رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل السادس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل السادس والأربعون:
ارتفع حاجبي “مؤنس” عقب استماعه لرد الأثنان الموحد عليه، قائلًا بمزاح محاولًا تبديل تلك الأجواء العدوانية الذي لا يدرك سببها:
-في ايه يا شباب مالكم داخلين حاميين عليا كدة ليه..متحسسونيش انكم مش طيقني.
هز “جابر” رأسه بأيجاب على الفور يؤكد له، وهو يُخيل بذهنه مشهد جلوسهم معًا..واحتسائهم لمشروب ما بمفردهم بذلك الطقس الشتوي:
-دي حقيقة، ما شاء الله عليك لميح وبتفهم.
ارتخت قسمات مؤنس وحدق بكلا من جابر ونضال..وما هي إلا ثواني تُعد على انامل اليد الواحدة حتى صدحت ضحكاته مردفًا من بينهم:
-فهمت..انتوا بتهزروا معايا..بس هزاركم تقيل شوية..بس يلا مش مشكلة..تعالوا..ادخلوا..
افسح لهم يشير لهم يحثهم على الدخول مما اوحى لهم بأنه صاحب المكان وهم ضيوف لديه…
شارف نضال على الدخول ومتابعة مكالمته مع داليدا التي استمعت إلى صوت “مؤنس” مما جعلها تتقن صدق حديثه…فقد جاء حقًا من أجلها…بالفعل هو أحمق..أحمق كبير……
انتفضت وظلت تدور حولها لا تدري ما عليها فعله….وبعد لحظات من التشتت والتية اخذت ملابس لها ودخلت دورة المياه….
توقف نضال ولم يدخل ويستجيب لدعوة مؤنس لإمساك جابر بمرفقيه قائلًا بحدة وصوت لا يبالي إذا كان عالي ام لا:
-انت رايح فين..هو احنا بنشحت منه..ايه اللي تعالوا..ادخلوا…
نفض نضال ذراعيه وعقب:
-يا عم سبني وبعدين هو انا جاي عشانه اصلا؟؟ ولا ده اصلا شاليه أبوه؟! ده شاليه ابو مراتي.. حمايا حبيبي..وانا اللي هقولك خش..تعالى يا جدع..اعتبره شاليه أخوك..
وبالفعل دخلوا واستمعوا أخيرًا إلى صوت “ثراء” التي قالت وهي تمد يدها بفنجان القهوة تعيده إلى مؤنس موجهة كلماتها إلى نضال متجاهلة جابر تمامًا وكأنه نكرة:
-داليدا عارفة انك هنا؟
أوشك مؤنس على أخذ فنجان القهوة الخاص به، لكن سبقه جابر ملتقطًا إياه من يدها…متمتم باعتذار لها:
-معلش بس سقعان…ده ايه ده؟؟
نظر داخل الفنجان فوجد قهوة فقال تحت نظراتها المستنكرة المستشاطة من فعلته السخيفة:
-الله قهوة جت في وقتها انا مصدع وهتعمل معايا احلى شغل دلوقتي…
أما نضال فـ في ذات الوقت لم يجيب على استفسارها وتذكر أمر داليدا..نظر بالهاتف كي يتابع حديثه معها فوجدها قد اغلقت…..
أشار مؤنس لهم نحو الباب الداخلي للشاليه وهو يكبح ضحكاته بصعوبة فالاثنان يتصرفان كالاطفال تمامًا:
-اتفضلوا..مش هنفضل واقفين كدة..
في تلك الأثناء انفرج الباب وخرج مروان بملابس رياضية ثقيلة تناسب الجو قد يراها البعض لا تناسبه وقد يراها البعض تلائمه…أما هو فقد راقت له كثيرًا…
بدأ برفع ذراعيه وخفضهم بحركات متتالية وهو يحدث نفسه ويحاول تنظيم أنفاسه أخذًا شهيقًا ثم يزفره على مهل:
-يلا يا مروان….واحد.. اتنين…تلاته…. أربـ
بتر جملته وتوقف شاعرًا بالصدمة من تواجد هذان الشابان أمامه و برفقة ابنته ومؤنس..
لم يصدق وكذب عيناه رافعًا أنامله يحكهم، مغمغم بخفوت وحيرة:
-أنا لسه نايم ولا إيه؟؟؟ ولا انا لسة في القاهرة !!
أزال يده عن عيناه فوجدهم لا يزالون قبالتهم..فقال بذهول:
-لا مش بحلم…انا صاحي اهو..
تحرك يقترب منهم وعيناه تجوب حوله يتأكد من تواجده بالشاليه فوجده هو بالفعل:
-ولا كمان في القاهرة….اومال دول إيه اللي جابهم !!!!
انتهى موجهًا سؤاله لهم مباشرة وبقسمات غاضبة:
-انت بتعمل ايه هنا ياض أنت وهو وجيتوا ازاي؟؟
رد جابر ببسمة سمجة:
-جينا بالعربيات…وبنعمل ايه هنا فأسال نضال هو اللي عارف..عشان أنا مش عارف ولا فاهم…اهو عندك..
حول مروان بصره تجاه نضال الذي صاح بتهكم:
-انت بتقول ايه؟؟؟ مش انت اللي قولتلي انا وأخواتك يلا نسافر عشان عمو مروان وحشني…واول ما وصلنا سبناهم في الشاليه وجرتني على ملأ وشي لهنا عشان برضو اونكل مروان وحشك…
اتسعت عين جابر وصاح باستهجان:
-أنا كل ده !!!!!!! انت هتستعبط…وبعدين إيه وحشني دي؟؟ وهيوحشني ليه اصلا !!
تحسس نضال جبينه وغمغم:
-لا مش سخن اومال مالك…
زفر مروان وصاح بهم:
-انتوا هتتخانقوا…تعالوا ندخل…يلا..
تحرك معه الاثنان ومؤنس وثراء بالخلف يبتسمون مما حدث بين الثلاث…..
وطأت قدم نضال للداخل…وما هي إلا خطوة..اثنان..ثلاث..حتى وجدها تظهر أمامه والتوتر يرافقها..تتحاشى النظر اليه بحضور من معه..
طالعها مروان بشك وصاح:
-أنتِ كنتي عارفة أنه جاي ولا إيه؟
نفت داليدا سريعًا فنظر نحو نضال فوجده يحملق بها…تقدم منه وحرك له راسه يجبره على النظر إليه هو متمتم:
-عينك يا حبيبي..بدل ما اخزقهم…
كز نضال على أسنانه وأخبره بحنق:
-عيني مين يا عمو دي مراتي..
-عمك دبب..وأنتِ متقفيش كدة خشي هاتلهم ماية ولا اعملي شاي…يلا..
تحركت بالفعل وجلسوا معًا فحاول جابر قدر الإمكان ألا ينظر إليها كي لا يجبرها ابيها على النهوض…فيكفيه تواجدها حوله حتى ولو كان لا يستطيع الحملقة بها…
ضرب مروان على قدميه وتساءل:
-قولتولي بقى إيه اللى جابكم هنا؟
رد جابر بهدوء واحترام رآه مروان لا يناسبه:
-رجلينا يا فندم…خرجنا بيها من البيت..لحد العربيات..وبعد العربيات نزلنا منها وجينا على هنا….
ابتسم له بسماجه وكاد يجيب لولا ضحكات مؤنس التي انفلتت..رمقه مروان وصرخ به:
-بتضحك على ايه أنت….وبعدين انتوا ايه اللي مصحيكم..ده انا كنت فاكر نفسي أنشط واحد وأول من صحي…
وجه الأخيرة له ولثراء معًا…أوشكوا على اجابته لولا جابر الذي اوقفهم باجابته الهامسة لـ مروان و الهادئة بذات الوقت يوضح له :
-بعد اذنك يا عمو حابب اضيف انهم مش صاحيين وبس لا..هما كمان اللي فاتحوا لينا..وبنتك المصونة كان في ايدها فنجان قهوة وكوباية شاي..و واضح انهم كانوا قاعدين سوا وبيرغوا..وقبل ما ياخد منها فنجان القهوة..اخدته أنا وبشرب منه اهو…
اعترف له متأملًا أن يكن مروان الحل والحاجز بين الاثنان…فهناك غيرة وآلام اخترقت قلبه عندما رآهم سويًا….
ضيق مروان عيناه وتسللته الغيرة وقال:
-لا يا شيخ؟؟ انت متأكد؟؟
-اه اقسم بالله.. أنا مش بكدب وعندك نضال اساله…..
نظر نحو نضال فوجده ينشغل بهاتفه فلم يعلق…وانزعج من جلوس ابنته مع مؤنس بمفردها..
أما نضال فكان بعالم اخر..لا يسمع أو ينتبه لما يحدث حوله…فقد كان يفكر بما عليه إرساله لها عبر الواتس اب…خرجت حاملة كوبين من العصير و وضعتهم أمامهم..ابتسم نضال عليها وراقب جلوسها معهم وتجنبها حتى الآن النظر بعيناه وحرمه من التطلع والتمعن بعيناها..فأرسل لها قائلًا
“أليس من حق المشتاق نظرة أو عناق”.
دوى صوت الرسالة فالتقطت الهاتف وقرأت محتواها وعلى الفور تقوس فمها بابتسامه وتجرأت رافعة عيناها تنظر له…
تسللت السعادة إلى قلبه من تلك النظرة وعاد يكتب لها:
“طب خدنا النظرة…فين العناق؟ ”
أجابت عليه بأربع كلمات فقط:
“مفيش كفاية عليك كدة”
لاحظ مروان تحدثهم هذا فنهض وهو يعيد رفع ذراعيه يقول لهم:
-طب يلا يا شباب…عشان نلعب رياضة..الرياضة حلوة هتنشط ذهننا..وتدفي جسمنا..يلا..
تبادل نضال وجابر النظرات ونهضوا الاثنان وقبل أن يفروا هربًا منه، عقب جابر:
-لا مع نفسك بقى….يلا ياض يا نضال…..عن اذنك يا اونكل اخواتنا مستنينا…
*********************
-وحشتك صح؟؟
رددها أشرف بترقب و بصوت خافض يكاد يُسمع متحدثًا مع ذلك القط الذي لا يزال داخل الصندوق الخاص به..فقد جاء به معه كي يسعدها..وكي لا يجعله مع أحد غيره..فقد وضعته في عهدته وأمانته…متجاهلًا تمامًا الشباب من حوله ومزاحهم معًا..
مط شفتاه وتابع كأنه يدرك إجابته:
-وانا كمان وحشتني…ودي حاجة غريبة..وعجيبة..
انتهى فاتحًا له يحرره من ذلك الصندوق سامحًا له بالانطلاق والتحرك بحرية داخل المنزل كي يستكشفه…..
تنهد “أشرف” وانتهز انشغال الشباب بالأحاديث مبتعدًا عنهم بقدر كافي يسمح له بالحديث معها بحرية…
ردت عليه بصوتها الناعس وجفونها المغلقة فكانت على وشك الغط في نوم عميق من جديد لولا اتصاله هذا الذي انتشلها وحرمها من النوم:
-ألو..
-وعد فوقي كدة واسمعيني كويس اوي..
فتحت عيناها ولاح القلق على وجهها..وهي تنهض بهدوء تتساءل فنبرته الحاسمة الجدية اربكتها :
-في إيه؟؟
آتاها صوته قائلًا بذات النبرة:
-احنا لازم نتجوز في أسرع وقت…لازم..
عقدت حاجبيها تلقي سؤالًا آخر:
-ده اشمعنا ده ؟!!!! ليه الاستعجال ده احنا مش متفقين بعد ما اخلص السنة دي و
قاطعها بلامبالاه يتابع بذات الجدية:
-أنا مليش فيه..ومياكلش معايا جو المماطلة ده… دلوقتي بتقوليلي امتحانات بكرة تقوليلي ظروفي..والدنيا..وانا لسة بكون نفسي…وهتسبيني في نص الطريق بعد ما خدتي غرضك مني…..
ومع هتافه الأخيرة أدركت مزحه معها…اغمضت جفونها وتنفست الصعداء..تعلق بحنق:
-تصدق انك بايخ..وخضتني..وفي الاخر بتهزر
-بهزر !!! هو أنتِ اهلك علموكي تعملي كدة في ولاد الناس؟؟؟؟ أنتِ بوستيني يا وعد بوستيني !!!!
حكت عنقها بتوتر مما فعلته فلا تدري من أين أتت بتلك الجراءة كي تبادر بشيء كهذا..وبقدر المستطاع حاولت إخفاء تلعثمها وحرجها قائلة بلامبالاه وسذاجة زائدة:
-وايه يعني…بقولك ايه انت كلت دماغ امي على الصبح….
ضرب على صدره مصدرًا شهقة خافضة متمتم:
-وايه يعني إيه؟؟؟ هو أنا مش صعبان عليكي ؟! طب ابنك اللي في بطني….
-استغفر الله العظيم يارب وبعدين بقى في الفيلم الهندي اللي على الصبح ده….
ضم شفتاه باسف معلق:
-وآسفاه على امرأة كنت أظنها تعشقني وسلمتها اعز ما املك…وهي بالحقيقة خدعتني وكانت تطمع بي..
ردت بنفاذ صبر متناسية أمر شقيقتها النائمة جوارها:
-يا بني متجننيش على الصبح الله يباركلك..أنا ببقى صاحية خلقي في مناخيري…..
ابتسم وقال يحاول الاستمرار ومتابعة مزحه معها:
-طب بصي اكتبي عليا وبعدين نطلق مش مشكلة بس متسبنيش كدة…
مسحت على وجهها ولم تجد حل سوى مجاراته كي ينهي تلك المهزلة:
-طيب حاضر..هاخدك ونكتب ورقتين عرفي و
قاطعها متمتم باستنكار:
-نعم يا حبيبتي…انا مش بتاع عرفي يا ماما..انا بتاع رسمي….
انتهى مطلقًا ضحكات عالية جعلتها تنظر بالهاتف تقسم على جنونه…
نطق أشرف من بينهم بصعوبة:
-ايه رأيك في أدائي..
ردت ببسمة زائفة:
-بسم الله ماشاءالله أداء زي الزفت…..حد يعمل في حد كدة على الصبح…
-هو المفروض مدام انا عملت يبقى فيه..المهم نكلم جد شوية بقى…عارفة ايه اكتر حاجة مضيقاني؟؟؟؟
اعتراها الفضول واستفسرت بهدوء:
-ايه؟؟؟
-انك معملتيش حاجة…كان نفسي تكوني عملتي بجد..بس مش مشكلة ملحوقة..
تحدث بنبرة ذات مغزى…ربما تكون وقحة..أو فظه..لا يهم…ما يهم أنها قد استفزتها واثارت اعصابها معقبة بغيظ:
-انت…انت قليل الادب و…
رد عليها ضاحكًا:
-وافتخر…….يلا اقفلي كفاية عليكي كدة..سلام يا وعدي…
اغلق معها والتفت فوجد كلا من خليل و خالد و وسام يقتربون منه….وخالد يتساءل عما يحدث معه:
-ما ضحكنا معاك..الواحد محتاج يضحك والله…
رد عليه بمرح وبسمة لم تفارق وجهه:
-وماله اضحكك..قولي بتغير منين وانا ازغزغك…
قرع جرس الباب بتلك اللحظة وتحرك خليل كي يفتح فركض وسام يسبقه يرغب في فتحه هو…
وبالفعل قام هو بفتح الباب لكلا من جابر ونضال….
اتسعت عين جابر بمرح وحمل وسام بطريقة مرحه معلقًا إياه على كتفيه مغمغم بفكاهه مصوب حديثه إلى الجميع:
-طيب يا رجالة بما انه مفيش غدا..فـ أنا بقول وسام موجود ويكفينا….
صرخ الصغير صرخات لم تكن خوف..او رهبة بل لهو ومرح..مدركًا بأنه يمزح ليس إلا…..
وافقه خالد وهو يقترب منهم:
-أنا بقول كدة برضو….
اتسعت عين الصغير وقال من بين ضحكاته العالية:
-لا يا بابي..انا وسام… ابنك….متاكلنيش…وبعدين أنا صغنن مش هشبعكم…انتوا عايزين واحد كبير…خدو جابر…عشان تخين وبكرش…
جحظت عين جابر الذي يحمله واتجه نحو الأريكة المليئة بالأتربة مغمغم وهو يدفعه أعلاها:
-مين ده ياض اللي تخين وبكرش..ده سكس باك يا جاهل….
نفى نضال وقال ساخرًا:
-بصراحة كدة بقى أنا مش شايف سكس..بس شايف باك مدورة……
-ما تبص لنفسك يا ظريف…ده انت كرشك سبقك وبيمشي قدامك…..
رددها جابر وهو يبتعد عن الصغير…..بينما صاح خالد بهم:
-بس….استوب انت وهو….هو احنا في حضانه؟!!
رد نضال ببسمة غليظة:
-لا في شالية…
انتهى مطلقًا ضحكة دوت بالإرجاء سعيدًا برده الاستفزازي…
ضرب أشرف كف بالآخر ثم قال:
-بقولكم إيه احنا مش هنقدر ننظف الشاليه كله..احنا نشوف اوضتين ننظفهم ونقعد فيهم…ونعمل هنا مطرح ما هنقعد بس…نضال..جابر روحوا شوفوا حاجات التنظيف فين و هاتوها ويلا…
وضع نضال يده أعلى خصره وقال بتهكم:
-يا سلام واشمعنا نضال يعني..
رد جابر مسبقًا اشرف:
-انت اطرش ياض..ما قال نضال وجابر..انت تكلم لو كان قال نضال بس…
رفع حاجبيه واستحسن الحديث ثم تحرك معه…بعد ثوانِ جاءوا بأدوات التنظيف وقرروا الاتجاه للأعلى وتقسيم ذاتهم إلى فريقين….وكل فريق مكون من ثلاث افراد….فتحرك جابر وخالد و وسام نحو غرفة…و كلا من خليل وأشرف و نضال بالغرفة المجاورة…..
ولج جابر وأضاء الانوار بعد أن بحث عن مكانها…تاركًا أدوات التنظيف التي في يده…ملقيًا بعض التعليمات على خالد و وسام وهو يجوب الحجرة بعينه ويقف بمنتصفها:
-شوفوا بقى…انتوا شيلوا الملايات الوسخة دي…ونفضوا السراير وافرشوا غيرها..وبعدين خشوا على الأرض اكنسوها وامسحوها..عايزها بتبرق كدة..
وبتلمع…
التوى ثغر خالد للجانب وصاح به يسخر منه ومن حديثه:
-ولما احنا نعمل كل ده انت هتعمل ايه؟؟
رد ببساطة شديدة:
-انا عملت خلاص وقولتلكم هتعملوا ايه…ولعلمك دي اصعب حاجة…يلا..عيش انت وابنك….
كاد يتحرك فأمسك به خالد و وقف أمامه مغمغم باسلوب مشابه لاسلوب جابر:
-ولا.. انت الادب والاحترام والذوق مش نافعين معاك….وفكرني محترم وابن ناس..بس لا ده انا محامي صايع أوي….
لاح عدم التصديق على قسمات جابر..فرفع يده وربت على كتفيه بسخرية قائلًا:
-طيب يا عم الصايع يلا نظف انت وابنك القرشان ده…
انتبه وسام لاسمه ونعت جابر له بما لا يفهمه..لكن شك بانه قد يكون شيء سيئًا:
-اهو انت اللي قرشان…وسام مش قرشان..عـ
كاد يكمل لولا رؤيته لذلك (الصرصور الطائر) والذي ظهر من العدم..صرخ الصغير وبدأ بالركض بأنحاء الغرفة…
حدق خالد و جابر به بهلع وكاد جابر يستفسر عن سبب صراخه حتى التقطت عيناه ( الصرصور) فصاح وهو يركض يحاول الابتعاد عنه:
-يالـــــهــــوي……صرصار….يا خالد….وبيطير……احيييه…موتوا بسرعة….اعمل حاجة..اقولك اديلوا بالشبشب….
تحرك خالد وحاول فعل شيء بوجهه منكمش اشمئزازًا….اما جابر فأخذ الصغير واختبئ أسفل الفراش………
جاء اشرف وخليل ونضال على أصواتهم ودخلوا إلى الغرفة…فلم يجدوا سوى خالد ويحاول النيل من تلك الحشرة الطائرة….جحظت عين نضال وبدأ بالتهليل تحت تحرك اشرف وخليل يساعدون خالد في قتله :
-صرصار و بيطير يالهوي…..حد يموتوا بسرعة…
و اثناء القائه لكلماته ظهر واحدًا آخر فصاح نضال وهو يهرول واقفًا أعلى الفراش يقفز عليه مشيرًا بإصبعه تجاه الآخر الذي ظهر:
-دول بقوا اتنين…شكلهم صرصور و صرصورة مشقوطة…
وصل إليهم صوت جابر القابع أسفل الفراش ينهر أخيه الواقف فوقه:
-متظلمهوش يا نضال يمكن تكون مراته…. وبعدين بطل دبدبه على السرير…بدل ما اطلع ادبدب انا على دماغ اهلك……
دقائق وكان ينجح الثلاث شباب في قتل الاثنان….فتساءل جابر قبل خروجه:
-خلاص آمان ؟؟
رد نضال الذي تنهد براحة وبات جالسًا على الفراش:
-اه أطلع…..
وبالفعل صعد هو و وسام….
نظر له الثلاث…ثم نظروا لنضال ….وعلى الفور صاح أشرف باصقًا عليهم:
-اسفوخس على الرجالة….
رد جابر يدافع عن ذاته:
-على فكرة متفكرنيش خايف…انا كان ممكن اقتله..انا بس خوفت على وسام..كنت بحميه….وبحتويه.. أسأله..
بينما صاح نضال قائلًا:
-وانا كنت بشجعكم…لولا تشجيعي ليكم مكنتوش عرفتوا تصطدوهم….
************************
اتسعت عين وعد صدمة مما يتفوه به مروان ويطرحه على مسامع عائلتها الذين استيقظوا منذ وقت ليس بكثير وللتو أدركوا بمجئ أبناء سلطان…..
فصاحت تقاطعه بعدم تصديق واضح على قسماتها التي ضاقت:
-بتهزر…قول انك بتهزر يا مروان….
ضم مروان شفتاه غيظًا وانحني بجسده قليلا كي يخلع حذائه وهو يعبر عن استيائه من مناداته باسمه:
-هو مروان ده بيلعب معاكي في الطينة يا حيوانة وبعدين ههزر معاكي ليه؟!
منعته علياء من خلع حذائه مهدئه إياه ببعض الكلمات…وتحدث البقية عما عليهم فعله معهم..فلا يجوز معرفتهم بتواجدهم…وعدم التحدث معهم كي يقضيون معهم بعض الوقت….غير عابئين بـ وعد التي شعرت بأنها تحلق بالسماء من شدة السعادة لمجيئه وتواجده….
لم يفيقها سوى صوت سليم وهو ينهض يخرج هاتفه، مغمغم:
-أنا هكلم نضال وهعزمهم يجوا يقعدوا معانا…….
منعت وعد بسمتها وفرحتها بقدر الإمكان لكن رغمًا عنها ظهرت وارتسمت على وجهها…رآها بسام وصاح بنبرة مشاكسة ذات مغزى:
-ياريت…اصلهم وحشوني من امبارح..وبذات أشرف……وحشني اوي….
فهمت تلميحه الماكر واخفت بسمتها خجلًا…غافلين تلك المرة عن حالة وئام فقد كانت بعالم آخر سعيدة…لحضوره وتمكنها من رؤيته والحديث سويًا…ربما يتمكنوا من حل الخلاف بينهم……..
**********************
بعد وقت حضر الشباب بعد أن وافق “نضال” على دعوة سليم للحضور والجلوس معهم..
فتح لهم بسام مرحب بهم بابتسامة بشوشة…لم تختلف عن استقبال البقية لهم…كما تلاقت اعين كل واحدًا منهم بزوجته….وكذلك خالد مع أبرار… أما جابر فكان من طرف واحد..فلم يقابل سوى التجاهل من تجاهها…..
ترك “وسام” والده وتحرك من جوارهم يرحب بالفتيات اللواتي قامت كل منهما بحمله وتقبيله وبالنهاية استقر داخل أحضان “أبرار”.
بحثت وئام بعيناها المتلهفة عنه فلم تجده..كان غائبًا مثلما فعل أمس….تملكتها خيبة الأمل…وشعرت برغبتها بالجلوس بمفردها…..
على الجانب الآخر..رفع أشرف يده الحاملة لصندوق القط أمام أعين وعد التي لم تنتبه إليه حتى لتركيزها معه هو فقط……..وشرودها بعيناه…
تفاقمت سعادتها فقد تناست تمامًا أمر القط…أما هو فلم يتناسى شيء يخصها..
-بتهزر…انت جبته معاك بجد…تصدق وحشني…
قالتها وهي تخرجه من الصندوق…ضاممة إياه إلى أحضانها….مقبلة إياه….
علق أشرف وحدقتاه لا تنزاح عنها:
-مكنش ينفع اسيبه…
ما لبثت أن تتحدث حتى آتاها صوت مروان المتهكم:
-أنتِ كله عندك بيهزر معاكي !!!
لكزه بسام كي يلزم الصمت بينما لم تجيب هي عليه…
ضاقت عين مروان وهو يتساءل عن “عابد”:
-اومال فين عابد ؟؟؟؟
رد عليه جابر بهدوء:
-كان جاي..وحضر الشنطة ولسة هنركب العربية جاله تليفون من العمال اللي شغالين في الصالون..وطلع حصل معاهم مشكلة..وعايزينه ضروري..
أكد نضال وأضاف على كلمات أخيه الكاذبة:
-مقلكوش اضايق ازاي..كان نفسه يجي…وقال هيحاول يحل المشكلة وهيحصلنا….
التوى ثغر وئام متيقنه من كذبهم…..ولم تتحمل التواجد أكثر من هذا وهمست لوالدتها الواقفة بجوارها:
-ماما انا مصدعة اوي..وحسة اني تعبانة هطلع انام شوية..
ربتت على ذراعيها وهمست لها بموافقة:
-ماشي يا حبيبتي اطلعي…بس عدي على اوضتي انا وابوكي وهتلاقي شريط مسكن على التسريحة انا جيباه معايا خدي واحدة ونامي…..
-حاضر.
صعدت بالفعل و ولجت الغرفة واغلقت الباب عليها بأحكام….ظلت تدور بها….ترمش بأهدابها..ويدها تتحرك لاعلى وأسفل بحركات متتالية أمام مقلتيها تحدث نفسها:
-متعيطيش…اوعي تعيطي..تبقي عبيطة وهبلة وضعيفة لو عملتي كدة..وأنتِ مش ضعيفة…أنتِ قوية……
تقدمت مع قولها الأخيرة من المرآة تنظر بانعكاسها…ثواني مرت وكانت دموعها تهبط وتلفح بشرتها…مشفقة على ذاتها مما تراه منه وتراه من أشقائه نحو وعد و داليدا…فكلما تعشمت بشيء قد يفعله من أجلها ويثبت لها عشقه..يحدث العكس تمامًا ولا تجد سوى التجاهل… واللامبالاة.
مسحت عبراتها وتحركت مرة أخرى وجاءت بهاتفها تلك المرة…وبدلًا من محادثته وجعله يستمع لصوتها الباكي جاءت بـ الواتس اب وارسلت له:
“واضح أني كنت غلطانة لما افتكرتك بتحبني ولما حاولت اعمل حاجة عشانك.. وأحب اقولك انك كداب يا عابد…انت اكبر كداب قابلته في حياتي…..”
كتبت تلك الكلمات وراجعتهم بعيناها ثم أخذت نفسًا عميقًا وهي تكز على اسنانها مرسلة إياها له…..وعلى الفور وصلت إليه…لكنه لم يقرأها بعد.
خرجت من الواتس اب وظلت تراقب شاشة الهاتف تنتظر رده..
هزت قدميها وبذهنها يدور الكثير والكثير…لم ينتشلها منهم إلا صوت رسالته…
قرأتها من الخارج كي تستجمع ردها اولًا..ثم تفتحها وتجيب على الفور..
وكان رده كالاتي:
“واضح اني كنت غلطان لما افتكرت انك ممكن تحبيني ولما حاولت اوجهك للصح…واحب انا اللي اقولك انك عايشة دور المظلومة…ولو رجعنا لسبب كل اللي حصل وبيحصل فهو أنتِ مش أنا خالص… وفكك مني وانبسطي…مش كنتي رايحة تنبسطي برضو؟؟”
عضت على شفتيها من رده البارد …المستفز…والسخيف للغاية…..انتظرت لحظات ثم فتحتها مجيبه:
“ما أنا فعلا بنبسط…واحلى حاجة انك مجتش مع اخواتك..عشان كنت هتخنقني….وهحس اني فيه حاجة خنقاني…وانبسط انت كمان….انبسط حلو”
انتهت مرسلة إياها له…ثم بعثت على الفور ملصق عبارة عن فتاة تتطاول بيدها وتمدها على من أمامها…..
اغتاظ من هذا الملصق واحتفظ به على هاتفه…ثم أجابها:
“وانا ميرضنيش خنقتك برضو …وعلى فكرة انا مبسوط..انبسطي أنتِ بقى”
ارسلها..ثم رافقها بذات الملصق الخاص بالفتاة…..
قرأت كلماته…و رأت الملصق الخاص بها..
ضاقت عيناها وهي ترسله مجددًا ملاحقة إياه بتلك الكلمات:
“متبعتش الاستيكر بتاعي..ومتمدش ايدك”
“أنتِ اللي مديتي الأول….وبعدين ده مش بتاعك اي حد ممكن يخليه عنده ويبعته..”
ارسلها مرفقة مع الملصق مجددًا مما جعلها تتفاقم غيظًا، باعثة له:
“لا مدام انا اللي بعتاه يبقى بتاعي..متبعتهوش..”
رد عليها بكلمة واحدة:
“وماله”
ظنت بأنه هكذا قد استجاب لحديثها…لكنه على الفور اسرع بارسال هذا الملصق عدة مرات متتالية…فلم تصمت بل بحثت عن ملصق اخر يتطاول بيده وبعثته مرات متتالية….وكأنهم بصراع…صراع لا يليق بهم ولا بعُمرهم……….بل طفولي للغاية…..
بالأسفل…
جلس بسام أمام “خليل” و بالمنتصف طاولة يتواجد عليها (دومينو) يقوم خليل بتحريكهم دون أن يظهر شيء منهم…فصاح بسام ببسمة واسعة:
-خلي بالك انا حريف دومينو…..
وصل إليهم صوت أيهم الساخر:
-والله ده من امتى ده؟ ده انا ولا مرة شوفتك بتلعبها….
جاءت فجر التي كانت على وشك دخول المطبخ كي تساعدهم بالداخل في إعداد طعام الغداء…
مدافعة عن والدها:
-لا يا عمي بيلعبها…بس على الموبايل..اون لاين..انا شوفته….
ضحك بسام وقال:
-شوفت…بنتي حبيبتي شافتني….تعالي بقى هاتي كرسي واقعدي جمبي عشان متفائل بيكي..و وشك هيطلع حلو عليا وهكسب..
ازدرد “خليل” ريقه وتساءل بسره عما يحدث…فلو جلست حقًا سيخسر لا محال..فلن يستطع التركيز..وسيفقده باكمله ويصبه في محاولته كي لا ينظر إليها………..
حدق بالمقعد التي ازاحته من مكانه قليلًا وجلست عليه على مقربة منهم …..فرغم عدم رؤيته لها……وتواجد ذلك النقاب على وجهها..وعيناها الذي لا يستطع التمعن بها… إلا أنها تفعل به بالأفاعيل…فقد عشق قلبه روحها قبل أن يرى ملامحها…..
بدأ اللعب مع أبيها يجهل عما يحدث معها هي الاخرى….فرغم عنها سرقت نظرة إليه تتذكر ما استمعت إليه اليوم عند ذهابها لإيقاظ أبيها وأمها….
“انت بتقول ايه يا بسام….خليل ابن سلطان ودلال عايز يجوز فجر!!!!! أنا بنتي لسة صغيرة..انا مش موافقة..قوله لا”….
قالت مريم كلماتها بصدمة وخوف من ابتعاد ابنتها عنها لا تصدق بأنها قد باتت عروس ويأتي الرجال الى بابها راغبين بها كزوجة….
رد بسام بتأفف:
“في ايه يا مريم بنتك مين اللي صغيرة…وبعدين هو خليل ده يتقاله لا؟؟ ده اللي زيه بقوا قليلين…الواد مبيرفعش عينه في واحدة من البنات…”
عقبت على كلماته بحنق:
“واشمعنا بنتي يعني…بلاش يا بسام أنا..
قاطعها قائلًا بأسف ساخر:
“مفيش بلاش الولد كلمني وانا قولتله يجي لما نرجع..”
عادت فجر بعقلها معهم بعد تذكرها لما استمعت إليه……….متابعة والدها وكيف شارف على الفوز على خليل…..الذي كان رغم عنه يراها بجانب عيناه لجلوسها قبالته تقريبًا..
خرجت ابرار من المطبخ بمفردها كي تصعد وترى وئام وتطمئن عليها مثلما طلبت منها علياء المنشغلة بتقطيع البصل….
وجدت امامها خالد والذي وقف محافظًا على تواجد بعض المسافة بينهم مدركًا بمتابعة “إياس” أبيها له……
متسائلًا عن ابنه:
-اومال فين وسام؟؟؟
أشارت نحو المطبخ تخبره بتواجده بالداخل:
-جوه مصمم يحشي المحشي معانا…
ابتسم لها ولم يرغب بالإيطال احترامًا لأبيها وللجميع مغمغم:
-اها…تسلم ايدك مقدمًا…
ردت بخفوت وخجل يهيم به ويطيح بقلبه:
-الف هنا على قلبك….
تحرك غائبًا عن عيناها..فتنهدت متسائلة بسرها “متى سيأتي اليوم التي تكون به زوجته على سنة الله ورسوله”
**********************
ابتعد جابر عن الجميع واقفًا في زاوية تكاد تكون فارغة بعيدة عنهم..يجيب على مكالمة “أروى”….
-ازيك…اخبارك ايه وعاملة إيه؟
لاحت شبه بسمة على وجهها معلقة بهدوء:
-هما كلهم واحد على فكرة…كان كفاية حاجة واحدة…
حك دقنه وهو يبرر بمرح:
-لا اصل انا كريم أوي…
تنهدت محاولة طرد ما يعتريها من مشاعر ناقمة، متمتمة:
-ماشي يا استاذ كريم..المهم عايزاك في موضوع انت فاضي؟؟ يعني وقتك يسمح دلوقتي اكلم معاك فيه؟؟
أكد لها بترقب:
-فاضي ..اتكلمي يا أروى.
-انا انهاردة صحبتي عدت عليا في البيت..عشان نروح الدرس سوا..بس أبيه زاهر مرضيش..وقالي مش هتروحي في حتة وملكيش نزول….
استشاط جابر مما فعله أخيها معها، وقال من بين أسنانه مترقبًا لبقية حديثها:
-وبعدين؟؟
-بعدين انا سمعت كلامه و مروحتش في حتة وصاحبتي مشيت…وانا عايزة منك تكلم بابا…انت لو كلمته وقولتله يسبني اروح الدروس هيوافق…وبابا هيقف في وش أبيه زاهر…
كان على وشك التحدث لتقاطعه وهي تترجوه كي لا يرفض ويلبي لها طلبها:
-عشان خاطري متقولش لا…انا لو فضلت قاعدة في البيت هتخنق…و
بترت حديثها وهي تستمع لجوابه:
-ومين قالك اني هقولك لا..ابعتيلي رقم ابوكي…بس على الله ميقولش لا ويكسفني….
-لا مش هيكسفك…وهيوافق…
كانت تتحدث بثقة شديدة…جعلته يتساءل مع نفسه عن سببها ومن اين أتت بها…لم يفكر كثيرًا وقال:
-اذا كان كدة فل اوي……هكلمه اول ما تبعتي الرقم..بس لو سألني عرفت منين أقوله ايه؟؟ اقوله كلمتك عادي؟
-اه قوله عادي …بس قوله انك انت اللي متصل مش أنا وأنك انت اللي عايزني انزل وحببني اكمل دروس مش انا….
بعد وقت كان يتحدث مع أبيها معرفًا عن هويته بطريقة لبقة هادئة…
وعلى عكس المتوقع رحب به بحرارة وكأنه قريب له….
لم يهتم جابر وغمغم يستأذن منه:
-كنت بكلم حضرتك عشان عايز اطلب منك أن اروى تنزل الدروس…كنت لسة بكلمها وعرفت انها منزلتش وأن زاهر منعها…
زيف منتصر ضيقة وصاح:
-يعني إيه منعها….هو فاكرني مت ولا ايه….
-بعد الشر عن حضرتك….بس لو ينفع تكلم معاه…انا حابب أروى تنزل وتاخد دروسها….
-وانا كمان أحب..وهكلم معاه متشغلغش دماغك أنت…
************************
في المساء..
تقبع “دلال” على الأريكة تتابع التلفاز، تتعمد تجاهل سلطان المجاور لها في جلستها…
فكلما تحدث وسألها عن شيء كان يقابل الصمت فقط…وحدث هذا بعدما أخبرها برغبة “خليل” بالزواج من فجر وتحدثه أمس مع والدها قبل سفرهم….ورغم سعادتها بهذا الخبر إلا أنها حزنت لاخفائهم هذا الأمر عنها….وقالت له وقتها:
“بتخبوا عليا يا سلطان..بتخبوا عليا…هو أنا مش امه وهفرحله…..ماشي يا سلطان..من انهاردة لسانك ميخاطبش لساني”..
تنحنح في جلسته وسعل بخفه يجذب انتباها وبالفعل نجح في هذا مغمغم بترقب:
-أنا عايز كوباية شاي…
لم تجيب عليه كالعادة منذ ساعات…تنهد ومد ذراعيه ملتقطًا جهاز التحكم مغلقًا التلفاز……ثم حدق بها قائلًا:
-هو انا مش بكلمك يا ولية..هتفضلي لوية بوزك كدة كتير..
احتدت قسماتها وعلقت بعصبية:
-خليك في حالك يا سلطان..انا قولتلك لسانك ميخاطبش لساني…عشان تبقى تخبي عني بعد كدة كويس اوي..
انتهت ملتقطة هاتفها الموضوع على الطاولة أمامها…وجاءت برقم اختها…ثم وضعت الهاتف تنتنظر إجابتها..تحت انظاره ومتابعته لها….
وما أن فتحت شقيقتها المكالمة حتى صاحت بغيظ سارقة نظرة نحوه بجانب عيناها:
-شوفتي يا نجلاء…..انا بقيت اخر من يعلم في البيت….ولا كأني امهم..اللي شلتهم في بطني تسع شهور…
قلب عيناه وانتشل الهاتف عنوة متحدث مع نجلاء:
-معلش يا ام اسماء اقفلي دلوقتي عشان اشوف اختك اللي اتجننت على كبر دي.. وهي هتبقى ترجع تكلمك…سلام عليكم…
اغلق معها فصاحت به وهي تنهض مشيرة نحو ذاتها:
-أنا اتجننت وعلى كبر!! طب ما تطلقني وروح شوفلك واحدة صغيرة متبقاش كبرت واتجننت…
ضيق حدقتاه بمكر مجيب بتفكير اشعلها:
-تصدقي فكرة…بس مش هطلقك لا حرام..أنتِ مهما كان أم العيال…انا هخليكي على عصمتي و هتجوز عليكي….
-هتجوز عليا !!!! وهونت عليك تقولها في وشي كدة؟!!!
كتم ضحكته على غيرتها عليه النابعة من عشقها ونهض من مكانه واقفًا خلفها ليصبح ظهرها من يقابله، متمتم بمرح:
-أنا هتجوز عليكي يا دلال..واهو في ظهرك اهو عشان مبقاش بجح وتبقى في وشك حلو كدة…
استدارت ترمقه بعدم تصديق من استهزائه..فتابع بذات المرح:
-اظن كدة عداني العيب وازح…وأنتِ خليكي حلوة بقى و وافقي اتجوز التانية…
تجمعت الدموع بعيناها ورغبت بالتحرك والمغادرة من أمامه فلم يسمح لها و وقف امامها كالسد المنيع يعيق تحركها….
-رايحة فين…مش هسيبك غير لما توافقي…
صرخت به بنبرة ثائرة ناقمة:
-ابعد يا سلطان..ابعد…..انا سيبالك البيت انت وعيالك……اوعى من وشي…
وبنبرة حانية ويد عانقت وجهها رغم رفضها كان يخبرها:
-وانتِ فاكرة لما تسيبي البيت انا هفرح؟؟؟ البيت لا هيبقى ليه طعم ولا حس..أنتِ اللي عاملة حس للبيت..البيت من غيرك ميت يا ام أشرف..
تعمد مناداتها بما تحب..متابعًا ملامحها التي لانت وعيناها التي رُفعت لتتقابل مع عيناه، مضيفًا بحب:
-أنا بهزر معاكي ومش قصدي لا أنا ولا خليل نخبي عليكي…بس مكنش فيه وقت..ولا فرصة..واول ما بقى فيه قولتلك علطول..وبعدين يا عبيطة هو أنا معقول عيني تشوف غيرك ده أنتِ اللي في القلب يا ام أشرف…
كافحت لمنع ابتسامتها فلم تنجح وفشلت، قائلة بنبرة خافضة يشوبها الخجل الطفيف:
-لا قولي يا ام جابر…وقولي تاني أنتِ اللي في القلب…وسمعني كلام حلو…بقالك كتير معملتهاش….
رد عليها ببسمة واسعة ويده تتسلل إلى خصرها يطوقه بهيام:
-ما أنتِ اللي مش مدياني فرصة يا دلال ولا عيالك..بس خلاص فرصتنا جت والاربعة سافروا وعابد نايم….بقولك إيه.
-ايه؟؟
رد بمرح وغزل ملتقطًا يدها اليمنى يقبلها بنهم:
-عايز كوباية شاي من ايدك الحلوة دي..وبعد ما اشربها واتمزج…نقعد نتفرج على فيلم عبد الحليم حافظ و زبيدة ثروت “يوم من عمري”….وافصصلك برتقال والسهرة تبقى للصبح……….
*************************
ارتفع رنين هاتف “عابد” الذي كان يتقلب على الفراش ويتأفف بغضب مكتوم من حين لآخر…..يحاول النوم على الرغم من أن الوقت لايزال باكرًا…
تبدلت تعابيره تمامًا والتقطه بلهفة ظنًا بأنها هي…
لكن تبخرت آماله.. وأحلامه وهو يرى رقم شقيقه “جابر”…
زفر قبل أن يجيب عليه…مزيفًا نومه..مبدلًا نبرته..
-ايوة…
وصل إليه صوت جابر المتحدث بنبرة سريعة..خافضة متقنًا دوره كاذبًا عليه ..راغبًا في استفزازه وآثاره غيرته:
-قوم البس وتعالى قوام….مراتك قالبة بوزها..ومضايقة…وقريبهم السمج ده لازقلها زي ما يكون لازق بغرة..
انتهى مبعدًا الهاتف مائلًا بأذنيه نحو نضال الذي يشجعه ويقف جواره يلقي عليه بعض الكلمات الذي عليه قولها كي ينجح مخططهم بجلبه..
نفض عابد الغطاء بصدر يعلو ويهبط…واعين مظلمة……..مغمغم بعصبية وحاجبين معقودين بسخط:
-لازقلها بمعنى ايه….ما توضح كلامك يا عم!!!!
وصل اليه سؤاله لعلو نبرته..فوضع الهاتف على اذنيه مرة أخرى، يضيف ويوضح له:
-بمعنى أن عامل فيها الصدر الحنين وكل شوية يقولها قدامنا متزعليش يا وئام…ولا يهمك يا وئام..ومتعبريهوش يا وئام..والبت يا حبة عيني شوية وهتعيط..وهو شوية وهياخدها بالاحضان ويقولها تعالي في حضني تعالي…..تعالي وانا اناسيكي أحزانك ومنها ابقى دواكي……………
يتبع.
فاطمة محمد.
نقول مواعيد الرواية من تاني 😂😂😂
الرواية بتنزل اتنين وتلات وخميس..ومش بدري ومش بالنهار عشان أنا كائن كسول وبالنهار ببقى مش فاضية وببدأ الفصل متأخر يعني ممكن ينزل ١١ أو ١٢ منتصف الليل🤦🏻♀️😂
ويارب الفصل يعجبكم وتتفاعلوا عليه عشان مزعلش 🙆😂
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.