رواية التوأم والسحر الأسود الفصل الثالث 3 – بقلم رقية
التوأم_والسحر_الاسود_بارت_3
فريد: هجر عائلته لأنه أُجبر على التخلي عن المرأة الوحيدة التي أحبها في حياته. غادر إلى سويسرا وقرر أن يبدأ حياته من الصفر، محاولاً دفن آلام الماضي. كان غضبه من عائلته عميقًا لدرجة أنه لم يعد حتى عندما توفي والده، مفضلاً البقاء بعيداً عن جذور آلامه.
في سويسرا، أسس شركته الخاصة بعيدًا عن نفوذ عائلته، واستطاع أن يبني إمبراطورية مالية بفضل مهاراته الاستثنائية كرجل أعمال. وعلى الرغم من نجاحه الكبير، كان يعلم في أعماقه أن إليزا هي ابنته. لكن كبرياءه كان كالحاجز الصلب بينه وبين الاعتراف بها، وكأن الاعتراف سيعيده إلى تلك اللحظة التي تمزق فيها قلبه على يد عائلته.
بعد اربعة سنوات، تلقت عائلته خبر مرض والدته الذي أضعفها وألزمها فراش الموت. لم يستطع فريد أن يتجاهل النداء العاطفي لرؤية والدته للمرة الأخيرة. عاد إلى وطنه، إلى المنزل الذي شهد كل تلك الآلام، ليجدها ضعيفة على سريرها.
قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، أمسكَت بيديه وطلبت منه أن يسامحها، معترفة بأنها السبب في تدمير علاقته بالمرأة التي أحبها. دموعها كانت ثقيلة كالندم الذي خيم على قلبها.
بعد وفاتها، وكأنه تخلص من عبءٍ ظل يثقله لسنوات، قرر أن يصحح مسار حياته. طلق زوجته التي لم تكن سوى جزء من خطة العائلة، وقرر العودة إلى نازلي ليعيد بناء ما تبقى من حلمه القديم.
“لكنه لم يكن يعلم أن القدر قد سلبه تلك الفرصة. عندما عاد ليبحث عن نازلي، علم بالحقيقة الصادمة… نازلي قد رحلت عن هذا العالم. ” فريد وقف أمام قبرها، صامتًا، عاجزًا عن النطق. كان الهواء ثقيلًا، وكأن الماضي يزفر أمامه بكل تفاصيله المؤلمة. فَقدَ الحب مرة أخرى، هذه المرة بلا رجعة، ولكنه أدرك أن الوقت لم يفت على شيء واحد… الاعتراف بابنته إليزا، والتكفير عن غيابه في حياتها.
” بينما كانت السيدة لولا وحفيدتها إليزا تتناولان الغداء في المطبخ، طُرق الباب فجأة. قفزت إليزا الصغيرة من مكانها بحماس وركضت نحو الباب، معتقدة أن صاحب البقالة قد أحضر الحلويات التي طلبتها جدتها.
فتحت الباب بسرعة، ووجدت أمامها رجلاً غريباً، وسيم الملامح، بشعر رمادي خفيف يزين جانبي رأسه. تطلعت إليه بفضول بريء وسألته:”من أنت؟”
ابتسم الرجل برفق وقال:”أنا صديق قديم لوالدتك. هل يمكنني الدخول؟”
استمرت إليزا في التحديق به، ثم قالت بفضول طفولي: “من أنت؟”
انحنى فريد برفق إلى مستواها وابتسم بحزن وهو يقول:”اسمي فريد. وأنتِ، ما اسمكِ؟”
ردت بابتسامة مشرقة:”اسمي إليزابيث، لكن يمكنك مناداتي إليزا.”
اتسعت عينا فريد قليلاً، وظهرت على وجهه لمحة من الدهشة الممتزجة بالحنين. كان هذا الاسم بالذات هو الاسم الذي أراده لابنته منذ ولادتها. ثم سألها بصوت يحمل شوقًا لا يمكن إخفاؤه:”هل تعرفين من أكون؟”
“هزت إليزا رأسها بخجل وقالت بخفوت:”لا.”
جلس فريد على ركبتيه، وفتح ذراعيه نحوها بلطف قائلاً:”هل يمكنني أن أحظى بعناق صغير؟”
ترددت إليزا للحظة، لكنها شعرت بشيء غامض في أعماقها يدفعها للتقدم نحوه. اقتربت بخطوات صغيرة، واحتضنته بحذر.
ضمه فريد إلى صدره بشوق عارم وهمس بصوت متهدج: “اشتقت إليكِ كثيرًا يا صغيرتي.”
في هذه اللحظة، خرجت السيدة لولا من المطبخ بعد أن سمعت صوت حديث عند الباب. توقفت فجأة في مكانها عندما رأت الرجل الواقف هناك. “حدقت به لولا بدهشة كبيرة، وكأنها ترى شبحًا من الماضي، ثم شهقت بصوت خافت وقالت بصعوبة:”فريد؟”
فريد : قال محييا مرحبا سيدتي
سيدة لولا : هل هذا أنت حقًا؟”
فريد: نظر إليها بعينين دامعتين وقال “نعم، أنا فريد.”
سيدة لولا: أدركت الموقف فورًا وقالت لإليزا “حبيبتي، هلا ذهبت إلى غرفتك للعب قليلًا؟ لدي حديث مهم مع هذا السيد.”
إليزا: نظرت بين جدتها وفريد بفضول، ثم هزت رأسها وذهبت إلى غرفتها.
فريد: “هل يمكنني الدخول؟”
السيدة لولا: “تفضل.”
فريد : تقدم بخطواته إلى الداخل وهو يشعر بثقل الندم والحزن على كتفيه، عالمًا أن حياته ستتغير إلى الأبد بعد هذا اللقاء.” ثم أخذته إلى غرفة المعيشة.
فريد: يجول بنظره حوله لبرهة وقال: “كيف حالك سيدة لولا؟ لقد مرت سنوات لم أركِ فيها.”
سيدة لولا: “أنا بخير، وماذا عنك؟”
فريد: “في الحقيقة… لا أعرف، أشعر وكأنني ضائع في متاهة لا نهاية لها.”
السيدة لولا: تحدجه بنظرة باردة “هذا محزن.”
فريد: يشيح بوجهه للحظة وكأن كلماتها طعنته “أعلم…” يرتسم الصمت بينهما للحظات، ثم يتابع بنبرة خافتة “لا تبدين سعيدة برؤيتي.”
السيدة لولا: تتنهد ببطء”لن أكذب وأقول إنني سعيدة برؤيتك.”
فريد: يخفض رأسه، يدرك وقع كلماتها لكنه لا يملك حق الاعتراض “لا ألومك على ذلك.”
السيدة لولا: “أقدّر تفهّمك.”
فريد: ينظر إليها بتمعن، وكأنه يحاول التقاط شذرات من المشاعر التي أخفاها الزمن “لا بد أنك تتساءلين لماذا أنا هنا بعد كل هذه السنوات.”
السيدة لولا: بجفاف “مهما كان سبب قدومك، لا يهمني.”
فريد: يبتلع ريقه، يشعر أن الحديث يزداد ثقلاً على صدره “في الحقيقة… لقد أدركت أخيراً أنني ارتكبت خطأً كبيراً، وجئت لأصلح ما أفسدته.”
السيدة لولا: تضحك بسخرية، تهز رأسها بيأس “ألا تعتقد أن الوقت قد فات على ذلك؟”
فريد: يعقد حاجبيه، يشعر بوخزة قلق “ماذا تعنين؟”
السيدة لولا: تحدق به طويلاً قبل أن تسأله مباشرة “ماذا تريد، فريد؟”
فريد: بتنهيدة متعبة “أريد أن أستعيد عائلتي.”
السيدة لولا: تحدق به بدهشة ساخرة “عائلتك؟”
فريد: “نعم… أريد أن أستعيد زوجتي وابنتي.”
السيدة لولا: تقف متصلبة للحظة قبل أن تهمس بمرارة “يؤسفني إخبارك أن الأوان قد فات على ذلك… لأن ابنتي لم تعد هنا.”
فريد: يتجمد في مكانه، يعلو صدره ويهبط وهو يحاول فهم كلامها) “وإذا كنتِ تقصدين ابنتكِ، فأنا… أنا أعلم أنني أخطأت، لكنني هنا الآن… أريد إصلاح كل شيء.”
السيدة لولا: تقاطعه بصوت قاسٍ “ابنتي؟ فريد، لقد أنكرت ابنتك وتخليت عنها وهي ما زالت في رحم والدتها، والآن تأتي بعد كل هذه السنوات وتزعم أن لديك عائلة هنا؟”
فريد: يشحب وجهه، يشعر بأن الغرفة تضيق به، وكأن الهواء أصبح أثقل “لا… لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.” يضع يده على جبينه في محاولة لاستيعاب الأمر “لستُ واثقًا مما تحاولين قوله…”
السيدة لولا: تنظر إليه نظرة طويلة، كأنها تزن كلمتها التالية قبل أن تنطق بها ببطء “لقد رحلت، فريد… قررت أن ترحل مبكراً من هذه الحياة البائسة.”
فريد: تتسع عيناه، قلبه يخفق بعنف، يشعر بأن الأرض تميد تحت قدميه “ماذا؟” يبتلع غصته بصعوبة، صوته يخرج مرتجفًا “ماذا تعنين بأنها رحلت؟”
السيدة لولا: تشيح بوجهها للحظة، ثم تعود لتنظر إليه مباشرة “أعتقد أن كلامي واضح… نازلي لم تعد بيننا، رحلت إلى جوار ربها.”
فريد: يهتز جسده كمن تلقى ضربة قوية، تتسع عيناه بعدم تصديق “لا… لا، لا يمكن… حتماً أنتِ تقولين هذا فقط لكي تبعديني، أليس كذلك؟”
السيدة لولا: تتقدم نحوه خطوة واحدة، تثبّت عينيها في عينيه، صوتها يحمل ثقل الزمن والقهر “أي نوع من الأمهات تظنني؟ هل تعتقد أنني قد أتمنى الموت لابنتي فقط لأجعلك ترحل؟”
فريد: (يتراجع خطوة للخلف، يشعر أن الهواء انقطع عنه، تتشابك أفكاره بين ندمه وألمه، عيناه تمتلئان بالدموع لكنه لا يجرؤ على ذرفها) “نازلي…” (يهمس باسمها وكأن نطقه وحده كفيل بأن يعيدها للحياة
فريد :، رجلٌ كان يعيش حياةً مفعمة بالأمل، حتى جاءته الصاعقة. كأنما انتُزِع قلبه من مكانه، وقف في حالة من الذهول، يهذي بكلمات تتردد في أذنه: “لا، لا، هذا مستحيل.” الخبر الذي سمعه كان قاسياً، جعله يدور حول نفسه كالمجنون، ضائعاً في دوامة من الحزن، ، دخل في حالة نفسية متدهورة، حتى أُدخل مستشفى الأمراض النفسية، حيث قضى شهورًا في ظلام أفكاره. وعندما أُطلق سراحه، كانت الحياة تحمل له مفاجأة أخرى: سرطان الرئة، متأخر جداً. أخبره الطبيب بصوتٍ جاف أن حالته خطيرة، وأن الأيام القليلة القادمة قد تكون هي آخر أيامه.
في خضم تلك العاصفة من المشاعر، قرر فريد العودة إلى سويسرا، حيث يمكن أن يجد الأمل في العلاج. لكن قبل أن يسافر، اتخذ قرارًا مصيريًا: تنازل عن جميع ممتلكاته، تلك التي تقدر بالمليارات، وسجلها باسم ابنته “إليزا” ، دون أن يخبر أحدًا، وكأنه كان يشعر بأن نهايته تقترب.
في سرية تامة، حول كل ما يمتلكه إلى مستقبل ابنته، تاركًا وصية مع محاميه يقول فيها ان تحصل عليها ابنته عندما تبلغ السادسة والعشرون، وفي الوقت نفسه أخبر عائلته أنه تبرع بجميع ثروته للجمعيات الخيرية، حمايةً لإليزا، وكتب وصية أخرى لشقيقه “نايف” ، يطلب منه أن يضمن نصيب ابنته من الميراث. لكن نايف، الذي كان متمسكًا بجشعه، تجاهل وصية شقيقه، وقرر الاحتفاظ بنصيبه لنفسه. ” هكذا، تداخلت خيوط القدر، تاركة فريد في صراع بين الحب والعائلة، بينما كانت إليزا، في انتظار مستقبل مجهول، تحمل عبء إرث والدها الذي قد لا ترى منه شيئًا.
يتبع
• تابع الفصل التالى ” رواية التوأم والسحر الأسود ” اضغط على اسم الرواية