رواية بنات الحارة الفصل التاسع والثلاثون 39 – بقلم نسرين بلعجيلي

رواية بنات الحارة – الفصل التاسع والثلاثون

الفصل 39

الفصل 39

**بنات الحارة 4cats**

بقلم نسرين بلعجيلي

Nisrine Bellaajili

الفصل 39

✨ المقدمة..

الحياة ساعات بتتحول لساحة حرب، مش بس ضد الظلم والناس الغلط، لكن كمان ضد الخوف اللي جوا قلوبنا. وكل مرة بنتكسر فيها، بنفتكر إن النهاية قربت، لكن الحقيقة إن الكسرة دي هي بداية قوة جديدة.

🖋️ كلام نسرين..

أنا مش باكتب علشان أوجع قلوبكم، أنا باكتب علشان أوريكم إن الحقيقة ممكن تبقى أقسى من أي خيال. اللي بتقروه مش حكاية بعيدة، دي رسائل بتحصل حوالينا، ويمكن في بيوت قريبة مننا. كل بنت لازم تعرف إنها مش وحدها، وإنها تقدر توقف وتكمل مهما الدنيا جرحتها.

نسرين بلعجيلي

أصوات الصراخ كانت لسه ماليّة الحارة، وأسماء غارقة في دمها على أرضية الأوضة.

أسامة وقع على ركبتيه جنبها، إيده بترتعش وهو بيهزها :

«أسماء.. فوقي يا أسماء.»

رحاب بتصرخ والدموع مغرقة وشّها :

«حد ينادي الإسعاف بسرعة»

جمال وياسر جِريوا على الموبايلات، والدقايق كانت بتمر كأنها ساعات. أسماء اتشالت على إيدين الشباب ونزلوا بيها بسرعة على الشارع، عربية الإسعاف وصلت في اللحظة دي، والناس كلها جريت وراها.

في المستشفى، الأطباء استقبلوها على سرير الطوارئ، باب العمليات إتقفل وراه وصوت خطوات سريعة ونداءات الأطباء. البنات قاعدين على الأرض في الكوريدور، عياطهم مسموع من بعيد. أسامة واقف، ماسك دموعه بالعافية، إيده مضغوطة على صدره كأنه بيمنع قلبه ينفجر.

الدكتور خرج بعد شوية، وشه متجهم :

«البنت حالتها خطيرة، النزيف كان شديد جدًا. إحنا عملنا اللي نقدر عليه، بس حياتها بين إيدين ربنا.»

رحاب انهارت على الأرض :

«يا رب.. مش كفاية اللي حصل لها؟»

الحاج عثمان دخل بسرعة، صوته مليان قوة رغم خوفه :

«ثبّتوا قلوبكم، دي مش أول حرب نخوضها. واللي حاول يخلّص عليها مش هينجح. الحق معانا.»

أسامة بصّ له ودموعه نازلة لأول مرة قدام الكل :

«لو حصل لها حاجة.. عمري كله يضيع. هي مش مراتي بس، دي قضيتي يا حاج.»

الحاج عثمان مسك إيده بقوة :

«وإحنا كلنا وراك. دي مش معركة أسماء لوحدها.. دي معركة الحارة كلها.»

في نفس الوقت، الظابط اللي ماسك القضية دخل المستشفى، صوته حاسم :

«إحنا مش هنسيب الموضوع يروح كده. نشر الفيديوهات، والاعتداء، ودلوقتي محاولة قتل، كله متصل. والأصابع كلها بتشير لشخص واحد.»

أسامة رفع عينه للظابط :

«اليزيدي.»

الظابط هز رأسه :

«بس محتاجين دليل قاطع. والليلة دي لازم نتحرك أسرع من أي وقت.»

البنات بصّوا لبعض، الخوف والدموع في عيونهم، لكن في وسط الظلام ده حسّوا إن فيه أمل بيولع جوا قلوبهم.

في غرفة العناية المركزة، أجهزة المونيتور بتصدر رنة ثابتة، والأنابيب ملتفة حوالين جسم أسماء النحيل. وشها شاحب قوي، عينيها مغمضة، ودمعة نزلت من جنب خدها كأن روحها بتحاول توصل حاجة وهي عاجزة.

أسامة واقف ورا الزجاج، كفه محطوط على الإزاز، صوته مبحوح وهو بيكلّمها من بعيد :

«أسماء.. سامعاني؟ أنا هنا.. ما مشيتش. مهما عملوا فيكِ مش هسيبك. إنتِ مش لوحدك.»

رحاب قاعدة على الكرسي، والذنب بيخنقها :

«لو كنت لحقتك بدري، لو ما سبناكيش وحدك في الشقة، يمكن ده ماكانش حصل.»

زينب مسكت إيد رحاب بقوة :

«بلاش الكلام ده دلوقتي. لازم نثبت إننا جنبها مش نكسرها.»

الحاج عثمان دخل بهدوء، صوته مبحوح من الحزن :

«الدكاترة قالوا إنها في غيبوبة، لكن فيه أمل. ربنا كبير، وهي قوية، اللي نجت من جحيم زي اللي عاشت فيه تقدر ترجع لنا تاني.»

أسامة لَفّ ناحية الإزاز، عينه حمرا :

«يا حاج، مش قادر أستحمل فكرة إنها ما تفتحش عينيها تاني. حاسس إن قلبي بيتسحب مني.»

الحاج عثمان حط إيده على كتفه :

«ندعي وناخذ بالأسباب. واللي حاول يعملها كده مش هيفلت. أنا أوعدك، يا أسامة، الدم ده مش هيروح هدر.»

فجأة الممرضة طلعت وقالت :

«ممكن حد يدخل يقعد معاها نص ساعة بس.»

أسامة اندفع للباب من غير ما يفكر. دخل أوضتها، قعد جنبها، مسك إيدها الباردة جدًا. قرب وشه منها وابتدى يقرأ قرآن بصوت هادي، صوته مليان قهر وحب.

فجأة.. جهاز المونيتور عمل نبضة أقوى. أسامة رفع عينه بسرعة، قلبه دق أسرع :

«أسماء؟! لو سامعاني إضغطي على إيدي.. أي إشارة.»

إيده حسّت رعشة بسيطة جدًا من صوابعها. إتنفس بعمق، دموعه نزلت وهو بيهمس :

«الحمد لله.. هي سامعاني، أسماء رجعت.»

أسامة حس برعشة خفيفة في صوابع أسماء، قلبه اتنفض وهو ماسك إيدها. قرب منها أكتر، صوته بيرتعش :

«أسماء… قولي أي كلمة… أي حاجة، عشان أعرف إنك راجعة.»

شفتها اتحركت حركة بسيطة جدًا، وبصعوبة خرج صوت مبحوح متقطع :

«… ا… ال… يا… يزيدي…»

أسامة اتجمد مكانه. عينه اتسعت، وصوته اختنق :

«إيه؟! إنتِ قُلتِ إيه يا أسماء؟! اليازيدي؟! تقصدي الحاج اليازيدي؟!»

جهاز المونيتور رجع يستقر تاني، وأسماء وقعت في سكون أعمق، كأنها سلّمت سرّها ورجعت للغيبوبة.

أسامة قام بسرعة، خرج من الأوضة، لقى الحاج عثمان واقف مع زينب ورحاب. صرخ :

«أسماء نطقت! نطقت يا حاج!»

زينب : «قالت إيه؟!»

أسامة (مصدوم) : «قالت… إسم اليازيدي.»

الحاج عثمان اتجمد، وجهه شاحب :

« يعني البنت سمعت أو شافت حاجة، والراجل ده مش هيسيبها لو عرف إنها نطقت بإسمه.»

رحاب شهقت وهي بتحط إيدها على بطنها :

«معقول! يبقى هو اللي ورا كل ده؟!»

أسامة قبض إيده بقوة، عينه بتلمع بالغضب :

«مش هسكت. لو فعلاً اليازيدي ورا اللي حصل، فالمعركة لسه في أولها، ودي حرب مش هتهدى غير لما الحق يبان.»

في سجن النساء…

فتنة قاعدة على السرير الحديدي، عيونها حمرا من السهر، وإيديها بترتعش من الغضب. دخلت عليها واحدة من المسجونات وهمست في ودنها :

«يا ست فتنة، جالي خبر من برّه، البت أسماء فتحت عينيها في المستشفى.»

فتنة رفعت راسها بحدة :

«إيه؟! فتحت؟! قالت حاجة؟»

المسجونة بابتسامة خبيثة :

«بيقولوا لسانها نطق، واللي سمعها قال إنها جابت سيرة جوزك الحاج اليازيدي.»

فتنة وقفت فجأة، شدّت المسجونة من دراعها :

«إخرسي.. إخرسي يا كلبة، الكلام ده لو وصل للراجل يخلص علينا كلنا.»

المسجونة :

«وأنا مالي.. بلغت وخلاص.»

فتنة قعدت تلهث، دماغها بتغلي :

«لازم البت دي تموت، لازم تختفي قبل ما تفتح بُقها أكثر من كده. لو اليازيدي عرف إني السبب، هو اللي هيحسم الموضوع، وحيورينا النار.»

قعدت تعض شفايفها، وبدأت دماغها تشتغل :

«مافيش غير حل واحد، أوصل للراجل بأي طريقة، وأخليه يخلص منها قبل ما تتكلم.»

Nisrine Bellaajili

رفعت عينيها للسقف، وعينيها مليانة حقد :

«يا أسماء.. لو ما موتيش في المرة اللي فاتت، المرة دي أنا اللي هبعث الموت لحد سريرك.»

عند الحاج اليزيدي…

الحاج اليزيدي (صوته غاضب وبيحاول يخفي توتره) :

يا عصام! إسمعني كويس، أمك هتودينا في داهية. وصلتني أخبار إنها حاولت تخلّص من البت أسماء وهي في المستشفى. لو الكلام ده طلع للعلن، خلاص، النهاية لينا كلنا.

عصام (مصدوم، صوته مبحوح) :

إيه؟! يا با إنت بتقول إيه؟! أسماء؟! هي مش كفاية اللي عملته قبل كده؟! حنان مراتي بين الحياة والموت، في غيبوبة من يوم الولادة، وأنا مش عارف أنقذها ولا أنقذ عيالي.

الحاج اليزيدي (بحدة) :

هو ده وقت مراتك ولا عيالك يا عصام؟! اللي حصل كله من تحت راسك وراس الجوازة المهببة اللي عملتها! لو ما كنتش خذت حنان، ما كناش دخلنا في الوحل ده.

عصام (غاضب وهو بيكتم دموعه) :

حنان مالهاش ذنب، دي ضحية زي غيرها. وأنا اللي اتحمّلت عشان أسترها. إنتوا اللي ضيعتوا حياتنا.

الحاج اليزيدي (بصوت بارد، يقطّع الكلام) :

كفاية كلام عاطفة. دلوقتي لازم تسمعني وتعمل اللي هقولك عليه. تروح لأمك في السجن، تزورها وتهديها. تخليها تسكت وتبعد دماغها عن أسماء. لو نطقت بكلمة زيادة، هنغرق كلنا.

عصام (يعض شفايفه بقهر) :

وأنا؟ أسيب مراتي في غيبوبتها وأجري ورا أمّ… ورا ست ما بترحمش؟!

الحاج اليزيدي (بصوت خافت لكنه مليان تهديد) :

هتعمل زي ما بقولك. حنان في إيد ربنا دلوقتي، لكن أنا وإنت في إيدينا نمنع خراب أكبر. إفهم يا عصام.. أمك لو فتحت بقها، مش هيبقى ليك ولا لولادك مستقبل.

عصام سكت، عينه غرقت دموع، قلبه بيتقطع بين حنان الغايبة في غيبوبتها، وبين أمه اللي حتى وهي في السجن قادرة تجرّ الكل للهلاك.

كان الليل ساكن، بس فوق السطح الجو كان مليان قلق.

رحاب، زينب، نورهان، وصفاء قاعدين حوالين الترابيزة الخشبية القديمة. الشاي موجود، لكن محدش قادر يشرب.

صفاء قاعدة سرحانة، عينها تايهة، والباقي بيبصوا لبعض بحيرة.

زينب (بصوت مخنوق) :

هو إيه اللي بيجري في الحارة؟! ليه كل يوم مصيبة جديدة؟ ليه أسماء حظها كده؟

نورهان (تتنهد وهي حضنة رجليها) :

أنا بقيت بخاف أنزل الشارع. إزاي غرب يدخلوا الحارة مرتين ويمشوا كأنهم أصحابها؟! فين الأمان اللي كنا عايشين فيه؟

رحاب (بحماس وهي بتخبط إيدها على الطرابيزة) :

ومش بس كده، كل حاجة حوالينا غامضة. فيه حد بيحرّك الخيوط من ورا الضهر.

(بصت لصفاء اللي كانت ساكتة وسرحانة) :

وإنتِ يا صفاء… إيه الحكاية؟ من يومين وأنا ملاحظة إنك مش طبيعية. عاملة زي اللي شايلة همّ الدنيا. هتفضلي ساكتة لحد إمتى؟

صفاء (بتتوتر) :

مافيش يا رحاب… أنا بس مشغولة.

رحاب (بتقاطعها بعصبية) :

لا، فيه، إحنا إخوات، وأي حاجة تخصك تخصنا. إيه اللي مخبّياه؟

نورهان (تتدخل، بصوت هادي لكنه حازم) :

صفاء، بلاش تخبّي. إحنا عايشين وسط نار، ومش ناقصين أسرار.

صفاء تحركت في مكانها، عينيها مليانة دموع، وصوتها متردد :

هو… هو ريان.

زينب (بعصبية) :

ريان؟! وماله؟!

صفاء (تتنفس بسرعة) :

طلب مني آخد قرض بإسمي من البنك. قال إنه مشروع مضمون، وهيسدد بسرعة. وأنا… أنا صدقته.

نسرين بلعجيلي

رحاب قامت واقفة فجأة، وشها مولّع من الغضب :

قرض؟! إنتِ اتجننت يا صفاء؟! إزاي تعملي كده من غير ما ترجعي لينا؟!

زينب (بصوت عالي) :

إنتِ إتجننتي؟ ده لعب بالنار. الراجل ده نصاب، وكلنا عارفين إنه بيلف ويدور.

نورهان (بحدة غير معتادة) :

إزاي تسيبيه يضحك عليكِ؟! كفاية اللي إحنا فيه، عايزة تضيعينا معاكِ؟!

صفاء (بتنهار وتبكي) :

أنا… أنا كنت عايزة أصدقه. كان بيكلمني بكلام كبير، حسيت إنه مختلف، حسيت إن دي فرصتي أخرج من الدوامة.

رحاب (بتقرب منها وتصرخ) :

يضحك عليك بكلمتين؟! يا صفاء فوقي! إنتِ شايفة اللي بيجري لينا ولا لأ؟! أسماء بتصارع الموت، وإنتِ لسه بتفكري في كلام راجل بيلعب بعقول البنات؟!

زينب (تهز راسها بيأس) :

مش كفاية فضايح وأوجاع؟ كان ناقصنا كمان حد يضحك عليكي بإسم الحب والمشاريع؟!

صفاء بتبص لهم وهي غرقانة دموع، صوتها بيتكسر :

سامحوني… أنا غلطت، بس والله ما كان قصدي أضرّكم.

نورهان (بصرامة) :

غلطتك دي مش بسيطة يا صفاء. إحنا لازم نقفل الباب ده فورًا، ونروح نتأكد بنفسنا مين ريان ده وإيه اللي وراه.

رحاب (بعصبية وهي تبص لصفاء) :

بس إوعي تظني إننا هنسيبك تنجرفي ورا أوهامك. لو رجعتِ تفتحي معاه موضوع القرض، يبقي بتدمري نفسك وبتدمرينا معاكِ.

صفاء حطت وشها بين إيديها وبكت أكثر، والبنات حواليها واقفين ما بين الغضب والخذلان، كأنهم اكتشفوا قنبلة جديدة في نص الحارة.

رحاب (بصوت حاد) :

أنا من الأول كان قلبي مش مرتاح لراجل زي ده. ريان بيستغلك يا صفاء، مرة بكلام معسول، ودلوقتي باسم مشروع.

صفاء (بتتهز) :

هو… هو قال إنه عايز يفتح حاجة كبيرة، وإنه هيسدد أول ما يقف على رجليه.

زينب (بعصبية) :

مشروع إيه؟! هو لقاكِ سهلة يضحك عليكِ.

نورهان (بحدة) :

صفاء، قولي لنا بصراحة، إنتِ أخذتي القرض ولا لسه؟

(صفاء تسكت، إيديها بتترعش، وعينيها مش قادرة تبص لحد)

رحاب (بتضغط عليها أكتر) :

حتى لو أخذتِ لازم تعرفي الأول إنتِ بتتعاملي مع مين. الإسم كامل، مش ينفع تفضلي تقولي “ريان وبس”. بكرة يختفي، تدوري عليه، ما تلاقيش غير سراب.

زينب (تهز راسها) :

عندها حق. بكرة نخلي شباب الحارة يسألوا عنه. يشوفوا هو مين بالظبط، ولو طلع نصاب زي ما حاسة، يبقى نواجهه.

رحاب (تشد نفسها القدام، عينيها بتلمع) :

والليلة دي لازم نعرف كل حاجة عنه. مش هنسكت وهو بيلعب بيكِ.

(الكل يبص على صفاء في انتظار ردها و هي ساكتة، دموعها بتنزل، صوتها مخنوق بس ما بتنطقش. كأنها بين نارين : تقول الحقيقة ولا تفضل مخبية السر.)

صوت رحاب يرتجف :

صفاء.. أخذتِ القرض ولا لأ؟!

(الصمت بيسيطر.. صفاء تبص للأرض، ثم ترفع عينيها فيهم مليانة دموع، بس ما تنطقش.

الهواء على السطح ثقيل كأن السر اللي جواها أكبر من قدرتها على الكلام.)

السر مهما اتخبّى… لازم يبان، لكن وقت ما يبان بيكشف معاه الوشوش الحقيقية.”….

اللهم يا قوي يا جبار، اجبر كسر قلوبنا، وامسح دموعنا، واهدنا وقت الفتن. اللهم من أراد بنا سوءاً فاجعل تدبيره في تدميره، ومن ظلمنا فارنا فيه آيتك. اللهم قوِّنا على الحق، وثبّت أقدامنا، واجعلنا ممن لا يخافون فيك لومة

لائم.

يتبع

نسرين بلعجيلي

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية بنات الحارة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق