رواية فوق جبال الهوان – الفصل الثالث والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
في مثل هذه الأوقات الحرجة، ومنذ الوهلة الأولى حينما التقى بها، وهو لم يكن واثقًا مما يفعل تجاهها، فقد أراد حمايتها من أقل المخاطر بكامل جوارحه، وكأنه مكلف بذلك بشكلٍ إلزامي، وليس على غير رغبة منه. نظرة فاحصة جال بها “غيث” على وجهها الساكن قبل أن يدمدم في شيءٍ من السخرية:
-ده ديب، هو أني جولتلك إنه سبع؟
ليتقوس فمه بازدراءٍ وهو يتم جملته في ضيقٍ محسوس بنبرته:
-وفلت من تحت يدي! خسارة الطلقة!
تململت في ذراعيه، فأحس بتلك الخفقة العاصفة تضرب أعماق قلبه، لتنعشه وتوقظه من سباته الذي طال، بدا وكأن أحدهم يمتحن مشاعره الكامنة تجاهها، لم يشعر بمثل ذلك الخوف المبالغ فيه من قبل نحو إحداهن، بدت مختلفة عن البقية، ومع ذلك رفض الانسياق كالأعمى وراء ما راوده من شعور غير مفهوم، ليسير بها بترفقٍ نحو سيارته.
فتح الباب ودفعه للخلف ليتمكن من وضعها في مقعد الراكب بجواره، أراح رأسها بحرصٍ على ظهر المقعد، ثم انتزع عنه وشاحه الذي يلفه حول عنقه ليضعه حولها، كما تعمد إخفاء معظم ملامح وجهها به لئلا يراها أحدهم معه مصادفة، فيسيء الظن لتواجدهما بمفردهما في هذه البقعة النائية، وبالتالي يشرع في تفسير الأمر بشكلٍ خاطئ، ويقوم بإطلاق الشائعات المغرضة بلا داعٍ، وما أسهل نشر الأكاذيب والأقوال المغلوطة بين عامة الناس ولو كان على حساب الأبرياء!
أغلق الباب بهدوء، والتف حول مقدمة السيارة ليجلس خلف المقود، وينطلق عائدًا إلى قصره.
بين الحين والآخر كان يلتفت ناظرًا إليها، فيجدها لا تزال غافية، لم يعرف كيف يتصرف معها، هل يستدعي الطبيب لها؟ أم أن ما حدث لها جراء خوفها الطبيعي من ذلك الذئب المفترس؟ حسم أمره وقرر عدم تضخيم الأمور، ليتركها تستريح، وباكر سيطمئن عليها، فإن كانت بحاجة لمساعدة طبية لن يتأخر في استدعائها مهما كلفه الأمر.
بمجرد أن عبر “غيث” البوابة بسيارته، خفض الزجاج المواجه لناحيته قليلًا، ليتمكن “بدوي” من رؤية جزء صغير من وجهه حينما أصدر أمره غير المردود إليه:
-بجول تاني أهوو، بوابة الجصر ماتتفتحش واصل!
رد عليه خفيره مومئًا برأسه في طاعة:
-ماشي كلامك يا بيه.
عاد ليشدد عليه بلا تساهلٍ، وقد رفع إصبعه للأعلى، وهذه النظرة الصارمة تطل من عينيه:
-مافيش حد يدخل ولا يخرج إلا بأمري، حتى لو كان مين.
في الحال علق بندقيته على كتفه مؤكدًا:
-اللي تجول عليه يا بيه هنفذه.
ثم أكمل طريقه بالسيارة حتى وصل إلى باب القصر، فترجل بعدها متجهًا نحو الجانب الآخر ليتمكن من إخراج “دليلة” وحملها إلى الداخل.
……………………………………
ذرعت البهو جيئة وذهابًا وهي تكبت ما يعتمل في نفسها مرغمة، فرؤية ابن عمها وهو يركض في إثر تلك الغريبة أثار في نفسها مشاعر الغيرة والحقد، يا ليته فعل ذلك ولو لمرة واحدة معها! إلا أنه كان يتعامل معها بتحفظٍ ورسمية، متجاهلًا ما تكنه حقًا لأجله من مشاعر عاشقة.
جلست “أحلام” مجددًا إلى جوار زوجة عمها، وعيناها تقدحان بأمارات الغيظ. ألقت نظرة نارية نحو “عيشة” وابنتها الجالستين على مسافة منهما، ثم مالت نحو “فاطمة” واشتكت إليها بنبرة مغلولة:
-بت البندر شندلت حال واد عمي، شوفتي كيف رَمح وراها؟
على عكسها بررت الأخيرة ما جرى بناء على ما ارتأته:
-معذور، هما أغراب عن إهنه، وهو جادر يعرف سِكتها.
باحت بما يجوس في نفسها من مشاعر ناقمة، كما لو كانت ترغب في التأثير على رأيها لتؤيدها:
-أني مش مرتحالها يا مَرَت عمي.
ظلت “فاطمة” على موقفها المحايد، وقالت بغير ابتسامٍ:
-دي أوهام.
وقتئذ، فُتح الباب على مصراعيه، وولج “غيث” حاملًا “دليلة” بين ذراعيه، لتنتفض “عيشة” قائمة، هرعت إليه متسائلة في جزعٍ شديد:
-بنتي! مالها؟ حصلها إيه؟
توقف في مكانه، وأجابها بهدوءٍ:
-غميت من التعب.
فيما تحسست “إيمان” وجه شقيقتها قائلة بتعاطفٍ، وبنبرة أقرب إلى البكاء:
-حبيبتي، مش مستحملة أي حاجة.
نهضت “فاطمة” هي الأخرى من موضعها، وأسرعت ناحيته متسائلة في اهتمامٍ:
-نجيبولها ضاكتور يا ولدي؟
قبل أن يجيب صاحت “أحلام” في لهجة مستخفة، كأنما تهزأ بما حل بها:
-مالكم اتخلعتوا عليها إكده ليه؟ فحل بصل وتشمه وهتجوم تنط زي القرد.
ضغط “غيث” على شفتيه مانعًا نفسه من التعليق بأي حماقة، إلا أن والدته تولت معاتبتها بجديةٍ:
-الملافظ سعد يا “أحلام”، البت صِغار ومش متعودة على البلد إهنه.
ليأتي رد الأخيرة مستفزًا بشكلٍ مغيظ:
-صغار كيف وهي طول النخلة أد إكده؟!!!
لحظتها هــدر “غيث” قائلًا بصوته الصارم:
-فضيلي سِكة يامه خليني أطلعها على فوق بدل رغي الحريم الماسخ ده!!
اشتعل وجهها بحمرة منزعجة من إساءته المتعمدة إليها، ومع ذلك لم تجسر على الرد عليه، أطبقت على شفتيها لتمنع نفسها من الكلام، بينما قامت “عيشة” بالإسراع في خطاها لتتقدمه نحو الدرج هاتفة وهي تشير بيدها للأعلى:
-تعالى يا ابني من هنا.
تبعها في صمتٍ لتظل “أحلام” باقية في مكانها، وكل ما فيها يغلي كمدًا وحقدًا، كزت على أسنانها معاودة شكايتها إلى زوجة عمها:
-شايفة يا مَرَت عمي؟ مش جولتلك؟
لم يتغير موقفها نحو ما حدث، فقالت:
-ما هو مايصحش اللي جولتيه عاد، إنتي كده بتجلي في نظر واد عمك.
لولا أن خفضت “أحلام” من نبرتها لبدا صوتها مجلجلًا حينما عقبت عليها بنفس النبرة الحانقة:
-أومال أحط الطين على راسي وأتكتم وأني شايفاه شايلها كيف العروسة في ليلة دخلتها؟!!!
وجدت “فاطمة” عدم جدوى جدالها معها، فأخبرتها وهي تهم بالسير:
-والله إنتي فايجة، خليني أحصلهم أشوف مالها.
لتزداد “أحلام” غضبًا على غضب وهي تشاهد انسحاب البساط من أسفل قدميها لتغدو تلك الغريبة في غمضة عين ذات الحظوة والاهتمام لدى الجميع.
…………………………………
لم يطل البقاء في الغرفة، فعندما ممدها برفقٍ على الفراش، تراجع على الفور إلى الخارج، وانتظر مجيء والدته إليه لتخبره عن أحوالها، إلا أن “عيشة” كانت من حضر لتقوم بإظهار عرفانها لجميله المتواصل مع أسرتها، فاستطردت باسمة في حبورٍ وامتنان:
-تعبناك يا ابني معانا وإنت مش ناقص.
تغاضى عن الجزء الأخير من جملتها متسائلًا في جديةٍ واضحة:
-لو محتاجة ضاكتور جولولي، وأني أشيع أجيبه.
هذه المرة تولت “إيمان” دفة الكلام بعدما انضمت إليهما، فأخبرته:
-هي “دليلة” حساسة، مش بتستحمل، وإن شاء الله هتبقى كويسة، زعلها على ابن عمنا اللي راح أثر فيها جامد.
قال في تفهمٍ، وبصوتٍ عبر عن مشاطرته لحزن العائلة:
-الله يرحمه…
ليسكت للحظةٍ قبل أن يتابع وهو يستعد للمغادرة:
-طب لو احتاجتوا لحاجة شيعوا للبت “سنية” وهي هتجولي.
تدخلت “فاطمة” في الحوار مضيفة وقد وقفت على أعتاب الغرفة:
-وأني روحت فين يا ولدي، ما أني معاهم إهنه.
مددت “عيشة” يدها نحو كتفها لتربت عليه قائلة بابتسامة شاكرة:
-كتر خيرك يا حاجة، ربنا يفرحك بأولادك ويجعلهم دايمًا السند ليكي، احنا تعبناكم معانا ودوشناكم.
قالت في استعتابٍ لطيف:
-متجوليش إكده، ارتاحوا بجى، وماتتكسفوش، ده بيتكم.
أومأت برأسها مرددة:
-تسلمي وتعيشي يا رب.
انصرفت بعدها من الغرفة لتقوم “عيشة” بغلق الباب، والبقاء بصحبتها ابنتيها، وقلبها يئن من الألم على فراق عزيزٍ جديد.
…………………………………..
في اللحظة التي انفردت فيها “فاطمة” بابنها أثناء نزوله على سلم الدرج، أسرعت لتمسك به من ذراعه لتستوقفه، فنظر إليها متعجبًا، لتخبره في شيءٍ من الفضول الممزوج بالقلق:
-حصل إيه يا ولدي؟
تبدلت تعابيره للضيق وهو يخبرها:
-ما أني جولت، غميت يامه من التعب.
سألته في تشككٍ، وهي ترمقه بنظرة غريبة:
-ولا في حاجة تانية حصلت؟
قست ملامحه على الأخير، فقد اعتقد أن وراء حديثها تلميحًا خفيًا لم يستسغ له، وسألها بنبرة شبه هجومية:
-حاجة إيه؟
دون أن تراوغه في الرد جاوبته مباشرة:
-يعني مديت يدك عليها، ما أني خبراك حمئي، وخصوصي لو حد مس كرامتك.
رفع كفه للأعلى مصححًا:
-إلا الحريم! وأديكي شوفتي كيف كنت بعامل مَرَتي جَبْل سابق.
كانت على يقينٍ تام بأن ابنها تحمل الكثير مما لا يطيقه بشر على يد زوجته السابقة التي لم تكف عن إيذائه بتلميحاتها اللفظية ولا بافتعالها للمشاحنات لتصعيد الأمور بينهما، وتعقيد العلاقات بين أطراف العائلتين، ومع ذلك تحلى بفضيلة الصبر معها، واصطبر عليها حتى نضب مخزونه، فالتجأ إلى الطلاق كحلٍ أخير بعدما أعطاها كامل حقوقها، ومتجاهلًا ما قامت به من إساءات نحوه عقب انفصالهما، فقط لتجنيب عائلته الخوض في صراعٍ آخر غير محمودٍ نهايته.
ربتت على ظهره في استحسانٍ، وقالت وهي تبتسم قليلًا:
-ربنا يكملك بعقلك يا ولدي.
عندما نظرت “فاطمة” أمامها تفاجأت بوجود “أحلام”، فقد ظنت أنها غادرت حينما انشغلوا جميعًا بـ “دليلة”، إلا أنها خالفت توقعاتها وظلت ماكثة. تحركت نحوها متسائلة باندهاشٍ حائر:
-إنتي لسه إهنه يا بتي؟
ردت عليها، ونظرتها النارية ترتكز على وجه “غيث”، كأنما تحاول اختراق رأسه، ومعرفة ما يدور بداخله:
-جولت أطمن على واد عمي…
لتبدو نبرتها إلى حد ما ساخرة وهي تكمل جملتها:
-بس الظاهر إنه مشغول مع بت البندر.
رمقها بنظرة قاسية، لا تنذر بخير، إلا أنها لم ترتدع، وواصلت القول بما يوغر الصدور ضد أسلوبها السمج المستفز:
-ما هي لونة وحلوة ونغشة، وخابرة كيف تاكل بعقل الناس حلاوة.
حاول “غيث” تجاوزها لتجنب الشجار معها؛ لكنها اعترضت طريقه لتسأله بنبرة مليئة باتهاماتٍ غير بريئة:
-كنت بتعمل إيه وياها يا واد عمي؟
قرأ ما احتوته نظرتها من إدانةٍ خفية، فتعمد الرد بما يكــوي قلبها:
– مايخصكيش الموضوع.
رغمًا عنها كظمت ضيقها في نفسها، وخاطبته بمعسول الكلام لتلين قلبه المتحجر نحوها:
-أني خايفة عليك من كلام الناس، إنت أمرك يهمني، كبير الناحية، وليك سمعتك، والكل بيحترمك ويهابك…
لكن لسانها السليط غدر بها، وانطلق كالسهام المارقة يهين بلا هوادة:
-وهي محروج اللي جابوها مافرجاش معاي واصل! دي أخرها معانا يومين إهنه وتغور في داهية.
استشاط غضبًا على الأخير لإهانتها الفجة، وحذرها بصوتٍ دوى كالرعد:
– كنك اتخبلتي في مخك؟ الناس في بيتنا ونهينوهم؟ الظاهر إن مخك فوت…
انتفضت بقوة على إثر صيحته القوية، خاصة حينما نادى عاليًا:
-بت يا “سنية”!
بالكاد سيطرت على ارتجاف أطرافها، بينما جاءت إليه الخادمة هاتفة في إذعانٍ:
-إيوه يا سيدي البيه.
أعطاها أمره النافذ دون أن تهتز عضلة من وجهه:
-نادم على حد من الغفر يجي يوصل بت الحاج “راشد” لمطرحها…
لتصير نبرته إلى حد ما تهكمية وهو يتم باقي حديثه:
-لأحسن الديابة مالية المكان، جايز يطلعوا واحد عليها ينهشوا لحمها.
اصطبغت بشرتها بحمرة منفعلة، وقالت بأنفاسٍ محمومة:
-بجى إكده يا واد عمي؟ ماشي.
واندفعت بغضبها وغيظها إلى الخارج وهي تبرطم بكلماتٍ مبهمة، لم تجرؤ “فاطمة” على الاعتراض عليه، وإن كانت منزعجة من كلمات “أحلام” اللاذعة، إلا أنها تتفهم جيدًا مشاعرها الأنثوية النابضة تجاه ابنها، ولذلك راحت تعاتبه على شدته معها:
-ليه إكده يا ولدي؟
نظر إليها بعينين خاليتين من التعاطف، فأضافت:
-بتزعلها وهي غلبانة وخايفة عليك؟ حتى لو هلفطت بالحديت، مايبجاش إكده.
ظل على سكوته لتستمر أمه في الضغط عليه بأسلوبها الذي يحفظه على ظهر قلب:
-دي بتحبك أكتر من روحها.
قال بحزمٍ ومنهيًا النقاش على الفور:
-وأني مش عايز أسمع الحديت الماسخ ده تاني، هي بت عمي وبس!
لم تبد راضية تمامًا عن جموده معها، واستمرت في التأثير عليه بإظهار دعمها لها وتعاطفها معها:
-دي حرمت نفسها من الجواز تاني لأجل ما تحن عليها.
قال بجمودٍ صريح:
-محدش جالها تعمل إكده، ولو عايزة تتجوز من بكرة نجوزوها أجدعها راجل في الناحية.
قالت معترضة على ما فاه به:
-مافيش راجل زيك يا ولدي، وبعدين.. دي أكتر واحدة في الدنيا فهماك.
ظل متشبثًا برأيه بإصرارٍ أشد عنادًا:
-ولو آخر واحدة ماهتجوزهاش يامه، حطوا ده في دماغكم…
لئلا تطيل معه الحديث في مسألتها، أنهاه بقوله وهو يستدير صاعدًا على سلم الدرج:
-تصبحي على خير.
هزت رأسها في أسفٍ، وتمتمت بغير اقتناعٍ:
-أني مش فاهمة بس هي مش عجباك ليه؟!!
………………………………….
بعيدًا عن شعور الألم الشديد لفقدان أحدهم، كانتا بحاجة للتفكير برويةٍ وعقلانية من أجل تصريف أمورهن لاحقًا. تأكدت “إيمان” من تدثير شقيقتها في الفراش قبل أن تنتقل للجلوس على طرف السرير الآخر لتجاور والدتها التي كانت لا تزال تقرأ في المصحف. وجدت في البداية صعوبة لفتح النقاش فيما هن مقبلات عليه في المستقبل، ومع هذا لا مفر من مواجهة ما هو محتوم. سحبت نفسًا عميقًا وسألتها مباشرة، وبلا تمهيد:
-هنعمل إيه يا ماما بعد ما “فارس” مات؟
توقفت “عيشة” عن القراءة، وأغلقت المصحف لتضعه برفقٍ على الوسادة، ونظرت إليها قائلة بعينين تترقرق فيهما الدموع:
-العمل عمل ربنا .. أنا مش قادرة أفكر، حاسة إني متكتفة، ومافيش في إيدي حاجة أعملها…
انتقلت ببصرها نحو “دليلة”، وأكملت بصوتٍ باكٍ:
-وأختك زي ما إنتي شايفة، بتتصرف من دماغها، ودي أكتر حاجة مخوفاني عليها.
مدت ذراعها لتربت على كتفها قائلة بنبرة مواسية:
-غصــب عنها، اللي مرت بيه مش سهل.
كفكفت دمعها المسال قائلة:
-محدش فينا كان يتوقع إنه يشوف الغلب ده كله، لطفك بينا يا رب.
سكتت “إيمان” كأنما تختمر فكرة ما في رأسها، لتنطق بعدها في صيغة متسائلة، وفي نفس التوقيت مراقبة لردة فعل والدتها تجاه اقتراحها:
-إيه رأيك لو كلمنا الأستاذ “عادل”؟ ابن صاحب بابا، هو يقدر يساعدنا، والناس زي ما حضرتك عارفة كانوا كويسين أوي معانا.. وبطبيعة الحال مش هنفضل هنا كتير.
كان تفكيرها منطقيًا، فاقتنعت إلى حدٍ كبير بما قالته مرددة:
-معاكي حق.
استحسنت قبولها للأمر، وعززت ذلك مؤكدة:
-وقت ما أختك تبقى كويسة، وبعدها نتوكل على الله ونمشي خلال يومين تلاتة بالكتير.
أومأت برأسها قائلة:
-بأمر الله.
……………………………………
انكوت بنيران غيرتها وحنقها غير المحدودين، فعادت إلى بيت أبيها تسب وتلعن، كانت في أوج انفعالها وضيقها فصبت جام غضبها على كل من يقابلها، لتحاول خادمتها “نعمة” تهدئتها بقولها المُحتاط:
-أني خايفة عليكي يا ستي.
كانت كتنينٍ ينفث ألسنة اللهب من جوفه، فهتفت من بين أسنانها المضغوطة:
-دمي محروج من بت الـ….. دي!!
راحت تشكو في حـــرقة:
-بجى أني أطرد من جصر عمي بسببها؟!
لتضرب كفها بالآخر وهي تدمدم في مزيدٍ من الحنق:
-ماهي الجوالب نامت والأنصاص جامت.
استدارت مخاطبة خادمتها رافعة إصبعها في وجهها:
-روحي شيعي لـ “سحر” الغجرية تجيني أوام.
ترددت الأخيرة في تنفيذ مطلبها، وقالت بعد لحظةٍ من التفكير:
-بس يا ستي لو البيه “راشد” شم خبر إنها خطت إهنه وهو موجود هيولعوا فينا.
كانت على حقٍ في خوفها، فوالدها يمقت وجود أمثال هؤلاء الدخلاء الأنــجاس في بيته بسبب أفعالهم المتجاوزة والمليئة بالدجل والشعوذة والخروج عن المألوف.
حينما لاحظت “نعمة” صمتها، ظلت أنها رجحت كفة العقل، فاستأنفت كلامها إليها:
-الصباح رباح يا ست الناس، وأني بنفسي هجيبهالك وقت ما البيه يطلع على الغيط.
دنت أكثر منها، وقالت في ختام حديثها:
-إنتي بس هدي نفسك، وكل حاجة هتبجى تمام.
حدجتها “أحلام” بنظرة محتدة من طرف عينها قبل أن تهدر بها:
-غوري من وشي.
انسحبت من المكان تاركة إياها بمفردها، لتنزع “أحلام” عباءتها عنها وتلقيها عند قدميها مرددة في توعدٍ:
-ماشي يا واد عمي، يا أني يا هي!
………………………………
بعد ساعات من الانتظار الطويل في قسم الشرطة، تم استدعاء “زهير” من قِبل وكيل النيابة للتحقيق معه في الاتهامات الموجهة إليه، إلا أن الأخير كان يملك من الدهاء والمكر ما جعله بعيدًا عن الشبهات بشكلٍ رسمي، فاستطرد بكل ثقة وهو يتبادل نظرة غامضة مع محاميه الجالس في مواجهته:
-يا باشا أنا ورقي سليم، ومعنديش مشاكل مع حد.
رد عليه وكيل النيابة بنبرة هادئة لكنها صارمة في نفس الوقت:
-مش إنت اللي هتفهمنا شغلنا.
ادعى الابتسام وعلق بسخافةٍ:
-لأ العفو، بس أنا واثق من شغلي.
قال متمسكًا بسلطته القانونية النافذة في التحقيق معه:
-برضوه مش إنت المسئول عن ده.
تساءل “زهير” مستفهمًا:
-أومال مين؟
جاء رده مباشرًا:
-تحريات المباحث.
جلس “زهير” مسترخيًا، وعقب دون أن تفتر ابتسامته السخيفة:
-عمومًا أنا متأكد من نفسي، وتقدر سيادتك تشوف بالدليل القاطع صحة كلامي.
بلا مقدماتٍ أملاه وكيل النيابة سؤاله المعني مترصدًا لردود فعله:
-علاقتك بـ “مروة” الشهيرة بـ “سمارة” إيه؟
كادت أن تظهر عليه لمحة من التلبك لمجرد سماع اسمها، إلا أنه حافظ على هدوئه، وثبات بسمته وهو يرد عليه:
-مين دي؟ معلش مش واخد بالي.
رفع حاجبه للأعلى قائلًا في استنكارٍ شبه ساخر:
-مش معقول مش عارف اللي كان أخوك متجوزها؟!
ليأتيه رده مستخفًا:
-أخويا –الله يرحمه- كانت جوازاته كتير، بصراحة مش همشي أسجل وراه.
أخرج وكيل النيابة صورة ضوئية لواحدة من أوراق التحقيق، وضعها أمامه آمرًا إياه:
-بص للورقة دي وإنت تعرف.
كانت الورقة تمثل توثيقًا لصيغة زواج عرفي لا يعرف كيف تمكن أفراد الشرطة من الحصول عليها، وهو الذي يجيد إخفاء الأوراق، حتمًا هناك من يسرب المعلومات خلسة لأحدهم، وعليه اكتشاف أمره حينما يخرج من هنا.
ادعى “زهير” استغراقه في التفكير ليقول في تمهلٍ بعد زفرة سريعة وقد أعاد إليه الورقة:
-أه افتكرتها، كانت هربت باين من عند أهلها ومشت في السكة البطالة، وأخويا اتعطف عليها واتجوزها، بس مطولش معاها كتير، أصلها كانت بعيد عنك يا باشا شمـــال.
واجهه بسؤاله التالي وهو يتفرس في تعابير وجهه، وكذلك نظرة عينيه:
-تعرف إيه عن موتها؟
قطب جبينه مدعيًا استغرابه للأمر قبل أن يقول:
-هي ماتت؟ الله يرحمها.
صارحه وكيل النيابة متسائلًا بصيغة مستفزة له:
-عارف إنها أرشدت عن أخوك قبل ما الداخلية تصفيه؟
كلماته أصابت وترًا حساسًا، ورغم هذا ظل جامدًا، لا يظهر أدنى ردة فعل، ليردد في دهشة مصطنعة:
-معقولة! أول مرة أسمع الكلام ده من سيادتك.
ليتدخل المحامي ويتساءل مستفهمًا، وقد بدا هجوميًا بعض الشيء:
-ممكن أفهم إيه علاقة اللي سيادتك بتقوله ده بموكلي؟ يعني أنا مش شايف في داعي إننا نتفرع في مسائل فرعية غير مهمة بالمرة، ونبعد عن المشكلة الرئيسية اللي برضوه مش عارفين سبب احتجاز موكلي ليها؟!!
على نفس النهج البارد التفت تجاهه ليخبره:
-ده شغلنا يا أستاذ.
عاجله بمطلبه بطريقة رسمية:
-طيب أنا بطالب إن موكلي يخرج بضمان محل إقامته أثناء استكمال التحقيقات.
أمسك وكيل النيابة بقلمه الحبري، وخاطبه بغير تعبيرٍ:
-للأسف مش هيحصل لأنه مشتبه في أكتر من حوار، في منهم اللي يخص الأموال العامة كمان.
ثم استدار موجهًا أمره لمن يجلس بجواره عند طرف مكتبه يدون كل ما يُقال في التحقيقات:
-اكتب عندك، يتم احتجاز المتهم …
وناوله هويته لينظر إليها متابعًا:
-سجل اسمه زي ما هو في البطاقة…
ليختتم كلامه معطيًا أمره:
-لمدة أربعة أيام ويراعى التجديد في الميعاد.
………………………………….
انفلتت أعصابه حينما انتهت التحقيقات معه، وخرج مكبلًا بالأصفــاد الحديدية يجره أحد أفراد الشرطة، فزمجر في محاميه بتعصبٍ مبرر وهو يجاوره في سيره بردهة الكئيبة:
-أنا مش فاهم أنا محبوس ليه دلوقت؟ وورقي كله سليم.
رد عليه المحامي بهدوءٍ محاولًا امتصاص غضبه:
-ده إجراء روتيني بيحصل يا “زهير” بيه طول ما التحقيقات شغالة.
صاح مستنكرًا مسألة احتجازه:
-أنا واخد بالي من كل تفصيلة، إزاي ده يحصل؟!!
رد عليه وهو يضبط وضعية نظارته الطبية على أنفه:
-اللي فاقعك الأسفين مظبطه بحيث يحطك في مغزر لفترة، بس اطمن أنا هطلعك منه زي الشعرة من العجينة.
رمقه “زهير” بنظرة ذات مغزى وهو يوصيه بكلماتٍ مبطنة مفهومة للطرف الآخر:
-وحوار البت اللي اسمها “سمارة”؟ أنا ماليش دعوة بيه، فاهمني طبعًا.
هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:
-اطمن أنا مظبط كل حاجة.
ليوصيه بجديةٍ أكبر:
-وتشوف رجالتي كمان، مش عايز حد ينخ مهما حصل.
تعجل في خطواته ليلحق به هاتفًا، خاصة وفرد الشرطة قد هبط به نحو غرفة الاحتجاز بقسم الشرطة:
-حاضر، أنا مشغل المكتب كله لخدمتك يا “زهير” بيه.
…………………………………….
تمطت بذراعيها وهي تتقلب على جانبها لتبدأ مداركها في الاستفاقة والتيقظ بعد استغراق في سباتٍ طويل وعجيب. اعتدلت “دليلة” في رقدتها، وراحت تدور بعينيها لتتذكر أين أصبحت، شعرت بصداعٍ قوي يفتك برأسها، ففركتها برفقٍ، وقد بدأ عقلها يستحضر المشاهد الأخيرة التي عايشتها.
ما زال هناك ذلك الشعور المؤلم يغص في صدرها، رغمًا عنها زحفت الدموع إلى عينيها متذكرة كيف كانت قاســية، مجحــفة، ومتعجرفة مع “فارس”، وهو الذي استقبل كل ما تفعله من أمور سخيفة بودية ولطف. تنفست بعمقٍ لتخــنق نوبة البكاء التي تداهمها الآن عاقدة العزم على الرحيل، فهمست لنفسها بتصميمٍ:
-أحسن حاجة أعملها أمشي قبل ما حد يصحى، الدنيا أمان دلوقت.
سرعان ما بدلت ثيابها بتلك التي جاءت بها، وألقت نظرة وداعٍ أخيرة على والدتها وشقيقتها، لتتسلل على أطراف أصابعها إلى الخارج.
كان لا يزال الوقت مبكرًا، وغالبية من في القصر نائمون، لذا لن تسبب أدنى مشكلة في ذهابها، أو هكذا توهمت!
………………………………
من أعلى بقعة في سطح القصر، حيث تم إعداده وتجهيزه ليكون مناسبًا للجلوس غالبية الأوقات، مراعيًا الحفاظ على خصوصية قاطني المكان، بجانب استمتاعهم برؤية المناظر الطبيعية الخاطفة للأنظار على مدى البصر، وقف “غيث” عند حافة السور يتحدث هاتفيًا إلى رفيقه، فقد أطلعه الأخير على ما استجد من أخبار، فزف إليه خبر حبس ذلك اللعين، ليقول مادحًا تصرفه:
-ملعوبة يا “وهبة”.
أتاه صوته عبر الهاتف مرددًا:
-ولسه لما ناخدوا بتارنا منه، هخسره كل حاجة يملكها الأول، وبعد إكده هجيب حق “فارس”.
أصغى إليه “غيث” بانتباهٍ تام وهو يوصيه:
-خد بالك من جماعته يا كبيرنا، دول أمانة في رجبتك، دي كانت وصية المرحوم قبل ما يتغدر بيه.
ليعطيه وعده الأكيد:
-اطمن هما تحت عينيا، مش هفوتهم واصل.
قال جملته الأخيرة وهو يُبصر “دليلة” وهي تخرج من باب القصر متجهة على عجالةٍ نحو البوابة الحديدية المغلقة بالأقفال، فأنهى المكالمة بلا مقدماتٍ ليلحق بها.
…………………………………
-بقولك افتح البوابة دي!
صرخت بتلك العبارة وهي تركل بقدمها البوابة الحديدية في عصبيةٍ واضحة بعدما رفض الخفير الحامل لبندقيته الاستجابة لمطلبها وفتحها لها، ليرد في برودٍ استفزها تمامًا وهو خافض لبصره:
-معنديش أوامر من البيه الكبير.
استمرت على صياحها الحانق به:
-وأنا ماليش دعوة بالبيه بتاعكم، احنا مش في سجن هنا.
قابل هياجها بنفس البرود المغيظ، وقال بسماجةٍ:
-أني عبد المأمور يا ست هانم، ممنوع حد يدخل أو يخرج من غير ما البيه يجول.
حينما لم تجد منه أدنى تجاوب معها، هددته في انفعالٍ متزايد وهي تلوح بسبابتها:
-افتح بدل ما ارتكب جناية هنا!
لكنه انتصب فجأة ليبدو متأهبًا في وقفته، وكـأن دورية عسكرية تمر بموقعه لتتفقده. ما لبث أن هز رأسه في طاعة، وتحرك من موضعه، حيث صرفة “غيث” بإشارة من إصبعه، لتلتفت ورائها عندما سمعت صوته الهادئ يحادثها بما يشبه المزاح:
-الناس الطبيعية تجوم من النوم تجول صباح الخير، مش يتعاركوا على الصبح.
لن ينكر أنه انزعج لرؤيتها ترتدي السروال الأسود والقميص المطابق لنفس اللون، لم يحبذ أن يراها أحدهم بتلك الملابس وإن كانت متسعة نسبيًا، وكأن شعور الغيرة على ما يخصها قد بزغ بداخله فجأة!
لم تكن “دليلة” في حالة مزاجية رائقة لتتقبل أي شيء منه أو من غيره، فظلت على طريقتها المتعصبة وهي تكلمه:
-ممكن أفهم إنت قافل البوابة ليه؟ والغفير بتاعك مش عايزني أخرج.
قال وهو يتكئ بظهره على البدن الحديدي للبوابة:
-علشان الديابة، احنا ناس بنخافوا على حياتنا، وإنتي شوفتي بنفسك بيطلعوا جصادك كيف العفاريت
انتفضت لمجرد الذكرى، وقالت بتصميمٍ وهي تكتف ساعديها أمام صدرها:
-ماشي، أنا عايزة أخرج دلوقت.
هز رأسه معقبًا في لطافة عجيبة:
-وماله، نفطروا، ونشربوا الشاي، وبعد إكده تخرجي براحتك وهنوديكي مطرح ما تحبي كمان، ها إيه رأيك؟
اغتاظت من طريقته الغريبة في التعامل معها، وهتفت تعانده بصوتٍ مرتفع:
-وأنا مش عايزة أكل.
وضع يده على أذنه ليسدها للحظةٍ وهو يسألها:
-طب ليه الزعيق؟ أني بسمع على فكرة، مش أطرش.
نظرت إلى موضع يده قبل أن يخفضها هاتفة في ضيقٍ:
-هي نبرة صوتي كده.
أومأ برأسه قائلًا بابتسامة صغيرة:
-ماشي، ممكن نوطيها شوية، الناس هنا ماهتستحملش الصَريخ والدوشة.
حلت تشابك ساعديها، وتنفست بعمقٍ قبل أن تطلب منه بصوتٍ جاهدت ليبدو هادئًا ومنخفضًا:
-لو سمحت افتح الباب أنا عايزة أمشي.
رد عليها مبتسمًا:
-وهو أني جولت لأ؟ هناكلوا وتمشي على طول.
صاحت مستنكرة في غير صبرٍ:
-لا إله إلا الله، نقول تور يقولوا احلبوه!
تصنع الجدية وسألها بإنكارٍ اندهشت منه:
-ومين البهيم اللي جال إن التور ينفع يتحلب؟ كانه ما بيفهمش في البهايم صُح!
رغمًا عنها ابتسمت لظرافته، وحركت رأسها للجانب لتخفي تلك البسمة عنه، فدق قلبه لرؤية لمحة خفية منها تظهر له بشكلٍ عفوي قبل أن تواريها. عاودت التحديق ناحيته مجددًا لتكرر عليه مطلبها إلا أنها شعرت بشيءٍ غير مريح يجتاح رأسها، فسألته بتعجبٍ:
-هو إنت بتتهز ليه؟
زوى ما بين حاجبيه متسائلًا في حيرة:
-كيف يعني؟
أشارت بإصبعها كأنما توضح له الصورة التي تسود في مخيلتها الآن:
-كده.
نظرت إلى حركة إصبعها مفسرًا:
-تجصدي كيف بندول الساعة؟
قبل أن تؤكد عليه جاءت إليهما والدته لتلقي عليها التحية بترحابٍ:
-إصباح الخير عليكي يا بتي، كيف أحوالك النهاردة؟
لحظتها اندفع “غيث” متكلمًا، كأنما يشتكيها:
-يرضيكي يا ست الحاجة إنها تخرج إكده من غير ما تاكل حاجة.
لوت “دليلة” ثغرها في ضيقٍ، وغمغمت مع نفسها باستياءٍ لصعوبة إكمال خطتها في الهروب قبل أن تستيقظ والدتها وشقيقتها:
-هو محدش بيصحى متأخر هنا ولا إيه؟
تنبهت لصوت “فاطمة” المتسائل في قلقٍ:
-ليه يا بتي؟ هو واكلنا عفش ولا حاجة؟
قالت نافية على الفور:
-لأ أبدًا، أنا ماليش نفس، بس عايزة أمشي.
انقبض قلبها لقرارها المريب ذلك، وسألتها:
-وأمك، وخيتك؟ عندهم خبر؟
لحظتها تلبكت، وخرجت الكلمات من فمها متلعثمة، مؤكدة على تسللها:
-أنا.. أنا.. هستفسر عن حاجة كده، و.. راجعة تاني.. معلش خليه يفتح الباب.
رفع “غيث” كفيه الفارغين للأعلى في الهواء هاتفًا من فوره:
-المفتاح جوا مش معاي.
تحركت “فاطمة” نحو “دليلة”، وتأبطت ذراعها لتجبرها على المسير معها قائلة بوداعةٍ:
-طب مسافة ما ولدي يجيبه تاكلي حاجة، وبعد إكده تخرجي.
تقدمهما “غيث” قائلًا:
-وأني بنفسي هجهزلك العربية.
لم تجد بدًا من الانصياع لهما، وقالت في استسلامٍ بعدما باءت كل محاولاتها بالفشل:
-طيب.
إلا أن قواها خارت فجــأة لتلقي بثقل جسدها على “فاطمة” التي جزعت لرؤيتها تفقد الوعي دون سابق إنذارٍ، فحاولت إسنادها وهي تصيح مستنجدة:
-إلحقني يا ولدي.
استدار كليًا ليجدها ممسكة بها، فأسرع ناحيتها، وانحنى ليحملها بحذرٍ ورفق متجهًا بخطواتٍ متعجلة نحو الداخل، ومن ورائه والدته تردد في توجسٍ مرتاع:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، استر يا رب…
ثم التقت بخادمتها، فأصدرت إليها أمرها على الفور:
-بت يا “نعمة” شيعي حد من الغفر يجيب الضاكتور أوام إهنه!
ردت وهو تهز رأسها:
-حاضر يا ست الحاجة.
لم تنصرف على الفور، تمهلت في خطاها لتبصر “غيث” وهو يصعد بتلك الضيفة الهزيلة إلى غرفته، فقد كانت الحجرة المتاحة حاليًا لوضعها بها، ابتسمت لنفسها هامسة في تسليةٍ:
-أما إنك بت كهينة بصحيح، أه لو الست “أحلام” عرفت ……………………………………….. !!!
………………………………………….
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية فوق جبال الهوان) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.