رواية قيود تنتظر الغفران – الفصل الرابع
يوسف كان لسه راجع من المجلس، عينيه حمرا من كتر التفكير.
أول ما دخل، شاف سليم في حضن هاجر، وصوت الكحع… بيهز الأوضة.
يوسف بخوف: إيه ديه؟! في ايه؟ مالو ولدي جرالو ايه يا وليه….
هاجر بصت له بلهفة: حرارته مولعة. خايفة تكون حمه جامدة…. مش عارفه اعمل ايه…
يوسف قرب بسرعة، مد إيده على جبين سليم..
يوسف بخوف: واه واه…. ديه محتاج دكتور حالا….. قومي وهمي ياوليه.. هنروح البلد دلوك نشوف دكتور
هاجر اتلخبطت: دلوك؟ الليل متأخر! هنلاقي دكتور فى الوقت ديه…
يةسف بعصبيه: امال إنتي رايدة الواد تسوء حالته ويموت زي ما ماتت امه عاد….
يوسف شال سليم في حضنه، وطلع بيه على الحوش.هاجر جريت وراه، لابسة عبايتها ومغطية راسها.
وليد قعد يبكي: اماه… أنا مش هنام من غيركم….. بالله عليكم ارجعوا باخوي مش تسبوه يطلع عند ربنا زي ماما سلمى…
هاجر حاولت تطمنه: استنى يا وليد، هانرجع بسرعة…. متخافش اخوك هيكون زين بس ادخل جوا واقفل على نفسك زين واستنانا ياولدي…
وصلوا بيت الدكتور في البلد، يوسف خبط الباب بقوة.
الدكتور فتح متعجب:خير؟ إيه اللي جابكم في نص الليل؟ حوصول ايه عاد…
يوسف بلهفة: الحقني يادكتور بسرعه الله لا يسيئك….الواد سخن وبيكح جامد… شوفو بسرعة….
دخلوا، الدكتور فحصو: متقلقوش بسيطه… عنده التهاب في الصدر… محتاج راحة ودوا وكلها اسبوع وهيكون زين.
هاجر اتوترت: يعني مفيش عليه خطر يا دكتور؟
الدكتور: لاه بس لازم ياخد علاجه وما يتعرضش للبرد….. و هيكون زين ان شاء الله..
رجعوا الدار، سليم نايم على كتف يوسف.
دخله الأوضة، غطاه كويس.
هاجر قاعدة جمبه، عينيها مليانة دموع.
يوسف بص لها وقال بهدوء لأول مرة:
متخافيش… هيبقى زين….. متزعليش مني لو كنت اتعصبت عليكي….. بس انا خايف اخسر حد زي ماخسرت سلمى..
هاجر ردت بصوت واطي: لاه مزعلتش منك واصل…. ربنا يخلي ليك ويخليك لهم قادر يا كريم..
يوسف اتجمد للحظة… كأن الكلمة دي دخلت قلبه مباشرة.
الأيام اللي بعد كده كانت صعبة.
سليم سخن تاني يوم، وهاجر ما فارقتهوش لحظة.
يوسف كان يروح الغيط، بس يرجع يجري عشان يطمن.
كل شوية يسأل: اخد الدوا؟ نام زين؟ حرارته عاملة إيه؟
هاجر بقيت مستغربة من نفسها.
هو في الأول كان بيهرب منها ومن العيال… دلوقتي واقف جنبهم بكل قوته.
في ليلة، سليم نام أخيرا بعد ما حرارته نزلت.
هاجر قاعدة مرهقة، عنيها حمراء من السهر.
يوسف دخل ومعاه كوباية نعناع: خدي… يشد حيلك شوي….. ويهدي وجع الراس والصداع.. بسبب انك ما نمتيش من يومين.
هاجر مدت إيدها وخدت الكوباية، عينيها بتهرب منه: شكرا… كتر خيرك… تسلم ايدك تعبت نفسك..
يوسف قعد على المصطبة قدامها: مفيش تعب ولا حاجه…. إنتي ست جدعة يا هاجر.
هاجر قلبها وقع، ووشها سخن:واه واه متقولش اكديه…. أنا بعمل الواجب وبس.
يوسف: لاه يا هاجر… ديه أكتر من الواجب…. مش عارف من غيرك الواد سليم كان هيبقى ازاى… احنا فعلا كنا بحاجتك..
الكلام بينزل عليها زي البلسم، لكنها بسرعة غطت إحساسها: المهم سليم يبقى بخير…. وانا بعتبره زي ابنى…
يوسف بصلها، وفي عينيه لمعة مش واضحة… لكنه ما كملش.
حسين قابل هاجر عند البير وهي بتملأ جردل الميه.
حسين: صباح الخير يابت عمي… سمعت إن الواد الصغير عيا صوح الحديت ديه؟!
هاجر ردت ببرود: ايوا الحمد لله بقى زين…
حسين: غريبة… يوسف مهتم بيه قوي الأيام داي.
هاجر بصتله بحدة: مش هو أبوه… طبيعي يهتم بيه فيها ايه يعنى؟!
حسين: طبيعي؟! طب وإنتي؟ مش شايفة إنك قاعدة بين نارين؟ لا هو راضي يسيبك، ولا راضي يحبك…
هاجر قلبها اتقبض، لكن رفعت راسها وقالت: أنا مش محتاجة حبك ولا كلامك… ابعد عن طريقي يا حسين.
سابته ومشيت وهو بيضحك بخبث
يوسف في الغيط يشرف على العاملين
فجأة واحد من العمال جري عليه:
الحق يا معلم يوسف! الساقية وقفت! الميه مقطوعة عن الغيط كله.
يوسف اتنفض: إزاي؟! ده موسم الري…. ازاى تتعطل اكديه…
جري على الساقية، لقاها مكسورة والحبل مقطوع.
يوسف مسك الحبل بإيده:
داى مقصوده…. اللي عملها عايز يبوظ زرعنا… ومش هيسيبهالي بالساهل…. بس انا مش هسكت ومش هسيب ارضي اكديه….
وسط الزحمة، حسين طلع فجأة، واقف بعيد ووشه كله سخرية.
واحد من العمال قال: يمكن اللى عمل اكديه يكون بسبب الغيرة من اللي حواليك يا معلم يوسف…. ما شاء الله ارضك احسن ارض فى الصف كله وداينا خيرها كتير…
حسين اتدخل:واه واه ما يمكن إهمال من صاحب الغيط نفسه…. فى صاحب ارض ميتاكدش من الساقيه بتاعته قبل ما يجيب العمال الارض يشتغلوا فيها…
يوسف قلبه مولع: إنت تقصد إيه يا حسين؟ وبعدهالك عاد…. مش ناوي تجبها للبر معايا عاد…
حسين: واه وانا مالي عاد يا ولد عمي…. أقصد اللي مش قادر يظبط بيته، إزاي هيظبط غيطه؟
يوسف مش قادر يرد قدام الجمع.
الغضب مولع جواه، لكن عارف لو اتخانق هنا هتزيد البلوة.
هاجر كانت جاية من الدار، شايلة أكل ليوسف.
أول ما شافت الزحمة، قلبها اتقبض.
قربت بخطوات مترددة.
واحده من الستات قال بصوت عالي: شوفوا… مراته جايه! يمكن تلحق ترد عنه…. ولا تسكت ماهو الكلام صوح وانا خابرين زين انهم عايشين فى دار واحد زي الاغراب…
هاجر قامت وقفت جمبه فجأة:واه واه ايه الحديت الماسخ اللى بتقولوه ديه…… هو راجل قدها… ومحدش ليه عنده حاجه واصل…. واللى يعرف يراعي ارضه ويخليها زينه زي ارض يوسف اكديه وريني نفسه ويطلع يحكي قدام عيوني…..
يوسف اتفاجئ، بص لها بسرعة.
هاجر كملت، وصوتها يهتز من التوتر: يوسف مش مقصر في حاجة واصل… ديه سهران على الغيط ليل ونهار، واللي بيوحصول ديه غدر مش إهمال….. وكلكم خابرين اكديه زين….
حسين حاول يضحك: يا سلام! ما شاء الله… بقت تدافع عنه كمان….. مش هو يوسف نفسه اللى بيعملك زي الغريبه فى داره…
هاجر رفعت راسها وقالت بجرأة غير متوقعة: أيوا… أنا مراته، وحقي أقف معاه…. واللى بيوحصول فى دارنا ملكش صالح فيه واصل…. ولا ليك تتدخل لا انت ولا اى حد من اهنيه…. كفاياكم قله حيا وخشا عاد وهملوا الراجل ومراته يعيشوا زي ماهم عايزين عاد….
واحده من الستات: بصو… أخيرا وقفت معاه. يمكن الجوازه بدأت تتثبت. شكلهم هيبقوا عيلة بجد.
يوسف حس بدفا غريب في قلبه.
هو مش متعود يشوف هاجر بالصلابة دي.
الزحمة فضت، والعمال رجعوا يكملوا شغلهم.
يوسف قعد على حجر جنب الساقية، يمسح عرقه.
هاجر قربت: خد… كول قبل ما يبرد الوكل….
يوسف بصلها: إنتي ليه عملتي اكديه؟
هاجر تنهدت:ما حبيتش الناس يعيبوا فيك… ولا يكسروك قدامهم اكديه…
يوسف بص للأرض: أنا مكنتش مستني منك الكلام ديه.
هاجر: وأنا مكنتش مستنيه ألاقي نفسي واقفة جمبك اكديه… بس حوصول وخلاص….
لحظة صمت غريبة بالليل، هاجر قاعدة مع سليم ووليد.
الولاد مبسوطين إن أبوهم لعب معاهم قبل ما يناموا.
هاجر قعدت تفكر: أنا إيه اللي بيوحصول ليا؟ ليه وقفت جمبه اكديه؟! ليه متحملتش عليه كلمه ودافعت عنه؟! معقول قلبي بدا يرق ويلين ليه؟!
قلبها بيرجف كل ما تفتكر نظرة يوسف لما بص لها النهارده.
يوسف من ناحيته، قاعد في الحوش لوحده، يسرح في كلامها “أنا مراته”…
الكلمة دي لسه بتتردد في ودنه.
في بيت حسين، قاعد يضرب كف في كف:
لاه… اكديه ما ينفعش. أنا كنت رايد الناس تشوفهم متفرقين… دي بقت تدافع عنه كأنها بتحبه!
أمه ردت: يا ولدي، خلي بالك… البت يمكن قلبها يلين….. والحمد لله اهى حياتهم هتستقر والدنيا هتتظبط…
حسين: لاه… مش هسيبهم يرتاحوا. لسه عندي ورق كتير ألعبه….. عمري ما اسيب يوسف يتهنى بحاجه واصل…
يوسف رجع أوضته، لقى هاجر نايمة جمب العيال.
وقف يتأملها لحظة، قلبه يخفق من غير ما يفهم ليه.
قال في سره:
– يمكن ربنا بيكتبلي بداية جديدة… بس أنا لسه مش قادر أسيب الماضي.
وخرج، والليل ساكن، بس جواه عاصفة.
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية قيود تنتظر الغفران) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.