رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع عشر 17 – بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع عشر 17  –  بقلم نعمة حسن 

_ ١٧ _

~ الحب وحده لا يكفي ~

_______________

عادت سماهر من المطبخ وهي تحمل صينية فوقها كأسين من العصير وانحنت أمام عبدالله وهي تنظر إلى عينيه بابتسامة وتقول برقة:

_ تفضل العصير عبده.

كان يفترس عينيها بعينيه التي اختلست النظر إلى ما جادت به عليه وارتبك من وقع نظراتها العابثة ونغمة صوتها المثيرة، وابتسم وقال:

_ عبده! تلك أول مرة يناديني أحدهم باسم غير عبدالله..

جلست بجواره وأمسكت بكأس العصير الخاص بها وهي تقول بابتسامة:

_ جيد إذا، سيكون هذا اسمًا خاصًا مني لك.

ابتسم بحماس وقال:

_ أنتِ الوحيدة التي يحق لها أن تفعل ما تشاء وتقول ما تشاء، قلتُ لكِ أنا من يدِك هذة ليدك تلك.

ضحكت بنعومة وقالت:

_ هيا قل لي، ماذا أحضرت لي؟ ما هي هديتك المميزة التي لا تقارن بغيرها؟

التقط الحقيبة المغلفة بجواره ومدها لها وهو يقول:

_ أرجو ألا تنزعجي، تفضلي.

أمسكت بالحقيبة وفضت الغلاف من حولها ومدت يدها بداخلها، فقطبت جبينها باستغراب وهي تتلمس ذلك الملمس الحريري وأخرجت ما بيدها خارج الحقيبة وهي تقول:

_ ما هذا!! 

ونظرت إليه متصنعةً الدهشة والانفعال وهي تقول بحاجب مرفوع:

_ قميص نوم!!

كانت تمسك بيدها قميصا حريريا باللون الأسود، بدعامة من الدانتيل ويصل طوله لأعلى الركبة بقليل.

توتر عبدالله قليلا ولكنه حاول التمسك بثباته وقال:

_ ما بكِ؟ ألم تعجبكِ هديتي؟ 

أخذت تهز رأسها بضيق وقدميها بعصبية وهي تقول:

_ هل أنت مجنون أم ماذا؟ ما الذي تقصده بإهدائي هدية كهذه؟

_ صدقيني أنا لا أقصد أي شيء غير لائق، سماهر أنا أريد الزواج منكِ.

نظرت إليه بصدمة حقيقية وقالت:

_ ماذا؟ تريد أن تتزوجني؟!

_ أجل، منذ الوهلة الأولى التي رأيتكِ بها وأنا لا أرى أمامي غيرك، لن تصدقيني، لقد حلمت بكِ.

نظرت إليه بتعجب وهي تحاول استشفاف صدقه من عدمه وقالت:

_ حقا؟ وماذا رأيت؟

_ رأيتك ترتدين هذا الثوب لي، وترقصين معي على أنغام الموسيقى الحالمة.

وأمسك بيدها وقبلها وقال:

_ ماذا فعلتِ بي سمهورة ؟

ارتفعت ضحكاتها فضحك قائلا:

_ هل أعجبكِ ذلك الاسم؟

انتزعت كفها من بين قبضته برقة وقالت:

_ لا بأس به.

_ إذًا من اليوم أنا عبده وأنتِ سمهورة.

ارتفعت ضحكاتها بشدة، لم تكن تعرف أنه ساذجا لتلك الدرجة، حتى أنها تفاجئت بطلبه الزواج منها بتلك السرعة، لقد ظنت أنه سيأخذ وقتا أطول من ذلك حتى يقع في شباكها.

_ ها سمهورة، لم تعطِني رأيك، هل توافقين على الزواج مني؟ 

نظرت إليه بحيرة وقالت:

_ و زوجتك؟ وابنك ؟ 

_ ما بهما؟ زوجتي ستظل على ذمتي .. في النهاية هي ابنة عمي ولن أطلقها أبدا.. أما أنتِ، ستكونين لي كل شيء ، ستغنيني عنها وعن كل نساء العالم.

وأمسك كفها وقبّلهُ مرةً أخرى وهو يقول:

_ أرجوكِ لا ترفضيني، أنا أصبحت متيمًا بكِ سمهورة!!

ضحكت بقوة ونظرت إليه بغير تصديق وقالت:

_ يا إلهي، بالأمس رأيتني واليوم تريد الزواج مني؟

_ أجل، هذا هو الحب من أول نظرة، ألا تسمعين به؟

_ بلى سمعت، ولكن….

قاطعها بلهفة قائلا:

_ أرجوكِ سمهورة، أنا أصبحت لا أرى غيرك، لا تعذبيني ببعدك عني أرجوكِ.

تنهدت بيأس وقلبت عينيها بملل وهي تطالعه ممسكا بكفها ويقبله فقالت:

_ وهل زوجتك متسامحة بالقدر الذي سيجعلها تقبل بزواجنا؟

نظر إليها فجأة وقال:

_ لا، هي لن تعرف بزواجنا، زواجنا سيكون في السر لفترة.

نظرت إليه بضيق وقالت:

_ في السر؟! ولمَ لا أكون زوجة في العلن؟ ما الذي ينقصني؟

اقترب منها أكثر وقال محاولا استمالة رضاها:

_ لا ينقصكِ شيئا أبدا حبيبتي، ولكني أمر حاليا ببعض الأزمات مع أنسبائي ولا ينقصني أزمة جديدة.

_ وهل زواجنا أزمة؟ إذا ليس له داعي!

تنهد بيأس وأمسك بكلتا يديها وقبلهما وقال:

_ عزيزتي إفهميني، زواجنا هو ما سيحل كل أزمات حياتي، هو المصباح الذي سينير عتمة أيامي وظلام لياليَّ، أرجوكِ كوني متعاونة قليلا..

تنهدت وصمتت قليلا فكان يتململ بنفاذ صبر فقالت:

_ حسنا، ولكن بشرط!

نظر إليها متعجبا وقال:

_ وما هو؟

_ إذا وافقت أن أكون زوجة في السر يجب عليك ضمان حقوقي، في النهاية كل ما سيربطني بك هو ورقة فقط لا غير، من يضمن لي أن لا تشتد أزمتك أنت وأنسبائك ويشترطون عليك أن تطلقني؟ أو أنك تتزوجني شهرين وعندما يخفت بريقي في عينيك تُلقي بي كالخرقة البالية وإذ فجأةً أجد نفسي مثل خيل الحكومة التي يعدمونها بعد أن تؤدي مهامها؟

أومأ نافيا وقال بلهجة الواثق:

_ لا، لا تقلقي، أنا أحبك حقا سماهر، أقسم أني أحبك.. لن أؤذيكِ أبدًا.

تأفأفت بضيق جليّ وقالت بلهجة حادة:

_ الحب وحدهُ لا يكفي. 

تعجب حدتها وأسلوبها الذي تبدل في لحظة ثم قال:

_ لم أفهم قصدك بعد، ماذا تريدين؟ 

_ ثلاثة مليون جنيه!

نظر إليها مذهولًا فنظرت إليه ببساطة وقالت:

_ ما بك؟ لمَ تنظر إلي هكذا؟ هذا مهري، أعتقد أنه أقل بكثير مما أستحقه.

نظر إليها بتشوش وحك جبهته بتفكير، ثم قال:

_ ولكن.. أنا لا أملك هذا المبلغ، رأس مالي كله في المحل، والسيولة التي أملكها بالكاد تكفيني، كل ما أملكه بحسابي في البنك نصف مليون فقط!

_ والسيارة؟

_ ما بها السيارة ؟ هل.. هل تريدين مني بيعها؟ 

_ ولمَ لا؟ أي عريس يستعد للزواج ينفق الكثير، وعندما يضيق به الحال يكون على حافة بيع الهواء الذي يتنفسه.

_ أجل، أعلم ذلك ولكن.. حتى لو قمتُ ببيع السيارة لن يكفي ثمنها المبلغ الذي تطلبينه! ثمنها بالكاد يصل نصف مليون!!

_ يمكنك التصرف، هذا شرطي الوحيد ولن أقبل الزواج منك إلا عندما تحضر المبلغ..

حاول استعمال دهاءه ومكره عله يفلح في خداعها فقال:

_ حبيبتي، لمَ تضعين شروطا تعجيزية في سبيل وصالنا سمهورة؟ أعدكِ أن تكوني أسعد إنسانة في الوجود بالقرب مني.

وقبّل أعلى كتفها وهو يقول بجانب أذنها بهمس:

_ لديّ فنونا في العشق لا تعرفين عنها شيئا، هيا سمهورة ..

_ اسمعني عبدالله ، كيف تتحدث عن العشق وأنت لا تقبل التضحية بمبلغ بسيط هو من حقي في الأساس.. في المقابل أنا لم أطلب منك أي شيء، حتى لم أطلب منك شقة زوجية، سنتزوج هنا في بيتي، لم أطلب ذهبا، لم أطلب حفل زفافا، لن أكلفك شيئا، هل ترى أن مبلغا تافها كهذا لا أستحقه؟

_ لا حبيبتي ، تستحقين أضعافه ولكن ..

_ ولكن ماذا سيد عبدالله؟ ماذا ظننت إذا؟ أنني واقعة في غرامك وسأقبل الزواج منك لأجل سواد عيناك؟ لا .. هذا لو كنت سأصبح زوجتك في العلن ولي حقوق معترف بها .. ولكن الحال مختلف، وأنا صراحةً لا أثق بك.

تنهد بحيرة وهو ينظر إليها وقد أشاحت بوجهها للجانب الآخر بضيق وأخذ يتفحص جسدها الفتّان ويمني نفسه بنيلها في أقرب وقت، ثم التصق بها وأخذ يمسح على شعرها بحنان زائف ويقول:

_ حسنا، سأبيع السيارة، ولدي قطعة أرض كتبتها باسم ابني سأبيعها، وأبيع كِليتي إن تطلب الأمر.. رضاكِ هو ما يهمني يا حلوتي.

نظرت إليه بابتسامة ثم قالت:

_ ستنال رضاي فقط حين أشعر أنك على استعداد لفعل أي شيء من أجلي عبده

_ سيحدث يا عيون عبده، أعدكِ سيحدث.

تثاءبت بنعومة ثم قالت:

_ حسنا عبده، والآن عليك المغادرة، أشعر بالنعاس.

التقط كفها وقبله ثم قال:

_ حسنا حلوتي، سأغادر الآن .. وغدا سآتيكِ ومعي المال و سنكتب عقد وصالنا ونطير سويا لعالم أبعد من الخيال. عالم ليس به سوانا.

ابتسمت واصطحبته للباب ثم ودعته وبمجرد أن خرج وأوصدت الباب حتى زفرت براحة كبيرة وهي تقول:

_ يا إلهي، ما هذا الرجل السّمِج! كان الله في عون زوجته وربط على قلبها!

///////////////

كانت حياة تجلس في غرفتها وبيدها اللوحة التي تضم ملامحها مع ملامح قاسم، تنظر إليها وتتمعن بها وهي تتذكر حديثهما، حينها تسللت الابتسامة الى شفتيها دون أن تشعر.

طُرِق الباب فجأة فأسرعت تخفي تلك اللوحة أسفل فراشها وقالت:

_ تفضل أبي.

دخل صالح مبتسما وقال:

_ كيف عرفتِ أنني الطارق.

ابتسمت وهي تفسح له المجال كي يجلس بجوارها وقالت:

_ نعم، لأن أمي تدخل فجأة دون أن تطرق الباب.

هز رأسه بيأس وقال:

_ أنا آسف لكِ عزيزتي، لا تأبهين لكلام والدتك، أنتِ تعرفين سلبيتها وتفكيرها المحدود.. 

أومأت بموافقة فقال:

_ أخبريني حياة، ها هناك شيئا ينبغي أن أكون على علم به؟ أقصد بخصوص فسخ خطبتك من خالد.. هل هناك شيئًا تخفينه؟ 

نظرت إليه بحيرة وتلعثمت بينما كان هو يرمقها بتشجيع ويحثها على التحدث بحرية فقالت:

_ صراحةً أبي.. أنا لا أعلم.. لا أفهم إحساسي، الشيء الوحيد المفهوم الآن بالنسبة لي هو أنني سعيدة. أشعر بالخفة وكأنني  فراشة.. 

ابتسم وقال رابتا على ظهرها:

_ الحمد لله حبيبتي ، وأنا أعدك أنني سأكون بجوارك في أي قرار تتخذينه، المهم أن تكوني سعيدة.

احتضنته وقالت:

_ أحبك أبي.

_ وأنا أحبك حياة..هيا تصبحين على خير.

//////////

في اليوم التالي..

اتصلت سارة بقاسم وأخبرته أنها تود أن يوصلها إلى بيت سيف حيث سيجتمعون سويا للمذاكرة.

ذهب قاسم على مضض ولكنه كان مضطرا واصطحبها إلى بيت قاسم وتركها وأخبرها أنه سيعود ليأخذها بعد ساعتين.

ودعها بعيون قلقة، ولكن بالرغم من خوفه إلا أنه شعر بالاطمئنان قليلا لأنها أخبرته هذه المرة بالحقيقة ولم تتلاعب عليه كما كانت تفعل سابقا.

وذهب للاطمئنان على صبر حتى يحين موعد عودتها.

وصلت سارة إلى بيت سيف، استقبلها هو بعناق حار كالمعتاد، دخلت ولكنها لم تجد أيا من رفاقها التي اعتادت وجودهم فقالت باستغراب:

_ ألم يأتِ أحدا بعد؟

أحاط خصرها بيده وهو يتقدم بها نحو الصالون وقال:

_ ليس بعد، دعينا ننتظرهم.

سارت برفقته بخوف وجلست فجلس إلى جوارها وقال وهو يزيح خصلاتها عن جبهتها ويعيدها خلف أذنها:

_ لمَ وجهك شاحب هكذا؟

_ قلة نوم وإرهاق ليس أكثر.

أخرج من جيب سرواله قرص مخدر وقسمه إلى نصفين ودس نصفه بفمها فجأة والنصف الآخر بفمه وهو يقول:

_ لن تشعري بالإرهاق بعد قليل.. ما رأيك أن نرقص ريثما يأتي البقية؟

_حسنا.

نهض متجها إلى مشغل الموسيقى فبصقت ما دسهُ بفمها فورا وأخفتهُ، ثم نهضت وقامت بتشغيل موسيقى هادئة، ضمها هو إلى صدره فأحاطت خصره وأسندت رأسها على صدره وأخذا يتراقصان على ألحان الموسيقى الهادئة.. وفجأة شعرت بالاضطراب والقلق عندما شعرت بيده تتلمس جسدها بطريقة مزعجة فحاولت التملص من بين يديه ولكنه كان مصرًا فمال عليها وهو يقول:

_ ما بكِ حبيبتي، هيا لا تكوني غليظة.

_ سيف ماذا تفعل؟ ما بك؟ هل جننت؟

حاولت الفرار من بين قبضته مرة أخرى ولكنه أحكم قبضته حولها وقال وهو يقترب منها بطريقة أفزعتها:

_ أفعل ما أمنع نفسي عنه في كل مرة، ولكن الآن الفرصة قد سنحت لي أخيرا.. من الآن ستكونين لي..

نظرت إليه بغضب وقالت:

_ ما هذا الهراء يا مجنون؟ سيف بيننا اتفاق لا تنسى هذا..

_ اللعنة على هذا الاتفاق، أنا لا أعترف بأي اتفاق، لا أعترف بأي شيء سوى بأنني أعشقك.

_ ابتعد يا محتال، يا كذاب، هذا يعني أنك من اتفقت معهم على عدم الحضور اليوم، أليس كذلك؟ نصبت لي فخًا يا قذر!

قال وهو يحاول التقرب منها عنوةً:

_ أنا لم أدعُ أحدا للحضور سواكِ.. هيا حلوتي لا تضيعي الفرصة!

نظرت إليه بصدمة وقالت وهي تدفعه للوراء بضيق:

_ هذا يعني أنك خدعتني!

نظر إليها بضيق وعصبية وقال:

_ ما بكِ سارة؟ لمَ تتظاهرين وكأنكِ مصدومة بما أفعله؟ أنتِ تعرفين نوايايَ منذ زمن ولا تمانعين؛ وإلا لماذا تأتين في كل مرة ؟ بربك لا تهذين بالاتفاق اللعين هذا مرة أخرى.

نظرت إليه بصدمة وقالت:

_ اخرس أيها الحقير ، لقد تفاجئت بحقارتك الآن فقط!

نظر إليها مغتاظا وقال وهو يحاول الإيقاع بها كالفريسة:

_ أنتِ لم ترِ أيا من حقارتي بعد، أنا أحقر مما تظنين.

وانقض عليها فجأة يود محاصرتها بينه وبين الحائط من خلفها ومال عليها بجذعه ولكنها فجأة ضربته بركبتها أسفل معدته فانحنى للأمام صارخا بألم؛ فهرولت راكضةً للخارج ولاذت بالفرار.

كانت تسير في الطرقات وهي تبكي، ودت لو أنها تقوم بالاتصال بقاسم وتخبره بما حدث، ولكنها لا تضمن ردة فعله أبدا، لذلك أوقفت سيارة أجرى استقلتها وانطلقت نحو البيت فورا.

///////////

كان قاسم قد انتهى من زيارة صبر للتو، خرج من المشفى وركب سيارته فإذ به يرده اتصال من فتون..

_ مرحبا سيدة فتون.

_ قاسم، لقد عادت سارة للتو وهي منهارة، دخلت غرفتها ولا تسمح لي بالتحدث معها والاطمئنان عليها.

سألها بقلق:

_ ألم تخبرك ما الذي حدث؟ ما سبب تلك الحالة؟

_ لا، لم تقل شيئا، أرجوك أن تأتي وتتحدث معها.

_ حسنا، أنا في الطريق إليكما.

أنهى الاتصال واتجه في طريقه إليهم على الفور، في تلك الأثناء اتصل به سيد أكثم وأبلغه أنه قد اشترى الشقة بالطابق الخامس لتنتقل إليها كلا من فتون وسارة من الغد..

بعد قليل كان قد وصل إلى فيلا حبيب، دخل فكانت فتون تجلس بترقب، وفور أن وصل أشارت له للأعلى فصعد إلى الطابق الثاني واستدل على غرفة سارة من أصوات البكاء والصراخ التي تنبعث منها.

اقترب قاسم من الباب وطرقه وهو يقول:

_ سارة، أنا قاسم، هل أنتِ بخير؟

فورا هدأ نحيبها واختفت أصوات الصراخ والنشيج، وانفرج الباب ثم ظهرت سارة التي احتضنت قاسم بقوة فور أن رأته .

تيبس أرضا وقد هالتهُ الصدمة والتزم الصمت بينما هي تلف ذراعيها حول خصره وتبكي بقوة.

ربت أخيرا على رأسها وهو يقول:

_ اهدئي سارة، لا بأس كل شيء سيمر.

سكنت أخيرا وابتعدت عنه وهي تنظر إليه بعينين منتفختين من أثر البكاء وقالت بجمل مداخلة:

_ أريد أبي يا قاسم، سيف هذا أكبر حيوان رأيته بحياتي، أريد أبي بجواري، هذا ظلما!!!

دخلت في نوبة بكاء جديدة وأسندت ظهرها إلى الباب من خلفها وأخذت تنتحب بقهر، كان يقف صامتا يشعر بقلة الحيلة والعجز وهو يراها بتلك الحالة.

حانت منه التفاتة نحو الدرج فوجد والدتها تقف وهي تراقب حالة ابنتها وتبكي بصمت وشفقة.

_ سارة، اهدئي من فضلك، أخبريني ماذا فعل هذا؟

ازداد بكاؤها ودخلت فجلست  على الأريكة الموضوعة بالزاوية فاقترب قاسم وجلس بجوارها وقال:

_ سارة من فضلك أخبريني ماذا حدث؟ هل هذا الشاب تعرض لكِ؟

أومأت بنعم وهي لا تزال تبكي، أغمض عينيه بضيق وندم ، ندم لأنه لم يمنعها من الذهاب إلى بيت ذلك الحيوان، وقال محاولا كبت انفعالاته:

_ أخبريني حالا ماذا فعل؟ 

_ حاول التحرش بي!

تهدجت أنفاسه بضيق ونهض واقفا وقال:

_ كيف حدث ذلك؟ وأين كان أصدقائك؟

_ الحقير نصب لي فخا، لم يبلغ أحدًا بالموعد سواي.

تنهد بضيق وهو يتمتم متوعدا:

_ أقسم أنني سأعيد تربيته من جديد هذا السافل!

نهضت تستجديه وهي تقول:

_ لا، أرجوك قاسم، لا تفعل شيئا.

نظر إليها متعجبا وقال بضيق:

_ كيف لا أفعل شيئا؟ هذا الحقير كان يتحرش بكِ، هل سيمر ما فعل مرور الكرام؟!

أمسكت بيده وضغطت عليها بكفها الرقيق وهي تقول:

_ أرجوك أنا لا أثق فيما سيفعله أو سيقوله، الأفضل أن أصمت!

نظر إليها متعجبا وقال:

_ ماذا تقصدين؟ مما أنتِ خائفة بالتحديد؟

نظرت إليه بأسف وقلة حيلة، وتنهدت وهي تترك يده وتتجه لتجلس على الأريكة من جديد؛ فاتجه وجلس بجوارها وهو ينظر إليها بخوف وقال متحفزا:

_ سارة من فضلك أخبريني بصراحة، مما أنتِ خائفة وتريدين السكوت عن حقك لأجل ذلك؟ فيما أنتِ متورطة مع هذا السافل ؟

نظرت إليه بخوف؛ فحثها بعينه لتتحدث فقالت:

_ أنا وسيف متزوجان!

نظر إليها مصدومًا، فاغرا فاهُ بذهول وكأنه فقد القدرة على النطق، بينما استرسلت هي وقالت:

_ منذ سنة تقريبا، أخبرتك سابقا أن سيف هو الوحيد الذي مد لي يد العون والدعم في حين كنت أتعرض للتنمر من الجميع خاصةً بعد أن فضحتني صديقة سابقة وقالت لأصدقائي أن والدي محكوما على ذمة قضية قتل وليس مسافرا للخارج كما كنت أدعي. وقتها تعرضت لكم بشع من التنمر والسخرية لدرجة أنني أقدمت بالفعل على إنهاء حياتي والانتحار، في تلك اللحظة ظهر سيف أمامي.. دعمني ومنحني الشعور بالحب الذي كنت أفتقده، أحببته كثيرا وشعرت نحوه بالأمان، عرض عليّ أن نتزوج، قال أن زواجنا سيكون صوريا حتى نبلغ السن القانوني ويتحول إلى زواجا رسميا. وافقت.. كتبنا عقدا عرفيا واحتفظ به معه.. لا أحد من زملائنا يعرف بأمر الزواج، يعرفون فقط أننا مرتبطين.

كان يحاول التماسك والتحلي بالصبر ولكنه لم يستطع الصبر فسألها بخوف وترقب شديدان:

_ هل حدث بينكما شيئا ما؟ 

قالت بعد أن تخضب وجهها بخجل:

_ لمرة واحدة حدثت بعض التجاوزات وبعدها رفضت، أبرمنا اتفاقا أن ما حدث ذلك لن يحدث ثانية، وبالفعل كان ملتزما بذلك الاتفاق، ولكن اليوم جن وتفاجئت به يتحرش بي وعندما منعته قال أنني أعرف نواياه وأذهب من أجل ذلك.

كان يسند جبهته على قبضته وهو يستمع إليها وهي تسرد تفاصيل ما حدث وهي تبكي بحرقة وتقول:

_ الحقير، لا يستحق الثقة التي كنت أضعها به أبدا.

نظر إليها بوجه خالٍ من التعابير وقال:

_ هل كان بوعيه عندما فعل ذلك؟ 

نظرت إليه بترقب ثم هزت رأسها بنفي وقالت:

_ لا، لقد تناول نصف قرص مخدر أمامي ولكن أعتقد أنه لم يكن هذا فقط.

نظر إليها متصنعا الصدمة وقال:

_ هل يتناول مخدر؟! يا إلهي، هل أرغمكِ قبل ذلك على تناول تلك الحبوب؟ أخبريني سارة حالا..

ابتلعت ريقها بتوتر وقالت:

_ أجل.

توسعت حدقتيه بصدمة وهو يستمع إليها وهي تقول:

_ في البداية هو من اقترح علي تلك الأقراص، قال أنها تحسن المزاج وتساعد على التركيز وزيادة النشاط .. وافقتهُ وتناولتها وبالفعل وجدت تأثيرها واضحا، كنت أتناولها من حين لآخر في الخفاء ولكنني تفاجئت أن معظم رفاقنا يتناولونها بكل بساطة، لأجل تحسين المزاج وزيادة النشاط.. صعقت أنهم يتعاطونها حتى في المدرسة ويتهادون بها، أصبح الأمر عاديا بالنسبة لي كذلك، حتى…

نظر إليها متعجبا وهز رأسه بتساؤل فقالت:

_ حتى أنني أصبحت من أشتريها لهم من باب التهادي وكسب ودهم.

ارتفع حاجبيه بصدمة وهو يستمع لتصريحاتها تلك التي لم يتوقعها أبدا وقال:

_ أنتِ من تشتريها لهم؟

أومأت بموافقة وقالت:

_أجل، عندما كنا نجتمع كنا نتناولها من أجل المرح.

_ كيف كانت طبيعة اجتماعاتكم تلك؟

_ كنا نرقص ، نمرح ونضحك، نتحدث ونتناول الطعام والمشروبات.

أومأ متفهما بضيق وأخذ يهز رأسه لثوان طويلة ثم قال:

_ ومن أين كنتِ تشترين تلك الحبوب؟ كيف عرفتِ طريق الوصول إليها؟

_ سيف هو من دلني على صيدلي اسمه خالد وبعدها أصبحت أنا من أتعامل معه.

نظر إليها بصدمة ودق قلبه مرات قبل أن يسألها:.

_ خالد؟ صيدليته بميدان الساعة؟

أجابت وهي تمسح دموعها:

_ أجل.

أخرج هاتفه وبحث عن صورته على أحد مواقع التواصل وقال:

_ هذا هو خالد؟

أومأت بتأكيد وقالت:

_ أجل، هذا هو، ولعلمك هو مشهور في الميدان ببيعه للأقراص المخدرة، الجميع يقصدونه.

أومأ متوعدا وتولدت بداخله طاقة حقد و كره كبيرة ، ثم نظر إليها وقال:

_ حسنا، خالد هذا حسابه معي عسيرًا أساسا، و سيف ذلك أنا كفيل به، أما أنتِ..

صمت وأطلق تنهيدة حارة بينما هي تنظر إليه بترقب وتحفز فقال:

_ أنتِ ستبدأين من جديد ، سنمحي كل الماضي بكل ما فيه ونبدأ من جديد، نكتب حاضرا مشرقا ومشرفا.. اتفقنا ؟

نظرت إليه بابتسامة امتنان وقالت:

_ اتفقنا 

_______________

يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!

• تابع الفصل التالى ” رواية حب فى الدقيقة تسعين  ” اضغط على اسم الرواية

أضف تعليق