رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع والعشرون 27 - بقلم نعمة حسن
_ ٢٧ _
~ حلقة مفقودة! ~
____________
استيقظت عنبر من نومها بعد ليلة مليئة بالكوابيس التي استنزفت القليل المتبقي من طاقتها، نهضت من الفراش بتكاسل ووقفت أمام النافذة تفتحها فتفاجأت بما رأته.
كان أحد الشباب يقف على سلم خشبي ويقوم بنزع لافتة المحل الخاص بعبدالله والمكتوب عليها " الحداد لقطع غيار السيارات " ثم وضع بدلا منها لافتة أخرى مكتوب عليها " أبناء كافور لقطع غيار السيارات".
قطبت جبينها بتعجب وخرجت من الغرفة باتجاه غرفة والدها، طرقت الباب ودخلت كان يجلس يقرأ بمصحفه فقالت:
_ أبي، هل رأيت ما حدث؟
نظر إليها بقلق يلائم تعابيرها المتجهمة وقال:
_ عساه خيرا يا عنبر؟ ماذا هناك؟
فتحت باب شرفته وهي تشير حيث يقع محل عبدالله على بعد خطوات وقالت:
_ أحدهم قام بإنزال لافتة المحل وقام بوضع أخرى تحمل أسم أولاد كافور.. ماذا يعني هذا؟
قطب جبينه متعجبا ونهض من مقعده وخرج إلى الشرفة يشاهد ما تقوله ثم قال:
_ حقا ما هذا؟ سأذهب لأرى حقيقة الأمر.
ذهب صالح إلى المحل وتحدث إلى الشاب الذي كان يقوم بتثبيت اللافتة الجديدة وقال:
_ صباح الخير بني، ما الأمر؟ هذا المحل مِلك لعبدالله ابن أخي، لماذا تقومون بتغيير اللافتة؟
تحدث إليه الشاب بإيجاز فقال:
_ هذا المحل لم يعُد مِلكا لعبدالله الحداد، لقد باعهُ .. والمالك الجديد أمر بوضع هذه اللافتة الجديدة .
تعجب صالح وأخذ يردد:
_ باعه؟ ماذا حدث؟
_ حقا لا أعلم يا عمي ما أنا إلا عبد المأمور.
أخذ يغمغم مع نفسه بغير فهم ثم عاد إلى بيته فإذا به يجد سيارة فخمة تصف أمام مدخل البيت ونزل منها رجلًا يبدو عليه الوقار وبرفقته شابا، توقف الرجل أمام البيت وأخذ يتحدث مع الشاب ثم دخلا فاستوقفهم صالح قائلا:
_ لحظة من فضلكم، إلى أين تذهبون؟ هذا بيتي ، تفضلوا كيف أخدمكم؟
نظر إليه الرجل بابتسامة عملية وقال:
_ نحن أصحاب الشقة الجدد، جئنا لمعاينتها لأننا سنفتتح بها مكتبا للمحاماة لابني أستاذ آسر.
طالعهما صالح بغير فهم وقال:
_ ماذا؟ عذرا لا أفهم، عن أي شقة تتحدثان؟
_ الشقة في الطابق الأول.
ابتسم ابتسامة قصيرة مستهجنا وقال:
_ لا يمكن ، هذه شقة ابنتي.
نظر الرجلان لبعضهما البعض ثم قال أحدهما:
_ لقد اشترينا الشقة من السيد كارم مأمون، وها هو العقد سيدي.
أخرج العقد وأعطاه لصالح الذي كان يقف مذهولا وهو يقلب في الورقة يمينا ويسارا وقال:
_ غير ممكن، كيف حدث هذا؟
_ هذا ما حدث سيدي وإذا كنت تشكك في صحة العقد يمكنك عرضه على أي محامي، لا مانع لدي.
أعطاه صالح الورقة وأطرق برأسه في شرود ولم ينتبه إلا عندما قال الآخر:
_ أرجو أن يتم إخلاء الشقة من مقتنياتكم في أسرع وقت، سنبدأ بالتجديدات منذ الأسبوع المقبل.
صعد صالح السلم وهو يشعر بالوهن يحتل ركبتيه، كان يستند على ركبته وهو يصعد الدرج ببطء حتى وصل إلى شقته فدخل ووجد زوجته وعنبر تجلسان في انتظاره وبمجرد أن دخل هرولت نحوه زوجته فقالت:
_ ها، ماذا فعلت ؟ ما قصة هذه اللافتة؟
جلس على الأريكة بتعب وقال:
_ عبدالله باع المحل.
هتفت زوجته وعنبر في آن واحد:
_ باعه!!!
_ ليس هذا فقط، لقد باع الشقة أيضا.
تساءلت عنبر باستنكار شديد:
_ ماذا؟؟ كيف باع الشقة؟ من أخبرك بذلك؟
زفر مطولا بغضب مكتوم وقال:
_ المالك الجديد قابلني أمام مدخل البيت وأخبرني أنه اشترى الشقة، وقال أنه ينبغي أن نخلي الشقة في خلال أسبوع لأنه سيجري بها تعديلات كي تصبح مكتبا للمحاماة لابنه.
شردت عنبر، و تسيد الوجوم ملامحها وقالت بدون وعي:
_ ماذا يعني باع الشقة والمحل؟ والسبب؟ هل ينوي الهرب لآخر حياته؟
تحدث والدها بضيق وقال:
_ لا بد أنه يخطط لشيئ ٍ ما، وإلا لما كان باع الشقة والمحل، ومن يدري ربما يكون قد باع قطعة الأرض التي يدخرها لابنه.
قطبت عنبر جبينها بشرود وقالت:
_ السيارة! أكيد باع السيارة أيضا! لذلك كلما كنت أسأله أين هي يخبرني أنها في الصيانة!
نظر إليها والدها باستغراب وقال:
_ عبدالله يخطط لشيئ ٍ دنيئ ٍ بالتأكيد .. معنى أنه باع كل ما يملك فبالتأكيد سيفعل شيئا بذلك المال.
وفجأة انقبض قلبه وهو يقول بصوت داخلي:
_ يا رب سترك، ماذا ستفعل مجددا يا عبدالله!
في تلك الأثناء خرجت حياة من غرفتها ممسكةً بهاتفها وعلامات الاستهجان واضحة على وجهها وأعطت لوالدها الهاتف وهي تقول:
_ انظر أبي، هذا الفيديو رأيته بالصدفة.
شاهد صالح الفيديو باستغراب تحول إلى صدمة شديدة واستنكار فنهضت عنبر عندما استمعت لصوت عبدالله وأخذت الهاتف من يد والدها وشاهدت المقطع بصدمة شديدة وهي تقول:
_ سماهر؟
وشردت وهي تحاول تذكر ذلك الاسم، هي متأكدة أنها سمعت بذلك الاسم من قبل.
أخذت والدتها الهاتف هي الأخرى ورأت عبدالله وهو يتمايل بشكل منفر فقالت:
_ يا ويلي، ما هذه الوقاحة! ومن هي سماهر التي يتحدث إليها وعلى ما يبدو أنهما منسجمان للغاية، خسئت يا حقير.
فجأة ومضت ذاكرة عنبر وهي تتذكر عندما استمعت لعبدالله وهو يتحدث بالهاتف ثم كان يتوعد امرأة إسمها سماهر وعندما سألته من هي سماهر أخبرها أنها زبونة أخذت من المحل بضاعة بمبلغ وقدره واختفت!
نظرت إلى والدها وهي تحاول تجميع الحلقات ببعضها وقالت:
_ سماهر اتضح أنها ليست مجرد زبونه!! وبينهما علاقة قذرة بكل تأكيد، وبما أنه كان يتوعدها بذلك الشكل فبالتأكيد غافلته ونصبت عليه في هذا المبلغ وقدره!! ومن الممكن أن يكون لها علاقة ببيع السيارة و المحل والشقة..
وأمسكت برأسها بتعب وهي تقول:
_ يا إلهي، أشعر بأنني سأجن.
نظر إليها والدها قائلًا:
_ تحليلك منطقي للأسف، ولكن هناك حلقة مفقودة في الموضوع!
أومأت حياة وابتلعت ريقها بتوتر وقد بلغ منها القلق مبلغا بعيدا، ثم أخذت هاتفها وعادت إلى غرفتها مرة أخرى وهي تتمتم بخوف وحيرة:
_ هل يعقل أن يكون قاسم هو الحلقة المفقودة ؟
وهزت رأسها وهي تنفضها من الأفكار السوداء التي اجتاحتها وهي تقول:
_ لا، لا مستحيل.
////////////////////
كان عبدالله يجلس على أحد مقاعد الاستراحة التي قضى عليها ليلته الماضية، أخذ يدلك رقبته المتشنجة بسبب تلك الوضعية الخاطئة التي كان ينامها، ثم قام بالاتصال بصديقه الذي أجاب قائلا:
_ أهلا عبدالله.
تحدث عبدالله بنفاذ صبر قائلا:
_ لا أهلا ولا سهلا، لماذا لم تتصل بي حتى الآن؟ ألم أرسل لك العنوان برسالة؟
_ ولمَ علئ أن أتصل بك؟ ولمَ لم تخبرني أنك قد بعت المحل؟ لقد اقترضت المبلغ من أجلك وتفاجئت أنك بعته بالفعل.
مسح عبدالله وجهه بقوة وهو يحاول استيعاب ما يقول وقال بضيق:
_ لحظة لحظة، أي محل هذا الذي بعته؟ عن أي محل تتحدث؟
_ وهل تملك غيره؟ محلك بجوار بيت العائلة.
ابتلع ريقه بتوتر وقال:
_ كيف بعته؟ بالتأكيد هناك سوء تفاهم، أنا لم أقم ببيع المحل حتى الآن.
ضحك الآخر ساخرا وقال:
_ حقا؟ أساسا الحارة كلها لا تتحدث سوى عن هذا الموضوع ، ولقد سمعت أنك بعت نصيبك ببيت العائلة والشقة سيتم تحويلها إلى مكتب محاماة.
تحدث الآخر بعصبية وزمجر عاليا وهو يقول:
_ تبا لك يا رجل، أي هراء هذا الذي تتفوه به؟ أنا لم أقم ببيع الشقة ولا المحل، ما هذا الهراء؟!
_ اسمعني عبدالله ، إن كنت تفعل هذا كله للإيقاع بي وأخذ المبلغ مني بعقد مزور فهذا ليس في صالحك أبدا، أنا عن نفسي لقد عرفت الحقيقة كاملة ولن تنطلي عليّ خدعك بعد الآن، لن أشتري منك شيئا ليس ملكك من الأساس.
وأنهى الاتصال فجأة مما أثار جنون عبدالله وجعله يلقي بالهاتف على مرمى يديه وهو يقول بغضب:
_ ما هذا؟ ما هذا الهراء؟ تبا.. تبا لكم جميعا.
//////////
كان صالح يجلس بغرفته شاردا، تأخذه الأفكار وتأتي به كيفما تشاء، تساوره المخاوف والشكوك، وانقباضات قلبه تنذر عن ريحٍ عاتية ستقتلع الأخضر واليابس قريبا.
تنهد مستغفرا، ثم أمسك بهاتفه واتصل بقاسم، ثوان وأتاه رده فقال:
_ صباح الخير عمي.
_ صباح الخير بني، كيف حالك.
_ بخير عمي، أنا في طريقي إليك، يجب أن نتحدث فيما يخص عقد القِران.
أومأ الرجل موافقا وقال:
_ نعم بني، أنا في انتظارك.
أنهي الاتصال ووضع الهاتف بجواره، ثم خلع نظارته ودلك بين عينيه بتعب وهو يقول:
_يا رب، أتوسل إليك .. فلتمضي الأيام القادمة بسلام.
…..
كانت عنبر تجلس بغرفتها، تمسك بالهاتف وهي تعيد تشغيل مقطع الفيديو الخاص بعبدالله ، تشاهده وتبكي، انفرج الباب ودخلت والدتها التي تفاجأت بحالتها تلك فقالت:
_ عنبر، ما بكِ حبيبتي ؟
نظرت صفية للهاتف بيد ابنتها فوجدتها تشاهد فيديو عبدالله فجلست بجوارها وربتت على ذراعها وهي تقول:
_ لا تحزني حبيبتي، هو الخاسر صدقيني، ثم أن هذه الوقحة الرخيصة بالتأكيد مجرد نزوة لا ينبغي أن تغاري منها.
ونظرت إليها بأمل وقالت:
_ هل تحبينه عنبر؟ هل أتحدث إلى والدك ليعيد النظر في قرار الطلاق؟
نظرت إليها عنبر بضيق وحدة وقالت:
_ هل أحبه؟ حقا أمي تسأليني هل أحبه؟ حقيقةً أنا أشفق عليكِ لكونكِ أمًا، كيف تكونين أما وأنتِ لم تفهمي بناتك مرة واحدة، لم تشعري بهما لمرة واحدة في حياتك، كيف تكونين أما وأنتِ لا تفهمين دموع ابنتك؟
تعجبت صفية من ذلك الانفجار المفاجئ وانزوت على نفسها وهي تستمع لابنتها تقول:
_ هل تظنين أن دموعي تلك لأني أحبه وأغار عليه؟
وضحكت بخفوت وعيناها تذرف الدموع ثم تسيد الحزن ملامحها وقالت:
_ أنا لم أحبه يوما، لم أشعر بالغيرة عليه ولن أفعل أبدا، أنا أبكي على حالي أمي، أبكي على حالي.. هذا الوقح الذي يرقص كما رأيتِه أنتِ في الفيديو ويبدو ثملا يسهل عليه فعل أي شيء، يمكنه فعل أي شيء يريده دون الاهتمام بمشاعري أو بما سأشعر به، هذا الحقيـر أذاقني القهر والظلم والذل لعشر سنوات، اغتصبني خمسين ألف مرة وليست مرةً واحدة ، في كل يوم كان ينالني كزوجة له كان يغتصبني، لم أشعر به ولو مرة واحدة في حياتي.. كنت أشعر بالقرف والنفور من لمساته ورائحة أنفاسه بالقرب مني، عشر سنوات أتحمله وأنا أدعو الله أن تكون تلك الليلة هي آخر ليلة. عشر سنوات كاملة أفنيتها وأنا أشعر كلما رأيته كأنني أرى قابض الأرواح، كنت أطيعه طاعة عمياء كي أتفادى غضبه وجنونه، تنازلت عن شبابي، تنازلت عن كرامتي، تنازلت عن آدميتي حتى.. هذا الكلب كان يعاملني بسادية..
ونظرت إلى أمها التي تطرق برأسها أرضا بخزي وقالت:
_ هل تعرفين معني أن يعاملني بسادية أمي؟ هذا الحقير كان يعاملني كحيوان يمتلكه ويحق له التصرف فيه كيفما يشاء، أنا تحملت هذا الشيطان الذي بليتِني أنتِ به وأهدرت شبابي معه وفي النهاية اكتشفت أنه كان رجلاً ماجنًا يمارس مجونه مع من يحلو له من النساء ويعيش حياته كما يحلو له، باع كل ما يملك لأجل سهراته الماجنة بالتأكيد ولم يأبه لكونه رجلًا متزوجًا أو أبًا مسئولًا. هل علمتِ أمي لمَ أبكي؟ لأن شبابي ضاع هباءً مع رجل أقل ما يقال عنه أنه ذكر لا يمت للرجولة بِصلة.
تركت الغرفة وخرجت باتجاه الحمام فتوقفت عندما رأت حياة تفتح الباب وظهر قاسم مبتسما فشعرت بقلبها يتحطم ببطئ ثم تجاوزتهما وفرت من أمامهما كمن يفر من الموت.
نظر قاسم إلى حياة مبتسما وقال:
_ صباح الخير كهرمانة.
نظرت إليه بهدوء ينم عن الصراع الرابض بداخلها ولكنها قالت بابتسامة:
_ صباح الخير قاسم، تفضل.
دخل قاسم وجلس بالصالون بانتظار عمه الذي خرج مرحبا به وقال:
_ مرحبا بني، كيف حالك ؟
_ بخير الحمد لله.
نظر إليه عمه بشك وقال:
_ هل علمت بما حدث؟
أومأ قاسم موافقا وقال بضيق زائف:
_ أجل، رأيت اللافتة الجديدة وسمعت أنه باع المحل.
هز صالح رأسه باستياء وقال:
_ ليس المحل فقط، حتى شقته باعها.
تصنع الآخر الدهشة ببراعة وقال :
_ ماذا؟ هل الشقة أيضا؟
أومأ صالح بنعم وقال:
_ الشقة، المحل والسيارة.. كل ما يملكه باعه ولا نعلم السبب، لم يتبقَ سوى قطعة أرض كان يتركها لابنه لا نعرف ربما يكون قد باعها أيضا.. عليّ تقصي الأمر.
تنهد قاسم مطولا وقال:
_ لقد رأيت الفيديو.. هل رأيته؟
_ هه.. للأسف رأيته، عارٌ عليه.
أومأ قاسم مؤيدا وقال:
_ أشعر أن سماهر تلك هي أساس الأمر كله، يعني.. المثل يقول فتش عن المرأة، وأنا أظن أنها صلب الموضوع.
_ أجل، هذا صحيح.. على كل حال هو لن يبقى هاربا مدى الحياة، سيلقى القبض عليه بالتأكيد. ولكني أشعر بالقلق، أشعر بالخوف على بناتي وخاصة حياة.
_ لا تخف يا عمي، لقد قلتها سابقا وأقولها مجددا، حياة في أمانتي.
أومأ صالح واثقا وقال:
_ لا أشك في ذلك، لذلك وددت أن أتحدث معك بشأن حفل الزفاف.. أرى أنه ليس ضروريا.
قطب قاسم جبينه وصمت للحظات يحاول فهم قصده ثم نظر إليه وقال:
_ أنت تشعر بالخوف لأن عبدالله لا يزال هاربا، أليس كذلك؟
أومأ مؤكدا وقال:
_ بلى، لا داعي لإقامة حفل زفاف في ظل هذه الظروف ، أرى أنه سيكون مناسبا أن نعقد القران في سرية حتى لا يصل الخبر لهذا الجبان، لا أضمن أنه لن يتصرف بحماقة مرة أخرى ، لذا من الأفضل أن نعقد القران وتأخذ زوجتك إن أردت وتسافران لقضاء أسبوع في أي مكان تختارانه.. هذا مجرد اقتراح والقرار لكما.
أومأ قاسم موافقا وقال:
_ وأنا أوافقك الرأي، ولكنني سأعرض الأمر على حياة أولا.. في النهاية هي فتاة مثل أي فتاة تتمنى أن يقام لها حفل زفاف .
_ أنت محق. على كل حال لن نختلف إن شاء الله ، وأتمنى ألا أكون قد فرضت عليك الأمر، ولكنك تعلم مخاوفي، ما دام هذا الخسيس يتنقل في الأرجاء حرا تأكد أنه سيخطط لارتكاب كارثة.
أومأ قاسم بقلق خفي وقال:
_ للأسف كلامك صحيح، ولكنني أثق أنه سيلقى القبض عليه قريبا، هو ليس بذلك الدهاء كي يستطيع الهرب من الشرطة فترة طويلة.
_ نتمنى ذلك، كفانا الله شره وشر شياطين الإنس جميعا.
_ آمين.
دخلت حياة وهي تحمل صينية عليها كوبين من العصير فنهض والدها وهو يقول:
_ قاسم يريد التحدث إليكِ حياة، أنا بغرفتي.
انصرف فجلست حياة على المقعد المقابل له وقالت بشقاوتها المعتادة:
_ عساه خيرا يا طويل؟ ماذا تريد؟
نظر إليها باسمًا ثم غمز بعينه وهو يقول:
_ أريد الزواج منكِ يا كهرمانة.
تراقصت خلجاتها فرحا بالرغم من أن زواجهما أمرا صار واضحا ولكن كلماته بعثت في نفسها السرور فوضعت قدما فوق الأخرى بغرور مصطنع وقالت:
_ و إن قلت لا أريد؟
اختفت ابتسامته وقال بمزاح عابث:
_ ترفضين الرجل المغناطيس يا حمقاء؟ ألا تملكين ذرة عقل؟
نظرت إليه بغيرة واضحة وقالت:
_ لا تستفزني يا بغيض، أساسا أنا أثمن جوهرة في حياتك، هذا كلامك.
أومأ مبتسما وقال:
_ وأنا لا أقول كلاما لا أعنيه أبدا، أنتِ بالفعل أثمن جوهرة في حياتي، لذلك أريد أن أحتفظ بتلك الجوهرة الثمينة بمتحفي الخاص حتى لا تطالها الأيادي أو تنال منها الأعين.
ابتسمت بحب وأسندت قبضتها أسفل وجنتها وهي تنظر إليه بهيام وقالت:
_ وماذا أيضا؟
ابتسم قائلا بجدية وهو يراقب انفعالاتها:
_ حياة، إذا أخبرتك أننا.. أقصد أنا ووالدك.. لا نريد إقامة عرس، هل ستـ..
_ أنا موافقة.
نظر إليها متعجبا وقال:
_ أنا لم أكمل كلامي بعد!
_ لا يهم، أنا لا أريد حفل زفاف ، يكفي أن نكون معا.
_ ولكن هذا حقك، لا تتنازلي عنه لأجل إرضاء أحد، إذا كنتِ تودين عرسًا سـ..
قاطعته مجددا وقالت:
_ أنا أعرف ماذا أريد جيدا قاسم، صدقني لا تهمني تلك المظاهر أبدا.
تنهد بتوتر وقال:
_ على كل حال سنذهب لقضاء الوقت الذي تحبينه في المكان الذي تفضلينه، وتكاليف الزفاف ستكون من حقك يمكنك التصرف بها كما تشائين.
نظرت إليه بابتسامة صافية وقالت:
_ أنا لا أريد سواك يا قاسم.
تملكه التوتر أكثر وقال:
_ حسنا، نحن متفقان، سأخبر عمي ونقوم بتحديد موعد عقد القران في أقرب وقت.
أومأت بابتسامة وقالت:
_ حسنا.
نهض وهو يضحك، ثم قرص وجنتها وهو يقول:
_ سيتوقف قلبك من الفرحة يا كهرمانة.
أبعدت يده عنها بحنق وهي تتمتم:
_ إنسان سخيف.
خرج من الصالون باتجاه الباب وهو يقول:
_ أراكِ لاحقا يا عروس.
ودعته بابتسامة ثم أغلقت الباب واستندت إليه بظهرها وهي تضع يدها على موضع قلبها وتقول:
_ أنت لم تكذب، قلبي سيتوقف من الفرحة حقا.
وذهبت لغرفتها غافلةً عن تلك الأعين التي كانت تحدق بهما بحزن ممزوج بالحقد وهي تتمتم بقهر:
_ يا إلهي لقد نفذ صبري واعتلت راحتي فأرسل لي الفرج من عندك.
_____________
كان يسير في الطرقات متخفيا، يضع طاقية فوق رأسه، ويرتدي نظارة شمسية ، يمشي هائما على وجهه بعد ذلك الخبر الذي بلغهُ، ولما بلغ منه التعب مبلغا بعيدا قرر أن يلجأ لأحد مقاعد الاستراحة كما يفعل يوميا، ذهب وجلس وهو يشعر بالتعب الشديد إضافةً إلى التواء أمعائه من فرط الجوع.
فتح حقيبته وأخذ يتطلع إلى ما تبقى معه من نقود، ثم زفر بضيق وهو يحدث نفسه قائلا:
_ ماذا ستفعل يا عبدالله ؟ النقود المتبقية بالكاد تكفي لشراء شطيرتين، إن لم تمت من التعب ستموت من الجوع، إلى من سألجأ وومن سأطلب المساعدة؟ إن اتصلت بعزيز سيكون أول واحد يبلغ الشرطه عني، الخسيس باع أخوه من أجل رضا الهانم زوجته وشقيقها الحقير.. والنذل الذي كنت أحسبه صديقا وفيا يتجاهل مكالماتي بكل وقاحة، حتى لغة التهديد لم تعد تجدي نفعا معه.
زفر بغيظ وغضب مكتوم وأسقط رأسه للخلف بتعب وفجأة ابتسم بِشر وكأنما أضاء برأسه مصباحا وقال:
_ لا زلت أملك آخر بطاقة رابحة!
أمسك بهاتفه وقام بتشغيل أحد مقاطع الفيديو الذي قام بنقلها من كاميرات المراقبة التي زرعها في كل ركن بشقته، والذي يتضمن مشهدا له ولعنبر سويا وزفر براحة وهو يمسح زاوية فمه ويقول:
_ عذرا زوجتي العزيزة لا أملك حلا آخرا ، لو أنكم لا تخشون الفضيحة حد الموت لما اضطررت للاحتفاظ بتلك اللحظات الخاصة.
أمسك هاتفه وطلب رقم عنبر وقام بالاتصال بها، لم تجب المكالمة لأول مرتين ولكنها أجابت أخيرا وقالت:
_ مرحبا، من يتحدث؟
ضحك باستهزاء قائلا:
_ مرحبا زوجتي العزيزة.
صمتت للحظات تحاول استيعاب ما يحدث وتساءلت بغير تصديق:
_ عبدالله ؟؟!!
_ أووه.. زوجتي المخلصة تحفظ صوتي عن ظهر قلب، سأبكي من فرط التأثر.
_ أين أنت يا حقير يا خسيس يا وضيع، هل تجرؤ على الاتصال بي بعد ما فعلته يا جبان؟
_ إهدئي زوجتي الحبيبة، لقد اتصلت بكِ كي نجري اتفاقا غاية في الأهمية.
_ أي اتفاق هذا؟ أساسا أنا سأطلب الطلاق منك ولن تستطيع ردعي تلك المرة، لن أبقى على ذمة مجرم خسيس مثلك.
ضحك عاليا وقال:
_ تطلبين الطلاق؟ على كل حال لكِ حرية التصرف وأنا لن أجبرك على البقاء على ذمتي، ولكن شاهدي الفيديو الذي سأرسله لكِ أولا ومن ثم أبلغيني بقرارك النهائي.
أنهى الاتصال فجأة وقام بإرسال الفيديو لها ففتحته وتيبست ملامحها فور رؤيته وسالت دمعاتها بغزارة وهي تهز رأسها برفض وتقول:
_ لا، لا مستحيل.. لا يمكن.
اتصل بها مجددا فأجابت المكالمة وهي تقول بحدة خافتة:
_ أنت قذر، أنت إنسان حقير، هل بلغت بك الدناءة كي تبتز زوجتك يا حقير؟ أنا لا أصدق كيف فعلت ذلك.
_ اسمعيني عنبر، أنا الآن لا أملك شيئا لأخسره، ولكن أمامي فرصة أخيرة وعليّ استغلالها جيدا، أحتاج إلى المال، ستدبرين لي أقصى ما تستطيعين تدبيره في خلال يومين، لا ينبغي أن تتجاوزي المهلة المحددة وإلا ستندمين.
قالت عنبر وهي تبكي بحرقة وانهيار:
_ ومن أين سأدبر لك المبلغ؟ انت تعرف جيدا أنني لا أملك شيئا.
_ ولكن والدك يملك الكثير، إن طلبتِ منه أي مبلغ لن يرفض.. تصرفي عنبر أنتِ تستطيعين التصرف إذا أردتِ. وإن لم تفعلي فأنتِ المُلامة.
أنهى الاتصال فغرقت في البكاء والنحيب وهي تردد بيأس وقلة حيلة:
_ يا إلهي ماذا سأفعل!! إن أخبرت أبي سيسقط صريعا في الحال، وإن تجاهلت هذا الشيطان فلن يثنيه شيئا عن تنفيذ ما هدد به.
وأغمضت عينيها وهي تبكي بقهر وتقول:
_ يا إلهي أنت حسبي ونعم الوكيل.
//////////
بعد أن أنهى عبدالله الاتصال مع عنبر نهض متجها لأقرب مطعم كي يشتري منه شطيرة يسد بها جوعه، و إذ به يرى سيدة قصيرة تعبر الطريق على بعد خطوات منه فنظر إليها بتركيز وهتف غير مصدقا:
_ عظيمة!!
غادر المطعم سريعا وأخذ يركض خلفها إلى أن لحق بها فكان على بعد خطوتين منها كي لا تنتبه لوجوده، وظل متتبعا خطواتها حتى ركبت سيارة أجرة فأوقف سيارة أخرى وطلب من السائق أن يلحق بالأولى، وبعد حوالي ربع ساعة رآها تتوقف فطلب من السائق أن يتوقف في الحال.
نزل من السيارة واختبأ خلف سيارة مصفوفة بالشارع فرأى عظيمة وهي تدخل بناية فدخل خلفها إلى أن وجدها تدخل شقة بالطابق الثاني فاقترب من الباب فإذ به يستمع لصوت عظيمة وهي تتحدث إلى سماهر .
ازدادت خفقات قلبه بقوة وتسارعت، وفور أن استمع إلى صوت عظيمة الذي يدنو أكثر من الباب حتى صعد للطابق للعلوي ونظر من أعلى فرأى عظيمة وقد نزلت مجددا فركض إلى الشقة وطرق الباب.
استمع إلى صوت سماهر وهي تقول بحنق:
_ لمَ تطرقين الباب يا عظيمة، هل ضاع مفتاحك؟
فتحت الباب فجحظت عيناها بصدمة عندما رأت عبدالله وهمت بغلق الباب بفزع ولكنه دفعهُ فجأة فسقطت على الأرض.
أوصد الباب خلفه بالمفتاح وخلع طاقيته والنظارة وألقاهم أرضا وأخذ يقترب منها بخطوات متمهلة وهو يرمقها بغموض مرعب، بينما هي تزحف للخلف وهي تشعر بأنها ستفقد وعيها من فرط الخوف.
وفجأة نهضت وحاولت الركض نحو غرفتها ولكنه كان أسرع منها فأمسك برسغيها محكما قبضته حولهما وهو يقول:
_ مرحبا سمهورة.
بلعت ريقها بخوف شديد وأحست بالدماء تهرب من عروقها وهو يراقب ملامحها بهدوء مخيف ويقول:
_ لا أصدق أنني رأيتكِ أخيرا.
وفجأة اختفت ابتسامته الصفراء وحل محلها الغضب والوجوم ؛ فقبض على شعرها بين أصابعه يجذبه بقوة وهو يقول:
_ أين أموالي يا عاهرة؟!
تسارعت ضربات قلبها بخوف شديد وأخذ صدرها يعلو ويهبط من فرط الخوف والانفعال وهي تتطلع لملامحه التي لا تنذر بالخير وحاولت الفكاك من بين براثنه ولكن دون جدوى.
هز رأسها بقوة آلمتها وهو يقول بعصبية:
_ انطقي، أين الثلاثة ملايين؟ تكلمي وإلا سأزهق روحك حالا.
_ لا أعلم، أنا…
قاطعها هادرا بعنف وهو يطوق عنقها بيديه ويضغط عليه بشده:
_ لا تعلمين؟ تكلمي وإلا سأقتلك يا حقيرة، أين النقود؟!
أحست بأنها على وشك الاختناق وكانت تحاول إبعاد يديه عن عنقها ولكنه كان كالأعمى وهو يقول:
_ انطقي حالا وإلا سأقتلك، أين مالي؟
_ قا.. قاســم.
كانت عيناها قد امتلأت بالدموع وهي تشعر أنها ستسلم روحها، ولكن ما قالته جعله يرخي قبضتيه من حول عنقها ويتراجع للخلف مصدوما وهو يقول:
_ ماذا؟ قاسم؟
شهقت بقوة كالغريق الذي طفا على سطح الماء فجأة، وأخذت تسعل بقوة وهي تدلك عنقها بألم وتقول:
_ قاسم هو من أخذ المال كله، أنا لم آخذ سوى نصف مليون جنيه
اقترب منها فجأة فحاصرها بينه وبين الجدار من خلفها وهو يقول بغضب:
_ ما دخل قاسم؟ أخبريني بالحقيقة كاملة وإلا سأفصل عنقك عن جسدك.. تكلمـــي!!!!!
نظرت إليه بخوف شديد وقالت متلعثمة بأحرف متقطعة:
_ قاسم هو من اتفق معي أن أنصب لك ذلك الفخ لأنك حسب قوله تسببت في سجنه ظلما وأراد الانتقام منك، كل شيء كان بتخطيط منه واتفاق مسبق بيننا حتى عقد الزواج..
نظر إليها بتأهب وضيق عينيه منتظرا أن تتابع بقية كلامها فقالت:
_ لم يكن عقدا حقيقيا، كان عقد تنازل عن ممتلكاتك له.
جحظت عيناه بصدمة وظل ينظر إليها بغير تصديق بينما هي تبكي بخوف وهي تحاول النجاة بروحها أمام نظراته المتوعدة المليئة بالشر والهلاك وتقول:
_ أرجوك، لقد أخبرتك بالحقيقة كلها، أرجوك لا تؤذيني.
نظر إليها مشدوها وقال:
_ لقد مضيت على عقد تنازل عن ممتلكاتي لقاسم؟! والمال كله ذهب لقاسم؟ أي أن كل ما أملكه أصبح الآن بحوزته؟
أمسكت بيديه وقبلتها وهي تتوسل وتتذلل إليه وتقول:
_ صدقني أنا كنت مضطرة لفعل ذلك، لقد ساومني على علاج أخي واضطررت أن أرضخ لمطالبه، أنا عبد مأمور صدقني.
_ والفيديو؟
نظر إليها والدم يغلي في عروقه ويكاد ينفجر من عينيه المحمرتين وأردف:
_ الفيديو الذي قمتِ بتصويره يا حقيرة، هو من أمرك بتصويره، أليس كذلك؟
وضعت يديها أمام وجهها بخوف وأومأت أن نعم فنظر إليها وأخذ يسبها بأقذع الألفاظ وأمسك برأسها بكلتا يديها وأخذ يضربها بالحائط من خلفها وهو يقول:
_ يا حقيرة، يا وضيعة.
حاولت أن تبعده عنها ولكن وهنت قواها أمام غضبه الذي أعماه وتمكن منه فجعله يضرب رأسها بالحائط بقوة ضربات متتالية بنفس القوة حتى أفاق من حالة اللاوعي التي كانت تنتابه على صورة الحائط أمامه ملطخا بدمها فأرخى قبضتيه عنها فجأة فسقطت أرضا والدماء تنزف من مؤخرة رأسها.
نظر إليها بفزع، ابتعد خطوات للخلف وهو ينظر إلى دمها على يديه بهلع، أخذ يتلفت حوله بعشوائية وفجأة وقعت عيناه على غرفتها فهرول إليها وأخذ يبحث عن أي شيء يمكنه الاستفادة منه فوجد حقيبتها ففتحها وأخذ كل النقود الموجودة بها، ثم أسرع للخارج وألقى نظرة عليها بخوف، ثم ولّى مدبرا ولاذ بالفرار.
///////////
يتبع
حب_في_الدقيقة_التسعين!
• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين " اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق