رواية الحب كما ينبغي الفصل السابع والسبعون 77 والأخير – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل السابع والسبعون

 

 

الأخير (الخاتمة)

الحب كما ينبغي.

 

فاطمة محمد.

 

الخاتــمة.

بعد مرور ثلاث سنوات…

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”

انهى قُصي صلاة الظهر مرددًا الكلمات مرتين، مرة ورأسه متجهه يمينًا ومرة يسارًا، وبعدها لملم سجادة الصلاة و وضعها على طرف فراشه وتحرك للخارج وتحديدًا المطبخ حيث تتواجد والدته.

-ماما اساعدك في حاجة؟ أو محتاجة حاجة مني؟

التفتت إليه والدته “أبرار” والبسمة تزين وجهها والسعادة تملئ صدرها.

وكيف لا يحدث وهي ترى تغييرًا كبيرًا في شخصية وحياة ابنها!!!

لا تدري هل السن له فضل في هذا أم أنه الحب!!

ربما الاثنان معًا ساهما فيما حدث ويحدث لـه.

رفعت يدها وقربتها من وجهه وقالت محافظة على بسمتها:

 

-لا مش عايزة يا حبيبي، أنت مش متخيل أنا مبسوطة بيك قد إيـه، من شوية دخلت أوضتك لقيتك بتصلي عارفة أنك مش بقالك كتير، بس دي في حد ذاتها خطوة كويسة اتمنى من كل قلبي أن ربنا يثبتك ويهديك ويقربك منه أكتر وأكتر يا روح قلبي.

أخذ قُصي نفسًا طويلًا والتقط يدها وقبلها بحب وحنو، ثم رد وهو يتمنى أن يحدث هذا وألا ينتكس وتتقطع صلاته أو حتى تتوقف:

 

-أهو أنا بقى اللي مش محتاج غير الدعوة الحلوة دي.

هنا وأضافت بحب وصدق نابع من قلبها:

 

-وأنا هفضل ادعيلك وهدعيلك كمان بأنك تجوز في أسرع وقت أنت كمان أنت وسـارة وافرح بيكم.

تغيرت تعابير وجهه، وتبخرت بسمته معلقًا بجدية:

 

-بس أنا وسـارة مفيش بينا حاجة، أنا وهي صحاب وبس وأنتِ عارفة الكلام ده.

-عليا الكلام ده!! أنت بتضحك على مين بضبط أنا ولا نفسك!! يعني إيـه صحاب أساسًا! وحتى لو زي ما بتقول ليه مفيش غيرها في حياتك ومبتكلمش غيرها، كل كلامك عنها، عينك مبتلمعش غير وأنت بتكلم معاها أو عليها معانا!! أنت مبدأتش تتغير غير لما البنت دي دخلت حياتك وأنا شيفاها مناسبة ليك وشايفة أنك بتحبها.

الألم اكتسح قلبه ولاح في عيونه، هز رأسه وكأنه يؤكد حقيقة ما تفوهت به دون أن يشعر، قائلًا:

 

-وهيفيد بإيـه حبي مدام هي مش شيفاني غير بصورة معينة! سـارة من الأول محددة شكل علاقتنا وأنا مستحيل اغامر واخسرها، مش هستحمل اخسرها يا ماما أنا فعلًا بحبها أنتِ مبتكدبيش، بحبها واتكتب عليا اخبي حبها وادفنه في قلبي.

لم ينال الحديث إعجابها، فهتفت مقترحة عليه:

 

-وليه وجع القلب ده!!! ما تحاول!! مش يمكن توافق! وحتى لو موافقتش يكفيك شرف المحاولة، أنت مفكرتش في اللحظة اللي ممكن يدخل راجل تاني حياتها ويكون بينهم حاجة!! أكيد مش هيوافق بأن صحوبيتكم تكمل وبرضو هتخسرها، قُصي لو بتحبها اعترفلها صارحها يا بني.

لم يتحمل فكرة خسارتها و رحيلها.

فخلال الثلاث سنوات الأخيرة زاد تعلقه وحبه لها أضعاف، كلما مر يوم عليهما يهيم بها أكثر وأكثر، حتى الآن لم ترتبط أو تحادث رجلًا غيره، أغلب أوقاتهما يقضيناها سويـًا…

لم يحادث غيرها واكتفى بها في حياته حتى ولو بمثابة صديقة.

هز رأسه رافضًا:

 

-مش هينفع اخسرها، هي مش شيفاني حبيب، معتبراني أخ افهميني وافهمي أنا حاسس بـ إيـه

-أنت اللي مش عايز تفهم، هتعمل إيـه لو دخل راجل تاني حياتها!! هتسيبها ليه!! ما هي مش هتفضل قاعدة من غير ارتباط ولا جواز، كل واحدة ومسيرها تجوز ويكون لها بيت و زوج وتعمل أسرة!! يبقى ليه مش أنت!!!

وباندفاع هتف بألم غلف حروفه:

 

-عشان هي مبتحبنيش أحنا صحاب وأخوات وبس، ولو حست أني عايز اكتر من كدة هتبعد، وأنا مش هستحمل أنها تبعد ولو حصل وحبت تجوز هفرحلها وهسيبها تعيش حياتها مش هقف في طريق سعادتها صدقيني، ممكن بقى بعد إذنك نغير الموضوع؟ أنتِ هتسبقينا على الفرح النهاردة ولا هتروحي معايا ومع بابا؟

-لا هروح معاكم…

 

_______________

 

فستان زفاف يجمع بين البساطة و الأناقة في ذات الوقت، تفاصيله مبهرة وخاطفة للعيون ارتدته ريهام اليوم.

فاليوم هو حفل زفافها هي وفريـد..

فريد الذي كان له نصيبًا من اسمه وكان رجل فريد من نوعه عن حق فقد تحملها كثيرًا، تحمل رفضها الذي حصل عليه في بادئ الأمر، وظل يركض خلفها متفهمًا رعبها من خوض تجربة جديدة بعد ما صارعته في زيجتها السابقة ورغم الفترة الطويلة والتي كانت كفيلة لجعله ينفر و يطرد فكرة الزواج منها إلا أنه لم يفعل هذا.

لم يمل أو يكل بل ظل خلفها يحاول إقناعها به عن طريق بثها الأمان والطمأنينة التي قد تحتاج إليه أي امرأة.

لم يزيح عيونه عنها فكما خطفت الأبصار نحوها بجمالها خطفت قلبه وأنفاسه معًا، لم ترحمه وتشفق على قلبه المسكين….

التوتر والارتباك كان يلازمها رغم ثباتها الخارجي إلا أنها من الداخل مرتبكة وكأنها لم تخوض تلك التجربة من قبل.

كل شيء مختلف تلك المرة، مشاعرها، سعادتها، رغم قلقها الماكث داخلها ويأبى تركها ولكن في النهاية نجحت في الإسترخاء والفضل يعود إليه وإلى حبه الذي تسرب إلى قلبها منذ زمن دون تشعر ودون استئذان، كل ما فعله جعل فؤادها يرضخ ويستسلم رافعًا الراية البيضاء.

فقد كان عوض الله كبيرًا ربت على قلبها وجعلها تتناسى وتتغاضى عما حدث وتبدأ من جديد.

تم كتب الكتاب وأصبح الاثنان زوجًا و زوجة وشركاء في تلك الحياة.

لم يتهمل وقاده الشوق والعشق نحوها قبل الجميع كي ينال عناق طال انتظاره.

وها هو يحصل عليه ضمها إلى صدره أمام الجميع يداه تطوقها بإحكام، أما عن قلبه وجسده فقد استكان الاثنان وكأنهما كانا في غربة وعادا للتو إلى الوطن.

انتابها رجفة بسيطة ولكن رغم هذا استقبلته باشتياق وأوصدت جفونها وتركت نفسها وقلبها يتلذذان بنعيم تلك اللحظة وهذا العناق الذي بإمكانه أن يشفي ويلملم الكثير مما بعثر وخرب بداخلها.

ابتعد عنها بعد لحظات، نظر داخل عيناها بدموع تملئ حدقتاه وبسمة تغزو شفتاه، ورغم عدم حديثه وقوله لشيء إلا أن لعيناه رأي أخر وأخبرتها الكثير دون الحاجة للحديث.

مال نحو رأسها وطبع قبلة تحمل الكثير من الحب والامتنان لموافقتها على الزواج به ومنحه ثقتها لمتابعة ومشاركة حياتها معه بعد كثير من السنوات الذي بذل خلالهم مجهودًا جبارًا حتى وافقت عليه.

بعد ابتعاده منح فرصة للأخرين من أهل، وأصدقاء للمباركة لها ولـه ورغم ذلك عيونه لم تبتعد عنها كثيرًا ومن حين لأخر يبصرها بنظرات تفضح مدى عشقه وتعلقه بها، لم تكن الأولى التي تلج حياته ولكنها أول من اقتحم أسوار قلبه وستكون الأخيرة.

 

_______________

 

-قالب وشك ليه يا قُصي؟ اضحك شوية؟

همس آسـر بكلماته لقُصي الواقف بجواره جانبًا يوزع نظراته على الجميع يبحث عنها بين الحضور، فقد كانت منذ لحظات معه وأمامه ولكنها أخبرته بأنها ذاهبة كي تبارك للعروسين.

-وأنت عايزني اضحك ولا عايز تعرف أنا مالي؟

-الاتنين، عايزك تضحك وعايزك تقولي مالك.

هنا واعترف بالثقل الجاثم على صدره، مخبرًا إياه بحقيقة مشاعره:

 

-مخنوق يا آسـر ومتسألنيش إيـه السبب عشان أنت أكتر واحد عارفه كويس.

زم الأخر شفتاه ثم هتف بسهولة يخبره بالحل:

 

-أنا قولتلك إيـه الحل والمفروض تعمل إيـه، بس أنت اللي خايف تواجهها وتقولها أنك بجد بتحبها وعايز تجوزها.

نفى خوفه من المواجهة معدلًا على حديثه:

 

-أنا خايف أخسرها، وهو ده اللي أنتوا مش قادرين تفهموه.

وببساطة سأله سؤال دون ترقب للحصول على جواب:

 

-وأنت كدة مش هتخسرها؟؟ فوق و روح قولها قبل ما راجل تاني يجي ياخدها منك وفي الأخر أنت اللي هتندم وتقول ياريت اللي جرا ما كان.

نفس حديث والدته معه!!!

 

حديث يدركه بالفعل ومسبب له مخاوف ورعب وأحيانًا بعض الكوابيس!!!

 

ولكن ما العمل هل يغامر ولا يلتزم بما اتفقا عليه منذ ثلاثة سنوات!! أم يظل صامتًا محتفظًا بحبه داخله وفي النهاية لن يكون هناك خاسر سواه!!!

 

________________

 

قامت زهـر بضم ريهام في عناق يعبر عن فرحتها الكبيرة بصديقتها وابن عمها، قائلة لها بطريقة مازحة معها:

 

-ادعولي ها، محدش فيكم ينساني، لولايا ولولا مجهودي مكنتوش وصلتوا للحظة دي ولا كنتوا بصيتوا في وش بعض أصلًا.

رغم أنها تمزح وتشاكسها إلا أن ريهام كانت مقتنعة وعلى يقين أن زهـر لها يد فيما حدث و وصلت لـه.

فقد عانت معها كثيرًا و وقفت مع فريـد وحاولت إقناعها به بشتى الطرق وبعد رفض كثير من قِبلها وافقت و اقتنعت بالخطوبة التي طالت واستمرت سنتين.

ابتسمت لها ريهام بعد أن خرجت من أحضانها قائلة بامتنان:

 

-ده حقيقي، شكرًا يا زهـر على كل اللي عملتيه معانا، أنا تعبتك معايا كتير، حتى أخر فترة في تجهيزات البيت مسبتنيش وكنتي معايا خطوة بخطوة، أنا بجد بحبك أوي.

وقبل أن تنطق زهـر وتخبرها بأنها أيضًا تحبها كان فريـد يتدخل ويعترض خاصة بعد سماعه للكلمات الأخيرة والذي لم يسمعها هو حتى تلك اللحظة.

لم تعترف بتاتًا بأنها تحبه، لسانها لم يفعلها بعد:

 

-طب وأنا!!! تحبيها هي ليه!! حبيني أنا، أنا اللي جوزك والله، أقسم بالله لسة كاتبين الكتاب وده فرحنا حتى أساليهم.

لكزته ريهام بخفة كي يصمت بينما صدحت ضحكات زهـر و وسـام معًا، وعلقت زهـر أولًا مشيرة نحوه تخبر كل من زوجها و صديقتها مازحة:

 

-تقيل موت، من صغره وهو تقيل.

شاركها فريـد المزح وعلق:

 

-يارب ميكونش قصدك تقيل اللي هو تقيل في الوزن وبتلمحي للذي مضى.

أجاب وسـام مدافعًا عن زوجته و حبيبته:

 

-أحسن الظن يا بني بلاش سوء النية والظن ده.

-قوله يا أبو نور.

-بقوله والله، بقولك إيـه أنتِ سيبك منهم وتعالي يا زهرتي.

ارتفع حاجبيها وهتفت باشتياق:

 

-الله، زهرتي!! بقالك كتير مقولتهاش وحشتني يا أبو نـور.

أكد اشتياقه وتوقه لها هو الأخر:

 

-و وحشتني أنا كمان والله.

 

________________

 

-أنا مش مصدقة أننا بنحضر فرحهم كدة عادي أنا خلاص كنت فقدت الأمل فيهم، بس فريـد ده جبل أنه فضل صابـر عليها كل ده، بصراحة هو بيموت فيها وبصراحة أكتر هي ريهام عسل وتستاهل تتحب الحمدلله أن ربنا عوضها عن القرف اللي شافته.

ألقت جهاد كلماتها على مسامع صابـر الجالس بجوارها.

وبين أحضانها تقبع ابنتها وابنته النائمة رغم الضوضاء والأصوات الصاخبة “چـوري”.

ارتفع حاجبيه استنكارًا وصاح بعدم إعجاب لحديثها بأكمله:

 

-والله!! شوف مين اللي بيتكلم، أنتِ أخر واحدة أساسًا المفروض تكلم ده أنتِ جننتيني ده أنا خلصت كل الصبر عليكي، ده أنتِ طلعتي عين أهلي على ما موافقتي.

-أنت قلبك أسود ولا إيـه يا صابـر!! أنا اتخدعت فيك!! شوف عايشة معاك بقالي قد إيـه وجبنا بنت تقول للقمر قوم وأنا اقعد مطرحك طالعة لأمها، ومكنتش أعرف أن قلبك شايل وأسود أوي كدة، قول قول كمان وطلع اللي جواك اظهر على حقيقتك.

تنهد ممسكًا بسمته مجيبًا بهدوء:

 

-ما أنا قولت خلاص، أنتِ عايزة تتخانقي مش كدة؟ جاية معاكي بنكد.

ابتسمت له وقالت بجوار أذنيه:

 

-بصراحة آه، أنت مؤدب ليه! وليه مش عارفة امسك عليك غلطة!! ما تخطف بصة كدة على أي واحدة خليني أعرف اتخانق على حق.

رفض فعل هذا، قائلًا هو تلك المرة جانب أذنيها:

 

-أسف عيني مش بتشوف غيرك ولا هتشوف،  دوريلك على حاجة تانية نتخانق عليها العين الزايغة وأني ابص برة مش من صفاتي ولا أنا اللي اعمل كدة وهاتي چـوري بقى هخليها معايا وأنتِ قومي فكي شوية مع أخواتك واقفي سقفي بس، لو شوفتك بترقصي هزعلك مني وهنتخانق بجد.

 

________________

 

“هبــة”.

 

الفتاة التاسعة لشكري….

شكري الذي لم يقتنع يومـًا أن الفتيات هبة ونعمة من الله عز وجل.

بل يراهم نقمة وحمل ثقيل.

على الرغم من أنه لو فهم ونظر جيدًا من حوله سيرى أن تلك الفتيات الذي عاش يبغضهم هم من كانوا معه دائمًا وحملوا عنه الكثير وتحملوا ما لا يتحمله أحد.

لم يطلق هو هذا الأسم عليها، بل اختاره شقيقاتها وأقنعوه حينها بصعوبة بأن يمنحها الأسم الذي يختاروه ويترك رعايتها وتربيتها لهم ولوالدتها نرمين ولا يحمل همها.

 

وقد كان…

هذا ما حدث بالفعل، فمنذ ولادتها لم يحملها أو ينظر في وجهها رغم محاولات نرمين معه، نرمين التي رأت منه الكثير بعد أن اكتشف خداعها وكذبها عليه.

نرمين التي على ذكرها فارقت الحياة بسبب حادث شنيع بسيارتها بعد ست شهور فقط من ولادة ابنتها وتركتها بمفردها في قبضة شكري، وحينها أخذتها ضياء بعد اقتراح من آسـر بتولي أمر رعايتها.

والآن تجلس داخل أحضان ضياء لا تفارقها وتتشبث بها ترتدي فستانها الوردي الصغير التي انتقته لها هي وآسـر وكان بصحبتهم كل من إحسان، عصمت، ورضا.

سحب آسـر مقعده الفارغ جوارها مبتسمًا لها بسمة عريضة، متمتم:

 

-أنا جيت.

زمت شفتيها بطفولية، مغمغمة بغيرة طفيفة:

 

-وجاي على نفسك ليه كنت كمل كلام مع قُصي ولا كأننا موجودين معاك، بجد بحسه ضرتي مش معقولة كدة، متجوزوه وتخلصونا منه بقى.

-يسمع من بُقك ربنا، بس لمعلومك أنتِ مبتفارقنيش لحظة.

-لا يا راجل، هعمل نفسي مصدقاك وعقابًا ليك يا آسـر كان في حاجة عايزة أقولهالك ومش هقولها.

-أهون عليكي؟

-ما أنا هنت عليك وسبتني وقومت عادي اسكت بقى خليني ساكتة.

-مينفعش اخليكي ساكتة قولي بقى.

تنهدت وحن قلبها فسارعت بأخباره:

 

-خلاص صعبت عليا هبعتهالك في رسالة على الواتساب أخر الفرح وقبل ما نروح.

 

في ذات الوقت وعلى طاولة أخرى بعيدة لا يتواجد عليها سوى ثلاث رجال هما شكري، زهران، وجابـر.

يتولى جابـر الحديث مع شكري يحاول ردعه عما يفعله ما ابنته:

 

-يا شكري اسمع مني، اسمع مني يا أبو البنات، البنات دول نعمة وهبة بطل جحودية قلبك دي يا راجل، وبعدين هو باقي في العُمر قد إيـه على اللي بتهببه ده!! أنت فاكر نفسك صغير، أنت ممكن في أي لحظة تتكل، اعمل حاجة عدلة قبل ما تموت، حب بناتك واتقي الله.

تدخل زهران وهتف:

 

-والله أنت ما بتفهم دي خلفة البنات مفيش أحلى منها أسالني أنا.

علق جابـر على حديث صديقه وهو يبصر شكري:

 

-آه أساله هو وأسالني أنا كمان معاه.

هنا وجاء صوت رابع، متمتم بالفصحى وهو يحمل ابنته الرضيعة في أحضانه والذي أطلق عليها اسم “ثراء” على اسم والدته:

 

-أجل يا حمايا العزيز الحبيب، أسالهم وأسالني معاهم.

-أنتوا هتقعدوا تطبلوا لبعض، أنتوا عايزين مني إيـه!! هو أحنا مش هنخلص من أم السيرة العكرة دي!!

ردد جابـر باستنكار وانفعال طفيف:

 

-عكرة!!! تصدق أن مفيش حد عكر غيرك!!! أنا غلطان أني بنصحك والله، النصيحة خسارة فيك.

ربت زهران على صدره يهدأه:

 

-أهدا يا صاحب عُمري أعصابك مش كدة.

بينما علق أحمد مكررًا كلمات والده ولكن على طريقته الخاصة:

 

-هل ارتكب أبي غلطة شنيعة بنصحك يا حمايا!

ثم نظر نحو والده وربت على صدره مثلما فعل زهران مكررًا كلمات زهران هو الأخر:

 

-أهدا يا أبى واسترخ، أعصابك مش كدة.

هنا وعلق زهران:

 

-أنت بترجم ورانا يعني ولا إيـه ما هو أحنا بنتكلم عربي مش محتاجين ترجمة يا ابن صاحب عُمري.

-ولا دبلجة يا صديق عُمر أبي؟

-ولا دبلجة يا روح قلب صديق عُمر أبيك.

هنا ونفخ شكري وضرب كفًا بالأخر بعصبية مفرطة محركًا شفتاه يردد بعض الكلمات الذي لم يستطع أي منهم سماعها.

 

________________

 

أضاءة خافتة مسلطة على فريـد وريهام وهما يرقصان معًا على أغنية رومانسية تلائم الأجواء كثيرًا.

تنظر داخل عيونه تتذكر كلماته المازحة الحقيقية أمام زهـر و وسـام حول عدم اعترافها وقولها بعد أنها تحبه.

وقعت في غرامه، الفرق كبير بين مشاعرها السابقة نحو زوجها السابق وبين مشاعرها الحالية صوب فريـد.

تختبر معه المعنى الحقيقي المتبادل للحب.

علمت كيف يكون الحب عندما يكون الطرفان يعشقان بعضهما وليس من طرف واحد.

أدركت معنى أن يكون مكتفيًا بها ولا يكتفي منها.

غمرتها رغبة كبيرة في الاعتراف خاصة أن الأجواء من حولها تحفزها على النطق وقول ما تكبحه.

ابتلعت ريقها واقتربت أكثر بوجهها من أذنيه تحرمه من عيونها الفاتنة:

 

-فريـد عايزة اعترفلك بحاجة.

وعلى الفور ابتعد يجبرها على النظر في عيونه، متحدث بمرح:

 

-لا متقوليش أني مش ابنك وأنك لقيتني على باب جامع.

مزح معها لعدم استيعابه بعد أو تخيله بأنها قد تفعلها حقًا وتحديدًا الآن.

ابتسمت له وبدون مقدمات أضافية، عادت تهمس له بما جعل القلب يتطاير ويخفق كما لم يخفق من قبل:

 

-بحبك.

أحيانًا كلمة واحدة قد تكون قادرة على قلب موازينك وتغيير حالك ومزاجك…..

وقد كانت كلمة بحبك واحدة من بين تلك الكلمات…..

اعتراف آتى في وقته المناسب وبعد أن أصبح زوجًا لها.

كيف تخفي وتداري عشقها!!

لو صمت اللسان كيف للعيون أن تصمت! ستفضحها وتكشفها لا محال ولا مجال للنقاش.

-أنا بحلم صح؟ أنتِ أكيد مقولتيش بحبك وأنا من كتر ما بفكر وبتمنى اللحظة دي اتخيلتها صح؟

تحدث معها والعين تتلاقي بالعين..

لم تتردد بهز رأسها تنفي حديثه، قائلة:

 

-لا مش بتتخيل ولا حاجة، أنا فعلًا قولت أني بحبك يا فريـد، بحبك، بحبك، بحبك، تسمعها كمان ولا كفاية كدة؟

-كفاية إيـه ده أنتِ هتفضلي تقوليهالي من هنا لسنة قدام.

ختم حديثها مباغتًا إياها بضمها إلى صدره سريعًا ورفعها عن الأرض والدوران بها عدة مرات.

انطلقت ضحكة منها دون أن تشعر ولم تخبره بالتوقف وتهاب الوقوع أو السقوط بل تركته يفعل ما يشاء مانحة إياه ثقتها بأكملها.

 

________________

 

جميلة، جذابـة، أنيقة كما كانت دائمًا وأبدًا، تفعل به وبقلبه ما تفعله دائمـًا ألا وهو سلبه إياه دون إرادة منه.

مغرم بها عن حق وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

لم يعد كمان كان من قبل بل أضحى أسيرها وأسير بسمتها الجميلة، تائهًا من غيرها، قلبه لم يعد ملكًا لـه، كل ذرة به تناديها حتى في صمته.

يعشق كل شيء بها حتى عيوبها لا يراها ولا يراها عيوب من الأساس.

حتى اسمها مميز بالنسبة له ويعشق حروف ســـارة.

من كان يتوقع أن تفعل به كل هذا حتى هو لم يأتي في بالـه يومًا أن يصل بـه الحال كما وصل بـه بالفعل.

هل ما يحدث معه ضريبة ما كان يفعله!!

هل هذا هو ثمن تلاعبه ومعرفته الكثير من الفتيات!!

هل يدفع الثمن من خلالها!!!

انتشله صوتها الذي يحفظه جيدًا من أفكاره التي استولت على عقله، فنظر لها مما جعلها تدرك أنه يسمعها الآن:

 

-قُصي سرحان في إيـه عمالة اكلم فيك مبتردش إيـه اللي واخد عقلك.

أنتِ…

قالها بينه وبين نفسه، لم يقولها في العلن ويزيح الستار عن حبه بعد.

ابتسم لها وردد بهدوء يليق به بل و زاده جاذبية:

 

-ولا حاجة، كنتي بتقولي إيـه يا سـارة.

-واخد جمب ليه على غير العادة أنت مش مبسوط ولا إيـه؟ ولا تكون غيران عشان حتى فريـد اللي كنت بتضرب بيه المثال أنه لسة متجوزش زيك اتجوز خلاص.

أطلق تنهيدة محملة بالألم والعذاب، فليس هناك أصعب من أن تكون أمام من تعشق وتهيم وعليك التماسك أمامه وجعله لا يشعر بشيء مما يحدث معك:

 

-لا عادي الجواز أخر همي أنتِ عارفة، بقولك إيه أنا هخرج أشم هوا برة وراجع.

أولاها ظهره وكاد أن يغادر لولا صوتها الذي لاحقه وجعله يتوقف وهي تردد:

 

-استنى هاجي معاك أنا كمان مخنوقة ومحتاجة أشم هوا.

تصر على جعله يتعذب بوجودها من حوله..

 

بالله كيف يقاوم مشاعره تلك!!

 

نيران الهوى تحرقه وأوشك على أن يكون بقايا رماد.

خرج الاثنان وابتعدا عن الجميع، و وقفا بالخارج، رفع رأسه للأعلى وأغمض جفونه ولكنها تصر على جعله يفشل في أن يتغاضى عن وجودها ويتعامل كأنها شخص عادي وليس من يرغب ويطمح بالظفر بها.

 

 

-الجو حلو أوي النهاردة، بقولك إيه صحيح في بت جوا مش بتشيل عينها من عليك خدت بالك منها؟

فتح عيونه وبدون أن ينظر إليها نفى عنه ملاحظته لها:

 

-لا.

اندهشت وسألته متعجبة:

 

-إزاي!! أنت أعمى يا قُصي.

وبتلقائية غير متعمدة علق:

 

-أنا برضو اللي أعمى؟

عقدت حاجبيها ولم يصل لها مغزى مقصده:

 

-مش فاهمة؟ دي تريقة؟ أنت قاصدك بيها أن أنا اللي عامية! ليه إن شاء الله؟ في حد جوه بصلي بإعجاب أو حتى حب وأنا مخدتش بالي منه؟

كلماتها استفزته واستفزه فكرة أن يعجب وينجذب لها رجل أخر وتتحقق كوابيسه:

 

-اللي هيعملها هخزقلك عينه متخافيش، هو ممكن تدخلي يا سـارة وتسبيني شوية محتاج ابقى لوحدي، ادخلي وأنا خمساية وهحصلك.

لم تصمت وسألته بدون مراوغة:

 

-مالك يا قُصي؟ في حاجة مضيقاك.

كلاهما يتطلعان ببعضهما البعض….

الآن هو أمام خياران أما أن يستجيب لنصيحة والدته وصديقه ويصارحها لعل وعسى توافق ويبدأ ربيع حبهم، أو يختار الصمت ويخسرها للأبد.

في الحالتان قد يخسرها عاجلًا كان أم أجلًا.

-فيه فعلًا، في كتير يا سـارة، كتير أوي، أنا بجد بين نارين، أنا مش عايز أخسرك وفي نفس الوقت مش قادر استحمل، أنا بموت في اليوم ميت مرة من الوجع وقلة الحيلة اللي أنا فيها.

لانت قسمات وجهها وسألت بترقب للقادم:

 

-وتخسرني ليه! أنا معاك يا قُصي و…

-أخسرك عشان بحبك، بحبك ومش عارف انطقها عشان مخسركيش وتبعدي عني، أخسرك عشان معرفتش أبقى صديق وبس، غصب عني حبيتك وكل يوم بتشدلك وبحبك أكتر من اليوم اللي قبله، أخسرك عشان ممكن واحتمال كبير اوي ترفضيني، عشان الأكيد أنك مبتحبنيش.

ابتسمت لـه بسمة صغيرة، وعلقت باستنكار واضح:

 

-مين فينا اللي الأعمى دلوقتي؟ أنا ولا أنت؟؟

ختمت حديثها رافعة ليدها ضاربة إياه على صدره بضربات متتالية لم تحركه من أرضه:

 

-حيوان، وغبي، وفوق كدة أعمى كمان مش شايف اللي بيحصل ولا حاسس أني بحبك، البنت اللي قولتلك مشالتش عينها من عليك جوه كانت أنا يا غبي أو مش غبي أنا اللي غبية عشان حبيتك.

ارتسم على وجهه صدمة كبيرة من اعترافها أنها تعشقه!!!

تكن له المشاعر مثله تمامًا.

حبه ليس من طرف واحد كما أنه لن يتعرض للرفض!

اقترب منها خطوة يسألها بعدم استيعاب وتصديق:

 

-اللي أنا سمعته ده صح؟؟ من أمتى الكلام ده!! حصل أمتى ومقولتيش ليه؟؟؟

ضربته بخفة على صدره تجيب على سؤاله بسؤال أخر مماثل:

 

-مين اللي كان المفروض يقول أنا ولا أنت!! مجتش اعترفت من بدري ليه؟؟ معقول ولا مرة انتبهت أني بحبك؟؟ عيني مفضحتنيش؟

نفى ملاحظته لما تقوله:

 

-ولا مرة!!! سيبك من كل ده وردي عليا، تتجوزيني يا سـارة؟؟ قولي أنك موافقة.

هزت رأسها والبسمة لا تفارق شفتيها تخبره بموافقتها على عرضه وطلبه دون ذرة تردد واحدة:

 

-موافقة يا قُصي موافقة جدًا، موافقة أوي.

 

________________

 

“أنـا حامـــــل.”

رسالة قراءها آسـر أثناء وقوفه رفقة أبناء أعمامه من يوسف، محمد، صابـر، أحمد..

 

اتسعت عيونه وعلى الفور رفع عيونه عن شاشة هاتفه يبصر ضياء التي كانت تجلس على الطاولة وتتابعه بعيونها، وفور أن رأته ينظر نحوها ابتسمت لـه كي تؤكد صحة ما أدركه للتو!!!!!

لم يستطع كبح فرحته وظهرت عليه، مغمغم بفرحة وصوت عالي:

 

-أنا هبقى أب، هبقى بابا يا أحمد، هبقى بابا يا صابـر، هبقى بابا يا يوسف، هبقى بابا يا محمد، يا فريـد أنا هبقى بابا، فين قُصي، يا بابا أنا هبقى بابا.

سارع أحمد بتهنئته مغمغم بفرحة له:

 

-ألف مبروك، بقولك إيـه ما تمسك ميكروفون تقول فيه بدل الفرهدة دي، أنت لسة هتقول اسم اسم….

لم يسمعه آسـر من الأساس ولم ينتبه إلى مباركة البقية بفضل ركضه نحو زوجته يلومها على صمتها رغم معرفتها حتى تلك اللحظة….

 

شاعرًا بسعادة لا مثيل لها، فشعور أنك على وشك أن تصبح أب لا يضاهي شيء…

 

متوعدًا بأن يكون أبًا صالحًا يعامل ابنته أو ابنه كما ينبغي، وكما يفعل وسيفعل جميع أحفاد سلطان مع أبنائهم ذكورًا كانوا أو أناث، فقط سيمنحون لهم الحب والحنو، الاحتواء كي لا يبحثون عنه في الخارج وحينها قد يحدث معهم ما لا يحمد عقباه……

 

تمت بحمدالله. ❤✨

اقرأ روايات الكاتبة فاطمة محمد من هنا

الفهرس.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق