رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثامن والستون
الفصل الثامن والستون
الفصل إهداء إلى جميلاتي نيجار المحمدي، و هبة مجدي بمناسبة عيد ميلادهم وأحب أقولهم كل سنة وأنتم طيبين يا حلوين وإن شاء الله تبقى سنة جميلة وسعيدة وتحققوا كل اللي نفسكم فيه. ❤
___________________________
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الثامن والستون:
-أنتِ هتعمليهم عليا؟؟ عايزة تفهميني أنك متعرفيش!!! خليكي دوغري معايا ومتلفيش و دوري عليا.
عقب شكري على سؤالها وادعائها الكاذب مثلما يظن ويراه.
لم تلتزم الصمت وتصبح قليلة الحيلة أمامه، بل هتفت تدافع عن نفسها:
-اللف والدوران ده مش بتاعي، أنا لو عارفة فعلًا زي ما بتقول مش هسألك أنا لسة عارفة منك دلوقتي…هو بجد جوازته اتفركشت؟؟
ضاقت عينه بشك لا ينتهي، ثم سألها:
-هيفرق معاكي.
آتاه جوابها صادمـًا بالنسبة لـه.
هزت رأسها بإيجاب ثم ردت بصدق:
-آه هيفرق وهيفرق أوي كمان، أنت مش عارف أنا مدمرة إزاي وعايشة إيـه، أنا عايشة عيشة مش بتاعتي ومش راضية عنها وكل ده بسببك، أي حاجة بتحصلي بسببك، وبسبب قسوة قلبك علينا، جاي تسأل دلوقتي ليه؟؟ خايف مش كدة؟؟ خايف أنا وصابـر نبقى مع بعض مش كدة؟ أنت المفروض كنت تيجي تاخدني في حضنك تطبطب عليا، قولي مالك فضفضي يا بنتي أنا موجود وجمبك ميهمكيش من أي حاجة، تيجي تسألني إيـه اللي حصل وسبتي عـادل ليه بس مش أنت اللي تعمل كدة، عُمرك ما فكرت فينا ولا حبتنا، جاي بتحاسبني على إيـه دلوقتي أنا عايزة أفهم.
ابتلعت ريقها ثم تابعت لا تكتفي بكل ما ألقته في وجهه:
-فرضًا قولتلك آه متفقين أنا وهو زي ما بتقول إيـه اللي هيتغير معاك؟؟؟؟
أنت رمتني في النار بأيدك و وقفت تتفرج عليا وأنا بتحرق، وقفت تشجعني على الغلط مدام بعلمك وبيجبلك فلوس ملهاش أول من أخر، أنا بالنسبالك زي الـ ATM بتسحب منها وبس، بتعاملني على أني آلة معنديش لا قلب ولا مشاعر، بس اللي أنت متعرفوش أو عامل مش واخد بالك منه أن أنا عندي الاتنين….كفاية بقى كفاية، أنا تعبت، والله تعبت، أنا بس كان نفسي أتجوز البني آدم اللي بحبه وبيحبني، يبقى عندنا ولاد اهتم بيهم وبيه، أحلامي كانت بسيطة…بس كل ده اتبخر معملتش حاجة منه، أنا ضحكت على نفسي وهمتها أنها نسيت وكل ده ليه!؟! عشان أعرف بس أكمل، أنا كنت بموت في اليوم مليون مرة ومحدش كان عارف ولا حاسس حتى أنا مكنتش فاهمة نفسي ولا إيـه اللي بيحصلي، أنت بتعمل معايا كدة ليه وجايب القسوة دي كلها منين قولي، هو أنا مش بنتك..واللي جوه دول بناتك ولا جايبنا من الشارع، قولي يمكن أكون فاهمة غلط.
تماسك شكري بصعوبة كان يملك ردودًا لن تعجبها بالمرة ولكنه لم يفصح عن أي منها وظل ساكنًا، فقط استمع جيدًا إليها.
وبعد أن حل الصمت ولم يبقى بينهما سوى النظرات المتبادلة، أخبرها بهدوء قبل أن يترك مكانه ويرحل مغادرًا المنزل دون حتى سلام:
-عابـد كلمني وحب أننا نحدد ميعاد وأنا قولتله بعد بكرة حلوة أوي، وقولت أقولك عشان تعملي حسابك.
بعد ذهابـه اقتربت من أقرب مقعد ودفعت جسدها عليه مائلة برأسها للأمام تستند على يديها وأصابعها تغلغلت بين خصلاتها المنسابة على وجهها.
طاقتها قد نفدت، والألم غمرها بنجاح وبنسبة مئة بالمئة.
ظلت جالسة مثلما هي لوقت لا بأس بـه وما أن شعرت بأنها قد أضحت أفضل نهضت وتحركت عائدة لغرفتها.
وقع بصرها على سـارة التي لا تزال نائمة لم تستيقظ بعد.
جلست بجوارها وقالت بهدوء:
-سـارة…سـارة.
رفعت رأسها عن الوسادة وفتحت عين واحدة تناظر صاحبة الصوت مجيبة ببراءة كالأطفال:
-نـعم.
-أنا بقيت أكره صنف الرجالة.
ابتسمت لها فخورة بها، قائلة وهي تهبط برأسها مرة أخرى على الوسادة تستجيب للنوم:
-جدعة.
أوصدت جهاد عيونها، وأطلقت تنهيدة تحمل من الشوق ما يكفي، متابعة بما لم تسمعه سـارة التي لم تكن معها بالمرة:
-لا مش جدعة ولا حاجة، المفروض أني بقيت أكرهم، بس ليه لسة بحبه، وليه أول ما سمعت أنه فركش فرحت، ليه بجد.
حمقاء، أكبر حمقاء تسأل عن سبب فرحتها عند تلقيها لخبر ألغاء زفافه وإنتهاء آمره وهي بالأساس قد أجابت عنه والأجابة بسيطة وهي أنها لا تزال تحبه وتكن لـه الكثير من المشاعر.
مشاعر لم تخمد أو تقل…بل فاقت ما كانت تشعر بـه من قبل.
هل الفراق والبعد عن من نحب يفعل بنا كل هذا!!!!
يجعلنا نعرف ونشعر بقيمته وأهميته بالنسبة لنا.
يجعلنا نتمنى لو نحظى بفرصة أخرى جديدة وأخيرة ننتهزها ونعوض بها ما فاتنا بعد أن تعلمنا الدرس، ونتمسك به جيدًا ونحافظ عليه كي لا يضيع مرة أخرى.
ظلت جالسة مثلما هي شاردة تفكر بـه وحده.
حتى أنها تناست أخبار ضياء بموعد قدوم آسـر لطلبها، طالت جلستها وطال إنشغالها بـه، وهذا ما جعلها تنهر نفسها وتعاتبها عما تفكر وتفعل بها.
أخذت نفسًا طويلًا ثم قررت إيقاظ سـارة، مدت يدها وهزتها برفق مرددة اسمها عدة مرات:
-سـارة، سـارة، يا سـارة اصحي بقى هتفضلي نايمة اليوم كله ولا إيـه؟؟ قومي يلا.
تململت سـارة وهتفت بصوت يغلبه النوم:
-حاضر، هقوم أهو
مرت دقائق وكانت استيقظت بالفعل وأعدت جهاد لهما شطيرتين من الجبنة ومعها كوبان من القهوة سريعة الذوبان.
وأثناء تناولهما لهما، شردت عين جهاد لثواني تفكر في شيء ما، وبدون مقدمات قالت:
-خلصي اكل بسرعة متتلكعيش عشان هنفتح لايف.
ضاقت عين سـارة ثم ابتسمت بسمة جانبية تسألها:
-ناوية على إيـه؟
-على كل خير إن شاء الله.
دقائق مرت وكانت تجلس جهاد بمفردها أمام شاشة هاتفها بعد أن قامت بفتح بث مباشر.
كانت بمفردها سـارة لا تظهر معها، قابعة خلف الكاميرا تتابع ما ستفعله وتقوله.
رحبت جهاد بالمتابعين، وانهال عليها التعليقات الإيجابية والسلبية كذلك، وبعد إنتهاءها من الترحيب، بدأت الحديث معهم فيما حدث:
“قبل ما أقول أي حاجة حبة أشكر أي حد بيحب جهاد وبعتلي برايفت أنا قريت كل الرسايل اللي وصلتلي وحقيقي شاكرة جدًا لكل اللي اهتم بيا، وأنا طالعة النهاردة عشان احكي حكايتي وافيد غيري وهقفل الكومنتات عشان أعرف اتكلم براحتي ومش عايزة حد يبعتلي أي حاجة، عايزاكم بس تسمعوني….”
ثم أطرقت رأسها بخذلان وخزى تتذكر ما حدث قبل سنة واحدة.
تلك السنة التي انقلبت حياتها خلالها رأسًا على عقب.
يثاورها الندم على كثير من القرارات التي اتخذتها ولكن الندم لن يفيد بشيء.
زين ثغرها بسمة عكست الوجع التي تشعر بـه فور تذكرها كيف خدعها عـادل ودمرها وكان وراء الصور والفضيحة التي حدثت لها:
“هبدأ من موضوع الصور اللي نزلتلي أنا والشخص اللي كان في حياتي، عشان مش حبة حتى انطق اسمه، وقتها مكنش في أي حاجة بيني وبينه وقعدت معاه مدياله ثقة معرفش جبتها منين، المهم أنه يومها صاحبه كان معاه وقام وسابنا عشان اعرف اتكلم معاه في الموضوع اللي أنا ريحاله عشانه، وساعتها هو اللي صورنا والصور نزلت عن طريقهم وده طبعًا لأجل الريتش اللي وقع عنده بعد سـارة ما سابته.”
تنهدت ثم تابعت وهي تخطف نظرة نحو سـارة الصامتة تمامًا:
“مكنتش أعرف أنه هو اللي نشر الصور، الصور دي بسببها أنا كلت علقة موت من أبويا، بس طبعًا كل ده ولا يفرق معاه، أهم حاجة مصلحته هو وبس، وأنا مع الأسف صدقته، اديته ثقة ميستحقاش، كان شاطر أوي عرف يخفي وشه الحقيقي، لعب عليا واستغلني، حاجات كتير أوي في حياتي اتغيرت بسبب حوار الصور ده، المهم أنه كمل في التمثيلية دي عليا كتير وغفلني وافتكرت أنه بيحبني بجد، بس هو محبنيش.. وخاني، أنا اتخنت على فكرة…”
شعرت بثقل سواء في لسانها وحتى قلبها، فالخيانة مؤلمة لأي امرأة حتى ولو كانت لا تحب من معها أو توهم نفسها بحبه، بللت شفتيها ثم رسمت بسمة يغزوها الوجع، متابعة محل توقفها:
“خاني في نفس اليوم اللي دخل فيه بيتي مع أهله واتفقنا على كل حاجة، وطبعًا معايا دليل على خيانته بس مش هعرضه مش هينفعكم بحاجة وهيخدش حيائكم، المهم أنه خاني بكل بجاحة..ومش بس كدة موضوع الانفصال اللي حصل ده بالنسباله كان كدبة وفيلم عليكم، هو اللي عرضها عليا عشان نعلي الريتش ونبقى تريند، بعد ما صاحبه اقنعه، بس اللي مكنش يعرفه أن صاحبه بايعه من زمان، والدليل اللي معايا على خيانته معايا بفضل صاحبه، بس متفكروش أنه عمل كدة لله وللوطن كان في مقابل مادي، صحيح كنت هنسى أقولكم أني قولتله اقلع الحجاب و وافق عادي معترضش..”
زفرت عاليًا و وضعت يديها أعلى عنقها، ثم تابعت:
“أخر حاجة هقولها في الموضوع ده أني عايزة اشكر سـارة…تعالي يا سـارة..”
استجابت لندائها ودنت منها ثم ظهرت معاها، وعلى الفور أضافت جهاد وهي تنظر لها بامتنان:
“حبة أشكر سـارة عشان هي اللي فتحت عيوني وخلتني أشوف حقيقته وأخرجه نهائيًا من حياتي، ودلوقتي هفتح الكومنتات وهنرد عليكم وأرجوكم مش عايزة تنظير من حد عليا وعلى اللي عملته وقولته عشان عارفة ممكن حد يقولي أنتِ كدة فضحتيه وحرام وكان ممكن متقوليش، أجابتي وقتها هتكون بسيطة وهقول أنا رد فعل مش فعل ومحدش يلومني على رد فعلي، أنتِ ممكن تسكتي عن حقك أنا لا…ولو أنا أذيته دلوقتي وفضحته زي ما هيشوف شوية منكم، فهو كمان أذاني كتير ومترددش لما نزلي صور معاه وخلى الناس تخوض في شرفي وعرضي، إيه مكنش حرام وقتها؟؟؟ ولا هو حلال ليه وحرام عليا، أقولكم ياريت تغيروا بقى الموضوع خالص وأسألوني أنا وسـارة في أي حاجة تانية..”
على الطرف الآخر كان صابـر يجلس على إحدى الطاولات في مطعمه، لا يعمل تاركًا كل شيء خلف ظهره ما أن وصله إشعار على حسابه المزيف بأنها تقوم ببث مباشر.
سمع كل حرف يخرج من شفتيها باهتمام، استمع لمعاناتها وما مرت بـه خلال تلك السنة مع ذلك الرجل والتي بالمناسبة لم تذكر بالمرة أنها أحبته.
تأججت النيران داخله وهو يعرف للتو بأنه من كان خلف ما حدث معها وسبب تعرضها للأذية على يد والدها، وكذلك خيانته لها مع امرأة أخرى.
أي رجل هذا قد وقعت معه!!!!
ألا يدري كم يتمناها قلبه ويحلم بها هو!!
اعترته رغبة بالنهوض والذهاب إليه وتلقينه درسـا لن ينساه في حياتـه بأكملها على ما اقترفـه في حقها.
لكنه استطاع ونجح في التحكم في نفسه وتهدأتها متابعًا البث المباشر يصبر فؤاده برؤيتها عبر شاشة هاتفه.
منتبهًا لجوابها على سؤال أحدهم والتي قامت بتكراره والإيجاب عليه بصدق:
“في واحدة بتسألني لو حبيت واحد وطلب مني أوقف لايفات ومطلعش تاني على السوشيال ميديا هعمل كدة؟؟ هقولك مش عارفة بس الأكيد أني يوم ما هاخد أي قرار هاخده علشان أنا مقتنعة بيه مية في المية وحسة أنه ده هيبقى الأفضل والأحسن ليا. ”
________________________
استيقظ عـادل من نومه…النوم الذي لا يعد نوم من الأساس…فقد عانى من الأرق طوال الليل وعندما نجح أخيرًا لم يكن متواصل بل متقطع يستيقظ منه كثيرًا.
تلك المرة فتح عيونه وظل ممددًا مثلما هو شاردًا في سقف غرفته.
لحظات وكان يمد يده ويلتقط هاتفه الموضوع بجواره وعلى الفور حاول الاتصال بها يحاول إقناع نفسه أنها لا تزال معه لم تتركه وكل ما مر كان مجرد كابوس ليس أكثر.
ولكن الكابوس لم يكن كابوس بل واقعًا، هي بالفعل حظرته.
وكأن حظر الاتصال لم يكفيه فآتى بتطبيق التيك توك وقام بفتحه وقبل أن يضغط على رز البحث، ظهر له مقطعًا مريبًا، جعل الصدمة تتمكن منه ويتجمد محله.
فقد شاهد فيديو يجمع جهاد وسـارة في غرفة نوم جهاد ومن الواضح أنه كان بث مباشر مما يراه من تعليقات مكتوبة وهدايا تبعث لهم وهما يثرثران ويضحكان كأنهما صديقتان منذ زمن.
لم يسمع ما يقال به فمن قام بانشاءه لغى الصوت الأساسي و وضع إحدى الأغاني.
انتفض من النوم وأضحى جالسًا على الفراش.
مسح على وجهه بيد ويده الأخرى لا تزال ممسكة بالهاتف يحاول تكذيب ما تراه عيونه.
وعلى الفور آتى بالبحث كتب بـه.
“جهاد وسـارة..”
وبفضل البحث ظهر لـه فيديو يظهر بـه صوت جهاد واستمع لما تفوهت بـه في حقه في البداية وانتهى المقطع باستدعائها لسـارة.
حالته صعبة الأمر معه تخطى الصدمة وكان كالزلازل الذي اجتاح روحه.
الصدمات توالت…
جهاد عرفت بما فعله من نشر الصور حتى خيانته لها.
والسبب في كل هذا صديقه الذي قام ببيعه!!!!!
ما ظنه مستحيل لم يعد مستحيلًا، تم خيانته من قِبل صديقه ومن وثق بـه.
ترك الهاتف بقلب لا يعرف على ماذا يحزن تحديدًا.
أخذته قدماه لخارج الغرفة يبحث عن صديقه، وكل ما يدور ويتساءل عنه هو
“لماذا….”
لم يجده بالخارج فتحرك نحو غرفته، وقد كان بابها مفتوحًا، و وقع بصره على الخزانة
المفتوحة كذلك وكانت خالية من ملابسه وحقيبته التي كانت تتواجد لم تعد تتواجد مما جعله يدرك في لحظتها بأن صديقه قد رأى البث و فر هاربًا قبل أن يستيقظ.
تلك المرة نطق باختناق واضح وهو يعود بادراجه نحو غرفته كي يأتي بالهاتف ويتصل عليه.
-ليـــه….ليـــه يعمل معايا كدة.
آتى بـه وقام بالاتصال عليه ولكنه قام بحظره هو الآخر.
أوصد جفونه يشعر بأن الدنيا تدور بـه وكل شيء انتهى.
فقد هرب بالفعل وتركه دون أن يخبره لماذا فعل بـه كل هذا!!!!!!!!!!!!
سلبه حق السؤال وتركه في حيرة من أمره.
__________________________
-أنا حسة أني ناسية حاجة، إيـه هي مش عارفة، وبحاول أفتكر.
ألقت جهاد كلماتها على مسامع سـارة الممسكة بهاتفها تلعب عليه إحدى الألعاب بعد أن انتهى الاثنان من البث منذ وقت وقاموا بإغلاقه.
رفعت سـارة بصرها عن الهاتف تنظر لها، تسألها:
-بتحصل معايا ساعات، شوية وهتلاقي نفسك افتكرتي.
-أنا اللي مجنني أني فاكرة أنها حاجة مهمة ولازم اعملها، بس هي إيه مش عارفة ومتعصبة و…..أحيـــــه…نسيت أقول لضياء أن الناس جاية بعد بكرة.
وعلى الفور تحركت جهاد لخارج الغرفة وهي تردد اسمها تنادي عليها…وأثناء مناداتها وبحثها سمعت صوتها هي و روضة يأتي من المطبخ.
هرولت نحوه وما أن ولجت حتى أخبرتها:
-ضياء نسيت أقولك اللي حصل حقك عليا اتلهيت مع الحوار اللي جه عشانه أبوكي، المهم آسـر وأهله جايين بعد بكرة…ألف مبروك يا حبيبتي ربنا يتتمملك على خير يارب..
سعدت روضة من هذا الخبر ولأجل شقيقتها وخرج صوتها مباركًا لها:
-يا روح قلبي ألف مبروك.
وزعت ضياء نظراتها على الاثنان ثم هتفت بقلق وتوتر من الطبيعي حدوثه ويحدث لكثير من الفتيات:
-بعد بكرة إيه ليه السرعة دي هما مستعجلين كدة ليه، أحنا مش هنلحق نعمل حاجة…وكمان الامتحانات.
نفت جهاد كلماتها ثم أخبرتها بمرح وهي تغمز لها:
-مش هنلحق نعمل إيه بضبط؟؟ أحنا بكرة ننزل نجيبلك دريس جميل شيك يأكل منك حتة يخليه مش قادر يشيل عينه من عليكي ونخلص كل اللي ورانا بسرعة بسرعة وهكلم النهاردة أم محمد تيجي بكرة تعمل البيت ونسيب معاها إحسان وعصمت ورضا، ومش بس كدة يا ستي هكلملك ريهام أشوفها لو فاضية وينفع تيجي تعملك ميكب آب ولو مش فاضية أشوفلك غيرها، الموضوع سهل متعقديهوش، بالنسبة بقى امتحاناتك فـ إيه المشكلة برضو..أنتوا اتغديتوا؟؟
نفت روضة وقالت بهمس:
-لا كنا بنحضر الاكل أهو…صحيح يا جوجو إيه اللي لم الشامي على المغربي، أنا اتصدمت لما ضياء قالتلي أن سـارة نامت هنا.
-آه أنتوا شكلكم مش متابعين أختكم ومشفتوش اللايف، ابقوا خدوا جولة كدة وهتعرفوا، المهم يلا حضروا ونادونا عـ..
قطع حديثها صوت طرقات عنيفة على الباب صاحبها صوت عـادل الذي بدأ يصرخ بجنون وبعلو صوته مدركًا أن سـارة معها:
-افتحي يا جهاد….افتحي يا سـارة أنا عارف أنك جوه…افتحوا.
غادرت الفتيات المطبخ وذهبوا نحو باب المنزل…وفي ذات الوقت اقتربوا البقية ومن كانت تمكث بغرفتها خرجت هي الآخرى وكان من بينهم سـارة والتي تقدمت من جهاد تخبرها:
-أكيد شاف اللايف، متفتحيش سبيه ولما هيزهق هيمشي لوحده.
تفاقم حنقه وزادت ضرباته على الباب يصرخ بهم:
-افتحوا بقولكم…أنا مش ماشي من هنا قبل ما أعرف ليه عملتوا فيا كدة ليه كلكم!!!!
كلماته وسؤاله كأنه الضحية لم يفعل شيء سوى أنه استفز جهاد وبدون تفكير تلك المرة أخبرت شقيقاتها بالدخول لغرفهم هاتفة بتحذير:
-خشوا جوه مفيش واحدة فيهم تفكر تطلع يالا.
ثم آتت بخمار وضعته عليها ثم اقتربت من الباب وفتحت لـه واقفة أمامه تخبره بعصبية مفرطة:
-تصدق أنك بجح!!! أنت هتعيش دور الضحية وتصدق نفسك ولا إيـه؟؟؟ أحنا عملنا معاك اللي تستحقه وتستاهله وبعدين بدل ما أنت جاي تتشطر علينا روح اتشطر على صاحبك اللي باعك.
أثناء حديثها وقع بصره صدفة على سـارة الواقفة خلفها وسرعان ما تملك منه الحنق..لم يتحكم بنفسه وأعصابه و وجد نفسه يقتحم المنزل ويتخطى جهاد يحاول الإمساك بـ سـارة يصرخ بها بجنون وكره كبير:
-أنتِ السبب…أنتِ اللي ورا كل ده، أقسم بالله لهدفعك التمن غالي أوي…أنتِ إيـه شيطان أنا بكرهك وعُمري ما حبيتك.
وقبل أن تمسها يده كانت جهاد تتصدى لـه وتقوم بدفعه بحركة مباغته تجبره على التراجع والابتعاد والعودة إلى خارج المنزل وساعدتها كل من روضة وضياء اللتان لم يستمعا وقاما بتغطية خصلاتهم وما يظهر من جسدهم وعادوا لها لمساندتها، مدركين خطورة الموقف..لم يقف الأمر عندهما فقط بل شاركتهم سـارة التي تخطت سريعًا ذهولها مما رغب في فعله ودفعته هى الاخرى معهم بغضب من اعترافه بكرهه لها، مستمعة إلى كلمات جهاد العنيفة:
-اطلع برة يا نطع، أنت كمان عايز تمد أيدك عليها اقسم بالله يا عادل لو مغورتش من هنا لهطلبلك البوليس يالا غور في داهية.
أنهت حديثها مغلقة الباب في وجهه فما كان منه سوى ضرب الحائط بقدمه بجواره يصب جام غصبه بـه، يكز على أسنانه يحاول استعاده وعيه ولكن انتبه للباب الذي فُتح من جديد وجهاد التي كانت تحمل صندوق من الهدايا يعرفه جيدًا.
وكيف لا يتعرف عليه وهو من قد آتى به لها من قبل.
نظر إليها واستمع لها وهي تخبره بقوة وكره لم يعلم كيف أضحى يسكن عيونها:
-دي الهدايا بتاعتك والخاتم اللي جبته كنت ناوية ارميهم في اقرب مقلب زبالة لما انزل بس الحمدلله جالي لحد عندي وأنا في بيتنا..مش عايزة أشوف وشك تاني.
ابتلع ريقه وحاول التبرير والدفاع عن نفسه أمامها، قائلًا برجاء:
-جهاد اسمعيني أنا فعلا…
ما لبث أن يتابع لولا الباب التي صفعته في وجهه ترفض سماع أي شيء منه أو منحة فرصة…هو لا يستحق وقد نفد رصيده لديها.
__________________________
-أنا متوتر ومش عارف مالي، أول مرة أبقى متوتر للدرجة دي، هو ده طبيعي؟؟
تساءل آسـر عن سبب حالته وكل هذا التوتر الذي يغمره ويسيطر عليه، مبصرًا قُصي الجالس خلفه على الفراش وينظر لـه من خلال المرآة الواقف أمامها الأخر، فها هو اليوم المنتظر على أحر من جمر قد آتى.
زفر قُصي ونهض من مكانه مقتربًا منه، متمتم بنبرة يملؤها الغيرة:
-لا مش طبيعي أنت اللي أوفر وخفيف.
ختم حديثه ملتزمًا الصمت فقط يبصر آسـر لا يصدق أنه بالفعل على وشك خوض تلك المرحلة من حياته.
سيبتعد عنه لا محال وستأخذ كل وقته، لن يراه مثل السابق.
وكأنه لا يكفيه التبدل الذي حدث معه بسبب تلك الفتاة وابتعاده عن أي فتاة أخرى.
حقًا يشعر بالغيرة على صديقه.
لكن حالته لم تغيب عن آسـر الذي توقف عن التدقيق في صورتـه وملابسه المكونة من سروال أبيض اللون وقميص بلون السماء برز عضلات ذراعيه.
استدار إليه بكامل جسده ومنحه اهتمام أخيرًا، ثم سأله:
-مالك ياض؟ قالب وشك ليه كدة؟؟ هو أحنا رايحين عزا؟؟ ده بدل ما تهيصلي!!
-لسة واخد بالك؟ عمومًا ملكش دعوة بيـا، خليك في اللي أنت فيه كفاية عليك السنيورة اللي….
-قُصي اتعدل اللي بتكلم عنها دي حبيبتي وهتبقى مراتي قريب أوي، مش عايز عتة.
التوى ثغره ببسمة ساخرة ثم علق عن دفاعه عنها:
-مينفعش كدة امسك فيا ولطشلي على وشي.
زفر آسـر ورفع رأسه للأعلى متمتم بنفاد صبر:
-يـا الله…
أخفض رأسه مجددًا ثم هتف بتفهم:
-قُصي بلاش شغل العيال ده، مش معنى أني هتجوز يبقى هنساك وابعد عنك، أنت بذات مش هينفع اعمل معاك كدة، أنت متعرفش أنت بالنسبالي إيـه؟؟ أنا أمي و أبويا لو كانوا جابولي أخ مكنتش هحبه زي ما بحبك..وبعدين أنت كمان مسيرك هتحب وتجوز، أنا مش بعمل حاجة غريبة دي سنة الحياة، ونصيحة مني بطل العك اللي بتعمله، هتندم بعدين وهتحتقر نفسك، وأنا مش عايز ده يحصل معاك عشان أنا مجرب.
لم تكن المرة الأولى الذي ينصحه بها آسـر بالابتعاد أو التوقف عما هو عليه، بل نصحه أكتر من مرة في الفترة الماضية ولكنه لم يكن يسمع لـه ويرفض أي نصائح منه تخص هذا الموضوع.
وكانت الأجابة كسابقتها، معلقًا بضيق:
-خليك بس في اللي أنت فيه وملكش دعوة بيا، أنا مبسوط أوي كدة وحابب نفسي وأنا كدة.
مط آسر شفتيه ولم يعلق أو ينطق بشيء ولكنه لن يمل أو يكل عن نصيحته وارشاده للطريق الصحيح والسليم.
___________________________
يقف أحمد بجواره فراشه، ممسك بوسادته يقوم بعضها، مطلقًا صرخة رجولية مكتومة مغتاظًا حانقًا من نفسه.
على الرغم من سعادته الكبيرة لـ آسـر إلا أنه لا يستطع ألا يكون هكذا.
فقد أخبرها بحبه، وبأن تنتظره ولكنه حتى الآن لم يحدث أي فرق، لا يزال بعيدًا لا يجروء على أخذ خطوة والتقدم لها والسبب هو صابـر وجهاد.
حرر الوسادة وأبعد أسنانه عنها، رافعًا إياها أمام عيونه مباشرة يتحدث معها وكأنها نفسه متمتم:
-حيوان، أنت حيوان، كلمتها واعترفتلها وقولتلها تستناك ولحد دلوقتي مش عارف تاخد خطوة زي البني آدمين، آسـر اللي قولت زمان أنك هتجوز قبله عملها وراح طلب أختها، زمانها بتقول إيـه عليك دلوقتي، أكيد فكراك كداب دلوقتي، احط عيني في عينها إزاي أنا ها…
ختم حديثه وبدأ ينهال على الوسادة بالضربات بعد أن دفعها على الفراش يصب عليها شحنه غضبه، فلو كبح مشاعره أكثر سينفجر في أي لحظة وقد يحدث ما لا تحمد عقباه.
وأثناء هجومه على الوسادة بالضربات المتتالية القوية، فُتح الباب وطل صابـر من خلفه، مبصرًا إياه بعدم فهم، متسائلًا بذهول وهو يوزع نظراته بين أحمد والوسادة:
-أنت بتعمل إيـه؟؟
-شايفني بعمل إيـه يعني، بعلم المخدة الأدب، أنا بحب اعمل كدة كل فترة والتانية.
استنكر صابـر حديثه الغير منطقي والأحمق:
-أنت بتقول إيـه!!!!
ابتعد أحمد عن الوسادة وتركها أخيرًا مهندمًا ملابسه، يجيب عليه:
-اللي سمعته، سيبك بقى من اللي كنت بعمله وقولي خير اللهم ما اجعله خير؟! أنت جاي معانا ولا إيـه مش كنت قولت امبارح أنك مش جاي ونروح من غيرك؟؟؟
وببساطة أجاب عليه:
-غيرت رأيي وهاجي.
جاء فريـد من الخلف وهتف ببسمة واسعة زادته وسامـة وجاذبية:
-إيـه يا شباب خلصتوا ولا لسة؟
وقبل أن يحصل على جواب وبفضل ما رأه هتف سابقًا إياهم في الحديث:
-واضح أنكم خلصتوا فعلًا..قولولي إيـه رأيكم فيا شياكة مش كدة.
وبوقاحة سأله أحمد:
-هو أنت جاي ليه؟؟ أنت عايز الجوازة تبوظ صح؟؟ قول الحقيقة متخافش، أنت مين اللي مسلطك و زقك علينا.
-أنا مش هرد عليك، وهروح أشوف العريس، اقعد بقى خرف في الكلام مع نفسك.
____________________________
وصلت السيارات وهبط آسـر الحامل للورود الحمراء، وباقي الشباب وأفراد العائلة، عددهم لم يكن بالقليل أبدًا.
متسببًا في صدمة حارس البناية من عددهم فقد علم منهم بأنهم ضيوف جهاد القاطنة بالبناية والتي أوصته عليهم وكان بانتظارهم بالفعل.
وبسبب عددهم الكبير تلك المرة تحديدًا، صعدوا على دفعات في المصعد وكان من يصعد ينتظر صعود البقية.
وبعد وقت هتف عابـد ببسمة جانبية:
-أخيرًا، ده أنا فقدت الأمل أننا نوصل لمرحلة رن الجرس، هو أنتوا بتحبوا ابني أوي كدة.
ضحك البعض منهم على حديث عابـد مؤكدين له حبهم الكبير تجاهه فكبار العائلة وبعض صغارها كانوا يفقدون الأمل بـه، والبعض الأخر منهم كان في عالم أخر.
على سبيل المثال آسـر والذي ما أن وصل وبات على أعتاب باب المنزل علم أن ما كان يشعر بـه من توتر وارتباك بسيطًا مقارنًا بما يشعر بـه الآن.
وأيضًا كان صابـر واجمًا، وجهه لا يبتسم حتى.
دقات قلبه تعالت بجنون رغم ثباته الظاهري.
فالجميع عدا أحمد يجهل حقيقة مشاعره وما يحدث معه، لم يكن من المفترض أن يأتي وكان أخذًا ذلك القرار بعد طول تفكير، ولكنه في اللحظات الأخيرة عدل عن قراره و وجد نفسه ينهض ويفتح الخزانة ويرتدي أول ما وقع يده عليه، والآن يسب نفسه لمطاوعته لقلبه الذي سيضعه في موقف حرج، سيراها لا محال ولا مجال للهرب تلك المرة.
أما عن أحمد فكان لا يختلف كثيرًا عن آسـر أو حتى صابـر، كان عليه أن يأتي هنا للتقدم لها وطلبها من والدها ولكن ما يحدث أنه هنا من أجل آسـر.
فُتح الباب واستقبلهم كل من شكري و زوجته مرحبًا بالجميع وشاركهم كل من إسلام وبـرق ويوسف ومحمد الذين كانوا في المنزل بالفعل…حملوا عنهم ما آتوا بـه من علب الحلوى والشيكولاتة.
بينما احتفظ آسـر بباقة الزهور الحمراء المغلفة من الخارج بورق أسود اللون وشريط نفس لون الورود، وجلس بجوار والدته والتي كانت سعيدة به وتتمنى أن تحمل أولاده وتراهم قبل أن تذهب من تلك الحياة وتفارقها.
بلل شفتيه وقبض بكف يده على الورود.
التوتر يزداد، لا يسمع أي شيء مما يقال وعيونه معلقة بالمكان التي ستلج وتطل منه.
وبعد أن شعر بأن انتظاره وغيابها قد طال، ولم يمس المشروب الذي قدم لـه واكتفى بوضعه على الطاولة.
طلت أخيرًا خاطفة بصره وقلبه بل وأيضًا عقله.
فقد كانت جميلة لدرجة يعجز قلبه على تحملها، يراها أجمل فتاة في هذا العالم، لم يرى في جمالها.
تسارعت أنفاسه وبدأ يتعرق رغم برودة الجو بفضل مكيف الهواء.
انتفض من مكانه كما انتفض قلبه تمامًا، ولم يبالي بالجميع وكأنهما في مكان وعالم لا يتواجد سواهم به.
مد يد المحملة بالورود وهتف بنبرة يملؤها الحب مسيطرًا على توتره أخيرًا:
-اتفضلي.
ابتلعت ريقها ورفعت عيونها تنظر إليه فتلاقت عيونهما ليشعر على الفور بأن قلبه قد فارق جسده وذهب إليها يعانقها يشتاق إليها كما كان يشتاق لحدوث ما يحدث الآن.
خجلت من هذا التلاقي الذي حدث وفورًا ابعدت مرمى بصرها عنه ملتقطة الورود من يده بحذر كي لا تلامس يده بالخطأ.
غافلة عن الابتسامة التي زينت شفتيه.
تبادل قُصي وعابـد النظرات وأنقذه صديقه على الفور ينتشله مما هو فيه:
-أقعد يا آسـر، أقعد يا حبيبي.
استجاب وجلس مرة أخرى، بينما سارعت هي بالترحيب بعائلته وبدأت بوالدته و والده وتعرفت على فريـد ورحبت به بلسانها كما تعرف عليه البقية.
بعدها عاد الحديث مرة أخرى يتفقون على كل شيء وحينها تدخل آسـر وصرح برغبته في الزواج بها سريعًا بطريقة لبقة محترمة:
-بعد إذنك يا عمي كنت حابب منطولش في الخطوبة ونتجوز علطول وده بعد إذن حضرتك طبعًا.
تبادلت بـرق النظرات مع يوسف والذي تفهم ما يدور بخلدها، فتدخل قائلًا:
-آسـر متنساش أن الامتحانات خلاص و.
-وأنا مش هعطلها بالعكس.
وفي تلك الأثناء وخلال حديثهم والاتفاق على كل شيء كانت هناك عيون تدور وتبحث عن ملامح تسكن القلب قبل العين.
وهو صابـر الذي يتساءل بينه وبين نفسه عنها وسبب غيابها!!!
ألا تعلم أنه في انتظارها!!!
وانتظاره قد طال.
معذبة فؤاده و…
توقف عن التفكير، يراها أخيرًا..
تراجع بجسده للخلف وتحفز في جلسته بينما تجمدت هي للحظات تُصدم من وجوده.
ظنت أنه لن يأتي كي لا يتواجدان في مكان واحد، لكنه خاب توقعاتها وحضر وهذا ما لم تحسب له حسبان.
ارتجفت واهتز بدنها ولكنها لم ترغب في الظهور ضعيفة.
رسمت القوة وتماسكت وأجبرت قدماها على التقدم وإلقاء التحية هي الأخرى بلسانها رفقة باقي شقيقاتها عدا روضة التي كانت تقف في المطبخ رفقة إسلام تساعدها تشعر بالارتباك والسعادة في آن واحد، ولكن شغل بالها ألف سؤال وسؤال.
لا تعلم جهاد كيف فعلتها، لكنها نجحت.
نجاح مؤقت لم يدوم بعد أن انتهزت إنشغال الجميع بالحديث وانسحبت من الجلسة عائدة لغرفتها، متجنبة النظر إليه.
فتحت الباب بطريقة مباغتة و وقفت خلفه ملتصقة بظهرها به، رافعة يدها تضعها موضع قلبها.
قلبها الذي يخبرها بأنها لا تزال تعشقه، لم يتغير شيء.
هي فقط من كذبت على نفسها وهو برئ من كل ما فعلته.
انتشلها صوت سـارة التي أصرت جهاد عليها البقاء معهم بضعة أيام خوفًا عليها بعد ما حدث من عـادل ورغبته في التطاول عليها و وافقت سـارة ولم تعترض.
وريهام أيضًا التي استطاعت المجئ وكان من حسن حظ ضياء، فقد كانا الاثنان يثرثران سويًا وفجأتهم بدخولها المفاجئ مقاطعة حديثهم.
تساءلت سـارة بفضول منتبه لحركة يدها على قلبها:
-واقفة كدة ليه؟؟ مالك!!!!
ابتلعت ريقها وقالت أول ما جاء في بالها:
-مفيش اتوترت الله يكون في عون ضياء، العيلة كلها بـرة.
ضحكت ريهام وقالت مدركة ما تتحدث عنه جهاد:
-متقوليش العيلة كلها جت ولا إيـه؟
-مش كلهم بس ما شاء الله أغلبهم جه.
نهضت سـارة وأخبرتها بحماس وطريقة طفولية:
-هو أنا مينفعش أبص عليهم، عايزة أشوف اللي بتكلموا عليهم دول قد إيـه؟؟؟
هزت جهاد رأسها وقالت موافقة:
-تعالي، إيه اللي منفعهوش يعني، قومي هخليكي تبصي من غير ما حد ياخد باله.
أخذتها معها من يدها، وجعلتها تسرق نظرة وتراهم وعلى الفور ابتعدت سـارة وقالت باعين متسعة:
-كل دول جايين عشان يتكلموا على أختك، أومال اللي هيجوا الفرح قد إيـه!!!!!
حركت جهاد رأسها ونظرت بعين واحدة نحوه تطمح في رؤيته دون أن يراها ولكنه مسك بها بالجرم المشهود مما جعلها تطلق شهقة خافتة وابتعدت بسرعة البرق متراجعة تاركة سـارة تقف بمفردها.
اندهشت سـارة من فعلتها وبدلًا من اللحاق بها، عادت تسترق الأنظار نحو تلك العائلة والأجواء التي انحرمت منها ولم تعايشها أبدًا وحينها لاحظت وجوده!!!!
ذلك الشاب المجنون الذي يستمر في مراسلتها رغم تجاهلها..وسبق لها أن قابلته في أسوء حالتها وتناولا الطعام معًا.
ضاقت عيونها وأطالت النظر حتى انتبه إليها ورأها صدفه.
اتسعت عيونه والفرحة لم تسعه..
وبدون تردد كان يغمز لها بإحدى عينيه وكان رد فعلها هو إخراج لسانها لـه بطفولية بحته لم يتوقعها وكانت ستتسبب في إنطلاق ضحكة عالية منه لكنه تماسك ولحق ذاته وراقب ابتعادها بعد مراقبتها لـه بصمت.
هكذا فكر وظن بها…
وبعد أن كان يمنح صديقه وعائلته كل الاهتمام أضحت هي محور هذا الاهتمام.
على الطرف الآخر، حملت إسلام وروضة الصواني المحملة بصحون الضيافة وخرج الاثنان بها وخرج في نفس اللحظة كل من جهاد، سـارة، ريهام التي أصرت جهاد عليها في الخروج معهم.
وقع بصر محمد على زوجته فاقترب منها يحمل عنها الصينية ويقدم الصحون لعائلته في ذات الوقت الذي انتهوا من الاتفاق على كل شيء وشارفا على قراءة الفاتحة، ملبين لكلمات سلطان الذي قال:
-خلاص نقرأ الفاتحة.
رفع الجميع أيديهم بعدما ترك البعض صحون الضيافة وأوشكا على فعلها وقراءة الفاتحة، كما دنت روضة من الطاولة وهي تتفادى النظر لـ أحمد، كي تضع الصينية التي تحملها من يدها وتقرأ معهم الفاتحة.
ولكن منع أحمد حدوث هذا وصرخ ناهضًا من محله، متمتم بعلو صوته جاذبًا الأنظار نحوه:
-استنــــــوا محدش يقرأ حاجة……أنا عندي كلام لازم تسمعوه كلكم… عمو شكري أنا عايز أتجوز روضة، ممكن توافق لو سمحت؟؟ ونقرأ الفاتحة أحنا كمان؟؟ ممكن؟!
ما حدث لم يتوقعه أحد، الجميع في حالة صدمة!!!
وأول من تحدث كان آسـر الذي حدقه بنظرات ناريـة كي يجلس ويتوقف عن ذلك العبث، متمتم من بين أسنانه:
-اقعد يا أحمد، اقعد يا بابا.
-مش قاعد يا عم.
ختم حديثه مقتربًا من شكري يعيد ويكرر طلبه الزواج من روضة:
-عمو، أنا بطلب أيد روضة من حضرتك، ممكن توافق؟!
نطق شكري أخيرًا وهتف باستنكار وهو يرمق سلطان وجابـر وعابـد أيضًا:
-إزاي يعني الكلام ده؟ أنتوا مش جايين عشان آسـر، وبعدين روضة مش…
تحلت روضة بالجراءة وقاطعت رفضه له تخبره بموافقتها، فقد شارف على رفض حب حياتها قبل الرجوع إليها:
-أنا موافقة ومعنديش أي مانع.
الجميع يتلقى صدمة جديدة، ولكن الصدمة الكبيرة كانت من نصيب شكري والذي ظل يحدق بها بشزر وبداخله يتواعد لها.
حمحم سلطان وهتف ببسمة يلطف الأجواء:
-طب إيـه نقرأ فاتحة الأربعة وبدل الفرحة تبقى فرحتين.
وقبل أن يعترض شكري وتتحدث زوجته التي شارفت على التدخل، علقت جهاد وجذبت أنظار صابـر نحوها مرة أخرى:
-مفيش مشكلة، كلنا عارفين أحمد مش جديد علينا يعني، مش كدة يا بابا؟؟
تقابلت عيون الاثنان وفهم شكري ما ترغب به، فسارع برسم بسمة زائفة على وجهه متمتم:
-ومالـه، أحمد ابننا برضو ومش هنزعله.
هرول أحمد نحو شكري وقام بتقبيله متمتم بفرحة لم يبذل جهدًا لاخفائها:
-حبيبي يا حمايا..يلا بينا نكمل مكان ما وقفنا وقاطعتكم ونقرأ الفاتحة.
مرة أخرى رفع الجميع أيديهم وقبل أن يحدث، خرج صوت يقاطع ما يحدث للمرة الثانية، وتلك المرة كان صابـر الذي هتف وهو ينظر نحوها يخبر الجميع:
-وأنا كمان عايز أتجوز جهاد.
هب آسـر من جلسته وصاح بتذمر:
-لا بقى هو في إيـه أنتوا متسلطين عليا النهاردة أنت وأخوك، هو مين اللي جاي يتجوز أنا ولا أنتوا.
انطلقت ضحكات قُصي ولم يستطع كبحها وكذلك ابتسمت سـارة، ريهام…إسلام…برق…يوسف، ومحمد..
لم ينال حديث آسـر إعجاب أحمد وصاح به:
-يا أخي حب الخير والفرح للغير كما تحبه لنفسك، متبقاش أناني.
عقدت جهاد حاجبيها ولوهلة ظنت أنها قد أخطأت السمع ولكن نظراته التي تخترقها جعلتها تتساءل بعدم فهم وهي تنظر داخل عيونه:
-أنت بتقول إيـه؟؟؟؟
-اللي سمعتيه، أنا عايز أتجوزك؟؟ موافقة؟!
وبدون تفكير ردت عليه بطريقة هجومية تخفى إحراجها الحادث:
-لا طبعًا مش موافقة.
-هتوافقي…
-عافية يعني ولا إيـه.
-لا بالذوق…بعد إذنكم ممكن نتكلم أنا وهي؟
نهض شكري من محله، وهتف بعصبية وانفعال:
-هو إيـه التهريج اللي بيحصل ده؟؟؟
مسح آسـر على وجهه شاعرًا أن قلبه على حافة الهاوية وزواجه بها لن يحدث بسبب ما فعله كل من أحمد وصابـر.
سارعت نيرمين باللحاق بزوجها تقوم بتهدأته:
-اهدأ يا حبيبي.
ثم مالت تهمس لـه:
-متتعصبش دي فرصة وجت لحد عندنا خلينا نستغلها صح، خليهم يقعدوا يتكلموا.
تدخل جابـر وهتف يدافع عن ابنائه:
-في إيـه يا شكري مالك، هما العيال بيقولوا حاجة حرام؟؟؟ دول عايزين يتجوزوا البنات على سنة الله و رسوله!! ولا هو يوسف ومحمد وآسـر بسمسم ويتوافق عليهم عادي وبتيجي لحد عيالي وتعترض، مالهم العيال ما هم زي الفل…أنا شايف أن صابـر وجهاد يتكلموا ويتفاهموا، وأحمد و روضة كدة كدة مفيش مشكلة عندهم.
نهض صابـر على الفور وسألها وهو يقترب منها بضعة خطوات.
ورغم وجود مسافة جيدة بينهما إلا أنه تسبب في ارباكها وانعكس له هذا الشعور والتأثير.
-ممكن نتكلم شوية؟؟ مش هأخد من وقتك كتير..
_________________________
فتحت جهاد الشرفة، ثم أشارت لـه بيدها كي يلج أولًا، ولكنه لم يستجيب و وقف مشيرًا لها مقلدًا حركة يدها يحثها على الدخول أولًا..
لم تتجادل جهاد معه، ودخلت هي ثم خطى و ولج هو الآخر، تاركًا باب الشرفة مفتوحًا.
واقفًا بجوارها أمام السور، وبدون مقدمات سألها:
-مش موافقة ليه؟؟
سؤاله وادعائه عدم معرفته أستثار اعصابها.
حركت رأسها وطالعته باستنكار، معلقة:
-أنت بجد بتسأل ليه!!! أنا واحدة لسة مفركشة، إزاي يعني اعمل كدة بعدها علطول طبعًا مينفعش الناس هتقول إيـه!!! ومش أنا بس على فكرة حتى أنت كمان هو مش أنت برضو لسة مفركش؟؟؟ عروستك تقول إيـه لو عرفت.
كلماتها الأخيرة حملت الكثير من الغيرة، التقطها هو وجعلته ينظر في عيونها مباشرة.
وما أن فعل حتى ضاعت الكلمات وسلبته قلبه.
حقًا اشتاقها…اشتياق وصل لمرحلة صعبة.
ياليتها تعلم كم أشتاق إليها، وكيف قلبه يصرخ فرحًا.
يتمنى لو كان بإمكانه ضمها إلى صدره والشعور بها ولكنه لا يملك سوى الصبر.
عيونه التي تفضحه وتنطق بما يشعر جعلتها تخجل وتهرب بعيونها وتبعدها عنه.
فاق لنفسه ثم أجاب عليها:
-مدام عرفتي أني فركشت تبقي متابعة أخباري…يا ترى ده فضول ولا….
فهمت تلميحه فاندفعت تدافع عن نفسها تنفي تلك التهمة عنها:
-ولا إيـه؟؟؟ مفيش ولا دي متخليش دماغك تروح لبعيد أوي كدة…أنت مش كملت حياتك و روحت خطبت!!! عايز مني إيه دلوقتي؟؟ ولا عشان سابتك مش لاقي غيري!!!
عصبيتها، انفعالها، محاولتها في النفي وغيرتها الواضحة، جعلته يعترف لها بحنين وعتاب جلي:
-عايزك يا جهاد، لحد دلوقتي لسة عايزك، لحد دلوقتي بحبك ومنستكيش لحظة، أنتِ كمان على فكرة كنتي هتجوزي غيري!! أنتِ عارفة أنتِ عملتي فيا إيـه؟؟؟ عارفة اتعذبت بسببك قد إيه ويومي مكنش بيعدي ونومي اتلغبط، ليل نهار بفكر فيكي والهانم ولا شاغلها ولا في دماغها أساسًا…عارفة شوفتك مع غيري جرحتني وعذبت قلبي إزاي؟؟ ولا تعرفي أي حاجة، أنا مش هسيبك تاني يا جهاد، مش هقف من تاني اتفرج عليكي وأنتِ بتغلطي واقف اسقفلك.
وكأن الوقت قد توقف بعد اعترافه أنه لايزال يهواها، يرغب بها زوجة رغم كل ما حدث..
الألسنة قد صمتت وفقدت النطق ولكن كان للعيون رأي أخر.
تعاتبـه ويعاتبها أضعاف مضاعفة على تركها واختيارها البعد بدلًا من المعافرة.
تحن إليه ويحن إليها أكثر، وكيف لا وهي كانت دائمًا بمثابة الغائبة الحاضرة.
تبوح بحبها له ويبوح هو بعشقه لها!!
العُمر يضيع في البعاد، المكابرة.
كل منهما يبادل الآخر المشاعر وتتلهف الروح للظفر بالقرب، إذن لما لا يحدث.
هل كُتب عليهما الحرمان، العذاب والفراق، هل قدر لهما أن لا يذوقوا لذة الحب وتنعم قلوبهما بالنعيم في قرب الحبيب وكأن الحب لم يخلق لهما.
قضى على لحظات الصمت الدائرة بينهما، وعاد يتحدث يخبرها بالمزيد:
-أنا معرفتش أحب غيرك رغم أني حاولت، حياتي من بعدك وقفت يا جهاد، وندمان عشان اتسرعت وجيت على نفسي وقلبي وحاولت اوهم نفسي أنك مش فارقة معايا، بس كنت غبي عشان محدش يفرق معايا قدك، وعشان أنتِ كنتي تستحقي أني اقاتل واعافر أكتر عشانك حتى لو غصب عنك، مكنش المفروض استسلم واسيبك مدام بجد بحبك، بس أحيانًا البعد بيحصل عشان نعرف قيمة بعض ونحافظ على بعض..خلينا نعتبر اللي فات درس لينا اتعلمنا منه، آه كان في خساير بس الحمدلله على كل شيء.
سكن لوهلة ثم تابع بترقب ودقات تتعالى:
-خلينا ندي بعض فرصة جديدة وأخيرة، نصلح فيها كل حاجة، خلينا نعتبر اللي فات مات وننساه ونبدأ صفحة جديدة.
شردت أطالت النظر بعيونه وهي تفكر..
فقد ظنت أن في البعد عنه نجاة!
ولكن الحقيقة أنها لم تجد في ذاك البعد سوى الهلاك.
كثير من الأحيان كانت تشعر بالألم وتبكي دون سبب، كان ينقصها شيء وذلك الشيء هو وجوده وقربـه.
لم تكرهه، ولم تحب سواه، كل ما عاشته كان وهمًا كسبيل للنسيان والمضي قدمًا.
ومع هذا الهدوء المنتشر في الأرجاء من حولهم، أضاف بحنين كبير:
-جهاد تقبلي تتجوزيني؟؟ وخليكي عارفة أني مش هقبل الرفض والمرة دي هتجوزك يعني هتجوزك.
««يتبع»»……….
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.