رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح) الفصل الأول 1 – بقلم روزان مصطفى

رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح) – الفصل الأول

 

[ العبث الأول]

تمهيد | الرواية لا تتناسب مع الأشخاص الذين يصعب عليهُم التحكُم في مشاعرهُم، غير مُناسبة لِمن هُم يحملون داخِلهُم رُفات المواقِف السيئة التي مروا بِها، فـ تراكمت داخِلهُم كـ چمرات النار، إن أكملتُ قِرائتها سينفجِر بُركانك.. وأخيرًا، لا تُناسِب أبدًا كُل مطعون بـِ خنجر الخِذلان مِن صديقهُ.

تحذير الكاتِبة | الرواية تحتوي على مشاهِد د| موية وعنـ| يفة.

•- حملتُ قلبي على كف يدي نازِفًا، أسيرُ بين الجموع ناظرًا لهُم أني أمو| ت بِبُطء، أرفُض أن يمد لي أحدهُم يد العون

لقد قتـ| لني صديقي بيديه التي كُنت أألِفُها، كيف لي أن أثق بأي أيادي أُخرى.

كانوا قاعدين على الرمل قُدام البحر.. وقت الغروب، واقِف عيسى شايل بِنتُه قمر، وقُدامُه نوح لابِس قميص أبيض زي بقية السُفراء

مد عيسى بهزار إيديه الإتنين اللي شايلين بِنتُه لـِ نوح وهو بيضحك بسعادة وبيقول:  خُد يا رااايق

نوح يمد إيدُه يمثل إنُه هياخُدها يروح عيسى باعِد إيدُه ببنتُه، يكررها تاني والبنت تضحك

وعزيز وأمير واقفين بيشووا حاجات على الجريل وهُما بيبصولهُم بسعادة

حضن عيسى بِنتُه ولف بيها مرتين وهو بيرفعها للسما.

عزيز بصوت عالي لنوح:  تعالى ساعدنا عشان نخلص ونتمشى شوية سوا، لغاية ما الحريم يجهزوا بقية الأكل.

رفع الرايق إيديه الاتنين وقال بضحكة:  أنا عملت اللي عليا وجيبتكُم هِنا، الباقي عليكُم إنتوا.

أمير بإبتسامة:  مينفعش يا رايق، طالما جبتنا لازم نرجع معاك، إحنا جينا الطريق دا أربعة وهنمشي أربعة.

نوح وهو بيتربع وبيقعُد جنب رفيف، اللي شعرها نازل على رجليها وبتبتسم لُه قال:  لا أنا طريقي غير طريقكُم، لازم أمشي أنا بقى.

سحب رفيف وإداهُم ضهرُه وراح ناحية البحر، عيسى وِشُه بِهت وقال بنبرة حزينة:  هو مشي بسُرعة ليه؟  مودعناش.

بص لأمير وعزيز لقاهُم حاطين وشهُم في الأرض

ومبيردوش، والرمل اللي كان قاعد عليه الرايق مرسوم عليه ثلاث أشخاص، كُل واحد بينُه وبين التاني مسافة.

_________________________________

Eight o’clock PM.. Eight O’clock  PM

إتنفض عيسى مِن الحِلم وهو عاري الصدر، العرق بينزِل من جبينُه وبيوقع على الملاية، صوت صفير شديد في ودانُه خلاه يميل راسُه على جهة اليمين وهو بيغمض عينيه مِن شِدة الصوت.. جفاف شديد في الحلق ونبضات قلب سريعة، وأنفاس ساخِنة..  بيحاوِل ياخُد نفسُه كإنُه كان في سباق، لما فاق وإستوعب إنُه حِلم.. بدأت نبضات قلبُه تهدى لكِن بألم غير مُحتمل، بص للزُجاج الكبير بتاع اوضتُه اللي بيبين لُه الشارِع، الدنيا ظلام وأنوار العواميد الصفراء في الأسفل هي اللي طاغية، صوت خبط المطر على الزُجاج خلاه يرتجِف، قام من السرير وسحب چاكيتُه الجِلد اللي مرمي على الكُرسي، ولِبسُه وهو بيحُط حديدة السلسلة بين سنانُه وبيضغط عليها، وعينُه الشمال بترِف.

ما إنت لو كُنت سمعت كلامي!

إتنفض عيسى لما سِمع الجُملة دي، لف وهو مبرق وبيبُص لقى أبوه قاعِد على السرير وبيبُصلُه

ضحك عيسى وبين سنانُه وهو بيفلت السلسلة وقال وعينيه بدأت تدمع:  أبوياا.

إبتسم الغُريبي ورفع حاجِب وهو بيقول:  لا تكون خايف إني أبهدلك فرشتك بجلابيتي اللي مليانة عطارة، فاكرها يا واد؟

رجع عيسى شعرُه الطويل لورا بصوابعُه وقال:  فاكرها، بقيت بحبها يابا.

أبوه وهو بيهز راسُه قال:  متأخر يا إبن الغُريبي، أنا سمِعت إن الدُكانة بتاعتي إتقفلت.

حط عيسى أطراف صوابعُه على عينُه وهو بيقول:  مروحتش لسه، بس أكيد قفلوها لإنك مبقيتش هناك.

شال أطراف صوابعُه عن عينُه اللي نزلت دموع وبص على السرير لقاه فاضي، راح ناحية السرير قعد على رُكبُه وحط راسُه مطرح ما ابوه كان قاعد، بدأ يعيط وجسمُه يتهز جامد وصوت شهقاتُه يعلى ويقول:  سامحني يابا، كُنت عاوز أرجع عيسى إبنك اللي يشرفك وأشيل عنك الحِمل، سامِحني يابا إتأخرت عليك

وكمل عياط والدنيا بتمطر، كإن الغيوم أغرتُه يعيط زيها.

_________________________________

• في الخارِج / مصر.

إحدى العيادات النفسية في الزمالِك.

كانت قاعدة على كُرسيها المُتحرِك، بشرِتها باهتة وجسمها خاسس، تحت عيونها هالات سودا.. مد الدكتور إيدُه ليها بكوباية مياه فمدت إيديها اللي بترتجِف وأخدت الكوباية مِنُه وشربتها كُلها وهي لسه بتترعش وبتلحس شفايفها من المياه، الطبيب النفسي قاعِد قُدامها بيراقِب تصرُفاتها وبيكتِب، لفت وشها وهي بتراقِب الأبواب والشبابيك وهي مبرقة

الطبيب النفسي بهدوء:  متخافيش يا مروة، كُله أمان مفيش حد هيدخُل.

رجعت شعرها ورا ودانها وقالت بكلام مُتلعثم*تأثير نفسي مِن كُل اللي جرالها *

مِن ساعة ما رجِعت، وأنا مبنامش كويس، بشرب لتر قهوة كُل يوم لغاية..

بينت سنانها وورتها للدكتور وكملت وقالت:  لغاية ما سناني إصفرت، وجالي أنيميا.. أنا.. أنا بقيت أعمل الحمام على نفسي، المياة بتغرق هدومي والكُرسي عشان بخاف ألاقيه في الحمام، مستخبي في البانيو ورا ستارة الدوش.

سندت جبينها على صوابع إيديها وبدأ صوت نحيبها والعياط يطلعوا وهي بتعيط وبتقول:  أنا تعبانة، نفسي أعيش كويسة، أنا رضيت بقضاء ربنا إني أكون قعيدة على كُرسي مُتحرك، ومرضيتش أكون زي الشيطان الأخرس اللي بيشوف حد مقتـ| ول ويسكِت.

رفعت وشها وبصت للدكتور وقالت بتبريقة:  بقى بيظهرلي حتى في أحلامي.

مدت إيديها ورفعت التيشيرت من عند بطنها وهي بتقول بألم:  بُص! دي طعنة طعنها ليا ونجيت مِنها، أنا بعمل كُل حاجة عشان أفضل عايشة وأخِف، هتساعدني إزاي.

كتب الدكتور في النوت اللي في إيدُه، بعدها قفلها وقال بنبرة هادية عشان يطمِنها:  أنا عارِف إن الشوارِع دلوقتي متطمنكيش، صور مراتُه اللي متعلقة على الأشجار وجنب الجوامِع والأماكِن العامة ومكتوب تحتها مفقودة، تقلقِك أكتر، لكِن زي ما إنتِ شايفة هو شخصيًا مش موجود.. ملهوش أثر، ومش من مصلحتُه يظهر لإن الكُل بيدور عليه سواء حكومة أو أي شخص تعامل معاه شخصيًا، إهدي.. نوح الرايق مش هيقدر يعمـ..

قاطع الدكتور إن في إيد مسكت خُصلات شعرُه مِن قُدام، ورفعت راسُه لفوق، ومروة شهقت شهقة رُعب وهي ماسكة إيدين الكُرسي بتاعها وبتبُص بتبريقة للي بيحصل

سكـ| ين حاد جاب رقبة الدكتور بالطول، وفتح دما| غُه نُصين، وجسمُه بيتنفِض لغاية ما الد| م ملى العيادة

مروة صوت وهي بتجري بالكُرسي بتاعها ناحية باب العيادة، فتحت تكة المُفتاح بإيد بتترعش بقسوة وهي سامعة صوت خطوات سريعة، جريت بالكُرسي المُتحرك بتاعها وهي بتطلع في الروح مِن الرُعب وبتصوت بصعوبة وبتقول:  إلـ..  إلحقوونيي.

والشخص اللي لابِس ماسك أرنب بيجري وراها، الأدرينالين إرتفع عندها فـ زودت سُرعة تحكُم إيديها بعجل الكُرسي، وعمالة تعيط زي الطفلة

لغاية ما مِسك الشخص إيد الكُرسي بتاعها من ورا، وسحبها ناحيتُه.

___________________________

My tea’s gone cold, I’m wondering why

I got out of bed at all

The morning rain clouds up my window

And I can’t see at all

And even if I could, it’d all be gray

But your picture on my wall

It reminds me that it’s not so bad

It’s not so bad

الأغنية اللي شغالة من فون واحِد من

الشباب اللي بيعملوا Skating فوق الأرض المُبتلة بمياة الأمطار، والراجِل بتاع عربة الشاي واقِف يبيع مشروبات ساخِنة وجنبُه واحِد تاني بيبيع كاندي

صورة رفيف إتبلت مِن المطر ودابت ملامِحها، ماعدا كلمة مفقودة، عدا أربع أطفال صُغيرين واحِد مِنهُم بيقول:  أنا الرايق، وإنت عاوز تكون مين

الطفل التاني:  العقرب.

عدا مِن بينهُم شخص لابِس چاكيت مطر إسود وتحتُه كاب إسود، حاطط إيديه الإتنين في جيبُه وماشي على طول بعد ما سِمع الأطفال قالوا إيه، إفتكر وقت ما كانوا سوا وقد إيه كان وجودهُم مع بعض قِوة، وقِف عند الراجُل بتاع الشاي وقال بصوت مبحوح وهو مخبي ملامحُه بالكاب الإسود:  كوباية شاي من غير سُكر.

بدأ الراجل يجهِز الشاي وأمير واقِف مستنيه، إفتكر مُقتطفات من اللي حصل في المُستشفى فـ نفض راسُه كذا مرة وهو مش عاوز يفتكِر

” البيه دا هو السبب في كُل اللي حصلِنا ”

” No risk no fun! ”

” كُل واحِد فينا من طريق أحسن، كُل واحِد يشتغل مع نفسُه ”

صُراخ صِبا بعد ما أدركت إنُه أخد رفيف معاه ” رفيييف، إنت سيبتُه ياخدُها!  هيمو| تها، هيموتهاااااا”

الشاي يا أخينا!

شهق امير شهقة خفيفة ومد إيدُه اللي لابِس فيها جلافز إسود جلد شتوي، أخد كوباية الشاي.

أول ما قربها من بوقه وشم ريحتها إفتكر قهوة الشُعراء وقعدتهُم فيها وهُما بيضحكوا سوا، ساب الكوباية على العربية بتاعة الراجل وجنبها فلوس، وحط إيديه الإتنين في جيبُه وكمل مشي والراجِل بيبُصلُه بإستنكار

أمير في عقلُه ( عِندما يُلقِ لك أحدهُم طوق نجاة بعد ما قُمت بـِ رمي جسدك وسط الأمواج، فـ نسج لك مِن ذِراعيه ملجأ دافيء، ومِن بين خطوط وجهك الغاضِبة فصل لك بـِ وجوده تقاسيم السعادة، أعاد نبضك للحياة.. ثُم بقسوة ألقاك مُجددًا في غياهِب المياه الأكثر ظلامًا، وعُمقًا.. وحيدًا ترتجِف في القاع، لقد رحل صديقي وكان وداعهُ أسوأ وداع).

_________________________

•النيابة العامة المصرية.

ليث وهو لابِس الزي الرسمي الإسود الشتوي:  يافندم أنا ضد اللي بيحصل، يعني إيه نسمحلهُم يعيشوا في مصر عادي بدون حجز في مصحة عقلية ونفسية أو حتى حجز في السجون!

وكيل النيابة وهو بيرجع ظهرُه لورا وبيكتِف إيديه بص لليث وقال:  وجودهُم بـ حُرية هيدِلنا على نوح، واحِد مِنهُم هيسعى يلاقيه عشان ينتقِم مِنُه، أو يمكِن هُما الأربعة متفقين وهيتقابلوا كدا كدا، ف،  إحنا إديناهُم الحُرية المُطلقة مؤقتًا لغاية ما حد مِنهُم يوصلنا لأي شيء يخُص نوح، وإحنا مبنعملش حاجة عساكر المُراقبة باللبس الملكي في كُل مكان، وإنتوا إستدعوهُم وإستجوبوهُم في أي وقت عشان الموضوع يبان طبيعي ومياخدوش حذرهُم، وبحذرك يا ليث للمرة الأخيرة أنت والظابط منال، ممنوع منعًا باتًا التصُرف بـِ صفة رسمية مع الثُلاثي من دون عِلم الداخلية، هتعرضوا نفسكُم لمشاكِل وخيمة، إتفضل على مكتبك.

ليث بتكرار حزين:  يافندم هُما خطيرين زي نوح ووجودهُم في الخارِج وسط المواطنين العُزل هيزيد الوضع شوء مش هيعالجُه.

وكيل النيابة بزعيق:  مش هيبقى أسوأ من اللي هيعملُه المُختل الهارِب لو موصلنالهوش، إتفضل على مكتبك!

أدى ليث التحية العسكرية وقال:  تمام يافندم.

خرج مم مكتب وكيل النيابة لقى منال واقفة ولافة حوالين رقبتها إسكارف إسود ببدلتها العسكرية وبتقول:  قالك إيه؟

بصلها نوح بطرف عينُه وسابها ومشي فـ بصت للأرض بزعل ومشيت جنبُه وهي بتقول بنبرة ندم:  إنت لسه محملني ذنب اللي حصل.

وقف ليث وقال بنبرة زعيق:  ما دي الحقيقة! أقول يتنيلوا يتحبسوا، تطلعيلي إنتِ والدكتورة لا يتعالجوا، لا طبطب عليهُم، بشويش عليهُم.

منال بهمس:  ششش!  هدي أعصابك عشان نعرف نشتغل!

ليث بعصبية:  مش عاوز اشتغل أنا عاوز أكفي الناس شرهُم، أنا تعبت من القضية دي هو أنا مش ورايا غيرهُم!!

حطت منال إيديها على راسها بصُداع فقال ليث:  لسه برضو بتاخدي مانِع للحمل؟

منال بجدية وهي بتمشي جنبه:  أيوة ومستخدمة وسيلة تانية لمنع الحمل، مش وقتُه..  لما نتصرف في القضية دي هبقى أفكر أجيب طِفل.

قاطعها ليث وقال بعصبية وتبريقة:  برضو! مش راضية تقولي نقبُض عليهُم بتقولي تصريفة، على أساس إني غبي أنا مش واخد بالي.

دخل مكتبُه وقفل الباب ففتحت منال الباب ودخلت وراه وهي بتقول بتكشيرة:  مش ملاحِظ إنك أوڤر شويتين؟  أنا معاك في نفس القضية على فِكرة!

قعد ليث على مكتبُه وقال وهو بيتنهِد:  اللي بتعمليه في نفسك غلط، محدش ضامِن بُكرة.. إمنعي وسائِل منع الحمل دي وإحملي وخلفي، عشان ميحصلكيش أضرار.

منال وهي بتقعُد قُدامه:  مفيش الكلام دا، المُهم نرجع لموضوعنا، الباشا قالك إيه؟

ليث بتأفُف:  قالي نستدعي الثُلاثي نستجوبهُم عن نوح عشان نبعد شكوكهُم تجاه الداخلية.

منال بلعت ريقها وقالت بتوتُر:  إحنا اللي هنستدعيهُم؟

ليث وهو بيقلب في الورق:  أيوة احنا مش هياكلونا، متخافيش مش معاهُم سي زفت *الرايق*.

منال بشرود:  إيه اللي خلاه يعمل كدا، بقالنا كتير بندور عليهُم هُما الأربعة، ليه أخد طريق غير طريقهُم؟

ليث بقر| ف من قلة النوم والروتين والتوتُر:  يا شيخة خدهُم ربنا هُما الأربعة.

دخل ظابط لمكتب ليث بعد ما خبط وأذنلُه ليث بالدخول

أدى الظابط التحية العسكرية وكان وِشُه أصفر، ليث بتدقيق في ملامحُه:  مالك يابني في إيه؟

بلع الظابِط ريقُه وقال برجفة:  ليث باشا، لازم حضرتك تيجي معايا إنت ومنال باشا، تشوفوا اللي حصل.

رمى ليث القلم وقال بتوتُر:  لقيتوا جُـ | ثة رفيف؟

بص الظابط للأرض ومنطقش،كانت نظرتُه فيها حُزن عميق.

_______________________________

• داخِل قصر أمير الذهبي.

كانت واقفة صِبا عند النافِذة الزُجاجية الكبيرة في الردهة، لابسة بنطلون وايد ليج چينز فاتح، وهاف بوت إسود مدخلة أطراف البنطلون فيه، شعرها مبلول ومسرحاه ومثبتاه بمُثبت شعر لورا بعد ما قصتُه لرقبتها، وچاكيت بدلة رسمي إسود قافلة منُه زُرار واحِد وتحتُه قميص كت أبيض.

حاطة سموكي ميك اب، ورابطة في مِعصم إيديها سكارف الشعر بتاع رفيف.

وباصة للسما، المكان الأخير اللي نوح أخد فيه رفيف..

كان الوشاح وقع من رفيف والرايق بيجُرها للمرة الأخيرة، واللي إحتفظت بيه صِبا.

جت شجن هانِم بكُرسيها من ورا صِبا وهي بتقول بنبرة باردة:  إدخُلي حُطي على أكتافِك شال، الجو تلج.

ضحكت صِبا بسُخرية من غير ما تلفلها وقالت:  متقوليش إنك خايفة عليا.

شجن هانِم بهدوء:  وليه لا؟ أنا خايفة عليكِ أصل، أبنك ملهوش غيرك أديكِ شايفة أبوه.

لفت صِبا وقالت بغضب:  أبنك بليد، بارد..  لوح ثلج.. معندوش مشاعر لو أنا إتخطفت قُدامه هيسيبني عادي مش هيلحقني، مبثقش فيه محبووسة هنا عشان خاطر إبني.

شجن بتكشيرة وهي بتبُصلها:  إنتِ بتقولي كِدا عشان متأثرة باللي حصل لصاحبتك، إنما لازم تفوقي وتاخدي إبنك في حُضنك، إهتمي بحبوب الإكتئاب بتاعتِك لو دا هيساعدِك شوية.

صِبا بضيق وصوت عالي:  ما تسيبيني في حالي بقى، أنا مبسكتش أفكاري بالمُهدِئات عشان تجيلي إنتِ زي الوسواس اللي مبيسكُتش.

شجن بحُزن وهي بتبُص للشباك اللي ورا صِبا:  إوعي تكوني فاكرة إني مش زعلانة أو باردة، أنا سِت عاجزة زي ما إنتِ شايفة، لو قادرة أقف على رجلي وكُنت قوية زي زمان كُنت خدت إبني عالجتُه.

عيطت شجن وقالت بنبرة حزينة: إبني عيان، زي الطير بيحُط من مكان لمكان، مش مُدرِك بيعمل إيه، إبني مُخه تعبان ونفسيتُه تعبانة والدُنيا مش مخلياه ياخِد نفسُه يتعالِج، زي الطير اللي الصيادين بيستنوه يفرفر ويوقع

مش هقدر أشوف إبني بيوقع، أنا أم وخايفة عليه، إبني مش لوح تلج يا صِبا، إبني تعبان مبيتطمنش غير في حضني

حبيبي إبني، وحيدي.. دا أمير دا، صُغير أو كبير ييجي بعد ما الدنياا تتعك يحُط راسُه على رجلي يرتاح، زي العيل اللي بيواجه الدنيا ولما يغلط يجري على أمه، مبقاش عارف يجري عليا، يا حبيبي يابني كُل جِهة تمشي فيها عفريت..  حسي بيا إنتِ أم

إبنك اللي خرجت روحه من روحك وكبر قُدامك وفي حضنك، بيتعذب بمرضُه، وبيعافِر.

دمعت صِبا وقعدت على رُكبتها قُدام شجن وهي بتحضُنها وبتقول بنبرة باهتة:  معلش، كُل. واحد فينا أول ما يتولد بيتكتبله مصيرُه، واللي مكتوب لإبنك وليا.. هنشوفه.

شجن بعياط:  هيموتوه، سحبوه من حُضني وحبسوه بعد ما كان نايم، سحبوا إبني مِن حُضني وحبسوه وكان ورا القفص وعيان.. كان خايف.

________________________________

• في جراچ سيارات عزيز الإبياري.

كان معلق على حيطة الجراچ زي خريطة لكذا مدخل، وصور نوح ورفيف..

شغالة أُغنية ”

Do you remember

When we fell in love?

We were young and innocent then

Do you remember

How it all began?

It just seemed like heaven, so why did it end?

Do you remember

Back in the fall?

We’d be together all day long

Do you remember

Us holding hands?

In each other’s eyes, we’d stare

Tell me”

وعزيز لابِس بنطلون إسود عليه حِزام بُني جِلد وعاري الصدر، ماسك أنبوبتين مليانين، كُل واحدة في إيد بيرفعها لفوق بإيد واحدة وهو بيبُص لصورة نوح بـِ حقد.

إتفتح باب الجراچ، ووقف واحد مِن الجاردز وهو حاطط إيدُه ورا ظهرُه، رمى عزيز الانبوبتين على الأرض وعملوا صوت جامِد، رمش الجارد مرتين، كان لافِف عزيز صوابعُه بـ شاش وهو بيطفي الميوزيك، وجِسمُه جايب ترق

بص بطرف عينُه للجارد اللي واقِف وقال:  ما *** إنجز!

الجارد بهدوء وطاعة:  جالك إستدعاء رسمي مِن قِسم الشُرطة يا قائِد

مسح القائِد فوق شِفِتُه وقال:  ليث..

الجارد بـِ موافقة:  مظبوط يا قائِد.

تحولت ملامِح الجارد للضيق والحُزن وهو بيقول:  في حاجة تانية حصلت يا قائِد، والدنيا مقلوبة.

عزيز وهو وبيحرك رقبتُه يمين وشمال عشان تطقطق:  ها؟

الجارد بـِ حُزن:  أصل..

يتبع..

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق