رواية طوفان الدرة الفصل الخامس والأربعون 45 – بقلم سعاد سلامة

رواية طوفان الدرة – الفصل الخامس والأربعون 45

بالمشفي
صدقت وجدان ثم أغلقت المُصحف، ونظرت نحو باب الغرفة الذي إنفتح دون سابق إستئذان بنفس اللحظة
دلفت سامية الى الغرفة ، إندهشت وجدان من ذلك، فمنذ أن صُدمت بزواجه من ابتهاج، تركت المشفي ولم تعود كذالك لا تسأل عنه حتى بالهاتف.. لم تهتم سامية لملامح وجه وجدان ، نظرت نحو الفراش بسخط كان عزمي غافيًا، لا مشاعر لديها له فقط نظرات خاوية
اقتربت سامية بخطوات هادئة لكنها تحمل ثِقل الغضب في نبراتها المكبوتة، وقفت عند طرف الفراش تتمعن النظر في وجه عزمي الغافي، برأسها تُحاول أن تجد فيه سببًا واحدًا لتسامحه أو حتى لتكرهه بصدق، لكنها لم تجد شيئًا… فقط خواء، كما لو أن كل ما بينهما قد انتهى منذ زمن.

نهضت وجدان وتوجهت نحوها قائلة بنبرة هادئة:
ساميه… واضح إن أعصابك لسه تعبانه.

لم ترد، ظلت عيناها معلقتين بـ عزمي، ثم قالت ببرود:
نايم… كالعادة بيهرب بالنوم من المواجهة.

اقتربت وجدان بخطوة حذرة وقالت:
لو جايه تطمني عليه، الحمد لله حالته مستقرة.

ضحكت سامية بخفوت ساخر:
اطمّن عليه أنا آخر واحدة ممكن تقلق عليه لو حصل له حاجة.. مش بيقولوا “جنازته ولا جوازته”

ثم استدارت نحوها، النظرة التي في عينيها حملت خليطًا من الألم والعتاب والغرور المكابر:
عارفة يا وجدان… لما كنتِ بتدعي له هنا، أنا كنت بدعي ربنا ينزع من قلبي كل مشاعر ناحيته. يمكن دي أول مرة دعائي يستجاب بسرعة.

تفوهت وجدان بعتاب:
بلاش تخلي الحقد يتمكن من قلبك، يمكن تكون نزوة.

صمتت لحظة، ثم تابعت بصوت خافت وضحكة استهزاء:
نزوة… مكنش اتجوزها رسمي…
تعرفي طول فترة جوازنا لما كنت بشوفه، كنت بحس إني قدام غريب… غريب عني… بس المفروض عليا ابان زوجه مُضحية،بس كده كفاية عليكِ يا وجدان أنا هعقد معاه ومتخافيش مفيش فى نيتي أذيه.. مش عشان حاجه، عشان هو ميستاهلش…
سبينا لوحدنا، مع السلامه وكتر خيرك، العربية بره توصلك.

بصعوبه وافقت وجدان وغادرت بقلق ربما لو ظلت قد تتعصب ساميه ووقتها بالفعل ستؤذي عزمي.

بعد وقت قليل

توجهت سامية نحو الشرفة نحت الستائر وسحبتها بعنف قليل، تسلل بعض الظلام الى الغرفة… بنفس الوقت إنتهت غفوة عزمي يصحو ببطء من نومه، رمش بعينيه متعبًا قبل أن تتجمّد ملامحه تمامًا حين وقعت عيناه عليها قائلًا
ـ سامية!
قالها بدهشة مشوبة بالارتباك، يُحاول جمع ملامحه المنهكة، لكن نبرته لم تخفف من توتر الموقف.
ردت سامية بسخرية لاذعة:
لا، دي خيالها… شكلك اتعود تشوف أوهام.

زفر نفسه ببطء، يحاول استيعاب حضورها المفاجئ:
كنت فاكر إنك مش هتيجي بعد…

– ما كنتش ناوية، بس شكلي كنت محتاجة أشوف بنفسى النهاية اللي كنت فاكرها بداية جديدة.
هكذا قالت باستهزاء وسخريه
انكمش فكه، حاول أن يبدو ثابتًا:
سامية، الكلام دلوقتي ملوش لازمة.

ابتسمت بمرارة وهي تقترب خطوة:
لأ، له لازمة جدًا… خصوصًا اننا لوحدنا.

لوهله إرتاب عزمي وابتلع ريقه
لاحظت سامية ذلك وضحكت باستهزاء قائلة:
كتير كنت بحس إنك خاين،كان عندي يقين إنك تعرف ستات…كنت بمزاجك بترجع البيت يا ترا جوازك من ابتهاج كانت بتعدل مزاجك بعد ما انا عكرته.

أطرق رأسه للحظة،يبتلع ريقه.. كأن الكلام يثقل صدره، ثم رفع نظره إليها قائلًا بهدوء جاف:
قولت مالوش لازمه الكلام هنا..

اقتربت حتى أصبحت أمام حافة الفراش، نظرت إليه بعينين دامعتين رغم قوتها الظاهرة:
كنت دايمًا بتتعمد إنك تزرع الحقد والكُره فى قلبي، كنت بحقد على اللى حواليا، إزاي هما سعداء بأجوازهم وعيالهم وأنا ربنا رزقني براجل أناني بخيل فى مشاعره، كنت مفكره انه طبع، لكن طلعت غلطانه، كان فى غيري بطبطب وتدلع. .. تعرف أنا شمتاته فيك…
خلاص انتهت صلاحيتك كراجل، هتكمل بقية عمرك عاجز، تفتكر ابتهاج اللى اتجوزتها وقتها هتقعد جنبك تساعدك ولا تناولك كوباية الماية… لاء طبعًا
عارف هي كانت جايه هنا وكشفت عن نفسها ليه… مش حب فيك… دى كانت بتحجز مكانها فى الميراث منك.

تعصب عزمي قائلًا:
كفاية يا ساميه… دايمًا ترمي أي غلط عليا… وإنتِ كنتِ فين… كان سهل تجذبيني ناحيتك… لكن غرورك منعك إنك تتنازلي… دايمًا عاوزه تبقي فى مكانة الضحية… أنا زي أي راجل لما ميلاقيش المودة والاحترام والرحمة بيدور عنهم بره بيته… فعلًا أنا عمري ما قلبي نبض عشانك… كل اللى كان بينا علاقة فى السرير بتنتهي وبعدها بيرجع النكد والتقليل من شأني، كل اللى كان فى دماغك المكانه مش مشاعر الانسان اللى عايشه معاه… حتى ولادك كنت بتتباهي إنهم صبيان… لما كنت بشد عليهم كنتِ بتفسديهم… زرعتي فى دماغهم أكاذيب انى بكرههم والنتيجه ايه
واحد مجرم والتاني مدمن الله أعلم بمستقبلهم الإتنين.

حرب عاصفة بالكلمات بين الإثنين وكل منهم يُلقي اللوم على الآخر، وفى النهاية كانت كلمة حاسمة تُنهي شقاء سنوات

-طلقني.
قالتها ساميه فاستجاب عزمي على الفور
-إنتِ طالق.

❈-❈-❈
بمنزل والد زينة
دب القلق فى قلب والدتها…ذهبت تنظر من تلك النافذة على الشارع تُراقب الطريق،لكن قلبها فجأة بدأ يخفق بإنقباض،ذهبت الى الداخل جذبت هاتف خيلوي قديم الطراز،ضغطت على بعض الأزرار،ثم وضعته على أذنها تنتظر،لكن زاد قلقها حين سمعت أن الهاتف غير مُتاح بالخدمة…فكرت بخطيب زينة،قامت بالاتصال عليه،كذالك هو الآخر هاتفه غير مُتاح بالخدمة، تضاعف القلق فى قلبها حسمت قرارها ستتصل بصاحبة المشغل ربما هنالك زحمة عمل وتسببت فى تأخيرهما، بالفعل قامت بالاتصال عليها، وسمعت ردها بإندفاع سألتها:
زينة وخطيبها إتأخروا هو فى زحمة شغل و…

بقلق من صاحبة المشغل تحدثت:
لاء… زينة وخطيبها خرجوا فى ميعاد الخروج زي كل يوم.

إرتابت والدة زينة، أغلقت الهاتف ثم انتظرت لحظات، ثم فكرت بالاتصال على والدة خطيب زينة، لكن بماذا تتحجج… كذالك تخشي على إبنتها من الظنون السيئة.. لكن مع مرور وتأخُر الوقت لم تهتم بأي ظنون.. قبل أن تتصل على والدة خطيب زينة، إرتجفت يدها وشعرت بهزة قوية فى جسدها، بعدما صدح رنين هاتفها، خفق قلبها بقلق يزداد، بصوت مرتعش قامت بالرد، بعد السلام بينهم تسألت الأخرى:
الوقت اتأخر إبني مش متعود يتأخر بره البيت، انا قولت هو عند خطبيبته، بتصل عشان أطمن عليه بيقولى خارج الخدمة.

ازداد القلق هواجس إين إختفى الإثنين ولما هواتفهم غير مُتاحة…
ماذا تفعل
ضعفها دائمًا كان يُغذي الخوف بداخلها، والآن هي
أضعف وأكثر خوفً يتلاعب بعقلها كل الظنون السيئة، ولا تمتلك سوا التحلي بالصبر والأمل أن يكذب حدسها.
❈-❈-❈

بالمشفى التي تعمل به درة
دلف طوفان، وحوله بعض رجال الحرس، يزفر نفسه، ذهب مباشرةً الى غرفة تسجيل الكاميرات
فتح على الممر الرئيسي للمشفي لم يُلاخظ أي شيء، ثم أمر بفتح تسجيلات الكاميرات، للممر الذي به غرفة الكشف، فتحها الموظف، لم يُلاحظ شيء غريب، لكن طوفان لاحظ دخول إثتين من النساء يُخفين وجوههن خلف وضع جزء من وشاح رأسهن على نصف وجههن تحدث سريعًا:
رجع التسجيل.

أرجع الموظف التسجيل، لاحظ طوفان دخولهن الى غرفة الكشف، ولم يغيبن كثيرًا وخرجن ثلاث نساء واحدة بالمنتصف وجهها مخفي خلف وشاح شفاف وأسفله ضماد طبي حول عينيها… كذالك هن يسندنها كأنها غائبة عن الوعي…
لن يتوه عنها حتى لو إرتدت ثوبً آخر،غير نمط زيها…من بالمنتصف هي درة.

ضرب الطاولة التى أمامه بعصبيه قائلًا بغضب مُستعر:
درة… إتخطفت… ابتهاج لعبتها بذكاء.

أخرج هاتفه بنفس اللحظة وقام بإتصال سريعًا سمع الرد فتحدث بسؤال:
قولي إنت بتراقب إبتهاج هي فين دلوقتي.

أجابه ذلك الشخص قائلًا:
خرجت الصبح إشترت حاجات من السوبر ماركت ومغابتش ورجعت تاني وهي دلوقتي فى شقتها.

-شقتها
قالها طوفان بنبرة تهكم قائلًا بتشكيك:
متأكد إنها مش في الشقة…أنا جاي.

خرج طوفان من غرفة المراقبة،إجتمع حوله الحرس الذي شعر بخزي،نظر له طوفان..لا يستطيع لومه كان عليه هو الاحتراس…فالخطة مُتقنه،خروج نساء من المشفي ولا أحد يستطيع إعتراضهن،حتى لو كُن مُنقبات.

بعد قليل
ترجل من سيارته أمام تلك البِناية نظر الى ذلك الحارس الذي إقترب منه، بلا إنتظار صعد الى تلك الشقة، توقف امام باب الشقة، ودق جرس الشقة وإنتظر حتى فتحت له سيدة تقريبًا بنفس عُمر وحجم جسد ابتهاج.. بمجرد أن نظرت له شعرت بالرعب، بينما هو ربما عاد لمهنته القديمة حين كان وكيلًا للـ النبيابة الدخول دون إستئذان، دلف مباشرةً وتحدث بصوت حاد وحازم:
هي فين.

تراجعت السيدة خطوة للوراء وقد تجمد الدم في عروقها، تحاول السيطرة على ارتجاف صوتها قائلة بسؤال:
مـ..مين تقصد مين يا بيه.

تقدّم بخطواته البطيئة نحو داخل الشقة، عيناه تمسحان المكان بدقة وكأنه يبحث عن أثر، ثم قال ببرودٍ أشبه بالجليد:
مفيش داعي للتمثيل، فين إبتهاج.

شهقت المرأة بخضة، وبدت على ملامحها علامات القلق، ترددت للحظة قبل أن تهمس متلعثمة:
هي هنا يا بيه،بس نايمة تعبانة شوية.

رفع حاجبه ساخرًا قائلًا بأمر:
تعبانه…لاء سلامتها،روحي صحيها.

-مـ.. مقدرش يا بيه.
قالتها بتعلثم بدأ اليقين يدب بعقل طوفان، فتحدث بأمر:
بقولك صحيها… ولا أنا هفتش عنها فى الشقة.

إرتبكت السيدة وظهر عليها الإرتياب،فتيقن طوفان من حدسه،وبلا إنتظار لردها،بدأ التوجه بخطوات ثابتة، والشرر يشتعل في عينيه، بينما خلفه كانت المرأة تتوسل بإرتياب:
أرجوك يا بيه ما تعملش دوشة، الست حالتها مش كويسة

لكن كلمتها الأخيرة ضاعت وسط صوت طرقه العنيف على ابواب الغرف،غرفة خلف أخري ، طرقات تحمل من الغضب ما يكفي لإسقاط باب من حديد… فتح باب خلف آخر تيقن هو أمام آخر الابواب، ان إبتهاج ليست بالشقة، وليتأكد فقط فتح الباب، ليتأكد أن إبتهاج قامت بخداعه… شعور بالغضب عارم، نظر نحو تلك السيدة اقترب منها ببطء، صوته كان منخفضًا لكن يحمل ما يكفي من التهديد ليُجمد الدم في العروق:
هي راحت فين.

تلعثمت المرأة، تحاول ترتيب كلماتها بين الخوف والتردد:
أنا… أنا معرفش يا بيه، خرجت من بدري… قالتلي مش راجعة

انقبض فكه بقوة، وأدار وجهه ناحية الشقة الخاوية، كأن صدى صوته سيرد عليه بإجابة. تذكر كل كلمة قالتها له، كل نظرة حاول أن يقرأ فيها الصدق… ثم أدرك الحقيقة المرة
ابتهاج خدعته وهربت من أمام عين حارسه.

رمق المرأة بنظرة أخيرة جعلتها تبتعد للخلف خطوة، ثم خرج من الشقة وصفق الباب بعنف، ارتد الصوت في الممر كصرخة غضب مكتومة، بينما قبضته تنغلق على لا شيء سوى خيبةٍ موجعة.

نزل السلالم بخطوات سريعة، كل درجة يهبطها كانت تشعل غضبه أكثر، وجهه مُتصلب وملامحه كأنها حجر لا ينطق إلا بالانتقام…
وصل إلى مدخل البناية، أنفاسه متلاحقة من شدة الغليان، التفت بعينيه الحادتين نحو الحارس الذي كان يجلس يراقب الموقف في توتر واضح.

تقدّم منه وسأله بصوت مشحون من الغضب:
إبتهاج خرجت إمتي.

ارتبك الحارس، يحكّ يديه بتوتر:
والله يا بيه… ما شوفتها خرجت من العمارة، أنا واقف هنا مش بغيب وببدل مع زميلي هتصل عليه.

أطلق طوفان زفرة قصيرة ساخرة، لكنها كانت أشبه بالتهديد منها إلى السخرية.
نظر بعيدًا للحظة، ثم التفت إليه مجددًا قائلًا بحدةٍ كافيةٍ لتجميد الدم في عروقه:
لو بتكدب عليّا، هخليك تندم إنك اتولدت هنا… وإتصل لى عالحارس اللى كان بيبدل معاك تجيولى المصنع… كمان عاوز تسجيلات كل الكاميرات بتاع المحلات اللي حوالين العمارة امبارح والنهاردة.

خرج من العمارة بخطوات سريعة، أخرج هاتفه واتصل بأحد اصدقاؤه:
فى خدمة عاوزها منك هبعتلك رقم موبايل
عاوزك تعمل لى تتبّع آخر مكالماته …

أغلق الهاتف وهو يزفر بحرارة، وقف أمام سيارته للحظة، ثم صفع سقفها بيده بقوة كأنه يُفرغ بركانه…
تردّد صوت ابتهاج في رأسه، ضحكتها، نظراتها التي كانت تنظرها له بشماته.

تمتم بين أسنانه:
اللعب خلاص انتهى يا إبتهاج… قسمً بالله لو درة بس اتصابت بخدش ما هيكفيني عمرك.

صعد الى السيارة… قادها بسرعة رهيبة، يشعر أنه تائه، أخطأ فى الحذر لم ينتبه الى أن الخصم تربت على الإجرام ولديها عقلية شريرة فقط.

بنفس الوقت صدح هاتفه، سريعًا نظر نحوه، تنفس بعُمق وجذب الهاتف قام بالرد، سمع مزاح جلال الوقح:
مالك بترد بنرفزة كده ليه أكون اتصلت فى وقت غلط، بس إحنا لسا بدري، ولا إنت بتبدأ من أول الليل.

تنهد طوفان بعُمق قائلًا:
مش فايق لهزارك، دماغي هتتفرتك.

إنتبه جلال لنبرة طوفان العصبيه فسأله:
فى إيه حصل… هي مسؤولية كبير العيلة دي متاعبها كتير.

تنهد طوفان بتعب يشعر بعجز لأول مرة قائلًا:
ياريت كانت مشكله للعيلة، درة إتخطفت.

ذُهل جلال سائلًا:
بتقول إيه، إزاي ده حصل برغم كل الحراسة اللى عليها.

أجابه طوفان بإستهزاء:
درة اتخطفت من المستشفي نفسها وطلعت قدامهم من غير ما يلاحظوها.

مازال الذهول بعقل جلال فتفوه بعدم فهم:
إنت فين.

أجابه طوفان:
أنا رايح المصنع، مش هقدر أرجع البيت.

تفهم جلال قائلًا:
تمام وانا نص ساعة وأكون عندك.

-ماشي
قالها طوفان هو الآن يحتاج لأحد يُفكر معه.

بعد قليل
بمكتب طوفان بالمصنع
دلف جلال، بنفس الوقت دلف حارس بناية إبتهاج ومعه أكثر من قُرص لتسجيل الكاميرات، أخذهم منه طوفان، وسريعًا جذب حاسوبه الخاص، قام بوضع قُرص خلف آخر، لكن لا تظهر ابتهاج فى أي منها، لكن لاحظ جلال شيء فى أحد الفيديوهات جلال .. قرب وجهه من الشاشة قائلًا بنبرة مزيج بين التركيز والدهشة:
استنى… رجع اللقطة دي يا طوفان… أيوه، هنا، وقفها… شوفت دي.

اقترب طوفان ينظر معه، فتابع جلال بإشارة من إصبعه نحو زاوية الصورة:
الست دي اللي داخلة بالعباية السوده… مش ابتهاج، بس خد بالك، في واحدة طلعت بعدها بنفس الطول تقريبا، لابسة نفس الشال بتاعها، بس ملامحها مش باينة… وكأنها كانت متعمدة تخفي وشّها عن الكاميرا.

زفر طوفان بضيق، عيونه اتنقلت بين الشاشة وجلال:
يعني كانت عارفة إننا هنشوف التسجيلات… حد ساعدها تخرج من غير ما تتسجل.

ابتسم جلال بخفة وهو بيهز راسه:
ممكن… أو ممكن حد تاني استخدم لبسها عشان يضللنا.

رد طوفان بسرعة، صوته كأنه غليان مكتوم:
في الحالتين…واحد.

ركز طوفان فى التسجيلات،لاحظ عودة تلك السيدة بعد ساعة تقريبًا …كذالك وقوفها مع رجل يضع قبعة بنية اللون يتكئ على عكاز برجله اليسار دخل معها الى البِناية… وخرج بعد ساعة ونصف تقريبًا، ثم خروج سيدة ذهبت الى محل بقالة ثم عادت للداخل وسيدة أخرى خرجت، توقف يتمعن، وتذكر تسجيل كاميرا المشفي، رأي نفس المرأة بنفس الزي، عاد لرأسه تسجيل كاميرا المشفي تلك السيدة كانت تعلم أن هنالك كاميرا وتعمدت الوقوف، بالطبع تعلم أنه سيري تلك الكاميرا، تُعلن تحديها له.

زفر نفسه بغضب مكبوت، بنفش الوقت صدح هاتفه… قام بالرد ليسمع:
تحركات الرقم اللى بعته آخر إشارة كانت من نص ساعة تقريبًا هبعتلك اللوكيشن فى رسالة.
أنهى المكالمة وأغلق الحاسوب بعنف، ثم نظر نحو جلال قائلًا:
كده إتأكدت فعلاً ابتهاج هي اللى خطفت درة.

-طب والسبب إيه، وإشمعنا درة.
سأل جلال ذلك.

أشعل طوفان سيجارة ونفث دخانها قائلًا:
السبب واضح… الانتقام مني، وقت قضية والدها انا كنت وكيل النيابة وهي جت كلمتني وقتها وإنها مش هتسيب حق جوزها اللى اتقتل ولا أبوها اللى اتسجن طبعًا كبش فدا للكُبار… وقتها سألتها مين الكُبار، وسهل والدك يعترف عليهم والحُكم بتاعه يتخفف، بس طبعًا هو رفض يعترف عليهم وشال القضية.

– وإنت ذنبك إيه فى كل ده،إنت كنت بتأدي مهام وظيفتك كـ وكيل نيابة.
قال ذلك جلال،نفث طوفان دخان سيجارته قائلًا:
وقتها لمحت إنها ممكن تدفع لى أي مبلغ قصاد إنى اتلاعب فى القضيه …إن والدها مغصوب وخايف من أذية الكبار… وأنا رفضت كمان طردتها من مكتبي وقولت لها لولا انها ست كنت لبستها قضية رشوة…وبعدها عرفت إن والدها مستحملش السجن ومات قبل ما يكمل سنة فى السجن…
أنا دماغي هتتفرتك إزاي هي وصلت لخالي وإتجوزها.

هز جلال رأسه هو الآخر بعدم إستيعاب..

مرت نصف ساعة أخرى كانت كأنها دهر على طوفان، جلال يحاول التفكير معه بكل الاتجاهات كذالك يحاول بث الهدوء لكن لا فائدة طوفان يعصف بداخله
للحظة شعر بالعجز ضرب سطح المكتب بيده ثم ساد صمت،لكن قطع صوته الصمت قائلًا:
أكيد في خيط… مستحيل تكون اختفت كده.

رنّ تليفون طوفان، ضغط زر الإجابة بسرعة، وصوت أحد رجاله جاء واضحًا من الطرف التاني:
يا فندم، لقينا حاجة مهمة جدًا… الكاميرا اللي على البنزينة اللى في أول الشارع .

تحدث طوفان:
هاتلى الفيديو ده المصنع بسرعة.

أغلق الهاتف ونظر الى جلال، يود أن يكون بذلك التسجيل خيط يصل به الى شيء.

بعد قليل دخل الحارس بشريط الفيديو أعطاه لـ طوفان وغادر، وضع طوفان القُرص بالحاسوب وانتظر لحظات حتى فتح.

إنتبه جلال قائلًا:
مش ده نفس الراجل اللي كان بالكاب، بس المره دي ك راكب عربية والأغرب إن في واحدة كانت قاعدة في الكرسي الخلفي… ووشها مغطى بشال نفس لون شال ابتهاج، إستني فى حد قاعد جنب ابتهاج.

وقف طوفان في مكانه فجأة، كأنه اتصعق، وقال بسرعة:
هو فعلًا… خلينا نقرب الكاميرا ونكبر الصورة يمكن يظهر ملامح الشخص ده.

قربها جلال، وقال بحدة:
استنى… كبّرها من عند المراية الجانبية، شُف دي دي مش مراية عادية، فيها انعكاس لوش الراجل اللي سايق كمان المرايه جايبه صورة الشخص التالت اللى قاعد جنب ابتهاج، كبر الشاشة.

قرب طوفان الشاشة
تمعن النظر الى الشاشه صُدم وتحدث بصوت خافت، مع ذلك يمتلأ غضب:
وليد.

سادت لحظة صمت ثقيل بينهما، قبل أن يتحدث طوفان بصوت أشبه بالوعيد:
كده وضحت… وليد وأبتهاج إتفقوا مع بعض… وليد غبي طول عمره وابتهاج أكيد بتستغله متأكد ومتأكد كمان إنها هتغدر عليه.

وافقه جلال قائلًا:
هتعمل ايه دلوقتي.

نهض طوفان قائلًا:
مفيش قدامي غير أروح دار خالي، ومتأكد مش هلاقي وليد.

بعد قليل كما توقع طوفان، وليد ليس بالمنزل، كذالك زوجة خاله أخبرته الخادمة أنها ذهبت الى المشفي، إستغرب من ذلك… لم يبقى أمامه سوا الذهاب الى المشفى.
❈-❈-❈
بالهنجر
جحظت عيني درة وهي مازالت تُكذب ما قاله وليد

ضحك وليد بغِلظة مؤكدًا:
أيوه حسام هو اللى قتل مختار… أكيد كان كشف اعماله الشمال… ما أهو حسام كان بياخد رشاوي من بعض الفلاحين اللى بوروا أرضهم عشان تتباع أرض مباني،كمان يشيل مخالفات المصانع والفنادق اللى على ضفاف النيل، طبعًا وكله بحسابه.

مازالت تشعر بأن الكلمات تُصفعها واحدة تلو الأخرى، كأن كل جملة ينطقها وليد تُسقط من داخلها ثقة كانت تحاول التمسك بها…
همست بصوت مبحوح، بالكاد خرج من بين شفتيها:
مستحيل، حسام يكون مُرتشي، إنت كداب.

قهقه وليد وهو يضرب كفه بكفه قائلًا بسخرية:
كداب…ما فيش حد نضيف لما الفلوس تبقى قدامه عالطرابيزة و تحت الطرابيزة… حسام كان بياخد رشاوي بمبالغ كبيرة… واضح إن والدك
كان هيكشفه، أو يمكن كان كشفه خلاص. … واللعبة كانت كبرت، واتقلبت عليه.

وضعت درة يدها على صدرها، تنفسها يضيق، وصوت وليد يختلط بصدى أفكارها وهي تتذكر بعض الاشياء…
تلك الشبكة الثمينة التى أصر على شرائها لها، بعض الهدايا القليلة والغالية، وحين كانت تسأله كان الجواب… أنه كان يستثمر بعض الأموال فى أسهم فى إحد شركات البورصة وربحت مبلغًا لا بأس به وأنه أخذ الأرباح وظل يعمل بالمبلغ الأساسي فقط، يخشي غدرات البورصة… حقًا حين طلب منها زوج عمتها المشاركة معهم فى اعلام الوراثة لم تهتم ومضت على تنازل بجميع مستحقاتها، لم تبحث بشيء…

لكن يتراجع عقلها عن التصديق أنا حسام كان شخص دنئ

نظر إليها وليد بنظرة جامدة علم أنها مازالت لا تصدقه تحدث بجمود :
صدقي أو متصدقيش، دي الحقيقة… واللي جايّ أقسى بكتير يا…. يا درة.

حسام كان طموحه أعمى، بدأ طريقه بخطوات صغيرة … تسهيل رخصة هنا، وغض طرف عن مخالفة هناك، ومع الوقت بقي كل شيء “بحسابه”.
الرشاوي انهالت عليه من كل مكان
أصحاب مصانع على ضفاف النيل… الرشوة مع قد الغرامات، وفلاحون بوروا أراضيهم ليحولوها لمباني، وهو وحده القادر على “تسوية الأمور”.
لكن الفلوس مش بيتشبع منها، والسر مهما طال زمنه من بيفضل مدفوع… غلطة إرتكبها حسام كشفته… حتة أرض جنب أرضنا موقعها عالنيل كانت هتبقي فندق سياحي… وهو سهل الأمور بس غلطة من المستثمر اللى إشترى الأرض كان بيجرف الأرض عشان يبدأ انشاء الفندق،الرمل مكنش قدامه غير حلين…
يا يرميه فى النيل،بس هو محتاج الفندق يبقي قدامه النيل بمنظر نضيف،أو الحل التاني يشوف حد ياخد الرمل ده،وطبعًا الرمل ده فرصة لمصانع الطوب،بس حتى الرمل طمع فيه حسام،وقاله على مصنع معين طبعًا متفق معاه على نسبة له، والمستثمر وافق مغصوب طبعًا، بس واضح ان صاحب المصنع إستغلى العمولة بتاع حسام وحصل وش ومشاكل وقف أخد الرمل، والمستثمر كان مستعجل، فجرف الارض وشال الرمل بس حاطه فى كوم قريب من أرض مختار غنيم، ولما سأل بتاع مين عرف قصة الارض، ودور فى السجلات وأكتشف ان اللى سهل الامر هو حسام..

-كداب… كداب… منين عرفت ده كله… إنت بتألف من دماغك.
قالت درة ذلك من بين سُعالها ضحك وليد قائلًا ببرود:
مش بقولك هتنصدمي… ولسه إسمعي للآخر، عشان انا مش بقولك ده محبة أنا شمتان في منظرك…
صمتت درة،رغم عدم تصديقها…ضحك وليد وإستطرد بنبرة شماتة قائلًا:
يوم الحادثة،كُنا فى عز الأيالة(القيالة)
إحنا لينا أرض هناك جنب أرضكم،غباوة حسام هي اللى فسدت عليا كنت خلاص هوصل لمزاجي مع زينة،هناك موجود أوضة بوكس الكهربا … وخلاص كنت هوصل لغرضي منها… بس الغبية صرخت

قطع حديثه وهو ينظر الى زينة المُقيدة بمقعد قريب بنفس الهنجر، مازالت غافية… لكن هو تذكر اليوم
منذ البداية
[بالعودة لذلك اليوم..
وهو كان يتربص لها منذ أن وقع بصره عليها كانت صغيرة وهو أيضًا صغير، لكن سوء الأخلاق لا يحتاج الى كبر عُمر، هو كان الشاهد الاول على سوء خصال والده كذالك والدته،
خناقتهم، بيات والده ليالي خارج المنزل واذا سألته كان الجواب “طفشان من وشك”

والرد “ياريت ما كنت رجعت”
علاقة والديه النِدية، هي بنت اصحاب المناصب العُليا وهو إبن عائلة ذات سطوة…
كُل منهما يتباهي على الآخر والضحية الاولى كان هو،كان يميل نحو والدته التي تُبيح له كل شئ وتمحو كُل خطأ…والده يكرهه لانه يكرهها…هنالك أخرى،أو أخريات فى حياته…وفضول الطفل بعلقه يود معرفة من الأخرة أو الأخريات…هُن النساء…
زرعت بعقله أن النساء معظمهن بلا أخلاق،ربما هي الوحيدة صاحبة الأخلاق لتربيتها بمنزل أصحاب المقام… أصبح يميل للنظر للنساء بنظرة دونيه، وإزداد ذلك بفترة بلوغه وإكتشاف نمو جسده أصبح يود إثبات أنه أصبح رجُلًا… بدأ ذلك مع إحد الخادمات التى كانت أكبر من والدته، لكنها رفضت وتعففت وأخبرت سامية بتحرشات وليد لكن لم تصدقها ونعتتها بالكذب وقامت بطردها…وبعد وقت آخر ينظر الى مفاتن النساء حاول التحرش بإحد زميلاته بالمدرسة،وتم إستدعاء عزمي وحين أخبر ساميه،كذبت ذلك،وإزداد ذلك رغبات لديه،رغم صِغر عُمره،حتى وقع بصره على “زينة”
فتاة بالسنه الأخيرة بالثانوية الفنية…
كان والدها مرعي فلاحً ويعمل أيضًا بالحقول مقابل أجر وهي كانت تذهب له بالطعام ب أن يخبرها مكانه…وكان ذلك اليوم يعمل بحقل عزمي وصدفة سوداء إلتقي بها،ظنها فتاة سهلة المنال…لكن هي ضعيفة،تعقبها كثيرًا حتى رسم لها الفخ،ذلك المكان…غرفة صيانة الكهرباء التى تتوسط الأراضي…كان يومً حار…
وهي كالعادة تحمل غداء والدها،لكن لم تصل فهنالك وغد بلا أخلاق إعترض طريقها،وحين حاولت الفرار منه قبض عليها وكمم فمها بيده يسحبها نحو تلك الغرفة،كسر الباب ودخل بها،حاولت الخلاص منها لكن كان بدنيًا أقوي…كذالك هنالك ما هو أشد،ذاك السلاح الذي حصل عليه من أحد عُمال الحراسة ولحُسن الحظ انه غير مُرخص،ظن أنه فقط يفعل ذلك للتهويش،لكن هي حقًا صغيرة لكن كلمات والدتها لها،أنهن فقراء والفقراء لا يمتلكون سوا الشرف والعِفة….وذلك الحقير يود الحصول عليهن،ويُدنسها…تركها المكان ضيق بعض الكابلات وكذالك مكان صغير خالي…عيناه تنظر لها بمغزى لا فرار،الطقس حار ولا أحد بالحقول المجاورة…إذن ليس أمامها أي طريق للنجاة…تحدث لها بترغيب وأخرج بعض المال…ربما تلهث له،لكنها كانت تُقاوم بكل ما تبقى فيها من كرامة، تتراجع خطوة للوراء ودموعها تتلألأ فوق وجنتيها، تهتز شفتاها بكلمات أمها التي تتردد في رأسها كصوت صلاة:
“الفقراء لا يملكون إلا شرفهم يا بنتي… لو راح الشرف، راح كل شيء.”

صرخت بصوتٍ مبحوح:
ابعد عني! مش هتقدر تكسرني، حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.

ضحك بخبث، اقترب منها أكثر، حتى شعرت بأنفاسه الملوثة تلامس وجهها، لكن فجأة، انزلقت قدمه على أحد الكابلات الممدودة على الأرض، فاختل توازنه، اندفع بجسده للأمام… وفي لحظة غريزية أمسكت بقطعة حديد كانت بجانبها، رفعتها بكل قوتها، وضربته بها على كتفه، ثم ركضت بكل ما تملك من طاقة، لا تنظر خلفها، لا تفكر، فقط تركض…

الهواء الحار يصفع وجهها، وصوت قلبها يتسابق مع خطواتها المرتجفة، لا تدري إلى أين، لكنها تعرف شيئًا واحدًا…
أنها لن تسمح لأحد أن يسلبها نقائها.

هو تألم من تلك الضربة وإغتاظ بشدة، رفع السلاح ونهض خلفها الشياطين تتلاعب برأسه سيقتلها لكن قبلها سينالها…

بينما بمكان قريب وقف مختار يواجه حسام بتلك الخطايا الذي إكتشفها عنه، وحسام يُصر على الإنكار وأن هنالك فخً له… لم يُصدقه مختار…
فى لحظة تحدث بصرامة:
كفاية كدب يا حسام، وخلاص درة كلمتني امبارح عشان مش مرتاحة لإرتباطكم، الحمد لله إنتم لسه عالبر، وإنت…

-وأنا ماذا
سألها حسام لنفسه، كيف يتخلى عن درة حِلم حياته… هوسه حتى الجنون، هي السبب أنه قبل تلك الرشاوي… أراد أن يُصبح ثريًا ويُغدقها بالهدايا… والثراء سيجعله بمكانة تُضاهي “طوفان زهران” بل أقوي… هو لن يتركها بعدما أصبح خطوة واحدة تجمع بينهم… لكن مختار أصر على ذلك، وهو يرفض… ويكذب…ويتوسل…
وبالنهاية يعترف:
مستحيل أسيب درة،أنا عملت كده علشانها… عشان أرفع من مكانتى ومكانتها… خالي أرجوك بلاش تفرق بينا، أنا غلطان ومش هعمل كده تاني وهتنازل عن الفلوس دي للجمعية… بس أرجوك أنا بحب درة… خالي…

ذُهل مختار من توسلاته حتى أنه عمدًا تحدث بكذب:
أنا طوفان زهران
عرض عليا رشوة كبيرة ورفضتها… أناالحمد لله توبت، بس هو…

قاطعه مختار بصرامه:
كفاية كدب يا حسام… وبلاش كل حاجه تُحشر طوفان فيها.

-لاء يا خالي متأكد طوفان عنده حقد مني من وإحنا عيال و…

قبل أن يستكمل إنتهاك بسيرة طوفان… مرت تلك الفتاة من أمامه وخبطت فى مختار

أثناء ركضها إصتطدمت بجسد، زاد الهلع فى قلبها أن يكون هو، وقفت تصرخ… زاد أكثر حين شعرت بيد تمسك يدها يحاول تهدئتها قائلًا:
إهدي يا بنتِ فى إيه بتجري من إيه…

وهي تلهت وتحاول الركض مره أخرى لكن مختار تمسك بها بصفة أبوية… بنفس الوقت إقترب وليد ببجاحة منه أخفي السلاح خلف ظهره، قائلًا:
كويس إنك مسكتها دي كانت بتسرق من أرضنا ولما قفشتها طلعت تجري وتصرخ هاتها عشان لازم أسلمها للقسم يربوها عشان تحرم تنزل الأراضي وتسرق منها.

تهز رأسها برفض صوتها إنحشر لا تستطيع الحديث فقط تلهث، حتى أن قدرتها اصبحت تخور للحظة حين ترك مختار يديها سقطت أرضًا، أشفق مختار عليها… وإنحني يساعدها أن تنهض حتى استجابت له… وبدأ صوتها يعود مُحشرجً وهي تنفي كذب وليد:
والله كداب، أنا…

قاطعها وليد بإصرار الكذب:
مين اللى كداب يا حرامية، لازم أسلمك للبوليس يعلمك الادب وايدك متتمدش على زرع حد.

لاحظ مختار تألم وليد من يده المتهدلة قليلّا… بينما بجحود كاد حسام ان يطلب تسلميها لـ وليد لكن فكر ربما يكسب بها نقطة أنه عطوف، حين سأل وليد:
وإنت ظبطتها كانت بتسرق إيه… الأرض برتقال والشجر معظمه فاضي.

تعلثم وليد بالرد فتأكد حدس مختار أنه كاذب… لكن حسام كذالك اراد أخذ نقطة تعاطف، وتوجه نحو زينه قائلًا:
إنتِ بنت مين؟.

أجابته:
بنت مرعي بدران.

انصدم قائلًا:
إحنا قرايب… بس أول مره أشوفك…

تعصب وليد، رغبته تضيع أمامه.. إقترب منهما وبيده السليمة جذب زينة بقوة قائلًا:
انا هسلمها للبوليس.

إستغاثت بهما، لكن فلت لجام عقل وليد وأشهر السلاح عليهما… قائلًا:
هاخدها غصب عنكم هاتوها بالذوق أحسن.

صرخت زينة صرخة قوية… بعد لحظات إقترب مرعي مهرولًا بعدما وصل له صوت صرختها…

بنفس الوقت أراد حسام إثبات شجاعة وهو يقترب من وليد قائلًا بمهادنة:
عاوزها خدها وبلاش تهويش بالسلاح..

ظن وليد أن حسام يسايره، لكنه غمز له، دون رؤية مختار، لكن لاحظت زينه ذلك إرتابت عادت نحو مختار بينما تقدم حسام نحو وليد يقنعه بتنزيل السلاح كاد بالفعل ان يفعل ذلك، لكن
حسام كان له غرضًا بعدما هدده وليد:
إبعد من قدامي، بلاش إنت بالذات تدعي الشرف والأخلاق… تحب افكرك أنا من كام يوم…

اتسعت عين حسام وبعصبية رفع يده يود صفع وليد كي يصمت يكفي لقد انكشفت حقيقته… بنفس اللحظة رفع وليد السلاح لكن يده كانت ترتعش بسهولة كاد حسام.ان يخطف السلاح من يده… لكن وليد تسرع وتمسك بالسلاح أصبح السلاح بيد الأثنين وكادا يتشاجران، لكن إندفعت رصاصة من فوهة السلاح نحو مختار… من حسام بخطأ ضغط على الزيناد لتخرج رصاصة تتوسط قلب مختار الذي إهتز جسده وهو يسقط أرضًا… ذُهل حسام وترك السلاح وتوجه نحو مختار سريعًا يحاول إسعافه… لكن مختار إنحشر صوته… ولم يستطيع الكلام… عادت زينه للخلف تهزي وبنفس اللحظة سقطت مغشيًا عليها…
بينما مرعي لم ينظر نحو ابنته بل وقف مذهولًا وزاد ذلك حين نهض حسام وتوجه نحو وليد يصفعه يتهمه بقتل مختار،لكن وليد كان جبانًا وقام بإطلاق الرصاص نحو منتصف عُنق حُسام ليخر جسده فى الحال أرضًا بلا حراك قتيلًا.

كان الشاهد الوحيد مرعي…]

عاد وليد على سُعال درة التى مازالت تصر أنه كاذب…

بنفس الوقت فاقت زينة ونظرت برعب وإرتياب…صرخت…توجه وليد نحوها وأمسك فكها وضغط عليه بقوة قائلًا:
وإنت كمان حسابك معايا بدأ…
مش روحتى لها عشان تتوسط وتجوزي الشحات العدمان اللى فضلتيه عليا أنا
“وليد مهران”
لكن أقول أية فعلًا حقيرة… وبنت حقير باع ضميره وشهد إن القتل كان خطأ… وغير إنك باعك ليا وقبض التمن…
النهاردة مفيش حد هيقدر يمنعني عنك، هستمتع وأنا بسمع صرخاتك و…

بنفس الوقت دلفت ابتهاج بإرتياب لكن تضحك قائلة:
أنا تاري مش تار عيال، انا تاري مع مرات طوفان لازم تنتهي وتموت، وأهي واضح إنها هتموت بالكحة…انا بقول نريح صدرها.

قالت ابتهاج ذلك ورفعت السلاح نحو رأس درة.

تحكم بـ وليد الغضب والعنجهية والكِبر
وتحدث بجمود:
مش إنتِ اللى تقرري يا ابتهاج مين يعيش ومين يموت، اوعي تنسي نفسك انا هنا صاحب القرار.

اتسعت ابتسامتها بسخرية وهي تقترب بخطوات واثقة وقالت:
بالعكس يا وليد، أنا فاكره نفسي كويس… وفاكراك إنت كمان، فاكره اتفاقنا إنت لك البت وأنا اللى هقرر مصير مرات طوفان.. نهايتها على إيدي.

شد وليد نفسه للأمام وقال بصرامة وغطرسة أنه هو المتحكم:
أنا قولت كفاية … أي خطوة غلط منك، هتكون آخر خطوة في حياتك.

ضحكت بخفوت وهي ترفع حاجبها:
وإنت فاكرني بخاف… أنا اللي ما بيهمنيش نار ولا جحيم… طول ما قلبي مولع بالانتقام.

ساد الصمت للخظات قبل ان تتفوه ابتهاج:
ايه دخلت هي كمان مزاجك ولا ايه وعاوز تجربها هي كمان.

بنفس اللحظة صدح هاتف ابتهاج، قامت بالرد لتسمع:
البوليس هجم على الرجالة وهي بتسلم البضاعة والراجل بتاعك إتقبض عليه… ومش بعيد يعترف ويقول مين “سيتهم”

أغلقت الهاتف تشعر بنيران متوهجه وهلع فى قلبها نظرت نحو درة، قائلة:
أنا مش همشي من هنا قبل ما أخلص تاري،لو لك شوق فيها،أنساه قدامك البت الصغيرة عالاقل هتبقي الاول.

اغتاظ وليد من ردها، وتحدث بحقد:
دورك انتهي، مع السلامة… وكلمة كمان وإتصال صغير مني وأكشف حقيقية مين “سيتهم”…قولتلك كفاية لعب بالنار، وإلا نهايتك هتبقى على إيدي.

إزدردت ابتهاج ريقها لكن بحجود، والوقت لم يعد فى صالحها وذلك وغد حتى ان غادرت لا تأمن غدره، عليها الانتهاء
ودون تردُد، هجمت على وليد بكل غضبها، دفعت صدره بعنف، لكنه أمسك بذراعها سريعًا، شدها نحوه بقوة، وبلحظة كان صوت طلقة رصاص تترك خلفها ساد صمت الا من سُعال درة…وصوت إرتطام جسد وليد…
لم تهتم بذلك وذهبت نحو درة، شدتها من رأسها وضحكت بجنون قائلة:
كان نفسي أرحمك وأضربك رصاصة الرحمة لكن لاء قد ما قلبي إتحرق هحرق قلب طوفان وهو بيشوفك مولعة.

صفعت درة عدة صفعات ثم خرجت لحظات وعادت تحمل عبوة بنزين بلاستيكية كبيرة أفرغت محتواها بالمكان، بنفس الوقت سمعت آنين وليد الذي مازال يحتضر ضحكت ولم تهتم وتوجهت نحو باب الهنجر وقفت لحظة تنظر لهم باستمتاع وجنون،ثم أشعلت الثقاب وتركته يسقط ليشتعل المكان، نظرت نحو درة وضحكت بجنون… ثم أغلقت باب الهنجر الحديدي وقامت بوضع أقفال حديدية، رأت ضوء سيارات يقترب، ذهبت سريعًا وتخفت،
وهي ترا طوفان وبعض الأشخاص يترجلون من السيارات يهرعون نحو ذلك الهنجر الذي زاد اشتعال النار به،
كم ضحكت وشعرت براحة وتشفي وهي ترا طوفان يصرخ بإسم

” درة”

يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق