رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الثالث والعشرون
الفصل الثالث والعشرون(المصائب لاتأتي فرادى)
بدأت المكالمات والاتصالات بينهم تتوالى بسرعة،كأنها خيوط تشابكت لتنسج بينهم رابطاً في مواجهة هذا الموقف العصيب.كل واحد منهما أخذ على عاتقه نقل الخبر وإعلام من لم يكن على علم به،لتصل الرسالة إلى الجميع بلا تأخير.
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى اجتمع الستة في مكانهم المعتاد،المكان الذي طالما شهد نقاشاتهم وحلولهم لكل ما اعترض طريقهم من مشاكل. واليوم اجتمعوا أيضاً لإيجاد حل لهذه المصيبة التي حلت بهم والتي لم تكن في الحسبان،كعاصفة هوجاء باغتتهم دون إنذار.
وقف سامي في منتصف الغرفة في “السايبر”،يتوسط خمستهم،يحدق في وجوههم واحداً تلو الآخر،بينما يسود المكان جو من الترقب والارتباك.
على الأريكة القريبة،جلس موسى بجوار حسن،وهما يراقبان سامي بنظرات صامتة كما حال المكان.
بينما على الجانب الآخر،كان كارم قد احتل مقعد المكتب،يضع يده على ذقنه ويستمر في تحسسها بأعين شاردة. أما محسن،فكان يجلس على المكتب ذاته ويتسلى بضرب كرة سريعة على الأرض،يراقبها وهي تعود إليه،بينما يسرق النظر إليهم بضجرٍ بين الحين والأخر.
أما حسين،فقد استلقى على الأريكة الأخرى،نصف عينيه مغلقتان في محاولة يائسة للبقاء يقظاً. كان من الواضح أنه بالكاد يستطيع مقاومة النعاس الذي تسلل إليه بعدما استيقظ على عجل بسبب اتصالهم به.
وأخيراً قرر سامي البوح بمكنونه بعدما سئم من صمتهم هذا وليقطع هذا الهدوء بقولها الحانق والمستاء:
“هموت وأعرف أنتوا ساكتين ليه،احنا في مصيبة لو مش واخدين بالكم يعني”
رفع موسى يده له وهو يردف بنبرة هادئة ظهرت باردة:
“أنا قلت اللي عندي،اللي عمل كده وفضحني الراجل اللي اسمه سمــ سمير الجمّال،هو الراجل ده أنا متأكد،أنا أصلا كنت حاسس إني الراجل ده مش هعديها على خير وهيوقعني في مصيبة،وأهو سكت سكت وفجرها علناً،وخلي اللي مايشتري يتفرج”
أنهى جملته ببسمة سمجة استفزت سامي وجعلته يضيق جفونه ويسأله بإستنكار:
“أنت مبسوط كده ليه؟؟،يابني أنت اتجننت بسبب الصدمة ولا ايه؟؟”
هزّ موسى له كتفيه وهو يردف مختصراً:
“ولا اتجننت ولا حاجة،أنا بحاول أبقى هادي على قد ماقدر علشان أعرف أفكر”
“طب فكرت،لقيت حل للمشكلة دي بقا؟؟”
حرك رأسه له بالنفي سريعاً وهو يردف ببرود:
“لأ”
ضرب سامي كفيه ببعضهما بإستياء من برود الأخير هذا
،وأخذ يردد بحنقٍ:
“لا حول ولا قوة إلا بالله،لا حول ولا قوة إلا بالله”
تدخل كارم في هذا الحديث ليجذب انتباههم إليه،وهو يردف بجفافٍ:
“أنا مش فاهم أنت شادد أعصابك كده ليه ياسيمو،الموضوع حله بسيط خالص”
ضم سامي ذراعيه على صدره ورد على الأخير متهكماً:
“طب سمعنا الحل البسيط ياسيدي”
“اسمع ياباشا،الحل اللي قدامنا إننا نروح نمسك الراجل اللي اسمه سمير ده من زومارة رقبته،وناخده في حتة مستخبية ونخليه يمسح المقالة زي مانزلها وكله بالذوق..،حل مفهوش غلطة يامعلم”
صاح فيه سامي بإنفعال:
“والله أنتَ اللي جاي القعدة دي غلطة،أنت ايه اللي خلاك تكلمه بس”
أنهى جملته وهو يلتفت صوب موسى الذي اكتفى بأن يتابع هذا النقاش الحاد بصمت تام كما فعل البقية تماماً.
أما كارم فتمسك برأيه واقتراحه وعاد ليؤكد كلامه:
“صدقوني الحل ده مثالي للمشكلة اللي احنا فيها،أنا مش عارف أنت مش واثق في حلولي ليه ياسيمو”
عاد إليه سامي بنظراته وأردف بنبرة ممزوجة بالحنقٍ واليأس:
“أنا مش واثق فيك شخصياً ياكارم ارتحت كده،عايزنا نروح نتهجم على الراجل علشان نبقى رد سجون يامتخلف،أنتَ معندكش عقل ياض!!”
أجاب عليه كارم بكل بساطة:
“عندي ويوزن بلد كمان ياسيمو،غير كده أنا متأكد من نجاح الحل اللي أنا قلته،ولو أنت خايف نتأذي من اللبش اللي هيحصل،فأنا ممكن أروح أنا لوحدي ورجالتي كتير وأنت عارف،حتى محسن ممكن ييجى معايا”
رفع رأسه قليلاً صوب محسن الذي جلس بجواره ثم تابع:
“تيجي؟؟”
“آجي،معاك للأخر ياصاحبي”
عض سامي شفتيه بغيظ منهما ومن أفكارهما التي تودي بهما إلي الهاوية،ثم صاح بغضب مكتوم:
“أقسم بالله أنتوا الاتنين محتاج يتبلغ عنكم،علشان أنتوا خطر علينا وعلى كل اللي حوليكم..،أنا مش عايز أسمع صوتكم لأخر القاعدة علشان أنا فضلي تكة وأتشل”
تجاهله كارم تماماً وأخذ يخرج سيجار من جيب بنطاله،بينما نبس محسن بسماجة:
“بعد الشر عنك من الشلل ياصاحبي”
ألقاه سامي بنظرة حانقة ثم أردف بحدة:
“اسكت،تعرف تسكنت.،وأنتً ياأبو سيجارة دخلها مش وقته”
رد عليه كارم بجفافٍ والسيجار بين شفتيه:
“ماأنا مش هقعد ساكت وكمان مش هشرب سيجارة،دي مابقتش عيشة بقا ياجدع”
زفر سامي بقلة حيلة،ثم حرك رأسه بيأس وأخرج تنهيدة قوية،قبل أن يتجاهل كليهما ويمرر نظره على البقية،حتى ثبتها على من أمامه،وتحديداً كل من حسن وموسى،الذي زفر هو الأخر ثم نهض من مجلسه وهو يردف بنفاذٍ صبر:
”
أنا من رأيي نفضها سيرة لحد هنا،ونقوم كلنا وكل واحد يتكل من مكان ماجه
”
سأله سامي مستنكراً:
“ليه؟؟”
فتح موسى ذراعيه وهو يهتف بحنقٍ وانفعال،مشيراً عليهم بالتوالي واحداً تلو الأخر عندما يتحدث عنهم:
“هيكون ليه يعني ياسامي!!،احنا مش هنوصل للحل واحنا بالشكل ده،أديك شايف واحد من ساعة ماجينا وهو نايم أو في غيبوبة أيهما أقرب،والتاني عمال يلعب بالكرة اللي في ايده وبيهز رأسه على أي حاجة بنقولها،والتالت هيموت ويشرب سيجارة،والرابع قاعد مربع وعمّال يستغفر بقاله نص ساعة،وأنت فاضلك تكة وتروح مننا،وأنا على الله حكايتي..،فاأنا من رأيي ناخد بعضنا كده بالصلاة عالنبي ونقوم نصلي ركعتين لله في الجامع بنية صلاح الحال وبعدين كل واحد يروح لبيته،وبكره إن شاء الله نتجمع هنا بعد ماتخلصوا شغلكم،نكون فكرنا في الوقت ده،لعلا وعسى نلاقي حل للمشكلة دي..،ها على بركة الله؟؟”
تبادلوا النظرات فيما بينهم حتى اتخذوا القرار وأجمعوا على الموافقة،فنهض كل من حسن ومحسن وكارم من أمكانهم،واقترب الثاني من ذلك النائم وأيقظه بقوله الساخر:
“قوم ياسحس،أمك عاملة ملوخية”
استيقظ حسين من عفوته وهو يردف بدون وعي:
“ايه؟ ملوخية..هي فين؟؟”
أتاه الرد الحانق من كارم وهو يخرج من الغرفة مع البقية:
“في الحلم ياأخويا في الحلم،كلها مع رز في الحلم”
ضيق حسين جفونه بعدم فهم،فهو لايكاد يستوعب مايجري من حوله من الأساس،ولولا يد محسن الذي أخذ يساعده في النهوض والخروج معهم،لكان عاد للنوم من جديد متجاهلا ماحدث وماسيحدث.
خرج الستة من المحل بعدما قام كارم وموسى بإغلاقه بعنايةٍ،وأخذوا يسيرون في صف واحد كما اعتادوا،مُتجهين للجامع ليتضرعوا لربهم لعله يرشدهم للسبيل الصحيح،ويجدوا حلاً لهذه المعضلة.
___________________
راح الليل بما حمل من هدوء،وأتى صباح جديد مليئ بالضجيج داخل العقل وخارجه…
وقف في شرف جده بعدما انتهى من تناول الفطور برفقته هو وعمه مصطفى،بينما وقفت هي مقابلة له في شرفة غرفتها بعدما حدثته هي على الهاتف للإطمئنان عليه
،فكان جوابه أن تخرج له…
“طب أنتوا ناويين تعملوا ايه دلوقتي؟؟”
سؤال ألقته عليه للمرة الأولى،لكنه قد تلقاه من غيرها مُسبقاً ابتداءً من والديه إلي أعمامه وجده وغيرهم.
تنهد هو بثقل ثم أجابها بنبرة هادئة رتيبة تعمدها ليبث بها الإطمئنان:
“العمل عمل ربنا،احنا هنتجمع النهاردة ونحاول نلاقى حل،لقينا يبقى الحمد لله،مالقيناش يبقى قدر ولطف”
ضمت شفتيها بأسي وأخذت تخفف عنه بقولها:
“إن شاء الله كل حاجة هتتحل،لعله خير واحنا مش عارفين”
“جايز،أدينا بنقول يارب..،المهم سيبك أنتِ من المشاكل دي،وخليكِ فيا أنا”
ضيقت عيونها وابتسمت بخفة،ثم مالت على السور أمامها قليلاً وارتكزت بيديها عليه وأردفت مُدعية الجهل:
“مش فاهمة”
“لأ أنتِ فاهمه كويس أقصد ايه،أنا محتاج دعم أه بس محتاج حنان ودلع كمان،فدلعيني يابنت الناس،علشان قلبي محتاج جرعة حنان”
هربت بنظراتها منه،وراحت تطالع السماء متجاهلة حديثه السابق بوجه بدا عليها علامات الخجل وبسمة تُجاهد في إخفائها،إلى أن جذب انتباهها له من جديد بقوله الخبيث:
“لأ ماتبصيش للسما،بصيلي أنا”
ضحكت بخفة رغماً عنها ثم عادت إليه بنظراتها وأردفت بنبرة خجولة حاولت صبغها بالجمود:
“أنت ازاي قادر تكون كده في وضع زي ده؟؟”
“أنا أكيد يعني مش هدخلك في همومي ولا أنكد عليكي،أنا بحب أنسى همومي معاكي،ومافكرش غير في الحلو وبس ياحلو”
اتسعت ابتسامتها وفشلت في إخفائها أكثر من ذلك وخرجت الكلمات منها بفرحة دون أن تعي:
“والله أنتِ اللي حلو ولسانك أحلى”
لم يصدق ماوقع على مسامعه منها وصاح بصوت مرتفع بفرحة عامرة:
“العب..،اللهم صلي على النبي،أحلى غزل سمعته في حياتي ياناس”
اتسعت حدقتيها عندما استوعبت ماقالته وأخيراً،فتراجعت للخلف لتولج للداخل هرباً منه ومن نظراته،مرددة بصوت خافت خجول:
“ماما بتناديلي”
“ماسمعتهاش،تعالي هنا وسمعيني غزل كمان يرد فيا الروح ياحبيبة الورح”
ابتسمت ببهجة ثم أردفت بمرحٍ:
“كله بأوانه،هتسمع اللي أنت عايزه وأكتر بس بعد كتب الكتاب،وعلى رأي اللي قالوا تصبر تنول..هاروح أشوف ماما أنا بقا”
أنهت جملتها
ببسمة عريضة،ثم ولجت للداخل بسرعة كما لو كانت تغلق الباب أمام أي فرصة للرد. كانت هي على يقين أنها إذا تركت له المجال،سيتحدث،وربما ينطق بكلمة تجعلها تضعف وتبقى وتداهمها الحماسة من جديد وتغازله.
ضحك هو بحرارة وهو يراقب أثرها الذي غاب عن ناظريه،وفجأة ودون سابق إنذار التفت وولج للداخل وهو يهتف بحماسٍ شديد وفرحة غامرة:
“فينك ياحج داود تعالى جوزهالي مابقتش حمل الإنتظار”
__________________
_
في الجهة الأخرى…
استيقظت مبكراً كالعادة وأعدت الفطور لنفسها،تناولته على عجلة من أمرها بينما ترتب المنزل في نفس الوقت،ورغم أنه كان مرتب من الأساس نظراً لغيابها عنه طوال اليوم وعودتها في المساء،إلى أنها أرادت أن تجعله في أفضل حال ليستقبل حبيب روحها الذي سيعود اليوم من سفره.
انتهت دلال من أعمالها المنزلية وبدأت في تجهيز نفسها للذهاب إلى العمل،دلفت لغرفتها والتقطت بعض الثياب من الخزانة والتي كانت تتكون من تنورة واسعة سوداء مع قميص “بلوزة” باللون الأبيض،أعلاها سترة باللون الاسود مع حجاب باللون ذاته.
دلفت للمرحاض،وبعد دقائق قليلة خرجت منه بعدما تجهزت تماماً للذهاب لعملها،التقطت حقيبتها ووضعت بها مايلزمها من أشياء ثم خرجت من غرفتها واتجهت للغرفة المعيشة،وقبل أن تخرج من الشقة،صدح صوت هاتفها وأُضيئت شاشته باسمه.
توقفت أقدامه تلقائياً وظهرت بسمتها بعفوية،ولم تفكر كثيراً أو تتردد بل أجابت سريعاً كأنها انتظرت هذا الإتصال طويلا:
“طارق؟؟”
وصله رده سريعاً ينبس بصوت هادئ وصل لقلبها قبل أن يصل إلى أذانها:
“عيونه”
اتسعت ابتسامتها أكثر بعفوية،وعبرت عن جزء لايذكر من فرحتها بسماع صوته في هذه اللحظة. هربت الكلمات منها وصمتت مما جعله يشعر بالخوف لوهلة فنطق بإسمها سريعاً بقلق ولهفة:
“دلال!..روحتِ فين؟؟”
خرجت من صمتها ومن شرودها بصوته وقالت بنبرة متوترة فرحة:
“أنا معاك”
“طب أنتِ كويسة؟؟”
“آه كويسة،المهم أنتَ كويس طمني عليك؟؟”
وصلها رده مباشرة يجيبها برتابة كعادته:
“أنا كويس الحمد لله،بس مشتاقلك أوي..،وحشاني أوي أوي”
“وأنت كمان واحشني أوي،امتى هتيجي بقا؟؟”
ورغم أنه لم يبتعد عنها سوى ليوم واحد تقريباً،إلا أن قلبها كان يفتقده بشدة بمجرد أن يبتعد عن ناظريها. لقد أصبح وجوده جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل يومها منذ أن جمعهما عش الزوجية. لم يكن الأمر مجرد تعود، ل كان حبًا يزداد عمقًا مع كل لحظة،كأن غيابه يترك فراغًا لا يملؤه شيء سواه. وكلما كان يقترب موعد لقائها به كانت تشعر وكأن أنفاسها تتسارع،وكأن الكون بأسره لا يستقيم إلا بوجوده إلى جوارها.
ولم يكن حاله مختلفًا عنها،فقد أصبحت هي محور حياته ومركزها الذي تدور حوله كل تفاصيله. لم يعد يرى في العالم سوى ملامحها التي تضيء أيامه،وصوتها الذي يملأ أرجاء قلبه بالطمأنينة. كانت بالنسبة له أكثر من مجرد زوجة،كانت روحه التي يجد فيها السكينة،وعالمه الذي لا يكتمل إلا بها. كل لحظة بعيدة عنها كانت تحمل معه شوقًا لا يُحتمل،وكأنها النبض الذي يمنحه الحياة والوجهة التي تهدي خطاه في كل طريق يسلكه.
“هانت،أنا لبست وطالع أهو،كلها كام ساعة وأكون عندك ياروحي،قلت لازم أتصل بيكِ قبل ماأقفل تلفوني علشان أطمنك عليا على الأقل”
“خير ماعملت،كنت هقلق لو ماتصلتش عليا”
ابتسم بهدوء عندما سمع جملتها تلك،التي حملت بين طياتها اهتمامًا صادقًا وخوفًا عميقًا عليه. كانت كلماتها بسيطة،لكنها اخترقت قلبه بأثرها الكبير،مما جعل فرحته تزداد بوضوح. وحينها لم يتوانَ في الرد عليها بكلماتٍ مشبعة بالهيام والشجن،تعكس ما بداخله من مشاعري مختلطة،بين الحب الذي يسكن قلبه والحنين الذي يغمره
:
“العين تشتاق،والقلب مُشتاق،والروح لا تقوى على الفراق..،والله لو كان بيدي ماكنتش بعدت عنك ولا خليتك تقلقي عليا ولو للحظة”
ازدادت دقات قلبها بشكل ملحوظ،وأصبح نبضه أقوى حتى كأنها تشعر به يقرع صدرها كأصوات الطبول في المسافة البعيدة. اقتربت من أقرب مقعد أمامها، وجلسَت عليه براحة، تلقي بحقيبتها جانبًا بكل عفوية. ثم ارتكزت بيدها على المقعد، ووضعت وجهها برفق على راحة يدها،كأنها تبحث عن لحظة صمت تتنفس فيها كل مشاعرها. وعندما هدأت،انطلق صوتها الخافت،مختلطًا بين الفرح والشجن،كأن الكلمات نفسها تحمل في طياتها قصة لا يُحكى إلا بها:
“قول كمان،كلامك ليا وأنت مسافر بيخليني أدوب فيك أكتر”
ضحك بخفة عليها ثم أردف مستنكراَ جملتها:
“تقصدي إني وأنا جنبك مش بقول كلام يخليكِ تدوبي فيا؟؟”
أبعدت رأسها عن يدها وأخذت تحركه بالنفي وهي تجيبه موضحة له مقصدها:
“لا خالص أنا ماقصدش أقول كده الحكاية بس إن ساعات بحسك بتبقى رومانسي أكتر لما تسافر”
“يعني أنتِ بتحبي النسخة الرومانسية مني؟؟”
سكتت لوهلة تُفكر،ثم أجابت بخجلٍ:
“عايز الصراحة؟؟”
“أكيد”
“أنا بحب كل النسخ منك،بس بحب أكتر النسخة اللي بتحبني”
“طب لو قلتلك إني كل نسخى بتحبك،هتصدقي؟؟”
ابتسمت بخجلٍ ثم أردفت بنبرة هادئة مُفعمة بالفرحة:
“هصدق..،علشان كُلي بيحب كُلك”
اتسعت ابتسامته وخجل هو هذه المرة،ليضحك ضحكة مكتومة ثم يمسح وجهه ويجيبها بصوت مسرور وبفرح عميق:
“أنا بودي أجيلك طيران دلوقتي وحالاً،ومن غير طيارة كمان”
“طب ماتيجي يلا،عايزاك خلال ثواني تكون في حضني”
ضحك بخفة ثم أردف بحبٍ:
“كان على عيني والله،بس وعد مني هكون عندك في الميعاد،بس لازم تنفذي أنتِ كمان كلامك،وتستقبليني في حضنك”
“عيوني،أنتَ تعالى بس وأنا مش هسيبك،تعالى بسرعة علشان البيت فاضي أوي من غيرك”
“حاضر،وعد لقلبك ياقلبي أول ماأنزل من الطيارة لأطير لعندك،تمام؟؟”
“تمام”
أومأ بإبتسامة هو يخطو خارج الفندق الذي قضى فيه ليلته،وفجأة خطر شئ على باله كان على وشك أن ينساه،فأردف سريعاً:
“مظبوط،هو أنا اللى سمعته من شوية ده صح،هو موسى اتعرف إنه..”
أعطته الإحابة قبل أن يكمل بقولها:
“أيوه صح..أنا تلفوني مابطلش رن من امبارح لحد مااضطريت أعمل Block للكل مؤقتاً،لحد ماأشوف موسى هيتصرف إزاي”
“أنا كمان صحيت على تلفون من واحد زميله بيقولي إن شايف صورة صاحبي على النت،مافهمتش الأول هو بيتكلم عنه،بس لما فتحت لينك المقالة اللي بعتهالي لقيته كان بيتكلم عن موسى،للوهلة الاولى فكرت إنه هو اللي كشف عن نفسه،بس بعدين فهمت الموضوع،بس قولولي هو عرف مين عمل كده؟؟”
“معرفش،أنا لسه ماكلمتهوش،كنت لسه هعدي عليه قبل ماأروح الشغل وأفهم منه اللي حصل وأعرف ناوي يعمل ايه؟؟”
“ربنا يسترها معاه،أنا كمان لما أوصل أبقى أعدي عليه”
“تمام”
توقف بعد كلمتها تلك،عندما رأى زميله في العمل يقف على بعد خطوات منه في إنتظاره،فعاد إليها وقال بأسف:
“متأسف يادلال،أنا مضطر أقفل”
شعرت بالحزن للحق لكنها تفهمت الأمر وتحدث بنبرة طبيعية حاولت أن تخفى حزنها خلفها:
“تمام ولايهمك،يلا أشوفك بخير..باي”
“باي باي ياقلبي”
انتهت المكالمة بينهما عند هذا الحد،فأنزل هو الهاتف عن أذنه وأخذ يطالع شاشته حتى اختفى اسمها من عليها،فتنهد بأسف ثم وضعه في جيب بنطاله وتقدم نحو الأخير الذي كان يراقبه منذ أن خرج،وقال:
“صباح الخير يارامي”
رد عليه الأخير التحية ببسمة بدت باهتة إلى حد ما:
“صباح الخير ياكابتن”
“أتمنى ماكنش اتأخرت”
“لا خالص،أنا اللي نزلت بدري..،هو حضرتك كنت بتكلم المدام ولا ايه؟؟”
تفاجأ طارق من سؤاله هذا،لكنه أومأ له بالإيجاب مرددا بجدية:
“آه،ليه في حاجة؟؟”
حرك رامي رأسه سريعاً بالنفي وهو يقول:
“لا مفيش،أنا بس لقيتك مبتسم فخمنت وحبيت أتأكدت إذا كنت صح ولا لأ”
أدرك طارق الأمر فأردف بتفهمٍ:
“آه فهمت،تمام..يلا نمشي”
أومأ له الأخر ثم أشار له بالسير مردداً:
“أكيد،اتفضل”
تقدم طارق أولاً وسار الأخير خلفه،والذي كانت نظراته نحوه مريبة وغريبة في الوقت ذاته،نظرات بنوايا خفية لاتبشر بالخير إطلاقاً.
___________________
“أبوس إيدك كلمه علشاني وخليه يوافق يجوزهالي بقا ياجدي،أنا بقتش مستحمل والله”
كانت هذه كلمات موسى الذي جلس راكعاً تحت أقدام جده،يتمسك بكف يده ويتوسل له في تلبية طلبه وأمنيته الوحيدة،بينما الأخير ينظر له من علياه ويرميه بنظرات ضجرٍ بسبب تكراره لنفس الطلب من صعد من الأسفل وجلس بوضعه هذا.
زفر محمد بضيق ثم رد على الأخير محاولاً صبغ حديثه بالهدوء:
“يابني ارحم أمي الميتة،دا أنا زماني صعبان عليها بسبب زن حضرتك عليا”
“ماهو أنت اللي مش راضي تريحني ياجدي،فمش هبطل أزن عليك لحد ماتوافق على طلبي”
سئم محمد من النقاش الهادئ وأردف بنفاذ صبر:
“أوافق عليه ايه يابني،اللي أنت طالبه ده مش وقته خالص”
“ليه مش وقته بس؟؟”
“ببساطة علشان ماينفعش،أنت وضعك دلوقتي ماينفعش خالص،عندك مشاكل في شغلك وشقتك لسه مش جاهزة وأمورك مش مستقرة،يحيى مستحيل يوافق طول ماأنت عندك مشاكل زي دي”
رد عليه موسى سريعاً بكل ببساطة:
“ماأنت بطريقتك بقا هتقدر تقنعه يوافق،زي ماقدرت تقنعه بالخطوبة،مفيش حاجة صعبة عليك ياجدو ياجامد”
“يابني للمرة المليون ماينفعش،أنا لو مكانه مش هوافق،مش هوافق أجوز بنتي لواحد حياته مش باينلها ملامح”
“هرسملها ملامح،هتصرف صدقني،مفيش حاجة صعبة عليا،جوزهالي بس وأنا زي الكروان هصلح كل اللي بايظ في حياتي بإذن الله”
أبعد محمد عيونه عنه هو يردف بنفاذ صبر وقلة حيلة:
“الصبر من عندك يارب،بكلم حمار بقالي ساعة”
“أنا حمار،أنا حمار ومصمم على رأيي”
عاد محمد إليه بنظراته ونبس بحنقٍ:
“كويس إنك معترف بده،اعتراف صادق للحقيقة،علشان بجد أنا مستغرب أنت بتفكر ازاي،نفسي أفهم مخك ده شغال ازاي،واحد زيك شغله على المحك واحتمال يخسر كل حاجة عملها،ليه بفكر في الجواز دلوقتي بدل مايفكر في حل للمصيبة اللي هو فيها”
“تغور المصيبة بالمشكلة بكله،المهم قلبي اللي محتاجها في حضني”
“استغفر الله العظيم وأتوب اليه”
أمسك بيد جده وأخذ يقبلها بينما يردف برجاء وتوسل:
“علشان خاطري جوزهالي،إلهي تنستر وافق،إلهى ربنا يباركلك في صحتك وتفضل تنزل تصلي في الجامع وافق،إلهى ربنا يباركلك في سنانك ويفضلوا كده حديد وافق،إلهى ربنا يباركلك في شعرك ويفضل حلو ومسمم كده وافق،إلهى ربنا يطول في عمرك علشان تشوف عيالي..جوزهالي”
رفع موسى صوته في نهاية جملته،بينما مسح محمد وجهه بإستياء وزفر بضيق ثم نظر للأخير وأردف بضجر:
“اشمعنا أنا؟؟،ماتروح لأبوك وخليه هو اللي يجوزهالك”
رد عليه موسى سريعاً بحنقٍ وأسى على حاله:
“روحتله،بس موافقش،قالي إن عمي يحيى مش طايقني أصلاً ومستحيل يوافق أكتب الكتاب دلوقتي”
“ماهو معاه حق،يحيى مستنيك على غلطة علشان يلغي الموضوع كله من أساسه،وأنت عايزنا نروح نقوله اكتب الكتاب،ده مش بعيد يرميلك الدبلة في وشك وياخدها ويسافر في ساعتها”
نهض موسى من مجلسه بسرعة البرق وهو يهتف بجدية وعزمٍ:
“على جثتي إن ده يحصل،قال ياخدها قال،ده أنا أولع في الحارة دي كلها لو ده حصل”
رد عليه محمد ببرود وحنقٍ:
“وايه ذنب الحارة في مشاكلك مع حماك؟!”
“مالهاش ذنب،ولا أنا ليا ذنب،هو اللي هيجبرني أعمل كده لو فعلاً فكر يعملها وخدها وسافر”
“يعني أنتَ مصمم إنك تكتب الكتاب؟؟”
أومأ له موسى سريعاً وهو يردف بجدية وشغف:
“آه..،عايزها تبقى حلالي ياناس،عايز أعمل الحاجات اللي ممنوع منها،عايز أمسك ايدها وأحضنها وأبــ”
قطع محمد حديثه بقوله الساخر:
“ماتكملش،أمنياتك وأحلامك قليلة الأدب زيك اتنيل”
“تسلم ياجدي،قولي بقا أبوس ايديك هتكلمه ولا لأ؟؟”
سكت محمد لوهلة يعيد التفكير في الأمر وماإن اتخذ قراره تنهد ثم نظر للأخير وقال برتابةٍ:
“موافق،بس بشرط..”
قاطعه مرددا بلهفة وسعادة:
“موافق على أي حاجة هتقولها”
“طب اسمعني الأول قبل ماتتحمس وتوافق..،شرطي هو..”
قطع حديثه صوت رنين جرس الباب،فتوجهت أنظاره تلقائياً نحوه،بينما الأخر تجاهله تماماً كأن شيئا لم يحدث وقال:
“كمل،سيبك منه”
نظر محمد إليه وأردف بجدية:
“قوم افتح علشان مارجعش في كلامي”
انقبضت ملامحه وتأفف بضيق،ثم نهض رغماً عنه ليفتح الباب للطارق الذي أتى في وقت غير مناسبٍ ألبتة.
لكن بمجرد أن وقعت عينه على من أتى ابتسم بسماجةٍ وأردف بتهكم:
“جايه في وقت غير مناسب بالمرة،بس أهلا وسهلا،اتفضلي ياعسل”
تجاهلته دلال تماماً ومرت بجواره وهو تنبس بكبرياء بينما ترمقه بطرف عينها:
“كنت هدخل كده كده،هستني أمرك ولا ايه”
ضيق جفونه وتابع أثرها وهتف بتعجبٍ:
“هي مالها دي؟؟”
أغلق الباب سريعاً وذهب خلفها،حيث كانت هي تحضن ووالدها بإشتياق رغم أن مدة غيابها عنه لاتزيد عن يوم إلا أن اشتياقه لها يبدأ منذ أن تختفى عن مرمي بصره.
ابتعدت عنه ثم انتبهت للأخير الذي أردف بتهكمٍ:
“فيه ايه بقا،أنا عملتلك ايه علشان تعاملني بالطريقة دي؟؟،ده أنا المفروض أصلا اللي أعاملك كده علشان أنتِ جيتِ قطعتِ لحظة مهمة جداً،مش عايزة تعرفي هي ايه؟؟”
ردت عليه ببرود مصطنع يتنافي مع مشاعر القلق والاهتمام داخلها تجاهه:
“لا مش عايزة أعرف،أنا جيت بس علشان أسلم على بابا علشان وحشني،وقلت بالمرة أفهم منك اللي حصل ده،وأعرف أقول للناس اللي عمالة تتصل بيا دي ايه؟؟”
“هو الخبر وصلك أنتِ كمان”
أجابته بسخريةٍ:
“يعني الخبر وصل للكل حتى طارق نفسه هيجي عندي ويقول لأ مثلاً”
“على رأيك،هي جات عليكِ،ده أنا سيرتي بقت على كل لسان،بقيت بدل اللبانة دلوقتي”
“تشبيه مقرف زيك”
رفع لها طرف شفتيه وأردف بحنقٍ:
“أنا بحاول أجمّل الدنيا معاكِ وأتعامل معاكِ بأدب،بس أنتِ بتستفزيني وبتضطريني أطلع أسوء ما فيا”
أشارت عليه بإصبهه بغير إكتراث مرددة ببرود:
“هو في أسوء من كده”
شدد على أسنانه بغيظٍ،ثم زفر بضيق محاولاً على قدر استطاعته أن يكبت غضبه وغيظه منها داخله،أما هى فلاحظت الشرارة في عينه نحوها لكنها تجاهلتها تماماً وأردفت ببساطة:
“المهم بقا،أقول ايه للي بيكلموني دول؟؟”
“قوليلهم حصل خير”
“أنت بتهرج!!”
“لا بستعبط،أنتِ اللي خلتيني أوصل لده،كان لازم تستفزيني يعني؟؟”
ضمت يديها إلى صدرها وهي تردد بتهكمٍ:
“أصل ماينفعش معاك غير الأسلوب ده بصراحة”
زفر موسى بضيق ثم أجابها محاولاً صبغ حديثه بالهدوء:
“لم حد يكلمك ماترديش،ولا تنكري الكلام ولا تأكديه،أنا لسه بفكر هعمل ايه”
“يعني أنتَ لسه ماتعرفش هتأكد الكلام ولا هتنكره؟؟”
“لا لسه،هنشوف لسه هنتصرف ازاي،المهم اعملي زي ماقلتلك”
“تمام”
تنهد موسى الصعداء ثم التفت نحو جده الذي كان يتابع نقاشهم الطفولي ببسمة هادئة وأعصاب باردة كما اعتاد أن يفعل منذ أن كانوا أطفال،جلس القرفصاء أمامه وتحدث إليه من جديد:
“يلا ياجدي كمل،قولي شرطك ايه؟؟”
سكت محمد لوهلة ثم تنهد وقال برتابةٍ:
“شرطي إنك تحل المشكلة اللي أنت فيها الأول”
فتح فمه بصدمة وهتف بحنقٍ:
“أنت بتتكلم بجد؟!!”
“هكون بهزر يعني،فاكرني هوافق أكون أهبل وأروح أكلم يحيى في الوقت ده،سبق قلتلك أنا لو مكانه مستحيل أوافق أجوز بنتي لواحد حياته مش متظبطة،فروح ظبط حياتك وبعدين تعالى وأنا أعملك اللي أنت عايزه”
“أنت كده خدعتني ياجدي”
ربت محمد على كتف الأخير وهو يجيبه ببساطة:
“معلش ياروح ياجدك،أنا أب ل٣ بنات وفاهم الأب اللي زيي بيفكر إزاي”
“يعني ده أخر كلام عندك”
“ومعنديش غيره”
اومأ له موسى بالإيحاب ثم نهض ونظر له من علياه وأشار نحوه بيده وهو يعاتبه بنبرة بائسة ظهرت مضحكة لدلال:
“أنا مش مسامحك ياجدي على كسرة خاطري دي،قلبي زعلان منك”
رد عليه محمد بسخريةٍ:
“طبطب عليه”
ألقاه موسى بنظرات ضجر ثم أشار نحو قلبه ثم عليه وهو يحرك رأسه بالنفي له،لينصرف بعدها من المكان مغلقاً الباب خلفه بقوة وهو يهتف بغضب وملامح مقتضبة:
“ربنا يسامحك ياجدي”
أجابه محمد بكل بساطة وهو ينظر لأثره الذي اختفى:
“تسلم ياحبيب جدك على الدعوة”
ضحكت هي بقوة على هذا المشهد الغريب،حتى التفت لها والده فسألته مستفسرة والابتسامة لاتزال تعلو على ثغرها:
“هو في ايه؟؟”
“عايز يتجوز فيروز”
ضحك مجدداً بعدما فهمت الأمر وأخيراً،لتتجه أنظارها نحو الباب المغلق الذي خرج منه لتوه،بينما تردد بصوت خافت ساخر:
“مش قادر يصبر ياحبة عيني”
___________________
مع مرور الوقت…
وقف بثبات وهيبة أمام باب الشقة المغلق،يضع يدًا فوق الأخرى بهدوءٍ مدروس،بينما عيناه الحازمتان تتعلقان بالباب،تنتظران لحظة تحركه بعد أن طرق عليه مسبقًا بثقة لا تقبل التردد.
ثواني قليلة وحصل على ماأراد،حين فُتح الباب من قبل امرأة في أواخر عقدها الخامس،والتي عقدت بين حاجبيها ونبست بجدية:
“اتفضل”
“الأستاذ عاصم موجود؟؟”
“أيوا اتفضل أنا والدته أقوله مين؟؟”
أعطاها الأخير بسمة مبهمة وهو يجيبها عن سؤالها بثبات وثقة لاتقبل الشك:
“قوليله الأستاذ سامي يحيى..جوز مدام ليلى”
اتسعت حدقتيها بصدمة فور سماعها اسم المذكورة،راحت تدور بعينها عن
جسد من يقف أمامها وهي لاتكاد تصدق أنه يكون زوجها،فهي تتذكر جيداً وصف ولدها له،حينما أخبرها أنه رجل في الأربعينات من عمره،بجسدٍ ممتلئ،وشعر يظهر به بعض الشيب،ووجهٍ به طفرة.
لكن ماتراه الأن عكس ماقاله تماماً،فهي تري شاب في ريعان شبابه،بجسد رياضي ووجه بشوش،يقف بثبات وقوة ويتحدث بتهذيب ولين
وهدوء مهيب،لترى صورة جديدة لاتمت بصلة إلى تلك التي رسمها خيالها بناءً على ماسمعت.
تعجب سامي من صمتها ونظراته المريبة له،فأردف بصوت هادئ ليجذب انتباهها:
“عفواً”
خرجت من شرودها وانتهت من نظراتها المتفحصة له،وقالت:
“نعم!..،هد هدخل أناديهولك حاضر”
أوما لها بالإيجاب بهدوء،فدلفت هي للداخل وتعابير الصدمة لاتزال على وجهها. ثواني قليلة وخرجت برفقة من أراد،حيث تقدم هو عنها و سارت هي خلفه كما لو كانت ظله.
وقف عاصم في مقابلة الأخر وأردف بجمودٍ:
“أفندم”
لم بنطق سامي بحرف بل اشار بعينه على تلك الواقفة خلفه،فالتقط الأخر أشار والتفت بجسده،ليجد والدته تقف خلف الباب تترقب الحديث الذي سيدور،فحمحم بقوة وجذب انتباهها له وليبعد عينها عن ذلك الواقف ثم قال:
“بعد اذنك ياماما سبينا لوحدنا”
امتثلت لطلبه على مضض،ودلفت إلى الداخل بخطوات مثقلة،تاركةً لهما المجال ليتحدثا فيما بينهما كرجلين. عاد عاصم بهدوء إلى وضعه،يدير وجهه نحو سامي بعينين تحملان ما بين الحزم والبرود،ثم أردف بجدية:
“اتفضل قول اللي عندك،بس بسرعة علشان معنديش وقت”
رد عليه الأخر بثبات وبسمة هادئة استفزت الأخر:
“ماتقلقش،مش هاخد من وقتك كتير،أنا جيت بس علشان أقولك حاجة واحدة،وأتمنى تفهمها من أول مرة علشان ماأضطرش أكررها تاني..”
سكت لبرهة ثم تابع بنفس الوتيرة:
“اللي عندك جيبه،عايز أشوف أخرك في الموضوع ده،بس اتأكد إنك مهما هتعمل مش هتاخد اللي أنت عايزه،أنا اللي ضدك دلوقتي مش ليلى،أنا اللي هقفلك وأنا اللي أحاسبك على كل دمعة نزلت من عينيها بسببك”
ضحك عاصم بسخرية وأردف بحنقٍ:
“هي قالتلك ايه عني؟؟،قالتلك إني كنت بجلدها ولا ايه؟؟”
“قالتلي إنها كانت متجوزة عيّل،لسه بيسنن”
اختفت ابتسامته،وانقبضت ملامحه،لتصبح أكثر حدة بعدما أشعل الأخر فتيل غضبه بهذه الجملة الذي نبسها بجدية وثبات وببسمة أثار استفزاز وغيظه.
ضغط على أسنانه وشرع في الرد عليه لكن الأخر أوقفه عندما استكمل حديثه:
“ماتتعصبش،وفر عصبيتك دي لبعدين دي هتحتاجها صدقني..،المهم الجلسة بعد أسبوع عايزك تبقى جاهز علشان أنا جاهز أوي ومن دلوقتي،جاهز إني أدفعك تمن اللي عاشته،مش هأذيك في أبوتك بس هأذيك كطليقها،أنا مش جاحد علشان أحرم أب من ابنه،أنا لو ربنا كرمنا وكسبنا القضية هخليك تشوفه بس زي ما المحكمة هتقرر ولا أكتر ولا أقل،ده اللي ليك عندي من حسن نيتي وتربيتي غير كده مش هتشوف غير كل شر..،أنا كده خلصت اللي عندي..عن اذنك”
أنهى جملته والتفت لكي ينصرف،توقفت أقدامه حينما هتف الأخر بجمود:
“هي سحرالك ولا ايه؟؟،مش مصدق إنك بتعمل كده علشان بتحبها بصراحة،أصلها فيها ايه يتحب أصلا؟؟”
انقبضت ملامح سامي للحظات،وعبر الغضب عن نفسه في نظرة خاطفة اشتعلت في عينيه حين تجرأ الآخر على الحديث بسوء عن زوجته. بدا وكأن صراعًا داخليًا يخوضه ليلجم انفعاله،لكنه نجح في السيطرة على أعصابه. أخذ نفسًا عميقًا،وكأنما يطفئ نارًا كادت تشتعل.
التفت إليه بهدوء،بنظرات حادة ولكن متزنة،ثم أجابه بنبرة بسيطة وواثقة،تعلوها بسمة هادئة كأنها إشارة خفية على تفوقه. تلك البسمة،بدلاً من أن تهدئ الموقف،أشعلت غضب الآخر أكثر،وكأنها سلاح أطلقه سامي مع كلماته:
“كلها..،كلها يتحب والله،ليلى ويزيد أحلى حاجة حصلتلي في حياتي،أنا محظوظ إنهم بقوا جزء من حياتي،لو فاكر إنها سحرالي،فهي سحراني..سحراني بجمال عيونها،وبطيبة قلبها وحنيتها اللي ماشتفهاش ولا هشوفها في حد غيرها..،ربنا كرمني بيها علشان تكون أحلى هدية في العمر كله”
“أنتَ معمي على عيونك،أنت متعرفش حقيقتها ولا تعرف هي كانت بتعمل ايه لما كانت متجوزاني،اللي مبسوط إنك اتجوزتها كانت بتضرب واحدة قد أمها،ياعالم جايز وأنت وقاف قدامي دلوقي بتفتخر بجوازك منها تكون بتمارس مهارتها الجسدية على والدتك،وبتفتخر بيها قدامها”
ضحك سامي بسخرية واضحة،صداها يملأ المكان. اقترب منه بخطوات بطيئة ومدروسة،كصياد واثق من فريسته،ثم رفع يديه فجأة وضرب بكفيه على ذراعيه من الأعلى،كأنه يعلن سيطرته المطلقة. نطق بعدها بصوت واثق وثابت،كأنه يرمي بكلماته كسهام لا تخطئ الهدف،يملؤها التحدي واليقين الذي لا يهتز:
“ماتقلقش،زمان مراتي وهدية عمرى قاعدة مع أمى وأختى وفي وسطهم يزيدو بيعملوا أحلى غدا مع بعض،علشان نتجمع على سفرة واحدة الليلة،نتعشا كأسرة حلوة مع بعضينا،كنت أتمنى أعزمك بس للأسف مش هينفع علشان غير مرحب بأصحاب النفوس السودا..ياأستاذ عاصم،ابقي سلملي على الست الوالدة بقا،عن اذنك”
أنهى جملته بغمزة عابثة،وكأنما أراد أن يُشعل فتيل الغيظ قبل أن يُغادر. التفت بخفة،وخطا خطوات واثقة نحو الدرج،ممعناً في إظهار لا مبالاته. على شفتيه ارتسمت بسمة جانبية ماكرة،تحمل من السخرية بقدر ما تحمل من الانتصار. لم ينظر خلفه،وكأنه واثق بأن أثره سيظل حاضرًا.
أما الآخر،فقد تجمد في مكانه،تتسارع أنفاسه وكأنما يحاول كبح بركان غضبه المتأجج. عيناه تابعتا جسده الذي يبتعد،وكلما زاد بعده،زادت شعلة الغضب داخله توهجًا،حتى بدا وكأن الانفجار وشيك.
___________________
في جهة أخرى…
كان يسير في طريق مزدحم،يلتف حوله ضجيج الحياة وحركة الناس،بعد أن انتهى من عمله منذ دقائق قليلة. لكن رغم الزحام، كانت خطواته هادئة وثابتة،وكأنها تنبض بنغمة شخصية قوية ترفض الانسياق وراء الفوضى. كانت عيناه مُثبتتين على الأرض،كأنه يهرب من التحديق في الوجوه التي تمر بجانبه،لا تهمه سوى خطواته الخاصة.
وفي صمت يملأه السكون الداخلي،كان يذكر الله بصوت هادئ أقرب للهمس،يردد الكلمات بنية خالصة،وكأنها تفتح له باب الطمأنينة وسط كل ما حوله من صخب. استمر في السير،مغمورًا في لحظاته الخاصة،لا يبالي بالعالم الذي يمضي من حوله.
فجأة،شعر بشيء يصطدم بقدمه،فهبط رأسه بشكل تلقائي ليطالع الكرة التي انطلقت تجاهه من جهة مجهولة. رفع رأسه بسرعة،بحثًا عن مصدر تلك الكرة التي عكست حركة غير متوقعة وسط الزحام. توقفت عيناه على طفل صغير،لا يتعدى عمره السادسة،ينظر إليه بتردد وقلق.
اقترب منه بخطوات هادئة حتى أصبح مقابلًا له تمامًا،وفي عينيه تلاقت مشاعر الحذر والاهتمام. ابتسم الطفل بخجل، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الخوف من رد فعله،كأنه يترقب غضبًا قد ينسف براءته. لكن الآخر،بدلاً من أن يغضب،ابتسم له بحنان،ابتسامة تعكس الطمأنينة واللطف،ثم جلس القرفصاء أمامه،بهدوء تام،وأمسك بالكرة برفق،وأردف بهدوء ولطف:
“بتاعتك؟؟”
أومأ له الطفل بالإيحاب بحركة بسيطة،فابتسم له حسن بلطف ثم أعطاه الكرة،فخطفها الأخر منه بسرعة،مما جعله يضحك بخفة ويقول بإهتمام:
“خد بالك مرة تانية،ماينفعش تلعب في مكان زحمة زي ده والعربيات رايحة جايه كده،ممكن تتخبط لقدر الله”
أومأ له الطفل سريعاً ثم ابتسم له ونبس بإمتنان:
“شكراً”
ركض بعد كلمته الصغيرة تلك تاركاً الاخر ينظر لجسده الصغير المبتعد بإبتسامة لطيفة علت وجهه،تملأها الدفأ والحنان.
وقف من جديد،متمسكًا بثباته،ثم استقام بجسده وكأنما يستعد للانطلاق في طريقه مجددًا. لكن عندما التفت ليكمل سيره،اتسعت مقلتيه فجأة عندما وقعت عيناه عليها،وهي تدلف إلى إحدى المحلات على جانب الطريق.
تشنج في مكانه،وتردد بين أن يتجاهل رؤيتها ويكمل طريقه،وبين أن يتبع خطواتها. لكن قلبه،الذي لا يخضع للمنطق أحيانًا،أعطاه الجواب سريعًا. دون نقاش أو تفكير طويل،شعر بشيء داخله يدفعه لمتابعتها. فخطا خطواته بثبات نحو المحل حيث ولجت…
توقفت أقدامه أمام المحل لتتسع مقلتيه أكثر حينما وقعت عينه عليها وهي تفعل ماخطر على ماباله للحظة الأولى حين رأها. أبصرها تلتفت يميناً ويساراً وعلامات القلق لاتفارق وجهها،أمسكت بشئ من إحدي الرفوف وكادت أن تفعل ماأتت لاجله وماتوقعه هو..
لكن دون وعي منه ودون أن ينتظر لحظة،تقدم نحوها بخطوات سريعة،قاطعًا المسافة بينهما في لمح البصر. وبدون أن ينبس بكلمة،حط ما كان في يدها بسرعة خاطفة،كما لو أنه يريد أن يمنعها من اتخاذ تلك الخطوة.
وفي اللحظة التي رفعت فيها عينيها لتبصره،كان هو قد التقط عبوة أخرى مما اختارته،ثم ابتعد عنها،متجهًا نحو مدير المحل بكل هدوء. تركها هناك،في صدمتها وذهولها،تتأمل وجوده المفاجئ أمامها،وكأنها لم تدرك بعد كيف وصل إلى هذا المكان،أو ما الذي دفعه ليفعل ما فعله.
وضع هو ماأخذه على المكتب أمام المسؤولة عن المحل،وتحدث معها بأدب وعينيه تتابع ما وضعه فقط لاغير:
“لوسمحتِ هاخد دول”
تفاجأت للوهلة الأولي مما تراه. إذ كان شاب في مقتبل عمره يطلب منها شراء عبوتين من أحمر الشفاه الخاص بالنساء. لكن تلاشت دهشتها تلك عندما أبصرت الأخيرة تقف بعيداً،فأدركت الأمر وأخيراً وعلمت أن مايريد شراءه كان لتلك الفتاة.
أومأت له بالايجاب ثم التقطت ماوضعته،ورفعته أمام عينه وقالت:
“أنا شايفة إن درجة الروج دي مش هتليق على الأنسة،في درجة لون لسه وصلّنا من شوية،أظن هتليق عليها أكتر”
للحق هو لايفهم في هذه الأشياء ألبتة،حتى أسمائها نادراً مايعلمها،لذا ضم شفتيه ثم أشار على إحدي العبوات التي تمسكها وقال ولاتزال عينه لا تلتقى بها:
“ممكن تخلي ده،وتغيري التانية للون اللي حضرتك بتقولي عليه”
أومأت له بتفهم ثم أخذت في تجهيز ماقال،وبعد لحظات قليلة عادت إليها وأعطته الأشياء في حقيبة صغيرة مرددة ببسمة هادئة:
“اتفضل”
تناول منها الحقيبة بهدوء،ثم سألها عن السعر. تلقى منها الجواب بصوت هادئ،وأعطاها ما طالبت به دون تردد. بعد أن تمت المعاملة،شكرها بإيماءة بسيطة من رأسه،كأنه لا يريد أن يطيل الحديث أو يلفت الانتباه.
ثم،وبعد أن انتهى من كل شيء،التفت نحو تلك التي كانت تراقب المشهد من بعيد. كانت واقفة هناك في حالة من التوتر والخجل،وعيونها تلاحقه بحذر،وكأنها تخشى أن تلتقي بنظراته.
ولكن ماكانت تخشاه قد حدث حينما اقترب منها وحثها بإشارة بسيطة منه بالخروج منه. امتثلت هي لطلبه دون إضافة كلمة وسارت للخارج.
وقفا أمام المحل والتفت هو لها،ومد يده بالحقيبة نحوها مرددا بصوت خافت هادئ وعينها تطالع الأرض فقط:
“اتفضلي”
طالعت الحقيبة لثواني ثم حركت رأسها بالنفي مرددة:
“أنا مش عايزاهم..”
أجابها بهدوء واتزان:
“أنا خلاص جبتهم،وأنتِ عارفة إني معنديش إخوات بنات فأكيد مش هحط منهم أنا يعني”
ابتسمت بعفوية على حديثه،لكن سرعان ماتذكرت الموقف البشع الذي هي به فأخفت ابتسامتها بسرعة،وتناولت منه الحقيبة دون كلمة إضافية،وشرعت في إخراج النقود من حقيبتها،لكن يده أوقفتها حينما وضعها أمام يدها وقال:
“هبقى أحاسب موسى”
ابتلعت ريقها بتوتر،ولم يكن لديها خيار سوى الموافقة فقط. فأومأت له بالإيجاب في صمت،كأن كلماتها قد توقفت عند حاجز من القلق.
عندما رأى إيماءتها،تحرك هو بثبات،ملتفتًا برأسه نحو الطريق. لم يضيع وقتًا،بل أشار بسرعة إلى إحدى سيارات الأجرة المارة،كأنما يريد إنهاء اللحظة بأسرع ما يمكن،تاركًا خلفه أجواء التوتر التي كانت تحيط بهما.
سارت معه نحو السيارة،وقام هو بفتح الباب الخلفي لها،وعندما تأكد من جلوسها براحة،اتجه نحو السائق ومال بجسده قليلاً وتحدث معه برتابة وهو يعطيه مبلغ من المال:
“وصل الآنسة لحارة***،وخلى الباقي علشانك”
أومأ له السائق وابتسم له بإمتنان على ماقدمه من نقود،فاستقام هو بجسده مجدداً وابتعد قليلاً عن السيارة،لكن صوتها جذب انتباهه إليها حين أخرجت رأسها من النافذة بجوارها وقالت:
“مش هتيجي معايا؟؟”
حرك رأسه بالنفي،يجيبها:
“لأ،أنا عندي مشوار قريب”
أومأت له بتفهمٍ،ثم اعتدلت في جلستها،ليشير هو للسائق بإلانطلاق. التقطت الأخير اشارته وثواني قليلة وكانت السيارة تنطلق،وهي بها تراقب جسدها حتى اختفي تماماً عنها.
أم هو فاكتفى بأن ينكس رأسه بإستحياء حتى تأكد من ابتعادها عنه بالسيارة حتى لاتلتقي عينه بها. ليتنفس الصعداء بعدها ويلتفت ويتابع سيره لوجهته هو يردف بصوت خافت هادئ:
“يالله يامعين”
___________________
مع مرور الوقت…
مرت الساعات ثقيلة على قلبه،كل دقيقة فيها كانت أطول من التي قبلها،حتى وصل أخيرًا لحظة اشتاق قلبه لها. دلف إلى الشقة باستخدام مفتاحه الخاص،يفتح الباب بهدوء وكأن اللحظة التي كان ينتظرها قد أصبحت بين يديه. وضع حقيبة سفره جانبًا،ثم تقدم نحو الداخل،ملامح وجهه تعكس فرحته العميقة،وبسمة عريضة توزعت على شفتيه كأنها لا تكفي لاحتواء سعادته.
وهتف باسمها،بصوت يختلط بالحماس،معلنًا لها عن وصوله كما لو أنه يريد أن يشاركها اللحظة بأسرها:
“دلال!..أنا جيت”
لم يصل إليه أي صوت يدل على وجودها،فاستمر في السير داخل الشقة،حتى وصل إلى غرفة نومهما،وهناك في زاويتها،وجدها جالسة على الفراش،تمسك بهاتفه بيدها. ملامح وجهها كانت جامدة،غريبة،كأنها لا تنتمي إلى المكان أو اللحظة.
شعر بقلبه ينتفض قلقًا عليها،كأن شيئًا غير طبيعي يحدث. لم تكن تلك هي الصورة التي توقعتها عيناه،وكان القلق يتسارع في صدره،يدفعه للاستفهام عما قد جرى،ليقول:
“دلال!..مالك؟”
نهضت من مجلسها واقتربت منه بملامح لم تفسر،ثم رفعت الهاتف في وجهه،ليشاهد شئ جعل ابتسامته تتبدد ويحل بعدها الجمود والصدمة على وجهه،وهو يستمع لسؤالها له:
“ايه ده؟؟”
___________________
في جهة أخري…
وقف هو هذه المرة في منتصف الغرفة يتحدث إلي خمستهم بحماس وجدية،فحل هذه المشكلة مرتبط بحلم حياته. فإذا لم ينجح في حلها ستنتهي حياته على قوله هو.
“ركزوا معايا..مش عايز أشوف واحد نايم ولا واحد بيشرب سيجارة،ولا واحظ ماسكلي كورة بيلعب بيها”
قال كلامه بجدية وهو ينظر صوب حسين وكارم ومحسن والذين جلسوا على اريكة واحدة أمامه مباشرة،بينما جلس كل من حسن وسامي على الأريكة على يمينه.
“ودلوقتي أحنا في موقف عصيب،وكلنا في مركب واحدة،يعني من الأخر يانعيش عيشة فل يانموت احنا الكل..تمام يارجالة؟؟”
وكان كل ماسمعه بعد جملته تلك هو الصمت لاشئ أخر،ليتلاشى حماسه،ويُقضى عليه من قبل خمستهم.
طالعهم بصدمة للحظات وهو يمرر عينه عليها فإنتظار أن يتلقى كلمة تشجيع من أحدهم،لكن لا شئ..
زفر بضيق ثم أومأ بالإيجاب وتابع حديثه بعد خيبة الأمل تلك:
“المهم..احنا دلوقتي قدامنا حلين مالهمش تالت،ياإما أنشر post أكدب في الخبر والمقالة دي وأنهى الموضوع أو أزود إثارة الجدل أيهما أقرب،ياإما أطلع وآكده..وساعتها بقا مش عارفين إذا كان ده هينفعنا ولا يضرنا،اتفضلوا قرروا واتناقشوا معايا في الحل”
تبادلوا النظرات فيما بينهم،ثم عاد إليه بنظراتهم ليبادر حسن في الحديث بقوله:
“دلوقتي احنا زي ماقلت قدامنا حلين بس واللي أنت قلتهم،لو سألتني عن رأيي هقولك الحل التاني،لأني شايف إن احنا مانكدبش ونقول الحقيقة”
“ليه؟؟”
سؤال خرج من موسى سريعاً ليحصل منه عن سبب اختيار الأخير للحل هذا،لكن كان ماحصل عليه هو:
“لأن الكدب الحرام”
تشنجت ملامحه للحظات وهو يرفرف بأهدابه ببلاهة،بينما انفجر كل من محسن وكارم ضحكاً على الموقف،إلى أن توقفوا حينما نظر إليهم سامي بتوعد،ثم عاد للأخير وقال:
“أنا شايف حسن معاه حق،صحيح احنا مش ضامنين شغلنا هيمشي إزاي بعد مانعمل كده،بس أهو أحسن من إننا نكدب على الناس”
التفت موسى بنظراته نحو الثلاثة أمامه وقال:
“وانتوا رأيكم ايه ياشباب؟؟”
أجابه كارم أولاً ببساطة:
“أنا شايف نكدب،ده أضمن إن شغلنا يمشي زي ماهو”
أيد محسن حديث الأخر بقوله:
“أنا مع رأيه”
“اتوقعت ده يكون ردكم..طب أنت ياحسين؟؟”
نظر موسى نحو حسين في نهاية جملته،ليعتدل الاخر في جلسته ويجيبه:
“أنا شايف إننا نقوم نروّح،ناكلنا لقمة،وبعدين نيجي نشوف الكلام على ايه”
ضحك كل من كارم ومحسن على حديثه بصوت مرتفع،بينما ابتسم حسن وسامي بيأس منه،أما موسى فقد تجاهل حديثه تماماً ومرر نظره على البقية وهو يقول:
“يعني دلوقتي عندنا اتنين مع الحل الأول واتنين مع الحل التاني،والتالت بيفكر في بطنه كالعادة..،برده كده ماوصلناش لحل”
تنهد سامي بعمق ثم أردف برتابة:
“بص ياموسى،دلوقتي احنا لو أكدنا الخبر هيحصل حاجة من اتنين،ياإما شغلنا هيفضل زي ماهو ومايتأثرش،ياإما هايتأثر وينتهي كل اللي عملناه،أصل ماتنساش إن احنا ضربنا بسبب الغموض على هويتك،جهل الناس بإسمك وشكلك هو اللي جذب الانتباه لينا وخلانا نتشهر بسرعة،بس بعد ماتتكشف الغموض ده هيروح وبالتالي الانتباه هيقل والعين هتغيب من علينا،ومش هنتشاف زي الأول..،فاحنا دلوقتي محتاجين نفكر كويس قبل ماننتسرع وناخد قرار حاسم زي ده”
“ماأنا بقول كده برضه ياسامي،أنا كل خوفي إننا لو أكدنا اللي بيتقال وطلعت اعترفت إني MF،الناس بعد كده مش هتهتم أوي بينا زي الأول،لأن زي ماأنت قلت اللي كان بيشد الناس لينا هو هويتي المجهولة مش بس شغلنا..،واحتمال كبير للأسف شغلنا يتأثر،أنا بجد مش عارف هنتصرف إزاي،حاولوا كده تفكروا أكتر معايا ياجماعة”
انتظر إستجابة منهم أو حتى إجابة،لكن كل ماتلقاه كانت نظرات،نظرات لم تتوجه إليه،بل توجهت على شئ خلفه كان يجهله.
تلفت بجسده محاولاً معرفة ما الذي يجذب انتباههم،لكن قبل أن يستوعب أي شئ،شعر بجسده يترنح،ثم سقط أرضاً بعدما تلقى لكمة في منتصف وجهه،من قبل طارق،الذي كانت عيناه تطلق الشرر تجاه. وبعد لحظة،شعر بصدمة عميقة،بينما كانت يده على وجهه في موضع الضربة،يحاول استيعاب ماحدث،ليهتف بعدها
بصدمة
وانفعال:
“ليه بس؟؟أنا عملت ايه؟؟”
يتبع…
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.