رواية كارثة الحي الشعبي الفصل السادس والسبعون 76 – بقلم فاطمة محمد

رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والسبعون

الفصل السادس والسبعون

الفصل السادس والسبعون

أنظر جيدًا.

كارثة الحي الشعبي.

فاطمة محمد.

الفصل السادس والسبعون:

دخلت «زينة» غرفتها بعد تناولها العشاء رفقة أهلها…أوصدت الباب..ثم تحركت نحو المرآة..وقفت أمامها ثم التقطت فرشاة الشعر..وبيدها الاخرى حررت خصلاتها وازالت ربطته..وبدأت بتصفيف خصلاتها.. وبسمة ناعمة بدأت تأخذ مسارها على وجهها..فقد استطاع «حسن» بالايام الماضية أن يتقرب منها أكثر وأكثر..سواء كان بانتظارها كل صباح وإيصالها إلى عملها والحديث معها طوال الطريق محاولًا أن يجعلها تعرفه اكثر..كما كان يحاول أن يرسم الضحكة على وجهها الجميل وفي بعض الأحيان كان ينجح في هذا…كما أنه لم يعد يتركها بالعودة بل بات ينتظرها ويعودان سويًا واحيانًا اخرى كان يبحثان عن منزل لهم….حتى استقر الاثنان على واحدًا بحارتهم وقريب على والدته و والدتها بذات الوقت…وبدأ هو بتوضيبه….

كذلك لم يغفل عن اظهار اهتمامه وحبه ورغبته بالاطمئنان عليها فكان يحادثها كثيرًا عبر الهاتف سواء في فترة عملها.. أو بمنزلها..

وللحق بدأت تعتاد وجوده..وتعشق اهتمامه…لذا وقسرًا عنها تبدلت طريقتها الحادة الفظة معه إلى طريقة أقل حدة…وبها بعض اللين…

لكن هذا لا يمنع بأنها في بعض الأحيان تكون فظة وتزعجه….

توقفت عن تصفيف خصلاتها وحركت رأسها بحثًا عن هاتفها..وبالاخير وجدته على فراشها..

انتشلته ونظرت به تأمل أن يكون قد اتصل عليها ولم تستمع إلى الهاتف…لكن هذا لم يحدث ولم تجد أي اتصال منه..

حل العبوس وجهها وتركت الهاتف وعادت تصفف خصلاتها مرة أخرى..

وشعور بالضيق يعتريها ويتسلل إلى قلبها…

ضيق جعلها تتساءل لما لم يحادثها حتى الآن…

هنا وتساءلت مع ذاتها هل تتصل عليه تلك المرة وتكن مرتها الأولى بالاتصال عليه دون أي سبب..فقط للاطمئنان…

احتارت ولم تعد تعرف ماذا تفعل…تنهدت وعضت على شفتيها والتقطت هاتفها مرة أخرى..ظلت ممسكة به لثواني تقاوم حرب نشأت بداخلها..

وبالنهاية غزت البسمة وجهها واتصلت عليه فلا يوجد شيء إذا حادثته هي تلك المرة..فهو خطيبها..وعن قريب سيكون زوجها….

ظلت تترقب رده…ولكنه تأخر بالرد..وقبل أن ينتهي الاتصال كان يجب بأنفاس لاهثة…ناطقًا حروف اسمها بطريقة شغوفة عكست شغفه بها:

-زيـنـة…انا آسف والله بس كنت بنزل بضاعة المحل…عاملة إيه يا ست البنات؟

-الحمدلله..

قالتها ثم صمتت للحظات…كانت تبحث عن كلمات باتت ضائعة..وبصعوبة قالت:

-لقيتك مش سأل قولت أسأل أنا.

-غصب عني والله ما أنا بقولك بنزل بضاعة المحل..هنزلهم واخلي العيال يرسوهم وهتلاقيني بكلمك علطول…استنيني..اوعي تنامي..هزعل والله لو نمتي….

ابتسمت رغمًا عنها..حقًا قد باتت تحب كلماته والطريقة الذي يعشقها بها…

وعندما لم يأتيه جواب سألها بمرح:

-أنتِ نمتي من دلوقتي ولا إيه؟؟؟

-لا معاك..اساسًا لسة مش هنام دلوقتي..ماما بتحضر العشا لسه…

كذبت…فقد تناولت طعام عشائها..لكن هذا ما خرج معها..فلم تكن تريده أن يعلم بأنها ستنتظره…

ابتسم لها وقال:

-الف هنا….يلا هقفل دلوقتي عشان معوقش عليكي وانجز في السريع……

_____________________

تسللت «دلال» نحو الغرفة الذي يقبع بها خليل بعدما اعتزل غرفته وقرر ألا ينام بها إلا بعد زواجه من ملكت قلبه و استوطنته..

طرقت على الباب أولًا ثم استمعت إلى صوته وهو يأذن لها بالدخول..

فتحته و دخلت مغلقة الباب خلفها…وجدته يجلس على أريكة موضوعة جانبًا والمصحف بين يديه يغلقه بهدوء..

متمتم بنبرة هادئة:

-خير يا أمي..

بارحت مكانها و جاورته بجلسته على الأريكة..مبتسمة له بأتساع قبل أن تبدأ حديثها معه:

-كل خير يا قلب أمك..كنت هنام بس قولت اعدي عليك الأول..في كام كلمة محشورين في زوري لازم اقولك عليهم..وتعمل بيهم…

وبذات الهدوء اخبرها:

-اتفضلي يا امي سامعك.

-أول حاجة متفهمش كلامي اللي هقوله غلط…بس انا عايزاك متبقاش طيب بزيادة مع فجر..الطيبة الزيادة بطمع اللي قدامك فيك… لازم تشكمها من الاول..عشان متتفرعنش عليك يا حبيبي..ولازمن تدبحلها القطة زي ما بيقولوا…

نظر للمصحف القابع بين يديه ثم تساءل:

-مين اللي بيقولوا؟؟؟

ردت ببساطة وسعادة بسيطة ظنًا بأنه قد يقبل بنصيحتها ويأخذ بها:

-الناس يا حبيبي هيكون مين يعني…

وببساطة مماثلة لها كان يجيبها:

-وانا مالي بالناس يا أمي..ما يقولوا اللي يقولوه.. أنا هعمل بكلام الله عز وجل و رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام…وبعدين هو حضرتك شوفتي من فجر حاجة وحشة؟؟؟

-بصراحة لا..بس شوفت من مقصوفة الرقبة اللي متربتش وئام…فـ

اوقفها عن المتابعة وقال:

-أنا آسف اني بقاطع حضرتك بس قبل ما تكلمي عن البنت..حابب اقولك انها بريئة ومظلومة وعابد عرف ده…ده غير أن حضرتك حكمتي عليها من كلام سمعتيه…وبالنسبة لـ فجر فـ أنا هعاملها بما يرضي الله..انا مش واخدها من بيت أهلها عشان انقص من قدرها أو اقلل منها….و زي ما كانت أميرة في بيتها هتبقى ملكة عندي مش جارية يا أمي…

ظهر الامتعاض على وجهها و قالت بغضب:

-يعني إيه؟؟؟ هتسيبها تتفرعن ومش هتدبح القطة ولا هتكسر شوكتها…

-تتفرعن ايه يا امي وقطة ايه وشوكة ايه اللي اكسرها… انا مش فاهم حضرتك بتفكري إزاي…بصي يا أمي وبالبلدي..انا مش واخد فجر ابهدلها أو اطلع عليها عقد..انا واخدها زوجة ليا.. إنسانة تشاركني حزني قبل فرحي..إنسانة اترمي في حضنها وقت تعبي و زعلي…المرأة لم تخلق للإهانة…الرسول صلى الله عليه وسلم قال “استوصوا بالنساء خيرًا” وكان بيكرم النساء..وآخر وصاياه كانت الصلاة والنساء……ما اكرمهن الا كريم وما أهانهن إلا لئيم…وانا مش لئيم يا أمي وآسف مش هقدر اعمل اللي بتقوليلي عليه…

انفرج باب الحجرة بواسطة «سلطان» والذي استمع لحديثه مخمنًا سبب هذا مدركًا فظاظة زوجته وطريقتها المثيرة للاستفزاز والاشمئزاز…فقال ببسمة:

-الله ينور عليك يا بني…فـ المرأة متى ما كنت رجلًا  تكن لك امرأة…ومتى ما كنت ذكرًا تكن لك أنثى..ومتى ما كنت ملك تكن لك أميرة…ومتى ما كنت عاشقًا تكن لك مُتيمة…فلا تكن لا شيء وتريدها أن تكون كل شيء ..فـ أيها الرجل عندما تنفخ فيك الروح تكن في بطن امرأة…وعندما تبكي تكن في حضن امرأة…وعندما تعشق تكن في قلب امرأة..فالمرأة أمانة ما خُلقت للإهانة…………..

ابتسم «خليل» على جمال حديثه والذي كان بوقته..لعل والدته تدرك فداحة ما تحاول فعله…….

رمقها سلطان بنظرات ذات مغزى جعلتها تنهض وتغادر بهدوء عائدة لغرفتها وهو خلفها…..

___________________

-أنا زهقت عارفة يعني ايه زهقت يا دلال؟؟؟

زهقت وفي نفس الوقت مش هاين عليا ازعلك..أنتِ عايزة إيه من ابنك..هترتاحي وتفرحي لما يعامل البنت وحش؟؟؟ لو عندك بنت تقبلي جوزها يعمل معاها كدة؟؟ أنتِ إزاي بقيتي كدة..

طرح «سلطان» كلماته بنبرة منفعلة حاول قدر المستطاع أن تكن منخفضة كي لا تصل إلى أبنائهم…ابتلعت ريقها و توترت قليلًا محاولة الدفاع عن نفسها:

-وانا مالي بقى إن شاء الله…انا خايفة على ابننا..خليل طيب يا سلطان..وخايفة البت

قاطعها متحدث من بين اسنانه وقد تملك منه الغضب:

-خليل راجل..مش بت عشان تخافي عليه…وهو حر مع مراته..مش هتمشي الكون على مزاجك..وملكيش أنك توجهيه يعامل مراته إزاي..قبل ما تدي نصايح للي حواليكي انصحي نفسك الاول يا دلال..

انفعلت مما يفعله معها..اقتربت منه وقالت بوجهه منكمش ويليح عليه الانزعاج:

-انا بنصح ابني مش حد غريب…انت نسيت أن وئام قريبتها…وأنهم من عيلة واحدة…و

طالعها بعدم تصديق ولم يدعها تسترسل مغمغم:

-انتِ بتقولي ايه يا ولية أنتِ..أنتِ اتخبلتي..

-لا متخبلتش..انا ليا حق اخاف..انا اصلا مش عارفة القيها منين ولا منين من خليل اللي هيخليها تشوف نفسها علينا ومش بعيد تمشي كلمتها عليه…ولا من عابد اللي حاببلي واحدة ****

اتسعت عيناه مما تفوهت والصقت بتلك الفتاة..وعندما كاد أن يتحدث بنبرة مصدومة وجدها تتابع:

-لا وقال ايه عرف أنها مظلومة طب يبقى يوريني هيرجعلها إزاي..لا وابنك ابو لسان طويل التاني اللي اسمه جابر مفيش على لسانه غير أن نضال زي وئام والاتنين نفس الغلط…ده مين اللي فهمه أن الراجل زي الست ده…

هي الست لما بتخون يا سلطان ده عادي وتتسامح عليه..يعني زيها زي الراجل كدة عادي؟؟؟؟ طب على الأقل ده اسمه راجل وغلطه يعدي وممكن يصلحه…والشرع حلله يتجوز بدل الواحدة أربعة…….

لانت تعابيره وسألها بلهجة ساخرة:

-يعني أنتِ مع أن الراجل عادي يخون والست لا…وأنه الراجل عادي يتجوز على مراته مش كدة؟؟يعني لو واحد من عيالك جه قالك هيتجوز على مراته هتوافقيه.

ردت عليه ببساطة:

-بص انا مش مع الخيانة بس انا بقول أنها بتختلف مش مقتنعة بكلام عيالك خليل وجابر..ولو حد فيهم اتجوز فيما بعد على مراته ده حقه ومحدش له عندهم حاجة……يمكن هي مش مريحاه..تعباه..مبتسمعش كلامه…

مط شفتاه ورفع يده يربت على كتفيها…ثم قال ببسمة لم تصل لعيناه مقررًا إعادة تأهيلها..

-حلو اوي الكلام ده…وبما أنك موافقة ومعندكيش مانع أن الراجل يتجوز على مراته مدام مش مريحاه وتعباه…فـ أنا قررت اتجوز يا دلال وده حقي وشرع ربنا…..…………….

_____________________

في وقت متأخر وبعد نوم الجميع..تسلل «نضال» من حجرته بعد أن جفاه النوم و رفض زيارته…فـ على قدر سعادته لاخيه و لزواجه..الا أنه يرتعد من فكرة انفصاله عنها ويهاب من قدوم الغد……قصد سطح المنزل..راغبًا بالجلوس هناك واستنشاق الهواء وتغلغله لصدره…عله يهدأه ويجعله يفكر في حل…

صعد هناك وقد كان الظلام هو ما يعم الإرجاء…..

لكنه وجد أحدهم يجلس على الارض ويوليه ظهره ويرفع رأسه للسماء…

قطب حاجبيه وحاول تخمين هويته..لكنه فشل بسبب الظلام..

بدأ يقترب ملقيًا سؤاله:

-أنت مين فيهم؟؟؟؟؟

استدار ذلك الجالس برأسه نصف التفاته…مع وصول نضال لمحل جلوسه..فوجده عابد…

أطلق زفيرًا ولم يتردد بالجلوس جواره…لحظات من الصمت الدائر بين الاثنان لم يقطعه إلا صوت نضال وهو يخبره معترفًا:

-انا حــزيـن بشكل بشع… انهاردة كنت بحاول أبين اني كويس..بس في الحقيقة أنا مش كويس خالص..داليدا مصممة على الطلاق…فجر وخليل هيتجوزوا من هنا وهي عايزة تبعد عني وتسبني من هنا….انا مش هقدر اعيش من غيرها…انا بـحـبـها أوي…قولي اعمل إيه.

-جيت للشخص الغلط.. أنا نفسي عايز اللي يقولي اعمل إيه… أنا انهاردة زي اللي أكل ضربة على دماغه..وئام كانت بتقولي الحقيقة وانا مصدقتهاش..صدقت واحد غريب…موثقتش فيها…و دلوقتي رافضاني.. متعرفش اني من غيرها ماكنتش عايش…كنت بممثل اني عايش بس انا مكنتش كدة….

حرك الاثنان رأسهم ونظروا لبعضهم البعض…فتساءل نضال اولًا:

-اعمل إيه؟ واصالحها ازاي؟ اثبتلها ازاي اني بحبها…انا عارف اني حيوان واستاهل اللي بيحصل فيا ومكنش المفروض اروح معاك بس غلط وروحت وحصل اللي حصل….

هز عابد رأسه يحمل نفسه ذنب ما يحدث مع أخيه الان فلولا عرضه عليه بالذهاب والسهر معهم ما كان حدث كل هذا:

-كل ده بسببي…انا اللي قولتلك تيجي….

رفض نضال وقال بأسف:

-لا مش بسببك..انت مضربتنيش على أيدي…انا بس اتغبيت..كنا زعلانين من بعض يومها..وبدل ما اصالحها و اراضيها خربت الدنيا خالص..وطربقتها فوق دماغي…

جاءهم صوت جابر من الخلف والذي صعد هو الآخر..

-الله الله…عابد ونضال مرة واحدة..ومن غيري يا ولاد الـ …

كاد يخرج لفظ بذئ فلحق ذاته مغمغم:

-لا مش هشتم عشان حرام وعشان انا محترم…

طالعه نضال باستنكار وصاح بدهشة:

-عرفتنا منين ياض ده انا معرفتش اخوك الدنيا ضلمة…

ذهب وجلس أمام الاثنان يخبرهم بمرح:

-مش محتاجة فقاقة صوتكم باين…وسمعتكم وانتوا بتشكوا خيبتكم لبعض…ويا زين ما اختارتوا للشكوى..عارفين دلوقتي ينطبق عليكم مثل اتلم المتعوس على خايب الرجا…اهو انت المتعوس وانت خايب الرجا…

ناظره الاثنان بنظرات نارية…فابتسم لهم وأضاف:

-يخربيت نكدكم بهزر..وبعدين فكوا انا زهقت من جو النكد والطلاق ده..انا حاسس اني هبقى نكدي على ايدكم…مفيش حاجة تستاهل…انت داليدا بتحبك وهتتصالحوا..وانت وئام بتحبك برضك واكيد هترجعوا المسألة مسألة وقت بس مش اكتر…

لم يجيب عليه أي منهم…التوى ثغره للجانب وهمس لذاته:

-أنا ايه اللي جابني هنا وخرجني من اوضتي هو أنا ناقص نكد…

هنا ورفع يديه و وضعها على فمه يتثائب يزيف رغبته في النوم مغمغم وهو ينهض مقرر النهوض والعودة لغرفته والتي بالطبع ستكون اهون بكثير:

-ايه ده حاسس اني عايز أنام فجأة تصبحوا على خير ومتسهروش..بكرة فرح اخوكم..ولو هتتريقوا وتقولوا جبت التايهه..فـ أنا لا جبت التايهه ولا زفت انا بس بذكركم……..تصبح على خير يا متعوس..تصبح على خير يا خايب الرجا انت كمان..

____________________

باليوم التالي وبعد حلول المساء تم عقد قران كلا من فجر وخليل وأصبحت زوجته على سنة الله و رسوله….ومن بعدها بدأ الاحتفال بحفل الزفاف والذي كان منقسم…فالرجال يحتفلون بمفردهم..وكذلك النساء والفتيات…

فظلت دلال طوال الاحتفال تحاول الابتسام واخفاء حزنها من الحديث الأخير الذي دار بينها وبين زوجها والذي اخبرها بها عن رغبته بالزواج من أخرى..ومن وقتها غادر الغرفة ولم يحدث أي احتكاك أو حديث آخر بينهم…….

آتت ناهد و ابنتها وعلى الفور اشتعل قلبها وبدأت تخميناتها بأنها من تعجب زوجها ويريدها زوجة له….

فـ بالطبع أعجبته طريقتها سواء بالحديث أو بأرتداء الملابس والتي تختلف عنها كليًا…

ورغمًا عنها وبعد شعورها بالمرارة من تلك الفكرة وان هناك امرأة أخرى تعجب زوجها ويطمع في أن يجعلها زوجة له..هبطت دموعها..وانتبه البعض إلى تلك الدموع..فما كان منها سوى الابتسام وأخبارهم بأن تلك هي دموع «الفرحة»….

كذلك حضرت أروى هي وأبيها.. فذهب ابيها إلى احتفال الرجال و دخلت هي للنساء…

وما أن رأتها ثراء حتى بدات تتحاشى النظر إليها مرة اخرى..شاعرة بالذنب نحوها كونها تفكر في خطيبها…….وهذا يجعلها ترى نفسها بأنها سيئة وتخطأ خطأ كبير……………….وبعد ساعات ليست بالكثيرة…انتهى الاحتفال وبدأ الحاضرين بالمغادرة بعد المباركة سواء كانت للعريس او العروس والتي صعدت بالنهاية إلى حجرتهم……

_____________________

انفرج باب حجرة «خليل وفجر» و دخل خليل ثم اغلق الباب بهدوء شديد، لم يحرك عينيه كثيرًا بحثًا عنها فقد وجدها تقف أمامه…وبات وجهها وجسدها بأكلمه بمواجهته بعد أن كانت توليه ظهرها…والتفتت له عند استماعها لصوت الباب وهو يغلق من خلفه….

شعرت بتزايد ضربات قلبها…فلم يصدر منها سوى بسمة مترددة خجولة زادتها جمالًا فوق جمالها الأخاذ..الفريد..والاستثنائي بعينيه هو.

قبضت بيديها على فستانها الأبيض وشددت من الإمساك به…لا تصدق بأنها معه داخل غرفة واحدة ومغلق عليهم بابها..

خيم الصمت الغرفة..وتنقلت عينيه بهدوء شديد على وجهها الذي يظهر له ويتفرسه بعشق..فقد أصبحت زوجته ويحق له التمعن بها وتأمل جمالها…بل وفعل أكثر من ذلك بكثير….

بدأ يخطو أول خطواته التي ستقربه منها..وقطع صوت حذائه هذا الصمت…

وأثناء تقدمه وتبادله النظرات الهائمة..المغرمة..المولعة بها معها.. أطرقت رأسها وتحاشت لقاء عينيهم…مبتلعة ريقها وهي تقسم بينها وبين نفسها بأنها على وشك فقدان الوعي من فرط خجلها……

خجلها الذي بات قليلًا…ولا يتحلى به الكثير…ظنًا منهم بأنه قد ينقصهم شيء…متناسين بأن الخجل والحياء هما زينتها..وليست الجراءة والفظاظة التي قد توحي للبعض بسوء أخلاقها وتربيتها…

انزعج مما فعلته ورفضه تمامًا…توقف أمامها مباشرة تاركًا مسافة كافية بينهم…ثم مد يده وبواسطة الإبهام و السبابة رفع ذقنها…وتلاقت عينيهم مرة أخرى…

تبسمت عينيه وانعكس عشقه ومشاعره على محياه..وخاصة عينيه التي أصبحت تنير فاضحة آمره..

ابتلعت ريقها مرة أخرى و ارتجف جسدها من لمسات يده على وجهها….

أبعدت عينيها قبل أن تتهور  أكثر من شدة الخجل وتقوم بفعل أحمق…حرك يديه و وضعها على مقدمة رأسها كي يبدأ اول حديث معها وهي زوجته بالدعاء إلى الله….

وقبل أن يبدأ دعائه ذكر الله اولًا ثم بدأ يتلو هذا الدعاء:

” اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليهِ وأعوذُ بِكَ من شرِّها ومن شرِّ ما جبلتَها عليهِ”

انتهى من قول هذا الدعاء ليبدأ بأخر تلاه آخر متمنيًا ان تحل عليهم البركة والخير..وان يرزقهم الله بالذرية الصالحة…

ظلت طوال هذا الوقت مطرقة الرأس..لم تتجرأ عينيها للنظر إليه…وكم أحبت ما فعله وكيف بدأ بالدعاء وذكر الله…

بعد دقائق كان انتهى وابعد يده عن رأسها…ابتسم لها وتمتم تلك المرة بكلمة واحدة جعلتها دون أن تشعر ترفع عينيها تناظره وتحقق له مبتغاه في لقاء عيونهم والذي تاق إليه كثيرًا:

-وأخـيـرًا.

تساءلت بهدوء وعينيها لا تبتعد عنه:

-واخيرًا إيه !

-أخيرًا بقيتي مراتي..ومعايا.. أخيرًا هقدر ابصلك زي ما أنا عايز..من غير ما احس بالذنب.. أخيرًا هقدر أتأمل ملامحك وجمالك…واقول بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن فيما خلق..…أخيرًا بقيتي جنبي..أخيرًا بقيتي فجري..

شعرت بالعجز عن الرد…لم تجد ما تنطق به..وكأن الكلمات قد هربت..باتت بتلك اللحظة كطفلة صغيرة لم تتعلم الحديث بعد..

انتهز هذا السكون بينهم…واقترب أكثر وأكثر…يخبرها بهدوء يشوبه الحب:

-في كلام كتير أوي عايز اقوله..بس مش عايز اقول اكتر من كدة قبل ما نصلي مع بعض الأول….انا هخرج وهقف برة اول ما تبقي جاهزة ومستعدة افتحي الباب هتلاقيني قصادك..اتفقنا؟

سعدت من رغبته بالصلاة معها وانشرح قلبها…وعلى الفور هزت رأسها تؤكد له:

-اتفقنا.

فارق الحجرة وأغلق الباب من خلفه بهدوء واقفًا بالخارج ينتظرها….

عقب خروجه زفرت هي أنفاسها..وتحسست وجهها الذي بات أكثر حرارة ومبتسمًا كالبلهاء….

ثم تحركت وبدأت بالاستعداد مثلما أخبرها…….

بعد وقت ليس بالكثير كانت تفتح الباب باسدال صلاتها فوجدته يقف أمامه بانتظارها.. والظلام يعم الدور دلالة على نوم الجميع…

ابتسمت له بسمة رغم بساطتها إلا أنها فعلت به الكثير وسرقت له قلبه:

-أنا جاهزة…يلا عشان تجهز انت كمان ونصلي مع بعض…

حسنًا تلك الكلمات الأخيرة كانت من اجمل ما سمعه اليوم..

“نصلي مع بعض”

هذا ما تمناه وحلم به كثيرًا والان يتحقق أخيرًا…

دخل معها واغلق الباب مجددًا..تقدمت هي من الفراش وجلست على طرفه فأخبرها مشيرًا نحو دورة المياه:

-هغير وأتوضأ وهجيلك علطول.

هزت رأسها وأجبرت لسانها على الحديث وليتها لم تفعل…

فلسانها الأحمق نطق ما يجعلها تخجل وتزحف حمرة الخجل إلى وجهها

“مـستنيـاك”.

اقسم بتلك اللحظة بأنها ستجعله يجن…ما الذي تفعله به…فلا يجب عليها التحدث..فكلما فعلتها وتحدثت تسلب له فؤاده وتجعله يرغب في التقرب منها واحتضانها والشعور بها والتلذذ بقربها…..

اختفى داخل المرحاض قليلًا…وبعد دقائق معدودة كان يخرج مرتدي جلبابه الأبيض الذي أعجبه ما أن سقط بصره عليه و قام بشراءه خصيصًا لهذا اليوم الذي سيكون به أمامها ويصلي معها…

وجدها تجلس مثلما هي..وما أن رأته حتى نهضت..ابتسم لها وأتى بسجاد الصلاة وقام بوضعه على الأرض…

اخذ مكانه بالامام..وهي من خلفه…ثم بدأ صلاته معها….

انتهت الصلاة وقبل أن ينهض اي منهم..رفع يديه إلى السماء و بدأ يتلو العديد والعديد من الأدعية كي يعم الخير والبركة وتدم الالفة بينهم ويكن خير زوج لها وتكن خير زوجة له.………

بعد انتهائه.. نهض الاثنان عن الأرض وقبل أن تنحني وتطوي سجادة الصلاة التي كانت تصلي عليها سبقها وقام بلملمتها مع خاصته….

مبتسمًا لها يخبرها:

-دلوقتي بقى خلينا ناكل اكيد جعانة مش كدة..

هزت رأسها تؤكد شعورها بالجوع مغمغمة:

-أيوة..وأنت؟

-جعان برضو..تعالي..

قالها وهو يلتقط يدها معانقًا إياها بيده…نظرت ليده التي احتضنتها بهذا الشكل وابتلعت ريقها بخوف بدأ يزداد رويدًا رويدًا بتلك اللحظة…

وندمت على اعترافها بالجوع…

وصل أمام الطعام المغطى والذي تم إعداده خصيصًا لهم..و وضعه بغرفتهم على طاولة ما موضوعة أمام الاريكة القابعة بالغرفة…

اشار لها كي تجلس..فأنصاعت لطلبه وجلست اولًا ثم جلس هو بجانبها…

لم تمد يدها أو تكشف عن الطعام غارقة في أفكارها وخجلها وحيائها الذي جعلها تشعر ببرودة أطرافها وتعجز عن تحريكهم…

فهم ما يحدث معها ولم ينتظرها أن تكشف عن الأصناف بل بدأ هو وتولى تلك المهمة بوجهه بشوش…ملتقطًا صنف من الطعام وبدلًا من أن يتذوقه هو..وجهه يديه نحو فمها يحثها على تناول الطعام من يديه:

-يلا قولي بسم الله وكُلي مش عايزك تقومي جعانة يلا..

نظرت إليه وهي تسمي الله..ثم فتحت فمها على حرج..ابتسم لها فقد كانت مثل الأطفال بتلك اللحظة..

تناول هو الآخر..ولم ينتظرها أن تتناول هي مرة أخرى بل استمر توليه أمر إطعامها وإطعامه حتى شبع الاثنان وحمدا ربهم…

نهض عن الأريكة وقال بتلميح:

-هدخل اغسل ايدي..خدي راحتك.

لم تستطع فهم المغزى من حديثه…وظلت واقفة تحتار فيما عليها فعله..والخجل يكاد يقتلها…

خرج من دورة المياة فسقط بصره عليها فابتسم بسمة واسعة ودنا منها وهو يغمغم بمزاح:

-انتِ لسة واقفة؟؟

بات أمامها مباشرة..و رأى صدرها الذي يعلو ويهبط وتلك الحمرة التي صاحبت وجهها…

رفع يده وتسللت إلى وجهها يتلمسه بحنان مفرط متحدث بنبرة لم تقل حنانًا عن لمسته:

-اهدي يا فجر…..اهدي خالص..

رغبت بأخباره بأنها تحاول فعل هذا لكنها تفشل..لا تستطع الهدوء..ويأبى الخجل تركها…خاصة بعد لمسه لوجهها بتلك الطريقة..

تنقلت عينيه على ملامحها واخبرها ويده تحرر عن رأسها حجاب إسدالها:

-ممكن تبصيلي؟

رفعت عينيها ورأت بسمته وهيامه بخصلاتها المعقودة والذي لم يتركها هكذا..بل رغب في رؤيتهم متحررين..

وهذا ما فعله بالفعل..

تسارعت ضرباته وبات يرغب في امتلاكها وقربها..

تقدم خطوة وهو يخبرها:

-حابب اعترفلك ان قلبي من قبل ما يشوف ملامحك الحلوة دي وهو بيحبك…ومن بعد ما عيوني شافت الجمال ده..بعلن هوسي بيكِ مش بس حبي..انا مُتيم بكِ يا فجر…

أردف الاخيرة وهو يطوق خصرها ويطبع قبلة على جبينها…قبلة وقرب جعلوها تشعر بالرغبة في البكاء…فها هو يثبت لها أن تلك الحياة بخير..وهناك بشر صالحين ويتقون الله..…

وسرعان ما تذكرت ما كادت تفعله بها صديقتها المُقربة…وكيف كانت ستغدر بها وتطعنها في ظهرها..فرغم ما كنت تظهره من قوة وتناسى بالايام الماضية.. إلا أنه لم يكن هين عليها ولم تتخطاه رغم تلك البسمة التي كانت ترسمها..

والدليل على تأثرها وبأن الأمر لم يمر مرور الكرام معها حتى الآن هو تذكرها له في تلك اللحظة التي من المفترض أن تنسى بها كل شيء…

ابتعد عن جبينها وعندما شارف على تقبيلها وأشباع شوقه ولوعه..رأى دموعها تسير على وجهها…

رفع أنامله ومسح لها تلك الدموع يخبرها برفض:

-بتعيطي ليه؟؟ مش عايزك تعيطي…لو مش عايزاني اقرب منك انا موافق بس متعيطيش.. أنا آسف…

أغمضت عينيها و زاد بكائها من ظنه بانه السبب…

هلع قلبه وأخذ بيدها وأجلسها على طرف الفراش وجلس بجوارها..ولم يتوقف عن مسح دموعها…يعتذر لها عن تسببه في بكائها..

-خلاص يا فجر..هبعد عنك وهسيبك براحتك بس اهدي ارجوكي..

حدقت به وأطالت النظر إليه ولم تتردد بأخباره بسبب بكائها الحقيقي:

-أنا مش بعيط منك ولا بسببك يا خليل..انا بعيط عشان افتكرت موقف بشع المفروض مفتكروش في ليلة زي دي…انا غبية…انا آسفه والله…

أخذها إلى أحضانه يربت على ظهرها يستفسر منها:

-متتآسفيش..وموقف ايه ده اللي حصل معاكي ويخليكي تعيطي بالشكل ده…

وبدون أن تخرج من احضانه ويديها تشدد من الإمساك به بدأت تقص عليه:

-إيمان صاحبتي..اتفقت مع أخوها أنس يجبوني البيت على أساس أنها هناك..وهي اصلا مش هناك..وكان لوحده..كانوا هيدمروني..وهيبوظوا حياتي.. ولولا ستر ربنا و ثراء و وئام انا كنت ضعت يا خليل..

لم يصدق ما سمعه وما القته عليه للتو….ومن شدة صدمته ظل صامتًا لكن يديه لم تتوقف عن التهوين عليها…

وبعد ثواني من الصمت والسكون خرج صوته وهو يخرجها من أحضانه قائلًا:

-متعيطيش..مش عايزك تعيطي..ولا تنزلي دمعة على حد ميستاهلش..دموعك غالية يا فجر…غالية أوي..

-أنا عارفة أنهم ميستاهلوش بس أنا نفسيتي وحشة اوي يا خليل من ساعة اللي حصل..كان الأول باين عليا اني متغيرة بس بعدين بدأت اخبي اللي أنا حساه..حاولت اعيش واتاقلم وانسى بس مش عارفة..انا اسفة اني عيطت و

-قولتلك متتأسفيش أنتِ معملتيش حاجة..وبعدين إيه يعني عيطي!! اجرمتي يعني؟؟ متخلنيش اعيط معاكي والله اعيط انا اصلا عيوط…

ابتسمت رغمًا عنها على حديثه وقبل أن تعلق كان يجذبها من يديها يخبرها بجنون:

-تعالي يلا اغسلك وشك..وبعدين هنزل اعملينا اي عصير يهديكي…..

دخلت معه دورة المياة وقبل أن يغسل لها وجهها قالت:

-لا مش لازم تعمل عصير..

-هو ايه اللي مش لازم..بقى أنا بقولك هنزل واعملك بايدي دي.. وأنتِ تقوليلي لا مش لازم..لا بقولك ايه..هيبقى فيه تقدير فيه بقاء..مفيش تقدير يبقى

إلى

اللقاء….

طالعته بصدمة من مرحه وطريقة مزاحه المشابهة لطريقة أخيه جابر…التقط هو تلك الصدمة وأضاف بذات المرح:

-لا متبصليش كدة لحسن اضعف وميبقاش في عصير بجد…..

بعد وقت كانت تجلس على الفراش تنتظر صعوده بعد أن هبط وأصر على إحضار مشروب لهم…

تبتسم على ما فعله وما يفعله…وبتلك الاثناء..انفرج الباب ودخل هو حاملًا كوبين من العصير متمتم بمرح لائمه كثيرًا:

-يا مساء الجبنة الكيري على اللي معذب قلبي وتفكيري………………..

يتبع..

فاطمة محمد.❤️🫂

تفاعل حلو بقى و وصلوا الفصل ١٠٠٠ فوت🖤

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق