رواية الحب كما ينبغي – الفصل الثاني والستون
الفصل الثاني والستون
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل الثاني والستون:
ذهب فريـد رفقة الصغير إلى واحدًا من المطاعم الذي كان يفضل ويعشق طعامـه كثيرًا قبل أن يسافر ويترك البلد و..عائلته خلف ظهره.
طلب لـه العديد من الأصناف الشهية وامتلئت الطاولة قبالتهم بالطعام.
اتسعت عين الصغير وهتف بعدم استيعاب، لا يصدق بأن أمامه الكثير والكثير من الأصناف الشهية:
-كل ده أكل لينا؟؟
ابتسم فريـد بسمة كبيرة لـه كشفت عن أسنانه.
عائدًا بظهره للخلف..ملتقطًا صدمة الصغير من كثرة الطعام، وعلى الفور أكد لـه أو صحح لـه إذ صح القول:
-مفيش لينا..اسمها ليك، أنا بصراحة مش جعان ومش هينفع أكل، أنا قولتلك نأكل سوا عشان طمعان أقعد معاك وأتعرف على ولد طموح شطور مجتهد زيك..يلا مستني إيـه سمي الله وأبدء كُل.
ابتلع الصغير ريقه…يده لم تتحرك بعد أو تقرب من الطعام، يساوره القلق عما يحدث…يتساءل هل هناك شيء خلف هذا الرجل الكريم للغاية…ربما يرغب لاحقًا في اختطافه وسرقه أعضائه كما كانت تخبره والدته وتلقي على مسامعه التحذيرات كي لا يذهب مع أي غريب.
ازداد رعبه وندم على استماعه لحديثه ومجيئه معه إلى هنا دون معافرة وفي لحظه ضعف وتلهف لأكل شيء ما.
ورغم شعوره القاتل بالجوع ولهفته لتناول هذا الطعام لكنه تفكيره بأن يكون هذا الرجل خطير واستغل جوعه كوسيلة للإيقاع بـه جعلته يقرر ألا يلمس الطعام….
اندهش فريـد من تردده، وذلك الهلع الذي ارتسم على وجهه دون سابق إنذار..فتساءل بترقب:
-في إيـه مالك ومش بتأكل ليه يا علي!!
وقبل أن يجيبه سقط بصر الصغير على حقيبة السفر الكبيرة والتي كانت بجوار فريـد.
فجاء هذا السيناريو في جالـه على الفور.
رجل خطير..أو رجل مافيا تابع لإحدى العصابات والتي تخطف الصغار وتقوم بسلبهم أعضائهم وبيعها، وقد قام باستدراجه وينوي وضعه وإخفائه بتلك الحقيبة.
نهض علي عن الطاولة وقال برعب واضح:
-مش جعان خلاص..مش جعان خالص.
-في إيـه يا علي مش كنت جعان!! إيـه اللي حصل، الأكل مش عجبك أو مش بتحبه!! قولي عايز إيـه كمان وأجبهولك.
-مش عايز..أنا خلاص كشفتك وفهمت أنت عايز مني إيـه، عايز تخطفني وتسرق أعضائي، أمي علطول كانت تقولي وتحذرني وبتحكيلي عن الناس اللي بتخطف العيال الصغيرة..وأنت واحد منهم وناوي تحطني في الشنطة دي بعد ما أكل صح؟
انعقد حاجبي فريـد وقال ينفي لـه:
-لا خالص، أنا مش كدة، وبالنسبة الشنطة دي فـ دي بتاعتي وفيها هدوم ليا وشوية هدايا صغيرة لعيلتي، أنا يا سيدي كنت مسافر وبعيد عنهم لفترة ولسة راجع عشان وحشوني أوي وحبيت أشوفهم وكمان جاي أحضر فرح واحد من ولاد عمامي…متخافش لو كنت عايز أعمل اللي بتقول عليه مكنتش جبتك هنا عشان تأكل كنت خدتك منطقة مقطوعة.
بدأت تعابير الصغير في الإرتخاء ونال منه الهدوء، يسأله بوجه وصوت طفولي بحت:
-بجد يا عمو؟؟؟ يعني أنت مش هتخطفني ولا هتسرق أعضائي؟!
-بجد يا قلب عمو…يلا بقى أقعد كُل متزعلنيش.
صدقه علي وارتاح لـه ولحديثه.
وعلى الفور عاد لمقعده من جديد وبدأ في تناول الطعام بشهية كبيرة وتوق للطعام…
____________________________
عـاد وسـام من عمله..فتح باب المنزل بواسطة المفتاح الذي كان بحوزته، وما أن ولج المنزل حتى بدأ يخرج صوتـه مرتفعًا بعض الشيء، ينادي على زوجته:
-زهـر…زهـرتي..حبيبتي.
ظهرت زهـر من العدم وبخطوات شبة متعجلة، قائلة بخفوت شديد:
-هششش، وطي صوتك، نـور نايمة.
-ما هو هتصحى، مدام أنا جيت لازم تصحى.
ارتفع جانب فم زهـر بانزعاج واضح، معلقة باسلوب ساخر:
-ليه لازم إن شاء الله، ما تفضل نايمة عادي، دي مجنناني طول اليوم ومش مبطلة عياط و زن حرام عليك يا وسـام، سيبني ارتاح حبة.
رد عليها بهدوء يحاول إقناعها:
-طب ما أنا هسيبك ترتاحي، أنا هقعد معاها وهاخد بالي منها..واعتبري دورك خلص كدة النهاردة.
ضحكت زهـر بمرح وسخرية في آن واحد، تخبره بالآتي:
-يا راجل، يعني مش أول ما تعيط معاك هتقوم مشيلهالي وتقولي شوفيها يا زهـر….بص يا وسـام.
تحولت نبرتها بنهاية حديثها لاخرى صارمة، محذرة، رافعة سبابتها أمام وجهه:
-أنا خلاص جايبة اخري بمعنى الكلمة وعايزة استغل الشوية دول وأدلع نفسي سواء بقى اكل حاجة، ولا أمسك الموبايل شوية، أو حتى يا سيدي أجيب فيلم اتفرج عليه.
-فيلم مرة واحدة، لا ده أنتِ كدة طمعتي أوي وطموحاتك عدت سقف التوقعات، هي هتفضل نايمة لحد ما تجيبي فيلم ويخلص!! كدة أنا هقعد معاها أمتى؟
كزت على أسنانها وتجاهلت حديثه بالكامل كأنه لم ينطق بشيء من الأساس، متابعة ما لديها من تحذير وتهديد كي لا يقظها:
-متقاطعنيش….واسمع للأخر…… أنا بحذرك يا وسـام…حذاري…ثم حذاري تفكر تصحيها، أو تصحى بسببك..أنت لو صبرت هتلاقيها صحيت لوحدها واقعد معاها زي ما أنت عايز بس الشوية دول سيبها نايمة، ماشي؟ اتفقنا؟
هز وسـام رأسه بموافقة على الفور دون تردد، هاتفًا ببراءة لا تليق بـه:
-ماشي اتفقنا..روحي شوفي بداية دلعك وقت نوم بنتك هيبقى منين وأنا هروح أخد شور.
ذهبت زهـر بالفعل واتجهت صوب المطبخ، لتبدأ فعل أولى خطوات دلالها لنفسها وقت نوم بنتها.
أما عنه هو، وفور دخوله الغرفة، سقط بصره تلقائيًا على فراش ابنته الصغير الموضوع داخل غرفتهما.
“نــــور”.
كما أطلق عليها هو و زهـر.
فقد احتار الاثنان كثيرًا و وقع اختيارهم على العديد من الأسماء وكلما استقرا على اسم يقومان بتغييره بعدها، وبالنهاية وقع الاختيار على نـور.
زين وجهه بسمة كبيرة وعريضة، مقتربًا من الفراش بعد أن تلفت حوله بقلق من أن تقتحم زهـر الغرفة وتراه.
تقدم من ابنته النائمة وسرعان ما همس وهو يرفع يده تجاه وجهها يتلمس بشرتها الناعمة..ثم مسك بيدها الصغيرة، مردد اسمها، لا يصدق حتى الآن أنه رزق بفتاة من حبيبته وحب عُمره:
-نـور…بت يا نـور…وحشتيني يا بت، اصحي…بس من غير ما تعيطي، عشان زهـر متنفخناش، أو تنفخني أنا بس بمعنى أصح..عشان أنتِ محدش يقدر يهوب منك ولا يلمس منك شعره، حتى زهر، يلا اصحي يا نـور، أقعدي معايا شوية، أنتِ يا بت.
وكأنها استجابت لـه ولمطلبه في أن تستيقظ.
ولكن ما أن فتحت عيونها وانزعاجًا من فعلته لقلقها من نومتها، تعالى صوتها وبدأت في البكاء.
اتسعت عيون وسـام وقال بصوت خافض للغاية يحثها على السكون:
-لا لا متعيطيش هتفضحيني، هتعرف أني صحيتك، اسكتي.
وبالطبع لم تفهم حديثه ومطلبه، وتفاقم بكائها وتعالى صوتها أكثر وأكثر.
تلفت وسـام حوله، وعلى الفور سارع بالتحرك من محله راكضًا والجًا إلى دورة المياة المتواجدة في الغرفة، مغلقًا الباب بهدوء.
ومع إغلاقه للباب، فُتح باب الغرفة وطلت زهـر التي اقتربت من ابنتها وهي على وشك البكاء هي الأخرى.
حملتها و وضعتها داخل أحضانها تربت على ظهرها تحاول أن تجعلها تسكن وتهدأ.
في ذات الوقت فتح وسـام باب دورة المياة وهو عاري الصدر وصوت المياة الجارية يصل إلى مسامع زهر.
ادعى البراءة وسألها وهو يقترب منها ومن ابنته:
-إيـه هي صحيت؟؟ أنتِ اللي صحتيها ولا إيـه، مش قعدتي تقوليلي سيبها نايمة!
نفت زهـر برأسها تخبره:
-أكيد لا مش أنا اللي صحيتها، هي صحيت لوحدها…أوعى تكون أنت اللي صحيتها يا وسـام، أنا مش واثقة فيك بربع جنية.
ارتفع حاجبي وسـام وهتف باستنكار:
-أنـا!!!! والله عيب عليكي لما تقولي كدة، وأنا هصحيها ليه يعني؟؟ مش قادر أصبر لما تصحى هي؟ وبعدين أنتِ مش دخلتي لقتيني في الحمام، ولما خرجت على صوتها كنت أوريدي خلاص بقلع عشان أخد شور زي ما قولتلك، وسمعتي صوت الماية! كفاية ظلم بقى..اتقي الله يا شيخة.
_____________________________
-بس يا عم علي هي دي قصة حياتي من طقطق لسلام عليكم.
سرد فريـد قصة حياته على علي أثناء تناوله للطعام الموضوع أمامه.
ورغم انشغال الصغير بالطعام إلا أنه كان مستمعًا جيدًا لـه.
لم يتمهل كي يبتلع ما بفمه معقبًا بفم ممتلئ:
-يعني وأنت تخين البنات بتسيبك و وأنت رفيع برضو بيسيبوك، أنت حظك وحش أوي يا عمو فريـد.
هز فريـد رأسه له مؤكدًا صحة كلماته:
-بس وأنا تخين فهمناها…ليه لما أرفع واعمل فورما اتساب برضو!!! ده أنا كنت عاملها مفاجأة قولت استغل الفترة الكبيرة اللي هتغيبها عني وتنزل وتسافر لأهلها، تقوم لما تشوفني تسيبني اللي منها لله!! طلعت بتحب المليانين..يعني وأنا مليان أقع مع اللي بيحبوا العيال اللي عاملين فورما زي آسـر ابن عمي كدة، ولما أعمل الفورما تطلع بتحب المليانين…بس مش مهم..أنا همشي بمبدأ اللي يغور يجي مكانه طابور…هي أساسًا مش في دماغي…المهم أنا جاي أقضي كام يوم حلوين هنا وأحضر الفرح…تعرف أن محدش يعرف أني جاي..قولت مقولش واعمل مفاجأة……
صمت بعد انتهائه…وظل يرمق الصغير المنشغل كليًا بالطعام….يراقب تلهفه وسرعته وكأن يودع ما يأكله الآن فلن تأتي لـه تلك الفرصة مرة أخرى وعليه استغلالها.
ومن بين شروده فاق على صوته يسأله بترجي طفيف:
-عمو هو ممكن أخد من الأكل ده لأخويا وأبويا وأمي..و والله هحوش وهدفعلك فلوس الأكل.
ابتسم فريـد رغمًا عنه وهز رأسه يؤكد لـه:
-أكيد ينفع تاخده…….بقولك إيـه….تيجي نلعب لعبة بس على كبير شوية….أو بمعنى أصح عايزك تساعدني في حوار كدة وهخليك تطلع منه بسبوبة حلوة أوي واعتبر نفسك دفعت وحق الأكل وصلني، بس تساعدني في الحوار واللي عايز اعمله.
..إيـه رأيك؟ موافق؟
_______________________________
افتح الباب يــالا…افتح الباب يـاض، افتح بقولك، اخرجلي و واجهني راجل لراجل..
نطق آسـر كلماته وهو يقف أمام باب غرفة أحمد يحثه على فتح الباب.
رفض أحمد فعل ما يرغب بـه، قائلًا بصوت عالي:
-راجل لراجل ضحكتني، قصدك راجل لعيل، والراجل هنا المقصود بيـه أنا، وأنت طبعًا وأكيد العيل.
-يـا بني متخرجنيش عن شعوري، متخلنيش اتغابى عليك.
-ابنك!! أنت هتصاحبني يالا، إيـه يا بني دي، فاكر نفسك بابا جابـر جبورة على سنح ورمح ولا إيـه، أنت اتجننت؟؟؟ لا هو أنا بسألك ليه، أنت أكيد مجنون، مفيش وجه مقارنة اصلًا بينك وبين أبي، هو التوب كدة كدة، وأنت مجرد كنتالوب.
-أنت بدخلني في حوارات تاني ليه غير اللي أنت هببته، خلينا نشوف اللي أنت عملته الأول.
جاء جابـر على أصواتهم العالية، وعلى الفور سأل آسـر وهو يراه يقف خارج غرفة ابنه ويتحدث معه من خلفه ومن الواضح كوضوح الشمس أن هناك شيء حدث بينهما:
-ما الذي حدث يا آسـر آسورة؟؟ هل تتواجد مشكلة ما بينك وبين ابني الأحمق؟
-تعالى يا جابـر أحضرنا واشهد على عمايل ابنك، أنا اقسم بالله خلاص فاض بيا، ويا هقتلك ابنك يا أما هقتله، مفيش خيار تالت.
رد جابـر بتفكير:
-أنت عبيط بقى، ما هو كدة مفيش خيار تاني أصلا، هو خيار واحد بس يا هتقتله يا هتقتله….ولو عايز رأي عمك جابـر جبورة أنا شايف متعملش كدة وعندي حل وخيار أحلى بكتير.
عقد آسـر حاجبيه وسأله بفضول:
-اللي هو؟
-تقتله…إيـه رأيك بقى، طبعًا مجاش على بالك الخيار ده.
دوى صوت أحمد والذي كان مستمعًا جيدًا لحديثهم الجاري بينهم:
-لا حقيقي ونعمة الأب…شكرًا يا بابا لحضرتك، لما أطلعلك بس.
-لما تطلعلي!!!! هتعمل إيـه يعني، وسعلي كدة ياض يا آسـر.
أزاح آسـر من محله و وقف محل يسأل ابنه وهو يتخصر بكلتا يديه:
-سمعني كدة تاني قولت إيـه؟؟
وقبل أن يتحدث أحمد خرج صوت آسـر معترضًا منفعلًا على عمه:
-لا بقولك إيـه حلوا مشاكلكم العائلية دي بعدين وسبني أشوف مشكلتي أنا معاه الأول.
هنا وتذكر جابـر أمر شجارهم فسأله بفضول:
-آه صحيح، ده أنا نسيت، هو عملك إيـه، قولي وأنا هجبلك حقك.
-البيه…المحترم كل الشيكولاتة بتاعتي اللي كنت جايبها عشان كل ما ابقى مخنوق اكل منها واروق عن نفسي وأفك…وأنا دلوقتي مخنوق وكنت محتاج أكل حتة ومش قادر اخرج أجيب.
جاء صوت أحمد الساخر، مغمغم:
-اطلب عادي وسهلة وبسيطة أنت اللي مكبرها وعامل من الحبة قبة معرفش على إيـه، فيها إيه يعني لما أكل الشيكولاتة بتاعتك، هي كان مكتوب عليها اسمك…ولا كان مكتوب عليها اسمك، ولعلمك يا بابا مكنش عليها اسمه، وبعدين نفسي هفتني أنا كمان على شيكولاتة عشان مخنوق ومحتاج أفك برضو، هو محدش بيتخنق ويحتاج يفك عن نفسه غيرك ولا إيـه.
عقب جابـر على الفور على حديث ابنه، مسلطًا بصره على آسـر:
-طب ما الولد معذور أهو يا آسـر، اسمك مكنش مكتوب على الشيكولاتة…أقولك تعالى معايا يلا أنا معايا شيكولاتة ومخبيها منكم، تعالى هديك منها…مرضي كدة يا عم.
دارت عيون أحمد بتفكير وثواني وكان يفتح باب غرفته والذي كان يوصده منذ لحظات ويعيق دخول آسـر وجعله ينال منه.
راغبًا في أن يلحق بهما وينال هو الآخر نصيبًا.
ولكن ما أن وطأت قدميه للخارج وسار خطوتان حتى وجد من يمسك بـه من الخلف من ملابسه كاللص.
التفت كي يرى الفاعل وعلى الفور وجده والده والذي صاح بانتصار وبسمة واسعة وهو يدفعه بخفة نحو الآخر:
-شوفت إزاي عرفت أخرجهولك من الأوضة، ابني برضو وحافظه وصمه..يلا حلال عليك شوف هتعمل فيه إيـه.
اتسعت عيون أحمد من حديث والده وفعلته من تسليمه له لـ آسـر تسليم أهالي، قائلًا بصدمة وعدم استيعاب مستعينًا ببعض الكلمات التابعة لأغنية ما جاءت على جاله في تلك اللحظة…لحظة بيع والده لـه:
-بتبعني يا أبي… بقى أبي يبعني أنا.. ده مشافش معايا غير جدعنة.
وقبل أن يعقب أي من آسـر أو جابـر على كلماته، كان يندفع راكضًا بخفة وسرعة من محله متجهًا للأسفل.
وأثناء هروبه نما إلى مسامعه تلك الكلمات:
-يا بن الكلب..بقى تجري مني أنا…والله لجيبك، امسكه ياض يا آسـر حلق عليه بسرعـــة.
وصل أحمد للأسفل وحاصره كل من جابـر وآسـر.
كان يقف بالمنتصف واحدًا على يمينه والآخر على يساره..رافعًا يديه ملوحًا بها في الهواء يحذرهم من الاقتراب:
-أنا بحذركم…ابعدوا عني..مش عايز اتغابى عليك ياض..وأنت يا بابا أنا مراعي برضو أنك أبويا خلي بالك.
تجمعت العائلة وجاءت على أصواتهم وتلك الضجة وحالة الهرج والمرج الذي فعلوها بالأجواء.
ومن بين ما يحدث والخطر الذي يتواجد بـه أحمد..قرع جرس المنزل من خلفه.
ابتلع ريقه وعلى الفور بدأ بالتراجع للخلف بحذر ينوي فتح الباب المتواجد خلفه والهروب من خلاله.
وبالفعل مد ذراعيه وفتح الباب دون أن يمنحه اهتمامه موليًا للطارق ظهره.
وفجأة سيطرت حالة من السكون والهدوء….والصدمة على ملامح جميع أفراد العائلة.
اندهش أحمد وسارع بالالتفات لرؤية من تسبب في حالتهم لتلك.
ومع التفاته خرج صوت فـريد المبتسم لهم جميعًا، قائلًا باشتياق واضح وعيونه تبحث عن والدته من بينهم.
-وحشتونــي.
وقع بصره على والدته فسارع بالذهاب نحوها وضمها إليه بقوة واشتياق جارف…..
فلم يكن منها سوى مبادلته عناقه، فكان عناقها يعبر عن حالتها ومدى افتقادها وتوقها لـه..متناسية غضبها منـه وحزنها من فراقـه وتركه لها كل تلك الفترة.
انشغلت هي في إشباع اشتياقها منه ولم تعلق أو تندهش من خسارته الوزن، وشكل جسده الذي تبدل تمامًا…فقد بات وسيمًا..وسيمًا بشدة…ربما تكون وسامته قد تخطت أيضًا وسامة آسـر.
لم تنتبه إلى صدمة عائلته من ذلك التغير والتبدل الذي بات عليه فكيف كان وكيف أصبح.
أمر لا يصدق.
خاصة أنـه قد كان عاشقًا للطعام..لا يتوقف فمه عن التحرك…يأكل في أي وقت وأي شيء…مثلما يقال كان من الممكن أن يأكل الأخضر واليابس.
ترى هل خضع لإحدى العمليات وهي من ساعدته على هذا التبدل!!!!
خرج صوت أحمد أول شيء، متمتم بصدمة وهو يقترب من فريـد وعيونه تتفحصه من أعلاه لأسفله:
-إزاي!!! وأمتى!!!!وفين!!! وإيـه؟!؟؟؟ أنت مين وإزاي بقيت كدة..أنا مصدوم….لساني انعقد…
في الحقيقة صدمة أحمد قد فاقت اشتياقه لـ فريد.
فهو قد حقق واحدًا من أحلام أحمد والذي لم يحققها حتى الآن.
ألا وهي الحصول على جسد رياضي مثل صابـر…آسـر…قُصي…و وسام.
خرج فريـد من أحضان والدته والتي أخبرته أثناء عناقها لـه بالكثير من الكلمات والمشاعر الصادقة.
وقبل أن يجيب على أحمد كان والده يقترب منه…يطالعه بنظرات أخبرته بالكثير…أخبرته كم أشتاق لـه وكم يحبه…كما أنها لم تخلو من العتاب الحقيقي.
لم تطول نظراته تلك وسارع بأخذ ابنه إلى أحضانه.
لم يتوقف الأمر هنا، بل كذلك قام جميع المتواجدين بالترحيب بـه.
وبعد الانتهاء انتبه أحدهم أخيرًا إلى ذلك الصغير الواقف ويشاهد بصمت ما يحدث.
عقد أحمد حاجبيه واقترب منه يسأل فريـد:
-إيـه ده مين ده!!!
كتم فريـد بسمته وقرر المزاح معهم، هاتفًا بجدية استحضرها بصعوبة:
-ده ابني خلفته وأنا هناك…تعالى يا علي يا حبيبي.
استجاب لـه الطفل وتشكلت الصدمة مجددًا على وجوه الجميع.
ما يحدث ليس منطقيًا على الإطلاق!!!!
خرج صوت والده أولًا معلقًا بعدم فهم:
-يعني إيه ابنك!! ابنك إزاي يعني؟؟؟
وقبل أن يجيب فريـد هتف آسـر وهو يتفحص الصغير والذي يظهر عليه أن عُمره قد تجاوز الخامسة أو السادسة.
وفريد بالأساس لم يبعد كل تلك المدة عنهم!!!
-ده إزاي معلش!! ده مش أقل من خمس..ست سنين…ما تحترم عقلنا يا جدع واضبط كدة في إيـه مالك..منطقيًا مينفعش.
تابع أحمد وهتف مضيفًا بأعين قد ضاقت منتبهًا لملابس علي:
-هو مبهدل كدة ليه، أنت بتسرحه في الشارع وإشارات المرور ولا إيـه..جايبه منين ده يا ياض يا فريـد انطق…وبعدين إيـه جسمك ده أنت بقيت كدة إزاي والعضلات دي طبيعي ولا نفخ؟؟؟
تدخل جابـر وقال بضيق:
-ده وقته يا زفت.
ثم اقترب جابـر من علي وسأله وهو يشير تجاه فريـد:
-أبوك ده يا حبيبي؟؟
هز الصغير رأسه تأكيدًا على حديثه، وعلى الفور هتف نضال بصدمة:
-ابن حلال ده ولا ابن حرام انطق..اتكلم..أنت أكيد مخلفتوش وأنت هناك، ده قبل ما تسافر بكتير..فين أمه طيب؟؟؟
هنا وقرر فريـد إنهاء تلك المسرحية… فما فعله كان لمساعدة هذا الصغير ومنحه بعض النقود بعد أن يجعله يشعر أنه قد فعل شيء يستحق عليه أخذ المال، دون إحراجه أو جعله يشعر بأنه يشفق عليه.
لا يدري هل لو كان حاول منحه المال دون فعل هذا كله كان سيقبله أم لا.
لكنه لم يغامر ولن يرغب في جرح من أمامه ولو بحرف واحد خاصة بعد أن أخبره الصغير بأنه سيدفع لـه حساب ما قام بتناوله
كما أنه رغب في المزاح قليلًا مع عائلته.
ولكنها كانت مزحة ثقيلة جعلت الكثير من الافلام تدور برأس كل واحد منهم.
-أنتوا صدقتوا ولا إيه أنا بهزر على فكرة…وده علي آه بس مش ابني، نقدر نقول صاحبي من هنا ورايح…صح يا علي؟؟
ابتسم لـه علي وقال لـه:
-صح.
عقب أخذه جواب منه، دارت عيون فريـد وسأل بفضول:
-أومال فين صابـر… فين العريس؟؟؟؟
-موجود أهو.
رد عليه صابـر والذي حضر من الخارج للتو.
لانشغاله بترتيبات حفل زفافه.
سارع فريـد بالتحرك نحوه ومبادلته السلام، هاتفًا بمرح:
-أول ما عرفت أن فرحك أخر الأسبوع قولت لازم أجي ومفوتهوش، كفاية أوي أني محضرتش فرح يوسف ومحمد…..
_____________________________
يجلس عـادل خلف المقود داخل سيارة جهاد.
بعدما قرر ترك سيارته أمام المطعم والذهاب معها وتوصيلها أولًا.
يفعل معها ما لم يفعله مع امرأة قبلها.
يعاملها باستنثاء ويكره بعدها عنه.
ويطمح في الزواج منها سريعًا كي تبقى معه دائمًا وأبدًا.
أبعد عيونه عن الطريق يخطف نظرة نحوها، فوجدها تنشغل بهاتفها وتقرأ التعليقات التي وضعت على فيديو عرض زواجه بها والتي قابلته بالموافقة.
فقد تم التصوير ونشره على حسابتهم قبل إنطلاقهم بالسيارة.
وانهالت الإعجابات والتعليقات.
حيث كان أكثرها إيجابي والأخر لم ينال إعجابه ما حدث وتوقع أن لا تكمل تلك العلاقة وتنتهي بالفشل وأن هذا الحب ليس سوى عرض من أجل زيادة المشاهدات والشهرة والتي ستأتي وتعود بالفائدة عليهم.
استنكرت جهاد تلك التعليقات وبغضتها للغاية وقالت بانفعال طفيف:
-ناس مريضة بجد..أنا اللي أعرفه أن لو عندك كلام كويس وحلو قوله معندكش يبقى اكتم حاجة قرف بجد.
حاول عـادل تهدأتها وتوقع ما كُتب دون أن يراه فهو قد توقع سابقًا ما قد سيقال حينها..بل ويقال دائمًا في الحقيقة:
-فكك ومتشغليش دماغك اللي يقول يقول واللي يشتم يشتم واللي مبيحبناش إن شاء الله عنه ما حبنا، كفاية أحنا بنحب بعض، كرههم مش هينقصنا ولا هيزودنا..بالعكس كومنتاتهم حتى لو زي الزفت بس بتعلي ريتش الفيديو وبتخليه يتشاف أكتر.
لم تستمع جهاد لبقية حديثه، فقد وقع بصرها على تعليق جعل غضبها يتفاقم أضعاف مضاعفة، ربما لأنه حقيقي ولمس شيء ما بداخلها وقد كان هذا التعليق من فتاة ما وكتبت ما يلي:
“أنا ملاحظة أنها بدأت تتغير عن أول ما طلعت، هي مكنتش كدة، شعرها في أخر فيديوهات نزلتها بدأ يظهر وتطلعه من الحجاب..رقبتها بقت بتبان!! هي كدة المفروض أنها محجبة!! والدكر اللي معاها ده فرحان بيها وهي كدة، مبيغرش عليها ولا إيـه!!! واضح بجد أن الفلوس بتغير النفوس، ربنا يسترها علينا بجد…..”
لم ينتهي الأمر عند هذا التعليق بل لاحقه تعليق أخر من فتاة أخرى أجابت على الفتاة توافقها على رأيها:
“بجد أه أنا كمان ملاحظة ده، بتحاول تقلد سارة بأي طريقة، بس مش هتقدر وإن شاء الله سارة ترجعلنا من تاني وترجع الاشكال دي لمكانهم اللي يستحقوه…وأراهنك أنها شوية وهتقلع الحجاب ودكر البط ده مش هيقولها لا وهيدافع عنها ويقف جمبها كمان في الغلط..”
أطلقت جهاد لفظ بذئ بعد قراءاتها لما كُتب في حقها وتوقعاتهم السخيفة تلك.
التفت إليها عـادل سريعًا وسألها:
-في إيـه؟؟ إيـه اللي حصل.
-اتنين ميسوش بصلة قاعدين يغنوا ويرودوا على نفسهم ونازلين شتيمة وقال شوية شوية هقلع الحجاب وحجابي مش عجبهم، هما مال أهلهم ما كل واحد يخليه في نفسه، هما هيتحاسبوا مكاني!! أنا نفسي كل واحد يخليه في نفسه..بجد بيحسسونا أنهم مبيغلطوش!! أنا هرد عليهم وهمسح بكرامة اللي خلفوهم الأرض.
اعترض عـادل وقال يرفض تلك الفكرة ولا يشجعها للإقدام عليها:
-لا طبعًا يا جهاد أوعي تعملي كدة، سبيهم يهروا، لو رديتي عليهم يبقى ادتيهم قيمة، أنتِ عارفة أنتِ على إيـه، متخليش حد يضايقك..اقفلي بقى أم التليفون ده وبطلي تقري الكومنتات.
-بجد حرقوا دمي.
-لا عاش ولا كان اللي يحرق دمك، دول غيرانين منك يا حبيبتي، لو صافين وسالكين مكنوش اتكلموا على بنت زيهم.
ختم حديثه وهو يصف سيارتها أمام البناية التي تسكن بها.
انتبهت لوصولها فأغلقت الهاتف أخيرًا وقالت لـه:
-معاك حق..أنت هتعمل إيـه هتروح ولا ناوي على إيـه.
-مش عارف بصراحة..بس احتمال كبير اروح..هكلمك متقلقيش.
ابتسمت لـه وقالت وهي تهبط وهو الأخر يهبط من سيارتها:
-هستناك.. تصبح على خير.
بعد إغلاقها للسيارة وأخذ مفاتيحها وما لبثت أن تلج البناية حتى سمعته يخبرها:
-أنا هكلم باباكي النهاردة وأضبط معاه يوم عشان أجيب أهلي واطلبك منه رسمي….
وبالتأكيد وافقت وأخبرته بموافقتها ثم أكملت طريقها واستقلت المصعد، ضغطت على زر الطابق العاشر وترقبت وصولها.
لحظات وكانت تصل إلى الطابق المنشود.
وضعت المفتاح في محله وفتحت الباب ودخلت للداخل وعلى الفور استقبلتها رضا التي علمت بمجيئها من سيارتها التي تصف بالأسفل وترقبت وصولها كي تخبرها بهمس:
-جهاد، بابا هنا بقاله حبة ومستنيكي، وهو دلوقتي قاعد مع روضي و دودي وعمال يستجوب فيهم.
عقدت حاجبيها وسألتها باهتمام:
-طب وإحسان فين؟
-في أوضتها مش عايزة تطلع قالتلي أقوله نايمة…وعصمت خرجت سلمت ودخلت الأوضة هي كمان، أنا و روضي ودودي اللي وقعنا في ارابيزه.
-مراته معاه؟
-الحمدلله لا، جاي لوحده المرة دي.
لم تتمهل لسماع المزيد من رضا واتجهت نحو غرفة الصالون.
وقع بصرها عليه جالسًا أمام روضة وضياء مدعيًا الصلاح والاهتمام يسأل عن الحال والأحوال.
وهما يجيبان عليه بكل هدوء.
صمت ما أن دخلت جهاد وتحولت انظاره نحوها، هاتفًا:
-أهلًا بجهاد هانم..العروسة المنتظرة، مش عيب اللي حصل ده، بقى الناس الغريبة تعرف قبل مني وأنا اعرف زيي زيهم، مش كان صح والمفروض برضو يجي ويطلبك مني الأول ويأخد موافقته مني وبعدين يبقى يعلن ويعمل اللي عايز يعمله؟
جلست جهاد تجيبه ببرود:
-إيه اللي خلاه صح ومفروض، أنت كدة كدة هتوافق عشان أنا موافقة…ولو على أنه يجيلك فهو هيكلمك النهاردة أو بكرة بالكتير عشان ياخد منك ميعاد، ولو كان يعرف أنك هنا كان طلع اتكلم معاك واتفقنا وخلصنا.
-خلصنا!!!!! في بت محترمة متربية تقول لأبوها خلصنا.
وعلى الفور صب غضبه منها على ضياء و روضة قائلًا بتشنج واضح:
-قومي يختي أنتِ وهي خلوني اكلم معاها لوحدنا…قوموا.
طالعت روضة جهاد بنظرة سريعة ثم استجابت لكلماته ونهضت رفقة ضياء.
بقى الاثنان بمفردهما..
تنحنح واعتدل بجلسته، وتبدلت نبرته لأخرى أكثر هدوءًا:
-نرمين حامل في واد، الدكتور بلغها النهاردة، وأنا قولت أجي وأفرحك وأبشرك أن أبوكي أخيرًا هيجيله الواد اللي كان بيحلم بيه طول عُمره..أخيرًا ربنا هيعوضني عن صبر سنين…وفي سيرة العوض أنا قررت اسميه عوض……وبالمناسبة السعيدة دي أنا كنت عايزك تجيبي لنرمين عربية زي بتاعتك.
رغمًا عنها وبدون إرادة خرجت ضحكة خافضة ساخرة من حديثه…بل من الموقف بأكمله.
لم تكبح الكلمات والحديث التي رغبت في تحريره وقالت بغضب مكتوم:
-أجيب إيـه؟؟ عربية مرة واحدة؟؟؟ ليه إن شاء الله، أنت عايزني أضيع فلوسي على الست هانم مراتك، بقى أنا اتعب واشقى عشان أجيب القرش وهي تيجي تاخد على الجاهز، أنا مشوفتش بجاحة كدة ولا هشوف بصراحة.
حاول التحكم بنفسه وألا يثور عليها، ليس من مصلحته أن يعاديها ويفتعل شجار معها..كز على أسنانه وهتف يبرر لها:
-هو أنتِ هتجيبي لحد غريب دي مرات أبوكي وأم أخوكي عوض.
-أبوس أيدك متعصبنيش، جاي لحد هنا عشان تقولي أنك هيجيلك الواد، اللي بسبب أنك مجبتوش من زمان عاقبتنا أحنا وطلعت عينا، ده أنت عُمرك ما خدت واحدة فينا في حضنك ولا حتى طبطت عليها..جايلي عايزني أفرح بالواد اللي هيشرف..لا معلش أفرح بيه أنت ومراتك، أنا مستكفية بأخواتي وفرحانة بيهم، والفلوس اللي هضيعها على عربية للست هانم مراتك، ممكن أعمل بيها حاجة تفرح أخواتي..اللي أنا اديتهولك وبتاخده كل أول شهر مش قليل…فكفاية بقى، كفاية استغلال فيا لحد كدة.
-افهم إيه من الكلام ده؟ يعني مش هتجيبي العربية لـ نرمين؟
-لا مش هجيب عربية لزفتة…كفاية أوي الشقة اللي جبتهالك عشان تتجوزها فيها، شقة مكنتش تحلم تعيش فيها.
ملئ الغضب صدره، وبأعين قد ضاقت وتوعدت لها، قال وهو يتأهب للمغادرة:
-ماشي يا جهاد بس خليكي فاكرة اللي عملتيه ده كويس، عشان أنا مش هنساه.
تحرك عدة خطوات وقبل أن يغيب عن انظارها توقف عن الحركة وتذكر أمر ما…
أمر إذ عرفته قد يزعجها…وربما لن يفعل ولا يفرق معها..
لكنه لن يخسر شيء….
ابتسم بسمة خبيثة قبل أن يلتفت نحوها، يخبرها بأعين مسلطة عليها كي يرد رد فعلها:
-صحيح عرفتي أن صابـر فرحه آخر الأسبوع ده؟!……….
««يتبع»»………….
هحاول انزلكم فصل كمان في نص الأسبوع لو معرفتش ومنزلش هيبقى على ميعادنا يوم السبت إن شاء الله🙈❤❤
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.