رواية رحماك الجزء الثالث الفصل الخامس والعشرون والأخير – بقلم أسما السيد

رواية رحماك الجزء الثالث – الفصل الخامس والعشرون والأخير

.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم…

 

اللهم انصرنى على من ظلمنى فأنك تراه ولا أراه .

 

بالمزرعه..

 

تجلس أمام مرآتها شاردة مبتسمة الوجه، تتزين وكأنها عروس بليلة عرسها، الليله ليله العيد..عيد الأضحى
المبارك..
لا تصدق أن سنه وأكثر بقليل مرت عليهم معاً..
سنه كامله مرت عليهم، قضوا معظمها بالترحال من هنا لهنا..
من المزرعه التي أوكلها الراوي لمحمد وألياس ، متعللاً
بأنه لن يعيش العمر لها….ويجب تركها لأصحابها، وبقي هو موجهاً لهم من بعيد..وبين البيت الكبير وأعمال محمد بالقاهره..
لم يجد محمد وإلياس مفراً من الراوي ولم يستطيعوا إثناءه عن رغبته، ومما إنتوي عليه، فرضخوا لرغبته أحتراماً له، وحباً في البقاء هنا..حيث راحة البال، والأمان، والطبيعة الساحرة، هم كما يقول الراوي لهم..من خلقوا لها….وأولي بحمل أعبائها..
أنهت زينتها، وإرتدت حجابها، ولم تنسي ألقاء نظره علي سلسالها، وتقبيلة كما أعتادت منذ تزوجا….
بالماضي لم تكن تجرأ علي النظر لها، كانت تكتفي بأغلاق كف يدها عليه، وأغلاق عينيها، لتشعر به، وتتأكد أنه مازال هنا،لم يتركها، تطمئن بوجوده، وينشرح قلبها..
بالماضي كان طوقا يكبل صدرها، وتخشي النظر له حتي لا تشعر بذنبها العظيم بحق معتز..
عشقها لمحمد كان أجبارياً، لم تستطع نزعه ، ولا إخراجه من قلبها يوماً..عشقا بالماضي كان ملعونا، والآن أصبح مباركاً فيه..شرعياً حلالاً طيباً
تنهدت واستدارت لكي تستقبل عائلتها..القادمون لتمضية العيد معهم..بعدما تفاجئوا جميعاً بذهاب الراوي وراشد وساليمه وجد رائد لقضاء فريضه الحج لهذا العام، برفقة كيان وعائلته الصغيرة..
لم يستطع محمد ترك المزرعه..فدعاهم لقضاء العيد معهم..
إتسعت أبتسامتها وهي تراه واقفاً يستند بكتفه علي باب الغرفه، وينظر لها بتفحص مربع اليدين، ينظر لها تلك النظره التي تشعرها أنها ملكة تمشي علي الأرض..
(فما أجمل أن ينظر لك أحدهم، وكأنة لا يري إلا أنت في العالم، أنت محور حياته وأهتماماته بأكملها ..يشعرك أنك فقط الأهم له، وليحترق العالم من بعدك…. .)
عضت علي طرف شفتيها، وأقتربت تمشي علي أستحياء، وعينيه عليها، تزداد وهجاً كلما أقتربت، إلا أن وقفت أمامه، ولم يعد بينهم فاصل يذكر..
همست وهي تمد كفي يدها ليتسللا لكفيه، ليسرقا لمسه منهم..
ـ محمد..؟
فرد يديه، وأمسك هو بكفيها وهو يبتسم بغرور رجولي عليها، غرور لا تجيد أحداهن إشعاره به وحدها هي من تفعل، ومن يعشق ذلك الإحساس معها.. ….
عبست بشفتيها قليلاً قبل أن يجيبها هو، وهو يلصقها به…
ـ يا روح محمد..
هنا لم تستطع ألا تكافئة علي لقبها المحبب الذي يذيب قلبها أبتسمت وهي ترمي بنفسها بين ذراعيه، هامسه بحنق…
ـ ينفع دلوقتي أحضنك ياشيخ محمد..أظن خلاص فطرنا..
قهقه عليها، وعلي تذمرها، وهو يشدد من احتضانها..
هامساً بمكر..
ـ اه دلوقت ينفع وينفع، وينفع كمان..
فهمت عليه، فلكذته بكف يدها بخفه علي ظهره..
ـ دماغك شغاله شمال علطول كده مفيش وقت…
هتف بحنق وهو يبعد وجهها عن عنقه التي تدفنه به..
هاتفا أمام شفتيها…
ـ علي أساس عارف أتلم عليكي أنا..دا عيالك عاملين عليا حصار، وحاطين اسلاك شائكه عشان مقربش منك، لا عارف أتنفس ولا أخد حريتي يا مفترية….
قهقت وهي تلعب بيدها بذر عباءته…
ـ الله مش أنت أللي مدلعهم..ولادك وأنت حر فيهم..مليش فيه ..
أكملت وهي تنظر حولها بضحك تبحث عنهم هنا وهنا، عل أحدهم يخرج لها من أحدي الاركان….
محمد بضحك..
ـ بدوري علي إيه يامجنونه..؟
سولاف بعجب..
ـ الله هما فين مش في ديلك يعني..؟؟
هيسيبوك ليا كده..!
جز علي أسنانه من أفعال أطفالها..وغيرتهم منها عليه…
حتي أنهم لا يدعوه ليلا ينام بقربها..
فلزاما عليه أن ينام هو بالمنتصف بينها وبين طفلها ومياسين تفترش صدره كالعاده، وكلما تسللت سولاف لتلتصق بصدره، تشعر بها تلك المتملكه علي صدره وتظل تبكي حتي تبتعد عنها، لا ينكر أنه يكون بغاية السعاده..ولكن شوقه لها دوما ما يؤلمه..حبيبته القريبه البعيده..من ملكة الفؤاد واشعلت الهوي..
ولكن ما يصبر قلبه ويبرد عليه، هي كلمة بابا التي يخصونه بها..
سيكون ناكراً، ساخطاً لو ما حمدالله ليل نهار علي عطاياه..
إبتسم وهو يلثم خدها بقبلات خفيفه..هاتفاً بخبث..
ـ سربتهم….
أتسعت عينيها من صراحته المفرطه…وهتفت…
ـ سربتهم فين، وعند مين، ولادي حبايبي…
ابتسم بخبث، وهتف غير مهتما بنواحها المصطنع، ويديه تزيح عنها حجابها..
ـ هو أنا قلتلك إنك حلوة أوي انهاردة…ولا نسيت..
أبتسمت بسعادة، وغرور أنثوي، ومحمد يعبث بعنقها العاري فسادا بقبلاته المحمومه له..
وهمست بوهن…
ـ محمد..أوعي بتعمل أيه، أنت نسيت أن زمان العيلة علي وصول….
أخرس باقي ترهاتها بشفتيه، وهو يجيبها..
ـ العيلة وصلت كلها من بدري، ومعتز ومياسين سربتهم عند ميسم ورائد..
ضاعا معا قليلا،ألا أن أزاحته هي بيدها بعيداً عنها
هامسه ببسمه علي شفتيها وعينين متسعه، بعدما أستعادت كلماته…
ـ رائد!..
دا هيولع فيك وفي أبنك….إبنك بيضرب بنته…أنت نسيت..
قهقه علي أفعال معتز مع إبنة رائد كلما التقاها، لا يعلم أهي غيرة أطفال، أم علامة علي شيء أخر قد يحدث بالمستقبل.
منذ أنجبت ميسم الطفله وهي كنز رائد الثمين، ولا يمكن لأحد المساس بها، ولا يدع أحد يقربها، مما يضطر معتز لأفتراسها غصبا عنه، معتز لا يظهر أهتماماً إلا لهذه الطفله فقط….ولا يعلم لما، ولكن ما بيدو أن قصة جديده تلوح بالأفق….
رحماکِ 3
✍️أسما السيد…✍️
.. دعني أراك..
صمت وهو يلصقها أكثر به، وهمس بأذنها بوقاحة….
ـ سيبك منهم كلهم، خليكي معايا أنا..هو أنا موحشتكيش..؟
علت حمرة خديها،وحاولت إخراج صوتها لتجاريه، ولكنه خرج همساً..
ـ وحشتني أوي ….بس لازم أروح أسلم عليهم،مينفع….
لم يكن منتبها من الأساس لما تخبره به، كان بعالم آخر، وردي اللون، لم تستطع إحداهن أن تدخلة به، ولا تؤثر عليه.. وحدها هي من تربعت علي عرش قلبه، وأكتسحت الكل وبقت هي..بعشقها الجهنمي…….
ليكتب علي قصتهم الشقاء، ويطلق علي عشقهم..
عشق من نار… عشق خلق من رحم الأوجاع..وتغذي من فراقهم سوياً، عشقاً شق الصعاب، وتخطي الأزمات..عشقاً مؤلماً ولكن سيظل أبدياً..
_________
عند رائد..
يتأفف بصوت مرتفع، وعلي يديه يحمل طفلته الصغيره، محتجزا إياها بين ذراعيه بحماية، ويجز علي أسنانه بغيظ كل حين، كلما أقترب منها معتز ليلاعبها أو في محاولة فاشلة لحملها ..
أقترب معتز من ميسم، وهتف بطفوله وبلكنة عربيه أصبحوا يجيدوها جيداً جداً…
ـ ميسم.. شوفي جوزك دا، مش راضي يخليني ألاعب تاليا وهيخليني أضربها..
نظرت لزوجها بغيظ الذي بادلها أخري لا مباليه، وهو يحتضن طفلته بتملك.. وهتفت..
ـ ما تديله البت يلعب بيها شويه يارائد الله أنت زودتها أوي مش كده.. …
ضيق بين عينيه مصدوماً من حديثها، وهتف بحنق..
ـ يلعب بيها..أديلو بنتك يلعب بيها…
ـ أنتي متأكده؟ هو أنتي فكراها عروسه لعبه..
ميسم بتعديل لكلامها…
ـ أف يارائد..قصدي يلعب معاها..متحبكهاش بقي..أنت مش معقول علي فكرة…
رائد بغيظ..
ـ يلعب معاها ولا يضربها..فهموني بس عشان أبقي عارف..
هتف معتز ببراءه مشدوها، وهو يقترب ليلمس بيديه خد تاليا التي تمد يديها لمعتز ليحملها، وكأنها تخبرة أن يرحمها من قيد والدها…
ـ.لا مش هضربها، ياعمو..أنا هلعب معاها بس..دي خدودها ناعمه قوي..حتي شوف بتمدلي إيدها إزاي..زهقت منك..
رائد بصدمه..
ـ أنت هتعاكس البت يابن معتز كمان وأنا قاعد..أوعي إيدك يااد.
تأفف معتز وعادت روح القتال له..وكأنه شاب كبير يعي ما يقول..
ـ أنا إبن محمد.. معتز الله يرحمه، هاتها ألعب معاها، بدل ما أضربها وأنت حر..
عاود رائد النظر لميسم التي تبتسم ببلاهه لمعتز وكأنها منبهرة برده عليه بل وأردفت بفخر…
ـ في حد يضرب خطيبته يازوز..مش إحنا اتفقنا أنك لما تكبر هتتجوزها، ولا رجعت بكلامك بقي….
اتسعت عين رائد وأردف بصدمه…
ـ نعم..يتجوز مين يازفته أنتي..هي حصلت بتجوزي البت من ورايا…
أكملت وهي تحتضن معتز بسعاده ولم تعير كلمات زوجها إهتمام..
ـ هو أنا هلاقي لتاليا أحسن من معتز..طبعا يتجوز بنتي..وله حق يعمل إللي هو عاوزه..وهو بيحبها ومش هيضربها..صح يازوز..
أتسعت ابتسامة معتز بفخر، وهو يقترب يمسك بيدي تاليا ويقبلها غصباً عن والدها…
ـ أيوا صح..أنا مش هضربها..أنا أصلا بحبها..بس عمو رائد إللي بيعصبني أصلاً، ويخليني أضربها، عشان تسمع كلامي أنا بس…
هتف رائد بحنق..
ـ نعم ياروح..
قاطعته ميسم بتلاعب..
ـ هااا..وبعدين..جوز بنتنا نحترمه ولا أيه، ولا هيرجعلنا البت مضروبه..
سحبها معتز من أحضان والدها ولم يشعر به كان منتبهاً لكلامها هي المستفز من وجهة نظره، ودلف بها للخارج بعدما وضعها، بعربتها الصغيرة..
غمزت ميسم لمعتز في الخفاء، ولم تلحظ ذلك الذي أقترب يمسك بملابسها من الخلف..
ـ جوزتي بنتي من ورايا يا ميسم..
شهقت برعب..من أثر الصدمه..
ـ رائد..أنت ماسكني ليه كده، أنت اتجننت..
جز علي أسنانه وهتف بغيظ….
ـ أنا أللي أتجننت يا هبله يا أم بدوي، ولا أنتي..هااا.
أزاحته عنها، وإستقامت .
ـ يووه يارائد بقي..أنت بتحب بنتك حب تملك..وكده مش هينفع علي فكرة..
ضيق بين عينيه، وهتف..
ـ وأنتي غيرانه ليه، مش بنتي حبيبتي..
نظرت له بعتاب..وهي تستقيم لتخرج لتجلس مع معتز ومياسين وأبنتها بالحديقه، لا داعي لإطالة الحديث معه..
منذ أنجبت طفلتها، وهو يصب كامل إهتمامه علي طفلته، متجنباً إياها تماماً…حتي أصبحت تشك بنفسها..لقد بات مريضاً بطفلته..وبدأت تخشي تملكه عليها..
تهكمت بشفتيها..
يخبرها هل تغار ..؟
ـ بالطبع تغار…وخصوصا بعد رحيل جدها، لأداء فريضة الحج..
كانت تشغل وقتها معه..وكان هو الوحيد الذي يتصدي له، حتي لو لم تشتكي هي، كان يشعر بها..
(مؤلم أن تجد الراحة مع من ليسوا منك، وأن يشعر بك الغريب ويتركك القريب لوحدتك وضياعك)
تركته ودلفت للخارج..
حيث أطفال ميسم وطفلتها لتلهي نفسها عن التفكير بعقدته النفسية تلك….تحارب دموعها ألا تسقط وتفضحها، فلا تجد غير صدره لتحتمي به…
دقائق وشاركهم الجميع..بتلك الحديقه المشتركه بين بيوتهم الصغيره، التي تشبه الأكواخ الخشبيه..
الليله ليلة العيد..والجميع يستعد للغد..
الرجال مشغولون بنصب صوان الصلاة..وتكبيرات العيد…
صوت التكبيرات..يملأ المكان بهجه وسرور، يشعرك بالحياة..
أما هو..تنحي عن الخروج لهم..وأكتفي بمطالعتهم من الشباك..وخصوصا هي..وطفلته..
طفلته التي تتنقالها الأيدي، بحب..وضحكات علي وشوشهم..
الجميع بجانب زوجته ألا هو..لا ينكر أبتعاده عنها..وصب إهتمامه علي طفلته..
يغيب بالأيام…ويعود متلهفا لرؤية أبنته، ولا يظهر لها أي اهتمام حتي ذبلت، أكثر ما يؤلمه أنه يعلم..
وأكثر ما يخيفة أن تعلم ما لا يستطيع البوح به، ويسقط من نظرها..
يعشق ميسم، ومازال، عشقها بالقلب مازال كما هو لم يتغير بل يزداد….
ولكن..هناك بداخلة عقدة نقص..لا أحد يشعر بها..ولا يريد لطفلته أن تشعر، كما كان يشعر هو..لا يريد لطفلته أن تعيش ما عايشه هو طفلاً صغيراً..
لطالما كان أبيه قاسي القلب عليه، جامد
لم يحتضنه يوما، ولم يشعر بأنه قريب منه يوماً.
حرم مبكراً من مشاعر الأمومه، وألأبوة معا..لذا لا يريد لطفلته أن تعيش ما عاشه هو يوما..
ذلك الشعور مؤلم..مؤلم للغايه، ولا يشعر به ألا من تجرعه.
أغمض عينيه، وأبتعد عن الشرفه..وجلس واضعاً يده علي خده..
دلف مروان للداخل بعدما سألها عليه وأخبرته أنه هنا..
جلس أمامه..وهتف بحزن علي صديق عمرة….
ـ لحد إمتا يا رائد..قولتلك لازم تروح لدكتور وتتعالج من الوهم ده…
رفع رائد رأسه وهتف بشراسه..
ـ أتعالج عشان بحب بنتي، وبخاف عليها، أنت اتجننت يامروان صح..
رفع مروان حاجبه، وهتف..
ـ ما كلنا بنحب ولادنا..مبنعملش زيك ليه..يارائد أنت بتحب بنتك حب مرضي..ودا مش هيفيدها بالعكس، أنت كدا هتأذيها..وبعدين هو في حد كبير عالعلاج..
بص لحالتك أنت ومراتك عامله إزاي..؟
يا أخي صارح مراتك..أنت معندكش دم..مش حاسس هي بتتعذب إزاي، وهي شيفاك متعلق ببنتك وسايبها هي..من غير سبب..
هتف رائد بصبر..وقد بانت تضح له رؤية شيئا مبهماً كان يشك به.
ـ عشان محدش شايف كده ألا أنت ولا أيه؟..
هز مروان رأسه بقلة حيله..هاتفاً…
ـ خد بالك..لو ميسم اتحملت ده دلوقت مش هتستحمل بعدين..ومهما كانت بتحبك..هدوس علي كل ده..وهتسيبك..
رائد بصدمه..
ـ أنت اتجننت يامروان..أنت مكبر الموضوع كده ليه أصلا..
مروان بتهكم..
ـ يااخي أنا أسمع أن الست هي أللي بتهمل الراجل، وتهتم بابنها ولا بنتها بعد الولاده…وتهمل بيتها وجوزها ونفسها، فيقوم الراجل، يدور علي كل ده بره..وتوصل ساعات أن ممكن يخونها، ولا يتجوز عليها، ولما تيجي تواجهه، يقولها ما هو العيب منك أنتي، مش مني أنا …
إنما أنت. كل حاجه معاك قالبه عكس..مش عارف ليه..
رائد وهو يقلب حديث بمروان برأسه…
ـ تقصد أيه بكلامك ده…؟
مروان بخبث..
ـ مقصدش…أنت حر..
هم بالخروج ألا أن يد رائد عاودت جذبه بقوه..
ـ أقعد يا زفت أنت..وفهمني تقصد إيه، أن ميسم ممكن تخوني..
مروان بتهكم..
ـ انا لو مكانها أصلا كنت خدت منك بنتي واتطلقت. بدل ما تطلع عقدك علي البت..مش عارف هي مستحملاك إزاي كده أصلا..
دلفت هي ببطء للبيت، وهتفت بحب، بعدما إستمعت لهم..
ـ عشان بحبه..وراضيه بيه بعيوبه قبل مميزاته..
أرتجفت يديه غصباً عنه، وهو يرفع عينه ليتأكد أنها هي بالفعل..
نظر لها بتوتر ولم يتحدث، رمقته بأخري مطمئنه..وهو يسأل نفسه..هل أستمعت لهم حقاً أم مايشك به صحيحاً إذا….
أعطاه ظهره وجبينه يتصبب عرقاً ودخل للغرفه…بينما اقترب منها مروان هامساً بالقرب من أذنها..
ـ أنا عملت أللي عليا..الباقي عليكِ انتِ بقي، ولو عوزتي حاجه أنا بره…
أومأت برأسها ولم تعي لذلك الذي عاود ليتأكد من شكوكه، ودخل مره أخري.
همست بإمتنان..
ـ متشكره يا مروان..مش عارفه أشكرك إزاي.أنا كنت عامله زي التايهه مش عارفه ماله، وبيتصرف ليه كده..؟
مروان بهدوء..
ـ رائد محتاجك جمبه..الخوف من الماضي لسه مأثر عليه..
محتاج حد ياخد بإيده وهيبقي تمام..
اومأت بحزن وهي تنظر للغرفه التي دخل لها، بينما إستأذن مروان ليعود لهم بالخارج….
تنهدت براحة بعدما تأكدت من شكوكها وأنه ليس علي ما يرام فعلاً…
تصرفاته بالآوانه الأخيره كانت غير متزنه وخصوصا بعد ولادتها..لقد أخبرها جده قبل ذهابه أن تستعين بمروان فهو لا يخفي عنه شيئاً.
وبالفعل فعلت..واخبرها مروان، ولم يكذب عليها..
خلعت نقابها، وأقتربت من الغرفه التي دلف لها..
وجدته يجلس علي طرف الفراش، عاري الصدر، ومشعث الشعر، يدخن سيجاره تلو اخري..
بقت فتره تراقبه بصمت..
ألا أن قطعه هو، وهو يستقيم ويرمي بسيجارته أرضاً ويدعسها بقدمه..هاتفا بتهكم…
ـ هتفضلي واقفه تبصيلي كده كتير..
لم تتحرك من مكانها، بل استمرت علي وقفتها..
إستدار غاضباً منها، علي عدم ردها عليه..
ـ أنتِ مش بتردي عليا ليه..؟
أخذت نفسا واقتربت بهدوء منه..ورفعت يدها لتحاوط عنقه..فأولاها ظهره سريعاً..
هزت رأسها بيأس منه..ولكنها لم تتركه، احتضنت خصره بذراعيها وهمست..
ـ رائد..
صوتها مازال كما كان..يؤثر به، ويذلذله من أعماقه..
أغمض عينيه وهتف بهمس..
ـ أنتي أللي إتصلتي بمروان، ولا هو أللي حكالك…
أبتلعت ريقها، وهي تومأ برأسها..
ـ أنا أللي أتصلت يا رائد..
ـ ليه؟.
ـ كنت…
قاطعها..وأردف مكملاً بحزن..
ـ لو كنتِ سألتيني كنت هجاوبك..
أستدارت ووقفت أمامه..وهتفت بحنق..
ـ عرفت إزاي أصلا إني أتصلت بمروان..
رفع حاجبه لها…فابتلعت ريقها..وهتفت..
ـ اف منك..نسيت أنك شغال ظابط..
ابتسم غصباً عنه..هاتفا..
ـ أنتي أصلاً علطول ناسيه يا ميسم ياحبيبتي…
نظرت له بحنق..وتوسطت خصرها بيدها..
ـ تقصد أيه يعني…أسمع يارائد..أنا علي أخري منك أصلاً..
رائد بضحك….
ـ أصلاً..أصلاً..ولا أصلاً بس.
هتفت بغيظ..وهي تدق الأرض بقدمها..
ـ أصلاً..أصلاً..أرتحت..
رائد ببرود..
ـ نعم..ودا من إيه أن شاءالله..
جلست علي طرف الفراش، تستعيد خطة صبا المجنونه للايقاع به..
وشرعت ببكاء مصطنع، دافنه وجهها بكفي يدها..وصوت بكاؤها يشق الغرفه..
انخلع قلبه عليها غصباً عنه، دوماً ما كانت هي وبكاءها نقطه ضعفه..
جثي أرضا أمامها..
ـ ميسم أنتِ بتعيطي ليه دلوقت…أنا معملتش حاجه..
هتفت ببكاء مصطنع…
ـ أنت معملتش حاجه..أنا اللي عملت..وأنت أصلا مش بتحبني..وطلقني..وخد بنتك معاك..
أنتفض من مكانه..هاتفاً بصدمه..
ـ أطلقك..أنتِ اتجننتي ياميسم..
انتفضت هي الأخري غير مهتمه بتعليمات صبا..وهتفت بشراسه..
ـ أيوا طلقني..وخلي بنتك تنفعك بقي..مادام أنت مش عاوز تتعالج..ولا عاوز تعدل بينا..
رائد بصدمه..
ـ أعدل بينكم..
هي ضرتك..دي بنتك يا بلوة أنتِ…

 

اشاحت بيدها بوجهه..وهتفت بشراسه.

 

ـ هو كدا..يا تتعدل وتتظبط..يا تطلقني..
رمقها بشك..رافعا حاجبه لأعلي..واقترب منها..وأمسك بوجهها بين كفيه..
يمسح دموعها الوهميه مبتسماً..
فهتفت بشك..
ـ بتعمل أيه؟
قهقه من قلبه عليها..وأجابها بشماتة….
ـ بمسح دموعك ياآمال..
رفعت كفيها وأزاحت يديه عن وجهها بغضب….
ـ رائد..ألتم..متسوقش فيها، أحسن والمصحف أسيبلك بنتك وأمشي..
قذف نفسه علي الفراش وهو يضحك بقوه عليها..
رفعت طرف عباءتها وأعتلته سريعاً..وأمسكت بذراعه وقضمته بقوه..
حاول تحرير ذراعه من بين أسنانها..وهو يصرخ عليها..
ولم تتركه ألا بعدما شعرت بطعم الدماء بفمها..
ـ اااه يابت العضاضه..اااه..
رمقته بشماته وهي تعتدل..فأمسك بها علي الفور وأدارها لتصبح هي أسفله وهو فوقها يحتجزها أسفل جسده..
جحظت عيناها..وهي تصارع لتفر من بين يديه ولا مفر..
رفع ذراعه ليريها ما فعلت بذراعه…
ـ عجبك كده..هااا…
ميسم بغنج مصطنع..
ـ رائد حبيبي..
ابتسم بغلب..وهو يبتعد ويتركها…ويمسح الدماء بالمنديل..
شعرت بالذنب من فعلتها..فاقتربت تتمسح به..
ـ خلاص متزعلش أنا أسفه..
رمقها بهدوء..مردفاً بتساؤل..
ـ تالا فين؟
جحظت عيناها..بصدمه..وسرعان ما زفرت وهي تجيبه..
ـ برا..هخرج أجيبهالك..
ابتعدت عنه بحزن، لتهبط من علي الفراش..فجذبها سريعا..
ـ رايحه فين..إستني..
ميسم بصوت يخرج بصعوبة..من كتمها للبكاء..
ـ هجيب تالا..
أبتسم وهو يجذبها لتلتصق به..
ـ لا خليها..
رفعت حاجبها بشك له..
فأبتسم وهويقذفها علي الفراش بعنف، ويقذف نفسه عليها..محاوطا خصرها بيده..
دافنا رأسه بعنقها.. مكبلاً إياها من جميع الجهات..
حتي إستسلمت، بادئا بسيل من الاعترافات..إلي أن أنتهي من ما بقلبه دفعةً واحده، يديها التي تعبث بشعره..جعلته كما لو كان بجلسة إسترخاء..سهلت علية الأمر…
أغمض عينيه..مسترخياً..هامساً برجاء لها..
ـ خليكي جنبي..واعذريني..أنا خايف أللي قاسيته، ولادي يعيشوه..خايف يكرهوني زي ما كنت بكره أبويا..
أنا مزعلتش علي موته..ولا مشيت في دفنته..خايف..خايف أوي يا ميسم..
هتفت بشراسه، وهي تدفعه بيدها لينظر لها…
ـ رائد بصلي..أنت مش ابوك..وأنا مش مرات أبوك..دي بنتنا…أنسي اللي فات بقي..وبلاش تدفن نفسك في الماضي..أنت مأذنبتش عشان يتردلك..مغلطش ولا افتريت علي حد.. عشان ربنا يردهولك في ولادنا..أنت كنت طفل صغير مش عارف حاجه..
ـ خايف اكون قسيت عليه..
ـ بالعكس أنت احن حد في الدنيا..وأنا بحبك كده..
غمزت له بوقاحه..تنسيه آلامه..وجذبته بيدها مره أخري ليحاوطها بيديه..
ـ أنا بحبك كده..وعاوزاك أصلا كده..متتغيرش..
ضحك بقلة حيلة..هاتفاً بغلب..
ـ وقحه أقسم بالله..
قهقهت وهي تدفعه مره اخري ليقع علي ظهره وتعتليه هي..
هاتفه بشراسه..بعدما أخذت سكينه الفاكهه من جانب الفراش..ووضعتها علي عنقه.
ـ هتتعالج ولا لا؟
رفع يديه سريعاً مستسلماً..وضحكاته تعلو المكان..
ـ هتعالج يا باشا..نزل السلاح ده..السلاح شاطر..
ميسم بضحك..
ـ أوعي تكون بتضحك عليا..
ـ لا والله هتعالج خلاص..
قذفت السكينه أرضا، واحتضنته بكل قوتها..
فهتف بسعاده..
ـ بحبك يامجنونه..
ـ أهو أنت أللي مجنون..
دارت حرب عنيفه بعدها..وكلما أستسلمت..يعيد أشعال فتيلها هو بكلماته المعسوله لها….ألي أن غفي..
ناسياً بين ذراعيها إبنته وتملكة العجيب لها..
~~~~~~~~~
الاسكندريه..
ببيت حسين.. الذي يجلس واضعا قطعتي من القطن بأذنه، وبجواره إيمان التي تعصق رأسها بقطعه من القماش الأسود
ويحل الهرج والمرج المكان بأكمله….
معاذ بصراخ علي شقيقته..
ـ انت يا زفته يا سادين..حوشي أبنك ده عن أبني الله..
سادين بنفس ذات الصراخ…
ـ الله أعمله أيه يعني أموته..ماهو بيلعب معاه أهو..
لمحت تيم يحتجز أبنتها علي قدمه، ولا يسمح لها باللعب مع غيرة.
رمقته بصدمه وهتفت بصراخ…
ـ تااااااايم سيب بنتي تلعب..متقيدهاش كده..مش هجوزهاااالك يا واد يا سوري أنت مهما عملت….
أشاح تيم رأسه عنها بلا مبالاه، وهو يداعب خدي طفلتها…هاتفاً بأمر واقع..
ـ أعملي أللي تعمليه..محدش هيتجوزها غيري..أنا قلت لعيسي وهو موافق..صح ياعيسي..
هزعيسي رأسه بالايجاب، وهو يكتم ضحكاته عليهم وعلي شجارهم اليومي المعتاد…
ـ اه..صح ياقلب عيسي أنت جوز بنتي..
ضربت الأرض بقدمها…وهتفت بغيظ موجهه حديثها لوالدها..
ـ عجبك كده يابابا..؟
ـ لا رد..
ـ بابا..
عاود طفل سادين جذب طفل معاذ من شعره فصرخ الطفل وانفتح بالبكاء..
معاذ بحده..
ـ لاااااا..دا أنت زودتها أووي..
أنا غلطان أني عبرتكوا، وجيت أقضي العيد معاكوا…هتموتولي الواد أللي حيلتي..يالا يا خديجه..
خديجه بلا مبالاه وهي تلعب بهاتفها..
ـ روح أنت..أنا هبات هنا…
هتف بصدمه..
ـ خديجه..؟
احتد الشجار بين الجميع فاقتربت إيمان من حسين وأخرجت قطع القطن من أذنه وقذفتها أرضا بحده..
حسين بصدمه من فعلتها وكشف سرته هكذا أمامهم..
ـ أيه يا أيمان..الله بتشيليها ليه..فضحتيني يا وليه..
رمقته بغيظ، وصرخت بوجهه..
ـ يا برودك يا شيخ..يا برودك..قوم سلك بين ولادك..أنا تعبت ودماغي وجعتني…أحسن والمرسي أبو العباس أطفش من البيت ده..
اتسعت عينيه، وأنتبه ألي ما يحدث أخيراً…ولده وإبنته وزوجه ولده، وشجار أبنته مع تيم الدائم بلا إنقطاع يومياً..
صاح بهم بقوة….
ـ باااااس..إسكتوا..أخرسوا..ويالا كل واحد علي أوضته..
معاذ بغيظ لخديجة التي تكتم ضحكاتها عليه…
ـ يالا ياهانم قدامي..
ـ اف..طيب..
ـ بتأففي..ماشي ياخديجه أصبري عليا..
ـ الله أنا عملت إيه؟
ـ بتبعيني يختي…
وأكمل وهو يقلدها..
ـ لا روح أنت..أنا هقعد هنا..
~~~~~~~
المزرعه..
لم يقل عشقها بقلبه ، ولم تهدأ نار عشقهم يوماً..بل يزداد ويزداد..
يتذكر يوما ما، وهو جالس بين أصدقاء قدامي له بالبلده، حينما أجتمعوا جميعاً معاً، وكل يسأل الآخر عن أحواله بعد الزواج كيف أصبحت؟
الجميع اجتمع علي أن شعلة الحب إنطفأت منذ أول يوم..وقذف الشغف من الشباك..وحل محله مشاغل الحياة ومتاعبها..
بقي صامتاً وقتها إلي أن سأله أحدهم..عن أحوالة..
صمت قليلاً حائراً…أيخبرهم أن عشقها كما كان بقلبه بل ازداد..تهكم بشفتيه وقتها وهو يسأل نفسه من منهم عاش مثلما عاش وعانا ما عانوه هم، لقد ذاقوا من العذاب ألوان .
ولكن بدلا من ذلك وجد نفسة يستقيم، وهو يخبرهم أن الحال نفس الحال.. لا جديد.. لا يعلم لما أنكر، ولما قال ما قال..ولكن ما خطر علي باله وقتها مثل والدته الشهير.
(أن ضلل بيديك علي شمعتك لتضاء)..
لاحت لها أبتسامه علي شفتيه، فاقتربت وقبلته بسعادة لسعادته..وهمست بتساؤل….
ـ بتضحك علي أيه؟
تجاهل سؤالها وهتف بحنق..
ـ أنتي بتبوسي بنت أخوكي يا سولاف..دي بوسه دي..
أطلقت لضحكتها العنان بقوه، حاول أغلاق فمها بيده هاتفاً بخوف…
ـ اقفلي بوقك يا زفته هتلمي ولادك علينا..كفايه آخر مره وإللي حصل…
اتسعت عينيها وتذكرت أخر مره كانوا فيها معاً، وما حدث بعدها..
حينما قبض معتز عليه متلبساً، وهو يحتجزها بتلك الغرفه التي اعتادوا التسلل لها صغاراً، وحتي بعد زواجهم باتوا يتسللون لها أكثر من زي قبل بعلم الجميع.. ..
تلك الليله كان قد إستبد به الشوق لها، فجذبها جبراً للغرفه..
تتبعهم معتز خلسه، وقبض عليهم بالجرم المشهود..وهو يقبلها..طار معتز كالحمامه علي البيت ولم يترك فرداً ألا وأخبره..بأن والده يقبل والدته، خلسه بغرفة الحديقه..
ليلتها أصر محمد أن يعودا للقاهره خجلاً حتي ينسي الجميع ما قيل وما حدث..وبقي طوال الطريق يتمني لو لم يعلمه العربيه، ويؤنب به..وهي تضحك بقوة
أبعد يده عن فمها..ونظروا لبعضهم البعض وبدأوا بالضحك مجدداً كما يحدث كلما تذكروا…
جذبها بقوة لأحضانه..هامساً بغلب…
ـ مجانين..وجننتوني والله..
~~~~~~~~~
صباحاً…
يقف معتز بجانبه أمام المرآه، يعدل من وضع جلبابه ويفعل كما يفعل محمد بالظبط..
ألا أن انتهيا معاً..
اقتربت منهم هي وطفلتها، يرتديان كالعاده ملابس مماثله يجلبها هو لهم كالعاده، بكافة متعلقاتها….
نظر لها محمد مطولا متفحصاً هيئتها المغرية….
فهتفت بخجل..
ـ بتبصلي ليه كده..؟
عض علي شفتيه بوقاحه وهتف بخبث وهو يغمز لها…
ـ هو إحنا إدورنا وإحلوينا، ولا أنا أللي غلطت في المقاس..؟
صدمت من وقاحته، وهتفت بخجل..
ـ أنت سافل ليه..؟
محمد بضحك وهو يرفع مياسين علي ذراعه.. …
ـ أممم نشوف الموضوع ده بعدين..يالا عشان نلحق الصلاااه..
سولاف بغيظ..بعد سفالتك دي..إتوضأ تاني ياشيخ محمد..
محمد بضحك…حلال..حلاال يازوجتي العزيزه..انتي يا مراتي ياست.. هذا غزل عفيف. …
هتفت بصدمه..
ـ يالهوي عليك.. سافل..
محمد بقهقه..
ـ سمعتك علي فكره.
~~~~~~~
بصبيحة يوم العيد….
بالمدينه..
اجتمع الجدود..معاً..يرافقهم كيان وأولاده وزوجته…
أمام شاشة الهاتف..ليعايدو عليهم..هم بأرض البدو..و هما بأرض الحجاز..أطهر بقاع الأرض..
سعادتهم ظاهره علي وجوههم، كمن ولدوا من جديد..
انتهت المكالمه بسعاده..علي الجميع..بعدما عايدوها وذهبوا هما الآخرون لنحر ذبيحتهم..
ساليمه بحب…ياريت الفادي ومرته كانوا معانا..
الراوي بحب…أن عشنا السنه الجايه بنجيبه معانا ياساليمه…
ـ هتعيش يا حاج أن شاء الله..ونجيبهم ويانا..
~~~~~~~~~
بالمزرعه..
ـ يالا يابابا..إدبح الجمل ده..هيييه…
هتف بها معتز لمحمد..الذي يمسك بالسكين لنحر أضحيته..قبل أن يقترب محمد وينحرها ..
صاح معتز بفرحه بعدما أنتهي محمد منها….
ـ هييييه..بابا دبحها..
وهكذا أقترب كل من أضحيته ونحرها..
بحث عنها ولم يجدها..كالعاده تختبيء من منظر الدماء..
دلف للداخل يبحث عنها بعدما أخبرته والدته أنها دخلت لتختبيء بالداخل حتي ينتهي كالعاده..
إبتسم بخبث.. وهو يرفع يديه الممتلئة بالدماء..
أقترب من الغرفه، ووجدها تجلس علي طرف الفراش تهز بقدميها بتوتر..
شهقت وهي تراه أمامها، وعلي يديه دماء الأضحية..
أستقامت سريعاً، وهتفت برعب..
ـ أنت إيدك إتعورت يامحمد..إيدك اتعورت صح..
إبتسم وهو يشير لها أن تهدأ وأنه بخير..
ـ أهدي يا حبيبتي أنا كويس..أهدي..
احتجزها بالحائط، وهتف بضحك عليها…
ـ لسه بتخافي من الدم ياجبانه..؟
أومأت وهي تترجاه أن يبتعد….
ـ محمد أبعد إيدك عني..أنت عارف أني بخاف، هيغمي عليا..
همس بترو…
ـ شششش أهدي..وغمضي عنيكي..
ـ لا أنا خايفه..
ـ سولا…
ـ يا محمد…بس..
ـ وحياة محمد…
أغمضت عينيها مجبره..إبتسم عليها، واقترب مقبلاً إياها بعمق..ذابت معه..غير واعيه لما يفعله بها…
أبتعد عنها بعدما أتم مهمته مردفاً بضحك..
ـ كل عيد وأنتي معايا ياقلب محمد..كل سنه وأنتي طيبه…
نظرت له..وهو يبتعد عنها ليدلف لداخل المرحاض بأريحيه..وضحكه خبيثه تصدح بالأرجاء..
شعرت بشيء ما علي وجهها وصدق ما تنبأت به بعدما اقتربت من المرآه، وسرعان ما صرخت بهلع وهي تنادي عليه…
خرج سريعاً..عاري الصدر لا يرتدي ألا سروالة الداخلي….
محمد ببراءه..
ـ في أيه يا سولاف..أيه أللي حصل؟
هبت خلفه كالمجنونه….
تدور بالغرفه خلفه.
ـ أمسح الدم ده..أنا هموت..
محمد بضحك..وهو يعتلي الفراش..
ـ أهدي، وأنا همسحه..أهدي ياسولا..
دلف للمرحاض..وهي خلفه…
ولم ينتبه لما خلفه..سقط بالبانيو الممتليء فأرتطم ظهرة بقوه….
ـ اااه يابت المجانين، ظهري..
اندفعت لتغرقه أكثر فجذبها هو عليه فسقطت معه..
شرعت بالبكاء..فهتف بحنان وهو يمسح وجهها بالماء…
ـ خلاص بقي حقك عليا..مش هعمل كده تاني.. أنا مسحته أهو..
ـ رمقته بحزن..وهي تشير علي ملابسها المبتله..
ـ كده بوظت هدوم العيد..أنا زعلانه منك..
محمد بضحك وهو يلتصق بها….أحسن..كده كده..كنت هقطعهم..
ـ محمد..! تقطعهم ليه أن شاءالله..
غمرها بين ذراعيه، وأقترب معاوداً غزوه عليها..
غير منتبهين لمن دلف للداخل ينظر لهم بصدمه..
ـ انتو بتعملو أيه؟
سولاف بصدمه وهي تداري جسدها بيدها..
ـ معتز..!
معتز بصدمه وخبث طفولي..
ـ دا أنا هفضحكم انهاردة..
أنطلق معتز كالحمامه، يصيح بما رآه..
نظرا لبعضهم بصدمه..وخرجا من الماء سريعاً..
محمد بصدمه..
ـ إبنك دا فضيحه، ومترباش وأنا هربيه أصبري عليا..
سولاف بشراسه..
ـ أنت السبب..يا محمد..
محمد بإستنكار..
ـ أنا..؟
ـ أيوه أنت..
رمقها بحنق..فلم تتماسك علي منظره، فانفجرت بالضحك عليه..وهي تخلع عنها ملابسها وتقذفها أرضاً….
أغلق الباب سريعاً..وعاد لها هاتفاً بوقاحه..
فأردفت بتساؤل…
ـ بتقفل ليه دلوقت..ما انفضحنا خلاص..
محمد بمكر..وهو يقترب منها..
ـ مادام كدا انفضحنا وكده انفضحنا..يبقي فضيحه بفضيحة بقي..
سولاف بعدم فهم..
ـ يعني إيه؟
ـ اقولك..أنا..
~~~~~
بالاسكندريه..
بحديقة منزل حسين..
عيسي..
ـ أنا أللي هدبح..
معاذ..
ـ لا أنا أللي هدبح..
حسين..
ـ يا مثبت العقل في النافوخ.. يااارب.
إيمان..
ـ يامراري يا آني الساعة بقت عشره خلصونا بقي..
معاذ…
ـ ما أنا إبن البطه السوده..
عيسي…
ـ وأنا إبن مرات أبوك..
تيم..
ـ ما تخلصونا بقي دماغنا ورمت من الشمس..
سادين…
ـ سيب بنتي يا تيم الزفت..
تيم…
ـ ياشيخه إحنا في أيه وأنتي في أيه؟
خديجه..
ـ دا شايلها عشان خايفه وبتعيط..علطول ظلماة كده..
سادين بشك..
ـ أن كان كده ماشي..ماشي يا تيم..
معاذ بغضب…
ـ أنا قولت أنا يعني أنا..
حسين بتأفف..
ـ خلصتوا خناق..أوعي أنت وهو..
عيسي بضحك…
ـ الدهن في العتاقي..
معاذ بفخر…
ـ يابابا ياجامد ما يجيبها، ألا عواجيزها..
حسين بغضب..
ـ عواجيز مين وعتاقي مين يا ولاد الكلاب..طب يمين بعظيم ما حد دابح ألا أنا..ولو حد نطق لاطين عيشته..
إيمان بحب..
ـ ربنا يحميك ياحبيبي..وينصرك علي مين يعاديك يارب..
سادين وخديجه بهمس…يا حنينة…
أيمان بشماتة….
ـ إللي غيران مننا يعمل زينا..
عيسي لسادين..
ـ اتعلمي يا بومة..شايفة أمي ورقتها
معاذ لخديجه بفخر…. الحنينه دي تبقي.. خالتي..
ـ عارفه..
ـ بتحب أبويا اوي..
خديجه بشراسه..
ـ معاااااذ….. أنجز..عاوز أيه.؟
ـ ياساتر عليكي..حمقيه أوي أف…
ـ ياشيخ..
ـ والله..دا انا كنت جاي اقولك.. كل سنه وانتي طيبه ياقلب معاذ.. ….
خديجة بحب..
ـ وانت طيب ..
~~~~~~
بعد شهران….
بالبلده علي البحيرة..
معتز بسعاده..
ـ زوقني يا بابا..
محمد بغلب..
ـ أهو ياقلب بابا..….
مياسين..
ـ وأنا يابابا…
ـ عيون بابا..
أقتربت منه بحزن..
ـ وأنا كمان..أشمعنا أنا…أف.
محمد بعشق..
ـ وأنتي أيه ياقلبي..؟
ـ أتمرجح..دا مكاني أنا…أنت نسيت يامحمد..
محمد بقلة حيلة..
ـ حاضر يا قلب محمد.. …
~~~~~~~~
في.طريق العوده للبيت..أمام مقابر البلده
هتفت سولاف بلهفه..
ـ محمد..
ـ أممم..
ـ استنا يا محمد، أقف هنا….
التفت حوله بصدمه..
ـ هتروحي فين؟
نظرت له بتوتر، وهمست..
ـ أزور معتز..من يوم ما مات مزرتوش ولا مره…
نظر لها بهدوء، وهبط من السياره، وانزل الأطفال أيضا..
مجيباً علي أسئلتهم الفضوليه بهدوء…
ساروا ببطء ناحية قبر والدهم.. إلي أن وقفا أمامه..
رفع محمد كفيه وقرأ له الفاتحه..وكذلك فعلت هي..
أقترب وأحاطها بذراعه..فرمقته بإبتسامه حزينه..وبادلها أخري مطمئنه…
أخذ نفساً عميقاً، وهتف كأنه يحدثه وهو يستمع له…
معتز..عارف أنك سامعني..وحاسس بينا هنا..
أنا بس عاوز أقولك شكرا.. ولو فضلت عمري كله يا معتز أشكرك علي عطيتك أللي عطيتهالي مش هيوفي حقك….يمكن متفقناش عمرنا..وكنا زي الديوك بناقر بعض..بس صدقني عمري ما كرهتك..بس محبتكش، أنت عارف أنها كانت نقطه ضعفي..
أكمل مبتسماً، وهو ينظر لها..أنا لسه بغير عليها منك..حتي وأنت ميت.. تصور بقي..
بس برجع وأبص في عيون ولادك واقول..كله يهون عشانهم..كله يهون، لدرجة أن حبيتك تصور بقي….
أرقد وأرتاح أمانتك في عيوني..والحق رجع..وحقك رجع يا معتز.. ولا دايم ألا وجه الله..
قاطعه.. معتز بتساؤل..
ـ هو دا بيت بابا يابابا..؟
جثي أرضاً أمامه..وهتف بحزن..
ـ أيوا يا قلب بابا..
يالا سلم عليه..علشان نمشي..
ـ وهو شايفني..؟
ـ اكيد..
اقترب معتز وقبل قبر والده بطفوله..وفعلت شقيقته هي.. الأخري..
معتز بطفولة وهو يستدير..
ـ هنجيلك تاني يابابا..أنا خلاص عرفت الطريق..
مع السلامه يا بابا..
كانت دموعها تسيل بصمت..شاردة بالماضي..أقترب منها ومسح دموعها..بيده..هاتفا بحنان عليها..
ـ مش يالا بقي…
أومأت برأسها…
ـ يالا..
~~~~~~~
بعد شهران آخران..
علي منصة المناقشة….
ستناقش اليوم رسالة الماجستير الخاصه بها..
الجميع هنا..ألا هو..أين رحل وتركها..؟
تجيب بشرود علي أسئلتهم، وعينيها علي الباب كل لحظه..إلي أن انتهت، ويأست من أن يأتي ..
أنتهت من المناقشه..واعلنت اللجنه حصولها علي درجة الماجستير بإمتياز..
لأول مرة لا تشعر بطعم نجاحها..كانت تتمني لو كان معها..حزينه هي منه بشدة..
استدارت لتهبط من المنصه..وترتمي بأحضان جدها الذي ينظر لها بفخر..وشقيقيها..ولكنها تسمرت مكانها، وهي تلمحه واقفا مبتسما بفخر لها، وبيديه باقة ورد مزينه كما تحب ..
صرخت بسعاده، وهي تجري كالبلهاء ، تاركة كل شيء خلفها
تعلقت بعنقه وهي تبكي بسعاده….
ـ كنت زعلانه أوي عشان مجتش..أنت كنت فين يا محمد..
ـ كنت مستني برا..ياقلب محمد..عارف لو فضلت قصادك مش هتركزي..
ـ رخم أوي..أنا كنت هتجنن عليك..أكيد كريم اللي سلطتك تعمل زيه..
كريم بتذمر من خلفها..
ـ الله وأنا مالي أنا..
نغم بغيظ…أيوا أكيد..أصلهم بيسلطوا بعض..
كريم بعتاب..كده يا نغمتي..
أخذها تحت ذراعه، هاتفاً بحب..
ـ مبارك نجاحك يا قلب محمد…
أبتعدت عنه وهو تمسك بالباقه بسعاده…
ـ هتيجي معايا حفل توقيع الروايه مش كده..ولا هتزوغ مني بردو……
ـ هاجي طبعاً، هو أنا اقدر….مش أنا اللي مختار الأسم..
اقتربت فريدة منهم، هاتفه بحماس..
ـ طب ما تقولولنا سمتوها إيه..هموت وأعرف…
محمد بسعاده..وهو يحتضن سولاف..
ـ رحماکِ
تمت.. (رواية رحماك الجزء الثالث) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق