رواية الحب كما ينبغي – الفصل السادس
الفصل السادس
الحب كما ينبغي.
فاطمة محمد.
الفصل السادس:
-الحمدلله شبعت.
هكذا ردد “أحمد” بعد انتهائه من تناول طعامه رفقة عائلته، عائدًا بظهره للخلف، ممررًا يديه على جوفه الممتلئ.
ابتلعت والدته ما بفمها من طعام، قائلة بحنان:
-ما تكمل أكلك يا أحمد، مشوفتكش كلت كويس يعني عشان تشبع.
سارع “جابر” بالرد عليها مسبقًا ابنه الذي فتح فمه وكان على وشك الرد:
-عشان مبتشوفيش يا حبيبتي، ده يجي ياكلنا بعد كدة.
رد عليه أحمد معترضًا، ومحتجًا:
-اهو كلامك ده اكتر حاجة بتسد نفسي وبتخليني اشبع بدري، وبعدين أنا مش عارف أنت مش طايقني ليه ولا كأنك لاقيني على باب جامع.
ابتسمت “زهر” واجابته بحماس زائد:
-انا عارفة وهقولك يا حمادة، وسام علطول بيقول أنك عامل زي بابا زمان نفس طريقته بضبط وكانكم فولة واحدة وانقسمت نصين.
أكد لها أحمد:
-اه، اه ما أنا ابنه، وسام مجابش التايهة، ولا جاب الديب من ديله، ولا الديك ؟؟ هي كانت الديب ولا الديك ؟؟
وقبل أن يتدخل جابر ويعلق على حديث ابنته، ردت مستنكرة:
-ديب ايه وديك ايه، ركز معايا واسمع المفيد.
-كلي أذان صاغية، تابعي حديثك يا أختي.
هكذا قال أحمد فسارعت زهر بكلماتها:
-المهم أن وسام قالي أن بابا بيشوف نفسه زمان فيك وعشان كدة بيعاملك كدة، لانك نسخة مصغرة منه قدامه.
اتسعت عين أحمد وقال متاثرًا مثبتًا بصره على والده:
-الكلام ده بجد يابا ؟؟؟ طب أنا ذنبي إيه اني طلعتلك، هي دي حاجة بايدي، وبعدين أنت مالك ما أنت زي الفل، وانا زي الفل، هو الواد صابر ده اللي مش زي الفل.
أنهى صابر طعامه بتلك اللحظة وبنظرة جانبية رمق أحمد بنظرة باردة وكأنه لا يهمه حديثه، ولا يراه إلا سخافات وثرثرة لا جدوى منها، قائلًا بصوت غلفة البرود:
-بعد إذنكم قايم أكمل شغلي.
بعد ذهابه، ضرب جابر على سطح الطاولة مصوبًا حديثه لابنته:
-قولتيلي بقى وسام الزفت قالك ايه ؟؟ بقى أحمد ده زيي ونفس طريقتي ؟؟ ده نسخة مني أنا!!
هزت “ثراء” رأسها متمتمة بمرح:
-بصراحة لا، أحمد اعقل شوية عنك بس ده مينفيش أنه خد منك كتير، بس طبعا ابني أحلى.
اتسعت بسمة أحمد و زينت وجهه قاىلًا بحب:
-القرد في عين أمه بقى يا أمي.
علت ضحكات زهر مما جعل جابر يضرب على الطاولة وينهرها بخفوت:
-ضحكتك يا مهزقة متعلاش كدة، أنتِ قاعدة مع سوسن ؟؟
قلد أحمد أبيه وضرب على سطح الطاولة بقبضته، متمتم بأسلوب مشابه له:
-ايوة ضحكتك يا مهزقة متعلاش، أنتِ قاعدة مع سوسن ولا إيه ؟؟؟ صحيح أنا مقولتلكوش مش انا هدي دروس لغة عربية، يلا اتفشخروا بيا بقى.
تناسى جابر كل شيء، فقط كلمات ابنه كانت كل ما تشغل ذهنه بتلك اللحظة، عائدًا ببصره نحوه، يسأله بترقب:
-أنت قولت إيه ؟؟ سمعني كدة تاني؟
-هدي دروس لغة عربية لبنت كدة في رابعة ابتدائي، أختها اعجبت باللغة بتاعتي، واترجتني ادي أختها دروس، وطبعا مقدرتش اقول لا و وافقت اصلي شهم اوي وجدع اوي، ومحبش اقول لحد لا واخيب أمله وبكرة أول حصة.
وبطريقة لا تليق بعُمره رد عليه بحماس:
-وانا وأنا خدني معاك اديها دروس ونبقى نبدل أنا حصة وأنت حصة، وسبني انا اديها أول حصة.
-اخدك معايا ايه بس، هو أنت ابن اختي، وايه نبدل دي مش فاهم!! وبعدين هي لما تلاقي حضرتك اللي رايح الحصة تقول ايه؟!
-يا واد افهم لو سألت قولها أنت نظام دروسك كدة بتبعت ابوك اللي هو عملاق اللغة، وبعدين أول حصة دي الأساس اللي هنبني عليه بعد كدة أفهم، وتاني حصة ابقى اديهالها أنت.
تدخلت ثراء وقالت مستنكرة:
-انتوا بتقولوا ايه؟؟ انتوا عايزين البنت تسقط وتشيل المادة بسببكم، ثم انتوا نص كلامكم غلط ومحتاجين مُدرس عربي يعدلكم اخطائكم، انا بجد مش مصدقاكم، أنتِ بتضحكي على ايه أنتِ كمان قولي حاجة مش شايفة عمايل أبوكي واخوكي دول عايزين يجننوني.
رفع جابر سبابته أمام شفتيه متمتم:
-ثراء إذا سمحتي متقفيش قدام مستقبلنا المهني انا وابنك وسبينا نشوف حالنا وندي البنت دروس.
-معذرة على المقاطعة يا أبى ولكن أنا من سيعطي الفتاة الدروس وليس أنت، تمام؟
-لا مش تمام يا روح امك، ودرس بكرة ده انا اللي هروحه، والا…
ابتلع أحمد ريقه وقال يقاطعه:
-وليه وإلا ؟؟ ملهاش لازمه اللي تشوفه حضرتك.
-ايوة كدة قولي بقى الميعاد امتى وعنوان البنت.
-بسم الله الرحمن الرحيم، الدرس بكرة الساعة تسعة والعنوان ميتوهش هبقى ابعتلك اللوكيشن على الواتس.
عقد حاجبيه وسأله دهشة:
-تسعة ايه؟؟ هو فيه دروس الساعة تسعة ياض؟؟
-لا مفيش بس عندهم فيه، عشان ابوها يبقى في البيت وانا بديها الدرس.
*************
-إيه يا بيبي وصلتي ولا لسة ؟
سأل “آسر” يارا يتأكد من وصولها قبل أن يقترب بسيارته من المكان المنشود والذي لم يكن سوى المكان التي تتلقى به درسها وييعد عنه عدة خطوات فقط.
-اه يا حبيبي وصلت، بس لسة المستر مجاش.
وما أن تأكد من جوابها التي منحته إياه حتى تابع طريقه، مستفسرًا منها بغموض لم تستكشفه:
-لوحدك ولا معاكِ حد ؟
-لا مش لوحدي معايا همسة والبت ضياء زمانها جاية.
ابتسم بعبث مقررًا إلغاء تلك المحادثة بينهم، قائلًا:
-طيب خلي بالك من نفسك، سلام.
أغلق على الفور، لم ينتظر جوابها أو تعليقها، متابعًا الطريق صاففًا سيارته، منتظرًا قدومها على أحر من الجمر.
وفي ذات الوقت وعلى بُعد بسيط من سيارته كان يقف مجموعة من أربع شباب، يضع أحدهم لفافة التبغ في فمه، لا يبالي بالأحاديث الدائرة المتشابهة حوله من اصدقائه والذين يحثونه على قذف ما بفمه أرضًا ودخول درسهم فكانت تلك الأحاديث هي:
“ياعم ارمي السيجارة اللي في بُقك دي وخلينا نخش الدرس”
“ما تيلا يا طارق هتفضل مذنبنا كدة لحد الغندورة ما تيجي؟ ”
“ما تفكك يا طارق البت حلقتلك ”
ومع هتاف صديقه الأخير والذي خص به “ضياء” اشتعل وجهه ومسك صديقه من تلابيبه يصرخ بوجهه:
-مين دي اللي حلقتلي انا مفيش واحدة تحلقلي، ويكون في علمكم بتحبني وهترجعلي الموضوع مش بمزاجها.
زفر أحدهم ثم سأله:
-طب افرض مرضيتش ؟
رفض هذا الإحتمال وتلك الكلمات فصاح يجيب بنبرة حملت بين طياتها الكثير والكثير من الشر والتوعد بإنهائها:
-لو مرضيتش ههددها، التهديد مجبش نتيجة يبقى عليا وعلى اعدائي وأول حاجة هعملها هنفذ التهديد وهو اني هروح لابوها واوريه الشاتات والمكالمات وصورنا مع بعض وتستلقى وعدها بقى من أبوها واللي هيعمله فيها كدة كدة يطيق العما وميطقهاش هي وأخواتها البنات.
**************
-بتعمل ايه يا جابر على الزفت اللي في إيدك ده مخليك مركز اوي كدة وبعدين بتكتب إيه وريني كدة؟؟
طرح “سلطان” سؤاله عاقدًا حاجبيه، مندهشًا من جلوس ابنه وتركيزه إلى هذا الحد بهاتفه، بل وكتابته وتدوينه لبعض الملاحظات في ورقة أمامه جاهلًا عن استعدادت ابنه وحماسه لدرس الغد.
وبدون أن يرفع رأسه رد بعدم تركيز:
-هش، هش.
ارتفع حاجبي سلطان وتبخر اندهاشه، رافعًا من نبرة صوته التي كانت خافضة عند سؤاله له:
-هش ايه يا واد، حد يقول لابوه هش يا قليل الأدب؟؟ ترضى تكون بتسأل حد من عيالك بيعمل إيه ويقولك هش !
انتبه أخيرًا وازاح عينيه عن هاتفه، معقبًا على فعلته وحديثه الوقح مع والده:
-لا ميرضنيش ولا يرضى حد، ومش قصدي والله ومخدتش بالي أصلا أنه أنت، افتكرتك أمي، الحاجة دلال على سنح و رمح.
رد سلطان مستهزءًا بحديثه:
-يعني جيت تكحلها عميتها، أمك مين اللي تقولها هش، جابر اتعدل مش عايز اتغابى عليك في السن ده، احترم سنك على الأقل يا أخي.
جاء بتلك اللحظة “عابد” متدخلًا بحديثهم، قائلًا:
-ميبقاش جابر ، وبعدين معروفة جابر مبيحترمش حد ولا حتى بيحترم نفسه، سبحان الله طول عُمره مهزق وبيجيب التهزيق لنفسه.
وقبل أن يعقب أبيهم، ترك جابر هاتفه وهب من جلسته صائحًا على أخيه:
-طب خليك أنت اخر واحد تكلم عن الاحترام، مدام مبتحترمش الخمس دقايق اللي بينا ومش بتحترم الأكبر منك.
-اقعد ياض على جمب أنت والخمس دقايق بتوعك دول.
كاد جابر أن يفتح فمه ويتابع حديثه لولا سلطان والذي سلط بصره على عابد هاتفًا باسلوب خرج مرحًا دون إرادته:
-أنت مالك اصلا واحد وبيهزق ابنه أنت مالك، بتدخل ليه.
تخصر جابر، مكررًا كلمات والده:
-ايوة صحيح واحد وبيهزق ابنه بتدخل أنت ليه يا بارد يا حشري؟؟؟.
رد عابد يبادله حديثه يخفي تلذذه لما يحدث بينه وبين أخيه التوأم:
-والله ما حد بارد وحشري غيرك.
لاح التذمر على وجه جابر ورفع سبابته مشيرًا نحوه يشهد أبيه:
-شايف يا بابا، عشان تبقى شاهد على قلة أدبه على اخوه الكبير بخمس دقايق بحالهم، يالهوي يا فضحتي.
ردد الأخيرة صدمة من رؤيته لابنه صابر واقفًا على اعتاب الصالون ويرى ويسمع ما يحدث.
التفت كلا من سلطان و عابد يرون ما راه وسبب قوله تلك الكلمات الأخيرة.
التقطت عينيهم صابر والذي كان على علم مسبقًا بأن أفعال أخيه تتطابق مع والده تمامًا.
لم تتبدل تعابير وجهه وعلى الفور سارع بمغادرة مكانه متجهًا لغرفته.
فقام عابد بالتعليق عليه وعلى افعاله مغمغم:
-تنح أوي الواد ابنك ده، طالعلك سبحان الله.
بارح جابر مكانه وسرعان ما باغته بصفعة خفيفة على وجهه، متمتم بسخرية وتهكم:
-لا وأنت الصادق ده واخد تناحتك انت؟ بقولك ايه ياض يا عابد، بقولك ايه يابا تفتكروا الواد ده يكون ابن عابد و وئام و انا ابني الواد آسر وأحنا لخبطنا فيهم ؟؟!
**************
-يـــــــــــوه أختها التنحة معاها، كدة هضطر أجل كلام معاها، يلا بينا يا رجالة على الدرس.
كانت تلك كلمات “طارق” والذي رأها تأتي ولكن ليست بمفردها بل ترافقها شقيقتها الذي لا يطيقها.
انصاعوا لحديثه وتحركوا من مكانهم معه.
أما عن آسر والذي كان ينتظرها بسيارته خرب عليه مخططه بسبب تواجد إحدى الفتيات معها ولم تكن بمفردها مثل المرة الفائتة.
جز على أسنانه وظل يتابعها بعينيه يفكر فيما عليه فعله الآن.
لكنه لم يجد حل أو جوابًا واكتفى بدهشتها التي وصلت إلى حد الصدمة من تواجده، بل وتبادله معها نظرات تحمل خلفها الكثير.
مرت من جواره وتخطته وسؤال واحد يدور بذهنها.
“يا ترى بيعمل ايه هنا ده، معقول مستني يارا تخلص؟”
لم تحصل على جواب في الوقت الحالي، وتابعت سيرها مع “روضة”.
ثم انفصلت عنها داخلًا جالسة رفقة صديقاتها، بينما جلست “روضة” بعيدًا عنهم.
استغل طارق حدوث هذا وفكر في الجلوس قربها كي يتمكن من الحديث معها.
ثواني وكان يترك رفقاه وينجح في هذا جالسًا خلفها منحنيًا برأسه للإمام يهمس لها:
-مغيرتيش رأيك لسة وبتفكري نرجع لبعض؟
رمقته بطرف عينيها، وسحبت نفسًا زفرته ببطء متجاهلة إياه كأنه لم يتحدث.
اغتاظ من رد فعلها خاصة بعد ابتسام كلا من يارا وهمسة شماتة به..
مال مجددًا وقال:
-أنا بكلمك على فكرة.
-وانا مش سمعاك ومش شيفاك عشان أنت ولا حاجة يا طارق، واحسنلك متكلمش معايا بدل ما أقول لـ.
-بس بس خلاص انا عملت اللي عليا وأنتِ اللي جبتيه لنفسك اشربي بقى واستحملي اللي هيجرالك.
لم تفقه شيء من حديثه ولم تبالي بتهدديه في الوقت الحالي، وتبادلت أطراف الأحاديث مع صديقاتها، وبعد لحظات من حدوث هذا، أخبرت يارا:
-على فكرة شوفت صاحبك واقف بعربيته برة.
عقدت الفتاة حاجبيها وسألتها بتعجب:
-قصدك آسر ؟
-ايوة، هو أنتِ تعرفي غيره ؟
-لا بس استغربت أصله كلمني ومقاليش أنه برة، أكيد أنتِ اتلخبطي وده واحد شبهه مش هو.
هزت رأسها تنفي هذا:
-لا متلخطبش كان هو حتى نفس العربية.
-وانا بقولك مش هو، آسر مش فاضي وفي الشغل، إيه اللي هيجيبه هنا دلوقتي، أنا متأكدة انك شوفتي غلط وشبهتي عليه.
ورغم إدراكها بعدم صحة هذا الحديث إلا أنها ردت بهدوء وهي تنظر أمامها:
-جايز برضو.
***************
في اليوم التالي، في السابعة إلا عشر دقائق مساءًا وصل “أحمد” الحارة وصف سيارته أمام المطعم ثم ترجل منها حاملًا حقيبة متوسطة الحجم ظن أنه بحملها ستكمل صورته وتجعل من يراه يخمن بأنه معلم.
ولج المطعم ملقيًا السلام على الفتيات.
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
سرعان ما التفت محمد على صوته، يصر على أسنانه، ويعتريه رغبة جامحة في الهجوم عليه وعدم تركه لما يسببه له برؤياه.
بينما ابتسمت له جهاد وهي تترك مكانها وتقترب منه، ترحب به:
-اهلا بـ أستاذنا، يادي النور، يادي النور، ده إحنا نطفي نور المطعم بقى ونكتفي بنورك.
ابتسم بثقل و رزانة محاولًا أن يتحلى بجدية تليق مع عمله الجديد الذي طمح فيه كثيرًا.
-مش للدرجة دي يا آنسة.
-لا يا أخويا للدرجة دي ونص، ده انت جاي في ميعادك بضبط.
وقبل أن يجيب كانت “برق” تقترب هي الأخرى مصوبة حديثها لـ جهاد:
-جهاد أبوكي لسة مجاش من برة وأخواتك فوق لوحدهم و
تدخل “احمد” قبل أن تتابع بتفهم:
-مدام الوالد لسة مجاش من برة مش هينفع ادخل البيت فـ أنا هستناه لحد ما يجي وبعدين نبدأ.
-والله انت ابن حلال روح ربنا يديك على قد نيتك ويكفيك شر البني ادمين.
رسم بسمة مكلفة على وجهه وعينيه مسلطة على محمد الذي يمنحهم كامل تركيزه، قائلًا:
-انا هقعد في العربية اول ما يجي أدوني خبر.
-ازاي بس يبقى المطعم موجود وتقعد في العربية ده أنت كدة بتشتمنا.
-معلش خليني على راحتي وبعدين العربية والمطعم واحد، بعد إذنكم.
فارق مكانه واتجه لسيارته وجلس بها، بينما هتفت جهاد وهي تتحرك كي تعود لعملها:
-ده احنا نحس كل يوم ابوكوا بيجي قبل سبعة من المكان اللي بيبقى فيه واللي منعرفش ايه هو، وجاي النهاردة يتاخر وهو عارف أصلا، يعني يا زين ما اختار عشان يتاخر عن البيت، والله عيب الراجل يبفضل ملطوع كدة.
اولتها “إسلام” اهتمامها والتي كانت في ذلك الوقت تملئ الصحون والطلبات للزبائن الواقفين، ولكنها لم تغفل عن متابعة محمد وما يحدث بينه وبين أحمد من نظرات أثارت شكوكها نحوهم أكثر وأكثر ويتفاقم بداخلها شعور أنهما يخفيان شيء ما.
-زمانه جاي، كلمي البت رضا شوفيها طلعت التربيزة الصالة ولا لا.
-ماشي.
واثناء حديثهم وانتهاء محمد من وضع الطلبات على طاولة ما، انتهز هذا وتسلل من المطعم متجهًا نحو سيارة أحمد غافلاً عن إسلام التي رأته وتركت ما بيدها بعنفوان وذهبت من خلفه، واقفة على أعتاب المطعم.
في هذا الوقت انحنى محمد على نافذة أحمد متمتم من بين أسنانه:
-اقسم بالله يا أحمد هنسى انك ابن عمي وهرتكب فيك جناية ويقولوا اللي ارتكب جناية في ابن عمه اهو.
-وماله بس نفس اللي هيقولوا كدة هيقولوا برضو سلطان وخليل ارتكبوا جناية في ابنهم عشان كداب و تربيتهم راحت هدر.
اشتعل وجه “محمد” وقبل أن يجيبه كانت عينيه تقع على “إسلام” الواقفة وترمقهم بشك واضح.
ابتلع ريقه ثم قال بصوت خافض:
-بليل لينا كلام تاني.
-طبعا لينا كلام فاكر نفسك هتهرب زي امبارح وقبله ولا إيه، ده انت هربت مني يومين يا جدع وأنا كنت بسيبك بمزاجي؟؟
تحرك محمد كي يعود إلى المطعم وقبل دخوله، منعه سؤال إسلام والذي جعله يشعر بأن قلبه قد هوى وسقط:
-أنت مخبي إيه أنا عايزة اعرف؟؟
تحكم بتعابير وجهه، واخفى توتره قدر الإمكان، وأخرج نبرته طبيعية خالية من أي مشاعر تدور بداخله:
-قصدك ايه مش فاهم !
-أنت هتستهبل ولا شايفني هبلة ومش واخدة بالي من اللي بيحصل، انت مخبي حاجة علينا يا محمد، وهعرفها .
كادت تتحرك فاوقفها متمتم بدهشة رسمها على محياه:
-وانا هكون مخبي إيه يعني، حقيقي مش عارف جبتي الكلام ده منين وايه اللي عملته خلاكي تفكري فيا بالطريقة البشعة دي.
صمتت، لم تنطق بحرف، فقط تنظر داخل عينيه.
عينيه التي كانت تتحاشاها، وتتحاشى ذلك التلاقي، مما جعلها تتقن من كذبه، قائلة بغموض:
-تمام اعتبرني مقولتش حاجة وكمل شغلك، حصل خير.
يتبع.
فاطمة محمد.
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الحب كما ينبغي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.