رواية ملاذي و قسوتي – الفصل الثاني
الثاني
جلست حياة بالشرفة الواسعة مع الجدة (راضية) عينيها شاردة في المكان من
حولها حيث الساحة الخضراء باشجارها
العالية الورود المعطرة بالنسيم…
سالتها راضية بنبرةٍ حانية
“مالك ياحياة يابنتي ….”
نظرت لها حياة وقالت بطريقة صريحه فهي تعتبر راضيه بمثابة امها….
“يعني مش عارفه مالي ياماما راضيه ..هتجوز ابن ابنك كمان يومين …”
ترقرق الدمع في عينيها والرفض غصه
تقف في حلقها تكاد تشطره نصفين كروحها
ان وقع الأمر واصبحت زوجة له….
ابتسمت راضية بود قائلة …
” حياة أنتي عارفه انا بحبك قد إيه وبعتبرك زي حفيدتي وبنتي الصغيره كمان ، غير
بقا ان سالم طيب وابن حلال …ادي انتي
بس نفسك فرصة وقربي منه وان شاء الله هتعرفي ان كلامي عنه مش مجامله عشان
هو حفيدي ….”
نظرت لها حياة بحزن وقالت بحنين ….
“بس انا لسه بحب حسن ابو بنتي، ازاي انسى واكمل مع اخوه الكبير كده عادي لا وكمان ادي لنفسي فرصه أقرب من سالم طب ازاي بس..”
زفرت بإختناق شاعره ان روحها ستغادرها
من كثرة هذا الكبت….
ضاقت عينا راضيه وهي تسألها بطريقة مبهمه…
”عايزه اسألك سؤال ياحياة واعتبري مش
اللي مات ده حفيدي ….”
نظرت لها حياة واجابتها بخفوت
“اتفضلي ياماما راضيه أسألي ….”
تابعت راضية بجدية….
“لو بعد الشر يعني ..كنتِ انتي اللي موتي مكان حسن وسبتي ليه ورد صغيره مش
كان هيتجوز عشان يعوضها عن أم تانيه تربيها ويمكن كان حبها مع الوقت والتعود
زي اي إتنين متجوزين..”
بلعت ريقها بصعوبة وردت عليها
بإقتضاب “اكيد !….”
نظرت العجوزه في عمق عينيها بثبات…
“طب ليه الرفض ياحياة انتي عارفه انك
كده بتحرمي نفسك من متع الدنيا وانتي
لسه صغيره ولسا مشفتيش الفرح وكل اللي عشتيه مع حسن سنتين او اقل وحتى لو قولنا انك صح في عميلك دي ياترى حسن شايف كمان انك صح في انك تحرمي نفسك من الجواز وتحرمي بنتك من أب حنين زي سالم حفيدي ….”
نظرت حياة للناحية الأخرى بشرود…
باغتتها راضيه بجملتها التي اصابتها في صميم قلبها …
“ولا إنتي خايفه تحبي سالم وتتعودي على وجوده في حياتك وبعدين متلقيش منه غير الرفض !…”
__________________________________
يجلس في مكتبه في المصنع الكبير
(مصنع تصنيع وتصدير الفواكه ولعصائر الطازجه…)
“كالعاده هاري نفسك شغل”
نطق بهذه الجملة فارس صديقه المقرب والذي
يعيش في العاصمة….
علت الابتسامة وجه سالم وهو ينهض من مكانه مرحبًا بحبور..
“فارس …..يخرب عقلك جيت امته ….”
ابتسام فارس وهو يعانق صديقه بحرارة
مجيبًا….
“لسا واصل دلوقتي بعد مالحج رافت كلمني من يومين وأكد عليا معاد فرحك مجتش منك
ياصاحبي …”
فتح سالم الثلاجة الصغيرة واخرج له علبة
من العصير قائلا بود …
“اتفضل ياسيدي …”
جلس امامه ورد سالم على عتابة بهدوء من
بعد تنهيدة عميقة..
“انا عارف اني مقصر معاك بس الشغل قد كده على دماغي دا غير موضوع قاضي النجع ده ..الصبح في المجلس واخر النهار في المصنع وبليل على النوم قليل اوي لما
تلاقيني بقعد اتغدى مع اهلي …”
رد عليه فارس بسخرية ….
“ربنا يعينك مانا عارفك متجوز الشغل الله يكون في عون مراتك ….”
“مراتي ؟!….”تذوق الكلمة على لسانه مقتضبًا…
ابتسم فارس وهو يسأله بتشكيك….
“ااه مراتك.. نبرتك مش عجباني إنت
مغصوب ولا اي ياشبح …”
نهض ووقف امام نافذة مكتبه الزجاجية التي تطل على أرض صحراوية مكان هادى لا يوجد به غير مصنعه الكبير ….رد على سؤال رفيقه بحيرة واضحه….
“مش عارف إذا كنت مغصوب فعلاً او بغصبها هي عليا….”
نظر له فارس ومزال يجلس وراء ظهره …
“ليه بتقول كده..انت مش عارفها كويس …”
استدار سالم له وهو يقول بحيرة أكبر….
“المشكله الحقيقيه اني عارفها كويس
اوي يافارس !؟..”
ساله فارس بعدم فهم ..
” مش فاهم كلامك اتكلم على طول ياسالم في إيه….هي فزورة.. “
“العروسه هي حياة مرات حسن أخويا
الله يرحمه….”
حدق فارس مدهوشًا وسأل بعد ان
استوعب الأمر وحساسيته…
”طب لو إنت مش مستعد تجوزها ولا حتى حبتها ليه تعمل كده من الأساس؟…”
نظر مره اخرى الى الصحراء الخالية مثل قلبه ..
”مش عارف… بس بحس انها مسئوله مني
ولازم تفضل تحت عيني…ومش عايزها تجوز
حد ولا تمشي من البيت….عشان كده طلبت اتجوزها …لكن موضوع أحبها وهل انا فعلاً مستعد اكون ليها زوج وتكون ليه زوجه دا اللي مش قادر احدده.. لاني مش قادر اشوفها غير مرات حسن اخوي الصغير ، وبصراحه مش قادر اديها اكتر من كده في حياتي …”
“بس إنت كده بتظلمها هي محتاجه تعيش
معاك من جديد وتنسوا اللي فات وتبدأ إنت وهي من أول السطر ….ومتزعلش مني بس حسن مات وإنت وهي لسه عايشين واللي انتَ بتفكر فيه ده غلط لازم تدي لنفسك فرصه معاها ..”
ثم اردف بمزاح مغير هذا الجو المشحون بتوتر …
“وبعدين انا مش قادر اصدق واحد عنده اربع وتلاتين سنة دافن نفسه كده بين الشغل اللي مش بيخلص ده….ياراجل دانا عمري مشوفتك
بتعلب بديلك كده ولا كده….لا حب ولا صحوبية….إيه مش شايف انك معقد وصعب اوي وهتتعبها معاك (ياصخره لاتهتز… ) “
ضحك سالم على هذا اللقب الذي ييقن
انه يشبه قلبه وشخصيته ..ثم رد عليه ساخرًا…
“سبنالك انت السرمحا…..وقلة الحيا… ”
ضحك فارس معقبًا..
“ايوا كده طالما نقرتني يبقى انت زي الفل ..يلا بقا عشان انا جعان وأكل البدو ده واحشني بس كترو الشحم زي مابتقولوا ( اللحم )…”
ضحك سالم ونظر الى ساعة معصمه واجابه
بمزاح…
“عمرك ماهتتغير ..بس كده تمام اوي لان ده معاد غدا…حماتك اللي مدعي عليها بتحبك …”
مزح فارس متباهيًا…
“هي حماتي بس ….دا بنتها وأخده دعوات
”الشعب كله عشان هتقع في دبديبي….”
ضحك سالم وهو يخرج معلق بسخرية
“سبحان الله كل وأحد عارف قيمة نفسه ….”
__________________________________
كانت حياة تقف في المطبخ تحضر الطعام مع
الخدم …وقد علمت ان سالم سيأتي الى المنزل ومعه ضيف من القاهره ….
اتت مريم قائلة بارهاق …
“الحمدلله نضفت اوضة الضيوف وخلتها
مش ناقصها حاجه …”
ابتسمت حياة وهي تقلب الطعام…
“برافو عليكي يامريم …”
اتت مريم عليها قائلة بود….
“قعدي انتي ياست حياة وانا هكمل انا
وام خالد الأكل عنك …”
ردت عليها حياة وهي تطهي بصمت …
“لا يامريم خليكي استريحي شويه شكلك تعبانه “
كادت ان تعترض ولكن اشارة لها حياة بصرامه وأمر بالجلوس قليلاً بجانبهن في المطبخ على
مقعد ما ….
“سلام عليكم يااهل الدار ….”
دلف سالم الى المنزل برفقة فارس…لج الى صالون البيت الكبير برفقة صديقه ..كانت تجلس راضيه ورافت هناك ….
رافت بإبتسامة وترحيب…
“اخيراً جيت يافارس وحشتنى ياراجل …”
سلم فارس عليه وهتف بمزاح كعادته..
“انتوا اكتر بس كلامكم ده هيخليني اتشجع وقعد هنا سنه بحالها ….”
ضحكة راضية وهي تسلم عليه بحبور…
“لا طبعاً سنه قليلة خليها عشره…العمر كله انت تنور يصاحب الغالي ..”
قبل يدها قال بمحبه ….
“وحشتيني ياحلى تيته في الدنيا بس اي الجمال ده….. اي الحلاوه ديه بتكبري ولا بتصغري فهميني….”
ضاحكة راضية على حديثها….
“ياواد يابكاش…طول عمرك دمك خفيف يافارس ..”
” ايوا اضحكي كده محدش واخد منها حاجة
وطبعاً دمي خفيف امال هطلع زي ابن ابنك المكشر ده دايماا ..”
اشارا على سالم …نظر له سالم بتحذير ابتسم فارس وتحدث معهم في مواضيع اخرى….
“عمووووو فارس …..”
ركضت ورد لي احضان فارس بسعادة وحماس….احتضنها فارس بحنان قائلا بمشاكسة …
“عروستي الحلوه ، عامله إيه …”
ردت ورد بعتاب بريء …
“الحمدلله بس زعلانه منك ليه غبت ده كله بقلي تلات شهور مشفتكش خالص…..”
وضع يده على وجنته قائلا بطريقة مسرحية…
“حقك عليا ياورد الجوري….بس الشغل بقا
وعد من هنا ورايح هاجي اشوفك كل أجازة.”
غمزت له قائله بمزاح …
“هو ده الكلام تعالى بقا افرجك على الشجره بتاعتي اللي زرعتها من تلات شهور انا وماما في حوش البيت هنا …”
حاولت سحبه لينهض معها…نظر سالم الى ورد قائلاً باللطف…
” ورد ….خلي موضوع الشجره ده بعدين دلوقتي لازم نتغدا وعمو فارس جعان، يلا ادخلي اعطيهم خبر اننا جينا ومستنيّن
الأكل.. ”
اومات له بإحترام وقالت…
“حاضر ياعمي .. هقول لماما ….”
ركضت الصغيرة بحماس حيثُ المطبخ ….
ابتسم فارس قال بإعجاب….
“حلو انها بتسمع الكلام ومش عنيده ..ربنا يحفظها ويبارك لحياة فيها ….”
ردد الجميع الدعاء …إلا هو يقف شارد الذهن في هذه الزيجة التي ستبدأ بعد يومين كيف سيتعامل معها هل سيضع لها حدود ام يعيش معها حياة طبيعية ولكن كيف ؟…..
ظل عقله شاردًا في عواصف من الأفكار
ولأول مره يقف عند حل مشكلةٍ ما
والمضحك في الأمر انه قاضي يحل أمور الجميع ويخرج الحلول في اصعب المواقف
واشدها تعنت….
وها هو الان يأتي عند حياته ويتعطل عقله عن التفكير خصوصًا ان كانت المعادلة تخص مستقبل مبهم فامام الأمر يقف مكتوف الأيدي عاجز عن زمام الأمور !!…
سمع صوت الخادمة تنادي عليهم ان الطعام اصبح جاهزٍ على سفرة…..
قبل ذاك الوقت بعد ان علمت حياة بقدوم سالم صعدت الى غرفتها واخذت حمام بارد حتى تختفي رائحة الطهي ولأرهاق في هذا الجو الحار بحمام منعش لروحها وافكارها المزدحمة بعد حديث الجده راضية …ارتدت عباءة من اللون الابيض تتناثر عليها بعض الورود الرقيقه من اللون الازرق وارتدت حجاب يليق بها ولفته باحكام…
هندمت نفسها امام المرآة ولم تضع اي شئ على وجهها…فقط وضعت على جسدها كريم مرطب برائحة الورد له رائحة خفيفه على الأنف فقط من يجلس بجانبها هو من يستنشقه بوضوح …
نظرت لنفسها برضا ونزلت لتسلم على فارس
وتحضر معهم طعام الغداء …
__________________________________
دلفت الى غرفة الطعام كان الجميع منشغل
في طعامه وحديثه مع فارس رمت السلام
عليهم قائله بصوتٍ عذب ….
“سلام عليكم ….ازيك يادكتور فارس …”
رفع فارس عيناه عليها مرددًا بإحترام
“اهل ياام ورد عامله إيه ، اخبارك …”
“الحمدلله “ردت بخفوت
كان سالم ياكل طعامه بدون ان يلتفت لها وكانها لم تاتي من الأساس ….
ابتسمت راضية لها قائلة…
” قعدي ياحياة يابنتي واقفه ليه ….”
اومات لها وكادت ان تجلس في آخر مقعد
في السفرة ..قالت راضية بسرعه
“بلاش تقعدي بعيد كده ياحياه ..روحي قعدي جمب سالم …”
فغرت شفتيها بصدمة كالبلهاء
“هااا….”
رفع سالم عيناه على الجدة بعدم
رضا ….أضاف رافت بهدوء وهو ياكل …
“يلا ياحياة يابنتي قعدي جمب جوزك عشان تاكلي هتفضلي واقفه كده كتير ….”
احمرت وجنتيها غضبًا منهم جميعًا ، جلست بجانبه بإقتضاب….
ارتبكات قليلًا وهي تاكل الطعام بالقرب منه
كان فارس مُنشغل مع ورد يطعمها ايضًا
بيده والصغيرة منسجمه جدا معه….وراضيه ورافت يتحدثون مرةٍ مع فارس ومره اخره
مع بعضهم …..
بدأ هو ياكل بصمت واختلس بعض النظرات لها متفحصها بدون ان تلاحظ، أنتبه انها تعبث في طعامها بحرج علق بسخرية محافظ على نبرة صوته الخافته بجوارها..
“مالك بتلعبي في طبق كده ليه زي العيال…”
نظرت له بحده ولم ترد ولكن غمغمت بصوتٍ خافض…
“عيال…دا انت بارد اوي ماتخليك في حالك …”
مال قليلاً عليها بعد ان سمع حديثها قال بشك وتحذير …”مين ده اللي بارد ….”
مسكت كوب الماء بتوتر وراتشفت منه
قليلاً قائله بتردد
“الـ… المايه بارده هيكون مين يعني …”
ابتسم سالم برضا اقرب للسادية من خوفها منه….ثم عقب باستهزاء…
“اكتر حاجة تميزك عن الباقي شجاعتك
ياحضريه… “
نظرت له بتبرم مقتضبه وهي تهمس
بداخلها …
“شجاعتي …الله يرحمها ؟!! …”
تابع أكل طعامه بصمت لياتي في انفه رائحة
معطره خفيفه على الأنف ولكنها تغمر أنفه
بوضوح….. جز على اسنانه وهو ينظر لها
وجدها منشغلة في طعامها ….
نهض فجأه قائلا بخشونة..
“الحمدلله ……”
ثم التفت الى حياة سريعًا وقال ..
“ام ورد ممكن لو سمحتي تطلعي اوضتي تجبيلي ألتلفون بتاعي من فوق اصلي محتاج اعمل مكالمة مهمه ….”
رد رافت عليه بتعجب …
“طب خلي مريم تجبهولك ياسالم ..لسه حياه بتتغدا…”
نهضت حياة قائلة بحرج…
“لا انا الحمدلله شبعت ….”
ثم نظرت الى سالم وقالت…
“ان هطلع اجيب التلفون وانزل على طول …”
اومأ لها بهدوء مريب ..ثم صعدت الى الأعلى…وعين كالصقر الثاقب تتبعها ….
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بدات تبحث عن الهاتف في كل ركن من غرفته
ولم تجده ….تفاجئت به يدخل الغرفة عليها
ويغلق الباب بالمفتاح ..إتسعت عينا حياة
وقالت بارتباك…
“اي ده انت بتقفل الباب ليه ..”
اقترب منها ومسك ذراعها بقوة وهدر
بغضب“اي الزفت اللي انتِ حطاه ده…”
لم تفهم مايعنيه سألته بحماقة….
“زفت إيه انا مش فاهمه حاجة..وبعدين إنت بتكلمني كده ليه… سيب ايدي لو سمحت”
قربها منه أكثر فأصبحا متقاربا لكن العيون
تشن الحروب المستعرة…..
“انتِ هتستهبلي …اللي رشى منه على جسمك
قبل ماتطلعي من اوضتك …”
نظرت حياة له بغضب مكتوم وقالت
“انا مش رشه حاجه ده كريم مرطب بريحة الورد و…. “
نظر لها بستهزء معقبًا…
“تصدقي كده انا ظلمتك….”
قالت بلا مبالاة…
“عشان تعرف بس انك ظالم …”
على صوته بحده.. “إنتِ بتهزري …”
توترت هي قليلاً وصمتت برهبه من فرط عصبيته عليها….
قربها منه أكثر واصبحت انفاسه تحرق وجهها
الأبيض وقال بصرامة…
“بصي ياحياة لو عايزاني أكون كويس معاكي
يبقى لازم تحاولي مطلعيش عفريتي عليكي لانك مش هتتحملي قلبتي المره الجايا….و
رد فعلي مش هيعجبك لو اللي عملتيه ده اتكرر تاني…”
نظرت الى عيناه وقسمات وجهه الرجولي ولحيته المشذبه بجاذبية، حتى في أوقات غضبه يجذب عينيها ويرهق روحها ويقلق قلبها من القادم بالقرب منه …اغمضت عيناها بخوف حين شعرت به يقترب أكثر من وجهها
وللحظة فقد زمام الصبر امام نظراتها القريبة
منه وانفاسها الناعمة للحظة فقط ثم بلع ريقه بحنق وهو يتبعد عنها قائلا بخشونة…..
“تقدري تخرجي دلوقتي..”
اومات براسها وهي تتراجع عند الباب وضعت
يدها على المقبض فلم يفتح نظرت اليه بقلب
يخفق بهلع….
“الـ….الباب مـ…مقفول….”
اقترب سالم منها فاسبلت عينيها لتسمع الباب يفتح بالمفتاح عندها فرت هاربة بسرعة وكأنها تحررت من عرين الأسد….لكن هل ستظل
تتخذ الهروب مخرجًا من مشاعرها وقدرها
معه ؟!..
__________________________________
بعد ان ذهب الجميع الى النوم في غرفهم
ظلت هي مستيقظه في احضان ابنتها ورد
تفكر وتفكر ولعقل مزال مشوش ضائع بين
حديث سالم وحديث راضية وما شعرت به
بالقرب منه وامام عيناه….
وعن كل موقف حدث بينهما وكل مشادة
تؤكد قسوته وغطرسته عليها…
نهضت من على الفراش تهرب من افكارها باستنشاق بعض الهواء البارد في شرفة
غرفتها وكانت ترتدي منامة صيفي انيقة وشعرها الاسود يرفرف مع الهواء العابر…
نهض سالم من على الفراش متابع الحديث
في الهاتف بعصبية
“يعني إيه لغبطه في حسابات
المصنع….المحاسب فين طب اقفل والصبح
انا جاي اشوف الموضوع ده …. “
اغلق الهاتف بضيق واتجه نحو شرفة غرفته
وهو ينفث سجارته بضيق ومزال عقله يفكر
في هذه الحياة التي ستصبح زوجته عن قريب وستقلب حياته راسًا على عقب.. لكن هل ستنقلب للأفضل ام للأسواء ؟…..
لمحها تجلس على مقعد في شرفة غرفتها
نظر حوله بغضب فوجد المكان خالي من البشر فالساعة متاخرة الآن ……
دخل الى غرفته مره اخرى واتكأ على شاشة
هاتفة بغيظًا مكتوم…
مسكت هاتفها بين يداها ونظرت له فوجدت رسالة من سالم فتحت محتواها بتردد….
(ادخلي نامي ياهانم وكفايه مسخره لحد كده …)
اكفهر وجهها منه ودخلت مغلقة باب الشرفة
خلفها توسدت الفراش بظهرها وهي تتمتم
بضجر….
“ربنا يصبرني عليك وعلى تحكماتك…بنادم بارد.. “
__________________________________
في صباح اليوم الثاني …..
كان يجلس الجميع على مادة الإفطار
….بصمت وكانت تجلس حياة بجانب
سالم….
ظل يتابع اكلها بجواره للحظات قبل ان
يقول بخفوت هاكمًا….
“كُلي… مش كل ما تيجي تقعدي جمبي تفضلي تلعبي في الاكل كده ، وبدخلي اللقمه في بوقك بالعافيه ….مكسوفه من إيه ماتكلي عدل ….”
نظرت له بضيق ولوت شفتيها هامسه له بإقتضاب
“انا مش مكسوفه انا باكل عادي ..وشكراً على اهتمامك وطريقة كلامك اللي لا تقاوم بجد. ”
نظر لها بعدم فهم قائلا…
“مالها طريقة كلامي …..بتتريقي …”
لم ترد عليه نظرت له بتكبر واشاحت بوجهها
ناظرة للناحية الأخرى….نظر لها بضيق ثم
وضع قدمه على قدمها متكأ عليها أسفل
الطاولة…
شهقت حياة بصدمه وهي تنظر له….
“هاااااا …”
نظر الجميع لها بإنتباه ….قالت راضيه بقلق
“مالك ياحياة في حاجه وجعكي …”
أحمرت وجنتها بخجل وحرج ومزال سالم يريح قدمه عليها…بل ويأكل بهدوء وكأنه
لم يفعل شيء….
ردت عليها بتوتر …
“لا دا…. دي….انا بس زورت …” تنحنحت
قبل ان ترتشف القليل من الماء بحرج عاد الجميع لطعامه بفتور نظرت الى سالم بحنق هامسه بضيق
” شيل رجلك لو سمحت عيب كده …”
اتكأ اكثر على قدمها وهو يقول ببرود وسخط…
“هي دي رجلك دا انا افتكرتها رجل السفرة…..”
توسلت اياه بحرج وحنق منه…
“اديك عرفت انها رجلي…. شيل رجلك بقا عشان ميصحش كده…..”
نظر لها بحزم …
“عندك حق ميصحش…بس يصح انتي اكلمك تبصيلي بقرف ومترديش كمان عليا…. اسميه
إيه ده بقا ….”
صمتت ولم ترد عليه….قال بمكر
“ممكن تعتذري وانا هقبل اعتذارك عادي….”
نظرت له بتكبر قائلة بمهس
“مستحيل انتَ بتحلم !…”
رد عليها بمكر…
“طول عمري بحب الصعب …”
اتكأ اكثر على قدمها فتأوهت بصوتٍ مكتوم بوجع…. وهي تنظر له فرات الاصرار يلمع
في مقلتاه متحديًا إياها….
نظرت حياة بتشتت الى سطح الطاولة فلم
تجد إلا كوب الماء امامها…
ففكرت سريعًا وهي توقع الكوب على سطح الطاولة ثم تناثرت قطرات الماء على ملابسها وانتبه لها الجميع وهو اولهم وقد ارتخت قدمه عليها مما جعلها تنهض وهي تعتذر للجميع بخبث …..
“انا اسفه مخدتش بالي هجيب حاجه عشان امسحها…….”
القت عليه نظره غاضبة متوعده إليه….
اخترقت شفتاه اليابسة إبتسامة إعجاب لها….
ثم لم يلبث كثيراً إلا وهو ينهض متنحنح بخشونة وهو يقول لوالده وجدته….
“انا عندي شغل مهم في المصنع هخلص وهرجع على البيت على طول يالا يافارس هتيجي معايا ولا راجد.. “
نهض فارس بسرعة وهو يبتلع ما بي
فمه…
“لا أرجد على إيه هو انا فرخة…انا جاي
معاك طبعًا… يلا بينا وبالمره اتفرج على
النجع ….”
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠……٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بعد مرور ساعتين …
كانت تجلس حياة مع الجده راضيه في صالون البيت امام التلفاز ..وتطعم ورد بحب مع بعض المشاكسة الجميلة من ورد لوالدتها……
دخلت في هذه الاوقات ريهام شقيقة وليد وابنة عم سالم ….”سلام عليكم …”
ابتسمت راضيه لها قائلة بسعادة وترحيب
“ريهام كيفك يابنتي…. جيتي امته من المنصوره ..”
جلست بعد ان سلمت على جدتها ولم
تعير حياة اي اهتمام ..قائلة بطيبة
زائفة…
“امبارح وصلت شاخبارك ياحني..وصحتك زينه…. “
اومات لها قائلة بشكر…
“الحمدلله بخير يابنتي …”
التفت ريهام الى حياة قائلة بخبث
“ازيك يامرات حسن ان شاء الله تكوني مرتاحه معانا.. “
اومأت لها حياة بإقتضاب قائلة…
“مرتاحه ولم شوفتك ارتحت اكتر ياريهام ..”
ثم تابعت حياة بميوعة….
“ايووووه نسيت اعزم عليكي بحاجة تشربيها
تشربي إيه ياريهام…”
نظرت ريهام لها بغل قائلة …
“لم أحب اشرب حاجه هقوم اعملها بنفسي انا مش غريبه…”
ثم بحثت بعينيها بفضول في أرجأ المنزل وهي تسأل راضيه بلهفة..
”هو سالم فين ياحنيي لسه راجد…”
ردت عليها راضية وهي تعبث في سبحتها بهدوء..
“لاء يابنتي دا في شغله لو كنتي بدارتي ساعتين بس كُنتِ لحقتيه ….”
تنهدت بحزن ثم قالت بوقاحة..
“مش مهم استنى..اصله وحشني اوي ..تعرفي ياحنيي لو فضلت اللف الدنيا دي كلها على كعب رجلي مش هلاقي نسخه تانيه زي
سالم ابن عمي ..”
ردت حياة بتبرم داخلها..
“ااه إنتي هتقوليلي ماهو واضح …”
سألتها راضية بقلق بعد حديثها هذا عن سالم
“إنتي جايه مع جوزك ولأ لوحدك ياريهام ..”
لوت شفتيها قال بحسره زائفة…
“جوزي هو انتي متعرفيش اني اطلقت
قبل مارجع النجع بكام يوم …”
خبطت راضية على صدرها بصدمة
“ليه كده ياريهام دي تالت جوازه ليكي
يابنتي وتنتهي بطلاق ..انتي مش ناويه تعقلي يابنتي ..”
نظرت الناحية الأخرى قائلة بضيق وقح..
“ما كله من حفيدك مش قادره اشوف
راجل غيره ولا قدره احب غيره ….”
نظرت راضية الى حياة التي حدقت في
ريهام بصدمة بعد حديثها الوقح …
وجهت راضية حديثها الى ريهام بحرج..
“مالوش لازمه الكلام ده يا ريهام اللي فات فات وبعدين سالم هيتجوز كمان يومين …”
اتسعت مقلتيها قائلة بصدمة وحقد…
“يتجوز؟!… يتجوز مين ..ومين دي اللي
قدرت تغير تفكير سالم عن الحريم…. لا وكمان هيتجوزها بالسرعه دي….”
نظرت حياة لها بخبث وبكيد لأنها تعلم جيدًا انها حاقده ولا تحبها بل ودومًا تتعامل معها بغرور واستهانة فشعرت أنها فرصة حتى
تقهر تلك الشيطانه أمامها….
ردت عليها حياة بأسلوب انثوي كياد..
“بصراحه مش عايزه اصدمك اكتر من كده بس العروسه دي تبقى انااا..”…. يتبع
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية ملاذي و قسوتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.