رواية الحب كما ينبغي – الفصل العشرون
الفصل العشرون
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل العشرون:
ابتلع “أحمد” ريقه والتفت برأسه يطالع محمد الواقف جوار الفتيات كي يساعده ويساعد يوسف بتلك المشكلة.
فحرك محمد كتفيه بعدم إهتمام وسحب يديه تلك المرة معلنًا انسحابه، فهو لا ينوي خوض شجار آخر مع طه.
وعلى الفور خطر آسر بذهن أحمد فرفع رأسه يبصره فوجده لايزال يقف في الشرفة ولكن ليس غاضبًا مثلما كان بل بسمة واسعة مستمتعة بما يحدث ترتسم على محياه.
من جديد ابتلع ريقه واقترب من يوسف مجددًا ثم تسللت يديه وأخذ المفتاح من يد يوسف حيث كان لا يزال ممسك به لم يضعه بجيبه بعد.
تسلل بجسده بخفه مستغلًا انشغال طه مع يوسف و وقوفهم وجهًا لوجه بتحدي.
صعد البناية بخطوات راكضة و وصل الطابق وفتح الباب ودخل المنزل وهو ينادي عليه:
-آســــــــــر، واد يا آسر تعالى بسرعة انقذنا، انجدنا.
دخل الشرفة وحاول سحبه معه فرفض آسر هذا وقال مقلدًا طريقة طه في التحدث:
-إيدك يا ابن عمي لتوحشك.
-توحشني إيه وتوحشك إيه مش وقته، الواد يوسف تحت هيموت، طه ده مبيهزرش، انزل ألحقه وانقذ الموقف، الواد لو الموضوع باظ هينهار، وأنت عارف يوسف غلبان وطيب، يلا يا آسر بالله عليك.
تنهد آسر ولم يجد حل سوى الامتثال لرغبة أحمد في مساعدة يوسف، فهو بالأول والأخير يحبه كثيرًا ولا يريد لضرر أن يمسه أو يلحق به وبقلبه.
بالأسفل، تابع طه كلماته راغبًا في كسر وتخريب صورة هذا الشاب الذي سمع عنه أنه يتشاجر ويتشاحن مع أي أحد ومحب كبير للمشاكل.
-الحبتين اللي أنت بتعملهم، تعملهم في أي حتة تانية، هنا دي منطقة الروش ومدام منطقتي تبقى خط أحمر.
وصل آسر بصحبة أحمد بطلته الانيقة السارة للأنظار، مقتربًا من يوسف و طه، واقفًا بالمنتصف بينهم يولى ظهره لـ يوسف و وجهه لـ طه واضعًا يديه بجيب سرواله، متحدث بنبرة باردة قوية قادرة على أن تدب الرعب في قلب أي شخص:
-خير يا اروش الروشين، عامل دوشة ليه، للدرجة دي خايف من يوسف، طب إيه رأيك بقى من انهاردة مش أنت الروش لا، من انهاردة يوسف هو الروش، وممكن يروش على أي حد فيكي يا منطقة، وأنت وأولهم، إيه رأيك بقى؟
نجح آسر في جذب أنظار طه إليه، جعله يتفحصه ويتفحص هيئته أثناء حديثه، فقد كان يفوقه طولًا، أنيقًا لأقصى درجة، رائحة عطره نفاذة، ملامحه جذابة، كذلك عضلات جسده تفوق جسد طه بمراحل.
انزعج طه من تدخله بينه وبين الغريب فصاح يسأله:
-وأنت مين أنت كمان، وبتدخل على أي اساس يا ***.
هنا وابتسم آسر بعد إطلاق طه لسباب فظ وقح، وعلى حين غرة باغته بلكمة على وجهه وهو يجيب عليه بصوت عالي حانق منفعل:
-وأنت مال أمك أنا مين، عايز تعرف أنا مين أنا هقولك أنا مين بس مش بالقوله بالفعل يا روح أمك.
ترنح جسد “طه” أثر تلك اللكمة القوية وما كاد يستوعب الأولى حتى وجد الثانية تهبط على وجه ولكن تلك المرة جاءت من يوسف الذي أشار له آسر واستوعب الآخر سريعًا وتدخل معه.
تذكر طه ما حدث له مسبقًا على يد صابر و محمد.
صك على أسنانه غلًا وحقدًا، وأدرك أنهم اتفقا عليه للتو.
لم يرغب في تكرار المشاهد وخرب صورته مرة أخرى أمام أهالي المنطقة.
فهو ليس ساذجًا لتلك الدرجة ويرى الفرق الواضح بينه وبين آسر وهذا الساكن الجديد.
تراجع للخلف قبل أن يجتمعوا عليه، في ذات الوقت الذي تدخل أحمد بين الثلاث كي لا يكبر الأمر أكثر.
هز طه رأسه بتوعد وهو لا يزال يتراجع للخلف متحدث بنبرة جهورية محذرة:
-ماشي خليكم فاكرين أن أنتوا اللي بدأتو وعلى رأي المثل العين بالعين والسن بالسن.
ابتعد بعد القائه جملته فصاح أحمد بصوت عالي يعدل على حديثه:
-خد يا روش نسيت تقول أهم حاجة في المثل وأنه البادئ اظلم وأنت اللي بدأت مش أحنا ولا أنت بدور على خناقة بمنكاش لا بقولك إيه أحنا مش فاضينلك أحنا ورانا مشاغل بالكوم.
هنا والتفت جسد يوسف متعمدًا أن يصبح وجهه مقابلًا لها، مصفقًا بكلتا يديه وهو يخبر المشاهدين من حولهم:
-خــلاص، العركة اتفضت، أنتوا هتقفوا تصورونا، يلا اتكل يا عم أنت وهو.
كانت عينيه ترتكز عليها أثناء حديثه، وانتبهت هي لذلك مما جعلها تتهرب بعينيها من نظراته التي تلاحقها.
لم يدعها وشأنها ورأى عودتها لداخل المطعم، فتحرك هو الآخر تاركًا خلفه أحمد وآسر.
كاد آسر يلحق به فأمسك أحمد به قائلًا بترجي:
-ابوس ايد والدتك اللي هي خالتي ابوس ايد أبوك اللي هو عمي ما تدخل وراه، سيب الواد ينجز……………. إيه ده آنسة روضة أخبارك إيه ؟؟
نطق أحمد كلماته الأخيرة مصوبًا إياها لـ روضة التي عادت للتو من درسها وترافقها توأمها.
-الحمدلله بخير وأنت عامل إيه، هو كان في خناقة ولا إيه؟
حرك آسر رأسه يبصر صاحبة الصوت الذي يحادثها أحمد وابتسامة جانبية ساحرة تزين ثغره.
وعلى الفور سقط بصره عليها بدلًا من رياض، لمعت عينيه ببريق من السعادة لرؤيتها أمامه، لا يصدق تلك الصدفة التي جمعته بها الآن.
أما هي فـ تيبس جسدها واتسعت عينيها من تواجده بمنطقتها.
لم يلزم آسر الصمت أكثر من ذلك وقال بنبرة مدهوشة:
-مش معقول الصدفة دي؟؟ أزيك يا ضياء عاملة إيه.
تجهم وجه روضة من هذا الرجل الذي سبق وتعرفت عليه وتدرك بأنه رفيقًا لـ يارا، ويحاول إيقاع شقيقتها في شباكه، فقالت بعدوانية واضحة:
-وأنت مالك عاملة إيه، يخصك؟؟ والله ميخصكش، يبقى تسألها ليه عاملة إيه ثم أنت مين أصلا علشان تسألها لا تعرفك ولا تعرفها أنت حيله مصاحب صاحبتها.
-اهدي بس وبراحة على نفسك كدة وابلعي ريقك، وبعدين هو أنا كنت كلمتك أنتي ده أنتي غريبة اوي أنا بكلمها هي، لما ابقى اكلمك أنتي ابقى افتحيلي الموشح ده.
-وأنا لسة هستناك لما تكلمها، طب اقولك جرب كدة تعملها، اقسم بالله باللي في رجلي وهنزل بيه على دماغك.
كانت ضياء سعيدة بدفاع روضة عنها، تكتفي بالتزام الصمت وتتابع دون النطق بحرف واحد.
بينما كان أحمد يتابع ما يحدث بين روضة وآسر وكلما تحدث أحدهم كان يحرك رأسه وينظر صوبه وعندما يأتي دور الآخر يلتفت إليه.
وبالأخير وعندما عجز عن فهم ما يحدث بين الاثنان قال بهدوء:
-بــــــــــــــــس، صلوا على النبي كدة، وأخبروني بما يحدث كي استطع حل سوء الفهم هذا.
“عليه أفضل الصلاة والسلام.”
أجاب الثلاث في ذات الوقت، وسرعان ما تحدثت روضة تشرح له:
-يا أستاذ أحمد ده ولا سوء فهم ولا حاجة….
أوقفها آسر عن استرسال حديثها وهو يردد بأسلوب هازئ:
-أستاذ أحمد!!!!!! لا كملي اتفضلي.
أنهى آسر حديثه عائدًا ببصره نحو ضياء التي تتجاهله تمامًا ولا تعريه أي اهتمام وكأنه سراب أو هواء لا يرى.
بينما تابعت روضة بعدما كزت على اسنانها غضبًا من سخريته من رجل أحلامها أمامها:
-البيه اللي مش محترم ومش مهذب بالمرة واللي أهله معرفوش يربوه بيضايق أختي عيني عينك، والمصيبة الأكبر أنه مصاحب صاحبتها، حضرتك متخيل يا أستاذ أحمد.
كان أحمد أثناء حديثها وتوبيخها في آسر يهز رآسه بتفهم، وعندما انتهت من سرد الحقيقة، هتف بعدم تصديق :
-يــا للصدمــة….!!!هل حقًا فعل هذا !!! آسر هل فعلت هذا حقًا أجبني صارحني؟؟
-يا عم دي تعبانة في دماغها، وبعدين معلش هي بتشتكي لمين بتشتكيلك أنت؟
من جديد انزعجت روضة من تقليله لشأن أحمد فقالت مدافعه عنه:
-آه اشتكيله هو أومال اشتكيلك أنت؟
ثم حولت بصرها نحو أحمد تخبره:
-حضرتك تعرفه منين أصلا ده مينفعش يبقى على معرفة بيك، ده مش من مستواك.
انحنى آسر برأسه قليلًا وهو يلقي تلك القنبلة في وجهها:
-عايزة تعرفي يعرفني منين، من عنيا هقولك أنا وهو ولاد عم لزم أبوه يبقى شق أبويا ومش أي اخ ولا أي شق، ده توأمه، فكرك خلاص كدة؟ لا أمه وأمي هما كمان اخوات ومش أي اخوات دول توأم برضو، يعني أنا وهو ولاد عم و ولاد خاله كمان، وخدي عندك دي كمان مولودين سوا في نفس اليوم، عرفتي دلوقتي أن أهلي اللي معرفوش يربوني هما هما أهله.
اعتدل بوقفته وتراجع قليلًا، رامقًا ضياء والتي طالعته تلك المرة فابتسم لها عندما تلاقت عيناهم وغمز لها بوقاحة.
انزعجت منه وقالت وهي تجذب روضة:
-يلا يا روضة وقفتنا دي مش حلوة الناس هتتفرج علينا.
ابتلعت روضة ريقها بعدما تجمد جسدها وانعقد لسانها وباتت تعجز عن التحدث بعد تلك الصدمة التي تلقتها، سألته بصوت خافض قبل ذهابها فهناك شيء بداخلها يخبرها بأن هذا الحديث ليس صحيح:
-ده بجد الكلام ده؟ هو بجد قريبك؟
هز أحمد رأسه بأسف وهو يؤكد لها:
-أجل، يؤسفني أن أخبرك أنه صحيح مئة بالمئة.
سحبتها ضياء من يديها عنوه وتحركا الاثنان نحو البناية وعلى الفور تهللت أسارير آسر لدخولهم ذات البناية وليست أخرى فسارع بالإلحاق بهم.
انتبه أحمد لتتبعه لهم فنادى عليه وهو يركض خلفه:
-انتظر يا عديم الرباية إلى أين أنت ذاهب.
ولجت الفتيات البناية وشعرت ضياء بملاحقته له، فالتفتت بكامل جسدها نحوه متمتمة من بين اسنانها:
-وبعدين بقى، ده أنت واضح أنك مبتفهمش، إيه الوقاحة والبجاحة دي داخل ورانا لحد هنا، يعني لما اصوت واعملك فضيحة بجلاجل هيبقى كويس دلوقتي؟؟
مال آسر برأسه لمستواها، متمتم بتسلية:
-لو جدعة اعمليها ولو ضربي هيبقى بسببك هسيبهم يضربوني وده لأجلك ولأجل عيونك الحلوين دول ، هما مش بيقولوا برضو أي حاجة تيجي من ريحة الحبايب.
-يا عيني، ده واضح أنك أنت اللي تعبان في دماغك مش اختي زي ما قولت من شوية.
-ده أنتي مركزة معايا بقى.
دخل أحمد واستمع لجملته الأخيرة فاعتذر منهم وحاول سحبه.
رفض آسر الاستجابه له وجذب ذراعيه منه، وهو يقول:
-بتشدني على فين مش ماشي أنا طالع الشقة.
عقدت ضياء حاجبيها وسألته بأعين متسعة:
-شقة إيه اللي تطلعها، ده شكلي أنا اللي هنزل على جتتك بـ اللي في رجلي.
صحح أحمد لها وقال يوضح الصورة:
-مش قصده اللي فهمتيه، هو قصده طالع الشقة اللي هو مقيم فيها حاليًا والشقة دي تبقى اللي في وشكم لزم.
صُدم آسر و ضياء و روضة وعلى الفور قال آسر بسعادة وبسمة كبيرة من تلك الصدفة التي جعلته جار لها ويقيم في المنزل المقابل لمنزلها:
-احـــــــــــــــلـف…..
في ذات الوقت خرجت تلك الكلمة من فوه ضياء صدمة وعدم تصديق:
نــــــــــــــــعم..!!!!!!!!!!!!!
داخل المطعم، عادت الفتيات لمباشرة عملهم، وجلس يوسف على إحدى الطاولات التي تقع أمامها مباشرة ومن خلالها يستطع متابعتها، سحب المقعد وجلس عليه وجاء محمد وقال بخفوت :
-بتهبب إيه أنت دلوقتي؟؟
رد عليه بصوت خافض وأعين لا تفارقها:
-بعمل إيه يعني هاكل، هو مش ده مطعم كشري برضو ولا إيه.
-طب هنزلك طلبك كل واخلع، أنا لا طايقك ولا طايق أحمد ولا الزفت التالت كتكم القرف.
غادر كي يأتي له بالطعام، بينما ظل يوسف كما هو، اراح ظهره للخلف وعقد ساعديه ورغمًا عنه كان بصره يراقب كل ما تفعله وكيف تعمل.
حاول…ثم حاول…ثم أعاد محاولته حتى نجح أخيرًا وابعد حدقتيه عنها، فهناك شيء غريب به، وكأنها تسحره، تجعله لا يزحزح عينيه من عليها…
اغمض جفونه لوهله وحرك رأسه، فسقط بصره على رجل يجلس برفقة رجل آخر، وعيناه تطالعها بنظرات ازعجته، جعلت الدماء تفور لرأسه ويشعر بغليان ليس له مثيل…
دون تفكير أو تردد كان ينهض وينسحب من جلسته ويتجه نحو طاولتهم.
انحنى بجسده للأمام و وضع كلتا يديه أعلى الطاولة يرمق الشاب بنظرة غاضبة واعين اسودت بشر، متمتم:
-طب مش تحترم نفسك وتبص في طبقك ولا البسهولك في وشك واخليك مسخرة واضحك عليك الخلق اللي موجودين حواليك دلوقتي وأولهم صاحبك اللي قاعد معاك، وبعدين اللي بتبص عليها بعينك اللي إن شاء الله لو اترفعوا تاني فيها هخزقهملك هتبقى مراتي وأم عيالي، يرضيك اسيب واحد يبص عليها، لا ومش بصات بريئة دي بصات أنا وأنت وصاحبك عارفينها، أنا هعذرك المرة دي عشان أنت أكيد متعرفش بس قسمًا عظمًا شيطانك يضحك عليك ويسوحك ويقولك هوب هنا تاني ولا كل هنا تاني لهكسرلك رجلك واخزقلك عينك واخليك أعمى.
ابتلع الشاب ريقه ولم يرغب بدخول شجار معه خاصة بعدما رآه يقوم بلكم طه وحديثه الأخير عنها، بعيدًا عن هيئته التي توحي بأنه محب للمشاكل والشجارات العنيفة وهو يرغب فقط بتناول صحنه وليس صفعات ولكمات قد يحصل عليها إذا تصاعد الأمر مثلما رأى منذ قليل.
اعتدل يوسف بوقفته ثم هندم ملابسه واولاهم ظهره عائدًا لطاولته في ذات الوقت الذي جاء به محمد وهو يحمل له الطعام ويضعهم على الطاولة أمامه، يستفسر منه بهمس:
-كنت بتعمل إيه، أنت إيه حكايتك انهاردة بتقول شكل للبيع.
أثارت كلمات محمد حنق يوسف فصاح يدافع عن نفسه:
-ولا شكل للبيع ولا زفت، الواد قاعد يبصلها وهياكلها بعينه، إيه اسيبه طرطور أنا قاعد ولا كيس جوافة، ده لا عاش ولا كان اللي يبصلها وأنا موجود، واللي هيبصلها هفقعله عينه مخلهوش يشوف تاني هخلهيه اعمى.
طالعه محمد بنظرات مستنكرة من طريقه تحدثه وغضبه، فهو كان قليل الغضب مسبقًا لم يسبق له وأن رآه هكذا.
بدأ يتغير ويشعر بالغضب ولا يسيطر عليه، الحب بالفعل بدأ يصنع معه المعجرات، جعله يتحلى ببعض الجراءة كي يدافع عمن يحبها ودق قلبه لها…….
غادر محمد، وبدأ يوسف بتناول طعامه، محاولًا قدر الإمكان السيطرة على عواطفه ومشاعره الجياشة نحوها بعدم النظر إليها.
وبالفعل نجح في هذا وعقب انتهائه ودفعه للحساب، وقف أمامها، وابتسم لها، فطالعته وقبل أن تتحدث بأي شيء كان يقول لها:
-الكشري آخر حلاوة، مدوقتش كشري بالطعامة دي قبل كدة، تسلم ايدك يا مربى، آه نسيت اعرفك بنفسي محسوبك اسمه يوسف…….
~~~~♡♡♡♡~~~~
عاد “ياسين” من الخارج باكرًا ودخل المنزل وهو يحمل علبة تحوى على الشيكولاتة المحببة والمفضلة إليها.
مخبئًا إياها خلف ظهره، متقدمًا عدة خطوات وهو ينادي عليها:
-ريري، أنا جيت، أنتي فين؟
نما إليه صوتها من حجرة الصالون، فقد كانت تتوسط الأريكة تشاهد التلفاز وتتابع إحدى الأفلام الأجنبية.
-أنا أهو يا ياسين.
تقدم منها وهو يتأملها، فهي جميلة بشكل كبير، أي رجل قد يتمناها ويرغب بالظفر بها، لا ينقصها أي شيء كي يعرف آخريات ويجعلهم يشاركونها به، لكن ماذا يفعل أعتاد على هذا ولا تكفيه انثى واحدة فهو يرغب ويطمح في خوض الكثير من العلاقات.
انحني بنصفه العلوي نحوها تاركًا قبله على وجنتيها، وهو لا يزال يخبئ الشيكولاتة خلفه، منحته بسمة وتابعته بعينيها وهو يجاورها في جلستها.
تحركت قليلًا تفسح له مجالًا للجلوس، وهي تهتف بترقب وابتسامة لا تزال تزين وجهها الجميل:
-جيت بدري انهاردة.
رفع يد واحدة ومدها نحوها مربتًا على خصلاتها الهائم بهم، مجيبًا على سؤالها:
-حبيت أجي بدري واقعد مع مراتي شوية، ولا نسيتي أننا عرسان جداد لسة مربعنوش.
ازدادت ابتسامتها اتساعًا ولمعت عينيها ببريق مريب لم يلاحظه، متحدثه بنبرة تحمل بين طياتها الكثير والكثير من التلميحات والشكوك التي لاتزال تساورها نحوه:
-أنا منستش يا ياسين المهم أنت اللي متنساش.
أخذ نفسًا عميقًا مزيفًا حزنه وضيقه مما حدث الأيام الماضية بينهما وكيف توترت علاقتهما:
-أنا عارف أني كنت بخرج كتير الفترة اللي فاتت مع وسام وبسيبك وأنتي لسة عروسة، والمفروض مقضيش الوقت ده كله برة واسيبك لوحدك، لا وكمان هزار وسام اللي أنتي صدقتيه بسهولة، وخلاكي شكيتي فيا وفي اخلاصي ليكي.
حقـًا!!!!!! هل يعاتبها ويلومها هي الآن، هل يحاول قلب الطاولة عليها، ويجعل من نفسه ضحية!!!!
التوى فمها ببسمة شبه ساخرة قائلة برفض تام لتلك المحاولة الذي يحاول فعلها:
-والله يا ياسين أي واحدة مكاني كانت أكيد هتشك، جوزها كل شوية يخرج ويسيبها ويفضل برة البيت لوقت متأخر بحجة أنه مع صاحبه، وبعدين يجي صاحبه ده اللي هو كان بيقول أنه معاه ويقول قدام مراته أنه بقاله كتير مبيشفهوش يبقى ده اسمه إيه.
تهرب من الإجابة وحاول تبديل مجرى حديثهم، متمتم بمرح وهو يغفل حتى الآن بحالتها وما تعايشه بسببه:
-طب خلاص حصل خير، ده شيطان أكيد، المهم شوفي أنا جايبلك إيه.
لاحق حديثه بإخراج الشيكولاتة، يمنحها إياها متمتم ببسمة:
-جبتلك الشيكولاتة اللي بتحبيها، حبيت أصالحك ومخليش الجو متوتر بينا اكتر من كدة واشرحلك وافهمك أنك ظلمتيني بس معلش أنا مسامح، أو بمعنى اصح مقدرش ازعل منك، وآخر مرة يا ريهام آخر مرة تفكري أني ممكن اخونك أو اعرف عليكي واحدة تانية، أنا مش خاين، وعُمري ما هقدر اخونك أو اعمل فيكي كدة، مقدرش اجرحك أو اذيكي بالشكل ده.
أذن هو يدرك بأنه لو كان يفعل فأنه يأذيها، يخبرها بأنه ليس خائن وهو كذلك، يحادث ويقابل الكثير.
أخذتها من بين يديه وتعابيرها لم تتغير، بل ظلت محافظة عليها، تحدق به تحاول قراءه عينيه وافكاره، هناك شعور بداخلها يخبرها أنه كاذب، كلماته ليست صادقة ولا تنبع من قلبه، بل يلقيها عليها كي تمر مرور الكرام ولا تعد تشك به مرة أخرى.
-أنت عارف أني بحبك صح؟ عارف حبي ليك عامل إزاي، أنت عارفني كويس يا ياسين ولو مكنتش بحبك مكنتش اتجوزتك، أنا مش عايزة راجل غيرك، مفيش راجل ممكن يملي عيني غيرك، وكمان بغير عليك.
ابتسم لها وسعد بهذا الإعتراف، وظن بأنه يملك دهاء شديد لجعلها تصدقه وتصدق عدم خيانته لها.
رفعت يديها ومسدت على وجنتيه بحنان، لم يتماشى مع كلماتها التي خرجت من لسانها وكأنه دلو من الماء البارد وقع عليه :
-أكيد عارف كل ده، قولتهولك قبل كدة، بس اللي متعرفوش والجديد أني بكره الخيانة والخاين، ومبسامحش فيها، لو بتموت قدامي وبتترجاني عشان اسامحك مش هسامحك وهتفرج عليك وأنت بتموت قدامي، أنا من ساعة الفرح وأنا بفكر والتفكير قاتلني.
أغمضت جفونها واستنشقت نفسًا طويلًا ثم زفرته دفعة واحدة، متابعة بقية حديثها:
-حاولت اعدى واقول اكيد أنا ظلماك وده شيطان بس بقى عندي شكوك وأنت اكيد لاحظت ده بس أنت نفيتها ومش مرة لا كذا مرة واعترفت بلسانك دلوقتي أنك لو بتعمل ده فـ أنت كدة بتأذيني وهتجرحني، بس أنا عايزاك تعرف أن لو طلع حقيقي مش محتاجة اقولك إيه اللي هيحصل هسيبك تتفاجئ، أصل بالعقل كدة واحد عارف أنه بيجرحني وبيأذيني بخيانته هطبطب عليه واسامح ليه.
تملكه الخوف، ازدرد ريقه بصعوبة بالغة حافظ على قسمات وجهه لم يغيرها ويعكس ما يشعر به، بل اخفاه، فهي تتحدث بقوة لم يراها بها مسبقًا ولكن كيف ستقسو عليه وهو على يقين بأنه نقطة ضعفها، وتعشقه.
مخبرًا ذاته بأن كلماتها تلك لاخافته وجعله يتراجع عن خيانتها لو كان حقًا يفعلها، لكن الحقيقة تناقض حديثها فحتى إذا أدركت ما يفعله من وراء ظهرها ستسامحه فهي لا تملك خيارًا آخر.
لم يلتزم بالصمت كثيرًا بل أجابها بقوة استحضرها سريعًا:
-ده لو بقى بعمل كدة، كفاية ظن وحش كدة وتخلي الشيطان يفرق بينا وشيلي موضوع الخيانة ده من دماغك، والأيام هتثبتلك إني برئ.
~~~~♡♡♡♡~~~~
خرج “وسام” من دورة المياه وهو يطلق صفيرًا خافضًا، توجه نحو الصالون الذي ترك زهر جالسة به تشاهد إحدى البرامج المفضلة لها.
لم يجدها و وجد مكانها فارغًا، فخرج صوته عاليًا ولكنه حنونًا دافئًا ينادي عليها:
-روحتي فين يا زهــر؟
نما إليه صوتها تجيبه:
-أنا هنا يا حبيبي.
اتبع صوتها واتجه نحو المطبخ، وكلما اقترب أكثر كان يسمع صوتها وكأنها تتحدث مع نفسها.
ابتسم بسمة جانبية وهو يعلق:
-البت اتجننت ولا إيه، بتكلم نفسها.
وصل وبات على أعتاب المطبخ وسرعان ما تبخرت بسمته بالهواء الطلق، وحل محلها عبوس شديد، بعدما أدرك أنها لم تكن تحدث نفسها، بل اخلت بوعدها معه من جديد وفتحت هاتفها وتتحدث مع أحدهم.
تركت ما تفعله من إخراج الطعام الجاهز من الثلاجة لهم كي تقم بإدخاله الفرن الكهربائي، بعدما اجتاحها شعور بالجوع.
التفتت إليه وبسمة واسعة تزين وجهها الجميل، بسمة جعلته يتساءل عن هوية المتصل والذي رسم تلك البسمة المبهجة على وجهها.
وبنبرة يملؤها الغيرة الشديدة، سألها:
-بتكلمي ميــن؟؟
-ده فريد، اتصل علشان يباركلنا وبيقولك متزعلش عشان معرفش يحضر الفرح.
ليتها لم تخبره بهويته، فـ بدون أن تدرى جعلت الدماء تفور لرأسه، ويتفاقم غضبه وسخطه أكثر وأكثر فقد لعبت على وتر حساس ألا وهو غيرته عليها اللامتناهية، وانزعاجه من تحدثها مع أي شاب من شباب عائلتها.
صك على أسنانه ورسم بسمة زائفة لم تصل حتى إلى عيناه:
-مزعلتش، بس زعلت دلوقتي، هو بيتصل عليكي أنتي ليه، هو أنا مش عجبه؟ اديني أكلمه.
برقت عين زهر مستنكرة كلماته بل وغضبه الواضح عليه وقالت مصوبة حديثها لـ فريد:
-ثواني يا فريد خليك معايا.
أبعدت الهاتف عن اذنيها وقامت بكتم الصوت كي لا ينصت فريد إلى حديثها معه، قائلة له بنبرة حانقة وسريعة كي تنهي تلك المسأله معه:
-إيه اللي بتقوله ده، يعني الحق عليه أنه متصل يياركلنا؟وبعدين ده ابن عمي نضال يا وسام يعني مش غريب أنا زي اخته، أحنا متربين سوا وطول عُمرنا عايشين في بيت واحد، ولا هو الكلام ده جديد عليك ومتعرفهوش.
ضاقت عينيه وقال متهكمًا:
-لا مش جديد وعارفه والله، بس الأصول يا أستاذة زهر بتقول يتصل عليا أنا ويحترمني ويقدرني، بيتصل عليكي أنتي ليه، هو أنا طرطور؟؟؟ مش عجبه؟!
-ما أنت عارف فريد، أكيد مش قصده كدة خالص وبعدين يتصل عليك فين ما أنت قافل موبايلك، وسام متعملش مشكلة من مفيش، ولو ضايقك اوي أنا…
قاطعها وهو يمد يده لها يطلب منها هاتفها:
-هاتي الموبايل.
-وسام متحرجنيش قدامه فريد زي أخويا وأنت.
مجددًا لم يدعها تتابع حديثها معه متمتم:
-هاتي الموبايل يا زهر، متخافيش مش هأكله.
ترددت بالبداية ثم حسمت أمرها والغت كاتم الصوت وقالت مبدلة نبرتها الغاضبة العالية منذ لحظات إلى أخرى هادئة اجادت إتقانها:
-سوري يا فريد، وسام معاك أهو.
أجاب فريد عليها بهدوء:
-تمام.
مدت يديها و وضعت الهاتف بيد وسام الذي سارع بالإيجاب عليه وهو يتحرك يفارق المطبخ.
-إيه يا فريد، اخبارك إيه مبسوط عندك؟
لم تقف مكانها وسارت خلفه تتابعه تنصت إلى حديثه معه.
-الحمدلله، آه الدنيا حلوة هنا وزي الفل، أنا آسف والله علشان محضرتش الفرح بس حصل ظروف معرفتش انزلكم.
يكذب، وببراعة، فلم يحدث معه شيء يمنعه من الحضور لحفل زفاف ابنه عمه، بل كانت تلك رغبته وهي الهروب وعدم مواجهة عائلته و رؤيتهم وخاصة يوسف الذي خذله فلم يرد مقابلته أو رؤيته.
علق وسام على عدم حضوره، متمتم:
-ولا يهمك، والله يبارك فيك.
كاد وسام أن يتابع ويخبره بكل صراحة عن انزعاجه من اتصاله بها مباشرة وتخطيه له ولكن سبقه فريد والذي استشعر بأنه تسبب بمشكلة بينهم، فلا يوجد أحد من عائلتها يجهل مشاعر وغيرة وسام عليها.
-على فكرة أنا اتصلت عليك الأول بس موبايلك كان مقفول واتصلت على زهر بعد ما حاولت اوصلك، ولو اضايقت أني اتصلت عليها، فـ أنا آسف وإن شاء الله مش هتكرر تاني أنا محبش تبقى مضايق مني ولا أحب أني ابقى سبب مشكلة بينكم.
ابتسم وسام وسعد باعتذار فريد وبمراعيته لمشاعره وحبه لابنه عمه، قائلًا ببسمة:
-لا ولا مشكلة ولا حاجة يا جدع.
مازحه فريد وسأله:
-بجد يعني أتصل عادي عليها واطمن اخباركم إيه.
-آه هنخيب بقى، ما أنت كنت ماشي كويس.
-يا عم بهزر معاك، الله !! ميبقاش دمك حامي كدة.
وبعد تبادلهم المزاح وباتت الأجواء هادئة اغلق وسام معه، وعلى الفور قذف الهاتف على الأريكة وهو يغمغم، وعلى وشك الاندفاع نحوها:
-ده أنتي يومك مش معدي انهاردة يا بنت جابر.
ركضت من أمامه سريعًا وضحكاتها تفلت منها رغمًا عنها، تستفسر من بينهم:
-ليه بس هو أنا عملت إيه.
-عملتي إيه كمان بتسألي، ما دي مصيبة أنك مش حسة باللي عملتيه، هو أنتي مش قولتي خلاص هقفل الموبايل وأنت كمان تقفله ونعتزل العالم هو ده الاعتزال، ده أنتي بسبب فكرتك المهببة المنيلة دي فريد اتصل عليكي بعد ما قفلت تليفوني، اقول عليكي إيه بس.
توقفت عن الفرار منه واقفة مشيره نحو نفسها بسبابتها، قائلة بتهكم واضح:
-مهببــه !!!! أنا فكرتي مهببة يا وسام!
-ومنيلة كمان زهر، مهببة ومنيلة الاتنين.
اتسعت عينيها أكثر وقالت:
-كمـــان !!! وبتتكررهم في وشي تاني، ماشي يا وسام ماشي.
-إيه اللي ماشي يا وسام ماشي يا وسام بتهدديني كدة يعني.
كان يجيب عليها وهو يتابعها ببصره يراها تتقدم تجاه غرفتهم.
دخلتها وعلى الفور اغلقت الباب بقوة في وجهه.
كز على أسنانه بقوة كادت أن تسحقهم، صائحًا بصوت ساخر عالي وصل إلى مسامعها:
-أهو ده اللي خدناه من فتح الموبايل.
~~~~♡♡♡♡~~~~
-حلو أوي، جميل اللي بيحصل ده، واحد سايب البيت بقاله قد كدة، والتاني سافر واتغرب وقاعدلي برة، والتالت أبوه طرده ومش عايز يقول أسباب، والرابع أبوه طرده برضو من عمايله المهببة ولسانه الطويل، اعمل إيه فيكم أنتوا و عيالكم ها، هو أنتوا كنتوا بتكبروا وتجوزوا وتخلفوا علشان اشيل همهم، ما تلموا وتربوا عيالكم بقى.
تلك كانت كلمات “سلطان” الواقف بمنتصف غرفته ويقف بجواره جابر أما أمامه فكان يجلس كل من “أشرف” “عابد” “نضال”.
ينهرهم ويلوم عليهم، لا يعجبه ما حدث وكيف يبتعد عنه أحفاده واحد تلو الآخر.
رفع جابر يديه يربت على صدر أبيه قائلًا:
-مش كدة يا بابا صحتك مش معقول تتعصب وتحرق في دمك علشان عيال ولاد كلب زيهم.
ابتسم أشقائه سخرية وعلى الفور تحدث عابد معقبًا:
-ما تحترم نفسك يا جابر ولم لسانك وبعدين الكلام مش لينا لوحدنا أنت كمان معانا، هو أنت مش طرد أحمد أنت كمان ولا أنا متهيألي، فالح بس تقعد تدي حكم و مواعظ ونصايح أنت نفسك مبتعملش بيها.
انفعل سلطان وصاح بالاثنان مسبقًا جابر بالرد:
-آه سيبوا كلامي وامسكوا في بعض ما ده اللي أنتوا فالحين فيه، خد هنا أنت وهو لما أنتوا مش قد الخلفة والتربية بتتنيلوا تخلفوا ليه.
انهى حديثه مبصرًا أشرف مصوبًا حديثه إليه:
-عجبك اللي وصله ابنك يا أشرف سابلكم البيت وطفش، كام مرة قولتلك اللي بتعملوه مع الواد ده غلط سواء اسلوب مراتك معاه ولا سلبيتك دي بس ازاي ودن من طين و ودن من عجين، احصد بقى اللي زرعته انت ومراتك، شاطرين بس كل ما اجي واتكلم تقولولي أحنا عارفين بنعمل إيه، بس الحق مش عليكم الحق عليا علشان اعتمد عليكم.
-يا بابا..
قاطع سلطان حديث أشرف مغمغم:
-بلا بابا بلا زفت بقى يا اخي خرجتوني عن شعوري، وأنت يا أستاذ عابد فكرك أني معرفتش أنت طرد ابنك ليه، ده نتيجة تربيتكم الغلط في غلط، بتبقوا شايفين وعارفين فين الغلط ومش عارفين تصلحوه ولو حاولتوا تعملوا ده بتعملوه بطريقه غلط بتيجي على دماغكم بزيادة، وأنت يا استاذ نضال حلو أوي وابنك طفشان مش طايق يقعد في البلد.
تحدث نضال يدافع عن نفسه وابنه:
-يا بابا فريد مش سايب البيت علشان أنا طرده أو أنا اللي عايز كدة فريد حابب يبعد فترة عن البلد ويصفي ذهنه و
قاطعه سلطان قائلًا بسخط:
-ما هو ده انيل الواد طفشان مش بس من البيت لا ده سابلكم البلد بحالها، يعني مش هنعرف نجيبه ونرجعه بسهولة ده، اعمل إيه بس، متعلمتوش حاجة كل السنين دي، مش عارفين تحتوا عيالكم وتاخدوهم في حضنكم، واقفين تتفرجوا عليهم وهما بيغلطوا، العيال دي لازم ترجع البيت ويبقوا تحت عينكم وتصلحوا كل حاجة، وأنت يا أستاذ جابر على سنح و رمح.
اخفض جابر رأسه باحترام مجيبًا بهدوء:
-نعم أبي العزيز، كلي آذان صاغية إليك.
-إيه الحل في ابنك أحمد.
اعترض جابر و رفع رأسه يحتج قائلا:
-ماله يا حاج الواد زي الفل مشكلته في لسانه بس ودي بسيطة، هنجيب مقص وهيحل الدنيا صدقني.
-بتهزر، أنت بتهزر ليك نفس تهزر، بقولكم إيه أنتوا خسارة فيكم الكلام أنا حارق دمي ليه اطلعوا برة.
-اهدا يا حاج بس فين احتوائك أنت لينا، إيه معاملة جوز الأم دي بس.
أصر سلطان على طردهم وصاح بهم وهو يشير بسبابته تجاه الباب:
-بــــرة بقول.
~~~~♡♡♡♡~~~~
غابت الشمس وحل المساء أخيرًا، حيث كانت تجلس “روضة” داخل حجرتها على طرف فراشها تهز قدميها وتقضم أضافرها بتفكير، تنتظر قدوم شقيقاتها على أحر من الجمر.
انزعجت “ضياء” من حركة قدميها، فسارعت بمد يديها تجبر ساقيها على التوقف عن الحركة، انتبهت إليها روضة فسألتها:
-في إيه ؟
-في إيه أنتي بطلي تهزي رجلك عيني وجعتني و وترتيني، هو إيه اللي حصل لكل ده يعني، مالك شغلة بالك بيهم ليه؟ ما يولعوا.
-هتجنن يا دودي نفسي اعرف ليه بجد الفضول هيقتلني، ومش عارفة إخواتك اتاخروا كدة ليه النهاردة؟؟؟؟
-متهيألك، هما متأخروش ولا حاجة وبعدين هيروحوا فين يعني اهدي أنتي بس كدة.
في الشقة المقابلة لهم، كان يجلس الثلاث شباب بالصالون، ينصتون لحديث يوسف، وما فعله بذلك الشاب اليوم، وكيف قام بتهديده وارتعب الشاب منه حقًا.
صفق “آسر” بقوة، مغمغم بتشجيع:
-الله اكبر، اقسم بالله ما مصدق اللي بتشوفه وداني وبتسمعه عنيا حاسس أني بحلم، فينك يا مرات عمي تيجي تشوف ابنك وتتفشخري بيه.
عقب أحمد يستنكر حديثه:
-تتفشخر إيه؟؟ عن أي فشخرة تتحدث، مرات عمك لو طالت تقفز في كرش البت مش هتتأخر، دي هتشاركها في يوسف نن عينها.
-بقولك إيه اقفل بقك ده، اقفله، متفتحهوش، لو هتلوثلي سمعي يفضل متفتحهوش.
-ألوثلك سمعك !!!! ليه إن شاء الله شايفني جرثومة؟
تحدث يوسف مقاطعًا شجارهم الطفولي المعتاد متمتم:
-أنتوا هتتخانقوا، سيبكم من الهبل ده وفكروا معايا اعمل إيه تاني، إيه اللي المفروض اعمله مش عايز افضل محلك سر واخد خطوة، أنا نفسي اغمض عيني وافتحها القيني اتجوزتها وعندي دستة عيال منها.
عقب آسر على حديثه ممازحًا:
-حيلك حيلك، جواز ودستة عيال كدة مرة واحدة، طب تقول اغمض عين وافتحها الاقينا مخطوبين، أنت نطيت جامد خلي بالك.
سحب يوسف نفسًا عميقًا ثم قال وهو يعود بظهره للخلف ويستند برأسه ينظر لسقف المنزل:
-تفتكروا برق لو عرفت الحقيقة قدام وأني كدبت عليها علشان الفت نظرها واقرب منها هتزعل مني؟
تحدث آسر أولًا بنبرة جادة عقلانية:
-أكيد، مفيش واحدة تحب اللي قدامها يضحك عليها ويبتديها بكدب.
التقط أحمد الوسادة وقذفها في وجه آسر.
تفاداها آسر وامسكها بيده قبل أن تصطدم به، قائلًا:
-هو أنا بكدب ما هي دي الحقيقة، بس أنت ساعتها تقدر تحلها وتفهمها أنك عملت كدة علشانها، وهي تبقى حمارة لو مقدرتش ده أنت غيرت من نفسك خالص ده أنا معرفتكش يا جدع.
حل صمت لثواني لم يقاطعه سوى سؤال آسر المصوب ليوسف:
-ألا صحيح هي مشافتكش قبل التغيير وبشكلك القديم صح؟
اعتدل يوسف برأسه ثم قال بتفكير، وتذكر لليوم الذي رآها به لأول مرة:
-معرفش، أول مرة شوفتها فيه أحمد كان واخدني المطعم علشان يفتن على محمد، وساعتها عيني جت في عينها، بس لا مخدتش بالها مني.
عبس وجه أحمد من كلمة يوسف التي خصته والتي لم تكن سوى “يفتن”، معقبًا بعبوس طفولي:
-بس متقولش بفتن أنا كنت بنقذ الموقف.
أما يوسف فـ ساوره الشك وشعر بالذعر بعد سؤال آسر، من أن تكون قد تعرفت عليه، فقال وهو يهب مسببًا فزعهم :
-تفتكروا تكون فكراني وعرفتني لما شافتني تاني؟ أنا قلقت.
رد أحمد ينفي تلك الفكرة ويطردها من عقل يوسف:
-أنت عبيط؟؟؟؟ تفتكرك مين وتعرفك إيه أنت مش شايف شكلك اتغير إزاي، ده أنت بقيت واحد تاني، ده أنا ابن عمك معرفتكش يا جدع، اهدا كدة، ومتوترش نفسك على الفاضي، هي ولا عرفتك ولا حاجة اطمن واقعد قطعتلي الخلف الله يسامحك.
اقتنع يوسف بحديثه وردد وهو يعود جالسًا:
-صح، أنت صح، مستحيل تفتكرني أو تعرفني أصلا، ده من سابع المستحيلات.
على الطرف الآخر وبالعودة إلى منزل الفتيات، وصلت كل من إسلام، جهاد، وبرق بعد إغلاقهم المطعم ومغادرة محمد وعودته إلى المنزل.
نما صوت إغلاق باب المنزل إلى مسامع روضة، والتي لم تبقى مكانها وخرجت وقامت باستدعائهم لغرفتها.
ولج الثلاث معها، وعقب اغلاقهم الباب واحتلال الدهشة وجوههم سألتهم روضة:
-بقولكم إيه، أنتوا كنتوا تعرفوا أن الجدع اللي اسمه آسر ده يبقى ابن عم أحمد ومش ابن عمه وبس ده في نفس الوقت ابن خالته كمان، ومش بس كدة، ده حتى يوسف اللي جه سكن جديد هو كمان قريبهم ويبقى ابن عمهم برضو وكلهم عيلة في بعض، استنوا أنا جبت صورة ليهم من على النت………..
جاءت بهاتفها تحت أنظار ضياء، و برق.
أما جهاد وإسلام فتبادلا النظرات والتي تعكس عدم دهشتهم…….
رفعت الهاتف أمام وجوههم وهي تقول:
-بصوا صورتهم مع بعض، أحمد وصابر ومحمد ويوسف وفي واحد إسمه فريد تخين شوية، لا ياربي مش شوية ده كتير عنهم، غير زفت الطين اللي إسمه آسر.
جاء صوت ضياء المستفسر من الخلف قائلة:
-هو أهم سؤال المفروض نسأله ونفهمه هما إيه اللي بيعملوه ده وليه جم المنطقة عندنا والأهم من كدة ليه محمد هنا ومرمط نفسه مدام مبسوط وكمان اللي اسمه يوسف عامل في نفسه كدة ليه!
التقطت برق الهاتف متخطية الجزء الخاص بمحمد والذي لا يشغلها بالمرة، وقامت بتكبير الصورة على وجه يوسف، فقالت على الفور ببسمة واسعة:
-أنا كنت عارفة يوسف، عرفته وافتكرته من أول ما شوفته أنه هو ده اللي جه مرة المطعم، يومها جه و وقف اتكلم مع محمد، بس ساعتها مطولش ومشي علطول، اينعم قلع النضارة واستايل لبسه اتغير خالص حتى شعره بس على مين عرفته برضو.
استنكرت إسلام فعلتها وصاحت تسألها:
-ولما أنتي عرفتيه منطقتيش وقولتي ليه أنك شوفتيه قبل كدة وأن شكله كان متغير عن دلوقتي.
ردت جهاد عليها تسخر من برق:
-يعني أنتي مش عرفاها جديدة عليكي طول عُمرها كدة تبقى عارفة وفاهمة الحاجة وتعمل عبيطة وتفضل ساكتة بتكلم بمزاجها.
تدخلت روضة وقالت:
-مش وقته اللي بتقولوه ده، أهم سؤال مش لقين ليه جواب، ليه يوسف ده بيعمل كدة، إيه اللي في دماغه بضبط وعايز يوصل لـ إيه؟؟
لم تجد جهاد مفر، وللمرة الثانية تبادلت النظرات مع إسلام وكأنها تخبرها بأنه لا يوجد مهرب أو جدوى من الكذب، أبعدت عينيها عن إسلام ثم قالت:
-أنا هقولكم وهفهمكم كل حاجة من طقطق لسلام عليكم……………
«««يتبع»»»……………..
فاطمة محمد.
تفاعل حلو بقى
وهستنى
رأيكم
وميعادنا
يوم التلات مع الفصل الجديد بأمر الله
وبتمنى
الفصل ينول إعجابكم😘❤
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.