رواية طوفان الدرة – الفصل الواحد والأربعون 41
قبل ساعتين،في مصحةٍ نفسية خاصة، داخل غرفة عزل مُهيأة بدقة، تُشبه غرف العمليات لكن بفرش مُخصص، يتوسطها سرير ثابت تُحيط به قيود جلدية قوية مُبطنة بقماش ناعم كي لا تُجرح جسد المريض.
سالت الدموع من عينا عزمي رغمً عنه حين وقعت نظره على ريان المُقيد من يديه وساقيه بالفراش،، ظن فى البدايه أنه غارقً في النوم… لكن ما إن مد يده ليمسح على رأسه حتى فتح ريان عينيه باتساع، يحدق فيه بتوسل، وصوته المرتعش يتقطع برجاء:
بابا… أرجوك، خليهم يفكوا إيديا ورجليا… جسمي بيوجعني أوي… خليني أخرج من هنا، أنا أعرف مكان أجيب منه علاج يريحني… بابا… بابا…
كانت كلماته أشبه بهذيان ممزوج بالألم، رجف قلب عزمي بأسى، وكاد بالفعل أن يمد يده ليفتح إحدى القيود… لكن توقف فجأة حين دلف الطبيب إلى الغرفة وتحدث بتحذير:
أوعي تفك القيود …
تجمدت يد عزمي في مكانها بعد تحذير الطبيب، خطوات الطبيب الواثقة كسرت حالة التردد التي سيطرت على قلب الأب لدى عزمي… تقدم الطيب بهدوء نحو السرير، نظر أولًا لـ ريان الذي ما زال يردد برجاءٍ متقطع:
ـ بابا… خليني أخرج…
رفع الطبيب نظره إلى عزمي، بصوت حازم يحمل طبقة من الاطمئنان:
سيد عزمي ممكن تخرج لو سمحت بارة الأوضة … رجاءً ما تضعفش دلوقتي، هو محتاج يبقى تحت الملاحظة… أي محاولة لفك القيود في الحالة دي خطر كبير عليه.
ابتلع عزمي غصته، نظر لابنه بعينين دامعتين، وصوته مبحوح:
ـ ده ابني يا دكتور… شايفه قدامي بيتعذب ومش قادر أعمل له حاجة.
اقترب الطبيب أكثر، وضع يده على كتف عزمي بثبات:
أحيانًا الرحمة الحقيقية إننا نستحمل ضعفه قدامنا، من غير ما نسيبه ينهار أكتر… إحنا هنا علشان نساعده، مش نعذبه.
لكن صرخة ريان قطعت حديث الطبيب وهو يجذب القيود بجنون:
سيبونييي… جسمي كله بيوجعني… أنا عايز الجرعة دلوقتي.
ارتجف قلب عزمي للحظة، شعر كأن جدار الغرفة يطبق على صدره، بينما الطبيب يطلب من الممرض الذي دلف:
حقنة مهدئة بسرعة.
في تلك اللحظة ، بدأ ريان يصرخ ويقاوم بعنف، تراجع عزمي للخلف، يضغط كفه على فمه كي يكتم شهقته… لم يحتمل رؤية ولده يتلوى وسط القيود والدموع تسيل من عينيه. التفت بخطوات متعجلة وخرج من الغرفة قبل أن يخذله قلبه ويمنعهم.
بمجرد أن خرج الى الممر ذهب نحو طوفان الذي يقف بالممر يُتابع ما يخدث بالغرفة عبر ذلك الزجاج الخارجي للغرفة شعر بالأسي على خال ريان،وبالأسف على حالة عزمي الانهزامية،صدمة قاسية له لكنه فاق متأخرًا، انهار عزمي جالسًا على احد المقاعد بالممر، أسند ظهره إلى الحائط البارد ودفن وجهه بين كفيه… شهقات مكتومة كانت تخرج منه، كأن صدره يضيق بكل ما يحمله من عجز ووجع.
اقترب طوفان منه وجلس لجواره… صامتً لم يقدر على مقاطعته… ظل عزمي في مكانه، عينيه محمرتان، رفع رأسه ينظر لـ طوفان يردد بصوت مبحوح يكاد لا يُسمع:
ـ ده ابني… ابني اللي ربيته… ليه وصل للطريق ده.
تنهد طوفان آسفً ود القاء اللوم عليه فعن أي تربية يتحدت، رأف بحالته الانهزامية، فى نفس الوقت
أصوات صراخ ريان والضجيج ما زالت تتسرب من خلف الباب، تمزق قلب عزمي أكثر. رفع رأسه أخيرًا، زفر بمرارة، وتمتم وكأنه يعاهد نفسه:
مش هستسلم يا طوفان، ريان لازم يخف.
اومأ له طوفان قائلًا:
ان شاء الله يا خالي
بعد دقائق بدت كأنها دهور، انخفضت الأصوات تدريجيًا خلف باب الغرفة حتى خيّم الصمت فاق عزمي من دوامة ألمه على صوت فتح الباب وظهور الطبيب… كان وجهه هادئًا، لكن عينيه تخفيان تعبًا اعتاده من مثل هذه الحالات.
اقترب الطبيب وجلس بجانب عزمي على المقعد الخشبي في الممر، ترك مساحة صمت قصيرة قبل أن يقول بنبرة رصينة:
هو خلاص نام… الحقن المهدأة بدأت تأثر فى جسمه صحيح بشكل ضعيف ولوقت قصير، بس دي البداية.
لم يرد عزمي، ظل يحدق في الأرض بعينين زائغتين. تنهد الطبيب وتابع:
عارف إحساسك كويس كـ أب… بس لازم تصدق إن اللي بنعمله في مصلحته… ريان مش في مرحلة يقدر يتحكم في نفسه، وأي ضعف منك دلوقتي هيرجعه ورا… سبق وإتكلمت مع طوفان وشرحت له الحالة بدقة وأنها هتاخد وقت، للآسف بسبب الجروح اللى جسمه زودت قسوة الإحساس بالألم عنده.
رفع عزمي رأسه ببطء، عيناه محمرتان ووجهه شاحب:
أنا حاسس إني السبب… يمكن قصرت معاه… يمكن لو كنت جنبُه أكتر ما كانش ده حصل.
هز الطبيب رأسه بهدوء:
للآسف إحنا فى زمن لازم ننتبه على أفعال أولادنا،لأن بقي كل شئ سهل ومباح…مع ذلم الإدمان مرض، مش مجرد غلطة… وإحنا محتاجين نقاومه سوا، خطوة بخطوة. الدعم الحقيقي منك دلوقتي مش في فك قيوده… لكن في صبرك وثباتك جنبه.
أخفض عزمي وجهه قليلًا، ثم مرر يده على وجهه وكأنما يحاول يستجمع نفسه، وتمتم بصوت خافت:
هحاول… علشان هو ابني، ومش هفرط فيه.
ابتسم الطبيب ابتسامة قصيرة تحمل شيء من التعاطف:
ده بالظبط اللي محتاجه منك الفترة الجايه.
بتلك اللحظة شعر طوفان بالأسي، تذكر طفله وعقله لوهله فكر وقارن بين سامية زوجة خاله ودرة زوجته
زوجة خاله امرأة متعالية متغطرسة تظن أن الحنان هو في الإنفاق بلا حساب..ولا إهتمام عكس
درة قد تُدلل لكن بحساب لن تُفسد، فليس كل الدلال إفساد.
على التفكير بها إشتاق إليها هي وصغيره، تجنب بعيدًا وقام بالاتصال عليها… خفق قلبه حين سمع صوتها تتحدث بدلال سائلة:
قولي راجع النهاردة ولا هترجع تتصل المسا تقولي عندي شغل لسه مخلصش.
ضحك قائلًا بمزح:
أنا بقيت كتاب مفتوح للدرجة قدامك عارفة كل أعذاري قبل ما أقولها.
أجابته بدلال أعمق:
ما هو أنا حافظاك أكتر من نفسك… قولي هترجع إمتى.
تنهد مبتسمًا، يحاول يخفي اشتياقه:
طب يرضيك قلبي يفضل يولع شوق وأنا بعيد عنك
تبسمت وهي ترد بخفة:
يرضيني ترجع بسرعة وتخلي الشوق ده قدامي مش في التليفون.
ضحك قائلًا بمغزي:
يعني إنتِ عاوزاني أرجع أمتي.
-دلوقتي.
قالتها درة فضحك طوفان قائلًا:
صعب، بس أنا راجع المسا جهزي نفسك وتسربي نوح… مش عاوز إزعاج.
ضحكت قائلة:
بسبب نوح بقينا مفضوحين يا حبيبي، فهموا إحنا بننساه معاهم ليه.
ضحك قائلًا:
وهو في إيه أحلى من إنهم يعرفوا إنك ليا.. خليهم يفتكروا زي ما يحبوا، المهم إني هرجعلك الليلة ونسيب الدنيا كلها برا الباب.
ابتسمت قائلة:
متقلقش هترجع تلاقينا أنا ونوح بنستناك.
ضحك لكن قبل أن يرد لاحظ اشارة الطبيب له فأنهي الحديث معها قائلًا:
تمام أنا راجع المسا، هقفل دلوقتي وأشوفك المسا.
أغلق الهاتف وعاد يتوجه نحو الطبيب وعزمي، لم يشفق عليه للحظات وهو يستمع لشرح الطبيب عن مشوار علاج ريان سواء الجسدي او العلاج من الإدمان، حتى إنتهي الطبيب وغادر، كذالك هو وعزمي غادرا المشفى… بالطريق تحدث طوفان:
أنا رايح مقر الشركة هنا هخلص شوية أشغال وراجع المنيا المسا.
بإنهزام تحدث عزمي:
خدني معاك ونرجع سوا.
أومأ له طوفان، كان يود قول بعض كلمات المواساة والتحفيز، لكن عزمي يستحق اللوم والعتاب… بينما غرق عزمي في صمته، والندم يعصف بداخله ، بينما طوفان عاود طوفان النظر للطريق، بداخله تصميم إن تخاذل عزمي وإستسلن، هو لن يستسلم ولن يترك ريان يضيع.
بعد قليل وصلا إلى مقر الشركة، وبمجرد أن توقفت السيارة وترجلا منها، بدأ اطلاق الرصاص المفاجئ نحو طوفان…
ارتبك عزمي من صوت الرصاص، اندفع لا إراديًا باتجاه طوفان محاولًا الاحتماء بخلفية السيارة، لكن رصاصة غادرة اخترقت منتصف ظهره، وأخرى استقرت في ساقه، فتمدد على الأرض متألمًا.
بينما طوفان… أصابته رصاصة في كتفه، ولولا اندفاع عزمي لكان هو من تلقى الرصاصتين القاتلتين. لحظة واحدة كانت كافية ليجد نفسه منحنيًا على عزمي في محاولة لحمايته، في نفس الوقت الذي استنفر فيه حرس المقر…
لكن السيارة المجهولة التي ظهرت كالشبح، لاذت بالفرار سريعًا، ورغم أن بعض الرصاصات اخترق جسدها المعدني، لكن لم يتمكن أحد من إصابة الإطارات، فاختفى المهاجمون كما جاؤوا، تاركين خلفهم صدى الرصاص والدماء التي تسيل على أرض المقر…
تنحى الأمن عن الارتباك الأولي، وانطلقوا بسرعة نحو طوفان وعزمي، أصواتهم تتعالى بالأوامر:
إسعاف حالًا.
ركض اثنان منهما ليشكلا ساترًا أمام طوفان، بينما انحنى آخران لمساعدة عزمي الذي كان يتنفس بصعوبة والدماء تسيل بغزارة من ظهره وساقه…
رفع طوفان صوته رغم الألم، آمرًا:
خالي عزمي، انقذوا خالي.
حاول أحد الحراس رفعه لكنه صرخ متألمًا، فاستدعوا فورًا حقيبة الإسعافات، ضغط أحدهم على جرح الساق ليوقف النزيف، فيما تولى آخر لف الكتف المصاب لطوفان بقطعة قماش ميدانية حتى
وصلت سيارة الإسعاف التابعة للمقر بعد دقائق بدت كأنها دهر، بسرعة صعد طوفان خلف عزمي جلس معه… وسط أصوات الإنذارات وتعليمات الأمن المنتشرة لتأمين المكان…
برغم إصابة طوفان لكن حاول الاهتمام ب’ عزمي داخل سيارة الإسعاف، أمسك بيده الملطخة بالدماء قائلًا لأحد المُسعفين بنبرة امتزجت بالغضب والخوف:
هو ليه سكت.
أجابه المُسعف:
اطمن حضرتك النبض موجود بس ممكن يكون بسبب النزيف المصاب دخل فى غيبوبة مؤقته، كلها دقايق وهنوصل المستشفى .
بينما العربة تشق طريقها بصوت صفارتها، كان الحرس يطوقون المكان، والكاميرات تراجع، والعيون تترقب بداية خيط قد يقود إلى هؤلاء المجرمين.
بينما وصلت سيارة الاسعاف الى مشفي قريب ترجل طوفان على قدميه،بينما حمل المُسعفين عزمي على فراش نقال وعلى الفور ذهب الاثنين لغرفة العمليات.
❈-❈-❈
بمنزل كريمان
إستقبلت درة بالأحضان ثم أخذت الصغير منها تُقبله قائلة:
حبيب ناناه واحشني كتير.
ابتسمت درة قائلة:
ده هما يومين بس اللى غابهم عنك.
ضحكت كاريمان وهي تجلس على أحد المقاعد تنظر لـ نوح بحنان قائلة:
قولها وهما يومين شوية.
ابتسمت درة وهي تجلس قائلة:
والله نوح شايف دلع من كل الجهات… فى بيت باباه طنط وجدان مش بتشيله من حجرها… وهنا منك وكمان باسل،أومال هو فين،ولا أقولك بلاش يجي،كل ما يشوف نوح يقوله يا “أبو دومة”.
ضحكت كاريمان وهي تنظر لـ طوفان بمرح قائلة:
قولها إنتِ اللى كنتِ طفسة.
ضحكت درة، بينما تسألت كاريمان:
إيه آخر أخبار مركز البصريات بتاعك.
تنهدت درة بزهق قائلة:
للآسف السمسار اللى باسل كلمه راجل بطيء جدًا وكل الاماكن اللى جابها، تقريبًا مش مناسبة، بفكر أكلم طوفان يشوف سمسار تاني يمكن يعرف يجيب مكان مناسب، كمان بفكر أقدم على رسالة الماجستير، كفاية كده بقى، أنا كان زماني المفروض بشتغل على رسالة الدكتوراة، بس الظروف اللى حصلت، وبعدها جوازي والحمل والولادة عطلوني كتير، بس بغكر أبدأ بالرسالة فى أقرب وقت.
ابتسمت كاريمان قائلة:
كُل شيء بآوان،وأخبارك مع طوفان إيه.
أجابتها:
طوفان فى القاهرة من إمبارح.
تبسمت كاريمان قائلة:
عشان كده جيتي النهاردة لو هو هنا مش بنشوف وشك.
ضحكت درة وبدأ الأثنتين الحديث بمواضيع شتى،الى أن تفاجئن
أثناء جلوسهن، بدخول باسل بتسرُع… وقبل أن ينتبه لوجود درة بجوار والدته، اندفع بالكلام:
شوفتي الفيديو ده يااا…
توقف فجأة، كأن الكلمات علقت في حلقه حين وقعت عيناه على درة.
رفعت وجهها تنظر باستغراب وسألته بفضول غامزة بمرح:
فيديو إيه قطعت كلامك ليه؟.
ارتبك، وهو ينظر إلى والدته، تنحنح أكثر من مرة ثم ابتلع ريقه وصمت…
ازدادت حيرة كريمان، وكذلك درة التي ألحت بنبرة بفضول:
فيديو إيه اللي عاوز ماما تشوفه؟ وريني أنا كمان.
ازدادت ملامح باسل توترًا، يخشى رد فعلها، فهي تبدو هادئة أكثر مما ينبغي، بالتأكيد لا تزال تجهل ما جرى مع طوفان…. رمق والدته بنظرة حائرة، فانعكس توجسه عليها هي الأخرى، لتسود لحظة من الصمت
لكن درة لم تهدأ، بل نهضت من مكانها واقتربت منه بخطوات سريعة، وقفت بجواره تنظر في عينيه مباشرة وقالت بإصرار:
لازم أشوف الفيديو اللي بتخبيه ده فيه إيه.
حاول باسل أن يحاورها، لكنها اخذت الهاتف من يده بخفه، لكن سُرعان ما إرتعشت يدها وكاد الهاتف يسقط من يدها لكن التقطه باسل ينظر لرد فعلها ظلت صامته للحظات كأنها بغفوة تستوعب… قبل ان تشعر بزيادة نبضات قلبها وتحدث بنهجان:
ده طوفان… مـ مـ مستحيل قولى الفيديو ده كدب، ده مكلمني الصبح وقالي هيرجع المنيا آخر النهار…
لكن عقلها يعترض بألم قائلة:
قلبي كان حاسس من اول ما قالي مسافر القاهرة…
وضعت يدها على صدرها تحاول التنفس قائلة بانفاس متقطعة هي تنظر لـ باسل بتوسل:
قولى إن الفيديو ده كدب وطوفان بخير… طوفان لو جراله حاجه مش هتحمل…أصبخ جسدها هُلام إختل توازنها وكادت تقع لكن سندها باسل سريعًا أجلسها على المقعد،نظرت له كريمان بهلع قائلة:
إيه اللى فى الفيديو…
بنفس اللحظة إنتاب درة السُعال الشديد،تفوهت كريمان بتسرُع:
بسرعة يا باسل إطلع أوضتي هتلاقي علب علاج درة فى الكوميدنو اللى جنب السرير.
ثواني وعاد باسل بالعلاج، تفوهت كاريمان بقلق:
خد نوح.
أخذ باسل نوح بينما توجهت كاريمان ببخاخ الاستنشاق نحو فم درة، قامت برش رذاذ حتى هدأ سُعال درة، نظرت الى والدتها بتوسل قائلة:
طوفان.
لم ترا كاريمان الفيديو، لكن حاولت طمئنتها قائلة:
لو فيه حاجه كان زمان الخبر وصلنا… إهدي بس وباسل هيتصل عليه.
حاولت درة الهدوء، قائلة:
لاء انا اللى هتصل عليه، شنطتي فيها الموبايل، بيد مُرتعشة جذبت حقيبتها وفتحتها جذبت الهاتف تقوم بالاتصال على طوفان… تنهدت بقلق قائلة ودموع:
موبايل طوفان بيرن ومش بيرد عليا.
تنهدت كاريمان قائلة:
إهدي يمكن مشغول فى مكالمة تانيه.
نهضت درة قائلة بتسرع:
لاء مش هقدر أهدى قبل ما أشوف طوفان بعنيا، انا هسافر القاهرة حالًا.
نظرت لها كاريمان حاولت معها ان تُرجأ ذلك لكنها أصرت تنهدت كاريمان بقلة حيلة قائلة:
روح ما أختك يا باسل وسوق إنت.
أعطاها نوح قائلًا:
حاضر يا ماما.
تنهدت كاريمان بصبر قائلة:
وإبقي إتصل عليا طمني.
أومأ برأسه وذهب خلف درة نحو سيارتها.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
ها هو أول شِجار بين خلود وجلال والسبب ليس سوا عناد خلود، أو هكذا هو يعتقد حين
ذهب الى خلود بمقر عملها ورأي تعاملها مع ذلك الشخص الذي كان تقدم لطلب الزواج منها حقا كان حديثهما بمحور العمل لكن شعر بالغِيرة من ذلك، ود حجب عينيه عنها حاول إخفاء غيرته خلف تصلُب رأيه قائلًا:
خلود إنتِ مش محتاجة لشغل، وإنتِ عارفة إني كنت معترض على شغلك… قبل كده كنتِ بتشتغلي تضييع وقت لكن خلاص.
تنهدت بعصبية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
دي مشكلته هو، مش مشكلتي… وبعدين إنت ليه مكبر الموضوع كده، وأنا مكنتش بشتغل عشان أضيع وقتي، بالعكس،وإيه اللى خلاص.
زم شفتيه، أدار وجهه عنها وكأنه يحاول السيطرة على غيرته، ثم عاد يحدق بها بنبرة قاسية:
يعني خلاص إتجوزنا، ولا إنتِ عاجبك نظرات الاعجاب والمدح
أنا راجل، ومقدرش أشوف حد تاني بيحاول يقرب منك حتى لو تحت مسمّى شغل.
فههمت خلود سبب اعتراض جلال، “إنها الغِيرة” حاولت كبت غضبها وتفهم ذلك
ساد الصمت لحظة، نظراتهما متشابكة كأنها معركة بلا نهاية، هو يرى عنادها، وهي ترى غيرته قيدًا خانقًا… تنهدت بتفهم قائلة:
انا من البداية حاطة حدود لكل شخص بيتكلم معايا، وللآسف مش هنطوي واوافق على رغبتك دي، أنا مش بشتغل تضييع وقت زي ما إنت مفكر و….
قبل أن تستكمل حديثها صدح هاتف جلال… بضيق جذبه من جيبه كي يغلقه لكن رأي الاتصال من طوفان فقام بالرد… سمع بعض الكلمات، فشعر بالقلق قائلًا:
يعني إنت بخير.
إجابه طوفان:
الرصاصة جت فى كتفي وأنا رايح مع خالي المستشفى دلوقتي، إسمعني أكيد الخبر هيوصل لـ أمي، عاوزك تروح لها تطمنها ومتأكد مش هتطمن لا هي ولا درة، هاتها وتعالي.
اغلق جلال الهاتف ونظر لـ خلود قائلًا:
نأجل كلامنا لبعدين، لازم أروح بيت طوفان.
سألته خلود بقلق:
ايه اللى حصل.
أجابها بما قاله طوفان، تركها وغادر سريعًا.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل
بمنزل طوفان
الخبر السئ يصل الى صاحبه، قلق عارم فى قلب وجدان بعدما علمت صدفة من أخبار التلفاز، حاولت الاتصال على طوفان لكن لا رد، حتى تفاجئت بدخول جلال سريعّا حدثته:
طوفان.
اجابها:
بخير إطمني لسه مكلمني من شوية وأنا جاي علشانك لو جاهزة خلينا نسافر بسرعة.
نادت على شكرية قائلة:
جود خرجت تشتري مستلزمات للرسم وزمانها على وصول، أنا مسافرة القاهرة حتى.
أومأت شكرية قائلة:
توصلي بالسلامه ابقى اتصلي عليا وطمنيني على طوفان.
…. ….. …..
على الجانب الآخر بمنزل عزمي
كانت سامية تجلس بغرفتها منزوية، يكسو ملامحها حزن قوي يعصر قلبها…. صورة ريان وهو يترنح بين الألم والخذلان لا تفارق خيالها، كل تفصيلة من ملامحه الجريحة تعود لتطاردها، لتجعلها تغرق أكثر في بحور الندم…
وضعت كفها على صدرها كأنها تحاول كبح وجع داخلي، لكن كلما تذكرت قسوة وليد، ازداد قلبها نزيفًا…
تساءلت بمرارة وهي تحدّث نفسها
كيف استطاع وليد أن يتجرد من مشاعر الأخوه، ليظهر كل هذه القسوة.. أليس ريان أخاه، من لحم ودم كيف يمكن أن يقسو عليه بهذا الشكل وكأنه غريب، في خضم ذلك صدح رنين هاتفها، لوهله شعرت برجفة فى جسدها لعدم انتباهها للهاتف بيدها، التقطت انفاسها ثم إزدردت ريقها ونظرة لـ شاشة الهاتف، ثم قامت بالرد لتسمع لحديث أخيها الذي ظن أنها علمت بما حدث مع زوجها، نهضت واقفه بخضة قائلة:
ماله عزمي، قولي تعرف ايه.
اجابها بما يعلم… أغلقت الهاتف سريعًا ثم ذهبت الى غرفة وليد دلفت بلهفه، نظرت نحو وليد الذي كان يتخدث بالهاتف. مجرد دخولها غير الحديث، بصعوبة تحدثت إليه:
وليد إلحق، أبوك اضرب عليه رصاص وهو فى المستشفى فى القاهرة.
بلا مبالاة رد عليها:
الف سلامه عليه وانا هعمل له إيه انتي مش شايفة رجلي مكسورة
-مكسورة
نظرت له تشعر بقسوة تلك الكلمة كأنها تُصيبها فى عقلها
ارتجفت أنفاسها وهي تدرك أن الادمان لم يقتصر على ريان وحده، بل امتد ليهز كيان العائلة كلها، ويمزّق ما كان بينهم من روابط…
وليد هو الآخر مدمن، لكن ليس للمخدرات بل للقسوة والجحود… ابتلعت ريقها وبانكسار غادرت الغرفة… بعض لحظات كانت تجلس بالسيارة، لكن تفاجئت بـ وليد يفتح الباب كأنه حجر صعد الى السيارة، نظرت له كادت تتحدث وتسأله من أين لك بتلك القسوة لكن الجواب كان معلوم لديها، من عزمي، صمتت حين صعد السائق خلف المقود.
❈-❈-❈
دلفت تلهث الى المشفي بعدما رد عليها طوفان وهما بالطريق، توجهت الى تلك الغرفة فتحت بابها نظرت نحو الفراش لم تجد طوفان،رأته يستقبلها تحدثت بلهفه ونهجان:
طوفان.
تبسم لها وهو يفتح ناحية يده السليمة،سريعًا بلا إنتظار كانت تُعانقه،ضمها قائلًا:
أنا بخير يا درة.
رفعت رأسها تنظر له ثم وضعتها على صدره تعانقه أقوي
ئن طوفان بألم بسيط وتخابث قائلًا:
مالك قلقانه وملهوفه كده ليه،وبعدين دي مش أول رصاصة تدخل جسمي،فى تلاته قبلها دخلوا جسمي فاكرة.
فهمت فحوي كلامه أنها سبق أن أطلقت عليه الرصاص،رفعت رأسها قائلة:
بتهزر أنا قلبي كان هيوقف لما شوفتك فى الفيديو.
ابتسم قائلًا:
ووقت ما ضربتيني إنت قلبك مكنش هيوقف.
نظرت له بعناد قائلة:
لاء،عشان وقتها كنت تستاهل.
ضحك قائلًا:
وايه الفرق بيندلوقتي وقتها.
أجابته:
وقتها كنت متغاظة منك عشان بعدت عني فى وقت كنت محتاجة ليك تبقي جنبي طبعًا كنت مشغول مع رو….
قاطع بقية حديثها حين قبلها بقوة قليلًا…تذمرت من قوة القُبله،تهاون وتبدلت قسوة القبلة الى قبلة عشق…ترك شفتيها كي يتنفسا،وضع جبينه على جبينها يلهث قليلًا قائلًا:
عمرك ما كنت بعيد عنك يا درة،ومحدش يقدر يشغلني عنك،انا كنت قريب منك جدًا وكل أخبارك بتوصلني وكنت عايش هنا فى القاهرة عشان أفضل قريب منك،بس إتفاجئت لما شوفتك مغمي عليكِ فى عربيتك مصدومه فى الشجرة على الطريق.
رفعت وجهها تنظر له بذهول تحدثت بحشرجة صوت:
إنت اللى أنقذتني يومها…
أومأ برأسه قائلًا:
أول بوسة خدتها منك،كانت عشان أرجعلك النفس،اللى كان فى الأصل برجعه عشان انا أعيش.
-ليه
يبقي إنت الى خلتيهم خذفوا صورك من كاميرات المستشفي…ليه.
أجابها:
عشان الوقت كان صعب محبتش أظهر فى الصورة إني صائد فرص.
ضحكت قائلة:
طب ما إنت فعلًا صائد فرص والدليل التوكيل بتاع خالي شاهر.
ضحك قائلًا:
مكنش صيد فرص يا درة،ده كان آخر فرصة قدامي.
ابتسمت وضمت نفسها له تشعر بأمان ،ضمها بسعادة.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان بالمنيا
توقفت جود وهي تحمل نوح تسأل الخادمة:
مين اللى عاوزني…مقلتش هي مين.
أجابتها بتوتر:
ضيفة فى أوضة الضيوف.
ذهبت جود للغرفة… تفوهت:
السلام عليكم.
إستدارت الأخري تنظر لها بندم قائلة:
وعليكم السلام… أزيك يا جود.
إندهشت جود وتفوهت بحشرجة صوت:
الحجة بدرية.
❈-❈-❈
بالقاهرة
بالمشفى
تحدث الطبيب لـ طوفان:
إصابتك مش خطيرة بس برضوا محتاجه إهتمام وراحة، بس طالما مش حابب تكمل علاجك بالمستشفى، هكتبلك على خروج، بس لازم تهتم بالجرح كمان الراحة.
أومأ طوفان له برأسه، نظر نحو درة مُبتسمً قائلًا:
إطمن يا دكتور، المدام دكتورة عيون وأكيد عندها شوية خبرة يعني.
أومأت له ببسمه كذالك الطبيب.
بعد لحظات، ساعدت درة طوفان فى تبديل ثيابه كذالك رفع يده المصابه داخل حامل طبي… نظر لها قائلًا:
ماما خرجت تطمن على خالي لغاية دلوقتي مرجعتش…، أكيد قاعدة جنبه، خلينا نروح لها، قاعدتها عنها ملهاش لازمه.
بالفعل ذهبا نحو غرفة العناية، لكن تصنمت درة حين تقابلت عينيها مع عيني وليد، الذي رفع وجهه ونظر لها بنظرة غلول وتحدي وقهر وهو يراها قريبة من طوفان، لديه يقين أنها السبب الأول فى ضياع زينه من بين براثنه، كما فعل والدها سابقًا.
يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.