رواية الحب كما ينبغي الفصل الثاني والسبعون 72 – بقلم فاطمة محمد

رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثاني والسبعون

الفصل الثاني والسبعون

الفصل الثاني والسبعون

تفاعل حلو ومتنسوش الڤوت عشان نعلي ريتش الرواية، وكومنت برأيكم في الفصل🫵🏻❤

_______________________

الحب كما ينبغي.

فاطمة محمد.

الفصل الثاني والسبعون:

-مين اللي جاب الراقصة دي ؟؟

هكذا تساءل جابـر وعيونه تدور من حوله ولكن سؤال لم يسمعه أحد بفضل فرقة الراقصة التي لا تتوقف عن الدق على الطبل.

فارق محله تاركًا زهران بمفرده، متقدمًا صوب سلطان والذي اشتد غضبه وكاد أن ينفجر مما يحدث وفي الحقيقة لم يكن سلطان فقط الغاضب بل كذلك أشرف، خليل، عابد، ونضال.

خرجت الكلمات من بين أسنان سلطان يحادث أبنائه:

-رقاصة!!!!!!!! رقاصة!! مين اللي جابها دي! ده أنا هشرب من دمكم أنتوا وعيالكم واللي خلفوكم يا ولاد الكلب.

رسم جابـر بسمة زائفة على وجهه ثم علق سابقًا أشقائه:

-اهدأ يا بابا متقولش على نفسك كدة وبعدين أنا والله لسة طارح نفس السؤال، بس أنا كجابـر على سنح و رمح شايف أن الموضوع مش هيخرج برة آسـر آسـورة أو قُصي هتسألني اشمعنا دول هقولك عشان هما اللي تيجي منهم حركة زي دي أنا ولادي متربين ميجبوش راقصات.

اعترض عابد وهتف متهكمًا يدافع عن ابنه هو الأخر مثلما يفعل جابـر:

-يا سلام! يعني هو ولادك متربين و ولادنا لا، جابـر لم نفسك وعدي ليلتك عشان ممسكش فيك اعجنك.

-تعجني أنا !!!!! أنا ياض طب وريني هتعجني إزاي لو راجل ابن راجل فرجني أنا عايز اتفرج..فرجني بقولك.

علق سلطان تلك المرة مغمغم بتوعد:

-أنا اللي هفرجكم لو مسكتوش واخليكم فرجة للي يسوى واللي ميسواش.

وتزامنًا مع ذلك الشجار الدائر بين أبناء سلطان، كان صابـر واقفًا متجمدًا، متيبس الجسد ما أن رأى مكانها خالي من وجودها بعد أن انتهزت استداره رأسه بعيدًا عنها حينها فقط تبخرت من جديد وها هو يبحث عنها مجددًا يعيدان الكرة مرة أخرى وتبدأ لعبة اختباء الفأر من القط.

في ذات الوقت اتسعت عين جابـر وحصل الجميع على جواب عن هوية من أتى بالراقصة بعد أن تقدم منها قُصى وبدأ يشاركها الرقص بطريقة مثيرة للضحك فسارع سلطان بهز رأسه هاتفًا:

-كدة عرفت مين اللي عملها.

هز جابـر رأسه بأسف وعلق:

-مع الأسف خالد معرفش يربي.

بينما دافع أشرف عن قُصى وغمغم معترضًا:

-يا جماعة مش معنى أنه بيرقص معاها يبقى هو، عادي ممكن ميبقاش هو ويكون حد تاني بلاش نظلمه ونسأله الأول أحسن.

لم يتوقف الأمر عند قُصى فقط، بل دنا كذلك كل من مروان وزهران وبدأ الثلاث بالرقص معًا…ليعلق حينها نضال ملقيًا كلماته على مسامع والده:

-بابا ليه ميكنش صاحب عُمر ابنك هو اللي جايبها بص طلع يرقص إزاي معاها هو كمان.

احتج جابـر ولم يعجبه ما يُقال في حق صديق عُمره :

-لا معلش كله إلا زهورة تغلط في عابد عادي، اشرف ميضرش، مروان براحتك، بابا اتوقعها منك برضو، لكن زهران تيجي عنده وتعمل استوب يعني توقف، وبعدين اتعميت أنت عن مروان !!! أنا بقى بقول أنـه مروان، أنا هروح أوقف المسخرة اللي بتحصل دي وامشي الراقصة خالص.

ختم جابـر حديثه متقدمًا من الثلاث، وعلى الفور مسك بصديقه يهمس لـه:

-بتعمل إيـه يا زهورة.

رد زهران ببساطة:

-هكون بعمل إيـه يعني يا جبورة؟ بأكل جاتوه؟؟ ما أنا برقص أهو أنت مبترقصش ليه ارقص كدة وفرفش يا عيوطة.

تهكم وجه جابـر وبدأ بالتفاعل ومشاركتهم الرقص وهو يؤكد لـه:

-أنا فرفوش أهو على فكرة والفرفشة مش جديدة عليا، دي منذ الصغر، بالك العيلة دي من غيري أنا وأحمد وآسـر و زهـر هتبقى نكد في نكد.

وأثناء رقصهم حول الراقصة اقترب جابـر من مروان تلك المرة يخبره بجانب أذنيه:

-مش كبرت على الكلام ده يا حمايا.

هز مروان رأسه نافيًا يزيد من فرط حركته ورقصه كي يثبت له أن لا شيء تغير وهو كما هو:

-اخرس يا حيوان مين ده اللي كبر ده أنا مروان.

-إيه مروان يعني، بني آدم وإنسان عادي أكيد بتكبر زي باقي البشر، وبعدين الكبر بدأ يبان عليك جامد خلي بالك.

ثم قرر ختم حديثه مع مروان وعدم ترك له فرصة للرد رافعًا من نبرة صوته، يسأل زهران المنشغل في الرقص مع قُصي:

-مش كدة يا زهورة.

ورغم عدم سماع زهران لشيء وعدم فهمه لمقصده إلا أنه وافقه وهتف ببسمة وجسد لا يتوقف عن الرقص:

-كدة يا جبورة.

توقف مروان وقرر أن يتشاجر مع الاثنان، مصوبًا كلماته للاثنان ينظر لهذا تارة والأخر تارة أخرى:

-هو إيـه اللي كدة يا زهورة كدة يا جبورة، إيه اصلًا جبورة وزهورة دي مش مكسوفين من نفسكم.

وأثناء شجارهم القائم ومشاهدة البقية سواء لهم أو متابعة الراقصة، كان أحمد قد أخذ روضة وجلس على واحدة من الطاولات كل منهما يمسك صحن يحوي قطعتين من الجاتوه قد أحضرهما أحمد سريعًا، قائلًا بعدما ابتلع ما بفمه:

-بس إيـه رأيك في البدلة يا رضوى عجبتك؟؟

ابتسمت لـه روضة وقالت دون تفكير:

-تحفة عليك يا أحمد.

ازدادت ابتسامة أحمد أتساعًا سعيدًا بأنها قد نالت إعجابها، وبعدها سلط بصره على الصحن القابع بين يديه وقام بدس الشوكة يملؤها ثم مد يده نحو شفتيها راغبًا في أن يطعمها بيده:

-طب كُلي من أيدي الحتة دي.

وبالفعل قامت بأخذها وفور انتهائها من ابتلاعها سألها مجددًا كي يضاعف سعادته أكثر وأكثر ربما تلك المرة تضيف كلمات أخرى غير “تحفة” التي قالتها تنصف أناقته وتميزه في مثل هذا اليوم:

-يعني بجد البدلة عجبتك؟ لونها مش وحش يعني؟

مجددًا نفت برأسها وأخبرته بنبرة تحمل الكثير من الحب والعشق بين طياتها:

-بقولك تحفة عليك يا أحمد، وأساسًا أي حاجة بتلبسها أنت اللي بتحليها مش العكس، واللون بجد عجبني وحلو أوي.

-إيـه دي اللي تحفة ولون إيه اللي عجبك؟؟ أنتِ ودانك سامعة أنتِ بتقولي إيه؟؟

كانت تلك كلمات صابـر الذي انتبه إلى الاثنان أثناء بحثه المستمر عن مالكة قلبه ومستوطنته والتي تبخرت ولم يعد بإمكانه إيجادها لا داخل المنزل أو خارجه، حتى هاتفها لا تجيب عليه، والآن لم يتبقى أمامه سوى البحث عنها خلف أسفل الطاولات ربما قد عادت جالسة أسفل أحدهما.

علق أحمد على كلمات أخيه متذمرًا:

-وأنت مالك أنت اش حشرك واحد ومراته بيكلموا…….إيـه ده الله حلو أوي مراته دي بجد… مراتي..بقولك إيه ممكن اطلب منك طلب صغير قد كدة؟

أشار بيده لصغر طلبه فوافقت هاتفه:

-أكيد يا أحمد.

-اديني كدة واحدة جوزي!

نظرت صوب صابـر بخجل طفيف فتفهم أحمد فنهض وهو يترك صحنه أعلى الطاولة يخبر أخيه:

-ما تطرقنا يا صابـر وخلي عندك دم يا أخي مش كدة.

-ما أنا هطرقكم فعلًا أنا بس استوقفني الكذب اللي بسمعه، بس ما علينا مش مهم محدش فيكم شاف جهاد؟؟

رد الاثنان في آن واحد:

-لا.

رحل بعد حصوله على الجواب الذي لم يرضيه وجعله يجن أكثر ويتساءل إلى أين ذهبت ولما لا تجيب حتى على الهاتف.

شردت عين أحمد بملامحها التي تأسره دون الشعور بالشفقة على حال قلبه، يطلب منها مجددًا:

-أهو مشي اديني بقى واحدة جوزي واطربيني.

كبحت ضحكاتها كي لا تخرج وتفادت النظر داخل عينه مباشرة مستجيبة راضخة لمطلبه:

-جــوزي.

-الله، الله بجد أنا خلاص يا دنيا خلاص يا عالم خلاص يا ناس مش عايز حاجة تانية أنا في قمة قمة قمة سعادتي بجد ومحدش مبسوط قدي.

________________

يجلس آسـر هو الأخر بجوار ضياء على طاولة أخرى تبتعد عن طاولة أحمد و روضة بقدر كافي منتهزًا انشغال الجميع بالراقصة التي حلت وتحولت الأبصار والاهتمام نحوها عوضًا عن الأربعة، وللحق جاء هذا الأمر لمصلحتهما، فقد فعل آسـر المثل وأخذها من يدها وجلس معها لحين تحل الأسرة الكريمة العزيزة أمر الراقصة.

يحتضن يدها بيديه، وعيونه لا تتزحزح عنها، حتى شعرت هي بالتوتر والارتباك يتسرب إليها، نظراته تجعل قلبها يخفق بشكل غير مسبوق.

داهم ذلك الشعور التي اجتاحها بقبلته الذي طبعها على يديها بعد أن رفعها وقربها من شفتيه، ثم ابتسم بسمة كانت كافية لتخبرها بمدى سعادته وانتظاره لتلك اللحظة.!

لم تعد تتحمل ما يحدث وسارعت بسحب يديها منه، قائلة بتلعثم واضح وكلمات غير مرتبة فقط خرجت وهي تنتفض من جلستها:

-أنا عايزة أروح.

كتم ضحكاته التي رغبت في الإنطلاق والتحرر، قائلًا وهو يمد يده ويسحبها من جديد كي تجلس مجددًا:

-حاضر هروحك اقعدي بس اسمعي الكلمتين اللي عندي.

وجدت نفسها لا تقاومه وجلست بالفعل دون مقاومة منها أو معافرة منه لإقناعها بالجلوس، بل جلست بكل سهولة.

عاد محتضنًا يدها ثم ثبت عيونه عليها، معترفًا بكل ما يتواجد بداخله نحوها:

-هو أنا قولتلك قبل كدة أني بحبك؟

هزت رأسها تؤكد له دون أن تنطق بحرف ويخرج صوتها.

-طب ممكن أقولك من تاني أني بحبك..و أوي، مش بس بحبك.

ختم كلماته رافعًا يدها يقبلها من جديد وقبل أن تفكر في الهروب مبصرة الجميع من حولهم فوجدتهم جميعًا ينظرون أمامهم ولا أحد ينظر تجاهم الكل منشغل، ولكن فجأة وأثناء قبلة آسـر ليدها جاء صوت صابـر مسببًا فزعها بعد أن حل صوته من الخلف:

-أنتوا بتهببوا إيـه!!!!

كادت ضياء أن تنهض وتفر من أمام الاثنان من فرط الخجل لولا آسـر والذي من جديد يتمسك بها يمنعها من الذهاب يخبرها على مسمع من صابـر:

-أنتِ رايحة فين؟؟ أنتِ متمشيش هو اللي يمشي، أنتِ مراتي.

هنا وخرج صوت صابـر متهكمًا:

-هو أنا كل ما أجي أكلم حد هيقولي مراتي أنتوا بتذلوني يعني ولا إيـه، ما علينا مشفتوش جهاد؟؟؟؟

من جديد يحصل الجواب من الاثنان في ذات اللحظة:

-لا.

لم ينطق صابـر بحرف أضافي ورحل يسترسل بحثه، وفور ذهابه كادت ضياء ترحل راغبة في الفرار من كلماته…عيونه..التي تجعلها تخجل كما لم تفعل من قبل فمنع هو حدوث ذلك قائلًا باحتجاج:

-رايحة فين أنا لسة مخلصتش كلام معاكي، أنتِ مش عارفة أنا مستني اللحظة دي بقالي قد إيـه؟؟؟ وبعدين أنا في حاجة مخدهاش عايز اخدها وقتي ده أنا يا قاتل يا مقتول النهاردة.

قطبت حاجبيها وأثارها الفضول وتساءلت بترقب:

-حاجة إيـه دي؟

-حضن كتب الكتاب حضرتك، أنا محضنتش ولا اتحضنت، ده أنا كاتب مخصوص عشان احضن.

هنا وقالت رافضة:

-لا ده عندها بقى، و وسع كدة أنا هروح.

-تروحي إيـه فين الحضن أنا مرضتش أحضن قدام الناس عشان مكسفكيش أنا مش بجح زي أحمد، ودلوقتي الوقت مناسب بصي كله بيبص على الرقاصة، تعالي أنا هفهمك ده هيبقى حضن برئ سريع صدقيني.

-لا حضن برئ ولا حضن دنئ، أنا…….

وقفت الحروف في حلقها، وتجمد جسدها وهي تشعر بقرب لم يحدث من قبل بينهما، فقد باغتها بالعناق وحصل عليه وغمر قلبها شعور بالآمان والسكينة لم تعرفهما كثيرًا.

كذلك هو حالته لم تكن بالمختلفة عنها فقد تعالت خفقاته من تواجدها بين يديه وتلاشي المسافات بينهما، يضمها إلى صدره مغمضًا لجفونه يستمتع ويتلذذ بتلك اللحظة، فقد تمسك وامتنع عن الحصول عليه عقب كتب الكتاب مباشرة خوفًا من مضايقتها وأن تكون غير راغبة به في الوقت الحالي ولكن فعله أحمد كانت محفز له كي يفعلها، خاصة ما رأه بعيونها وكيف ترغب به كما يرغب بها!!

فحتى لو صمت اللسان فالعيون من شأنها أن تفضح صاحبها وهذا ما حدث معها..عيونها من طالبت وشجعت وهو فقط لبى لها.

________________

اندمج قُصي في رقصه مع تلك الراقصة الذي أحضرها بتلك المناسبة السعيدة.

ورغم اندماجه إلا أنه لم ينسى اقتطاف بعض النظرات السريعة نحوها يحاول اكتشاف شعورها، فـ ربما تتمكن الغيرة منها، ولكن ما رأه والتقطته عيونه أن حدوث هذا ليس مستحيلًا فقط بل من سابع المستحيلات أن تغار عليه.

لم ينتبه ويفوق من تفكيره في سـارة الغير معلن لأحد، فمن يراه يجزم على سعادته وانهماكه في الرقص مع الراقصة، إلا على صوت جابـر الذي اقترب منه ولا يتوقف عن الرقص هو الأخر بل و ووصل الأمر إلى التعقيب، يسأله:

-واد يا قُصي أنت اللي جايب الرقاصة قصدي الراقصة؟؟

هز رأسه بفخر متمتم:

-آه أنا حبيت اعمل مفاجأة حلوة لـ آسـر وأحمد وأوجب معاهم إيـه رأيك؟ شكلك مبسوط.

-مش مهم أنا مبسوط ولا لا المهم أنت تنبسط يا حبيب قلبي.

هنا وقد حضر خالد برفقة وسـام، وبدون أن يتمهل جذب ابنه معه مغمغم بغيظ:

-سيبك من جابـر وتعالى معايا يا بيـه.

وبالفعل جره معه تحت أنظار جابـر الذي ردد باستنكار:

-سيبك من جابـر!!!! وأنا اللي بقول على ابنك مهزق، طلعت مهزق أكتر منه….طب والله لـ اجي واسمع بتقولوا إيـه.

دنا من محل وقوف الثلاث منصتًا لتلك الكلمات:

-أنت اللي جبت الرقاصة دي؟؟؟ وعلى الله تكدب يا قُصي على الله، خليك صريح وأوعى تكدب عليا.

توزعت نظراته بين والده و وسـام والذي يظهر من وقفته أنه سينهال عليه ضربًا ما أن يحصل على الجواب، ابتلع ريقه أولًا ثم هتف ثانيًا:

-آه، قولت أوجب مع آسـر وأحمد و…..

ومن بين أسنانه هتف خالد وهو يمنع وسـام بأشارة من يده ألا يتقدم خطوة ويلمسه على الاقل أمام العامة، موجهًا حديثه إلى وسـام أولًا:

-وسـام مش بكلم قدامك!!!! إيه هتمد إيدك عليه وأنا واقف؟؟ وأنت يا حيوان تروح تمشيها حالًا، حالًا يا قُصي وبعدين تجيلي عشان حسابي معاك لسة مخلصش، أنت لسة واقف قدامي اتحرك مشيها وبعدين إيه اللي في دماغك ده!! مش مهم مش عايز أعرف غور مشيها يلا………

وقبل أن يتحرك قُصي حل صابـر وسألهم بأنفاس لاهثة:

-محدش شاف جهاد؟؟؟؟؟

رد جابـر ببساطة على ابنه:

-لا هي صحيح عملت إيـه؟ موافقتش برضو تتجوزك؟

-لا اختفت من تاني سبني يا بابا سبني.

-ما أنا سيبك يا خويا، بقولك إيـه نادي عليها في الميكروفون روح يلا.

لم يعلق صابـر بحرف وذهب بعيدًا عنهم، وتابعه جابـر وفزعه صراخ خالد على قُصي:

-أنت لسة واقفلي زي ما أنت روح مشيها بقولك عشان مطبقش وش أهلك ده..روح.

فارق قُصي محله كي يفعل ما آمر بـه خالد، وبعد ذهابه هو الأخر، هتف جابـر:

-صابـر لسة معرفش أن قُصي اللي جاب الرقاصة، لو عرف أنه متوافقش عليه من جهاد بسبب ابنك هتقول عليه يا رحمن يا رحيم.

هنا وتدخل وسـام ومال على أذن والده يهمس له ببعض الكلمات الذي لم يسمعها جابـر وضيق عيونه بفضول، وما أن ابتعد وسـام وانتهي مما كان يقول سأله جابـر:

-كنت بتقوله إيـه ياض أنت؟؟

-ياض؟؟ أنا ياض إزاي يعني.

-يعني ياض يا حبيبي، أنت هتكبر عليا ولا إيه نسيت زمان لو نسيت سهلة افكرك و….

-جهاد…جهاد أنتِ فين؟؟؟ حد شاف جهاد!!!!

اتسعت عين جابر وهو يسمع ابنه بالفعل يتحدث خلال مكبر الصوت ينادي عليها ويسأل الحضور عنها بعد أن توقفت فرقة الراقصة عن الدق، وبدون تردد قال جابـر:

-دي هبت منه على الأخر صدق اللي قال ده الحب دوامة وأنا معيش عوامة.

ولكي لا يبقى صابـر دون جواب صاحت زهـر التي تركت العنان لضحكتها تجيب صابـر الذي أفقده الحب عقله بالكامل:

-أنا هنا يا سلامة….يا سلامة أنا هنا.

-لا مش بهزر أنا بكلم جد، حد شاف جهاد؟؟ حد لمحها طيب؟

تلك المرة جاء الرد من إسلام تخبره مسببة في صدمته:

-روحت يا صابـر.

على الجانب الأخر وعقب استماع زهران لكلمات زهـر، التفت نحوها يردد:

-ده مين اللي بينادي على سلامة ابني؟؟؟ الواد رجع من السفر ومقاليش ولا إيه.

أما عن شكري فقد انتفخ صدره من الغضب، وبخطوات متعجلة ترك زوجته التي تهتف باسمه تحاول إيقافه مجددًا بعد أن نجحت في منعه المرة الأولى في حديثه مع سلطان كما أخبر جابر وزهران، لكن تلك المرة فشلت، وتقدم من سلطان يردد بعصبية لا يبالي لأحد فقط يرغب في أن يظهر في صورة الأب الصالح المثالي الذي لا يتحمل كل هذا العبث في حق فتياته:

-هو في إيـه بقى يا أبو جابـر، مش معقول التهريج والمسخرة اللي بتحصل دي، واحد يحضن والتاني يبوس والتالت فاكر نفسه سلامة وبيدور على جهاد، ده كله كوم بقى وأنكم جايبين رقاصة كوم تاني!!

ولعلو صوت شكري، تقدم قُصي والذي كان قد قام بمهمته في جعل الراقصة تتوقف وتغادر هي وفرقتها، متمتم ببسمة:

-مش عجباك صح؟ والله كنت متردد وكان في رقاصة تانية يخربيت جمدانها بجد، كان نفسي اجيبها والله يا عمو، ما أنا مش هلاقي أعز من آسـر وأحمد بس مع الأسف عرفت أنها اعتزلت واتجوزت، إن شاء الله على فرح صابـر وجهاد بقى تكون رجعت الملاعب واجيبها، ما أنا مش هلاقي أعز من صابـر وجهاد برضو.

هنا ودفعه سلطان يرمقه بنظرات متوعدة:

-اسكت أنت دلوقتي واركنلي على جمب.

وقبل أن يتحدث سلطان ويجيب على شكري وربما يقوم بتهدأته حضر زهران رفقة جابـر يستفسر بعد ما سمعه:

-أيوة ماله سلامة ابني معلش سمعتك جايب في سيرته.

جذبه جابـر تاركًا شكري مع والده يهمس لصديقه:

-مالك يا زهورة هي الرقاصة سطلتك ولا إيه، مش بيكلموا على ابنك والله، تعالى معايا بس.

بعد رحيلهم تنهد سلطان وثبت بصره على شكري يتحدث معه بهدوء يزيفه:

-أهدا يا أبو عوض، أنت قولتلي ناوي تسميه عوض برضو ولا أنا غلطان.

وعلى ذكر ابنه الذي لم يأتي بعد، لمعت عين شكري وهتف بثقة وفخر كبير:

-إن شاء الله.

-طب حلو يا أبو عوض، مالك بقى متعصب ليه، بالنسبة للي باس وللي حضن فعادي بتحصل والله العيال اتجوزوا، آه مش فرح بس دي حاجات بتعكس فرحتهم، وأحنا هنعوز إيه غير فرحتهم؟؟ أما بالنسبة لصابـر فـ أنا بصراحة مش عارف أقولك إيه بس الواد بيحب بنتك بجد، ده أنت المفروض تفرح يا أبو عوض هو في حد بيحب بالشكل ده اليومين دول.

________________

انتهى الحفل ورغب كل من أحمد وآسـر في إيصال الفتيات ولكن رفض شكري وتمسك بالرفض وتولى سلطان أمر أحمد وآسـر واقنعهما بالموافقة وترك الفتيات يذهبون مع والدهم…

كذلك رحل الجميع ولم يعد يتبقى سوى سلطان وعائلته، وخالد وقُصي ذلك الأخير الذي صمم على ألا يرحل، وذهبت والدته رفقة وسـام و زهـر.

-أنت كويس يا بابا؟؟؟

طرح جابـر سؤال على مسامع سلطان الذي ارخى ربطة عنقه وجلس على مقعد ما يشعر بالإنهاك والتعب الشديد بعد أحداث هذا اليوم الغريبة.

أبصره سلطان بجانب عيونه وهو يسأله بدلًا أن يجيبه:

-أنت شايف إيـه؟؟

-مش عارف حسك تعبان ومضايق على متعصب بعض الشيء.

وبتهكم واضح وصريح هتف سلطان:

-ما شاء الله كلك نظر وبتفهما وهي طايرة، أنا مش عارف ألاحق على إيـه ولا على إيـه.

وفجأة اعتدل في جلسته وبحث بعيونه عن قُصي والذي قرر أن يتحامى من بطش والده وجلس بين عابد ونضال كطفل صغير لا يرغب في نيل العقاب ويأخذ ممن هما أكبر سنًا وحجمًا درعًا له، خاصة أن والده يقف على مقربة منه يبصره بعيون متوعدة لا يريد أن يرحل سوى معه.

-رقاصة يا قُصي، جايب رقاصة!!! بقى أنت تعمل كدة!!!

هنا وعقب أحمد على حديث وكلمات جده، قائلًا بمرح كبير:

-مالك يا جدو مستغرب ليه وبتقوله بقى أنت تعمل كدة، ده محدش يعمل كدة إلا هو ده صايع وضايع ده.

جز قُصي على أسنانه يتوعد لـه ولكن الآن ليس الوقت المناسب.

زفر خالد بملل وهتف بنبرة محذرة:

-قوم يا قُصي يالا عشان نروح، كلامي مش هكرره تاني، يلا قدامي.

هز قُصي رأسه يمينًا ويسارًا يرفض باستماته الاستماع له والذهاب معه، ممسكًا بذراع عابد يتشبث به، مغمغم بطفولية بحتة لا تليق مع أفعاله الوقحة وتصرفاته المتهورة الذي لا يحسب لها حساب:

-لا مش مروح أنا قاعد مع عبودي، وهبات هنا النهاردة مع آسـر، والله ما هتحرك ولا رجلي هتعتب برة البيت ده، أنا مش مستغني عن عُمري.

بلل خالد شفتيه ثم أخبره بعد أن خطف نظرة نحو صابـر الصامت تمامًا ويليح عليه الشرود:

-قوم بقولك ومتخافش مش هعملك حاجة، اتحرك يلا عايز اتخمد الوقت اتأخر.

رفع قُصي سبابته وأشار نحو والده يخبر الجميع بفزع:

-سامعين قالي متخافش عارفين ده معناه إيه؟؟؟

شاركه آسـر الحديث وقال بابتسامة جانبية:

-أنك تخاف طبعًا دي مش عايزة كلام.

تلك المرة حول أصبعه نحو صديقه وقال وهو ينظر في عيون والده:

-أهو شوفت مجبتش حاجة من عندي ومن حقي أخاف، من الأخر كدة يا بابا أنا مش هروح أنا بايت هنا، أنت عايز تروح روح، أنما أنا مش مروح أنا مش مستغني عن عُمري، وعشان أريحكم أنا أسف يا جماعة على اللي حصل النهاردة، غلطة وندمان عليها.

صمت عقب قوله للكلمات الأخيرة ولكن هناك من عقب متذكرًا كلمات إحدى الأغاني، فصاح يدندن بصوت عالي ناهضًا من جلسته يؤدي ويمثل بأتقان وتأثر كبير:

-وبقولك واسمعيها قلبي مش ملك إيدك أو لعبة بتلعبيها غلطة…غلطة..ندمـــان عليها وبقولك واسمعيها..حسستك بالأمان واديتك الحنان وحاجات كتير زمان مقدرتيش تفهميها، قلبي ضيعتي حقه ضيعتيه رغم صدقه ونهاية حبه ليكي أنتِ اللي بتكتبيها.

وفجأة وجد وسادة تضرب وجهه تقاطعه عن المتابعة وقبل أن يرى الفاعل وصل له صوت سلطان ليدرك هويته قبل أن يراه:

-ده أنا اللي هقوم أنهي حياتك دلوقتي، أنت معندكش دم بقى أنا شايط ودمي محروق وأنت بتغني، حد يشيله من قدامي، شيلوه بسرعة هقوم امسك فيه…..

________________

ترك فريـد الجميع جالسون بالأسفل وجلس في غرفته كي ينفرد بذاتـه، وبعد مرور الكثير من الوقت ظل كما هو منذ أن ولج، حتى ملابسه لم يبدلها بعد، يفكر مع نفسه ويعاتبها، نادمًا على ما نطق وخرج من لسانه أمام صديقة زهـر.

“ريهام”.

تلك التي هتف بكلمات لم يعرف حتى كيف خرجت!!!

لو كان شخصًا أحمق ما كان قال ما قاله ويترك انطباعًا لديها بأنه يناظر الفتيات ويركز بتلك التفاصيل الذي لن يلاحظها إلا رجل زيـر نساء، خاصة أن الاثنان الذي ذكرهما ليس بالعادي أن يذكرهما.

لكنه رغب في فتح حديث ما ويلطف الأجواء بينهما بعد ما بدر من زهـر وانتباهه لتوترها الكبير، كما أنه كان على معرفة بفضل عائلته وخاصة زهـر بأنها خبيرة تجميل وأنها من ستزين ضياء و روضة في هذا اليوم، وما شغله أكثر هو ذهابها بعد حديثه معها، لم تتمهل وتجلس أكثر بل ذهبت سريعًا.

عند تلك النقطة رفع يده وضرب بها جبينه بخفة يسب نفسه بنفسه فقد تماسك كثيرًا طوال الحفل وأظهر لامبالاة وكأن شيء لم يحدث ولكن الحقيقة المُرة أن تفكيره وعقله ظل منشغلًا بها فأخر شيء قد يرغب به أن تفكر به وتراه بذلك المنظور، وها هو الآن ينفجر ويخرج ندمه هلى هيئة سباب مصوب لنفسه:

-غبي…وحمار بجد، إيـه اللي أنا قولته وهببته ده النهاردة، في بني آدم عاقل محترم يقول كدة، أنا بجد حمـــار، زمانها بتقول إيه عليا دلوقتي!!! واحد عينه زايغة بيبص وبيركز مع مرتات قرايبه!!! لا مش معقول هتقول كدة مستحيل…

لم يلتزم الصمت وعلق على حديثه:

-هو إيه اللي مستحيل يا ابن الهبلة، ده مش مستحيل ده أكيد ومليون في المية فكرت فيا كدة، مشوفتهاش مشيت علطول إزاي بعد الكلام اللي قولته!!!! بجد شكلي بقى زي الزفت قدامها و….

هنا ولاحظ حالته واهتمامه لرحيلها والصورة التي تشكلت عنه في رأسها، متمتم بملامح وجه قد ارتخت وأعين قد ضاقت:

-إيـه ده ثانية واحدة كدة!!! أنا شاغل دماغي بيها ليه!! ما اللي عايز يشوفني حلو يشوفني واللي عايز يشوفتي وحش يشوفني، أنا عارف أنا إيـه ونيتي إيـه!!! ده أنا غريب جدًا لا ومعكنن على نفسي طول الحفلة و واخد جنب، مش فاهم بجد أنا شاغل نفسي ليه، ما طـز في أي حد.

خلع سترته أثناء حديثه الأخير مقررًا أنه لن يبرر أو يفكر أكثر يكفي أنه يعرف نفسه وهذا يكفيه لذا لن ينشغل بها وكيف تراه فلتفكر كما تشاء.

ترك السترة أعلى الفراش ثم تسللت يديه إلى قميصه كي يحله متحركًا في ذات الوقت نحو الخزانة واخرج ملابس له ثم قصد دورة المياة وهو يدندن بصوت خافت كي يأخذ حمامًا وبعدها يغرق في سبات عميق.

ولج دورة المياة وبعد إنتهائه خرج وهو يرتدي منامته السوداء، والمنشفة بين يده يجفف خصلاته المبتلة، وعيونه تضيق يتمتم بخفوت وتفكير لم يتوقف رغمًا عن أنفه:

-يا ترى ياض يا فريـد بتقول عليك إيه دلوقتي.!!!!!!!

________________

تقف جهاد في منتصف مطبخ منزلها، تقضم من شطيرة قد أعدتها وتلتهمها والسبب لا يعود إلى شعورها بالجوع، بل بسبب ما حدث منذ وقت ليس بالطويل.

فكلما تذكرت كيف تهربت منه وجلست أسفل الطاولة ثم عثر عليها مروان ثم صابـر، وكأن لا يكفيها كل هذا واتفق العالم بأجمعه اليوم ضدها، خاصة توقف الموسيقى وصدح صوته واعترافه بل وجلوسه على قدم واحدة ورفع يده لها كأنه يمسك بعلبة بها خاتم زواج تشعر برغبتها الكبيرة في البكاء.

فقد وضعت في موقف حرج للغاية، موقف تمنت لو أن الأرض انشقت وبلعتها وألا يحدث ما حدث ولكن ليس باليد حيلة.

قضمت قطعة كبيرة من الشطيرة وانتفخت وجنتيها وهي تتذكر كيف استغلت للمرة الثانية استداره رأسه كي يرى سبب تلك الضجة والطبل البلدي الذي صدر من العدم، فلم يكن هو وحده بل الجميع اهتم بما يحدث عداها هي والتي لم تبالي وفي لحظتها حمدت ربها محتضنة حذائها وركضت حافية القدمين تلتقط حقيبتها الصغيرة التي من حسن حظها تواجدت على قرب منها وكانت تضع بها هاتفها ومفاتيح سيارتها ومنزلها وركضت بسرعة فائقة وكأنها في سباق ترفض الخسارة فيه.

ابتلعت ما في فمها ثم التهمت أخر قطعة في الشطيرة وهي تفكر في حالتها أثناء عرضه وما حدث لقلبها الذي لولا ما حدث لكانت وافقت ورضخت لمطلب قلبها، فقد داهمها الضعف، الحنين والشوق، لسانها رغم حالة الحرج كان سيوافق والدافع هو القلب وليس العقل.

العقل الذي استفاق وألهمها فكرة الهروب في الحال.

انتهت من تناولها ثم قامت بغسل يدها وقررت دخول غرفتها وإزالة حجابها والزينة المتواجدة على وجهها وتبديل فستانها فهي لم تبدل بعد وأول شيء قامت به حين وطأت قدميها داخل المنزل هو دخول المطبخ ولكن قبل أن تلج الغرفة استمعت لصوت الباب وأصوات شقيقاتها.

تحركت صوبهم وعلى الفور اقتربت منها عصمت تخبرها وهي تخرج هاتفها:

-جهاد مش هتصدقي اللي حصل بعد ما أنتِ مشيتي..بصي كدة الفيديو ده واضحكي.

التقطت الهاتف من يد عصمت وهي تلاحظ الضحكات المكتومة على وجه ضياء و روضة.

زفرت وهي تناظر شاشة الهاتف ولم تمر دقيقة حتى اتسعت عيناها مما تراه وتسمعه فبعد أن كانت الراقصة هي من تظهر به حل صابـر محلها وهو ينادي عليها وباسمها عبر مكبر الصوت منصتة لرد زهـر عليه وكذلك إسلام.

اخفضت الهاتف وهي تردد بشرود وعيون جاحظة:

-ده اتجنن خلاص.

اقتربت منها روضة وهمست لها:

-بيكِ، اتجنن بيكِ قولي الجملة صح.

ابتلعت جهاد ريقها ثم سألتهم تحاول تخطي ما رأته وسمعته وعايشته:

-أنتوا جايين لوحدكم ولا إيـه؟ أحمد وآسـر موصلكوش؟؟؟

-لا يختي بابا مرضيش خالص وحلف ما يحصل وقال أنه هيوصلنا هو، ويدوبك خرجنا لقيناه سبنا وخلع هو، وسـارة كتر ألف خيرها هي اللي وصلتنا وقالتلنا صح نقولك أنها هتروح عشان مامتها كلمتها و زعلانة منها عشان مش بتشوفها.

في ذات الوقت وبالعودة إلى منزل سلطان وتحديدًا غرفة صابـر، نجده لا يهدأ والهاتف على أذنيه يحاول الأتصال عليها، فقد حاول المقاومة وألا يخطو تلك الخطوة بعد ما فعلته بها وترك قلبه معلقًا دون جواب يريحه ويبثه السعادة المنتظرة.

ظن أنها قد لا تجيب وتتجاهل اتصالاته مثلما فعلت في الفترة الأخيرة فمنذ تغزله بها عبر الهاتف وهي لا تجيب عليه وتتجنبه تمامًا، وبالأمس كان يراها لأول مرة منذ تلك المكالمة، حقًا اشتاق إليها كثيرًا.

وربما تلك المرة تجيب عليه ولكنها قد تأخذ وقتًا، وفي الحالتين هو لن يمل أو يكل متحدث مع نفسه بتلك الكلمات “ماشي يا جهاد يا أنا يا أنتِ، لما أشوف آخرتها معاكي.”

وصل له صوتها مخالفة توقعاته، مسبقة إياه قائلة بعنفوان:

-أنت إيـه اللي عملته النهاردة ده!!! أنت اتجننت يا صابـر!!!

اعترف مصرحًا بجنونه وعشقه بها بانفعال بسيط:

-أيوة اتجننت، اتجننت يا جهاد، اتجننت بيكِ!! أنا مأجرمتش أنا واحد عاشق ومش طايل، مستنية مني اعمل إيـه وأنا مش طايلك، أنا عارف، عارف أن لولا اللي حصل النهاردة كان زمانك وافقتي، كفاية تعذبي فيا، كفاية يا جهاد، كفاية بجد، أنتِ مش عارفة أنتِ عاملة فيا إيـه.

اعترف بجنونه بها، كلماته هي ذاتها التي قالتها وألقتها روضة على مسامعها، الجميع يلاحظ تغييره وما فعله الحب به، فلو كانت عجائب الدنيا سبع فهو بتبدله هذا سيكون الثامن.

ابتلعت ريقها وقد شعرت أن الهدوء تغلغلها وتمكن منها، معلقة بكلمات كاذبة وبهدوء يناقض الطريقة التي تحدثت بها منذ لحظات:

-مين قالك أني كنت هوافق سواء اللي حصل كان حصل أو لا أنا برضو مكنتش هوافق، ممكن كفاية تضغط عليا.

وبقوة امتزجت بكثير من المشاعر الصادقة الحقيقية، أضاف:

-بضغط عليكي دي لما أكون فارض نفسي عليكي وحبي من طرف واحد، بس أنا عارف أنه مش من طرف واحد أنا مش أعمى يمكن زمان كنت أعمى بس دلوقتي فتحت، مش لوحدي اللي عايزك، أنتِ كمان حباني وعايزاني زي ما أنا بحبك وعايزك، أنا فاهمك يا جهاد وفاهم خوفك، بس عايزك تثقي فيا، ثقي فيا وامسكي أيدي متسبيهاش، علشان مش هعرف أكمل من غيرك، هرجع تاني جسم من غير روح!! جهاد أنتِ روحي اللي حسيت أنها بتترددلي، متأخديهاش مني تاني.

أطلقت نفسًا طويلًا حبسته طيلة حديثه، وقلبها يرتجف كالعادة في حضرته، مسحت على وجهها ثم خرج صوتها مهتزًا:

-أنا هنام تعبانة ومش قادرة أقعد ولا أتكلم أكتر من كدة، طاقتي خلصت تصبح على خير.

أنهت المكالمة وبعدها دفعت جسدها على الفراش تلتقط أنفاس باتت متسارعة أكثر وأكثر.

بعد إغلاقها أزاح هو الهاتف وبقى جالسًا كما هو، لحظات وكان ينهض ويفارق غرفته يعرف إلى أين يذهب وماذا سيفعل بالتحديد.

وعلى حين غرة قام بفتح باب غرفة آسـر يبحث بعيونه عن قُصي السبب الرئيسي في استمرار أرقه وألم قلبه.

ومن سوء حظ قُصي أن آسـر كان بدورة المياة وهو يتمدد على الفراش وكعادته هاتفه بين يديه ولكنه شعر بالفزع وكاد الهاتف يسقط منه على أثر دخول صابـر المباغت، متمتم بتذمر:

-إيـه يا عم، مش تخبط قطعتلي الخلف و..

ابتلع باقي كلماته وهو يراه يصفق الباب بغضب ويلتهم المسافة التي تفصله عن قُصي قافزًا على الفراش وهو يخبره بشر يشع من عيونه ونبرته الجحيمية:

-أنا فعلًا ناوي على كدة.

وبسرعة ولتفادي ذلك الشر الذي يراه انتفض قُصي وفر قبل أن يمسك به، متمتم بعيون متسعة:

-في إيـه مالك أكبرلك في ودانك طيب، أنت ملبوس هو أنا جيت جمبك، وبعدين هو أنا هربان من أبويا عشان تطلعي أنت، آسـر…واد يا آسـر الحقني يـــاض.

-فكرك هينجدك من أيدي ده أنا مش هحلك النهاردة ده أنا هشرب من دمك ياض.

-طب وليه الأفورة دي، يعني هو أنا قاصد يعني أن الدانسر تيجي وأنت بتتقدم لجهاد وبعدين كدة كدة كانت هترفضك تاني، أنا عتقتك من الكسفة اللي كنت هتتحط فيها، وبعدين أنت مجنون ما أنا كنت قدامك تحت وكنت عادي، جاي تفتكر دلوقتي؟؟؟

الحديث يدور بينهما والاثنان يركضان ويدوران خلف بعضهما بشكل دائري وفي نهاية حديث قُصي نال منه صابـر محققًا مبتغاه ممسكًا به محكمًا ذراعيه حول رقبته مما جعل الأخر يشعر بالاختناق وجسده يتلوى يحاول التحرر، أما صوته فكان يخرج مختنق وبصعوبة:

-هموت يخربيتك، الحق عليا يعني أني….

لم ينصت صابـر إلى كلمات قُصي بفضل أحمد الذي اقتحم الغرفة هو الأخر ورأى ما يحدث بين الاثنان وكيف يمسك صابر برقبته وقُصي على وشك أن تفارقه روحه:

-يا مصيبتي أنت بتعمل إيه سيب الواد..

-وربنا ما هسيبه كل اللي حصل بسببه، جهاد كان زمانها موافقة أنا هشرب من دمه وهصفيه خالص واريح البشرية منه.

هنا وخرج آسـر من دورة المياة وعلى الفور استنجد بـه قُصي وكأنه طوق النجاة بالنسبة له وقد كان.

فقد جحظت عيونه وهو يرى ما يحدث لصديقه المقرب، متمتم بحنق:

-أنت بتعمل إيه ابعد عنه.

لم يكتفي بالكلمات واقترب يبعده عنه ورغم صعوبة الفصال بينهم إلا أن صابـر قد ارخى قبضته وتركه بالفعل قبل أن يختنق بالكامل.

هنا وسعل قُصي وبدأ يلتقط الأنفاس بصوت عالي، فلم يقف أحمد مشاهدًا وتحرك يحضر له كوب من الماء ومنحه له، ارتشفه الأخر وبعدها ثبت قُصي نظراته على صابـر وهتف بوعيد:

-عايز تموتني طب وربنا لوريك.

قرر صابـر الرحيل وقبل أن يفعل علق بنبرة محذرة:

-ملمحكش لو لمحتك بلاش أقولك هعمل فيك إيـه وأحمد ربنا وبوس أيدك وش وضهر أنهم خلصوك مني يا قُصي.

بعد رحيل صابـر لم يتبقى سوى الثلاث معًا والصمت رابع لهم، صمت هدأت خلاله أنفاس قُصي ولم يقطعه إلا رنين هاتف آسـر والذي أدرك المتصل قبل النظر بالهاتف.

وكيف لا يفعل وهو من أخبرها قبل رحيلها أن تتصل عليه بمجرد وصولها.

أجاب عليها لا يبالي بتواجد كل من أحمد وقُصي الذي منذ ثواني كان على مشارف الموت ومفارقة الحياة.

-إيـه يا حبيبتي روحتي؟

-آه وصلت من شوية ويادوبك غيرت وكلمتك.

-ليه يا ضياء ليه يا حبيبتي مش قولتلك تكلميني أول ما توصلي علطول، وبعدين حقك عليا متصلتش بس أصل كان في خناقة على الضيق وصابـر مسك في قُصي.

أثناء حديثه معها انكمش وجه قُصي اشمئزازًا من كلماته المبالغ بها في نظره، ولكن عند وصول آسـر إلى النقطة التي تخصه، قام بلكزه وهو يردد بخفوت:

-ما تحترم نفسك واستر عليا، لازم يعني تقولها كل حاجة أول بأول، ما تمسك ميكروفون أنت التاني وعرف الكل أن صابـر مسك فيا.

استدار آسـر برأسه نحوه يخبره بهمس:

-مراتي يا عم، مراتي أقولها اللي أنا عايزه بكيفي مش بكيف حد تاني.

وقبل أن يأتي أي تعقيب منهما كان صوت أحمد يدوي في الأرجاء وهو يدفع بجسده أعلى الفراش وبسمة بلهاء على وجهه، يردد تلك الكلمات على مسامع روضة التي اتصل ما أن أدرك بأنهما وصلا فرغب في الاطمئنان عليها:

-مكلمتنيش ليه كنت مستنيكي، ومرضتش أكلمك يكون حمايا العزيز الحبيب معاكم لسة وهو من غير حاجة كان على أخره ومعرفتش أكلمك غير دلوقتي لما لقيت ضياء كلمت آسـر، أصل أنتِ مشوفتيش اللي حصل صابـر مسك في قُصي و…

هنا وصاح قُصي قي الاثنان مهللًا لهما وهو يقف أعلى الفراش يناظر كل منهما:

-في إيـه يــالا أنت وهو، هو أنتوا لازم تقولوا التفصيلة دي يعني وتفضحوا اللي خلفوا قُصي، أقولكم على حاجة أنا هروح لبابي، بابي أولى بيا أنا غلطان والله، والله أنا غلطان.

هنا وأنهى آسـر المكالمة مع ضياء واعدًا إياها بالحديث معها في الغد، ملحقًا بالأخير يمنعه من الذهاب، بينما تحرك أحمد وعاد لغرفته كي يأخذ راحته في الحديث مع زوجته عبر الهاتف.

________________

في وقت المغرب من اليوم التالي، لم تغادر جهاد المنزل ومجددًا تجاهلت صابـر عن عمد، ومع تكرار اتصالاته قامت بإغلاق هاتفها.

والآن وأثناء جلوسها رفقة عصمت، إحسان، رضا، ضياء، وروضة يشاهدون إحدى الافلام، قاطع تركيزها قرع الجرس.

كادت رضا أن تهرول راكضة كي تفتح، فأوقفها صوت جهاد تخبرها وهي تنهض هي:

-خليكي يا رضا أنا هفتح.

فتحت الباب دون النظر من خلال العين السحرية، وسرعان ما وقع بصرها على الطارق والذي كان هــو.

صابـــر.

ابتسم لها وسلبها فرصتها في الحديث، قائلًا بابتسامة عابثة لائمته كثيرًا:

-فاكرة لما مترديش عليا وتقفلي موبايلك مش هعرف أوصلك؟؟؟

بللت شفتيها وسألته بصوت خافت:

-عايز إيـه يا صابـر هو إيـه شغل العيال ده أنا زهقت على فكرة وبجد عُمري ما شوفت كدة.

قام بتقليدها وأخفض من نبرته هو الأخر قائلًا:

-ولا هتشوفي، وبعدين ده مش شغل عيال ده شغل عشاق وبالنسبة عايز إيـه فـ أنا قولتهالك بدل المرة اتنين وتلاتة وأربعة كمان، عايز أتجوزك يا جهاد، وعشان تبقي عارفة رجلي مش هتتحرك من هنا غير وأنتِ موافقة و…

-ماشي موافقة يلا امشي.

وكأن عقله لم يستوعب ردها والذي أتى تلك المرة بسهولة وبسرعة لم يتوقعها ويستوعبها العقل، مضيفًا ومتابعًا حديثه لا ينتبه بعد:

-بقولك مش ماشي غير لما توافقي و….إيـه أنتِ قولتي إيــه!!!!

بذلت مجهودًا كبيرًا في إخفاء بسمتها من رد فعله، فاليوم قد قررت اختباره و رؤية رد فعله وما سيفعله إذا أغلقت هاتفها، وقد كان رد فعله كما توقعت تمامًا وأتى بنفسه حتى عتبة منزلها ولذلك منعت رضا من فتح الباب ولم تنظر في العين وفتحت على الفور لتجده هو بشحمه ولحمه مؤكدًا لها تمسكه بها وعشقه اللانهائي لها.

كررت على مسامعه موافقته وعيونها لا تفارق وجهه وصدمته التي تشكلت على وجهه:

-قولت أني موافقة أتجوزك يا صابـر.

««يتبع»»……

فاطمة محمد.

متنسوش تقولولي رأيكم في الفصل وعايزة تفاعل حلو زيكم. 🫵🏻❤✨

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق