رواية مغرم بك الفصل التاسع عشر 19 – بقلم الهام رفعت

رواية مغرم بك – الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر

الفصـل التـاسع عشــر

مُغـرَم بـكِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في القــــاهرة…….

لم تتحمل ما يحدث حتى صعدت للأعلى مهرولة وهي غير راضية بالمرة على ما يأخذونه من خطواتٍ دامغة في حياتها، ولجت زينة الغرفة ثم صفقت الباب من خلفها والغضب يغلب عليها، ألقت زينة بنفسها على الأريكة تفرك أناملها باحتدام وعدائية للآخر، لاحقتها رسيل التي دلفت بهدوء لفهم ما بها، اوصدت الباب عليهن لتستطع التحدث بأريحية معها ثم تقدمت منها، جلست شبه ملتصقة بها ثم سألتها بمصاحبة:

-أيه اللي مزعلك بقى احكي، على فكرة دا في صالحك!!

إلتفتت لها زينة برأسها ثم رمقتها بجهامة، احتجت بشدة:

-يتجوزني بتاع أيه، واحد كان عاوز يغتصبني، بسهولة كده ميتعقبش وتروحوا تجوزوني ليه!!

ثم ابتسمت بسخرية ممتزجة بغضب، رد رسيل بعقلانية:

-الولد أهله كويسين مش من الشارع علشان نسمح بيه يكون جوزك، الفضيحة وحشة يا زينة، وطالما فينا نداريها تبقى انحلت المشكلة

هتفت بانفعال أبان استنكارها:

-ملمسنيش علشان يتجوزني يا رسيل، يبقى المفروض دلوقتي يتعاقب على اللي عمله معايا

التزمت رسيل الهدوء معها لتخمد ضراوتها تلك ثم مسحت على ظهرها، رددت باتزان:

-زينة الولد قال إنه لمسك، يعني حتى لو قولتي ملمسكيش مش هيبقى في صالحك

نظرت لها زينة بجهل غير متفهمة ما تعنيه، أكملت رسيل بدراية:

-يعني واحد حاول يغتصب واحدة، أكيد لو ملمسهاش يبقى أكيد حاول يقلعها أو يعني…..

ثم تنحنحت لتنظر لها بمغزى لتدرك زینة هي الباقي مما فعله معها، انحرجت زينة فهي بالفعل قد كشفت عليه، اطرقت رأسها بخزي لتستنبط رسيل بحثها أن حديثها الأصح، ابتسمت لها بحزن ثم ضمتها لصدرها قائلة بحكمة:

-متزعليش من اللي حصل، مش عارفة ليه أنا شايفة إنه بيحبك، هو لعبها صح، يعني حتى لو مقربش منك فأنتي مضطرة تتجوزيه علشان شافك يا زينة، وکمان قال إنه کان معاکي

-دا قليل الأدب

رددت زينة تلك العبارة بصوت على مشارف البكاء، ربتت رسيل على ظهرها قائلة:

-إحنا معاكي يا زينة، وبلاش تقولي حاجة علشان عمي، إحنا مش عاوزين حد يعرف، وعمرو ممكن يتعصب عليكي لو رفضتي، وإحنا كلنا جمبك لو فيه حاجة خصوصًا أيهم!!

تساقطت بعض العبرات الساخنة منها توحي بتبرمها واستياءها مما يحدث لها، ضمت شفتيها بقوة وهي تردد في نفسها ببغض:

-أنا مش ممكن أعيش مع الزفت ده، أنا هرتكب جناية لو غصبوني عليه……..!!

____________________________________

في الأسكنـــــدرية………

طرق غرفة والدته بدماثةٍ ليلج بعدها مبتسمًا ببشاشة، كانت نور تعبث في خزانة ملابسها ثم لمحته بطرف عينيها يتدرج نحوها، لم تهتم معلنة ضيقها منه مستمرة فيما تفعله، تفاجأت به يضمها من الخلف هامسًا في أذنها بمحبة:

-أموت لو زعلتي مني، عاوزة تموتيني؟!!

في نفسها دعت له بطول العُمر لكن لم تذيع ذلك على قسماتها، ابتسم آيان بود متيقنًا بأن قلبها اللطف لن يقبل أن يتأذى، تابع وهو يديرها إليه رغم تذمرها:

-مامي أنا تربيتك، محصلش حاجة من اللي حضرتك فهماها

شددت من انعقاد جبينها لتعارض:

-إنت ما انكرتش

هتف موضحًا بصدق:

-ماما أنا باحبها، بس هي مش حاسة بيا، فملقتش غير كده قدامي إني أجبها العوامة، إنما مش ممكن اعمل حاجة حرام أو ازعلكم مني!!

لم يأتي بسيرة لين أمامها فهي ابنة عمته مهما حدث وفهم والدته عليه معاكس لفهم والده، بينما استقبحت نور ما فعله لتهتف بسأمٍ:

-تفضح البنت علشان تتجوزها، تفتكر كده هتحبك؟

بالفعل ارتاب آيان من ذلك ليجد بأنه سيعاني بالطبع معها، رد بتمنٍ:

-لا مش راضي يا ماما، حسيت اتهورت بس انا باحبها قوي

هتفت نور بتمرد:

-ومين البنت دي وأحسن من لين في أيه، إنت مش عارف إنها بتحبك ومستنية تتقدملها، وسنك الصغير ده كمان، يعني باللي عملته مجبور تتجوزها قريب

رفع كفها ليقربه من فمه ثم لثمه بقبلة احترام جعلتها تبتسم، قال بمحبة:

-لو علی سني أنا مش صغیر، ومش المهم عندك أنا عاوز مين وأیه اللي یسعدني، ولا سعادتي مش مهمة عند حضرتك؟

بيدها الأخرى مسحت على خده قائلة بحنوٍ:

-إنت مهم عندي، واللي يزعل يزعل، بس انا عاوزة مصلحتك، اللي عملته هيخليك تنزل من نظر الكل، مش بس قرايبها، وإحنا كمان لما يعرفوا هياخدوا فكرة وحشة عنك

رد بجدية:

-ومين هيعرف بس باللي حصل بينا يا مامي، كل اللي يهمني إن أهلها يفهموا كده، وبعدين ده بتاعي أنا

تأملته نور بتفكير لا يريد الإقتناع، تابع بلطافة:

-متزعليش مني يا ماما، مش ممكن أغلط أبدًا حضرتك مربياني كويس

تنهدت نور بقوة لتجده بالفعل اندفع في خطوته تلك، بينما ابتسم آيان ليأخذها في أحضانه ليكسب ودها فوضعت نور رأسها على صدره، ردد بألفةٍ:

-خليكي معايا يا ماما وحبي زينة، بنت حلوة قوي

هتفت بحب وهي تمسح بكفيها التي تضمه على ظهره:

-كبرت يا آيان، كبرت يا حبيب ماما وهتتجوز خلاص، وأنا معاك على طول إنت وإخواتك……….!!

_____________________________________

قابلته أثناء دلوفه من المرحاض وهو يجفف شعره بعدما اغتسل ليريح جسده من عناء السفر، بتشوقٍ سافر حاوطته رسيل من خصره لتبعث له عن عشق لم ينتقص وهي تقبل كلتا وجنتيه، انتهز أيهم تلك الفرصة ليحملها أمامه قائلاٍ بمكر:

-طالما وحشتك ما بدهاش بقى

ثم تحرك بها نحو التخت فضحكت، رددت بمعنى:

-مش وقته، كنت عاوزة أكلمك في حاجة أهم

طرحها بجواره مرددًا بغمزة من عينيه:

-هو فيه أهم من كده!!

جعلته لا يقترب منها حين صدته بكفيها هاتفة بعبوس طفيف:

-أيهم استنى قولي عملت أيه؟

تأفف قائلاً بتذمر:

-ما أنا قولت تحت يا رسيل كل حاجة والناس هيجوا بكرة يطلبوا إيدها

قالت بمفهوم كتمته عن البقية:

-أيهم بس زينة بتقولي مقربش منها

زاغ أيهم في ذلك مستغربًا، قال بمعنى:

-بس مش دا كلامه اللي قاله

ردت بضيق وهي تعتدل لتستند على ساعدها:

-بيقول كده علشان عاوز يغصبها للجواز منه، إنما زينة مش موافقة وعاوزاه يتعاقب لأنه حاول معاها

قلّب أيهم كل ذلك في رأسه جيدًا، هتف باعتراض:

-بس الجواز كويس ليها، هي هتجري ورا كل واحد تقول محصلش، وكمان الناس كويسين قوي ومعروفين في كل مكان، يعني جوازة متترفضش من الآخر، حتى لو مكنش الولد عمل كده!!

-صحيح يا أيهم كلامك ده؟

استفهمت رسيل بشغف، أكد بجدية:

-خليها تتجوزه وتسكت، لو على العقاب يبقى عندها هي، بطريقتها تخليه يندم وهي معاه، لو بنتي كنت هوافق على النسب ده

حركت رسيل رأسها بإقتناع، قالت بتأييد:

-أيوة كلامك مظبوط، بس اعتراضي الوحيد إنه صغير ومن سنها

ضجر أيهم من كثرة حديثها عن هذا الموضوع، ردد مدعي الحزن وهو يعتدل لينهض:

-خلیکي كده مشغولة بیهم، شكلي موحشتكيش

بادرت في منعه من التحرك حين تشبثت به بقوة، هتفت بنعومة:

-وحشتني إخص عليك عاوز تسيبني

بتلهفٍ عاود ليقترب منها فطوقت عنقه مبتسمة باتساع وتهلل فرحة من غرامه هذا، همس بتتيمٍ:

-اسيبك أيه، هو أنا مجنون………….!!

____________________________________

دلفت من الصالون راكضة وفي طريقها دفعت المقعد باهتياج ثم توجهت لغرفتها وهي تبكي بألم ثم أغلقت الباب بعنف من خلفها لتعاني بمفردها، تابعتها مريم التي حزنت عليها لتخفف عنها، قبل أن تصل للغرفة ناداها حسام بحزم:

-استني يا مريم

اضطربت مريم من رجوعه مبكرًا ثم نظرت له بتوتر، أغلق حسام باب الشقة ثم تعمق للداخل متابعًا وهو يشير برأسه لغرفتهما:

-تعالي نتكلم جوه!!

هزت رأسها بامتثال فتحرك هو لتسير خلفه بأعصابٍ مشدودة…

ولجت مريم فوجدته منتصبًا في وقفته وعينيه تحدق بها بجمود، سألته بتلعثم:

-خير يا حسام؟

-لين مالها؟

استفهم بصلابة اججت توترها، ردت بثبات زائف:

-لين كويسة، هي بس…

لم تجد الرد المقنع له فابتسم بسخط قائلاً:

-عاجبك اللي عملتيه في البنت ده، دا اللي قولتلك عليه، فضلتي تعلقيها وفي الآخر محدش هيخسر غيرها، الجواز مش بالعافية، لو مكنش يجري وراها وعاوزها يبقى بلاش منه

انفزعت حين صرخ بجملته الأخيرة في وجهها، أحست مريم بأنها أخطأت الآن لتعتذر وهي تبرر:

-كلام بابا خلاني اتمسك بجواز آيان من لين، ونور كمان وعدتني، کنت عاوزاها کویسة، أي أم في مکاني هتعمل کده

نفخ حسام بضيق وقد شعر بالاختناق من هذا الجو الذي يكرر نفسه، هتف محاولاً كبح امتعاضه:

-حطيتي بنتك في موقف وحش

اخفضت نظراتها لتقول بيأس:

-طيب اعمل أيه دلوقتي؟

جزم موقفة في تلك المسألة ثم رد باطلاع:

-سيبيها دلوقتي ومتكلمهاش في أي حاجة، هي فترة وهتنسى وتعرف كل حاجة……!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

إنثالت شهقات مع بكاءها لتنقهر من وضعها البائس، بانكسار استشعرته لين من قبح تذللها للأخير لامت نفسها المنساقة وراء أوهام غير مرئية رسمت صورتها الوردية في ذهنها فقط، وها هي الآن تعاني بمفردها، ذُهلت من ميله لمن لم تتوقع أن يكون بينهما شيء يومًا ما، خف بكاؤها المستطير وهي تلعن عقلها، جلست على تختها تردد بدهشة:

-إزاي زينة، عُمره ما كلمها قدامي، طيب و”لما” كان وضعها أيه، يمكن كانوا بيضحكوا عليا

ثم صمتت لتتكشر تعابيرها، أجل هم لعبوها بحنكة لتتوهم ذلك، هذا ما توصلت إليه نفسها المنكسرة، أكملت بأسى ممتزج بغل:

-أيوة هي كده، هو يتجوز زينة صاحبتها، وهي تلاقيها خططت تخليني أطلب من أخويا يتجوزها، حتى وافقت على طول، بس أنا مش هسمح يلعبوا بيا، لازم انكد عليهم كلهم، و”لما” دي مستحيل تتجوز أخويا

ثم عاودت البكاء وهي تفكر في الانتقام من هاتين الفتاتين، لن تستطع بمفردها لذا فكرت في معاون لها، تحيرت في الوصول أليها لتعيد التفكير قائلة:

-يا ترى مين اللي ممكن تساعدني؟!!………..

____________________________________

-نــــور!!

نادت سلمى ابنتها حين فتحت الباب عليها، تركت نور دراسة مذکراتها وهي جالسة على مكتبها لتلتفت لها مجيبة بهدوء:

-نعم يا ماما

خطت سلمى للداخل قائلة بمعنى:

-عندي ليكي خبر حلو، هنروح اسكندرية!!

انبلج السرور على نور لتهتف مستفهمة:

-طيب ليه يا ماما، هو فيه حاجة

ردت موضحة وهي تجلس على المقعد المقابل لمكتبها:

-هنحضر خطوبة آيان، مرات خالك لسه مكلماني

فغرت فاهها مذبهلة، رددت باندفاع:

-أيوة كده، خطوبة لين وآيان

نفت سلمى بهزة من رأسها وهي تقول:

-لا مش لين، دي بنت كده زميلته

صدمت نور بذاك الخبر لتهتف باستغراب:

-طيب ولين، دي بتحبه وافتكرت هيتجوزها؟!

ردت بعدم اكتراث:

-ملناش دعوة، هو حر يتجوز اللي يحبها، المهم جهزي نفسك علشان هنسافر كلنا، هنروح على حفلة الجواز، أصل زين بيقول مش هيعمل خطوبة!!

لم تجد نور ما تقوله فاكتفت بتحريك رأسها بالقبول وهي زائغة في حال لين الآن، تنبهت لوالدتها تردد بتمنٍ جم:

-عقبالك يا نور إنتي كمان……..!!

___________________________________

جلبت له بنفسها قهوته الخاصة ثم تقدمت منه وهو متسطح على الأرجوحة الكبيرة بحديقة الفيلا، ابتسمت نور بود له حين وجدته لاحظ اقترابه وينظر إليها، زالت بسمته وحل العبوس حين غطى وجهه بذراعه متجاهلاً إياها، رغم ذلك استمرت في الأزوف منه، وضعت الصينية على الطاولة بأناقةٍ ثم بغيظ خفيف زحزحت قدميه للداخل لتجلس، تطلعت عليه بظلمة وهي تخاطبه:

-مين إمتى بتزعل مني؟

ابعد زين ذراعه ليتطلع عليها بلوم فشعرت بوخزة خفيفة جعلتها تندم، هتفت بمحبة:

-سامحني، أنا خوفت على آيان، مش عاوزاه وحش

ردد بتأنيبٍ:

-اتهمتني يا نور، ما فيش أب عاوز ابنه يتعلم أي صفة وحشة، وخلاص شوفتي مني حاجة من وقت ما اتجوزنا

للجانبين حركت رأسها لتنفي بشدة، قالت بلطف:

-سامحني يا زين، معقول هتزعل مني، طول عمرك بتستحملني وقت ما بكون متعصبة

اعتدل زين ليجلس ليكون قريبًا منها، إنضوي في حسنها ولمعة عينيها التي استأثرته منذ تعلق بها وابتسم، حاوط وجهها بكفيه ليهمس بعشق:

-أنا مكنتش زعلان منك، أنا بس خايف لحد دلوقتي تكوني لسه بتشكي فيا أو تفكريني مش كويس!!

عاتبت رسيل نفسها وهي ترد بكمد:

-مش قصدي، مكنتش بشك فيك، إنت اللي سيبت الحرية لآيان علشان يتجرأ ويعمل كده، كان لازم تشد عليه أكتر

رد بانتواء وعزيمة:

-خلاص طالما هيتجوز يبقى لازم يتغير ويعتمد على نفسه

ابتسمت نور لتقول برقة:

-يعني خلاص مش زعلان مني؟

امال رأسه ليطبع قبلة على ثغرها نافيًا:

-ازعل أيه بس، أنا أموت لو خاصمتك يوم………!!

___________________________________

في القــــرية………

تمايعت في هبوطها الدرج وهي ترتدي ملابس مثيرة متعمدة ذلك، جمّلت حافصة وجهها ببعض المساحيق واسدلت شعرها على الجانبين، انتبه لحضورها الجميع وهم على المائدة، تجهم مازن حين رآها وتأفف في نفسه ليتطلع على خلود الجالسة مقابيله، بينما تجاهلت خلود الجميع من حولها لتطعم طفلها باهتمام، وعن السيدة رئيفة ابتسمت لها بتصنع، سارت حافصة في بهو السراية نحو مائدة الطعام وهي ترمقهم بتعالٍ، حينما اقتربت منهم قالت بنعومة مستفزة:

-صباح الخير!!

ردت السيدة عليها وهي ترحب بحرارة لتنفذ أوامر زوجها مرددة:

-صباح الخير يا بنتي تعالي اقعدي جمبي

مررت أنظارها عليهم لتنتقي هي اي مكان ستجلس، لكنها كانت تعرف مبتغاها، تحركت لتجلس بجوار مازن الذي ينظر لها بطرف عينيه نافرًا منها ولم یظهر، جلست بجانبه ثم خاطبته بدلال وهي تتشبث بذراعه:

-صباح الخير يا حبيبي

رغمًا عنه ابتسم لها، كان مجبرًا من عدة نواحي، أهمها حديث والده له وثانيها خلود التي رفضته حين جاء إليها، لذا رغم حرونه وبغضه لها اعتزم استغلالها، رد بمحبةٍ مُخادعة:

-صباح النور يا حبيبتي، يا رب تكوني نمتي كويس

اندهشت حافصة من طريقته اللطيفة معها ثم تأملت خيرًا معه، بينما اضرمت خلود حزنها وغيظها في نفسها لتظل كما هي منشغلة بصغيرها أو بالأحرى تعمدت ذلك، نظر لها مازن ليتيقن بأنها تغار الآن ولكنها تخفي، قال ليتثير حنقها:

-بافكر نروح شهر عسل سوا، ايه رأيك

استفاضت فرحتها على كامل هيئتها غير مصدقة ما قاله للتو، هتفت بترحيب:

-موافقة طبعًا، يلا نروح من النهاردة

لم تتحمل خلود كل ذلك لتنهض حاملة ابنها فنظر لها الجميع، خاطبها بصلابة:

-رايحة فين، اقعدي اكلي الولد

ضغطت على نفسها وهي ترد بضيق دفين:

-أكل وشبع، عن إذنكم

ثم تحركت لتغادر لكنه لم يرد ذلك يريد إذلالها كونها تكبرت عليه بعدما قرر الصلح معها، امرها بصرامة:

-استني عندك، ممنوع تسيبي الأكل قبل ما اخلص أنا

توقفت خلود عن السير بفضل كلماته الحانقة تلك، إلتفتت لتنظر له بألم وخيبة أمل، ابتسمت حافصة بغرور وهي تتابع طريقته الذليلة لها فهذا بفضل والدها حین اشتکت إلیه، رمقها بحدة متجاهلاً صدمتها، تسعرت فكرة تركها له وحرمانه من ابنه لديها لتتحامل الآن على نفسها، ردت بانكسار:

-حاضر يا مازن، زي ما تحب…….!!

____________________________________

صباح يوم الخطبة، عادت زينة للقرية برفقة أخيها دون أن تتفوه بكلمة واحدة معه أو عن الموضوع، هاتفتها “لما” ومايا على فيلتها بالسرية بعدما تركت متعلقاتها في الأسكندرية وبالأخص هاتفها، اقتضبت في ردها عليهن دون الخوض في تفاصيل واتفقن على المجيء لمشاركتها فرحتها كما يعتقدن، جلست زينة في غرفتها على مقعد في زاوية الغرفة تحدق في فستان خطبتها التي أرادت تمزيقه بأسنانها وهي تغمغم بهياجٍ تحكمت فيه:

-معقول بسهولة كده يخلص الموضوع على الجواز، معقول بعد اللي عمله معايا ميتعاقبش

ثم زفرت بخنقة شديدة وهي توبخ نفسها:

-يا خبية ليه قولتي على اللي حصل معاكي، لو كنت سكت كان زماني دلوقتي مشوفتش وشه وطلبت ينقلوني

لامت نفسها كثيرًا وهي جالسة تستنكر ارتباطها مع هذا البذيء، صرم جلستها الفاترة تلك زوجة أخيها جيسي التي انضمت لخلوتها مرددة بمرح:

-مال العروسة قاعدة لوحدها ليه؟

بصعوبة شديدة زيفت زينة بسمة صغيرة ثم نهضت لتستقبلها، احتضنتها جيسي بمصاحبة قائلة:

-مبروك يا زينة

-الله يبارك فيكي

ردت زينة مدعية الخجل وهي تبادله العناق، ابعدتها جيسي لتسألها باندهاش:

-بس مش شايفة إن الخطوبة دي تمت بسرعة، دا كمان عمرو قالي إن الجواز هيكون قريب!!

ارتبكت زينة ولم تعرف ماذا تقول؟، انقذها عمرو الذي ولج قائلاً بتلميحٍ البك زينة:

-أصل الجواز ستر للبنت

نظرت له زينة بوجومٍ ورهبة، بينما هتفت جيسي بنفس ذهولها:

-على الأقل تستني لما تخلص جامعة، دول لسه صغيرين

تعثرت زينة في ردها فوضح عمرو بزيف:

-أصله بيحبها قوي، وعلشان كده مستعجل على الجواز

سعدت جيسي بذلك لتخاطب زينة بفرحة:

-ربنا يسعدك يا زينة، مافيش أحسن من إنك تتجوزي واحد بيحبك

تهكمت زينة داخليًا، ردت مصطنعة سعادة:

-أيوة ما فيش احسن من دي جوازة

قال عمرو بنظرات باردة وهو يحدثها:

-جهزي نفسك بقى لأنهم شوية والكل هيكون هنا……..!!

_____________________________________

في القـــــاهرة…..

أحدت النظر لتلك للسيدة المسنة وهي تقف بجانب هذا الغريب الذي كان يواظب السؤال عن زوجها الراحل، لم ترحب بحضوره لتجعلهم يقفوا عند الباب وهي أمامهم متأففة، أدركت سالي بأنه جاء ليرث فيه ولكنها صدمها حين أعلن:

-إحنا جايين علشان البنت!!

امتقعت قسمات سالي فجأة لتعارض حدوث ذلك وبدت الشراسة تشع من عينيها، هتفت بهياج:

-شكلك جاي تهزر، يلا برة وخد الست دي معاك

وبخها ماجد بقسوة وتعنيف:

-إنتي واحدة قليلة الأدب، الست دي تبقى أم جوزك

ردت بغلظة وقلة ذوق:

-ودلوقتي مات، يعني ملكوش حاجة هنا، ولو مفكر هتاخد بنتي مني ومنها تاخد كل حاجة تبقى بتحلم، يوسف كاتب كل حاجة باسمي

نتيجة كلامها هذا استنبط ماجد طمعها، رد باشمئزاز:

-طالما بتحبي الفلوس كده تاخدي كام وتسيبيها

كان يلمح على ابنتها لذا هدرت فيه بغل:

-امشي اطلع برة، عاوزني ابيع بنتي يا حيوان

ترك ماجد يد السيدة ليقترب منها منتويًا تأديبها فتراجعت سالي خوفا منه، قبل أن يتطاول عليها كان إسماعيل ممسكا بيده التي رفعها عليها، هتفت بتحذير:

-اطلع برة، ولو شوفت وشك هنا تاني اتشاهد على روحك

تحامت سالي خلف إسماعيل الذي تحدى بنظراته الأخير، حدجه ماجد بغضب وهو يسأله:

-وإنت مين وداخلك أيه؟

رد إسماعيل بجدية دون تردد:

-ملكش دعوة، ولو هتموت وتعرف أنا هابقى جوزها إن شاء الله

شبح ابتسامة لاح على محيا سالي حين قال ذلك، توقف الكلمات على لسان ماجد تأبى الخروج، وجد بأن الأمر سيتأزم وهو بمفرده هنا لذا انسحب قائلاً:

-عن إذنكم

انتوى في نفسه بأن يأخذ منها الطفلة ثم غادر برفقة السيدة، طمأن إسماعيل سالي بتودد:

-مش عاوزك تخافي منه، مش هياخد البنت ابدًا

ابتسمت سالي بامتنانٍ له، هي ضعيفة فقط تتشبث في من يقف بجانبها، تريد من يكتنفها فقط، من خلف إسماعيل كانت مهجة تتابع كل ذلك وهي جامدة باردة، قالت بتصميمٍ شديد التفتوا لها على إثره مدهوشين:

-لو رجعتلها يبقى تطلقني الأول………..!!

__________________________________

أضاء عمرو الفيلا من جميع أركانها بألوان مختلفة، لم يظهر بأن الأمر فيه ما يريب أحد، أعلن فرحة جلية على أهل بيته احتفالاً بزيجة أخته الوحيدة، ارتدت زينة فستانها ثم انتظرت بداخل غرفتها مصيرها المحتوم، كانت مغيبة غير منتبهة وهن يتحدثن من حولها، مسحت “لما” على ذراعها قائلة بخبث:

-بقى يا خبيثة يطلع منك كل ده، آيان مرة واحدة، وتخبي عني

توترت زينة محرجة من التحدث معها، جاءت مايا لتنضم لهن وقبل أن تنطق بكلمة امرتهن زينة بغمة تعجبن منها:

-محدش يكلمني في حاجة لو سمحتوا، سيبوني مع نفسي خليني أخلص من اليوم ده

ارتابن فيما يحدث واستغربن بشدة، هتفت رسيل بكذب لتغطي على رد زينة الغليظ:

-سيبوها يا بنات، زينة متوترة قوي من امبارح ومتضغطوش عليها في أي حاجة

اقنعتهن رسيل بكلماتها المضللة، بينهما استهزأت زينة في نفسها، فاقت من ابتئاسها الفكري على صوت عمتها تقول بهدوء:

-كلهم وصلوا تحت، يلا يا رسيل هاتي زينة وانزلوا

فركت زينة أناملها بتوتر تأبى الذهاب لرؤية أحد خاصةً هو، بلطفٍ أمسكت رسيل بيدها لتجعلها تتحرك معها، همست لها زينة بنفور:

-مش عاوزة

لم تبين رسيل شيء لذا غمزت لها منبهة:

-زينة قولنا أيه، يلا الناس مستنية، وبعدين كده الكل هياخد باله إن فيه حاجة!!

باضطرار سارت زينة معها بخطوات متقاعسة، برغم اندهاش مايا و”لما” من ذاك الإرتباط المفاجئ لم يحصلن من جواب يرضي فضولهن من ذلك الإرتباط السريع، كانت نظرات رسيل تخدعها للنظر نحو “لما”، لم تحبذ وجودها اليوم فهي ما زالت تتذكر تدللها وميلها لزوجها فبغضتها، لاحظت “لما” عدم قبولها لها فحزنت، هي تعلم بأنها لم تتناسى مشاكستها لها، تنهدت بضيق لتكترب ثم عبست من اندفاعها السابق….!!

بالأسفل، جلس الجميع بالصالون الكبير الخاص بالضيافة بفيلا السيد فريد، والذي اعترض على سرعة زواج ابنته لكن بحنكة عمرو أقنعه ليوافق، انتصف أيهم السيد فريد والسيد زين ليوطد العلاقة بينهما، بينما جلس آيان بجوار زين الذي حضر معه فقط لقُرب علاقتهما ثم ظل يتهامس معه وهو يعرب عن شغفه لإنهاء كل ذلك بنفاذ صبر، قال بمعنى:

-أنا متوتر

بخفوت ضحك زين عليه ثم همس بسخرية:

-نعم يا أخويا

لم يبالي به آيان ليردد بجراءة:

-وحشتني قوي، عاوز اطمن عليها

ثم لفت انتباههما ضجة في الخارج توحي بقدومها فاعتدل في جلسته لينتظر بتلهف وقلبه ينبض، ولجت “لما” أولاً ليسلط زين نظراته عليها فوجدها عابسة، بنزقه ظن أنها متضايقة من زوج آيان بغيرها ليزيد من عدائيته لها، في حين انتبه آيان لولوج زينة وأخيها يمسك بيدها كي يجعلها تجلس بجانب السيدة نور التي جابت هيئتها بتفحص، تذكرتها نور وقت رؤيتها بالنادي، جلست زينة بجانبها متحاشية النظر لها ولكن نور على العكس ظلت تتأملها من رأسها لأخمص قدميها، بالفعل جميلة بملامح شرقية وغربية مختلطة، بعينين برونزيتين واهداب سوداء ابانت اشراقتهما بالإضافة لفمها الصغير وبشرتها ذي البياض الهادئ فابتسم آيان مما تفعله والدته ليفطن أنها اعجبتها، تقدمت رسيل لترحب بها وهي مبتسمة بسماحة، نهضت نور لتعانقها فقالت رسيل بذوق:

-شرفتينا يا مدام نور

ردت نور بهدوء راق:

-الشرف ليا

ابتعدت نور عنها لتزوغ نور في جمالها الأجنبي الخالص والذي تستتره حول ما ترتديه من حجاب وثياب محتشمة، جلس الجميع ليتحدث زين بأن لا يوجد ما يكدر الخطبة لتبدو طبيعية وهو مرحب بها، قال ببشاشة:

-طبعًا إنتوا عارفين إحنا جايين ليه، أنا باقول يوم الخميس كتب الكتاب، إحنا جاهزين ومعندناش مشكلة

رمق عمرو ابنه بغيظ لاستباحته النظر لأخته ولم يخجل مما فعله معها ليتماسك في نفسه من عدم تعنيفه، لم ينتبه له آيان بل زين لاحظ، لكز الأخير في ذراعه ثم همس بتنبيه:

-أخوها بيبصلك، خف شوية

وجه آيان بصره له ثم التزم حدوده من نظرات عمرو المحتدمة نحوه، هتف أيهم ليلهي الأخير عنه:

-إحنا كمان معندناش مشكلة

قال فريد بمعنى متدخلاً:

-وعادي مافيش استعجال طالما هتقعدوا معانا هنا في البلد شوية، الفيلا واسعة وفيه غيرها، والمرة نعرف بعض أكتر

خف ارتباك زينة بوجود أهلها من حولها ليشتد عضدها بهم، لكن إذا نطقت ستلقى السيئ منهم لذا لم تعترض ولو بنظرة تصدر منها، في حين أحب زين هذا الجو من حوله ومن سماحة الجميع، قال بامتنان:

-يسعدني أكيد اقعد معاكوا هنا، بس مش هنطول علشان نجهز لحفلة الجواز!!

لاحظت نور لهفة ابنها عليها ولمحبتها له رددت بمفهوم:

– أنا باقول آيان يتكلم مع زينة على راحتهم شوية، ولا دا ممنوع هنا؟

قبل أن يرفض عمرو كعادته هتف أيهم بنبرة غير ممانعة:

-لا مافيش مانع، ممكن ياخدها ويخرجوا برة شويه

لم ترغب زينة في ذلك لكن كلمة نور المباشرة لها جعلتها توافق على مضض حين خاطبت:

-قومي يا زينة مع آيان، علشان تاخدوا على بعض أكتر!!

ابتسمت بضعف لتنهض مجبرة فحمستها رسيل أكثر لتمر الليلة دون ما يفسدها، قبل أن تنهض سبقها آيان مبادرًا، نهضت وهي تقول لنفسها ربما فرصة لتوبيخه ولعنه…

دون النظر إليه تحركت نحو الخارج وهو من خلفها لم يصدق ما يحدث حتى الآن تاركًا الجميع من خلفه يتسامرون بود وألفة….

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وقفت بحديقة الفيلا توليه ظهرها تبغض رؤية وجهه، أحس آيان بكراهيتها له فتغاضى عن ذلك قائلاً بتأمل:

-زينة اوعي تكوني زعلانة مني، أنا بحبك و….

استدارت بجسدها نحوه هادرة بغضب:

-اسكت خالص مش عاوزة اسمعك بتتكلم، إنت واحد حيوان ونظرتي ليك مش هتتغير

ابتلع آيان اهانتها له ولم يرد اعتباره لها الآن، قال ليستفزها:

-هتجوزك وهتبقي مراتي، ووقتها محدش هيمنعني عنك، حتى أهلك!!

صرت أسنانها بقوة من سماجته، هتفت باستشاطة:

-هروح اقولهم إنك كداب وإنك ملمستنيش، أنا مش ممكن اتجوز واحد زيك!!

ابتسم بثقة وهو يقول بمغزى:

-ومين هيصدقك، هقول حصل، ولو اعترضتي خليهم بقى يتأكدوا بس الطريقة مش هتعجبك، وفضيحة اهلك مش هيقبلوا بيها، ويلا خلي الكل يعرف

امتعضت من حقارته معها لتزداد عدائيتها له، قال بوقاحة:

-خليكي حلوة ونتجوز في هدوء، صدقيني هتبقي مبسوطة معايا، هريحك يا زينة

ثم لامس خدها بكفه لتنفضه باغتياظ وهياج مدروس، هتفت بتوعد وشراسة:

-إيدك دي لو اتحطت عليا هاقتلك!! ………………….

_____________________________

_________________________

___________________

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق