رواية مالكة قلب الزين الفصل الثامن 8 – بقلم ريشة ناعمة
❊❊❊ ريشة ناعمة ❊❊❊
كان السكون مالي المكان، وريحة المطهرات في المستشفى الريفي مخنوقة زي الأنفاس اللي ليان بتحاول تسيطر عليها من ساعة ما دخلوا.
بُقها نشف، وعنيها بتتحرك بسرعة يمين وشمال، مش من قلق طبي، لا، القلق دلوقتي اسمه: زين.
قلبها كان بيخبط بانتظام غير منتظم. بتحاول تهدي نفسها، تقول إن كل ده هيعدي، وإنها بس بتبالغ.
لكن الصورة اللي في دماغها مش بتروح…
الشومة وهي نازلة على كتفه. الدم اللي سال. صوته، وهو بيقول بكل صعيديته: “ما تكسرش الهواري.”
هي دلوقتي قاعدة على كُرسي قدام أوضته، رجليها متشابكة، وصباعها بيخبط في بعض بتوتر.
خالد داخل وخرج، الدكتور جه، وناس من العيلة اتحركت،
لكن ليان؟ مكانها لسه هو هو.
في اللحظة دي،
صوت ناعم ومشدود جه من وراها:
“هو نايم جوّه؟”
ليان التفتت، عينيها الواسعة الخضرا لمحت بنت محجبة، ملامحها حادة، عينيها غامقة، ووشها مش مريح.
“آه… نايم شوية، الدكتور قال يرتاح.”
البنت قربت، وعلى وشها ابتسامة خبيثه:
“أنا يارا… بنت سعيد الهواري.
بنت عمه.
أو… أكتر شوية.”
ليان رفعت حواجبها:
“أكتر؟”
يارا ضحكت، ضحكة بارده:
“يعني… اللي الكل متوقع تبقى مرات زين في يوم.
حتى لو لسه ما حصلش رسمي،
إنما العشم والنية والناس كلها عارفة.”
ليان حركت راسها بهدوء:
“معرفش إن النية بتتكتب في البطايق.”
يارا ابتسمت، بس عينيها ضاقت:
“وانتِ… جيتي ليه؟”
“وهو ابن عمي.
وإتصاب، ومكنش ينفع أسيبه.”
يارا قربت أكتر، وقالت بنبرة صعيدية مغطية بلطافة مزيفة:
“أنا بس بحب أعرف…
مين اللي بيدخل حياة زين.
لأن حياته مش ساحة مفتوحة…
وبينه وبين بنات عمّه تاريخ طويل.”
ليان بصتلها بثبات:
“أنا مش جايه أفتح ساحة،
ولا داخلة أطفي نيران حد…
بس اللي يوجعني… لازم أطمن عليه.
واللي يهمني… لازم أعرف أخباره.”
لحظة صمت مرّت…
بعدها يارا انسحبت بخطوتين، وقالت:
“خلي بالك…
الصعيد ما بيرحمش اللي يتعدى حدوده.”
وليان ردت بابتسامة بسيطة:
“وأنا مش طالعة من حدودي…
أنا بس اتولدت على حدود تانية.”
❊❊❊ ريشة ناعمة ❊❊❊
داخل أوضة زين
كان نايم على السرير، ملامحه ساكنة، لكنه صاحي.
سمع صوتهم برا، سمع نبرة ليان… وكأن قلبه ارتاح وهو مغمض.
لما ليان دخلت، فتح عنيه.
“كده يا دكتورة… قلقتي الناس وسبتي بيت العيلة؟”
قالها وهو بيحاول يضحك:
“هو أنا اللي خبطت بالشومة؟
ولا انت؟”
هو ابتسم:
“أنا…
بس واضح إن وجعي جايلك أكتر منّي.”
قربت منه شوية، وقعدت على الكرسي اللي جنبه:
“إنت غريب أوي…
ولا بتتألم، ولا بتتضايق، ولا حتى بتبين!
إنت بشر ولا صنم؟”
“صعيدي.”
ردها وهو بيحرك كتفه بحذر.
ضحكت، ضحكة قصيرة، وقالت:
“الصعيدي مخلوق تاني؟”
قال وهو بيبص لها:
“الصعيدي… لما يوجعه حاجة، بيعضّ على لسانه.
ولما يفرح… بيخبي الفرحة.
ولما يحب… بيموت ومش يقول.”
بصّت له بصمت، وعينيها لمعت لحظة، لكنها غطتها بكلام:
“يعني لو أنا ما كنتش جيت…
كنت هتموت من غير ما تقول؟”
هو سكت، وبعدين قال:
“كنت هعيش…
بس ناقص.”
❊❊❊ ريشة ناعمة ❊❊❊
في بيت الهواري – بعد المغرب
الدار مزدحمة، الرجالة قاعدة على المصطبة الكبيرة، والأولاد بيركضوا، والستات بتجهز العشاء في الجانب التاني.
الجد الهواري قاعد بصمت، في ايده مسبحته، وعينه مركزة في لا شيء.
محمد الهواري، والد ليان، جه وقعد جنبه.
“زين اتخبط، ودي حاجة مش سهلة.
إنما اللي صعب بجد…
إنه يبتدي يبص لليان بنظرة مختلفة.”
الهواري بصله، وقال:
“كنت عاوزها تبصله هي الأولى.
بس واضح إن الوقت جري،
والناس حوالينا بدأت تشم ريحة التغيير.”
“تقصد مين؟”
“سعيد، وأخته نجلاء، وغيرهم.
كلهم شايفين إن دخولك بالصغيرة قلب المعادلة.
والغيرة بتولع قلوب البنات، زي ما تولّع الهشيم.”
“بس إحنا ما جيناش نولّع… جينا نزورك.”
الهواري بص له، وقال بنبرة جامدة:
“بس ربك أراد… إن الزيارة تكون بداية.
مش نهاية.”
❊❊❊ ريشة ناعمة ❊❊❊
في إسطبل الخيل – تاني يوم الفجر
الجو ساكن، والندى على الأرض زي الكحل على رمش الفجر.
ليان لبست عباءة بسيطه ، وخرجت تمشي.
كانت محتاجة تهرب من كل الأصوات، وكل العيون اللي بتحاصرها.
وصلت الإسطبل، وقبل ما تدخل، سمعت صوت خطوات وراها.
“مين اللي قايم بدري كده؟”
التفتت…
وكان زين.
لابس جلابية بيضا، وصدره لسه متربط، لكن شكله هادي.
بس اللي في عنيه؟
كان نار.
“ما كانش المفروض أخرج… بس مشيت من غير قصد.” قالت له وهي بتبص في الأرض.
“يعني انتي مشيتي برجلك… بس قلبِك؟
هو اللي جابك هنا.”
سكتت.
“بتحبي الخيل؟” سألها.
قالت:
“بحبهم.
من وانا صغيرة…
بس عمر ما كنت قرّبت من واحد.”
هو فتح باب الإسطبل، وخرج حصان أسود، فخم، برقبة مرفوعة:
“ده… اسمه حرب.
عنيد… بس وقت الجد، ما يخافش.”
بصت له، وبعدين للحصان:
“زيك.”
قال:
“انتي خايفة تركبي؟”
قالت:
“مش عارفة.”
قرب منها، ومدّ إيده:
“جربي.”
لما حطّت إيدها في إيده…
كل الدنيا اتبدلت.
—
لحظة واحدة، وصرخة رجّت المكان.
خالد جري ناحيتهم:
“زين!
الجد…
وقع في المجلس!
وشه ازرق، ونَفَسه راح!”
زين ساب إيد ليان، وبص فيها لحظة،
ثم جري بأقصى سرعته.
وليان وراه.
والخيل نَهقت، كأنها حسّت بالخطر.
يا ترا ايه اللي هيحص منظره رأيكم 🖋🖇
—
يتبع…
• تابع الفصل التالى ” رواية مالكة قلب الزين ” اضغط على اسم الرواية