رواية مغرم بك – الفصل العشرون
الفصل العشرون
الفصـل العشـــرون
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت أمامه معزّزة من موقفها حيال ما قاله للرجل قبل رحيله، حدقت به مهجة بنظرات متشددة وصلابة تفاجئ بها حين أعربت عن استيائها النابع مما عانته سابقًا معهما، حيث تجلى ذلك في نبرتها المتضايقة ولم تمر الأمر كالمرات الدابرة لتتحدث فيه الآن بجدية، توتر إسماعيل ثم برر بطريقة لم تعجب سالي:
-مهجة إزاي تفكري في كده، أنا واقف جنب سالي، وكان لازم أقول كده قدامه بس علشان أحميها منه وميفكرش إنها لوحدها
وجهت سالي نظراتها الحانقة نحوه لكنها لم تعلق، في حين اقترب إسماعيل من مهجة الجامدة في تعابيرها ثم وضع كلتا يديه على كتفيها مستطردًا بتودد:
-مهجة أنا باحبك، ومش ممكن أضيعك من إيدي علشان أي حاجة
ابتسمت مهجة له معبرة عن مسرّتها برده اللطيف عليها، استلبت نظرة غير مبالية نحو سالي لترى من خلالها ردة فعلها، لذكاء سالي لم تذيع ما بها لتتكتم في نفسها، مرددة بداخلها بمقت:
-حمقى!!
تنهدت لتتدخل في حديثهما قائلة بعدم اكتراث أجادته:
-على فكرة إسماعيل لو كان حابب يرجعلي فأنا مش موافقة، خلاص اللي بينا انتهى وأنا بس اعتبرتكم قريبين مني
حفظت سالي كرامتها وشأنها بذاك الرد ثم رفعت رأسها للأعلى، رغم أنها كانت متمنية ذلك، لكن ماذا تفعل لرد اعتبارها؟، كل ذلك لم يؤثر في مهجة فما يهمها الآن هو زوجها، لم يحبذ إسماعيل رد سالي والتزم الصمت فهو انتوى ذلك بالفعل، بسبب تقلّب الأمور هكذا انزعجت سالي داخليًا فقد وجدت فيه المنقذ لها ومن سيساندها في محنتها، ضاعت فرصتها معه لذا لم ترتضي بوجوده من الأساس، هتفت مخاطبة مهجة بتبرم:
-وطالما افتكرتي كده يبقى وجودكم معايا مالوش داعي
تصلبت نظراتهما المستغربة عليها والغير متفهمة ما تعنيه فتابعت بحسمٍ موضحة:
-يعني خدوا بعضكم وامشوا، مش محتاجة حد فيكوا جمبي…..!!
____________________________________
في القـــريــــة……..
طوال الليل منذ غفا بتلك الغرفة التي اختاروها له وهو يحك في جسده وعنقه بشكلٍ مقلق ولم يغلق له جفن ليظل فائقًا، نفخ آيان باكفهرار من تلك النومة الغير مريحة ثم وزع أنظاره الضجرة على الغرفة من حوله مزعوجًا من تلك الحشرات التي فقط يسمع عنها، ومن رائحة المواشي التي اشعرته بالغثيان، لم يلبث في الفراش لحظة لينهض مغمغما ببعض الكلمات المتبرمة:
-أيه القرف ده مش معقول كده!!
ثم انكتل نحو الخارج تاركًا تلك الغرفة المقززة من خلفه، سار في هذا الطريق المظلم وهو يتخبط في كل ما يقابله، هتف بتجهم:
-هما قافلين النور ليه؟!
ثم تنهد بضيق ليكمل سيره العابث، أثناء تحركه لمح شخصًا ما يحمل شمعة ويقترب منه، توتر قليلاً ثم تفحص هيئته، حين اقترب منه قال آيان بتوجس:
-مين؟
نطقت الخادمة موضحة بغرابة:
-أنا يا سعادة البيه، عاوز حاجة؟
سألها بعبوس:
-أيه اللي حصل للنور؟
رد متفهمة وهي تشرح:
-مرة واحدة النور قطع في الحتة دي، بس متقلقش يا سعادة البيه، الغفير تحت هو وعمرو بيه وهيشوفوا من أيه!!
زم ثغره متأففًا من تلك الأجواء الغير مقبولة، خطرت زينة على ذهنه فابتسم بمكر، نظر للخادمة ثم استفهم بنبرة حذرة:
-هي أوضة زينة هانم فين؟
ردت بتلقائية:
-هنا يا سعادة البيه، آخر أوضة على إيدك الشمال
ثم أشارت له بيدها ليعرف الطريق، ابتسم بشكر لها ثم تركها غير مبالي بها وهو قاصدًا غرفة الأخيرة………!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لم تنم حيث ظل فكرها مشغول به وبحاله الآن، ضحكت زينة في صمت من قلبها بعدما تعمدت اعطاءه الغرفة القريبة من حظيرة المواشي، حيث تنبعث منها رائحة الروث، ناهيك عن الناموس المتطاير في تلك المنطقة بالأخص، وذلك بعدما أصر على المكوث في الفيلا ليكون قريب منها، فالبقية توجهوا لفيلا عمها والآخر لسراية أيهم، همست لنفسها بتشفٍ:
-عاوز تبقى قريب مني، خليك قريب علشان هطلع عينك هنا، وكويس إني فصلت النور علشان متعرفش تروح فين!!
ثم تمطت بذراعيها شاعرة براحةٍ جمة متابعة بتثاؤب:
-أما أنام بقى!
ثم دثرت نفسها ورقدت على جانبها لتأخذ وضعية مريحة في نومتها، ثوانٍ فقط بعد ذلك وجدت من يدق الباب عليها بخفوت، عقدت حاجبيها بشدة مندهشة، رفعت الغطاء قليلاً ثم أجابت باستفهام:
-مين؟
تعمد آيان عدم الرد عليها فإن علمت بحضوره لن تفتح، بل استمر في طرق الباب عليها، بينما انزعجت زينة ثم نهضت لتوبخ الطارق وهي تتنفس بغضب….
فتحت الباب فتفاجأت بالأخير يبتسم باستفزاز لها ثم وضع ذراعه على الباب قائلاً وهو یمرر انظاره المعجبة علیها:
-مساء الخير يا حبيبتي، أیه الحلاوة دي، البجامة هتاکل منك حتة
رمقته بنظرة قاتلة وفي نفسها متعجبة من معرفته لغرفتها، ردت بغيظ:
-مساء الزفت على دماغك!!
ثم حاولت صفق الباب في وجهه لكن قدمه التي وضعها حائلاً في المنتصف منعتها فقد أخذ حذره، هتفت بغضب:
-شيل رجلك وامشي من هنا، فاكر نفسك فين تتجرأ وتيجي لحد عندي، صحيح بجح وقليل الأدب
تجاهل كل ذلك ليظل مستخدمًا بروده معها، رد بسفاهة:
-مش عارف أنام في الأوضة التانية، قولت أجرب بتاعت، باين ريحتها حلوة زيك
زاد الأمر عن حده معه لتطاوله الوقح معها، رفعت يدها لتصفعه تاديبًا لأخلاقه المتدنية لكنه كان حذرًا لكل ردة فعل ستصدر منها وذلك حين أمسك بيدها المرفوعة ليشل حركتها فصرخت بصوت مسموع، كمم فمها سريعًا حين انتبه لخطوات أحدهم قادم ثم دفعها للداخل وهي معه ليختبئ بها خلف الباب، تشنج جسدها فبرر وهو واضع يدها على فمها:
-وطى صوتك فيه حد جاي
اضطربت زينة والتزمت البقاء هادئة واذنها تترقب الصوت المار من أمام غرفتها والذي اتضح أنه لأخيها وهو يهاتف أحدهم متجهًا لغرفته، بينما ذاب آيان في سحر عينيها الفيروزية وتاه فيهن، اخفض أنظارها لثغرها فانتبهت زينة له وهو يتأملها بجراءة مستبيحًا ذلك، انتفضت لتبعده عنها حين شحذت قواها قائلة بتعنيف:
-حيوان
ابتسم بخبث ليرد بوقاحة:
-عادي مش مستعجل، كله بأوانه
ثم غمز لها لتنفجر فيه بهياجٍ مدروس:
-عمري ما هحبك لو هتبوس رجلي، ومش هكون ليك لو مافيش قدامي غير إني اقتلك!
اقترب منها فتراجعت متخوفة منه، رد بتحد:
-وهتكوني ليا بمزاجك أو غصب عنك
تحدته هي الأخری بنظرات واثقة فتابع لیستفزها:
-والموت علـــى إیدك راحة…………!!
___________________________________
أمر الواقف أمامه بحزم:
-بكرة البضاعة هتوصل من ألمانيا، عاوز الرجالة تكون جاهزة علشان هنسلمها على طول، الجماعة مستنين مني خبر!!
رد الرجل ذي الجسد الضخم بخشونة:
-هشوفها يا سعادة البيه ابعتلك عيّنة منها، المرة اللي فاتت كان فيه كام حتة كده مضروبين، وخسرنا جامد
أظلم عيسى عينيه متذكرًا ذلك، رد داعمًا حديثه:
-ابعتلي، وقبل ما تستلم خلي الرجالة يشيكوا عليها
امتثل الرجل هاتفًا:
-تحت أمرك يا سعادة البيه، امشي أنا
من خلف السيد عيسى الجالس ببهو أحد الفنادق اقترب السيد عبد الحميد، تسلل لأذنيه بعض الكلمات الغامضة بالنسبة له وهو يخاطب الرجل ولم يتفهم مغزاه، دنا منه مرددًا ببسمة مزيفة:
-صباح الخير يا حاج
تنبّه عيسى لحضوره فرد بترحيب:
-صباح الخير، اتفضل يا حاج دا أنا مستنيك
جلس عبد الحميد ويغلبه الجهل لما كان يحدث قبل مجيئه، تردد في سؤاله المتطفل قائلاً:
-بضاعة أيه يا حاج اللي كنت بتتكلم عنها دي
ارتبك عيسى قليلاً ونظر له لبعض الوقت يحاول اختلاق ما يُشبع فضوله، هتف بحنكة:
-دي شحنة أدوات منزلية جاية قريب، أصلي باشتغل في كل حاجة
ربط عبد الحميد حديثه بما سمعه ولم يقتنع، بظلمة نظر له عيسى ليستشف هل يرتاب في شيء أم ماذا؟، هتف بتساؤل ليحول الحديث:
-أنا بُكرة هعرّفك على واحد كبير قوي جاي من سوهاج، الراجل ده هينفعك قوي في المشاريع اللي قولتلي عليها
تهلل عبد الحميد وقد لمعت عيناه قائلاً:
-أخيرًا يا حاج
قال عيسى بمكر ليُغريه أكثر:
-وكمان ليك عندي مفاجأة هتعجبك، هتعرفها لما تعرفني على أيهم بيه زي ما وعدتني
امتلأ الطمع في نظرات عبد الحميد، قال بمعنى:
-هيجي بكرة القاهرة، أصله طلع في البلد عندي، عنده مناسبة جواز، بس معرفتش مع مين، بس متقلقش أنا كلمت ماجد بيه يكلمه علشان يعرف إنك هنا
لم يهتم عيسى كثيرًا بكل التفاصيل ولكن معرفته بهذا الرجل جعلته يحتاجه الآن عن أي وقت، حدث نفسه بريبة:
-مقداميش غير أيهم ده، لازم أكلمه في أسرع وقت…….!!
_____________________________________
حمل ابنه الصغير على كتفه ثم وقف في شرفة السراية الخارجية يهاتف الآخر، قال أيهم بمفهوم:
-أنا نازل القاهرة بكرة، اديله ميعاد علشان أشوف عاوز أيه
سأل ماجد بمعنى:
-شكله كده عاوز يشاركك، دا طلع يعرف عبد الحميد علشان هو اللي مكلمني، یا تری هتشارکه؟
رد أيهم بمعنی لا مشکلة:
-معنديش مانع أشارك حد في أي حاجة، ما إنت عارف إني بأحب المصادقات!!
انضم له زين الذي مكث في سرايته برفقة زوجته نور قائلاً:
-صباح الخير
التفت له أيهم لينهي حديثه مع ماجد سريعا، تابع زين بأسف:
-باعتذر لو كنت قطعت حديثك
رد بعدم اهتمام:
-لا دي حاجة كده مش مهمة قوي
هتف زين متأملاً ما حوله بدهشة:
-أول مرة آجي أماكن زي دي، يا ترى واحد في مستواك عرف هنا إزاي؟
زاغ أيهم ليعود بذاكرته للوراء متذكرًا سبب حضوره لهذه القرية وما مر عليه فيها، رد باقتضاب:
-صدفة، ومنها لقيت اللي حبيتها هنا واتجوزتها!
ابتسم زين مرددًا:
-الليلة هنرجع اسكندرية، لأن فيه حاجات كتير هنعملها علشان حفلة الجواز، أنا عندي دعوات كتير قوي لازم ابعتها، دي جوازة ابني الكبير
هز أيهم رأسه متفهمًا فاستطرد زين بمعنى:
-أنا كلمت فريد بيه إن الحفلة هتكون في اسكندرية، مش شايف ليه لازمة نرجع هنا تاني
رد أيهم بشيء من التنبيه:
-يا ريت آيان يعقل ويحافظ على زينة، واتمنى الجوازة دي تبقى صداقة جديدة بينا مش حاجة تانية
هتف باستنكار:
-هو طلب مني يتجوزها، وهي هتكون معانا، يعني أي حاجة تحصل أنا اللي هكون مسؤول، بس يا ريت محدش يتضايق من آيان بسبب اللي عمله، محدش عندنا عارف حاجة
ردد أيهم بتأكيد:
-لا طبعًا مستحيل حد يعرف، أنا خلاص مطمن عليها طالما إنت المسؤول قدامي
وجه زين بصره للصغير ثم مسح على شعره متسائلاً بعفوية:
-دا كمان ابنك؟
ابتسم أيهم ثم قبل طفله مجيبًا:
-ابني الصغير
برر زين سؤاله قائلاً بمزح:
-أنا مش باحسد، بس كل ولد أشوفه يقولوا ابنك
-أنا عندي خمسة!!
رد أيهم بشكل طبيعي معارضًا حسده هذا، هتف زين بلطف:
-ربنا يحميهم، إنت كنت قولتلي إنك عاوز فيلا في اسكندرية
هتف أيهم بانشراح:
-أيوة أنا عاوز
رد زين بمغزى أراح أيهم:
-طلبك لقيته، وبالمرة نکون قریبین من بعض، حاسس هیکون فیه شُغل بیا………!!
___________________________________
ارتدت ثياب محتشمة احترامًا للنساء من حولها، تحركت نور برفقة رسيل لتنضم للجميع في الفيلا لتناول الإفطار معًا، بدت صحبة جديدة لنور مع هؤلاء الأُناس، لمحت السماحة في طباعهم بالإضافة لاحتشامهم لتجد نفسها مختلفة عنهن، في تلك اللحظة فطنت سبب تضايق ابنها مما ترتديه، وجدت أنه يميل لأخرى أعجبته خصالها فابتسمت لذوقه الرفيع…..
على المائدة الكبيرة شرعن في تناول الطعام، جلس بجانب نور التي خاطبتها بلطافة:
-تحبي حاجة معينة يعملوها؟
مررت نور نظراتها على الطعام لتجيب برضى:
-بالعكس الأكل دا يجنن وشكله يفتح النفس
خطفت “لما” بعض اللقيمات الصغيرة لتنهض من بينهن قائلة على عجالة:
-عندي حاجة مهمة هاعملها، عن إذنكم
ثم تحركت نحو الخارج فراقبتها رسيل بنظرات قاتمة، لتشك بأنها ذاهبة لأيهم مستغلة وجودها كالعادة، خاطبتها سميرة لتنتبه لها:
-كلي يا رسيل فيه حاجات كتير لازم نعملها لزينة
زيفت رسيل بسمة لتأكل بشرود وهي مشغولة بأمر تلك الفتاة التي تتدلل على زوجها………!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وزعت انظارها الباحثة في كل مكان من حولها لتجده في الحدیقة کما اخبرها، حيث بعث لها زين برسالة مقتضبة يريد من خلالها رؤيتها، لم تتوانى في الاستجابة لها لتركض ملبية لطلبه، جاء من خلفها قائلاً:
-وحشتيني
شهقت باضطراب طفيف وهي تستدير بجسدها ناحيته، تابع بحبٍ مُخادع لكنه بالطبع فيه:
-أيه يا حبيبتي، اتخضيتي؟
ابتسمت باستحياء وهي تنفي:
-لا ما فيش حاجة، كنت عاوزني في أيه؟
دنا منها أكثر فتوترت، قال بمفهوم:
-أيه رأيك بما إن مامتك هنا اطلب إيدك منها، أنا كنت بافكر نتجوز مع آيان وزينة، تفاجأت “لما” بذلك لترد بتعثُر:
-بس أنا لسه مش جاهزة للجواز دلوقتي، هو مش هيبقى فيه خطوبة بينا على الأقل؟
تضايق زين في نفسه ليتيقن بأنها لم تنزع محبة آيان حتى بعد ارتباطه بغيرها، قال بغلولٍ داخلي:
-ليه أنا مش عاجبك؟، قولي مش هزعل، وهنفضل أصحاب على فكرة
هتفت لتستنكر بشدة:
-أوعى تكون زعلت، خلاص أنا موافقة واعمل اللي يريحك وأنا موافقة عليه
رددت “لما” ذلك كي لا تضيعه من يدها فقد شغلها بالفعل الفترة الماضية لترسم حياتها معه، زيف زين بسمة سعيدة كان يريدها حقيقة، لم يعرف ما يفعله سليمًا أم لا، لكنه أرادها بغيظ مشبعًا روحه المهتافة عليها حتى لو سيعاقبها، فاق لنفسه ليقول بجدية:
-أنا هكلم بابا وماما، وهخلي جوازنا مع آيان وزينة، ولو ملحقناش يبقى بعدهم، أنا بصراحة عاوز نتجوز بدري
بدت أعصاب “لما” مشدودة من استعجاله، لم تعترض لتحرك رأسها بالموافقة فلا داعي للرفض فهو مناسب لها، قالت بتوتر:
-زي ما تحب……….!!
____________________________________
دلف الغرفة خلفها ليمنعها من الرحيل، حيث وصلت سيرين لآخر صبرها مع والدته المتسلطة، تحرك ايهاب نحوها ليمنعها من ضب أغراضها في حقيبتها قائلاً باستجداء:
-معقولة يا سيرين اللي بتعمليه ده، مش كنتي بتقوليلي عمري ما هسيبك علشان بتحبيني
بكت سيرين وهي تضع ثيابها ثم توقفت وهي تعلل:
-استحملتها علشانك، لكن كله إلا إهانتي، مكنتش خدامة أنا، وعلشانك بس بقيت باشتغل في البيت
أمسك يدها ليضمها بين راحتيه مرددًا:
-أمي مش عارف أيه غيرها، استحمليها دي ست كبيرة، ويمكن موت بابا مخليها خايفة تكون تقيلة علينا، يعني أوديها فين؟
حدجته بنظرة مغتاظة وهي تهتف:
-يعني مش شايف بتعمل أيه معايا، اغسلها رجليها و….
ثم توقفت عن التكملة حين ولجت فوزية عليهما ضامة ذراعيها حول صدرها، رددت بحنق وهي تتدرج نحوهما:
-كنت عملت أيه يعني، خليته يتجوز عليكي وسابك مذلولة وبيهين فيكي داخلة وطالعة
فطنت سيرين تلميحاتها حول ما يفعله أخيها فازدردت ريقها في توتر ولم تجد ما تزكي به، أكملت فوزية بتجهم:
-ولو عايزة تمشي أنا ممكن أشوفله واحدة تريحه وتريحني
هتف ايهاب باحتجاج:
-أيه الكلام ده يا أمي، أنا مش ممكن اتجوز على سيرين
ابتسمت سيرين بفرحة ولكن أغاظتها فوزية وهي تقول بمكر:
-دا أنا هشوفلك واحدة حلوة وعنيها ملونة زي رسيل، هي مش كانت عجباك
استشاطت سيرين بشدة وتشنجت هادرة:
-دا واضح إني رخصت نفسي علشان كده بتعاملوني وحش، عمومًا أنا عندي أهلي، عاوزة تجوزيه روحي
ثم أسرعت في جمع ما تبقى لها وإيهاب من خلفها يمنعها قائلاً:
-سيرين معقولة الكلام ده، إحنا اتفقنا على أيه
حملت الحقيبة متجاهلة إياه ثم توجهت نحو أبناءها لتمسك بهم وتجعلهم يتحركوا معها، لم تهتم فوزية فالمعاملة بالمثل عل أهلها يشعروا بحماقتهم، تحركت نحو الخارج وإيهاب يتابع رحيلها، كاد أن يلحق بها لكن نظرة والدته المحذرة منعته، ابتسمت فوزية بخبث وهي تقول في نفسها:
-لازم أقول لملك وافرحها………..!!
____________________________________
وجدتها الأقرب لها لحبها العميق نحو أخيها، لجأت لـ نور لتعاونها باستغلال حين جاءت لمنزلهم، مدعية بأنها ندمت وذلك من أجلها فقط، بحزن شديد عبرت استيائها من اندفاعها في تقريب تلك المُخادعة من أخيها، لكن تضايقت نور مرددة
– دلوقتي بتقولي كده، أومال مين اللي كان السبب في إنهم يقربوا من بعض؟!
بسأمٍ جم قالت نور ذلك لـ لين التي طلبت مساعدتها للإنتقام من “لما” وإفساد علاقتها بـ زين، كبحت لين إنزعاجها من سماجتها حيث أرادت استغلالها للتخلص من تلك “لما” نهائيًا لا تريد رؤيتها في أي مكانٍ، ظنًا منها بأنها تُحرّض أيان ضدها حتى بعد خلق علاقة مزيّفة بينها وبين أخيها، قالت لين بمكرٍ لتخدعها:
– مش كنتي بتحبي زين ودايمًا من وإنتوا صغيرين بيقولوا إنكوا هتتجوزوا، زي أنكل زين وطنط نور كده
نظرت لها نور بدجنة لتفهمها بأنها تفتعل ذلك من أجل مصلحتها فقط، تابعت لين بمغزى لتشعِل غِيرتها:
– معقول هتنسي زين بسهولة كده وتسيبيهولها تاخده منك، خلاص سفرك لبلد تانية يخليكي تنسيه، وإن كان عليا يا ستي أنا غلطت إني قربتهم من بعض، أنا بس كنت عاوزة ابعدها عن طريقي أنا وآيان، وبصراحة كده مش طيقاها تبقى مرات أخويا، أو حتى أشوفها معانا هنا، دي طلعت واحدة لئيمة، كانت بترسم تتجوز أخويا وتخلي قريبتها تاخد آيان مني!
انصتت إليها نور جيدًا وقد فكرت بأن تتناسى كل ذلك فـ زین لم یفکر فیها سوی أنها اختًا له فقط، سألتها بعدم رضى:
– يعني عاوزة أيه؟
تقوس ثغر لين بابتسامة فرحة خبيثة، ردت بحماس:
– عاوزة أخلص منها خالص، مش عاوزة أشوفها في إسكندرية كلها، لازم تندم على اللي عملته معايا، مش عاوزة أشوفها سعيدة، هي السبب في كل اللي بيحصلي
ترددت نور في معاونتها واحتارت، حَمستها لين بمغزى:
-زين مش بيحبها، دا عمل كده علشاني
هتفت نور باستنكار ساخر:
-طيب خلاص آيان هيتجوز غيرك، ليه بقى هیتجوزها هو؟
ارتبكت لين ثم بررت بتضليل:
-ضحكت عليه، خلاته يتعلق بيها، أصلها خبيثة قوي، هشفي غليلي لما ابوظ حياتها، وبعدين أفضى لآيان، مش هسيبه مرتاح مع زينة دي!!
تنهدت نور بقوة لتجد نفسها تقول بتأنٍ:
-سيبيني أفكر
رددت لين باعتراض:
-لسه هتفكري، آيان هيتجوزها بكرة، وخلاص زين كلم بابا على “لما”، يعني مافيش وقت، دا اتفقوا على كتب الكتاب
تحيرت نور في ذلك، أجل هي أرادت زين، لكن إذا كان الأمر هكذا فستعاونها، نظرت لها لترد مذعنة لتحايُلها المستمر مما جعل لين تفرح:
-طيب هساعدك، علشان بس هي بتحاول تضحك على زين، وعلشان خدعوكي……!!
__________________________________
مرت تلك الفترة القليلة على زينة متحاشية قدر الإمكان الإختلاط بهذا السمج، ترددت كثيرا في إخبار الجميع بحقيقة الأمر لكن حذرتها رسيل خيفةً على عمها، أو فضيحة أمام الجميع ستكون حتمًا كالعلكة في فم الصحفيين وسيذاع الأمر لذا ارتضت الآن ولكنها أقسمت بعدم استمراريتها معه….
طلب زين من والديه أيضًا الزواج بــ”لما”، على أن يكون عقد قرانهم بعد زواج آيان لسرعته ولن يكفي ذلك الوقت الوجيز لتجهيز له، ناهيك عن هروبه من اسئلة أخته حول تكملته الزيجة رغم فشل المخطط المتفق عليه معها، وذلك لرغبته في الزواج من الأخيرة……
لانشغال جاسمين التام لم تستطع فتح الموضوع مع عمرو لمعاونة خلود، والتي ظلت في غرفتها لم تخرج منها إلا للضرورة القصوى، لم تكن تعلم بماهية علاقة مازن بحافصة، فهو لم يلمسها حتى تلك اللحظة بعكس ما تتخيل خلود، لم تفصح حافصة عن ذلك كي لا تتشفى فيها الأخيرة، مستمرة في عنادها وصيت والدها وخوفهم منه…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بداخل فندق زين بمنتجعه الخاص أقام زفاف ابنه البكري، استغرب البعض من تلك الزيجة السريعة ولكن لم يصل أي منهم للسبب الحقيقي الذي ضمره كلا الطرفين….
ارتدت زينة فستانها الذي جلبته لها نور بالمواصفات اللائقة التي اختارتها زينة وبالأحرى رسيل التي تتحدث نيابةً عنها والتي ظلت معها ولم تتركها، حیث کانت ترتدي زینة”فستان ابيض ناصع ذو أكمام طويلة مرصعة ببعض اللآلئ اللامعة، ضيق من الخصر ويتسع للأسفل حتى لامس الأرضية، وحجابًا عاديًا دون تكلف من اللون الأبيض مغطى لعنقها ومتناسق مع هذا الثوب الراقي، تزينت كعادتها ببعض المساحيق التي جعلت ملامحها تشرق رغم عبوسها لكنها كانت جميلة وملفتة، وهذا ما جعل آيان لا يرى غيرها”….
التف حولها الجميع وهذا ما جعلها ترتاح من توترها العصيب هذا، كانت رسيل شبه ملاصقة لها لتترك أولادها مع عمتها، والتي لم تمنع نفسها أيضًا من مشاركة بنت أخيها فرحتها، ضمتها سميرة بألفة ومحبة جمة وهي تردد:
-مبروك يا زينة
لمعت عينا زينة عبرات حزينة حاولت ألا تجعلها تتساقط، هتفت بنبرة مقلقة:
-متسبونيش، خليكوا جنبي!!
ابتعدت عنها سميرة لتردد بقلبٍ موجوع:
-بتقولي كده ليه، النهاردة فرحك ولازم تكوني مبسوطة
لاحت كراهية في نظرات زينة وهيئتها ادركتها نور التي تقف وتتابع كل ما يحدث، خشيت على ابنها فسوف يعاني معها، لم يعجبها كل ما يحدث واكتفت داعیة بصلاح الحال لهما، تدخلت رسيل لتقول بتلميح:
-إحنا قولنا أيه يا زينة، سيبك من التوتر ده، وكمان خلاص كتبوا الكتاب وهيبقى ليكي حياتك، آيان ولد كويس وأي بنت تتمناه
ابتسمت بسخرية في نفسها ولم تعلق علی ذلك، بل قالت بغموض:
-ممكن أروح الحمام قبل ما أنزل معاكوا……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف عمرو والجميع عند مقدمة الدرج منتظرين نزول زينة، قبلها تحرك عمرو الذي تحامل على نفسه في عدم معاقبة آيان نحوه، وقف أمامه بقسماتٍ جامدة تحمل الكثير من الضيق بسبب فعلته، هتف بتحذير:
-اختي تخلي بالك منها، مش معنى إني جوزتهالك هانسى عملت معاها أيه، لو في يوم زعلتها فاستعد على اللي هشوفه مني، ووقتها مش هيهمني حد
لم يتدخل زين فهو محق وما يقوله الصواب، وبداخله لم يجحف خطأ ابنه المستقبح، رد آيان بتأكيد:
-زينة هتبقى في عنيا، عُمري ما هزعلها، علشان باحبها!!
لم يطيل عمرو مع الحديث في ذلك كي لا يثير الريبة وخاصةً والده الذي يتابع، ثم توجه ليقف موضعه مترقبًا بين فينةٍ وأخرى حضورها…..
هبطت زينة الدرج والجميع من خلفها، كانت ملامحها خاوية من التعبير، وهذا ما اكمد آيان بشدة لكنه تريث معها حتى ترتاح له، فور اقترابها استقبلها والدها فاردا ذراعيه بمحبة قائلا وهو يأخذها في أحضانه:
-خلي بالك من نفسك يا بنتي، أخيرًا جه اليوم اللي شوفتك فيه عروسة وبتتجوزي
أحست زينة بأنها ستكسر فرحته بما اتخذته من قرار، لكن دفعها وسواس قهري للثأر، لكن كيف وماذا؟، ردد بود وهو يبعدها:
-خلاص كبرتي يا زينة
ابتسمت بألم وبكت في صمت، توجس البعض من صدور منها ما يعكر الأجواء، لكن ما استنبطه الجميع بأن ذلك بالأمر الطبيعي، ضمها عمرو بقوة ليبعث لها راحة حين خاطبها بهدوء:
-إهدي يا زينة، جوازتك حلوة مش وحشة، كلنا جنبك يا حبيبتي
تهكمت من ردودهم عليها فإن كانوا يشعرون بها ما كانوا أجبروها، سلط آيان أنظاره عليها وهي تتجول بنظراتها على الجميع، فاجأت الجميع حين قالت بتمن:
-أنا مش عاوزة فرح
اضطرب من حولها ومنهم من انزعج لقرارها هذا، همس لها عمرو بتفهم:
-أنا حاسس بيكي معلش، شوية بس قدام الناس، وبعدها هننهي الحفلة
وجه آيان بصره لوالده ليتدخل مستنجدًا به، بالفعل قال زين بعقلانية:
-زينة اللي بتقوليه ده هيخلي الكل يفكر إن فيه حاجة، ودا اللي إحنا مش عاوزينه
اقنعهوها قليلا لتمتثل لهم ثم هزت رأسها موافقة، تقدم آيان ليمسك بيدها لمباشرة حفل زفافهما ولكنها تمنعت لتسير بمفردها متجاهلة إياه تماما….
توالت المباركات عليهما واستقبلتها زينة ببرود، لم ترقص معه مطلقًا حين طلب منها، بات الزواج جافًا خاليًا من الفرحة لتتسع وصلة النفور بينهما والتي تأتي فقط منها، لم يهتم آيان كثيرًا بكل تلك الشكليات سواها فقط، انتهى العرس ليعلن عمرو انتهاء الحفلة لرغبة أخته في ذلك…
قام الجميع بتوديعهما ومنهم من يقتله فضوله حول معرفة حالة زينة التي تبين اغصابها على الزواج، اعتزم آيان بعدما استأذن والديه أن يذهب للعامة، رحبت نور التي تذكرت ليلتها مع زين هناك، أحبت الفكرة وحمسته عليها، بالفعل استقل آيان سيارته وهي معه ثم ابتسم قائلاً بمرح ليرفه عن أجواء الكآبة تلك:
-مبروك يا عروستي، أنا محضرلك مفاجأة هتعجبك قوي
زفرت بملل من ثرثرته ثم استفهمت بجمود:
-رايحين فين؟
ابتسم بمكر شديد وهو يقول:
-المكان اللي كان السبب في جمع شملنا يا روحي
لم تعلق زينة واكفهرت، وضعت يدها على منطقة ما في فستانها لتطمئن على ما وضعته ثم تنهدت براحة، مر الوقت وآيان يخاطبها وهي تتجاهله حتى صمت مضطرًا…
ارفد للعوامة ثم صف سيارته المزينة من جميع النواحي ثم ترجل، ترجلت هي الأخرى دون أن تنتظر سخافته المعتادة معها، بالفعل وقف آيان أمامها متأهب لحملها كما تمنى لكنها لم تعطيه الفرصة حتى رفضت هادرة فيه:
-إيدك متلمسنيش، هطلع لوحدي
لم يزعجها آيان ليتركها على راحتها حتى تلج معه للداخل وسيتغير أسلوبه على الأكيد..
صعدت زينة وهو من خلفها يتوعد، وقفت ليفتح لها ثم باشر بفتح الباب ثم قال باستفزاز:
-برجلك اليمين
ضجرت منه ثم ولجت متأففة حتى وقفت منتصف الردهة، اوصد الباب بالمفتاح ثم تحرك من خلفها ليسحبها نحو غرفتهما فهتفت بتذمر:
-سيبني، موديني فين؟
حاولت التملص منه لكن هيهات كأنها لم تفعلها قط، ولج بها الغرفة فصرخت حين ضمها إليه بتملك وباتت ملتصقة به فارتجف بدنها بين ذراعيه الصلبة، ردد باشتهاء:
-استنيت كتير، ومش هتيجي دلوقتي وتمنعيني عنك
ثم بغتةً انحنى ليأخذ قبلته الأولى منها وسط دفاعاتها الفاشلة، وقد ابعدها لتلتقط هي أنفاسها وقد تصببت عرقا وباتت رهبة جامحة تسري بداخلها، هتفت بنهجٍ وهي تمسح شفتيها ببغض من لمساته:
-متلمسنيش، ابعدي عني احسن لك، هاقتلك، أنا مجنونة واعملها
ضحك عليها ثم اقترب منها راغبًا في أخذ حقوقه الزوجية منها ولو سيجبرها فتراجعت خوفًا منه، هتفت بتنبيه:
-هموتك لو قربت مني
لم يهتم ليستمر في التحرك نحوها مرددًا:
-قولتلك هابقى مبسوط لو عملتيها
عند تراجعها للخلف سقطت على الفراش مرتعبة فابتسم بخبث قائلاً:
-ربنا بيسهل الأمور
رمقته بنظرات نارية ثم حاولت إخراج ما دسته في فستان زفافها قبل أن يقترب منها، تعثرت في ذلك لينحني بحذعه عليها مكملاً ليلته الأولى معها، حينما اقترب منها نجحت في إخراج السكين الذي استرقته من المطبخ لتدافع عن نفسها، دنا منها ليقبلها بتلهف في وجهها وعنقها قائلاً:
-باحبك قوي، حبيني يا زينة!!
لم تجد أمامها سوف تنفيذ ما اعتزمت عليه، بأيدٍ مرتعشة غرزت السكين بالقرب من قلبه ثم انتفضت رعبًا حين أخرج أنينًا متألمًا وقد كف عن تقبيلها ليبتعد مخرجًا ذات الأنين الموجع، رقد على ظهره بجوارها ثم اغمض عينيه، انتفضت بهلع لتعتدل ناظرة إليه برعبٍ حقيقي، خاطبته برعونة وصوتٍ متقطع:
– إ. إ. إنت مُت خلاص؟!!…………………….
____________________________
______________________
________________
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية مغرم بك) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.