رواية قيود تنتظر الغفران الفصل الثالث 3 – بقلم اية طه

رواية قيود تنتظر الغفران – الفصل الثالث

يوسف رجع لسريره الليلة دي، ما قدرش ينام.
كلام حسين يرن في ودنه، دموع العيال قدامه، صورة سلمى في قلبه.
وقال في نفسه:
يا سلمى… أنا محشور بين نارين. لو وفيت بوعدي… الناس ينهشوا في لحم أختك. لو خالفت… أبقى خنت عهدك. أعمل إيه يا رب؟ يارب هونيها على قلبي ودبرلي امري يارب يا كريم…….

في الصبح الدار كلها كانت عامرة بالناس، كأن في فرح… بس يوسف قلبه كان بيتفرم.
رجاله ونسوان رايحين جايين، أصوات عالية،
يوسف واقف في نص الحوش،
هو عارف إن الليلة دي مش زي أي ليلة… دي الليلة اللي عيلته قررت تبيع فيها وعده.
*******************
نرجع للحاضر من تاني يوم كتب الكتاب
يوسف خرج للغيط من بدري، كأنه بيهرب من البيت.
هاجر قعدت مع العيال، تأكلهم وتلبسهم.
وليد قال لها:
خالتي هاجر… هي امه هترجع تاني ولا لاه زي ابوي ما قال؟

هاجر دموعها نزلت، حضنته وقالت: سلمى عند ربنا يا حبيبي.ادعيلها هى شايفانا من فوق وبتحبنا كتير……

وليد: طب إنت هتبقي امه صوح؟ علشان اكديه ابوي جابك اهنيه تعيشي ويانا…

هاجر اتصدمت، ما قدرتش ترد.

يوسف رجع آخر النهار، شاف هاجر قاعدة والولدين حواليها.
قلبه وجعه، افتكر سلمى.
بس كتم كل حاجة جواه.

قال بصوت ناشف:
متتعبيش نفسك معاهم… أنا اللي هربيهم…… انتى هتكوني معززه مكرمه وملكيش صالح بحاجه واصل…..
هاجر ردت بخجل:
بس انا مش تعبانه منهم…. هم عيالي زي ما هم عيالك….. وانا مبسوطه وانا معاهم….
يوسف سكت، ومشي لجواه.

بعد أيام، حسين قابله تاني.

حسين: مبروك يا عريس! اخبارك ايه عاد…. ايه اللى طلعك من دارك بدري اكديه…

يوسف رد ببرود: ما فيش مبروك.وملكش صالح واصل…

حسين: إزاي يعني؟! خلاص… بقيت جوز هاجر…. يبقى مبروك ولا ايه؟

يوسف: ايوا زوجها بالعافية بالغصب عرفت ليه مفيش مبروك دلوك…..

حسين: واه يا راجل، إنت كسبت. خدت البنت الحلوة، والعيال في حضنها، والناس كلها ساكتة….. عايز ايه تاني عاد…

يوسف مسكه من صدره وقال: اسمع يا حسين… إنت لو فتحت خشمك بكلمة واحدة عن هاجر، أقسم بالله ما تبات عايش….

حسين: اهدى يا يوسف… أنا جاي أهني…. مش اكديه ياولد العم..

يوسف زقه بعيد: اخر مره هقولهالك يا حسين ابعد عن طريقي…… وابعد سمك ديه عني وعن داري واهلي انت سامع؟!

يوسف دخل أوضته، لقى هاجر قاعدة في الركن، طرحتها مغطيها لحد وشها.
هو وقف، ما عرفش يقول إيه.
قال بصوت واطي: اسمعي يا هاجر… اللي حوصول ديه غصب عني وغصب عنك.

هاجر بخجل: خابره زين والله….. وانا مكنتش رايده وحاولت ارفض كتير…

يوسف: خابر يا هاجر…. بس أنا أوعدك… ما هقربلك ولا ألمسك طول ما إنتي مش رايده اكديه….

هاجر رفعت عينيها بدموع: شكراً يا يوسف….

يوسف: إحنا هنعيش في دار واحدة،علشان العيال. غير اكديه… مفيش…. انا صريح معاكي يابنت الناس انا مقدرش بعد سلمى…. والاساس من الجوازة داي هما العيال وبس.

هاجر: موافقة.وانا خابره زين ان الجوازه داي علشان خاطر العيال وبس وانا هحطهم في عينيا ومش هخليهم يحتاجوا حاجه واصل….. وانا كمان مقدراش اكون معك غير اخويا يا زوج اختي…

سكتوا، وكل واحد راح على ركن من الأوضة.
الليل عدى تقيل، مفيهوش غير صمت ودموع مكتومة.

الصبح بدري يوسف كان في الغيط، ماسك الفاس، يضرب في الأرض بقوة، كأنه بيصب كل غضبه فيها.
في الدار، هاجر صحت من الفجر، لبست العيال، وحضرت لهم الفطار.وليد قاعد على الحصيرة، يلعب بالعربية الصغيرة، وسليم قاعد يتلزق في رجلها.

سليم:
خالتي… هو ابوي زعلان مني؟

هاجر اتلخبطت، قلبها وجعها: ليه يا حبيبي بتقول اكديه؟ دا ابوك بيموت فيك….

سليم: لاه هو زعلان مني انا خابر زين….هو مبقاش يحضني…ولا يلعب ويايا…… مممن ياخالتي تتحديتي وياه وتخليه يصالحني وانا مش هزعله تاني واصل…..

هاجر بصت للأرض، دموعها على وشك تنزل، بس بسرعة مسحتها وقالت بابتسامة مصطنعة: أبوك تعبان يا روحي… بيشتغل كتير علشانكوا….. علشان اكديه مبقاش يلعب ولا اي حاجه…. لما يرجع انا هتحددت وياه واخليه يقعد معاكم شويه اكديه…

وليد رفع راسه وقال ببراءة: طب ليه ما يضحكش زي زمان؟ لما امه كانت اهنيه كان بيضحك كتير…… دلوك بعد ما طلعت عند ربنا مبقاش يضحك…

هاجر حضنتهم هما الاتنين وقالت: ربنا كبير يا حبايبي… وكل حاجة هتبقى زينه…… بس احنا ندعي ونقول يارب وكل حاجه هترجع زي الاول ان شاء الله…..

قبل العصر، يوسف رجع من الغيط، هدومه مليانة تراب وعرق.
هاجر كانت بتغسل هدوم العيال في الطشت.
أول ما شافته، قامت بسرعة.

هاجر: الوكل جاهز….. اجبهولك دلوك…

يوسف: لاه سيبيه… أنا هاكل لما أروق… ماليش نفس للاكل دلوك….. كتر خيرك

دخل أوضته، رمى هدومه على الكرسي، غسل وشه، وبعدها خرج.
هاجر حطت الأكل على الطبليه، ولادها قاعدين يستنوا.
يوسف قعد قدامهم، بس ما مدش إيده.
وليد بص له وقال: بابا، كل معانا…. انت مش بتاكل ليه….. وكل خالتي هاجر زين وطعمه منيح…

يوسف مد إيده على شعره وقال بحنان مكتوم: كل إنت يا بطل…. علشان تكبر وتيجي تعين ابوك فى الارض وتبقى سنده…

بعد المغرب، رجالة الدار اتجمعوا في المجلس.
عبد الجليل قال وهو يشرب شايه يوسف… لازم نسمع إنك استقريت….. وعيشت حياتك طبيعي مع مرتك وعيالك ودارك زين….

يوسف رد ببرود: واه انت عايز ايه تاني يا عمي جوزتني غصب وانا اهو مستقر رايد ايه تاني مني عاد…..

عبد الجليل: مستقر إزاي وانت ومراتك في دار واحدة كالأغراب؟ ديه الاستقرار اللى بتقول عليه ياولد اخوي….. يبقى اديتك بتي امانه عندك وجوزاتهالك علشان تعيشها اكديه….. دا يرضي مين ديه… يرضي ربنا.

يوسف ضرب كفه في الترابيزة وقال: إنتو جبرتوني على الجواز داي… لكن ما تجبرونيش على قلبي…… وانا من الاول قولت ماريدش اتجوز وانتوا اجبرتوني يبقى هملوني لحالي اعيش حياتي بعد. اكديه على كيفي واللى شايفه صوح…. محدش يدخل واصل….

الرجالة اتصدموا من حدة كلامه، لكن محدش قدر يرد.

حسين كان سايب الكلام يعدي، لكنه ضحك بخبث وهو يبص ليوسف:
طيب يا ابن عمي… دار واحدة ما بتشيلش اتنين غريبين كتير. الأيام هتعلمك.وبكرا تقول حسين قال….

يوسف رماه بنظرة تحذير:
خليك في حالك يا حسين…. ومتختبرش صبري اكتر من اكديه عاد….

في الليل، هاجر قاعدة في أوضتها، والعيال نايمين.
يوسف دخل فجأة، إيده فيها طبق أكل.

يوسف: إنتي ما كلتيش ليه….. رايداهم يحاسبوني كمان انى مش عارف اكلك فى داري يابنت الناس….

هاجر اتفاجئت: مش اكديه والله….. بس أنا مش جعانة.

يوسف: مليش صالح كولي… مش رايد حد في الدار يدوب من الجوع….. ولا يسمعني كلمه اكديه ولا اكديه انى مش عارف اكفي داري وااكل اللى فيه زين….. سامعه

هاجر مسكت الطبق بخجل: طب حاضر شكراً.

يوسف وقف شوية، كأنه عايز يقول حاجة… لكنه خرج ساكت.

هاجر حطت الطبق جنبها، دموعها نزلت.
يا رب… ده قلبه حجر ولا موجوع زيي؟ انا هعيش ازاى معاه بس…… منه لله اللى كان السبب….

بعد يومين، هاجر كانت ماشية في السوق تشتري خضار.
حسين ظهر فجأة، واقف عند القهوة، عينه عليها.

حسين: هلا يا ست هاجر.
هاجر شدت طرحتها على وشها وقالت بحدة:واه واه بعد اكديه يا حسين ما تسلمشي علي واصل.

حسين: واه ليه اكديه بس يابنت عمي؟! إحنا أهل.

هاجر: اهل؟! إنت آخر واحد أعتبره من أهلي.سامع؟

حسين: ليه القسوة دي؟! أنا اللي كنت رايد آخدك بالحلال… لكن هما غصبوا يوسف.

هاجر وقفت: يوسف جوزي… غصب ولا رضا، خلاص بقى جوزي. وإنت تبعد عن طريقي يا حسين، وإلا هشتكيك ليوسف.

حسين ضحك بخبث: يوسف؟! ده قلبه لسه مع أختك… وهو عمرو ما هيشوفك غير ظلها.
هاجر كتمت دموعها ومشيت بسرعة.

يوسف راجع من الغيط، هدومه غرقانة عرق وتراب.
دخل الحوش، لقى هاجر قاعدة على المصطبة، ماسكة الإبرة بتخيط جلابية قديمة لسليم.
العيال بيلعبوا جمبها، صوت ضحكهم يرن في الجو.
ضحكة الولاد دخلت قلبه زي نسمة باردة.
بس أول ما هاجر شافته، سكتت، رفعت راسها بسرعة وخبت ابتسامتها.

هاجر: الوكل جاهز….. عقبال ما تتسبح هيكون على الطبليه على طول….

يوسف: طيب….. هتسبح واغير خلجاتي وجاي…

دخل الأوضة من غير ما يكمل كلام.
هاجر بصت وراه، تنهدت:
هو لحد ميتا بس هيفضل يعاملني كأني غريبة اكديه؟ يارب هونها وعديها على خير….

بعد العصر، سليم وقع وهو بيلعب وجرح ركبته.
يوسف جري بسرعة، شاله في حضنه:
إهدي يا ولدي… ديه جرح بسيط…. مفهوش حاجه واصل…. اجمد اكديه خليك راجل……
هاجر جابت ميه وقطن، قربت تنظف الجرح.

يوسف مسك إيدها: لاه استني، أنا هعملها….. ولدي وانا هراعاه واشوفو…

هاجر كانت بتبص له من بعيد، قلبها بيتحرك غصب عنها.
لأول مرة تشوف يوسف الأب الحنون اللي مش بيبان قدامهم.

بعد ما خلص، بص لسليم:
خلصنا…… شوف اكديه يا بطل… الجرح ديه هيخليك قوى….. وبعدين ماتبكيش اكديه واصل…

سليم مسح دموعه وابتسم بخجل.
هاجر ابتسمت من قلبها… لكن يوسف شافها،

في السوق تاني يوم، حسين وقف مع واحد صاحبه وقال بصوت عالي متعمد: والله يا جدعان، يوسف ديه مجنون… متجوز ومش عارف يقرب من مراته…. وعايش معاها زى الغريب في دار واحده…

واحد رد: واه واه…. ما يمكن لسه حزين على مراته الأولى….. ومقدرش يقرب دلوك… نديه وقت بس…

حسين ضحك بخبث:لاه يا عم، دي حجة. أنا عيني شافت… هاجر لسه بتتعامل كأنها مش مراته…..هو زي مايكون مغصوب ولا شاف فى البت حاجه عفشه اكديه ولا اكديه….

الكلام اتنقل زي النار في الهشيم.
وصل لودن يوسف بالليل.
يوسف دخل على هاجر وهي معاها العيال.

يوسف: إنتي سمعتي اللي الناس بيقولوه؟

هاجر اتوترت: واه واه…..براحه عاد مخبراش بتحددت عن إيه؟

يوسف: الناس كلها بتتحددت عن إننا عايشين غرب جوه دار واحدة.

هاجر بصت له بثبات رغم الخوف اللي في قلبها: مش هي داه مش حقيقتنا؟ الناس مكذبتش واصل يا يوسف….. انت ليه متعصب اكديه..

يوسف: متعصب ومضايق يا هاجر علشان الناس ما بيرحموش… وانا تعبت من اكديه وكمان مارايدش حد يجيب سيرتك بالعاطل واصل….

هاجر:طب وإنت عايزني أعمل إيه؟ أضحك وأمثل إني ست بيت كاملة؟ ولا اقول انى بقيت مرتك صوح….. ولا اسيب البيت وامشي…. اعمل ايه بس يا يوسف قولي..

يوسف بقله حيله: لاه… أنا رايدك تكوني مرتاحة يا هاجر…. مش رايد تكوني مضغوطه ولا زعلانه ولا مظلومه… انتى فى الاول وفى الاخر بنت عمي واخت سلمى قبل اي حاجه…..

هاجر بصت في عينه وقالت: وأنا عمري ما هرتاح وأنا عايشة مكان أختي… وجنبك وأنت لسه شايل صورتها في قلبك يا يوسف….

الكلام وقع زي السيف على يوسف.
سكت ومشي من غير ما يرد.

يوسف ما قدرش ينام.
خرج للحوش، قعد تحت السما، النجوم منورة.
هاجر كانت واقفة من بعيد، ماسكة طرحتها.

هاجر قالت بخجل: أنا مش رايداك تزعل… ولا رايدة الناس تتكلم عنك.

يوسف رد وهو يبص النجوم: وأنا مش رايد أظلمك….. بس نصيبنا وقعنا في بعض وخلانا فى الوضع ديه….

يوسف رجع أوضته، وهو مشوش أكتر من أي وقت فات.
هاجر نامت جنب العيال، بس قلبها بينبض بسرعة.
الجدار اللي بينهم… بدأ يتشق.
واللي جاي أصعب.

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية قيود تنتظر الغفران) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق