رواية ملاذي و قسوتي – الفصل الرابع والعشرون
الرابع والعشرون
شدّد سرعة مقود السيارة متجهًا الى محطة القطار… حيثُ القطار الذي سيمر على محطة نجع العرب وسيكمل مساره الى محطة مصر
(القاهرة)…..
خبط على عجلة سيارة بغضب وعيناه
تتوهج بنيران لن ترحمها قط…..
على ناحية الاخرى في محطة قطار
نجع العرب…
تكاد تكون مزدحمة قليلاً ببعض المرؤون
ولكلا منهم وجهة خاصة لا يخطاها…
لكن ماذا عنها هي ؟!…
تسير في المحطة بخطوات ثابته لكن عقلها مشتت وصدرها يحترق كأتون…..كيف
ستكون الحياة بدون سالم….كيف….
هناك ٍشيئاً ضائع منها قيم لن تقدر على
تعويضه مهما حاولت سيظل عشقه وشم
يصعب محو من قلبها….
هتفت ورد الصغيرة بتعب….
“ماما أنا تعبت من المشي ينفع نقعد…. ”
هزت حياة راسها بنفيًا ثم حملتها على ذراعها
وبدأت بسحب حقيبة السفر ذات العجلات
الصغيرة خلفها…
كانت مجهدة بشكل واضح على ملامحها واتاها الدوار مرة اخرى بسبب عدم اخذها للعلاج وانعدام وجبة الإفطار اليوم بسبب
هذا المخطط المتسرع منها…
(الهروب) من …مَن ؟
أكثر من عشقته في هذه الحياة البائسة
الهروب من عائلتها الوحيدة ….
(انتِ يتيمة الآن بإرادتكِ ياحياة تذكري ذاك
الحرمان الذي كان بارادتكِ يوماً.. ان تحرمي قلبك من عائلتك وعشقك الوحيد ! )
تحدث ضميرها بعتاب وقفت فجأه واعتصرت عينيها بتعب وضعف وهي تشعر انها تنزع روحها من جسدها ولكن سالم لم يترك لها خيارا آخر….
القسوة والنفور خلال هذا الأسبوع كانا خير
دليل لجعلها تبتعد….فإن الثقة بينهما كسرت
على صخرة الخلافات واصبح الصدع بينهما
يصعب علاجة….
وقفت أمام العامل تسأله..
“لو سمحت القطر اللي رايح القاهره هيدخل المحطة الساعة كام …… ”
نظر الرجل في أوراقه….. ورد عليها بهدوء..
“هيوصل كمان خمس دقايق…..”
“شكراً….. ”
ذهبت من أمامه ، جالسة على اريكة صلبة امام سكة القطار واجلست ابنتها بجوارها…..
زفرت بتعب وهي تمسح حبات العرق
عن جبينها….
هتفت ورد وهي تنظر الى مكانًا ما….
“ماما انا جعانه…. ”
عندها نظرت حياة الى ما تشير اليه
ابنتها فرأت محل صغير يباع فيه المخبوزات الساخنة…..
“حاضر…. خليكي هنا اوعي تتحركي من مكانك…”
نهضت حياة وهي تقف امام هذا البائع وعينيها لا تفارق مكان ورد الناظرة لها بتراقب…
في نفس ذات الوقت ……
كان يركض للبحث عنهما في كل مكان تقع عليه عيناه…..وجد امراة توليه ظهرها
تشتري شيءٍ ما……ركض عليها وكاد ان يقترب منها فوجد المراة تستدير ويظهر
وجهاً اخر غيرها…….
زفر بغضب وهو يركض مرة آخرى وعيناه تلتهم كل إنشاء في تلك المحطة بدون رحمة….
هدر من تحت اسنانه بغضب قاتم ….
“هوصلك ياحياة هوصلك وقبل حتى ماتخرجي من النجع….. هتبقي تحت ايدي……هوصلك… ”
اتسعت عينا سالم بصدمة……
أصدر القطار صوتٍ عالٍ ألتفتت حياة الى الرجل واخذت منه المخبوازت واستدرت بسرعة تنقل عينيهت بين القطار الذي وصل
للتو وبين المكان الجالسة فيه ابنتها والذي
اتضح انه فارغ !….
هوى قلبها ارضًا برعب وهي تقترب من
المكان بذعر….وصلت للمكان الفارغ حتى
حقيبة السفر اختفت مع ابنتها أين ذهب؟!
“ورد ……ورد…….”
رفعت جفنيها تبحث عنها بضياع
بـبُنيتان مذعورتان وقلب يخفق بهلع…
“إحساس صعب مش كده …..”
هتف سالم بتلك العبارة وهو يقف امامها بمسافةٍ ليست ببعيدة عنها ….كانتى عيناه ثاقبه عليها بقوة…..
انزلت حياة عينيها المرتعبة على صغيرتها
التي تتشبك بيد سالم وترمقها ببراءة…
وباليد الاخرى وجدت حقيبة سفرها بين
يده…
اصدر القطار صوتٍ إنذار انهُ على وشك الرحيل من المحطة ….
نظر سالم على القطار ومن ثم عليها وهو يقول ببرود..
“معلش يامدام حياة كان نفسي اقولك رحلة
سعيده….لكن للاسف مش هينفع دلوقتي …”
صوب نظرة على بطنها…..فوضعت كف يدها عليها بتلقائية قبل ان تقول بتوتر……
“انا لازم امشي……”
ابتسم سالم من زواية واحدة قبل ان يرد عليها بقسوة……
“بلاش استعجال خدي الامور ببساطه…هتمشي بس بعد ما اخد الامانة اللي تخصني……”
رحل القطار بعد ان انهى سالم عبارته المتوعدة…. فـنظرت هي لرحيل القطار
بألم يقطر من عينيها…..
هل فاتتها رحلة النجاة من عذاب حبهما ام ان
القطار الوسيلة الخاطئة وان نجاتها الحقيقية
معه وليس بدونه !…..
لمح سالم الندم في عينيها واصرارها الواضح
على البعد عنه وفراقه للأبد….
أولها ظهره وبين يديه الصغيرة هتف بنبرة ذات معنى..
“ورد معايا في العربية……بلاش
تتاخري….”
ابتعد عنها خارج المحطة…..اغمضت عينيها
وهي تجلس على اقرب مقعد أمامها اسبلت عينيها ونزلت دموعها بدون توقف ناظره الى مسار حياتها و مصيرها معه ناظرة الى مستقبل مظلم ….وماضي مربك وحاضر
مؤلم …….وعشق متعثر داخل قلبها
الهش بحرمانه !!…….
ليتك تعرف عذاب الحب ليتك تدرك قيمة الحب !…
تخلل باصابعه خصلات شعره…..حطمت مشاعره بسبب افعالها….ودائما تصرح
بالحقيقة ومكانته عندها….
(يا لها من مكانة) هتف عقله بخزي …
“بابا هو إحنا مش هنسافر زي ما ماما
قالت… ”
نظر سالم لها في مرآة السيارة ليرد عليها
بعد تنهيدة متعبة…..
“اكيد هنسافر بس مش دلوقت وقت تاني
لان جالي شُغل مستعجل…… ”
لم تفهم نصف كلامه بسبب صغر سنها ولكن فهمت النصف الأول من الحديث….صمتت
ونظرت الى نافذة السيارة وهي تلتهم شطيرتها الصغيرة التي احضرها لها سالم
قبل دخولهما السيارة……
بعد دقائق قليلة….
فتحت حياة الباب بجوار ابنتها وجلست وهي تمسح عيناها من الدموع…… القى عليها سالم نظره خاطفه عبر المرآة الصغيرة أمامه ليشعل مقود السيارة سريعاً وهو يقول بصوتٍ هادئ لا يخلو من التوعد..
“في كلام كتير بينا لسه هيبدأ….. ”
اشاحت عينيها عنه بإرتباك وهي تحتضن ابنتها بخوف من القادم….. لن يتساهل
سالم معها بعد الآن……ولسوء الحظ هي تعلم ذلك جيداً !….
—————
احتضنتها راضية بحنان وهي تربت على كتفها
قائلة بحزن
” كفاية عياط ياريم كفاية ياحبيبتي
ادعيله برحمة يابنتي……. ”
نزلت دموع ريم وهي تعانق جدتها وتهتف
بألم وحرمان……
“بابا مات من قبل ماعرف طعم حضنه ياحنيي مات. من قبل ماحس أنه موجود معايا….. ”
نزلت دموع راضية بشفقة عليها… نعم هي تعلم ان حق ريم مسلوب منها حنية الأب….. وسند الاب ….نصيحة الاب….. حنان وخوف الأب …. حُرمت ريم من كل تلك الأشياء لتصبح بقلباً يتيم مُفتقد لرجلاً في حياتها
رجل يكن لها الأمان وسند ويجتاح قلبها بقوة حبه لها ….
ريم تحتاج الى رجل عفوي يسد كل حالة فارغ داخلها جعلتها تفتقد لرجل حنون في حياتها…
فالاب مفقود مُنذ ولادتها قلباً ومشاعر….. وبقى معها جسداً بروح….. ولأن الروح رحلت الى خالقها والجسد تحت الرمال … ولاخ مستهتر شيطان من شياطين الإنس نسى ان له شقيقه تحتاج الى رعايته ولو بكلمة حانية منه ، قد اختفى هو ايضا من حياتها بدون رجعة……
حاولت راضية مواساتها بعدة كلمات….
“كفايه عياط ياريم ربنا يسامحه ويغفرله
كفايه عياط يابنتي العياط مش هيرجع اللي راح…”
إبتسمت بسخرية وهي تقول…
“مش عارفه أعيط على مين فيهم على اللي هيتعدم بسبب شره وحقده… ولا على اختي اللي نهايتها معروفه من زمان اوي… ولا اعيط على امي وحياتها وكل اللي عشته بسبب عادات وتقليد نجع العرب…. ولا أعيط على موت ابويا…. ”
نزلت دموعها وهي تكمل بقهر…
“ولا اعيط على موت ابويا اللي حرمني حتى من ذكرى ولو بسيطه تجمعنا ببعض…… ياخساره الدموع مش بتنزل عشان بعدهم عني دي بس بتنزل بقهر عشان مقدرتش اخد حقي منهم حقي اني منهم وهما مني…
قصرو ياحنيي قصرو معايا قوي ومفيش حاجة جمعتنا زمان عشان افتكرها دلوقتي…”
نزلت دموع راضية وهي تجذبها لاحضانها بحنان… كلماتها لمست قلبها وشفقة عليها
ولم تكن هي فقط بل حديثها الحزين
والضائع تلامس قلوب معظم النساء
الوقفون بجوارهن…..
—————
وضع مفاتيح السيارة على المنضدة الزجاج بقوة وهو يثني ذراع كم عبائته البيضاء
وينظر لحياة والواقفة أمامه بخوف وترمش بتردد وهي تختلس له النظر
” هربتي ليه ؟….. ”
لم ترد عليه وبدأت تنظر الى الأرض
بتردد….صاح بها منفعلا…
“ارفعي عينك و ردِ عليا…. هربتي ليه؟؟…. ”
“وانا مش عايزه ارد عليك ….”كادت ان تهرب من أمامه…
مسك معصمها بقوة وهو يوقفها أمامه بغضب..
“عيب اوي ياهانم لم ابقى بكلمك تمشي وتسبيني وانا بتكلم…ردي عليا هربتي ليه ..”
كان مُصر ان يسمع اجابة عن سؤاله …..
لردت عليه بحنق …
“انا مش عايزه اتكلم في الموضوع
ومعنديش رد لسؤالك…”
التوت شفتاه وهو يحدثها ساخرًا….
“إيه هتهربي من سؤالي زي ماخدتي عيالي
وهربتي ….”
هتفت بصياح حاد …
“دول عيالي زي ماهما عيالك بظبط وملكش الحق انك تحرمني منهم…..”
نظر لها ببرود قائلاً….
“لكن ليكِي انتي كل الحق انك تحرميني
منهم مش كده….”
اسبلت جفنيها ارضًا بصمت….
فاكمل هو حديثه بقتامة…
” ردِ عليا ياهانم اي السبب اللي خلاكي تهربي…..”
لم ترد عليه وكانه لم يتحدث ….
سالها بتشنج…..
“هـــربـــتــــي لـــيـــه …..”
لم تقدر على التمسك أكثر بالثبات
فقد انفجر بركان الصبر داخلها …..احتدت ملامحها وهي ترد عليه بانهيار انثى دمرت على يد عائلتها الوحيدة…..
“عايز تعرف انا هربت ليه…. هربت عشان انساك هربت عشان تعبت من قسوتك ونفورك مني هربت عشان اريحك مني…هربت عشان تعبت من نظرتك وظلمك ليا….انتَ اكتر واحد المفروض تكون عارف اذا كُنت كدابة ولا لا….
مش بيقولوا برضه عليك قاضي نجع العرب…
بيقوله انك بتعرف تطلع الكداب من الصادق من نظرة عنيهم…بتاخد حق المظلوم ولو على رقبتك بتحقق العدالة على أرضك….”
صرخت بعنف وهي تقول أمام وجهه…
“ومش قادر تحقق العدل معايا… عارف اني مظلومه وبتكدب على نفسك عارف ان اللي جوايا ده جه برضايا مش غصب عني….
عارف اني بحبك ومش كدابة في اي حاجة حصلت بينا….عارف وعارف وعارف كل حاجة وبتقوح معايا…عشان تعرف تطلع جبروتك وقسوتك عليا… وسبب إيه ده اللي مش
قادره أفهمه…. ”
ابتسم بتهكم وهو يرد بسخط….
“بجد برافو دا أنا طلعت انا اللي غلطان
كمان.. ”
صفق بسخرية وهو يلتف حولها وهتف من بين صفقات قوية هازئة….
“والمفروض دلوقتي اتأسف عن قسوتي ولا عن قلة ثقتي…… طب وانتي ياحياة هانم مش ناويه تتاسفي عن كدبك عليا أول الجواز ولا بلاش لحسان اطلع راجل ظالم ومفتري في موضوع حبوب منع الحمل ديه ….طب مش هتتاسفي عن هروبك مني وانانيتك من انك تنوي للمرة التانيه انك تحرميني من ابني ولا كُنتي ناويه تتخلصي منه أول ماتنزلي مصر… ”
توقف عن التصفيق وهو يقف أمامها…
ويرد بغضب…
“استني المفروض انسى كل ده لانك كده كدا
هربتي بسبب معاملتي وبعدي عنك…. ”
نظر الى عمق عيناها أكثر وهو يقول بخذلان…
“ياريتك اختارتي أسهل حل ياحياة انك تصلحي اللي بينا انك تحسسيني اني أهم واحد في حياتك انك تثبتي ليا انك مظلومة فعلاً واني اتسرعت بالحكم عليكي …ياريتك قدرتي تفكري فيا ولو شويه قبل ماتفكري في نفسك وتهربي وتاخدي روحي معاكي ….
عارفه ياحياة ايه الفرق اللي بينا انك اخدتي كل حاجة من قبل ما تطلبيها فعشان كده كان سهل تمشي وتسبيها…..ام انا فطلبت وستنيتك كتير تملي احتياجي ليكي عشان كده انا اللي لسه باقي عليكي مش انتي !……”
ابتسم ببرود وهو يكمل بخزي…
“موضوع حبوب منع الحمل دا انا هنساه مش بس هنساه دا انا همحيه من حياتنا مش عشانك عشان خاطر اللي فـبطنك لكن اللي مش هقدر أنساه انك تتنزلي عني وعن الحب اللي واثقه انك كنتي صدقه فيه….”
استدار ليغادر وهو يقول بجزع من
نفسه…
” والغريبه بعد كل ده انتي اللي بايعه
وانا اللي شاري ….”
خرج وتركها تقف بصدمة مكانها…..
هتف عقلها داخلها بسخرية ….
يالله كم انكِ محظوظةٍ ياحياة بهذا
الحب المتعثر دوماً مع سالم شاهين وكبرياء
رجولته العظيم !!……
________________________________
بعد مرور أسبوع ……
اتسعت عينا ريهام بصدمة
“انتي بتقولي إيه ياماااا حياه حامل من سالم… ”
نظرت لها خيرية بضيق..
“هو ده كل اللي سمعتيه من الحوار حياة حامل ماتحمل ولا تزفت بكفاية اللي جرالنا
من وراها هي وابن زهيرة…..ركزي معايا في الأهم لازم ناخد ورثنا من أراضي ابوكي ونروح نعيش في السويس عند خالك عزت….. هنفتح مشروع كويس انا وانتي
ونعيش منه بعيد عن النجع وبلويه وكفاية خسارة ابوكي بالموت واخوكي بالإعدام احنا لازم نمشي من النجع ياريهام انا مبقش فاضلي غيرك يابنتي تعالي نسافر السويس عند خالك بعد ماناخد ورث ابوكي….. ”
نهضت ريهام وهي توليها ظهرها وتقول بشر لامع بعينيها وصوت وليد يدوي في أذنيها…….
(خدي حقي ياريهام احرمي سالم من اغلى حاجة عنده…… )
سمعت صوت خيرية وهي تسألها بحزن…
“قولتي إيه ياريهام… هتسفري ….. ”
“هسافر بس مش دلوقت…..”
“يعني إيه مش دلوقت امال هتسفري
أمتى… ”
“هسافر ياماااا بس بعد ماخلص اهم حاجة
كانت لازم تتعمل من زمان أوي وشكلها جه وقتها خلاص ……”
—————
مر اسبوعاً وهو يصمم على عقابها بالبعد عنها
حتى تعرف جيداً قيمة حياتها معه وتحافظ
على حب اعترفت بوجوده داخل قلبها ولاهم
انها تثبت له هو ذلك ! …..
ام هي فبعده عنها يثير غضبها وللحق تعلم انهُ يجب عقابة كم يعاقبها هو بالبعد…..
ماذا عليها ان تختار غير سلاح مضمون هو ألعب على اوتار أشواق قلبه لها……
“هنشوف هتفضل تقيل كده لحد امته…. ”
هتفت بجملتها وهي تدلف الى المكتب حيثُ القاسي هناك يعمل ولا يبالي بقلبها…
دخلت عليه المكتب وهي ترتدي عباءة أنيقة تكشف عن نصف ذرعها الأبيض… مُلتصقة بجسدها النحيف تبرز مفاتنها باغراء …تركت شعرها الطويل الأسود ينساب على ظهرها وخصلات قصيرة تعانق عنقها المرمري وبعض المسات البسيطة على وجهها الفاتن …..
وضعت أمامه القهوة وهي تتحنح
بحرج……
“القهوة….. ”
رفع عيناه عن الأوراق التي أمامه اليها مباشرةٍ
ليرى هيئتها هكذا !!….التهمها بعيناه من اول رأسها حتى اسفل قدميها….. احتدت مقلتاه بعد دقائق من سفر عيناه على قوامها و وجهها الساحر وعينيها ذات البني الداكن الجذاب دوماً له….
نهض وهو يرفع حاجباه سائلاً بنفاذ صبر…
“انتي ازاي نزلتي كده من اوضتك بشكل
ده… ”
بلع ما بحلقه برغبة وهو ينظر لها ويلتهم بعيناه كل انشاء بجسدها…..
نظرت لها بخبث وهي ترد عليه بصوت
انوثي عذب…
“متقلقش ياسالم مفيش حد في البيت.. وكمان ماما راضيه بايته عند ريم اليومين
دول في بيت عمك وبابا رافت لسا خارج
من شويه…. ”
نظر لها برغبة تلمع بعينه وهو يراها تقترب منه ببطء ودلال…ووقفت أمامه وتكاد تكون ملتصقة به ثم رفعت بُنيتيها على قواتم عينيه المتوهجة تقسم انه يفكر بها بطريقه تخجل من تخيلها الان ….
حاوط خصرها بكلتا يداه الإثنين بلطف وكان كالمغيب وهو يسالها بهدوء حاني….
“إيه اللي خلاكي تجيبي القهوه بنفسك…..”
قربت وجهها من وجهه وهي ترد عليه بنعومة دمرت الصبر المتبقي لديه …..
قد اشتاق لها والى عالم عرفه وتذوقه فقط بين احضانها هي وحدها !…
ولكن مزال كبرياء يزأر يحتم عليه التمسك بالصبر بعيداً عنها حتى يعرف كيف يعاقبها على تنازلها عنه….
والعقاب ما كان إلا هجرها وهي امامه….
اسخف عقاب اختاره لها ، ويبدو انه ايضاً يعاقب نفسه معها وهذا مايراه الان في
قربها المهلك منه عذابًا أصبح بإرادته…
انتشلته من افكاره وهي تقرب شفتيها من شفتاه بإغراء وهتفت بعبث انوثي…
“مفيش مشكلة لو انا اللي جبتلك القهوة بنفسي هو انا مش مراتك ولا إيه…..”
اغمض عيناه وهو يمرر يده على خصرها برغبه هناك نيران شوق منافسة الآن لنيرن غضبه وعقابه لها اي منهم سينجح الان امام قربها وجسدها الغض !…
ابتسمت حياة بسعادة ….نعم تريد ان ترد كرامتها أمامه واكثر شيء تكن بارعه به اي انثى امام زوجها هي ان تجعل الاشتياق لها جحيم يود الخروج منه ، وحتى اذا كان رجلاً كسالم عنيد قوي يسخر من كونها ضعيفة غبية فهي لها أساليبها الخاصة لمعاقبته وسيكون النصر حليفها !..
ابتعدت عنه في غمرة اشتياقه لها وهي
تقول بنبرة ماكرة…
“لازم تشرب قهوتك قبل ما تبرد….”
ابتعدت عنه واولته ظهرها وهي تبتسم بنصر…
فوجدته في لحظة يضع يده على رقبتها
من الخلف ويقربها منه في لحظة خاطفة كانت امام عيناه مباشرةً بل وملتصقةٍ به
بقوة …..ابتسم سالم باستهزء وهو
يقول ….
“حلوه الطريقه دي ياحياة جديدة وعجباني ..لكن انتي للأسف مش
شاطره فيها …..”
عضت على شفتيها بتردد …لكنها هتفت بعناد وتحدي زائف….
“بالعكس انا شاطرة في اي حاجة بعملها …بدليل انك كنت متأثر بقربي…..”
اتسعت ابتسامته الباردة أكثر وهو يقول
بعيون تلمع بتحدي جامح…
“تحبي أبدا انا الأول وشوف مين هيتاثر
بقرب مين الاول….”
“لا… مش عايزه …..”توترت وهي ترد عليه فكانت انفاسه الساخنة قريبة جداً من وجهها..
“سالم …خلاص انا اسفة……”هتفت بترجي
من الإصرار الواضح في عينيه وهو يميل على راسها أكثر وهو يرد عليها بصوتٍ خافت خرج من أعماق رغبته بها من بداية دخولها عليه المكتب هكذا !!……
“فات الاون ياحضرية…. ”
اتكأ على خصرها بقوة منقضًا على ثغرها
الفاغر بصدمة قبلة حملت اطنان من العشق
وابياتٍ من الشوق…..
عاصفة هوجاء لفتهما معًا فنسيا كلا منهما
انفسهما غافلين عن كل شيءٍ حدث مستمتعين
بهذه اللحظة الخاصة بقدر العشق الذي يجمع قلوبهما معًا في راباط اقوى مما ظنا….
أبتعد سالم عنها بعد لحظات طويلة وهو يأخذ
أنفاسه وتارك لها حرية التنفس بعد ان سلب
منها أنفاسها الانثوية المسكرة مع قبلاتُ….
همس سالم بصوتٍ متحشرج مغرور….
“انا رجل أفعال لا أقوال ….. لم تحبي تلعبي
العبي لعبه انتي متأكده انك كسبانة كسبانة مش تدخلي في ملعبي وعايزاني اقعد اتفرج عليكِي للآخر … ”
عضت حياة على شفتيها وابتعدت عنه بضيق…تم قالت بغيظ وحرج….
“على فكرة انا كنت جايه عشان اقولك اني عايزه أروح لريم البيت واعزيها في ابوها لان كلأم التلفون ده مش نافع….ولو موافق ابقى ابعتلي رسالة… ”
خرجت بضيق وهي تزفر من هزيمتها
أمامه…
ولكن بسمة سعادة تشق ثغرها الأحمر آثار جنون زوجها معها منذ ثوانٍ فقط…
جلس على مكتبه ومسك الهاتف بين يده وعبث به وهو يبتسم بسعادة فقد كان يحتاج الى رحيق الحياة منها وقد حصل عليه في لحظة لن ينكر انها قدمت له على طبق من ذهب !……
جلست على الفراش وهي تخفي وجهها بالوساده فقد أنتصر عليها بدون ان يبذل
اي جهد يُذكر وقد ذابت بين يديه بطريقة مخجلة حقاً…..
صدح الهاتف معلنٍ عن وصول رسالة
منه….فتحتها وهي واثقه من رفض طلبها….
(موافق تروحي لريم هستناكي تحت عشان
اوصلك وعلى فكرة وافقت بس لان حنيي راضيه هناك ! …..وعلى فكرة العباية اللي كُنتي لبساه دي حلوة اوي……ابقي البسيها كتير بس واحنا مع بعض……عشان في حاجات كده مينفعش حد يشوفها غيري….)
شهقت بصدمة وهي تعض على شفتيها وقفزت بسرعة لتقف أمام المرآة وهي ترى تلك العباءة الملتصقة على جسدها بقوة بارزة قوامها من خلاله….
“عشان كده… ده بقا قليل الادب اوي …. وبعدين مش ده اللي من كام يوم كان مش طايقني ولا طايق يبص في وشي…. اي اللي تغير يعني.. ”
بعد لحظات نزلت وهي ترتدي عباءة سوداء محتشمة وحجاب أنيق عليها…… فتحت
باب السيارة وجلست في المقعد الخلفي..
نظر لها سالم بهدوء وهو ينفث سجارته…
“تعالي هنا ياحياة جمبي…. عشان الطريق
لبيت ريم مليان كعبله في السكه…. ”
“كعبله ازاي يعني….. ”
زفر وهو يقذف السجارة من النافذة المجاورة له…
“كعبله يعني مطبات وخبط في ضهرك وبطنك… ”
ابتسمت بمكر وهي تسأله
بانتصار….
“ااه خايف عليا يعني…. ”
“لا…. خايف على ابني…… “رد عليها ببرود
طريقته كانت توضح أنه مزال على قراره سيعاقبها بالبعد عنها حتى تخرج من قوقعة الصمت تلك وتثبت له تمسكها به وحبها له….
ردت بتبرم وهي تفتح الباب بحزن زائف…..
“عندك حق.. ”
دخلت بجانبه واغلقت الباب بقوة لكن سرعان
ما تاواهات بشدة…”آآآآى ايدي….. ”
هلع عليها وهو يقول بقلق…
“مالك ياحياة اي اللي وجعك….
اتعورتي …. ”
انزلت يدها ببرود ورمقته باستفزاز وهي تقول
بثبات….
“ولا حاجة ….. ابنك بخير….. اطلع بقا عشان احنا اتأخرنا….. ”
عض على شفتيه بغيظ وهو يحرك وقود السيارة ابتسمت وهي تنظر عبر نافذة السيارة…. وهي تقول داخلها بسعادة…
“لسه بيحبني وبيخاف عليا… بحبك ياسالم
بحبك وهطلع عينك اليومين الجايين دول… مش هسيبك…. ماهو ينرجع …..ينرجع مافيش حل تالت أصلا !!….”
نظر لها بتراقب وجدها شاردة وتبتسم بسعادة…هتف داخله بشك…
“ربنا يستر من السكوت ده…. يارب قويني عليها وعلى جنانها……..ان شاء الله مفيش حاجه…انا عيني هتفضل عليكي علطول…. ”
فتح هاتفه بدون ان تلاحظ… لتظهر صورة المنزل أمامه من الداخل غرفة نومه هو وحياة وبهو المنزل من الداخل بصورة فيديو ذات جودة عالية الدقة خارج البيت أيضا كامرات مراقبة مباشرة……
ليرى من خلالها كل شيء يحدث في داخل البيت وخارجه…وضع الهاتف في جيب بنطاله وهو يقول بحزن…
“ااه منك ياحياة خوفي انك تهربي وتسبيني
تاني خلاني أفكر ارقبك واحط كاميرات مراقبه جوا البيت وبرا البيت ….”نظر لها نظرة اخيرة وتمتم وهو يتنهد بتعب…
“ياترا هتعملي اي فيا تاني يا ملاذي “…يتبع…
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية ملاذي و قسوتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.