رواية طوفان الدرة – الفصل الثاني والأربعون 42
بالمشفي
لاحظ طوفان قسوة وإزدراء نظرات الاعين بين وليد ودرة، لم يهتم لـ وليد حين رأه من قبل يسير على عكاز طبي، كذالك الآن، فقط إهتم لـ درة وسحب يدها للسير معه توقف أمام والدته
بصعوبة إستطاع أن يقنع والدته:
ماما، الدكتور قال إن حالة خالي شبه عدّت مرحلة الخطر، وممنوع حد يدخل العناية دلوقتي… يعني ملوش لازمة تفضلي هنا إنتِ أو مرات خالي.
لكن سامية رفضت بعناد، وأصرت إنها تبقي بالمشفي… تنهد طوفان مستسلمً قائلًا بنبرة محسوبة وهو ينظر لوليد:
تمام… وليد هيفضل معاكِ… راجل لو حصل حاجة.
التقت نظرات وليد مع طوفان، عيناه اشتعلت بغضب مكتوم لكنه أخفى انفعاله بابتسامة باهتة ونظرة مستهزئة…
غادر طوفان مع وجدان ودرة، تاركًا جوًا مشحونًا.
ظل وليد في مكانه، عيناه تتفحصان ملامح سامية التي غطّاها الحزن… تهكم داخله، فمنذ متى عرفت هي معنى الحزن… يدرك جيدًا أن مشاعرها ليست حبًا صادقًا، بل مجرد قناع آخر ترتديه… رياءٌ يحترفه قلبها…
ساد صمت تام بعد ما غادر طوفان مع وجدان ودرة… الى أن نهض
وليد وقفً في مكانه، عينيه ثابتة على سامية… لأول مرة يرا ملامحها غارقة في الحزن، لكنه لم يشعر بتعاطف، بالعكس… ابتسم بسخرية قائلًا:
يا سلام… هو إيه الجديد…هي دموعك دي بجد ولا فصل تمثيل زي كل حياتك.
التفتت له سامية بحدة، صوتها اتكسر بين الغضب والخذلان:
وليد أنا أمك… ازاي تكلميني بالشكل ده… واضح إني معرفتش أربيك.
ضحك وليد ضحكة قصيرة باهتة، وغمز بسماجة:
أمي… أيوه أمي اللي عمرها ما شافتني وسيلة للتباهي… أمي اللي طول الوقت بتدعي إنها بتخاف علي، بس في الحقيقة مش شايفة غير مصلحتها.
ارتجفت شفتي سامية، لكنها حاولت السيطرة على دموعها قائلة بصوت منخفض:
إحنا فى مستشفي يا وليد.
وبلاش نبرتك دي، أنا اللى طول عمري واقفة جنبك يا وليد… واضح إني غلطت أو يمكن قصرت فى تربيتك عشان كده طلع قلبك جاحد… بيكره كل اللى حواليه مهما كانت صلة الدم.
اقترب منها وليد، عيناه تلمعان بمزيج من غضب قديم ومرارة:
ـ كره
-صلة الدم
لا يا ست الكل… اللي بيننا مش كره… ده حقيقة إنت السبب الرئيسي فيها… من وأنا طفل فاكرة كنت تقوليلي أبوك بيكرهك عشان كان نفسه يتجوز واحدة غيري.
ارتجفت سامية من كلماته، شدت شالها على كتفيها كأنها بتحاول تحمي نفسها من برد مفاجئ، همست برجاء:
وليد… مش وقته الكلام ده، والدك جوه بين الحياة والموت.
هز وليد راسه بضحكة قصيرة، عينه تلمع بالحدة:
لأ يا أمي… هو وقته. يمكن ربنا قصد إننا نتحبس هنا سوا عشان أقولك اللي مخنوق بيه من سنين.
ارتجفت أنفاس سامية، حاولت ترد لكن لسانها اتعقد، فواصل هو بصوت غليظ:
ـفاكرة وإنتِ بتقولي للناس إنك ضحيتي عشان ولادك… إنك الأم المثالية اللي واقفة جبل.
قرب منها خطوة، نظرته اخترقت عينيها:
الحقيقة إنك عمرك ما ضحيتي… كنتِ بتفكري في نفسك الأول، وبس.
اتسعت عينا سامية بصدمة، هزت راسها نافية:
إنتَ مش فاهم… ولا عارف اللي مريت بيه.
ضحك وليد بمرارة:
لا فاهم يا ماما… فاهم كل مرة كنتِ بترسمي الخوف علينا عشان كلام الناس… فاهم إزاي كنتِ تسيبيني محتاجلك وتروحي تجملي صورتك قدامهم..فى مناسباتهم التافهه.
دمعة انسابت من عين سامية رغمًا عنها، مسحتها بسرعة وقالت بصوت متحشرج بالغضب:
وليد… أنا إستحملت وضحيت عشانك إنت…
اقترب أكتر، قاطعها بصوته الهامس بضحكة مسمومة:
ضحيتي عشانا….. ولا عشان كبرياء سامية اللي أهم من أي بني آدم… حتى ولادها اللى بالنسبة لها واجهه.
شهقت سامية من كلماته، تراجعت برأسها للخلف كأنها طُعنِت، لكن وليد لحقها بنظره الحاد:
ناسيه ولا بتحاولي تنسي يوم ما سبتيني جوه القسم لوحدي… لسه فى أول شبابي بتسحب من إيدي… وإنتِ كل اللي همك سُمعتك.
انهارت سامية على الكرسي القريب، كأن قدميها هُلام… دموعها نزلت غصب عنها، صوتها مبحوح:
وليد… إنت دمي، ماينفعش تفضل شايل الكره ده جواك.
وقف وليد قبالتها، عينيه متصلبتين مثل الصخر، قائلًا بنبرة باردة:
أنا مش شايل كره… أنا شايل دين… وكل دين ليه يوم للسداد.
رفعت سامية راسها بسرعة، الخوف لاح في عينيها:
إنت عاوز تعمل إيه
انحنى وليد لحد ما قرب من وجهها، صوته أصبح منخفضًا لكن كل كلمة تقطع كالسيف:
هخلي كل اللى اتسبب فى حسرة قلبي يعيش نفس اللي عشتُه… ودلوقتك هسيبك لوحدك تعيشي.. إحساس إنك لوحدك، متسابة، محدش في ضهرك.
شهقت سامية، قلبها خبط بجنون، مدّت إيدها تمسك دراعه برجاء:
وليد بلاش… تسلم لشيطانك…
ابتسم وليد بسماجة، سحب يده من يدها قائلًا بهدوء:
العد بدأ خلاص.
قال ذلك وتركها غارقة بين دموعها وتهديداته، وابتعد بخطوات باردة… بينما سامية لأول مرة تحس إن الخطر الحقيقي ليس بداخل تلك العناية المركزة، لكن واقف أمامها باسم “ابنها”.
بمجرد ما خرج وليد من القاعة، ساد صمت خانق… مسحت سامية دموعها بسرعة، رفعت راسها تنظر حوالها تخشي ان ح يكون أحدً سمع ذلك…. قلبها بيرتعش، عقلها مشغول بكلام وليد الذي وقع عليها زي السوط.
همست لنفسها برجفة:
يا رب… استرها.
حاولت تستجمع قوتها وتستعيد ملامحها المتماسكة… تقوم بترتب نفسها وتهندم شالها حول كتفيها…
مجرد دقائق قبل أن يعود وليد بخطوة الهادئة،يستند فوق عكازه الطبي،لاحظت أن حركة سيره ليست مُتعرجه بل شبه طبيعية، ملامحه هادئة جدًا كأن ما حصل من دقائق مجرد وهم… وقف أمامها قائلًا ببرود مصطنع:
عاوزة حاجة يا ماما… أجيبلك ميه ولا قهوة.
ابتلعت غصتها بصعوبة، أومأت برأسها نافية، صوتها مخنوق لكنه متماسك:
ـ لأ… أنا كويسة… مش عاوزة حاجة.
ابتسم وليد ابتسامة باردة، عينه تلمع بمعنى خفي وهي تعلم جيدًا أن ابتسامة مقيتة.
❈-❈-❈
بشقة إبتهاج
وصلها الخبر، لكن ليس كما أرادت أن يكون خبر مقتل طوفان كما خططت وتمنت
ارتجفت يدها وهي ترفع الهاتف عن أذنها، الكلمات تسللت إليها ببطء كأنها قطرات سم قوي المفعول… لم يكن الخبر كما تمنت ولا كما خططت، لم يكن “مقتل طوفان” الذي سهرت الليالي تنتظره، بل خبر نجاته بأعجوبة، وكأن القدر يسخر من كرهها له
شهقت بغيظ، رمت الهاتف على الأريكة بقوة، قامت تدور بالشقة كالنمرة المحاصَرة، شفتيها تتمتمان:
ازاي إزاي لسه عايش، زي القُطط بسبع أرواح.
جلست على حافة المقعد، أظافرها تنغرز بكفها، وعينيها يكسوهن جنون الحقد… خطتها التي رتبتها بدقة تلاشت في لحظة، وكل ما زرعته من مؤامرات لم يثمر إلا خيبة أخرى
همست لنفسها بحدة ووعيد:
مش نهاية.. لسه عندي ألف طريقة.. طوفان مش هيفلت مني، المرة الجاية لازم تكون الأخيرة.
تحركت نحو النافذة، تنظر إلى الشارع بعين متوحشة، والنور الأصفر المنعكس على وجهها جعل ملامحها أقرب لملامح قاتلة منه لامرأة…
اندفعت بقدميها تضرب الطاولة أمامها، تساقطت قطعة الديكور على الأرض متحطمة، لكنها لم تبالي… قبضت على شعرها بعصبية، وعيناها تلمعان بجنون، والدموع تنزل غصب عنها ليس من القهر… بل من شدة الغليان…
رمت بالوسادة نحو الحائط، ثم أمسكت الهاتف مرة تانية تضغط على الأرقام بعشوائية، تتوقف، وترميه من جديد وهي تهتف بغضب وتوبيخ:
كلكم فاشلين.. كلكم ما عرفوش تخلصوا منه… المهمة كانت سهلة لكن انتم فاشلين.
جلست أخيرًا على الأرض وسط الزجاج المكسور، تتنفس بسرعة، قلبها يكاد يخلع صدرها… بين شهقة وأخرى خرجت منها ضحكة قصيرة مجنونة تقول بوعيد:
بس مش هسيبه… لو الدنيا كلها وقفت ضدي،المرة الجاية أنا اللي هخلص عليه بإيديا.
❈-❈-❈
بـ ڤيلا طوفان
دلفت وجدان ثم دلف خلفها طوفان يستند على درة…
توقفوا عند مُقتبل الدرج، نظرت وجدان نحوهم، ورغم غصة قلبها على إصابة “عزمي” أخيها، إلا أنها حمدت الله أن أنجى طوفان لها، وأن إصابته ليست بالخطيرة…
تقدمت نحوهم بخطوات مترددة، عينيها تتفحص وجه طوفان المُرهق، لم تستطع منع دمعة انحدرت على وجنتها، رفعت يدها تتحسس ذراعه بحنان قائلة بصوت متهدج:
الحمد لله يا ابني… ربنا ستر.
ابتسم طوفان رغم الألم، مطمئنًا والدته:
ما تقلقيش يا ماما، أنا كويس… والدكتور قال إن خالي شبه عدا مرحلة الخطر وهيبقي كويس.
رفعت وجدان برأسها بحزن وهي تردد:
ربنا يشفيه ويقوم بالسلامه، بلاش وقفتك دي، يلا إطلع مع مراتك لازم ترتاح إنت ناسي إنك منصاب، والمفروض تفضل فى المستشفى.
رفع يده السليمة وضعها على كتف وجدان قائلًا:
مش إصابة جامدة يا ماما.
تنهدت وجدان براحة قائلة:
الحمد لله قدر ولطف، يلا بلاش وقفتك كده كتير، حتى لو مكنتش اصابتك جامدة فانت نزفت ومحتاج لراحة، يلا يا درة خدي طوفان وإطلعوا، تصبحوا على خير.
ابتسمت درة قائلة:
وإنتِ من أهله يا طنط..
تحركت درة بخفة، داعمة طوفان أكثر نحو الصعود، بينما ظلت عين وجدان تلاحقهم بمزيج من القلق والامتنان…
درة التي يومً أطلقت الرصاص على طوفان اليوم هي من تسنده، قلقها الواضح عليه شفع لها لدى قلب وجدان.
بعد قليل تبسمت درة وهي تنظر لـ طوفان ظنت أنه غفى إستلقت على الجهة الأخرى للفراش أغمضت عينيها لكن سرعان ما فتحتها حين سمعت حديث طوفان:
إطمنتي على إبنك اللى بسببه سيبتني وروحتي تتكلمي فى الموبايل.
ضحكت وهي تقترب منه ترتكز على يديها قائلة:
فكرتك نايم قولت مفعول المُسكنات إشتغل،وبعدين ما أنا سيبت إبني وجيت علشانك،ولا إنت مش كفاية عليك حنان طنط وجدان.
إبتسم وهو يفتح يده لها بإشارة واضحة،بترحيب إقتربت ونامت برأسها على صدره تسمع همسه:
لاء مش كفاية عليا،كمان عاوز حنانك.
ضحكت وهي تضع قُبلة على صدره قائلة بمرح:
طماع.
ضحك طوفان فتألم قليلًا، سمعت درة آنينه الخافت، فقلقت قائلة:
مالك يا طوفان كان لازم تفضل فى المستشفى و..
قاطعها طوفان قائلًا بخباثة:
أنا كويس…ولا إنتِ كنتِ عاوزاني أفضل فى المستشفى تصدقي عندك حق،عالأقل هناك الممرضات شايفين شغلهم كويس.
شعرت درة بغِيرة طفيفة صفعته على صدره بخفة قائلة بنبرة غيورة مزيج بين الجد والمزاح:
يا عديم الدم…قوم روح لهم يطبطبوا عليك.
ضحك طوفان وهو يغمض عينيه متصنعًا الألم:
آااه، شوفي حتى الضرب وجعني… إيه ده إنتِ عاوزة تخلصي مني ولا إيه…ياريتني سمعت كلام الدكتور.
اقتربت منه أكثر وهي تهمس بدلال وثقة:
إنت مفيش في قلبك غيري،أنت راحتك عندي.
إبتسم وضمها لصدرة،رفعت درة رأسها وضعت قُبلة على وجنته، وأخرى فوق شِفاه.. كأنها كانت قُبلة إرتواء بعد جفاف.. عادت تنام برأسها على صدره… لحظات قبل أن تتنهد بقوة… فتح طوفان عينيه سائلًا:
إيه سر التنهيدة الجامدة دي.
إبتعدت عنه وتسطحت على الفراش، فتبعها بنظراته متسائلًا:
ليه بعدتي عن حضني.
عادت سريعًا تنام على صدره تضع يدها على موضع قلبه قائلة بتمني:
نفسي نعيش فى أمان يا طوفان، كفاية أنا لما شوفت الفيديو قلبي إتسحب مني،عاوزه أعيش معاك إنت وإبني فى راحة وأمان أبقي مطمنة
صمت طوفان لحظة، ثم طبع قبلة دافئة على شعرها، يضمها خرج صوته عميقًا مطمئنًا: المفروض إنك مرات كبير العيلة
متخافييش يا درة طول ما أنا موجود.
رفعت جسدها ومدت يدها تُمسد على وجنتيه قائلة بدموع وألم فقدان:
لما عرفت إن بابا مات مصدقتش قولت كدب، بس خالي شاهر قالي اللى بلغه الخبر إنت يل طوفان، وقتها كان نفسي تجي تاخدني فى حضنك وتقولي كدب يا درة… بس إنت مجيتش ومكنش كدب، من وقتها دخل الخوف قلبي، بقيت دايمًا بفكر إن الموت ممكن يخطف اللي بحبهم في لحظة ، بقيت بخاف أفقد حد من اللى بحبهم، لما ضربتك بالرصاص قلبي إتسحب مني، فضل يوجعني لحد ما شوفتك، فاكرة يومها كنت بقاوح معاك، لما بوستني كان نفسي أطول اللحظة دي على طول… كان نفسي أقفل الدنيا حوالينا، وأقعد أحكيلك كل حاجة وجعاني من جوايا، أقولك قد إيه خوفت ودوبت من الخوف، وازاي لما شفتك بعد اللي حصل حسيت إن قلبي رجع مكانه تاني.
رفع طوفان يده مسد على وجنتي درة يمحوا تلك الدموع التي سالت من عينيها، غص قلبه قائلًا:
درة تعرفي آخر جملة قالها عمي مختار وصاني عليكِ… قالي درة بتستقوي وهي ضعيفة لو ربنا نجى حسام درة مش هتكمل جوازها منه، إنت ودرة بينكم “نصيب” أو “قدر” هيجمعكم مشاعركم.
تسمرت تنظر له بصمت… كأن تلك الكلمات جمدت أنفاسها، انهمر الدمع من جديد لكنه هذه المرة كان ممزوجًا بصدمة ووجع… بصوت مرتجف:
“قدر”
نفس الكلمة قالهالي “الشيخ عرفة”
“القدر دايمًا كان بيجمعكم فى الوقت اللى كانت بتتقطع بينكم الطُرق، كان بيحصل حاجه تقرب بينكم، رغم قسوة اللى حصل… بس ده
القدر”
-أنا بحبك يا درة، ومقدرش أوعدك بشئ مش فى إيدي، بس الأمان إحساس، أنا مستعد أفديكِ بعمري.
إبتسمت درة ثم
وضعت رأسها من جديد على صدره تستمع لخفقاته، فوجدت الطمأنينة التي تبحث عنها. شدّ عليها ذراعه كأنه يحميها من العالم، ليغمرهما الليل بسكونه.
❈-❈-❈
بمنزل جلال منتصف الليل
نسيت أنها من ساعات
تشاجرت معه وإحتد الحديث بينهما تشعر بقلق شديد منذ أن أخبرها أنه عائد بالطريق، ارتجف قلبها فالوقت ليلًا وبعض الطُرق لا تكون آمنة ليلًا… لم تهتم لكبرياء بل جذبت هاتفها وقامت بالاتصال عليه أكثر من مره لكن لا رد، حتى وصل الى أذنها رسالة أن الهاتف خارج نطاق الخدمة…
تحير عقلها لعدة أسباب تحاول فرض أسباب طبيعية…
أن يكون شحن هاتفه نفذ… لكن يعترض عقلها حتى لو نفذ يستطيع شحنه بالسيارة
أن يكون يمُر بمنطقة بعيدة عن إرسال شبكة الهاتف… يوسوس لها عقلها لابد أنها منطقة نائية ويكمن بها السوء…
أن يكون أغلق هاتفه عمدًا… لكن لماذا وهو من هاتفها وأخبرها بعودته…
هواجس تمتلك منها وقلق، لا تعلم كيف سيطرت على تلك المشاعر لسنوات وهو بعيد عنها… والجواب كانت تواسي قلبها تخشي أن يعود بامراة أخري، لكن منذ ليلة زواجهم وإعترافه أن مشاعره نحوها تبلورت مع الوقت، كان يراها مثل أخته لكن بالغُربة إختفي ذلك ونبض قلبه بمشاعر أخرى نحوها…
تبسمت لوهله وهي تتذكر شِجارهما كان واضح رائحة الغِيرة، كيف لم تنتبه لذلك،
“غِيرة المُحب ”
لمعت عينيها بوميض الإشتياق مع تلك المشاعر الأخرى، جذبت إحد الكُتب تقرأها علها تصرف ذهنها عن تلك الهواجس… رغم ذاك بين الثانية والأخرى تنظر الى ساعة الحائط كأن عقاربها لا تتحرك كذالك الوقت يمضي ببطئ صعب،
وقت وسمعت صوت سيارة، نهضت سريعًا جذبت الستائر نظرت من خلفها سرعان ما تنهدت بإرتياح حين رأت ترجل جلال من السيارة… سرعان هو الآخر ما نظر الى الأعلى رأها بوضوح خفق قلبه وتنهد بإرهاق مُشتاقً… لام نفسه على إحتداده معها بوقت سابق، لم يستطيع التحكم فى غيرته الغير مُبررة، ليست لها ذنب، فلا أحد يستطيع التحكم بمشاعر الآخرين، كذالك ذاك الشخص لم تعلم أنه وسبق وطلب الزواج بها… لابد ان يتأسف لها، يكفي إنتظارها له الى الآن… صعد مباشرةً الى شقتهما قبل أن ينتهي من صعود الدرج سمع فتح باب الشقة بمجرد أن وصل أمامها تفاجئ بعِناقها له بقوة… لم يُفكر وضمها بين يديه قَبل جانب عنقها، يدفس رأسه بحناياه يستنشق انفاسه من عبقها الرقيق… عادت برأسها للخلف نظر لها مُبتسمً، غمز بعينيه بإيحاء قائلًا:
خلينا ندخل الشقة الاول ونقفل علينا الباب بدل ما قطة من قطط البيت تلمحنا وتفضحنا.
ضحكت برِقة وعادت للخلف، لكن هو جذبها عليه بقوة رفعها قليلًا عن الأرض وهو مازال يحتضنها الى أن دخلا الى الشقه أغلق الباب بساقه، ظل يحملها هكذا الى أن دخلا الى غرفة النوم أنزلها برفق، نظرت له قائلة:
آيه أخرك كده… كنت بتصل عليك مش بترد…
أجابها ببسمه وهو يُزيح ثيابه عنه:
وقفت فى السكة أحط بنزين للعربية،وأكيد لما مكنتش برد كنت ببقي فى مكان مفيش فيه شبكة…
توقف يغمز بعينيه قائلًا:
بس إيه سهرك،كمان الحضن اللى كان قدام الشقة ده،إيه هورمونات،ولا شوق بجد.
شعرت بالحجل،وأخفضت وجهها،تبسم وهو يرفع ذقنها قائلًا:
بصراحة متوقعتش ده بعد خناقة الضهر بينا.
تفوهت بنسيان:
خناقة إيه.
ابتسم وهو يضع قبله فوق وجنتها قائلًا:
مش فاكر وإنت كمان شكلك مش فاكره خلينا ننسي،أنا جعان.
تبسمت له بدلال قائلة:
على ما تستحمي هكون حضرت لك الأكل.
نظر لها بمغزي وقبل أن تتحرك تفوه بلؤم:
أنا مش جعان أكل أنا جعان حُب.
فهمت تلميحه فتعاملت بدلال قائلة:
مش تاخدلك دُش الأول تفوق جسمك من تراب السكة.
ضحك وهو يحملها بمباغتة قائلًا:
ناخد الدُش ده سوا،بصراحة ضهري قافش وعاوز مساج خاص.
شهقت ثم ضحكت قائلة:
إيه حكاية ضهرك دي،شكلك كده هتعوز تتابع مع متخصص قريب.
ضحك قائلًا:
لاء مش محتاج لمُتخصص،محتاج مُتخصصة إيديها ناشفة.
ضحكت قائلة:
موجودة متقلقش بس إياك إنت تتحمل نشوفية إيديها.
ضحك قائلًا:
لاء إطمني عضمي جامد.
ضحكت باستمتاع قائلة:
بأمارة آه يا ضهري.
غمز قائلًا:
ده إغراء يا قلبي.
تبسمت له بالتغاضي عن شِجار الظهيرة الذي لم يكن يستحق أن يحتد الإثنين
هو حين رأي طوفان مُصاب وزوجته تتلهف عليه،شعر أن ذلك الشجار لم يكن يستحق هو بحياة أفضل من غيره
هي حين تلاعبت الهواجس والظنون برأسها شعرت بتوجس وخوف عليه علمت أن التغاضي أفضل من الإحتداد والتوقف على أمر قد لا يستحق.
لتنتهي الليلة بهما وهما ينسجمان معًا متغاضيان عن أمر لا يستحق.
-❈-❈❈-❈-❈
بعد مرور ثلاث أيام
صباحً
بمنزل طوفان
كان يتحدث بالهاتف سمع بكاء صغيره ذهب نحو مهده وضع بفمه تلك اللهايه فصمت ثم
أنهي حديثه على الهاتف قائلًا:
تمام يعني خالي دلوقتي هنا فى مستشفي المنيا… شكرًا لك، عارف إن أمر نقله لهنا كان صعب ومحتاج حرص ورعاية… وأنتم قدمتوا واجبكم وزيادة.
أغلق الهاتف وتبسم لـ درة التى دلفت الى الغرفة بيدها زجاجة حليب لصغيرهم
تبسمت درة وتوجهت نحو مهد صغيرها حملته وجلست على آريكه بالغرفة وبدأت تطعمة من تلك الزجاجة، رفعت رأسها تنظر نحو طوفان قائلة:
خالك وصل المنيا.
أجابها:
أيوة وصل المستشفي من شوية.
تبسمت لصغيرها الذي يلتهم من زجاجة الحليب ثم رفعت رأسها تنظر لـ طوفان سائلة:
إيه الفرق كان كمل علاجه فى مستشفي القاهرة.
جلس طوفان على الآريكه جوارهما يتنهد قائلًا:
هو لما فاق طلب كده، كمان أمي هتفضل هناك جنبه هي ومرات خالي والإتنين تقريبًا ميعرفوش أي مكان فى القاهرة، ولما سألت الدكتور قالي ممكن يتنقل بعربية إسعاف مجهزة، وأهو وصل من شوية.
اومأت درة قائلة:
ربنا يشفيه.
-آمين
قالها طوفان وهو الوحيد الى الآن الذي يعلم أن حتى بشفاء عزمي سوف يظل قعيد.
❈-❈-❈
ظهرًا
كعادته مرعي يجلس أسفل ظِلال إحد الأشجار ينفث دخان آرجيلته بإنسجام… لكن اليوم هنالك ما قطع ذلك الآنسجام… حين تفاجئ بـ وليد يقول من خلفه:
غدرت بيا يا مرعي.
إنتفص مرعي هلعًا، يستدير برأسه ببطئ يخشى النظر نحوه، تهكم وليد بزهو من عيني عزمي اللتان جحظت تكاد تخرج من وجهه، كذالك وقوفه الضعيف أمامه… تهكم قائلًا بإستقواء:
عارف اللى يغدر بيا جزاؤه إيه.
إرتعب مرعي قائلًا بتعلثم مُبررًا:
مش بإيدي والله طوفان بيه هو….
قاطعه وليد بغضب قائلًا بتعسُف:
وهو طوفان كان عطاك فلوس زيي.
إرتعب مرعي قائلًا:
والله كنت رافض، هو اللى غصب عليا وخوفت أرفض يـ….
قاطعه وليد بغضب:
كان لازم ترفض، عالعموم إحنا لسه فيها… قدامك حلين يا مرعي.
برعب تسأل:
وهما إيه الحلين دول.
أجابه ببطئ:
زينه تطلق وأنا اللى أتجوزها…
توقف وليد للحظات يتابع ملامح مرعي ثم إستطرد حديثه بوعيد:
ترد الفلوس اللى أخدتها مني، وكمان زينة تطلق.
إزدرد مرعي ريقه يُفكر برعب.. فمن أين سيأتي له بالمال، هو صرف جزء كبير منه على ملذاته… حتى إن رد المال كيف يغصب زوج او بالاصح خطيب زينه على الطلاق، لديه حصانة من طوفان.
إقترب وليد عينيه تضخ شررًا وتحدث بوعيد:
فى حل تالت يا مرعي.
نظر له مرعي دون سؤال أجابه وليد:
عقد جواز عرفي بتاريخ قديم وقتها يفسد كتب الكتاب وتطلق زينة بكل سهولة.
❈-❈-❈
بأحد المشافي التابعة للشرطة
أمام باب إحد الغرف
توقفت جود تلتقط نفسها… تشعر كأنها كانت تركض لمئات الأميال… عقلها وقلبها فى صراع بين الخوف والرجاء…
مدّت يدها نحو مقبض الباب لكن أصابعها ارتجفت، تشعر أن ما وراء هذا الباب قد يُغير مسار حياتها مرة أخرى… لحظة صمت خانقة تسللت بينها وبين أنفاسها، ودموع متحجرة بعينيها ترفض الانحدار…
اقترب صوت خطوات خلفها، فالتفتت بسرعة، كأنها تخشى أن يراها أحد بهذا الضعف… حاولت رسم ملامح القوة على وجهها، لكنها لم تستطع إخفاء ارتجاف شفتاها.
همست لنفسها:
لازم أكون قوية… مجرد زيارة عادية.
هكذا حاولت أن تُبرر مجيئها.. …كادت تتخذ قرار بالعودة وعدم الانحدار…بالفعل أخفضت يدها قبل أن تطرق باب الغرفة وإتخذ عقلها القرار عليها الفرار…لن تترك مشاعرها تنساق مرة أخري،يكفي خذلان الماضي….أغمضت عينيها…لا…
بالفعل كادت تتراجع لكن لعدم انتباهها خبطت فى إحد المُمرضات التى تبسمت لها قائلة:
آسفة…إنتِ بدوري علي أوضة معينه تحبي أساعدك.
أومأت جود برأسها قائلة:
لاء متشكره أنا عارفة رقم الأوضة.
تبسمت لها الممرضة
خجلت جود وبإندفاع، رفعت يدها قامت يالطرق على الباب ثم وضغطت على المقبض برفق فتحته…ظلت لثواني واقفة تشعر كأنها تعبر عتبة مرتفعة بين الماضي وما ينتظرها بداخل تلك الغرفة…
بمجرد أن فتحت الباب، تسللت رائحة المطهرات القوية إلى أنفها، ووقع نظرها على السرير الأبيض في وسط الغرفة… رأت حاتم ممددًا علي الفراش بمجرد أن رأها إعتدل جالسًا،لكن شعر بألم وتفوه بأنين:
جود.
❈-❈-❈
بمشفي آخر بنهاية اليوم
بغرفة خاصة
كان طوفان يقف مع الطبيب يتهامسان حول حالة مرعي بينما وجدان وسامية تجلسان معًا على آريكة بالغرفة صامتان، سمعوا دق على باب الغرفة… نهضت سامية وقامت بفتح باب الغرفة وقفت صامته تنظر لتلك التي لم تنتظر ودلفت الى الغرفة تقول:
جيت أطمن على صحة جوزي.
نظرت لها وجدان قائلة:
إنتِ غلطانة فى الأوضة.
نظرت لـ وجدان بتعالي قائلة:
إنتِ وجدان أخت عزمي الكبيرة وأم طوفان.
إستغربت وجدان، كذالك سامية بينما صمت الطبيب وطوفان ينظر نحو تلك السيدة…
نظرت له هي الاخري تقول بإستقواء:
أنا “إبتهاج البسيوني”
مرات عزمي مهران
صدمة ألجمت الجميع، لكن كان تأثيرها أقل على طوفان الذي تأكد من حدسه
إنها هي إبنة أحد تجار السلاح الذي تولي قضيته وقت أن كان وكيلًا للنيابة… وعلم أنه توفي فى السجن بعد ذلك… لكن كيف وصلت الى عزمي والجواب كان واضحً أمامه…
إنه الإنتقام… وها قد بدأت تتضح أمامه بعض الرؤي أولها ذلك السلاح الذي قُتل به
والد درة… بدأت تنقشع الغيوم ليثور فيضان هادر.
يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.