

ابتلع ريقه ثم قال بنبرة متأسفة مصوب حديثه للجميع وليس صديقه فقط:

-أنا لازم امشي.

اعترت الدهشة الجميع ونطق لسان البعض، مثل وسـام الذي سأله:

-رايح فين يا بني الأذان خلاص هيأذن، أنت مش صايم ولا إيـه.

نفى آسـر وقال بإصرار وتصميم:

-لا صايم بس لازم أمشي أنا قولت اسلم عليكم بس وهخلع علطول.

خطفت زهـر نظرة نحو ضياء المتابعة باهتمام لما يحدث ورغبة آسـر بالمغادرة، ثم قالت هي الأخرى:

-أنت مجنون بقى ولا إيـه تمشي ده إيـه.

ختمت حديثها تميل على وسام تهمس لـه بخفوت وكلمات سريعة:

-أخوك شكله نيل الدنيا وعكها بجد، ومقالش لـ آسـر أنها جاية.

بعد انتهائها تقدم وسـام خطوتان من قُصي الواقف جوار آسـر تمامًا يلكز أخيه بصدره بخفة وهو يكز على أسنانه قائلًا بكلمات ذات مغزى عجز الكثير منهم عن فهم ماهيتها:

-تمشي ده إيـه يا آسـر هو قُصي مقالكش ولا إيـه، أنت مقولتلوش يا قُصي.

خرجت كلماته بطريقة أثارت خوف قُصي الذي ابتلع ريقه وقال بارتباك بسيط:

-لا إزاي قولتله طبعًا.

هنا وابتسم آسـر وهتف يؤكد كلمات وسـام:

-لا مقاليش يا وسـام.

تدخل يوسف وصاح بعدم فهم:

-مقالكش إيـه وقالك إيـه أنتوا بتقولوا إيـه أنا مش فاهم حاجة يا محمد أنت فاهم حاجة؟

أكد محمد عدم فهمه هو الآخر:

-لا مش فاهم حاجة خالص! أنت جيت ليه يا آسـر مدام هتمشي علطول كدة؟!

لاحت بسمة جانبية على وجه أحمد والذي صاح يخبر آسـر هو الآخر:

-أحنا هنتحايل عليك كتير ولا إيـه ما تقعد وتفطر معانا وأنت ساكت الله!! هو أنا لازم أزعق يعني!

لم يقف الأمر عند أحمد فقط، بل تدخل صابـر، وكذلك قُصي… زهـر.. وسـام..محمد… يوسف.. إسلام…رضا.

جميعهم يحاولون إقناعه بالجلوس والإفطار معهم رغم عدم فهم بعضهما لشيء مما يدور ويحدث وسبب رغبة آسـر المفاجئ في الرحيل.

حاول آسر الهروب والفرار من ذلك المكان الذي يجمعه بها.

تجاهل حديثهم جميعًا وما كاد أن يستدير حتى يغادر من المنزل ويرحل بعيدًا بالفعل.

لكن أوقفه صوتها الذي نما إليه وتسبب في تفاقم خفقات قلبه تطلب منه البقاء مدركة كليـًا أنها سبب تلك الرغبة بالرحيل التي حلت عليه ما أن تقابلت عيونهما:

-خليك يا آسـر..أفطر معانا…. متمشيش..خليــــــــك……..

««يتبع»»..

فاطمة محمد.

هستنى أريكم في الفصل واستنوا الفصل الجديد يوم الجمعة بأمر الله🩷

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق