رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل التاسع والستون
الفصل التاسع والستون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل التاسع والستون:
انتفضت الفتيات من جلستهم واتسعت عيناهم مما حدث وما يحدث من شجار بدأه عابد…وتلاه تدخل أشرف… وجابر…وبقية الشباب الجالسين والمرافقين للشاب الآخر…..مسببين أجواء من الفزع بالمكان وفرار البعض خوفًا مما يحدث من تشابك بالأيدي..والفاظ فظة متبادلة بينهم…..بل و وصل الأمر إلى انهيار و انكسار إحدى واجهات المطعم الزجاجية…….
فقد تشابك «جابر» مع واحدًا منهم ضعيف ونحيف البنية….قام بضربه على وجهه بحركة مباغتة وعلى حين غرة…تسببت في إشعال جابر وإطلاق الشرار من عينيه…فلم يتردد بردها له ثم نجح في إسقاطه ارضًا…ثم اعتلاه صارخًا عليه بصوت جهوري عنيف:
-أنت بتيجي على سكتي ياض….بتيجي على سكتي؟؟؟؟ انت متعرفش أن اللي بيجي على سكتي لازم يتحمل أذيتي…….
انتهى مسدد لكمات سريعة لم يتمكن الآخر من صدها من سرعتها….
توقف جابر لبرهة ممسكًا إياه من تلابيبه يصرخ بوجهه مرة أخرى بصوت هز جدران المطعم:
-عجبك كدة ياض…عجبك لما طلعت العربجي اللي جوايا..روح حسبي الله ونعم الوكيل فيكم……..
أما أشرف فكان تارة ينهال على الشاب بلكمات متتالية..سريعة..وعنيفة..وتارة أخرى يتلقى لكمات سرعان ما يتفاداها…خاصة مع صراخ وعد…. والتي حاولت التقرب منهم وفعل شيء ما ينقذ زوجها الحبيب……..لكن منعتها ثراء من تخطي اي خطوة نحوهم كي لا تزيد الأمور سوءًا…….ملقية عليها تلك الكلمات:
“أنتِ رايحة فين يا مجنونة أنتِ…بطلي جنان وهبل.”
وبالذهاب نحو عابد نجده يتشاجر مع أثنان في ذات الوقت الذي كان يتشابك به إخوته مع واحد فقط…وكان يسيطر على الوضع بالبداية غير سامحًا بأي منهم بلمسه….فقد جاءت فرصته لصب غضبه بشخص ما على صحن من ذهب..ومن المؤكد سيستغلها ولن يضيعها هباءًا..ولكن مثلما يقولون فـ “الكثرة تغلب الشجاعة” ولم تدوم سيطرته في إدارة الاشتباك وجعله في صالحه…خاصة بعدما قام واحدًا منه بالإمساك به وضم ذراعيه خلف ظهره رغمًا عنه….. والآخر بمواجهته يبتسم بسمة شيطانية منتصرة…منهالًا عليه هو الآخر…ليذيقه مما ذاقه على يديه…..
لم تتحمل «وئام» ما يحدث مع حبيبها ومن ملك قلبها فصرخت باسمه ودموعها تنساب لتفلح وجهها….
“عـــــابـــد.”
حضر «سلطان» بقسمات يليح عليها الخوف المُميت….وبجواره خليل الذي لم يتردد بمساعدة شقيقه “عابد” والتدخل أيضًا……..تزامنًا مع صدمة سلطان مما يحدث:
-ايه اللي بيحصل ده في إيه؟؟؟؟؟؟
قالها وهو يتدخل ويقترب من الشباب متسائلًا بذهول وصدمة ويحاول فض ما يحدث وإنهائه بادئًا مع جابر ويبعده عنوه عن الشاب…………
فصاحت وعد بعفوية وتلقائية تشجعه سعيدة من تدخله الذي نجح في فصلهم:
-الله عليك يا ابو اشف يا خطير……..
لم يهتم أحد بتعقيبها هذا وتابع سلطان فصل اشرف..خليل…وعابد عن الشباب……..متمتم بغضب وحدة طلت من عيناه ونبرته:
-ايه التهريج ده..في ايه هنا….انتوا فاكرين نفسكم في الشارع يا حيوان منك ليه……
بصق أحد الشباب على الأرض دمًا..وبوجهه ينذر بالشر رد على سلطان:
-وانت مال امك…..
عاد الغضب يتملك من ابناء سلطان وقبل أن يصدر أي رد فعل منهم كان عابد يسبق الجميع سواء كان بلسانه أو بيده مخبرًا إياهم أن أبيه “خط أحمر”..ممسكًا بهذا الوقح ضاربًا إياه ضربات انعدمت منها الرحمة أو الشفقة……..فقط كان يضرب ولا يدري أين وكيف يفعل هذا…….
ثار الثلاث شباب مما يحدث في صديقهم بواسطة هذا الغريب الذي هجم عليهم دون سابق إنذار …وقبل أن يلمسوه… أسرع أشرف..خليل..وجابر بالتصدي لهم مانعين إياهم من لمس أخيهم…بينما تولى سلطان أمر عابد وفرقه عن الشاب الوقح……متمتم بصياح:
-هو في إيه بقى……وايه قلة الأدب والبلطجة دي….
عقب شاب آخر من الاربع شباب يقص ما حدث على سلطان:
-والله قلة الأدب دي من عندكم..احنا قاعدين كافيين غيرنا شرنا..ومرة واحدة لقينا البهوات…ولا البلطجية دول بيتهجموا علينا…
ابتسم جابر بسمة صفراء وقال:
-معذرة يعني.. وآسف لو بدخل وبزعج جنابك…بس احنا مش مجانين يا روح الوالدة عشان نمسك فيكم من الباب للطق……انتوا اللي مهزقين وجايبين التهزيق لنفسكم ولاهلكم….
رد عابد بأنفعال مفرط يشهد أبيه:
-ولاد *** دول عينهم مكنتش نازلة من على البنات… وكانوا بيكلموا عليهم بمنتهى الوقاحة وقلة الأدب….
اتسعت عين وعد وصاحت بصدمة:
-بتكلموا علينا احنا يا اوباش؟؟؟؟؟؟؟
لكزتها ثراء كي تلزم الصمت بينما قال آخر مغمغم بلا مبالاة وغضب ممزوج بسذاجة وحماقة غير متناهية:
-انا متكلمتش غير على البت ام شعر أحمر هـ
اشتعلت عين أشرف وخطف نظرة نحو وعد التي ارتعبت من نظراته وتمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها متمتمة بصوت خافض وببسمة غير ثابتة وتلعثم واضح:
-اكيد ام شعر أحمر دي مش أنا…انا شعري احمر كرزي..وهو مقالش كرزي ولا ايه؟؟؟
لم يتوقف أشرف ويصمت على مغازلة هذا الفظ لزوجته.. بل هجم على الشاب بغضب جحيمي لتجرأه على النظر والحديث عنها..تلك الحمقاء التي اختارت لون جرئ..متمرد…يلفت الأنظار دونًا عن أي لون أخر………….
ابعده أبيه وصاح يطرد الشباب:
-طيب..اتفضلوا برة يلا……
وافق جابر وقال بشر:
-أيوة برة قبل ما نطلب لكم البوليس….
نظر الأربع شباب للمتجمعين حولهم والمشاهدين لما يحدث من عاملين مدركين بأنهم إذا تشاجروا لن يكون بصالحهم..مقررين الذهاب رامقين إياهم بنظرات متوعدة قبل أن يختفوا تمامًا…………..
بعد ذهابهم من المطعم الذي لم يتبقى به سوى سلطان وأبنائه والثلاث الفتيات و العاملين الذين آمرهم سلطان بالعودة إلى المطبخ…….اقتربت الفتيات من الشباب..وجابت عين سلطان من حوله وما حدث من فوضى….
ضرب كفًا بآخر وقال:
-اقول ايه..احسبن عليكم؟؟؟؟
نفى جابر برأسه متمتم بعتاب:
-نهون عليك يا حج؟؟
-ده انتوا تهونوا ونص…عجبكم اللي حصل ده…اسمع ياض انت وهو انا همشي وانتوا هتلموا الدنيا هنا و الازاز اللي تكسر ده تصلحوه..يعني ارجع بكرة القيه سليم فاهمين؟؟؟؟
قالها وهو يتحرك منطلقًا من المطعم تاركًا إياهم خلفه….
زفر أشرف واستمع لسؤال وعد الخافت ويدها التي تسللت تتلمس وجهه وتلك الكدمة:
-انت كويس…وجعاك طيب؟؟
حدجها بنظرة تحمل من النيران ما يكفي لاحراقها ..مثبتًا بصره على خصلاتها…
ابتلعت ريقها وأبعدت يدها عن وجهه مدركة سبب غضبه…وببسمة بسيطة لم تصل لعيناها سألته:
-لونه حلو صح؟
هنا وازاح عينه وانتبه للتو للزينة التي تضعها على وجهها وكأنه لا يكفيه هذا اللون الأحمر……مما جعل غضبه مضاعفًا…. رفع رأسه متحدث من بين أسنانه وبنفاذ صبر:
-يارب الصبر من عندك………
غادر هو الآخر للخارج مفارقًا مكانه كي لا يرتكب جناية بها…
ابتلعت ريقها وقبل أن تلحق به منعها جابر بكلماته الذي طرحها:
-لو عايزة رأيي بلاش تروحي وراه…عشان يا هيقتلك يا هيقتلك…….
توقفت بالفعل…وتنهد جابر ممررًا بصره على ثراء….وعلى الفور جحظت عيناه بصدمة لسبب لم يدريه أحد سواه وفر من أمامها مما جعلها تشعر بالدهشة غافلة وغير واعية بأنه قد تذكر بأنه كان عليه غض بصره عنها…ولكنه تناسى هذا أمر ولم يعد يفعله…مما جعله يشعر بالضيق ويسخط من ذاته وأفعاله…..
في ذات الوقت وقبل أن يتحرك عابد نحو المطبخ…دنت منه وئام وبنبرة يغمرها القلق والحب قالت:
-انت كويس؟؟
وبسخرية واضحة كان يعلق:
-انا كويس جدا…كويس اوي…عقبالك لما تبقى كويسة زيي………….
****************
-يعني ايه الكلام ده يا بسام؟؟؟؟ هو مش خليل ك
جلس بسام رفقة أبناء أعمامه داخل حجرة المكتب…ملقيًا عليهم طلب هذا الشاب المدعو “أنس” والذي يكون شقيق صديقة ابنته..يد ابنته الغالية…
فاعترض سليم وقال تلك الكلمات يبدي اعتراضه…فلم يتركه بسام أن يسترسل..مبررًا فعلته وجلوسه مع هذا الشاب:
-ماله خليل ها؟؟ ما هو كان كلمني وقالي هيجي وقولتله مستنيه بعد ما نرجع من السفر…وكنت حبه وربنا اللي يعلم انا قد ايه كنت مبسوط…بس احنا رجعنا ومتكلمش ولا خد اي خطوة…قولت مش مشكلة ياض يا بسام استنى عليه يمكن محرج ولا حاجة…بس مفيش فايدة…خالد شبك ابرار وخد الخطوة وهو لسة..استنيته يجي يتكلم يبرر يقول أي حاجة بس معملش ده…المفروض انا اعمل إيه؟؟
وبعقلانية وجدية زائدة دافع مروان عن خليل متمتم:
-بس موقف خالد غير خليل….خليل اخو عابد…ازاي يبقى اخوه لسة مطلق بنتي وهو يجي يتقدم عادي ولا كأن حاجة حصلت…
رد بسام بشيء من الضيق والحنق:
-خلاص كان يجي يكلم معايا…يفهمني ناوي على ايه..مش منه لنفسه كدة يوقف الموضوع ومش مفهمني هو عايز ايه..وعلى العموم مدام مجاش ولا اتكلم ولا برر يبقى أتراجع….وانا مش هفضل احطله اعذار وارفض العرسان…
وبحاجب معقود تساءل أيهم:
-يعني إيه؟؟
-يعني لو اللي اسمه انس طلع كويس ومحترم هتوكل على الله…………………
انتهى ناهضًا من جلسته…بل تاركًا الجلسة بأكملها…
عقب مغادرته تبادلوا النظرات وابتسم مروان يخبرهم بأريحية:
-طيب يا شباب كدة نقدر نقول مبروك لـ فجر وخليل….
وبعدم فهم سأل إياس:
-مبروك ازاي أنت عبيط…ده خليل نايم خالص…وشكله أتراجع وغير رأيه فعلا….
نفى مروان مصححًا له:
-والله ما في عبيط غيرك.. افهم الواد خليل بيحب بنت أخويا وأسالني أنا…هو بس الواد مؤدب وخلوق زيادة واكيد مكسوف….بس لما هيعرف أن في واحد هيخطفها منه..ساعتها هتشوفوا هيعمل إيه…واخويا الخبيث اللئيم ده عارف ده كويس…اخويا وأنا عارفه وحفظه..
وبعدم تصديق صاح سليم:
-قصدك أنه..
قاطعه متابعًا بدلًا عنه وهو يريح ظهره للخلف:
-أيوة قصدي أنه بسام عارف كدة وبينكش الواد اللي اول ما هيعرف هيجنن وكسوفه وحرجه هيتبخروا وهتلقوه هنا………….
-بس هو هيعرف منين؟؟؟؟
طرح سليم سؤاله…فنظر مروان تجاه أيهم….
عقد ايهم حاجبيه…وقبل أن يتحدث وجدهم جميعًا ينظرون إليه فقال بشك:
-انتوا بتبصولي كدة ليه؟؟؟
ابتسم مروان بخبث شيطاني مدركًا بأن ابنة ايهم الكبرى “وعد”هي من ستحقق لهم مبتغاهم………………
****************
حل المساء وعاد الأربع شباب من الخارج معًا بعدما أنهوا الكثير بالمطعم الذي كان أشبه بساحة الحرب……
استمعت دلال إلى صوت الباب ولم تتردد في مناداتهم بنبرة يشوبها المرح والتسلية:
-تعالوا يا عيال شوفوا الحلاوة اللي أنا فيها..
تحركوا نحو مصدر الصوت فـ وجدوها تجلس بالصالون أمام شاشة التلفاز وبجوارها على الأريكة النسناس المدعو “أشرف” يشاركها جلستها وتسليتها…….
حيث كان يجلس و “يقزقز” معها حبات اللب….
ابتسم جابر على هيئتهم واقترب منه يغمغم بمرح:
-بتقزقز لب !! تحب تحبس بكوباية شاي..ولا تحبس بسيجارة..أشرف هات سيجارة لـ أشرف….
وقبل أن ينفجر به أشرف…كان دلال تضرب على صدرها مرددة بخوف حقيقي من آثار الضرب على وجوههم:
-يا مصيبتي..مين اللي عمل فيكم كدة؟؟؟؟؟؟
تحرك عابد ودفع جسده على الاريكة…تاركًا الرد لـ خليل الذي وضح لها:
-متقلقيش يا أمي خناقة بسيطة وخلصت على خير…
-ما هو الخير باين على وشكم….اقول عليكم ايه؟؟؟ اتخانقت ليه يا واد منك ليه…وبعدين اتخانقتوا فين اصلا انتوا مش كنتوا في المطعم؟؟؟
أكد جابر يخبرها :
-اه ما الخناقة كانت في المطعم..وخدي التقيلة بقى بابا كان موجود..وازاز المطعم اتكسر….
ضربت على صدرها من جديد وقالت:
-شوف الراجل مقاليش حاجة وطلع نام ولا كأن في حاجة..ماشي يا سلطان…..
جاء نضال وهو يتثائب واضعًا يديه على فمه…مغمغم:
-انتوا جيتوا..م
ابتلع البقية متاملًا وجوههم قائلًا:
-ايه ده اللي في وشكم ده؟؟؟
-شوف يا اخي اكتر حاجة بكرها الغباء…هيكون ايه يعني اللي على وشنا ده مش باين يعني؟؟؟ اقولك على حاجة..انا و اخواتك ضربنا بعض كنا فاضين مش لاقين حاجة نعملها فـ أشرف قام مسك في خليل وانا مسكت في عابد……
نظر نضال نحو عابد وانتبه لملابسه والتي تتشابه لملابس العاملين لديهم..ضيق عيناه وسأله:
-انت إيه اللي انت لبسه ده؟؟؟
رمق عابد ملابسه والذي تناسى تمامًا أمرها ونسى أن يبدلها….مسح على وجهه ضيقًا وهو يجيبه:
-انا نسيت اغير…
وبخباثة شديدة عقب جابر:
-حقك ما أنت دماغك مش فيك….
جلس نضال وسأله مرة أخرى:
-برضو مقولتش ليه لابس كدة…
صرخ عليه جابر من بين اسنانه:
-وانت مالك انت…وبعدين اخرس بقى ها أخرس….
ارتفع حاجبي عابد بشك وتساءل:
-هو انت ملبستش اللبس ده قبلي ولا ايه…
وفي ذات الوقت رد عليه كلا من جابر ونضال..جابر يؤكد له..ونضال ينفي هذا….
تبادلوا النظرات ودهش نضال من كذب أخيه وقال:
-يا شيخ اتقى الله بقى..وبطل كدب بقى انا لبست كدة واشتغلت على الترابيزات…
ضحك جابر بغيظ وصوب حديثه لعابد:
-زهايمر باين…متاخدش على كلامه….
شعر نضال بالحنق يزداد داخله تجاه جابر خاصة لأنه يبتزه دائمًا وصاح:
-زهايمر في عينك…انت خليته اشتغل على الترابيزات ولا ايه…يخربيتك والله لـ اقول لابوك…
اعتدل عابد بجلسته وتساءل بحدة:
-هو محدش فيكم عمل كدة؟؟؟؟؟
-محدش…ده شكله ضحك عليك…انت مش هتبطل كدب بقى…
هنا وانفجر جابر به يصرخ عليه:
-لا حوش ياض الصدق اللي بينقط منك….انت ناسي الكدبة اللي كدبتها على داليدا والفيلم اللي عملته عشان تخرج من عملتلك المهببة…ناسي ولا افكرك يالا…
قطبت دلال حاجبيها بشك ونهضت ساحبة النسناس معيدة إياه داخل القفص الحديدي مغلقة عليه…عادة لأبنائها تستفسر منهم:
-تعالولي هنا بقى وقولولي كدبة ايه وعملتوا ايه؟؟؟؟؟
كز نضال على شفتيه غيظًا…ولم يجيبها أحد…
فصرخت عليهم:
-هو انا مش بكلم حد يرد عليا..عملت ايه يا نضال وكدبت على مراتك في إيه……
-مفيش ياما…
كان هذا جواب جابر قبل أن يتحرك ويصعد لغرفته غاضبًا من نضال الذي بدلًا من أن يغضب من عابد الذي اصطحبه لهذا الملهى وكان سببًا في كذبه على زوجته يصب و يوجهه غضبه تجاهه هو………
***************
اوقف «خالد» سيارته أمام منزلها…محركًا رأسه باتجاهها سعيدًا بتلك الليلة…والتي كانت هادئة رومانسية على غير العادة وتكاد تكون أجمل ليلة قضاها معها….فقد كان الاثنان بمفردهم ويتناولان العشاء بإحدى المطاعم…. متبادلان أطراف الحديث بالعديد من الامور..كما تبادلوا المزاح…ولم تفارق البسمة وجوههم…..
وقبل أن تهبط..تنهدت حادقة بعيناه تشكره على تلك الليلة بنبرتها الخجولة الناعمة الذي يعشقها ويذوب بها:
-شكرًا يا خالد على اليوم والعشا اللطيف ده.
-شكرًا ليكي أنتِ…وحقيقي النهاردة اليوم كان جميل بشكل فظيع….واكيد هيتكرر تاني…
لم تتحمل أن يطيل لقاء عينيهم أكثر من هذا وقالت وهي تتحاشاه:
-إن شاء الله بس وسام يبقى معانا…يلا تصبح على خير…
وقبل أن تهبط وتعود لمنزلها…خرجت حروف اسمها من شفتيه بطريقة سلبت لها وجدانها..وجعلتها تتوقف تلقائيًا.
-أبـــرار.
وبرقة شديدة إجابته وهي تنظر إليه بعفوية تلبي ندائه:
-نعم.
صمت للحظات يتأمل وجهها قبل أن يلقي عليها كلماته التي لم تتوقعها:
-عايز اقولك أني قبل ما اشوفك كنت فاكر اني مش هعرف احب تاني…بس طلعت غلطان وحبيتك يا أبرار…..حبيتك أوي لدرجة انا متوقعتهاش.
صدمة جلية ارتسمت على وجهها….مع تسارع ضربات قلبها…واختلال تنفسها….ليصبح غير هادئًا أو طبيعيًا بل مجنونًا للغاية يظهر ما أصاب قلبها من اعترافه….
استغل تلك الحالة التي سيطرت عليها والتقط يدها الناعمة..يقربها من شفتيه يطبع عليها قبلة شغوفة حنونة… هادئة…
جعلتها ترتجف وتسحب يدها كمن لدغتها افعى…. وتهرب منه هابطة من السيارة دون أن تودعه أو تنظر خلفها………….
*****************
-نــــــعم ! بتتصلي ليه؟
هكذا كان جواب «أشرف» على وعد والتي ظلت تُلح باتصالها عليه….ومع قراره بتجاهله وعدم الرد إلا أن قلبه جعله يحن ويجيب…
شقت البسمة ثغرها مدركة غيرته عليها وهذا ما جعلها بتلك السعادة..فالغيرة لا تعني شيء سوى انه يشعر نحوها بشيء..كما أن عيناه اليوم أخبرتها بما يحمله نحوها ولم ينطقه لسانه بعد……
-متصلة اقولك تصبح على خير.. وأني مبسوطة عشان قعدت معاك وشوفتك النهاردة….
زاد عبوس وجهه وكلمات الشاب عنها تتردد على أذنيه…..متمتم:
-وانا بقى مش مبسوط…وشعرك اللي جايبلنا الكلام ده هتغيري لونه يا وعد……
-اغيره ايه بس..ده عجبني موت….
ومن بين اسنانه قال:
-هتغيريه عشان شكله فعلا هيجبلك الموت وهيخليني امسكك من رقبتك مسبكيش غير و روحك طالعة…
تنهدت وقالت مغيرة مسار الحديث:
-طب سيبك من شعري دلوقتي قولي مخدتش بالك من الميكب اللي كنت حطاه انهاردة…ملفتش نظرك..ملاحظتش تغيير…
و رغم انتباهه بالفعل إلا أنه نفى هذا وقال:
-لا..ومتغيريش الموضوع….لون شعرك ده يتغير…أنتِ سامعة؟؟
وبهدوء مقررة مهاودته فقط وتمرير اليوم:
-إن شاء الله….صحيح مش فجر متقدملها عريس… ويبقى اخو إيمان صاحبتنا……
القت عليه ما تعمد مروان وأبناء أعمامه الحديث عنه بحضورها….. فلم تخيب ظنهم وقامت بالفعل بأخبار أشرف…والذي هدأت تعابيره وحزن من أجل أخيه…..ناهيًا المكالمة معها بهدوء شديد…..يفكر بما عليه فعله…
ايخبر أخاه الان ام ينتظر للصباح…وبعد تفكير دام لدقائق معدودة قرر أخباره بالصباح كي لا يعكر صفوه قبل ذهابه للنوم………
****************
في صباح اليوم التالي… هبط «أشرف» من غرفته….و سرعان ما تسلل إلى أنفه رائحة طعام الإفطار الشهي.. ليدرك باستيقاظ والدته وتحضيرها للطعام…
تابع سيره نحو حجرة الطعام كي يرى أخيه خليل مخمنًا بأنه قد يكون مستيقظًا…
دخل الغرفة فلم يجد سوى جابر يجلس على السفرة..القى عليه تحية الصباح بصوت متحشرج:
-صباح الخير…
رد عليه جابر والذي أنهى أذكار الصباح للتو…
-صباح النور.
-خليل لسة مصحيش صح؟
تحركت عين جابر على المقاعد الفارغة وعلى الفور أكد له:
-مش موجود واكيد مش لابس طاقية الاخفا..فبالتالي لسة نايم…
سحب اشرف مقعده وأخبره وهو يجلس بصوت خافض:
-وعد كلمتني امبارح وقالتلي أن فجر متقدملها واحد….
ضيق جابر عيناه وصاح:
-ربـــــــــاه…ما تلك الأخبار المشؤومة بهذا الصباح….
جاء خليل بتلك اللحظة وألقى عليهم التحية وهو يسحب مقعدًا هو الآخر..ويجلس رفقتهم…
ردوا عليه وبادلوه التحية..تزامنًا مع قدوم دلال و وضعها لصحن ما على الطاولة أمامهم مخبرة إياهم:
-حد يقوم ياخد معايا الأطباق…
نهض جابر مغمغم:
-انا جاي معاكي…
نهض بالفعل وقبل أن يلحق بها التقط نظرة الغضب بأعين أشرف وكأنه لا يرغب بأن يكون هو مُلقي هذا الخبر على أخيه….
توقف جابر ونهض أشرف قائلًا بنبرة ذات مغزى:
-خليك انت وانا هساعد ماما…
فهم جابر ما يريد وعقب غيابه جلس من جديد وقال ببسمة:
-ازيك؟
ابتسم خليل ورد عليه:
-الحمدلله بخير..ازيك انت؟
-الحمدلله…كنت عايز اقولك حاجة..بس مش عايزك تتضايق..وتعرف أن الجواز قسمة ونصيب….
اختفت بسمة خليل وتساءل بشك بسيط:
-مش فاهم منك حاجة؟؟ وبعدين هضايق من إيه؟! هو في حاجة حصلت؟
زفر جابر وقال دفعة واحدة:
-بص من الاخر كدة وعلى بلاطة…فجر متقدملها واحد وعايز يتجوزها….فـ يا تلحقها وتبطل برود…يا تلغي فكرة انك تتقدملها قدام..لأن تقريبا عقبال ما تفكر وتاخد الخطوة هتكون هي اتجوزت وخلفت وعيالها كبروا….
طل الحزن الشديد من أعين خليل……
ابتلع جابر ريقه وقبل أن يتفوه بأي شيء إضافي قد يزيد حالته سوءًا…نهض خليل بعد أن فقد اي ذرة عقل قد تحلى بها يومًا….غير مباليًا بالوقت…وبأنه لا يزال باكرًا وتحرك قاصدًا منزل عائلتها…فلن يسمح بأن يسلبها آخر منه…فقد عشقها ودق قلبه لها بجنون دون أن يراها حتى وبناءًا على هذا لن يتركها وستكون له رغمًا عن أنف الجميع…………………………
يتبع.
فاطمة محمد.
وكدة اقدر اقول اننا هنرحب ونبدأ قصة خليل وفجر وهنشوف خليل تاني خالص….و زي ما قولتلكم قبل كدة استنوا جابر بثوبه الجديد..بقولكم استنوا خليل بثوبه الجديد… ❤️🫂
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.