رواية جرح فتى الفصل الخامس 5 – بقلم ولاء عمر

رواية جرح فتى – الفصل الخامس

ــ بس أنا محبيتش موقف البطل.

ــ ودا ليه؟

ــ مش عارف بس أنا مش بحب إن الراجل شخصيته تتلغي قدام اللي بيحبهم، حتى لو كانت روحه في اللي قدامه بس ميلغيش نفسه وحياته وقراراته قدام سلطتهم عليه.

ــ طيب وفيها إيه إنه يقتنع برأي اللي قدامه، وبعدين دي البطلة فـ لازم يحبها!

ــ مينفعش أنا مقتنع إن في أي علاقة أياً كانت هي إيه لازم يكون لكل واحد حدوده، ولكل واحد رأيه، أمشي برأي اللي قدامي في حالة إن هو كلامه صح، وقتها أقتنع بيه، إنما أمشي معمي ومغمض عنيا ويلا سلام هما صح وأنا قافل عقلي ومش سايبه يفكر؟

الصراحة يعني أنا اقتنعت برأيه.

غيرت الموضوع وسألته:
ــ هتعمل إيه السنة الجاية ؟

بص لبعيد وقال:
ــ عادي هعمل زي كل سنة بس الفرق إني هضغط على نفسي شوية وهذاكر أكتر علشان مجموع الكلية من صنايع عالي أو أجيب مجموع عالي برضو وأعمل معادلة علشان أدخلها.

ــ كتير بيطلع من التعليم ومش بيكمل.

ــ لما أشوف اللي قدي وقاعدين على مكاتب وأنا اللي رايح وجاي وشايل ومتمرمط وإحنا قد بعض ويمكن فيهم الأصغر طبيعي أحس إني محتاج أثبت نفسي وأحس بقيمتها، في حاجات كدا لنا بنخسرها غصب عننا ما بنصدق إننا نرجع لها من تاني وكأن هترد فينا الروح.

شكل قصته مش سهلة، وراها كتير، محدش بينضج ويفهم الدنيا إلا اللي إتخبط فيها وفي مطباتها خبط كان في وقت كفيل يكسره، بس الضربة اللي متموتش تقوي.

ـــــــــــــــــــــــــ

قللت كلام معاها وبطلت أطلع البلكونة احتراماً لأبوها، وعشان ما ابقاش خاين، الراجل بعد ما يشغلني معاه ويعملي قيمة وسط الكل ويعتبرني ابنه اخونه وأقعد مع بنته من وراه؟ والله ما هي من شيم الرجال.

أدمنت القراءة ويمكن دي الحاجة وأكتر حاجة بتفكرني بيها.
بعد فترة كنت مضطر أسافر علشان فرح أخويا كمان يومين.
كنت كونت مبلغ فروحت متصدق بجزء منه ودا الشيء اللي سبحان الله بيزرع البركة في الفلوس والباقي عينت منه مبلغ بعيد وجزء سافرت بيه.

من أول ما رجلي اتحطت في القطر وأنا مش بفكر في حاجة غير إني أروح وأطلب إيدها من أبوها لأن مينفعش كدا، بس في نفس الوقت خايف، مصاريف والتزامات أخاف أكون مش قدها.
جرح قديم فات عليه أكتر من عشر سنين، يمكن خمستاشر سنة لكنه قاعد سايب جوايا أثر عمره ما هيروح.
يفوت العمر ولسة علي العيل الصغير اللي ضهره إتعرى في الدنيا بدري لسة برد الدنيا وقساوتها بينهش في عضمه.

وصلت، سلمت عليهم سلام بارد، بعدها دخلت نمت وصحوني علشان أكل.

ــ بس مش سهل أنت يا علي، محدش يعرف أنت فين، كل اللي نعرفه إنك شغال في إسكندرية، مع إن في كتير قرايب لينا هناك بس أنت واخد مكان بعيد عنهم وبتشتغل والله أعلم شغلك إيه!

بصيت لأخويا الصغير ببرود وقولت له:
ــ إيه الله أعلم بتشتغل إيه دي ؟ هكون بشتغل ر.قاصة يعني ؟ وبعدين شاغلين بالكم ليه معرفش!

سيبتهم قومت طلعت .
روحت سهرت مع الشباب ورجعت قعدت أسمع ماتش الكورة وبعدها دخلت نمت وصحوني علشان تجهيزات الفرح .

ــ يعني لا أنا العريس ولا العروسة علشان اصحى لتجهيزات الفرح، أنا جاي أريح .

ــ قوم سلم على أبوك يا علي، جه برا.

ــ مش طالع وروحي كدا شوفي جوزك وكوم العيال اللي عندك وزيطة الفرح دي ويلا برة.

قولتها وأنا حاطط المخدة على رأسي فشدت المخدة وهب بتقول:
ــ قولت قوم سلم على أبوك.

ــ أبو مين أنا مش عايز أشوف حد، أنا بكره وبكرهكم يلا إطلعي برا.

طِلعت وأنا شيلت المخدة وبصيت للسقف وأنا بحاول معيطش علشان على رأيهم مفيش راجل بيعيط، إحنا بنتكسر وتلوينا الدنيا وتمرمطنا بس.
أبو مين بس، دا عايش زي اليتيم المتشرد بقالي سنين، اللي في خلالهم مظهرش فيهم غير ييجي خمس مرات.

لبست جلابيتي وطلعت له وسلمت عليه وقعدنا نفطر على الدكة ورا البيت أنا وهو وإخواتي.

الحياة دي بتعلمك تكون سياسي وحيادي، تزعل بس متعاتبش، وحتى لو فكرت أعاتب، هعاتب بعد قد إيه ؟ هعاتب على إيه ولا إيه ولا إيه ؟

قعدة باردة، اتجمعنا إحنا الشباب وقعدنا ويمكن دي الحاجة اللي بتهون عليا وتصبرني على قعدتي هنا.

عدا الست أيام الإجازة وخدت بعضي بعدها وسافرت .
حياتي كانت مقتصرة على الشغل والقراية والمذاكرة علشان السنة بدأت.

خدت القرار النهائي وفي يوم كنت قاعد على القهوة أنا وعم زيدان وقولت له:
ــ عم زيدان أنا طالب إيد بنتك فاتن.

حط كوباية الشاي بتاعته على الترابيزة وقال:
ــ والله يعني أنت يا ابني عريس متتعوضش طبعاً بس..

قولت بخوف:
ــ لاء صلي على النبي بس بس إيه ؟

ــ هات كبيرك يا ابني وتعالى.

ــ يعني أنت موافق يا عم زيدان ؟

ــ يا ابني وأنت حد يلاقي زي معدنك اليومين دول؟

ــ الله يكرم أصلك يا عم زيدان… إديني يومين هروح أسافر وأجي بيهم.

سافرت بالفعل لأهلي.
المواجهة مش سهلة، وأنا من البداية وعارف إن هي مش سهلة ولا حتى بتعريفة.

ــ وليه متخطبش واحدة من بنات البلد؟ ولا جاي على هواك بنات بحري؟

ــ أيوا يا أمي، وبعدين محدش يخصه حاجة في حياتي.

ــ وهتعيش فين وأنت شقتك اللي هنا مش جاهزة أصلاّ؟ وهو أبوها هيوافق بيك؟

اتخنقت من كلامها.
ــ ليه ميوافقش بيا؟ وهو أنا قِلة للدرجة دي في نظرك يا أمي ؟

ــ أصل محيلتكش حاجة ولا حتى مكان تتجوزها فيه.

قولت الجملة اللي واثق مليون في المئة إنها هتعمل نار:
ــ لاه عندي شقة وملك كمان عندك حاجة تاني ؟

ــ نعم؟ ودي منين إن شاء الله وأنت محيلتكش اللضى واللي جاي على كد اللي رايح؟

ربعت ايديا وقولت:
ــ ما لو قعدت عمري بصرف اللي ورايا واللي قدامي يبقى ساعتها أكون ضيعت تعب سنين في الأرض.

مسكتني من تلابيب ــ الفتحة أو اللياقة ــ بتاعة الجلابية وقالت بعصبية وصدمة:

ــ تعب سنين؟ وأنت جيبته منين ؟ يكونش ليك في الآثار ومخبي علينا؟ ما استبعدهاش عنك.

بصيت ليها بخيبة أمل وقولت:
ــ تخيلي إن اللي برا يشكر فيا وفي اخلاقي اللي ربنا أنعم عليا بيها وأنتِ وعيالك أنا في عينكم زي المسخ.. ــ كملت والدموع بتلمع في عيني بقهر ــ بس عامة أنا كان بقالي سنين بحوش من وراكم وأحط القرش على القرش علشان محتاجش في يوم أتسند على حد منكم، من وأنا صغير وأنا حلمي إني أبعد بس مكانش بيهون عليا أسيبكم زي ما أبوي في يوم كسرني وبعد وانتو كسرتوني بعدها لحد ما بقيت ماشي مكسر.

ــ إحنا كسرناك؟

لما يبقى بقالك سنين كاتم جواك علشان محدش يشوف ضعفك وفجأة كل حاجة تطلع بيكون وكأن في سد كان مانع ودلوقتي السد مش اتشال دا إتدمر.

وأنا دلوقتي بعيش قهر الرجال ودموعي اللي بقالي خمستاشر سنة ماسكها نزلت وأنا بقول ليها:
ــ أيوا كسرتوني، من أول يوم هو مشي وسابنا فيه وأنا.. أنا كنت أقرب واحد ليه من عياله ومعاه في الرايحة والجاية، وهو مشي بسبب طمعه في الفلوس ومرجعش، وانتو عملتوا إيه؟ أنا أقولك عملتوا إيه.. قولتي يا واد سافر أشتغل مع أخوك وساعده على الحفار وروحت وسافرت واخويا عمل إيه ؟ طبعاً متعرفيش فأنا هقولك، كنت بأخد كل علقة وعلقة، ضرب وأقلام وكفوف وتريقة من الكبير والصغير، مرمطون بينضف ويمسح ويروح لده لده، وضرب منكم ومرمطة وإهانة.

كملت بقهر:
ــ وأرجع أتكفي على الغيط وأخد بالي، معلش أصل أخوك الكبير مسافر وأخوك التاني عيل صغير لازم يتدلع، واختك دي بت مينفعش تطلع، وأنا فين من كل ده؟ أنا اتمرمط، أتهان، أتضرب، حتىى المدرسة مكمبش فيها علامي، لحد ما في يوم سافرت من وراكم وساعتها قررت إن لازم لما أكبر يبقى ليا حياة تاني بعيد عنكم، كلهم كنتي بيهم الأم والاب أما أنا فكنت يتيم الأم والأب… عارفة كام مرة إتعايرت بإن هو سابنا؟ عارفة كام مرة شوفت عيل صغير ماشي مع أبوه وصعب عليا نفسي؟ ولا كام مرة حسيت إن أنا مليش ضهر؟

ــ بقالك خمساتشر سنة ساكت ؟

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية جرح فتى) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق