رواية موسى (على دروب الحكايا) الفصل الثاني عشر 12 – بقلم امل بشر

رواية موسى (على دروب الحكايا) – الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر(ليس غريباً!)

الفصل الثاني عشر(ليس غريباً!)

هناك مشاعر تولد..

ومشاعر تتبدد..

ومشاعر تتجدد..

_____________________

كلمة!

مجرد كلمة تفوه بها جعلتها تغرق في ذكريات قد مضت،لتجد سبباً لهذا الإعتذار المفاجئ،ولكن عندما فشلت في ذلك،لم

تجد حلاً إلا سؤاله.

“دلال!”

وضعت القماشة في المياه وأخذت بضغطها وهي تجيبه ببسمة هادئة لإدراكها لحالته تلك:

“نعم!”

اتتها الإجابة سريعة منه وهو يغمض عينه مرة أخري:

“أسف”

اختفت ابتسامتها وتشنجت ملامحها وتوقفت عما تفعله،ورمقته بدهشة واستغراب بعد كلمته تلك والتي لم تسمعها منه منذ وقت طويل وخاصة بهذه الجدية..؛بدأت التساؤولات تكثر في عقلها بعد هذه الكلمة بالتحديد،وكان أهمهم..لما ومن أجل ماذا هذا الإعتذار؟!.

ظلت تطالعه في صمت وتعجب لثواني معدودة،حتي اتخذت الخطوة وشرعت في سؤاله بنبرة هادئة:

“ليه؟!..بتعتذر ليه؟؟،وعلشان ايه؟؟”

لم تصل إليها إجابة منه،فوضعت يدها علي ذراعه وأخذت تناديه:

“موسى!..موسى!”

استيقظ وأخيراً علي صوتها،وأجابها دون أن يفتح عينيه:

“نعم!”

أبعدت يدها عنه وصمتت لثواني ثم أردفت:

“بتتأسف مني ليه؟!”

فتح عينه قليلا بتعب وأردف بإرهاقٍ:

“مين اللي اتأسف؟؟”

“أنتَ..،أنتَ من شوية اتأسفت..،قلت أسف”

“قلت أسف ليه؟؟”

“ماأنا بسألك”

حرك رأسه بالسلب تزامناً مع قوله:

“أنا معرفش،معرفش مين اللي اتأسف،ومعرفش ليه،أنا عايز أنام بس..،سبيني أنام”

أنهي جملته وهو يغلق عينه مجددا،وغط في نوم عميق بسبب تعبه الشديد؛بينما هي استمرت في الحفاظ علي هدوءها وثابتها،ولم تضغط عليه ليجيبها،فهي تدرك وضعه وحالته هذه جيدا.

ارتسمت علي وجهها بسمة صغيرة وهي تستعيد إحدي ذكرياته معها…

Flashback (قبل 13 عام)

دلف إلي شقته وهو يحمل حقيبة بلاستيكية منتفخة قليلا؛ثم نزع حذائه واتجه نحو غرفته ودلف إليها،وما إن وقعت عينه عليها وهي تجلس علي فراشه وحولها الكثير من الكتب،تحدث بحنقٍ:

“يعني أنتِ سايبة العمارة كلها وقاعده تذاكري في أوضتي!”

طالعته ببسمة هادئة وهو تجيبه بنبرة واثقة امتزجت بالتحذير له:

“عندك مانع”

حرك راسه بالنفي تزامناً مع قوله بلينٍ،ونبرة تنافت مع سابقتها:

“لأ،خدي راحتك خالص”

عادت لتطالع كتابها وهي تبتسم بإنتصار،بينما هو اقترب منها ومد يده بالحقيبة وقدمها لها قائلا:

“خدي”

رفعت رأسها وطالعت مافي يده ثم سألته مستفسرة:

“ايه ده؟؟”

أخذت الحقيبة منه بينما هو أجابها:

“ده كيس في بسكويت وشيبس وشيكولاته وطبعاً عصير جوافة وساقع كمان”

ردت عليه بسخرية:

“وطبعاً الحساب وقت الحساب”

“أومال،هو دي فيها جدال”

ضحك كلاهما بخفة ثم التقط هو عبوة من مشروب الجوافة ودلف إلي الشرفة،بينما هي شرعت في إخراج باقي الأشياء،وعندما انتهت التقطت عبوة من البسكويت وعبوة من المشروب وبدأت بتناولهم بينما تقرأ من الكتاب الذي وضع أمامها على فراش الأخير،الذي كان يشاهد الأناس في الأسفل وهو يحتسي ذلك المشروب،ولكن فجأة انتبه لها عندما تحدثت:

“بقولك ايه ياموسى،ماتيجي تشرح لي الجزئية دي!”

رمقها بطرف عينه ثم أجابها بحنقٍ:

“أنت هتستعبطي يادلال!،مين اللي يشرح لمين!،ده أنتَ خاتمه المنهج لحد دلوقتي مرتين،وأنا ماكتبتش اسمي علي الكتاب لحد دلوقتي”

“خلاص تعالي أشرح لك أنا”

“لأ،وبلاش الحبتين دول علشان أنا مش هذاكر يادلال”

أنهي جملته وهي ينظر صوب الشارع من جديد،بينما هي استأنفت حديثها بقولها:

“طب خلاص،أنا هالعب معاك..هسألك سؤال وأنتَ تجاوب..،وأنا اللي هبدأ..”

نظرت للكتاب ثم طالعته من جديد وهي تستأنف حديثها:

“سؤال سهل اوي..،ماهي حالات المادة؟؟”

حرك كتفيه بسخرية واجابها بثقة دون أن يلتفت إليها حتي:

“سهلة..،سخن ساقع بخار”

ْفتحت فمها ببلاهة وهي تطالعه بدهشة من إجابته الغريبة تلك،ثم زفرت بضيق وتحدثت بحدةٍ:

“بذمتك دي الإجابة؟؟”

“لأ،أنا بعلمهم فدماغي بده،أما الإجابة هي صلب وسائل ومياه غازية..أقصد غازي يعني”

رفرفرت بأهدابها عدو مرات ثم اردفت بنبرة هادئة:

“موسى!

..،

أنتَ فاشل في العلوم”

التفت لها بسرعة وأشار بسبابته علي جسده مرددا بإستنكار ممتزج بسخريته:

“أنا!،ده أنا لسه كنت قاعد أول امبارح علي القهوة مع الحاج نيوتن بتناقش في مشكلة المصباح الكهربي،وإزاي نخليه يوفر كهربا وطاقة”

“لحظة!،هو نيوتن هو اللي اخترع المصباح الكهربي؟!”

“يعني أنتِ سيبتِ كل الهبد اللي قلته ومسكتِ في دي؟!،ده أنتِ عبيطة خالص”

“أنت اللي عبيط والله”

تفوهت بهذه الجملة وهي تلقي عبوة المشروب الفارغة عليه،ولكن لسوء حظها وحسن حظه هو،استطاع أن يتفادها ووقعت إلي الأسفل،فابتسم بإنتصار وهو يرى نظراتها المغتاظة منه،ولكن لم تطل هذه الابتسامة لثواني عندما وصل إلي مسامعه صوت والده الخشن بقوله:

“أنتَ ياحمار ياللي رميت العلبة علي رأسي”

نظر صوب الأسفل سريعاً وتحدث مع والده معتذراً:

“حقك عليا ياحج،وقعت غصب عني،أنا أسف”

“استنى لما أطلعك وأوريك الأسف علي أصوله ياروح أمك”

“مستنيك ياحج”

أنهي جملته ثم التفت لها بنظرات غاضبة،وهو يضغط علي أسنانه مرددا:

“أنتِ!..”

لم تنتظر طويلا بل وقفت سريعا وشرعت بالخروج من الغرفة وركض هو خلفها تماماً،حتي أغلقت باب الغرفة في وجهه،فأمسك بمقود الباب وحاول فتحه مرددا بوعيدٍ:

“مش هسيبك!”

وصل إليها صوتها وهي تقول:

“الباب بيفتح لجوه ياغبي”

تشنج للحظات عندما استيعاب الأمر،ثم فتح الباب ودلف للخارج بسرعة وهي يركض خلفها علي الدرج مرددا بغضب مزيف:

“تعالي هنا!”

Back

عادت من هذه الذكرى الطويلة بينها وبينه،والتي لطالما كانت ذكرياتهم تحمل طابع البهجة والمرح دائما،ولكن فجأة تغير كل شئ،ليصبحا أشبه بالغريبين

،بعدما كان يتصنع الغباء في فتح الباب حتي يترك لها مجالاً للهرب،اليوم أصبح هو من يهرب منها،والسبب لاتزال تجهله.

“ايه اللي حصل وغيّرك..معرفش..،بس عندي أمل إني قريب ممكن أعرف”

أطلقت تلك الكلمات وهي تطالع وجهه بسمة هادئة،ثم تنهدت وأخذت بتبليل القماشة من جديد ووضعتها علي جبهته،واستمرت في العناية به وهي تطالعه بحنانٍ،كأنه ولدها وهي والدته.

_____________________

بدأ بالإستيقاظ بعدما زال تعبه إلي حد ما؛وضع يده علي وجهه وشرع بفتح عينه شيئاً فشيئاً للإعتياد علي ضوء المكان،وماإن فتح عينيه دار بهما في الغرفة حتي وقع نظره عليها وهو تجلس علي مقعد مجاور لفراشه وتعبث في هاتفها.

“أنتِ لسه هنا؟!”

انتبهت له فور كلماته تلك وتركت الهاتف من يدها،ثم اقتربت منه بلهفة وخوف مرددة:

“أنت صحيت!،حاسس بإيه دلوقتي؟؟،لسه جسمك بيوجعك؟؟”

فتح فمه ليجيبها ولكن منعته هي بقولها:

“استني هقيس لك الحرارة”

تناولت المقياس من علي المنضدة بجوار فراشه ثم أعطتها له ليضعها في فمه مرددة بلينٍ:

“خد!”

نهض من علي الفراش واعتدل في جلسته،ثم تناوله منها ووضعها في فمه،وظل يسرق النظر لها وهي فقط تقف بجواره تتابعه بإهتمام وقلق عليه.

انتهت المدة ومدّت يدها لتأخذه منه مرددة:

“جيبه!”

أخرجه من فمه وأعطاها إياه في صمت تام،فتناولته منه وعندما قرأت درجة الحرارة أومأت بالإيجاب بحركة بسيطة تزامناً مع قولها الهادئ:

“كويس،٣٧ ونص نزلت خالص الحمد لله”

رفع عينه ونظر لساعة الحائط المعلقة بجوار الباب فوجد أن الساعة اقتربت من الخامسة عصراً فعاد إليها من جديد وسألها بنبرة هادئة:

“أنتِ ماروحتيش؟!”

أعادت المقياس إلي مكانه وهي تجيبه:

“كنت عايزني أسيبك ازاي وأنت تعبان!!”

“يعني أنتِ كنتِ جنبي طول الوقت ده؟!”

أومأت له بالايجاب مرددة ببساطةٍ:

“آه،ماكنش ينفع أسيبك وأمشي،أنتَ كنت بتهلوس وأنت نايم”

اتسعت حدقتيه بصدمة وأردف مستفسراً:

“ايه!..،بهلوس ازاي؟!،قلتّ ايه؟؟”

ردت عليه ببسمة صغيرة بدت للأخير مستفزة:

“قلت حاجات كتير أوي”

سألها بلفهةٍ:

“ايه؟!،قلتْ ايه؟؟”

أجابته سريعاً:

“كنت فاكر إني لسه في الجامعة وإن عندي امتحان..،وقلت إنك هتتجوز فيروز وفضلت تقول إنها كبرت وبقت جميلة أوي،و..”

صمتت في تلك اللحظة مما أثار شكه وسألها سريعاً:

“وايه تاني؟!،خرّفت وقلت ايه تاني؟؟”

ظلت تطالعه للحظات في صمتٍ ثم أردفت بنبرة هادئة:

“اتأسفت..،قلت أسف”

رد عليها بصدمة:

“ايه؟!”

“اعتذرت ليه؟؟”

طالعها في صمت للحظات ثم أبعد عينه عنها وهي يجيبها ببرود مصطنع:

“وأنا ايه اللي عرفني،دي هلوسة،كنت بقول أي كلام يعني”

“ماهو اللي بيهلوس دي ساعات بيقول حاجات بيبقي متردد يقولها وهو واعي أو..مش عايز يقولها”

نظر إليها من جديد وسألها بحنقٍ:

“قصدك إن عايز أعتذر منك يعني؟!”

“معرفش،وحتي لو آه..ليه؟؟،ليه بتعتذر وعلشان ايه؟؟”

ابتلع ريقه ونظراته ثابتة عليها ثم أجابها بعدم اهتمام وهو يعتدل من جلسته:

“كنت بخرّف..،كنت بقول أي كلام وخلاص،أصل هعتذر منك ليه يعني!،هو أنا غلطت فيكِ مثلاً!”

أنهى جملته وهو ينهض من علي الفراش ولكن شعر فجأة بالدوار واختل توزانه وقبل أن يقع كانت يديها تمسك بذراعيه مرددة بخوفٍ:

“حاسب!”

تحكم في نفسه واعتدل في وقفته ثم وضع يده علي عينه وقال:

“دُخت فجأة”

ساعدته في الجلوس علي طرف الفراش وهي تجيبه:

“علشان قُمت فجأة من علي السرير،اقعد ارتاح شوية لحد مالدوخة تروح”

أومأ لها بالإيجاب وهو ينظر للأرض،فستأنفت هي حديثها بقولها له:

“اقعد هنا،هاروح اجبلك كوباية مايه”

“ماشي”

دلفت من الغرفة ورافقه هو بنظراته المُعتذرة وهمس قائلا بحزنٍ:

“أسف..بجد”

ثواني وعادت فنظر للجهة الاخري حتي اقتربت منه وأعطته كوب الماء بقولها الهادئ:

“اتفضل!”

تناوله منها واحتسى منه القليل ثم أعطاها لها من جديد،فوضعته هي علي المنضدة بجوار الفراش ثم اتجهت إلي خزانته وأخرجت منها بعض الثياب وهو يراقبها فقط،حتي أتت إليه مجددا وأعطتها له مرددة وهي تشير على الثياب بعينيها:

“خد!،ادخل خد دُوش هتلاقيك عرقان دلوقتي،لما تستحمي هتفوق”

حرك راسه بإماءة بسيطة بالإيجاب مرددا:

“ماشي”

تناول منها الثياب ثم نهض من علي الفراش ودلف من الغرفة متجهاً نحو المرحاض،بينما هي رافقته بنظراتها حتي اختفي اثره،فضمت شفتيها ثم همست لنفسها:

“مظبوط..هتعتذر ليه مثلا”

تنهدت بعمق ثم التفت والتقطت مقياس الحرارة وكوب الماء ودلفت من الغرفة هي الأخري قاصدة المطبخ.

_____________________

خرج من المرحاض بعدما انتهي من الاستحمام وبدّل ملابسه،ثم اتجه لغرفته وقضى الفرض الذي فاته،وعندما انتهي خرج من الغرفة فوجدها تضع له بعض الطعام علي الطاولة وترتب الأطباق،فانكمش حاجبيه واقترب منها بقوله:

“ايه ده؟!”

نظرت للطعام علي الطاولة ثم أجابته:

“ده شربة خضار،كنت عاملهالك لما كنت نايم،واستنيت لحد ماتصحى علشان تاكل منها،وأديك صحيت تعالا كل بقى”

أتاه الرد سريعاً منه بقوله:

“بس أنا مش عايز شربة خضار”

“دي احسن حاجة ممكن تاكلها دلوقتي،ومفيدة جدا لصحتك،علشان كده لازم تاكلها،وغير كده فيها بسلة علشان عارفه إنك بتحبها”

نظر للطبق أمامه ثم قال بحنقٍ:

“بس انا مش بحب الجزر المسلوق”

“ماتاكلهوش،بس كل الباقي،يلا بقى اقعد”

تنهد بعمق ثم سحب أحد المقاعد وجلس عليها،وأمسك بالمعلقة وبدأ بالأكل ولكن توقف فجأة ونظر لها وأشار لها بالجلوس مع قوله ببرود مصطنع:

“اقعدي كلي معايا”

حركت راسها بالنفي تزامنا مع قولها:

“خليها مرة تانية،أنا لازم أمشي دلوقتي علشان ألحق اعمل الاكل لطارق،وماينفعش اتأخر أكتر من كده عليه”

“خالو مش هيقول حاجة علي فكرة”

“عارفة،بس أنا من الصبح بره البيت”

أومأ له بالايجاب ثم قال:

“ماشي،زي ماتحبِ”

عاد لتناول الطعام من جديد،بينما هي دلفت إلي غرفته ثم خرجت وهي تحمل حقيبتها،وتحدثت إليه:

“أنا همشي،بس أوعي تنسي تاخد الدوا بعد الأكل”

“ماشي”

“ولو حسيت بأي تعب كلمني”

“ماشي”

“وأنا هبقى أتصل أطمن عليك”

“ماشي..،حاجة تانية”

أنهي جملته وهو ينظر إليها فوجدها تجيبه:

“خد بالك من نفسك..،مع السلامة”

“مع السلامة”

أومأت له بالإيجاب ثم اتجهت نحو الباب وارتدت حذائها،بينما هو رافقها بنظراتها حتي وجدها تنظر إليه فنظر للطبق أمامه وتابع تناول الطعام،فتنهدت هي بعمق وهو تطالعه ثم دلفت للخارج،وما إن وصل إليه صوت غلق الباب،نظر نحوه وظل يطالعه في صمت ونظرات غلبها الحزن

والأسى.

_____________________

ترجلت من علي الدرج بخطوات ثابتة حتي خرجت من العمارة،وبدأت بالسير في طريقها إلي منزلها،ولكن فجأة شعرت بإهتزاز هاتفها وسمعت نغمة رنينه،فأسرعت في إخراجه من حقيبتها،وطالعت شاشته المضيئة ورأت هوية المتصل ففتحت المكالمة سريعاً وأجابت قائلة:

“ألو يافيروز”

وصلها صوت الأخيرة سريعاً تجيبها:

“ألو يادلال،عامله ايه؟!”

“الحمد للت ياروحي،أنتِ عامله ايه؟؟”

“الحمد لله بخير..،بقولك هو أنتِ في الصيديلة دلوقتي؟؟”

“لأ،ليه في حاجة؟؟”

“أنا كنت عايزة أجيلك أخد منك كريم لوشي بس مش مهم أبقى أعدي عليكِ في وقت تاني”

“لو عايزاه ضروري ممكن تقولولي اسمه وأبعتهولك؟”

أتتها الإجابة سريعا من فيروز بقولها:

“لا مش مهم..،أنا مش عايزها ضروري أوي يعني،بعدين ابقى أعدي عليك،تلاقيكِ أصلا مشغولة دلوقتي”

“لأ مش قوي،أنا كنت عند موسى من الضهر ولسه طالعه من عنده وهروّح علشان أعمل الأكل ليا ولطارق”

وصل إليها صوت الأخيرة تردف بنبرة سريعة امتزجت بالقلقِ:

“ليه موسى ماله؟؟”

عقدت دلال مابين حاجبيها لتفاجأها من قلق الاخيرة الذي ظهر في نبرتها،ولكن سرعان ماأجابتها بهدوء:

“كان تعبان شوية”

“أنا شوفته الصبح وكان باين عليه فعلا إنه تعبان،المهم هو كويس دلوقتي صح؟؟”

“أيوا الحمد لله بقى أحسن،كانت حرارته عالية بس رجعت طبيعية”

ردت عليها فيروز براحة:

“طب الحمد لله…،ماشي بقى أبقى أعدي عليكِ بعدين”

“تمام”

“باي”

“باي”

انتهت المكالمة،وأغلقت دلال هاتفها ثم ابتسمت ببسمة صغيرة وهي تنظر للهاتف في يدها،ثم همست لنفسها:

“هو في تبادل ولا ايه؟!”

اتسعت ابتسامتها ثم أردفت:

“يارب يبقى اللي بفكر فيه صح..،دي هتبقى حفلة”

ويبقي ماتفكر به مجرد توقع..

_____________________

وقف في شرفة غرفته يراقب غروب الشمس،وهي يحتسي من كوب الشاي الذي يمسكه بيده ببسمة هادئة زيّنت وجهه..

وفجأة تذكر شيئا فسارع في اخراج هاتفه من جيبه ثم هاتف صديقه وعندما أتاه الرد من الأخر أجابه بقوله:

“أيوا ياكارم..،بقولك خلي زيارة سامي لبكره أحسن،هو أكيد مشغول ومش فاضلنا دلوقتي،ده عريس جديد وعايز خصوصيته….،تمام ماشي بلغ الشباب..،تمام مع السلامة”

أنهي المكالمة مع تلك الكلمات ثم أعاد هاتفه إلي مكانه،وعاد ليطالع الغروب من جديد ولكن فجأة سمع صوت باب غرفته يُفتح،فالتفت ونظر نحوه فوجد والدته تتدلف للداخل وتقترب منه تزامناً مع قولها:

“أومال انتَ كويس أهو،أومال عمتك بتقول إنك تعبان ليه؟!”

طالعه بحزنٍ للحظات ولكن سرعان ماحاول إخفائه وتصنع الثبات بقوله:

“آه كويس..،كان شوية صداع وراح لحاله”

“كنت خُد باندول،هو في المطبخ عندك”

“أخدت،ماتقلقيش ياست الكل”

“ماشي،أنا هروح أحضر العشا علشان أبوك تلاقيه جعان دلوقتي،وأنت لو جعان خد تصبيرة من التلاجة لحد ماالاكل يجهز”

أجابها بجمودٍ:

“لا مش جعان..خالص،عن اذنك هاأنزل أصلّي المغرب علشان قرب يأذن”

“اتفضل،انا كمان هاروح اتوضى”

“ماشي عن اذنك”

أنهي جملته ثم خرج من الغرفة بعدما التقط قبعته من علي المنضدة وارتداها،وقام بوضع كوب الشاي الفارغ علي الطاولة في غرفة المعيشة،ثم اتجه نحو الباب ارتدى حذائه ودلف من الشقة مباشرة.

_____________________

مع مرور الوقت..

جلس في شرفة شقة جده في الطابق الثاني،وهي يضع ذقنه علي يده التي استندت علي السور بجواره،بينما عُلقت عينيه علي باب شرفتها لعلها تخرج منها وتخمد لهيب اشتياق قلبه لها،وهو يبتسم بحبٍ وشوق يزداد مع كل دقة لقلبه العاشق.

أخذ نفس عميقاً ثم تحدث بهيامٍ:

“قلبي العاشق لرؤياكِ مُشتاق”

“بتكلم نفسك تاني ياأهبل”

اختفت ابتسامته ثم التفت وطالع جده الذي دلف للشرفة وهو يستأنف حديثه:

“ده تاني مرة اشوفك بتكلم نفسك فيها،أنت اتجننت ولا ايه ياابن داود؟؟،وبعدين انتَ قاعد هنا لوحدك بتعمل ايه؟؟”

أتته الإجابة سريعا منه بسمة هادئة:

“مستني القمر يحن عليا ويطل”

“قمر مين ياابن الأهبل الليلة دي”

أنهى محمد جملته وهو ينظر صوب السماء،فنظر الأخر إليها ايضا ثم اردف:

“بخرّف ياجدي،ماتاخدش في بالك،ماتركزش معايا”

نظر لحفيده مجددا ثم أردف بسخرية:

“مش هركز،لو ركزت في كلامك هموت بدري”

ضحك موسى علي حديث جده ثم أردف بإبتسامة:

“بعد الشر عنك ياجدي،ربنا يخليك لينا ويطول في عمرك”

“ربنا هايطول في عمري لو بطلت أشوفك ياابن داود”

تجمدت ملامح موسى للحظات ثم وضع يده علي صدره وقال بمرحٍ:

“الله يخليك ياجدي”

ابتسم محمد بخفة علي فعل الاخير ثم قال بثبات:

“المهم أنا داخل أنام،ماتسهرش كتير،،مفهوم؟؟”

“حاضر..تصبح علي خير”

“وأنت من أهله ياأخويا”

أنهي محمد جملته ثم التفت ودلف من الغرفة وراقفه الاخر بنظراته حتي اختفي أثره،ثم التفت للجهة الاخري وطالع شرفتها من جديد وعاد لهيئته السابقة لينتظر أن يُطلّ قمره عليه ويبهج قلبه بنوره.

_____________________

انتهت تلك الليلة وجاء صباح يوم جديد..

كان يقف في الصف بين الرجال في الجامع خلف الإمام وهو يصلّي بهم صلاة الظهر،وماإن انتهوا بدأ الجميع بالخروج واحداً تلو الاخر ومنهم من في جماعات،حتي ظل هو برفقة والده الذي استقام واقفاً ثم حثّه علي النهوض بقوله:

“يلا مش هتقوم”

رفع راسه وطالع والده ثم قال:

“لا،اسبقني انت ياحج،أن هصلّي ركعتين لله”

“ماشي ياسيدي،ربنا يقوّي إيمانك،أنا همشي أنا”

أومأ له موسى بالإيجاب،فخرج داود وغادر المكان،بينما الأخر استقام واقفاً وشرع في أداء الركعتين بقوله:

“الله أكبر..”

وبعد لحظات أنهى صلاته بقوله وهو يلتفت لليمين ثم إلي اليسار تباعاً:

“السلام عليكم ورحمة الله…السلام عليكم ورحمة الله”

أخذ نفساً عميقاً ثم رفع كفيه قليلا حتي صاروا في مواجهة وجهه ثم شرع في الدعاء بقوله بنبرة هادئة سلسلة:

“اللهم إني قد أحببتها،فطوع لي أسبابك،وأصلحها لي وأصلحني لها..،اللهم قربني لما فيه خيرًا لي،واجعلني خيرًا لها..اللهم ارزقني بعظيم فضلك وواسع مغفرتك وعرض رحمتك ما يتمناه قلبي…اللهم ارزقني إياها،زوجةً لي..،اللهم كما جعلتها بين جدران قلبي اجعلها بين جدران بيتي،اللهم اجعلها من نصيبي،واجعلني من نصيبها،اللهم اجمعني بها في الحلال لأكون زوجاً صالحاً لها وحب صادق لقلبها…،أنت القادر فوق عبادك يارب العالمين”

مسح وجهه بكفيه وهو يقول بنفس الوتيرة:

“اللهم أمين يارب العالمين”

دعاءٌ خرج من قلبه وليس من فيِه،فتلك الكلمات كانت أمنياته ورجاءه من الله،فهو لايريد سواها،وأن يرزقه الله إياها.

_____________________

سار في طريقه عائدا إلي بيته حتي توقف أمام بيت صديقه عندما وجدها تخرج من مدخل البيت فاقترب منها ونادى عليها بنبرة هادئة ليجذب انتباهها إليه فقط:

“خالتي شمس!”

انتبهت له شمس فابتسمت بسعادة لرؤيته ثم قالت:

“موسى،عامل ايه ياحبيبي؟؟”

“الحمد لله ياخالتي أنتِ عامله ايه؟؟”

“أنا كويسة الحمد لله”

“يدوم حمدك ياخالتي..”

نظر صوب مدخل عمارة صديقه ثم عاد إليها من جديد وهو يستأنف حديثه بسؤاله مستفسراً:

“أومال كنت عند خالتي نادية؟؟”

“أيوا كنت جايه أبارك لها علشان ماعرفتش أجي الفرح،لأن أدهم ابني كان تعبان ليلتها”

“ألف سلامة عليه،إن شاء الله يبقى كويس؟؟”

“الحمد لله بقى أحسن”

“طب الحمد لله،ربنا يشفيه ويخلهولك يارب”

“وربنا يخليك لابوك وأمك ويفرحوا بيك قريب ياحبيبي”

“من بقك لباب السما يارب”

ردت عليه بدهشة من إجابته تلك:

“الله،مابقتش معارض علي الجواز،وبقيت مستعحل كمان،ايه اللي حصل وغيّرك فجأة”

خطف نظرة صوب شرفتها ثم عاد للاخير من جديد واجابها بيسمة هادئة:

“تقدري تقولي..إني كنت مستني قلبي يقرر”

“طب قرر هاتتجوز مين؟؟”

طالعها للحظات ببسمته،ثم أجابها بمرح:

“بلاش تفاصيل”

ضحكت علي حديثه هذا،ثم رفعت يدها وربتت علي كتفه بحنانٍ مرددة:

“ربنا يكتبلك الخير ويحققلك اللي انت عايزة ويجمعك باللي قلبك يختارها”

“أمين يارب”

ابتسمت بخفة ثم ربتت علي كتفه من جديد وقالت:

“يلا عايز حاجة؟”

“عايز سلامتك..مع السلامة”

اومأت له بالايجاب ببسمة هادئة،ثم انصرفت من امامه قاصدة بيتها،بينما هو رافقها بنظراته لثواني ثم رفع رأسه وطالع شقة من يهواها قلبه ببسمة محبة،ثم تنهدت بعمق والتفت للجهة الأخرى ودلف إلي مدخل بيته.

.

.

.

.

وصل إلي الطابق الثاني واتجه لشقة جده وعندما رفع يده لطرق الباب وجده يفتح من قبل ابنة عمته سهير “تينا” التي بمجرد ان رأته قالت:

“ازيك ياموسى؟”

ألقت سؤالها ثم مرت من جواره لتخرج من الشقة دون أن تتلقّى إجابة منه حتي،فالتفت هو لها وتحدث بجمود:

“استني يابت!”

التفتت له وطالعته ثم اردفت ببرود:

“في ايه؟؟”

“ايه اللي أنتِ مش لابساه ده؟!”

ألقي سؤاله وهو ينظر لرأسها فانكمش حاجبيها لعدم فهمها لحديثه فتحدثت سريعاً:

“مش فاهمة،أنتَ قصدك ايه؟؟”

“قصدي علي الطرحة اللي أنت مرجعاها ومبينة شعرك ورقبتك دي”

“دي الموضة عالفكرة”

أجابها سريعاً بجدية:

“بلا موضة بلا بتاع،دي مش حجاب ياتينا..ده لعب عيال،ماينفعش تمشي في الشارع وانت مبينة شعرك ورقبتك كده،حرام”

“بس كل البنات دلوقتي بيلبسوها كده”

“علشان هما بيلبسوها كده،نروح احنا نقلدهم ونعمل زيهم،وناخد ذنوب وخلاص،ده كلام عاقل بذمتك”

“بس ياموسى..”

قاطع حديثها بقوله الجامد:

“مابسش..،الحجاب فرض،ولازم تلتزمي بيه بالطريقة الصحيحة،مش تقعدوا تلعبي بيه وتحطيه علي نص شعرك من ورا،أو تسيبه من غير دبوس بحجة إن الجو حر وهتخنقي..ده كلام فاضي،يلا ادخل ظبطي طرحتك!..،وإلا والله العظيم أتصل بعمي فاروق وأخليه يتصرف معاكِ بمعرفته”

طالعته بغيظ وغضب منه،ثم تأففت بضجر ودلفت للشقة مجددا والشرر يتطاير من عينيها،بينما هو تنفس بعمق ثم التفت هو الاخر ودلف للداخل فوجد والدته تجلس مع عمته سهير بينما جده يجلس مع عمه مصطفي في شرفة الشقة.

تقدم نحو الأخيرتين اللتان كانتا يتباعان ماحدث بإهتمام شديد.

“السلام عليكم”

ردت كلتاهما التحية عليه،ثم نظرا كلتاهما لبعضها مما اثار ريبته فسألهما مستفسرا:

“بتبصوا لبعض كده ليه؟؟،في ايه؟؟”

نظرا إليه كلتاهما ثم أجابته والدته ببسمة هادئة بدت للأخير خبيثة:

“مفيش،مبسوطين إنك مهتم ببنت عمتك وخايف عليها”

اتسعت حدقتيه ثم وزع نظراته عليهما،واخذ يحرك رأسه بالنفي تزامنا مع قوله:

“لأ انتوا فاهمين غلط،أقسم بالله أنا خايف عليها زي أختي مش أكتر”

ردت عليه سهير بعتابٍ:

“اخص عليك ياموسى،برده مصمم علي اللي في دماغك”

“هو ايه اللي مصمم ياعمتي!،أنتوا مستوعبين بتكلمومني في ايه أصلا؟!”

اتته الإجابة سريعاً من والدته بقولها:

“آه مستوعبين ياحبيب امك،احنا عايزين نفرح بيكم بقى”

ردت عليها موسى بضجر:

“بينا!..هي وصلت لكده كمان،ياجماعة أنا متربي مع البنت دي وزي أختي اقسم بالله،وبعدين أنا وهي دماغنا مش شبه بعض”

“خلاص بلاش تينا..،خد لينا..،لينا هادية ولايقة عليك”

نظر موسى لعمته ثم أردف بسخرية:

“لايقة عليا،ليه هي بيجاما هلبسها واقعد بيها!،فيه ياعمتي هو انت ماشية مبدأ بلاش نادية خد سوسو”

“يابني افهمنا،احنا عايزين نفرح بيكم،وبعدين انت أولي من الغريب بواحدة فيهم بصراحة”

مسح موسى وجهه بيده بعد حديث والدته هذا تزامنا مع قوله:

“استغفر الله العظيم يارب..”

تنهدت بعمقٍ ثم طالعهما علي حدا وهو يستأنف حديثه:

“بصيلي أنتِ وهي،انا متربي وسط البنتين دول ده أولا..،ثانيا بقى في فرق بيني وبينهم ست سنين وده حرام بجد..ده ماينفعش خالص”

“يعني دلوقتي مشكلتك مع السن،خلاص ياسيدي ايه رأيك في مِسك بنت عمتك سامية،عندها ٢١ سنة،الفرق بينكم مش كتير أهو”

طالع موسى والدته بجمود للحظات ثم اردف بسخرية:

“يعني دلوقتي بلاش نادية ولا سوسو..خد فوزية”

“بطل هزار بقى ياموسى،احنا بنتكلم بجد”

طالع موسى عمته وأجابها سريعاً بجدية:

“انتوا اللي بطلوا هزار بقى ياعمتي،هما هدوم بتخياروني بينهم..”

نظر صوب والدته ثم استأنف حديثه:

“وبعدين ياحجة،مش انتِ مش بتطيقي عمتي سامية ولا هي أصلا بطيقك،عايزاني اتحوز بنتها ازاي دلوقتي مش فاهم”

“انا مش بطيق عمتك سامية أه،بس بنتها عادي..مِسك حبيبة قلبي”

ضحك موسى ساخرا من حديث والدته ثم اردف بجدية:

“بصوا ياجماعة،ال ٣ بنات دول أنا متربي معاهم وزي اخواتي بالظبط..،والأهم من كل ده إن كل واحدة فيهم في كلية وبتخطط لمستقبلها ولل carrier بتاعها،والحياة لسه قدامهم،وأنتوا عايزين تجوزوهم من دلوقتي ولمين؟..ليا أنا..،أنا واحد معايا دبلوم تجارة وأبويا بيصرف عليا لحد دلوقتي،وماعنديش شقة..ومابشتغلش..ومستقبلي مجهول..،ليه عايزينهم يرتبطوا بحد زيي!!..،قولولي سبب مقنع لوجهة نظركم دي”

ردت عليه سهير أولا برتابة:

“يابني احنا عايزين نفرح بيك،ولو بخصوص وضعك انت مش مقطوع من شجرة،أنت ممكن تسكن في شقة عمك،ولو علي الشغل ممكن تنزل تشتغل مع اي حد من العيلة وهتقدر تصرف علي نفسك وعلي بيتك كمان”

أيدت والدته حديث سهير بقولها:

“مظبوط عمتك معاها حق،الحلول كتير قدامنا،زي ماالعرايس كتير برده..”

انكمش حاجبيه ثم قال لعدم فهمه بماتقصده بحديثها الاخير:

“مش فاهم،تقصدي ايه؟؟”

“أقصد إن لو مشكلتك إن التلاتة زي اخواتك وكده علشان متربين معاك..،احنا عندنا واحدة ماتربتش معاك بس انت تعرفها كويس”

“أنا أعرفها؟؟”

اتته الإجابة من سهير بإماءة:

“آه”

فكر للحظات ولم تخطر علي باله سواها فاتسعت ابتسامته وأسرع يسألهم لعلها تكون هي:

“مين؟؟”

نظرت كلتاهما لبعضهما ثم عادت إليه من جديد وأجابته والدته:

“عالية”

اختفت ابتسامته فور سماعه للإسم ثم ابتلع ريقه وأجاب بنبرة متقطعة:

“ع..عالية..اللي أعرفها”

أومأ كلتاهما له بالإيجاب،ففتح لهما يديها وهو يهتف بحنقٍ:

“يانهاركم اسود..ضاقت بيكم لدرجة انكم عايزين تجوزوني بنت طليقة عمي”

اتته الإجابة سريعا من والدته تحسه علي الهدوء:

“وطي صوتك،عمك قاعد في البلكونة”

“خايفة يسمع،ومش خايفة يعرف بالموضوع..،عايزين تجوزوني بنت طلقيته يا..يا..أقول ايه بس،استغفر الله العظيم..استغفر الله العظيم”

ألقي تلك الكلمات بسخطِ عليهما،ثم انصرف من أمامهما وخرج من الشقة وهو يضرب كفيه ببعضهما،بينما هما نظرا لبعضها وتحدث سهير مع الاخري:

“هو ابنك ماله مكبر الموضوع كده ليه؟؟”

“تلاقيه بيهرب ياسهير،ابنه وعرفاه،بيعمل كده علشان مش عايز يتجوز ويشيل مسئولية بقى..،بس مسيره يخضع لينا ويتجوز غصب عنه”

“احنا نسيبه شوية كده،ونفتح الموضوع معاه تاني”

“ماشي،لعلا وقتها ربنا يكون هداه ويوافق يتجوز ويفرّح قلبي بقى”

_____________________

أوقف الدراجة النارية أمام بيته،ثم نزع خوذته واخرج هاتفه واتصل بصديقه،وبمجرد ان اتاه الرد من الاخير قال:

“ايوا ياكارم،أنا تحت البيت يلا انزل”

وصل اليه صوت الاخير يجيبه:

“ماشي..ثانية وأبقى عندك”

أنهى كلاهما المكالمة ثم أغلق محسن هاتفه ووضعه في جيب بنطاله،وماإن رفع رأسه وجدها تخرج من مدخل بيت صديقه،ومرت بجواره وهي ترمقه من أعلي للأسفل بنظرات اقرب للإشمئزاز،فرفع حاجبه وأردف بحنقٍ:

“هي مالها دي!”

أبعد نظره عنها عندما سمع صوت صديقه يقول له:

“ايه مالك؟؟. .بتبص علي ايه؟؟”

نظر له محسن ثم أجابه وهو يترجل من علي الدراجة:

“أختك ياسيدي،عدت من جنبي من غير ماترمي السلام حتى وفوقيها كانت بتبصلي بقرف كأني جربان مثلا”

ضحك كارم علي حديث صديقه ثم أجابه:

“ياعم ولا قرف ولا حاجة،هي اختي ضحى بتبص للكل كده عمّتاً يعني مش لوحدك،حتي أنا اخوها وبتبصلي كده عادي”

مد يده ليعطيه مفتاح الدراجة بقوله:

“مع علينا بقى،خد!”

تناول كارم المفتاح منه مرددا:

“متأكد إنك مش عايزها بكره”

“لا خلاص،انا كنت واخدها النهاردة علشان كان لازم اروح الشغل بدري،كتر خيرك علي كده أكيد اتأخرت علي شغلك بسببي”

“لا ولا اتاخرت ولا حاجة،أنا اخدت أوبر ووصلت قبل ميعادي بخمس دقايق كمان”

“طب عال العال والله..،بس عايز الصراحة المكنة دي جامدة،كل مرة بركبها فيها بحس إن طير حر”

أنهي جملته وهي يضع يده علي الدراجة النارية،بينما كارم أجابه:

“ماتجيبلك واحدة”

“واقولهم ايه لو جبيتها؟؟”

“قولهم زيي،ماانا قولتلهم إني جايبها بالقسط وبدفع جزء منه كل شهر”

“فكرك هيصدقوا؟؟”

“مايصدقوش ليه يابني!!،هما يعرفوا منين اننا معانا فلوس نجيبها كاش،أنت اشتريها وقولهم انكم بتقسط تمنها وخلاص”

“والله ماعارف ياكارم،هافكر في الموضوع ده وأبقى أقولك قراري،لو آه هاخدك معايا نشتريلي واحدة”

“ومالوا ياصاحبي،في أي وقت كلمني وهبقى عندك”

أومأ له محسن بالإيجاب مرددا بإبتسامة:

“تمام ياصاحبي.. ،يلا أشوفك في صلاة المغرب”

“سلام”

“سلام يابرنس”

أنهي محسن جملته وهو يربت علي كتف صديقه،ثم مر من جواره ودلف لمدخل البيت المجاور لبيت الاخير،الذي وضع المفتاح في جيب بنطاله المنزلي ثم دلف هو الأخر إلي بيته مجددا.

_____________________

أُطلق أذان المغرب وغربت الشمس واختفي ضوء النهار وظهر بدلاً منه ضوء المصابيح ليضئ شوارع المنطقة…

كان يقف علي مقربة منها،يراقبها وهي ترتب له حقيبة سفره،حتي انتهت من إعداها له وأغلقتها،فالتفتت ونظرت له وسألته بنبرة هادئة:

“متأكد إن الشنطة دي كفاية ياطارق؟؟”

اقترب طارق منها وهن يجيبها ببسمة هادئة:

“آه متأكد،أنا باخدها كل مرة معايا”

أومأت له بالإيجاب مرددة:

“ماشي..،أنا حطتلك فيها كل الضروريات،كل اللي هتعوزه واللي هتحتاجه هتلاقيه فيها”

أمسك بيديها وهو يطالعها بحبٍ تزامناً مع قوله الهادئ:

“تسلمي ياأغلي ماليا!”

ابتسمت بخجل من حديثه واخفضت رأسها،فسارع هو برفعه مجددا بيده،حتي تلاقت أعينهما فتبادلا النظرات الهائمة والمحبة،حتي شرع هو بالتحدث بهيامٍ:

“عارفه يادلال،رغم إن دي مش اول مرة اسافر فيها،بس حاسس إنها أول مرة،حاسس إن هتغرب عن بلدي لأول مرة،وسايب روحي وماشي..،حاسس بالإشتياق ليكي من دلوقتي”

ردت عليه بنبرة هائمة لامسها الحزن لفراقه:

“وأنا كمان..،أنا كمان مشتقالك من دلوقتي ومش عايزاك تمشي،بس عارفه ان ده شغلك ومش هاقدر أمنعك،علشان كده بصبّر نفسي وأقول إنك كلها ٥ أيام وترجع تاني”

حاوط ذراعيها بيديه ثم قال:

“مظبوط،كلها ٥ أيام وأرجع..،هحاول أقنع نفسي انهم هيعدوا بسرعة وارجعلك ياعيوني،علشان مش هقدر اعيش من غيرك بصراحة كتير..،الإنسان هيعيش من غير قلبه ازاي!”

ابسمت بخجل من غزله هذا،فابتسم هو الأخر ثم تذكر شيئا فابتعد عنها سريعاً مرددا:

“مظبوط قبل ماأنسى..”

اقترب من المنضدة المجاورة لفراش نومه وهي فقط تراقبه بجهلٍ لمراده،ثواني قليلة وعاد إليها وأمسك بيدها ثم وضع بها مفتاح مرددا:

“ده مفتاخ عربيتي،ممكن تستخدميها في غيابي،لو احتجت تروحي مشوار ولا حاجة”

أبصرت المفتاح في يدها ثم نظرت له وهي تجيبه:

“بس أنا مابعرفش أسوق ياطارق،ولا معايا رخصة سواقة أصلا”

تشنجت ملامحه للحظات لنسيانه لهذا الأمر،ولكن سرعان ماعاد لطبيعته وقال:

“خلاص..،الإجازة الجاية أنا هعلمك السواقة بنفسي،وبخصوص المفتاح برده خليه معاكي ولو احتجتِ تروحي لأي مكان ممكن تقولي لموسى وهو يوصلك..،أنا كنت بسيبهاله علي طول لما بسافر فهو عارف يسوقها ازاي”

اومأت له بالإيجاب مرددة بهدوء:

“ماشي”

“تمام..”

نظر إلي ساعة يده ثم استانف حديثه:

“يؤسفني بجد إني اقولها..،بس أنا لازم أمشي دلوقتي علشان ماتأخرش”

أومأت له بالإيجاب ببسمة هادئة وهو تحاول إخفاء حزنها علي فراقه،ولكن لاحظ هو ذلك فأسرع قائلا:

“أنا أول ماتسمحلي الفرصة هتصل بيكِ وأكلمك”

“تمام”

“ولو غيرتي رايك وعايزة تروحي تقعدي اليومين دول عند عمي محمد أنا معنديش مشكلة”

حركت رأسها بالنفي تزامنا مع قولها:

“لا..،انا لسه عند رأيي،أنا هفضل هنا لحد ماترجع،وأصلا انا هاروح الصيديلة من بدري ومش هرجع غير علي المغرب،ولو حتي حسيت بالملل شوية ممكن اروح أقعد مع أخواتي وبابا ساعة ولا حاجة”

“ومالو،اعملي اللي يخليكِ مرتاحة ياعيوني”

أومأت له بالايجاب ببسمة خجولة،فابتسم هو بخفة علي خجلها الذي مازال مستمراً رغم مرور أكثر من أسبوعين علي زواجهما.

أخذ نفس عميقا ثم التقط حقيبة سفره من علي الفراش وقبعة زيّه الرسمي،ثم أشار لها بالتحرك قائلا ببسمة هادئة:

“يلا!”

اومأت له بالإيجاب،فأمسك بيدها بيده الخالية ثم دلف برفقتها إلي الخارج حتي وصل إلي باب الشقة وقام بفتحه،وقبل أن يخرج منه التفت لها ونظر لها بحبٍ وعندما شرع في التحدث وجدها تقترب منه وتطبع قبله سريعة علي وجنته،فاتسعت حدقيتيه من شدة صدمته لما فعلته،حتي وجدها تبتعد عنه بقولها:

“هتوحشني”

وضع يده علي مكان القبلة وهو يبتسم ببلاهة،ولكن سرعان ماعاد لوعيه وأردف بسعادة:

“ده أنا أطير من غير طيارة دلوقتي”

ضحكت بخفة علي حديثه ذلك،بينما هو وضع الاشياء من يده علي الارض ثم اقترب منها واحتضنها بقوة،فتفاجات هي للحظات ولكن سرعان مااعتادت وعانقته هي الأخري بحبٍ شديد.

بعد عدة ثواني ابتعدت أجسادهم ولكن ظلت عيناهم مُعلقة ببعضهما،حتي وصل إليه صوت بوق سيارة فعلم بوصول سائق الأجرة الذي سيقله إلي المطار،فضم شفتيه في أسي ثم قال:

“جه الوقت..”

انحني قليلا والتقط حقيبته وقبعته من علي الأرض ثم استقام مجددا وطالعها بحبٍ ثم قال:

“أشوف وشك بخير”

“تروح وترجع بالسلامة”

“باي”

“باي باي”

تنهد براحة ثم التفت وخرج من الباب ورافقته هي بنظراته حتي اختفي أثره تماماً،فأغلقت الباب واتجهت لشرفة شقتها علي عجلة،واستندت علي السور حتي وجدته يخرج من مدخل البيت وفتح باب سيارة الأجرة،ولكن قبل أن يصعد رفع رأسه وأبصرها تقف،فاتسعت ابتسامته،ثم رفع ذراعه ولوح لها بيده،ففعلت هي المثل ولوحت له كذلك بيدها مودعة إياه،ونظراتها تعبر عن اشتياقها له من الأن.

أخفض يده وألقي عليها نظرة مطولة محبة ثم تنهد بحزنٍ،والتفت للجهة الاخري وصعد إلي السيارة وظلت عيونهما معلقة ببعضهما حتي ابتعدت السيارة تماماً عنها،فتنهدت بحزن هي الأخري وضمت شفتيها ثم قالت:

“ماكنتش اعرف إني بحبك اوي كده ياطارق”

ابتسمت بسمة هادئة ثم تنهدت مرة أخري ودلفت للشقة مجددا،لتبقى بمفردها بعدما غادر رفيق دربها..،لتنتظره هذه الأيام الخمسة ليعود لها من جديد ويريح قلبها.

_____________________

أتى صباح يوم جديد..

كان كلاهما يسيران جنباً إلي جنب في طريق عودتهم إلي منازلهم بعدما انتهوا من صلاة الظهر..

“انت مسمي الربع ساعة اللي قعدتوها دي زيارة!”

أطلق سامي تلك كلمات لصديقه موسى الذي أجابه بمرح:

“ياعم دي كتير كمان،انت عريس جديد وعايز تنفرد يابني،المفروض أصلا ماحدش يزورك غير بعد أسبوع”

ابتسم سامي علي حديثه ثم اردف:

“يعني أنت في فرحك هتمنع الناس تزورك؟؟”

اومأ له موسى بالإيجاب مرددا بمرح:

“آه،أنا ليلية الدخلة هعلق ورقة علي الباب مكتوب عليها (اوعى تخبط علشان هتتظبط) وايموجي سكينة أو مسدس”

انفجر سامي ضاحكاً علي ماقاله موسى ثم تحدث من بين ضحكاته:

“والله انت مش معقول!..،وعلي فكرة مستحيل تقدر تعمل كده،مش هتعرف تمنع اهلك انهم يزوروك”

“همنعهم،ووقتها هتشوف”

“وماله هستني وأشوف،استعجل انت بس ولاقي بنت الحلال الأول”

أبعد موسى نظره عنه وهمس بينه وبين نفسه:

“ما أنا لقيتها خلاص،مستني الرضا بس”

وصل جزء من همسه لصديقه فسأله سريعاً:

“بتقول حاجة؟؟”

توقف موسى عن السير ونظر للأخير مرددا:

“كنت بقول إننا وصلنا”

أنهى جملته وهو يشير صوب بيت صديقه،الذي توقف هو الأخر عن السير،فستأنف الأخير حديثه:

“يلا اطلع لمراتك ياعريس!”

“ماشي يابرنس،أشوفك العصر بقى علشان هنتكلم في موضوع ضروري”

عقد موسى مابين حاجبيه واردف مستفسراً:

“موضوع ايه؟؟”

“الحساب ياموسى،لازم أحاسبكم علي فلوس الفرح يابرنس”

“آه..ماشي،تعالا ونبقى نشوف الموضوع ده”

“تمام،يلا سلام”

“سلام ياغالي”

انصرف سامي من أمام الأخير ودلف لمدخل بيته،بينما الأخر تابع أثره ببسمة هادئة ثم التفت ودلف لبيته هو الاخر.

بدأ سامي بصعود الدرج ليصعد إلي شقته،ولكن توقف فجأة في الطابق الثاني عندما وجد رجل غريب يترجل من درج الذي يؤدي إلي شقته،فطالعه باستغراب حتي وجده مر من جواره بعدما ألقي نظرة سريعة عليه.

فالتفت نحو سريعاً وأوقفه بقوله:

“استني لو سمحت!”

توقف الرجل عن النزول والتفت صوب الأخير ثم أردف:

“نعم!”

“حضرتك مين؟؟”

ابتسم الاخير بخبث ثم أشار نحوه برأسه مرددا:

“حضرتك الأستاذ سامي يحيى؟؟”

رد عليه سامي بثباتٍ:

“آه”

اتسعت ابتسامة الاخير أكثر ثم أردف بنبرة خبيثة وزهوٍ:

“أنا عاصم السايس…طليق المدام”

كانت صدفة مع رجل غريب أقرب لصدمة كبيرة له..،لإدراكه أن ذلك الرجل ليس غريباً.

يتبع…

_____________________

بارت طويل تعويضاً عن الغياب..اتمني يبقى عجبكم وقولولي رأيكم فيه ياقمرات.

كتابة/أمل بشر.

دمتم بخير.

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية موسى (على دروب الحكايا)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق