رواية ملاذي و قسوتي – الفصل الثاني والعشرون
الثاني والعشرون
فتحت جفونها ببطء وصعوبة،شاعرة بثقل
حاد في سائر جسدها ، نهضت جالسة على الفراش ….. ونظرت بعينيها بصعوبة الى
الشرفة التي يتسلل منها ضوء أشعة الشمس المعاكسة لـبُنيتاها….
تفقدت المكان المنبعث منه الضوء لتجد سالم يقف يحرق في هذه السجائر كعادته ولكن كان ينفث بها بشراهه وغضب وكأنه يحاربها حتى تنفذ لياخذ غيرها ! ….
هتفت بأسمه بصوت مرتفع قليلاً حتى يسمعها..“ســـالـــم….. ”
ألتفت لها وهو يدلف للغرفة ومزالت السجارة
بفمه ينفث منها بتشنج واضح……
“صباح الخير…..“بدأ يسعل بعد هذه الجملة بقوة وبصوت متحشرج سألها باهتمام…..
“بقيتي احسن دلوقتي…. لسه الجرح وجعك… ”
لم ترد عليه فقد نهضت ووقفت أمامه مباشرةً
ثم سحبت السجارة من بين اصابعه ووضعتها سريعًا في المنفضة لإطفائها وهي تهتف بهدوء…
“ممكن تحاول تبطل سجاير شوية إحنا لسه على الصبح… وبعدين الموضوع ممكن يدخل في حاجه صحيه كبيره….” زفرت وهي تقول بسأم
“ولغريبه اني بنصحك وانت أساسا
دكتور….. ”
نظر له قليلاً وبدون ان يرد على حديثها وهتف بدون مقدمات وهو يحك في
لحيته …
“وليد اتقبض عليه…… ”
“بجد ازاي….. ”
“جابر سلموا لأمين شرطه تبعنا…. دخلوا القسم هو ولتسجيل اللي فيه اعترافه ودخل بيه لوكيل النيابة من نص ساعه…. “
ابتعد عنها وهو يفتح خزانة ملابسه ليهم بتغير ثيابه… راقبته حياة وهي تسأله بخفوت…..
“أنت رايح فين ياسالم…… ”
القى عليها نظرة خاطفه لا تخلو من
الجفاء…
“رايح القسم عشان اكتب اقوالي…. ”
سألته بعدم فهم والخوف يستوطن
قلبها…
“اقوالك؟….. اقوال ليه هو انت المجرم…. ”
نظر لها قبل ان يدلف للمرحاض الملحق
بالغرفة…قائلا بنبرة ذات معنى….
“لا.. بس أخو اللي مات على ايد المجرم…”
سألته حياة بدهشة….
“انت بجد مضايق انك سلمته للبوليس.. و مش طايقني ولا قابل تكلم معايا زي الأول بسبب كده…. ”
توقف عن السير مع أول حرف نطقت به
فـمرر يده على شعره بضيق واجابها معقباً
وهو يوليها ظهره…
“يمكن أكون مضايق اني ماخدتش طار أخويا
بايدي ويمكن أكون مضايق منك شويه بس مش عشان اللي فدماغك لا… عشان بسبب جنانك في المخزن وتهديدك ليا بالموت…”
تريث برهة قبل ان يكمل..
“مهم كانت اسببك ياحياة….مش سهل
انسى إللي عملتيه إمبارح…. ”
دلف للمرحاض واغلق الباب بقوة…. انتفض جسدها من آثار صوت اغلاق ألباب لتنزل دموعها بحسرة على علاقة حب كلما تحسنت قليلاً تاتي العواصف لتضربها في عرض حائط
بالقسوة والجفاء …
وقفت امام المرآة وهي تنظر لنفسها بسخرية
سخرية ليست لوجهها الشاحب الحزين بل السخرية الحقيقة هي تمزق روحها وقلبها كلما شعرت بالأمان والعشق في حياتها البائسة
، ياتي حظها التعيس ويدمر اي شيء كانت تنوي بناءه معه !…
“عادي ياحياة ما انتي طول عمرك نحس مستغربة ليه طرقته معاكي….. “
شعرت بدوار مرة أخرى فـجلست سريعًا على الفراش بتعب ونظرت الى صورتها المعاكسة في المرآة باعياء وضعت يداها على معدتها بيد ترتجف قائلة بهمس متيقن….
“طول الوقت بكدب وجودك….بس انا حاسه اني اتاخرت من اني اتاكد من خبر وجودك فعلاً يابن سالم… “ابتسمت بحزن رغم
الحنين في عينيها وصوتها….
فهءا الصغير سياتي بين عواصف حياتهما
المستمرة بلا هوادة….
ربما ياتي للاصلاح أو ياتي لينهي على الباقي
بينهما أيهما أقرب ؟!….
وضعت وجهها على كف يداها وهي تغمض عينيها بقوة من اثار الدوار الحاد…
ارتدى سالم ملابسه ونظر الى وجهه عبر المرآة وهو يمشط شعره ، تذكر المشهد للمرة الثانيه لا بل الألف فهو لم يتذوق طعم النوم وراحه منذ ليلة أمس بسبب ما اقترفته ( حياة)معه تلك التي تمتلك أكبر عقل يورث الغباء والتهور…..
زفر بجزع من نفسه ومن التعلق المريض بها
وبحبها….
قد عشقها بجنون انها مُهلكَه خرقاء تتصرف مثل الأطفال دومًا ولا تاخذ شيء على
محمل الجد ولكن أليس كل ما يمر به
بسبب مشاعره وقلبه ذاك…
عض على شفتيه بضيق حين وصل لتلك النقطة هتف بحسرة ساخره لنفسه…
“هقول إيه اكتر عضو مهزء عندي ! …. ”
خرج من المرحاض وهو يهندم ملابسة
ليرها تجلس على الفراش مغمضة الجفون بقوة ووجهها شاحب وكأنها تحارب شيءٍ وهمي…..
تقدم منها بخطوات سريعة متلهفة…وجثى على ركبته امامها رافع وجهها اليه وهو
يسألها بقلق….
“مالك ياحياة انتي تعبانه…..”
هزت راسها بتعب وهي تقول….
“ااه شوية…..يعني دوخه بسيطه أكيد
من قلة الأكل…..”
وجه راسه للناحية الآخرى زافراً بضيق
وهو يسالها بحنق…..
“تاني إهمال في الأكل انتي بتحبي تشوفي نفسك تعبانة كده علطول ….”
عضت على شفتيها وغيرت مجر الحديث وهي تقول بحرج..
“سالم هو أنت ممكن تبعد عني في يوم…. ”
رفع عيناه عليها أكثر بكثب وهو يسألها
بغرابة….
“مش فاهم اي دخل ده في الموضوع اللي بنتكلم فيه دلوقتي… ”
“رُد عليا ياسالم…هو اللي انا عملته في المخزن ده …. ممكن يخليك تبعد عني… ”
تنهد بتعب من الهروب من سؤالها التي تقذفه في وجهه بدون تردد……
“آآه ممكن ابعد عنك لو قررتي تعملي حركات العيال دي تاني…لازم تقدري الموقف اللي
احنا فيه الموضوع زي ما يخصك يخصني ويخصني انا أكتر كمان….. ”
قالت دون تفكير…..
“انا عارفه انه يخصني عشان حسن كان
جوزي و…”
قاطعها وهو يجز على اسنانه مهدد إياها بتوضيح أكثر….
“انا لم قولت ان الموضوع يخصك المقصود من كلامي انه يخصك من ناحية ورد بنتك وبنت حسن …لكن انا مش بتكلم على جوزكم انسي اللي فات…وركزي معايا حالياً انا اللي جوزك وانا اللي معاكي…..وخدي بالك من كلامك بعد كده… ولاحظي إنك متجوزه
راجل … “
رمقها بضراوة معاتبًا…ثم نهض بضيق من أمامها…. فنهضت خلفه بحرج وعنفت نفسها لأنها كانت تنوي إصلاح ما أفسدته البارحة معه ولكن كعادتها فعلت شيءٍ خطأ جديد….
“سالم انا مش قصدي حاجة انا فهمت
مقصد كلامك غلط….. انا اسفة ….. ”
” طيب…… “اكتفى بهذا الرد المستفز لاي امرأه احتدت عينيها وهي تقول بضيق…
“يعني إيه طيب انا بقولك اني اسفه
المفروض ترد عليا بذوق …. ”
ارتفع حاجباه وهو يسألها بشك..
“يعني انا قليل الذوق ياحياة….. ”
“يوووه يادي النيلة … “هتفت داخلها باستياء من ان يتغير ردها المشين او كما يقال(دبش)
وقفت امامه وهي تكاد تبكي لتستهدف قلبه
بتعاطف ومهارة….. هتفت بحنو..
“بص انا اسفة على اللي عملته.. بس كمان انا كنت خايفه عليك وعملت كل ده عشانك….
صدقني ياسالم انا عمري ما كُنت هسامح نفسي لو حصلك حاجة..”
زفر وهو يقترب منها بهدوء وقد انهزم غضبه
أمام عينيها الراجية…
“عارف ياحياة ومقدر…بس بلاش تعملي كده في تاني….لو بتحبيني بجد بلاش الحركات دي..لأنك عارفه حياتك غاليه عندي قد إيه…”
تلاقت أعينهما في حوار معاتب يتشبث
به الحب المتقد بينهما….
اقتربت حياة منه وشبت على اطراف قدمها
محيطه عنقه بكلتا يداها هامسة بعذوبة…
“انا آسفه….مش هتكرر تاني ياسالم…
أوعدك بكده…”
اغمض عيناه بضعف وهو يبادلها العناق..ضمها إليه أكثر معقبًا بمزاح….
“هعمل إيه قلبي اللي موديني في داهية
معاكي….”
تنفست براحه اخيرًا وهي تدفن وجهها
في عنقه الرجولي…
بعد مرور بعض الوقت…..
غطت جسدها العاري بشرشفت الفراش وهي تطلع على سالم الذي كان يقف امام المرآة يمشط شعره بعد ان ارتدى ملابس كاجول وبنطال بني مع تيشرت صيفي يدخل به
الون الابيض ولبني…..
كان تطلع عليه بهيام عاشقة وهي تراقب هندمته لنفسه امام المرآة…….
“بتبصي كده ليه….. “سألها سالم وهو يتطلع عليها عبر المرآة بغرابة……
ابتسمت وهي تقول بمشاكسة
“عادي يعني……. ”
“عجبك انا صح…. “سألها بمكر وهو يقترب منها جلس بجوارها وهو ينظر لها بوقاحة رفع
شرشفت الفراش عنها قائلاً بمكر…
“انتِ مغطيه نفسك كده ليه….. دا حتى
الجو حر… ”
“سالم…… “هتفت وهي تعض على شفتيها
فابعد الفراش الفراش عن جسدها اكثر وهو ينظر لها بوقاحة قائلاً…….
“على فكره كده احلى……”
انزلت مقلتيها مرتبكة من آثار تفحصه
لها…ام هو فظل يلتهم جسدها المكشوف أمامه بعينين شهوانية تجدد داخله الرغبة
بها من جديد !…
أغمضت حياة عيناها حين شعرت بانفاسه الساخنة تقترب من وجهها المتورد…
ضاعت في جمال اللحظة بين يدي حبيبها
الوقح وكلمات غزلة الفاحشة في اذنيها
ترنيمة غرام من نوع خص يخصها بها
في أكثر لحظاتهما حرارة….
يهيم بها عشقًا بجنون ويبث مشاعره المتلهفة لها… يجذبها بمهارة داخل شاطئ غرامهما
بعدة همسات وبعض اللمسات تذوب كلياًّ
معه وتغرق في احضانة الدافئة للمرة
التي فشلت عدها…….
أوقف سيل اللحظات الخاصة طرق باب
غرفتهما فابتعد عنها ببطء وهو ينظر الى بُنيتان مُسبلتان عليه بضعف يمتذجان بالعاطفية المقتدة !…..
أقترب منها بحنان وقطف القبل من خدها
المشع بجمال…..ثم رد على الطارق بصوتٍ
متحشرج خشن……
“مين…… ”
ردت الخادمة بتهذيب…
“انا ياسالم بيه…. الفطار جاهز تحت…… ”
رد عليها بهدوء….
“لا انا نازل يامريم…. هاتي الفطار هنا على الاوضه لحياة…… ”
“حاضر….. “قالتها مريم وهي تبتعد عن باب الغرفة…
ارتفعت عينا حياة ناظرة إليه
بتسأل….
“وانت هتنزل من غير فطار…. ”
مرر يده على شعرها وهو يرد عليها
بخفوت…
“آآه ياحبيبتي مليش نفس كُلي انتب
عشان الدوخه اللي بتجيلك ديه…… ”
“لا مينفعش… انت مش هتمشي غير لم
تفطر ماهو انا مش هفطر لوحدي……. ”
رد عليها بتمهل……
“مش هتفطري لوحدك ورد هتطلع تفطر معاكِ…”
زمت شفتيها بعدم رضا…لكنها صمتت فهي
لن تجادله أكثر….
تعلم انه يحارب لأجل اخفاء الامه عنها
وعن قرار نفذه عنوة عنه !..
……………………………………………
“شده وتزول ياوليد…… “قالتها ريهام وهي تجلس بجانب والدتها( خيرية) وكانوا يجلسون في داخل مكتب وكيل النيابة..
رد وليد بحقد….
” سلمني للبوليس ابن الـ***…..لا وقريب كمان هيعدموني…”
هتفت خيرية بخوف ….
“بعد الشر عليك ياضنيا ان شاءالله هو وعيلته كلها متقلقش ابوك هيقوملك أكبر محامي في البلد..”
ابتسم ساخراً وهو يرد عليها بحسرة….
“محامي إيه يامااا اللي بتكلمي عنه…
التسجيل بقا في ايد الحكومة يعني القضيه
لبساني لبساني وحبل المشنقه مستنيني …..”
ربتت خيرية على كتفه بحزن وهي تبكي بهسترية قائلة..
“ان شاء الله هترجع ياضنايا هترجع
لبيتك وحياتك من تاني …..”
فتح الشرطي باب المكتب عليهم وتحدث اليهم بعجلة وسرعة…..
“خلاص ياجماعة الربع ساعه خلصت اتفضلوا بقا لحسان وكيل النيابة قرب يخلص وقت استرحته ولو لقه حد هنا في مكتبه هيحبسه وهيحبسني معاكم…”
خرجت خيرية بحزن ودموع لم تنضب
من عينيها وهي تودع ابنها بلوعة…
كذلك سلمت عليه ريهام بحزن وحسرة من
هول وصول تيار الهواء الخائن بهم الى هنا….قالت ريهام بحزن….
“خد بالك من نفسك ياوليد…..”
نظر لها وهتف بدون مقدمات..
“خدي طاري منه ياريهام انتي تقدري تحرمي سالم من أغلى حاجة عنده ….احرميه من حياته زي ماحرم اخوكي منها …..”
فغرت شفتيها بعد ان فهمت مغزى
حديثه..“تقصد إيه…”
مالى عليها ومن قرب اذنيها قال بفحيح
شيطاني……
“احرمي سالم من حياة…..زي ما حرمك من انك تكوني ليه …..اقتلي حياة….واعتبري ده طار اخوكي اللي هيتعدم قريب…..”
نظر لها بانتقام طاغي في عينيه شردت
ريهام في حديثه بتفكير…..
فاقت سريعًا على صوت الشرطي وهو يقول بخشونة وإلحاح …..
” يلا يا انسه وكيل النيابة زمانه جاي …..”
خرجت بعد ان نظرت الى
وليد نظرة اخيرة….
……………………………………………
بعد مرور أسبوع على تلك الأحداث…..
كان يجلس على الفراش ويتحدث في الهاتف بضيق
“بقولك ايه غير موظف الحسابات ده مهو مش كل مره اسمع غلطات في الحسابات انا صبرت عليه كتير وهو برضه مش شايف
شغله كويس…..”
خلع ساعة يده وفتح درج المنضدة التي بجوار الفراش ليضع ساعة معصمه بعد ان ابعد تلك العلبة القطيفة عنها…
شد انتباهه سريعاً علبة الاقراص وهو لا يزال يتحدث عبر الهاتف ، كان محتواها اقراص
منع الحمل ! ……
لم يلبث قليلاً حتى يفهم ما نوعها فهو لم ينسى كونه طبيب درس الطب لسنوات ومر عليه مثل هذهِ الأشياء وحتى ان لم يمارس مهنته لن يجهل تلك النوعيات المعروفة !…
“اقفل دلوقتي بعدين هكلمك…..”
اغلق الهاتف و القاه بجواره باهمال وهو يتفقد
هذه الاقراص بذهول…تمتم بصوتٍ يخرج من الاعماق وعيون توهجت بنيران القسوة…
“منع حمل…بتاخدي حبوب منع حمل؟! ”
(حامل مستحيل طبعاً…. لا.. مافيش الكلام
ده انا اوقات كده نفسي بتروح على حاجات غريبة انا مش ببقى بكلها أصلا…..)
(مية مره قولتلك اني مش عيله ….وكمان انا لم قولت مستحيل كان قصدي ان اكيد مافيش حمل دلوقتي…..ااه كان رد غبي ومينفعش بس هو طلع كده معايا….. وعلى فكره انا مش باخد حاجة تمنع الحمل…. )
كور كف يده بغضب وصوت كذبها يتكرر في
اذنيه كصوت الرعد القاسي…..
فعلت هذا حتى تحرمك من طفل من صلبك
فعلت هذا لانها لا تحبك مزالت ترى ان الافضل
بينكم هي حياة زوجية بدون اطفال تربطك بها فعلت ذلك وكذبت عليك حتى حين سألتها ان كانت تتناول شيءٍ يمنع الحمل ام لا فكان ردها (انها لا تاخذ شيءٍ)
انكرت الأمر دون ان يرف لها حفن….
لماذا فعلت هذا….
هل تدعي الحب طوال هذه المدى؟!….
ظل الشيطان يوسوس له وعقله يدور في زوبعات عاصفه تشعل صدره أكثر ويضطرم
الغضب والكره داخله بعد غفلته وغبائه
في تصديقها..
قد باتت نيران الغضب تتغذي على الاخضر واليابس داخله كل شيء قدم لها بمنتهى الحب والحنان ستنال عكسه… ستنقلب الموازين ، ستنقلب حياته معها رأساً على عقب !…
في نفس ذات الوقت…..
خرجت من المرحاض وهي تجفف شعرها ووقفت أمامه تنظر له بذهول…… وعينيها على تلك الاقراص الذي بين يداه…. نهض سالم ورفع علبة الاقراص بين يده وهو
يهزها بعصبية أمامها ….
“اي ده….. ”
عضت على شفتيها واسبلت اهدابها
ارضاً ….هدر بها بصوتٍ عالٍ ……
“ردي عـــلـــيــا …..انــطـــقـــي إيــــه
ده ……”
ارتجف جسدها بقوة وهي ترد عليه بعد ان رفعت عينيها المتحجرة بهم دموع الخوف
من القادم….
“دي….دي حبوب….حبوب منع الحمل…..”
تألم وهو يسألها بنبرة لا تخلو من
الرجاء…..
“مش بتعتك صح …..انتي مش بتاخدي حبوب منع حمل ياحياة صح……..”
نزلت دموعها وخرجت شهقاتها وصمتت
ولم تقدر على الرد……اقترب منها وهو
يهتف بحنان….
“ردي عليا ياحياة بلاش تخافي مني….
ريهام هي اللي حطاها هنا عشان تعمل خلاف مابينا…. ردي عليا ياحياة…. فهميني.. ”
هزت رأسها بالنفي وهي تبكي وقلبها يرتجف
برعب من عواقب القادم…..قالت متلعثمة بصعوبة معترفة…
“انا….. انا كنت باخد الحبوب ديه بس..
بس في أول الجواز و لم حبيتك بطلتها من فتره….من فتره طويله ……”
تغيرت ملامحه واسود وجهه فجاة وتعقد بشدة متناثر الغضب والصدمة على محياه
وعينيه تشتعلان بنارًا لن تندلع الا عليها
احتدت عينا سالم بالغضب وهو يقذف
علبة الاقراص بعنف في وجهها ثم مسك شعرها بين قبضة يديه بقوة ، صرخت
حياة بالم ورهبة من القادم على يده..
“ليـه… لـيـه عـمـلتي كـده فــيا لـيـه ……”
صرخ بها بعنف وعينيه كـحمم بركانية تكاد تحرقها حيه….انهارت بين يداه باكية
متوسلة…
“سالم اسمعني انا عملت كده عشان كنت خايفة من جوزنا في لأول لكن واللهِ بعد
ما حبيتك بطلتها واللهِ بطلتها…… ”
رفع وجهها إليه وهو مزال ممسك بشعرها
بين قبضة يده بعنف يكاد يقتلع خصلاتها
من الجذور…..
“بجد بطلتيها لا تصدقي المفروض اصدق خلاص وسمحك…. طب لو فعلاً بطلتيها
وانا اهبل مثلاً وهصدقك ليه لسه محتفظه بيها هنا ها لــيـــه….. ”
كادت ان ترد ولكن قاطعها هو بتهدج من
شدة انفعاله…
“استني اقولك انا الحقيقه….. انتي بتاخدي حبوب منع الحمل لحد دلوقتي… عشان مش ضامنه حياتك معايا هتبقى إيه كمان سنه او كمان كام شهر عشان مش بتحبيني مثلاً ومش عايزه حاجة تربطنا ببعض …. عشان كده قررتي تاخدي حبوب تمنع الخلفه مني… لاني مليش حق اني اكون ابو ابنك… عشان انتي عمرك ماقدرتي تحبيني زي ماحبيتك
مش هي دي الحقيقه…. ”
القاها على الفراش بقوة…… نزلت دموعها بانهيار يزيد مع كل حرف يفسره سالم من وجهت نظرة انها لا تحبه ، كيف؟!…
وهي تراه عائلتها وحياتها التي بدونها يتيمه فقيرة بلا مأوى !……
تحدث سالم بحزن و وجع ….وجع رجل خدش كبرياء رجولته أكثر امرأه عشقها بجنون ..
خدعته وطعنت قلبه بكذبتها وفعلتها تلك…
“عشان كده لما كنا على الأكل قولتي قدمهم انك مستحيل تكوني حامل… كُنتي واثقه ان الاهبل اللي متجوزاه مش عارف ولا هيعرف انك حرماه من ان يكون أب …. ولم كمان سألتك لو كنتي بتاخدي حاجة تمنع الحمل
ولا لا كدبتي …..
كدبتي عشان تفضلي بكدبتك..بجد برافو ياحياة قدرتي تخليني مش راجل قدام نفسي قدرتي تضحكي عليا…. قدرتي تكدبي علي اكتر واحد كان بيتمنى ليكي الرضا ترضي. ”
أبتسم بسخرية وهو يتمتم بحزن ….
“غريبة اوي الدنيا ديه……حسن اتجوزك قبلي عشان في نهايه تكوني من نصيبي واتجوزتك وانا شايف ان إللي هيكون بينا عشرة وتعود وعيال واحترام وبس…. مكنش في حساباتي اني احبك يمكن لو مكنتش بحبك كان هيبقى جرحك سهل شويه عليا… ”
نزلت دموعها وهي تهتف من بين شفتيها المرتجفة بحزن….
“سالم…ارجوك افهمني الموضوع مش زي ما انت فاهم انت ظلمني والله ظلمني…. ”
“انا فعلاً ظلمتك لم خليتك أقرب الناس ليا
لم بقيتي عندي اهم من حياتي …. وانا كنت فاكر اني عندك أهم من حياتك وانك بتحبيني زي مابحبك…. لكن انا كنت غلطان انتي مرات حسن مرات أخويا مش مراتي ولا حبيبتي زي ماكنت فاكر……. ”
شهقت بصدمة وجسدها يرتجف بخوف من القادم احاديث تشي بالفراق المحتوم
بالفراق يالله لن اقدر على تحمل إحساس اليتم والضياع مرة آخرى بعد سالم لن
اصمد لن أتحمل لن اقدر……
هتفت داخلها بانهيار طفلة ضعيفة تتشبث بعائلتها الوحيدة من إعصار الطوفان ومن هي عائلتها شخص واحد أعطاها ولم يبخل عليها بمشاعره وهي قدمت له الأوجاع فقط الأوجاع وهو استقبل الوجع بصمود ولكن كلماته المبعثرة تدل على الإنهيار داخل قلبه المجروح منها !..
“سالم….. انا اسفه….. “كلمة غبيه ولكن هي تشعر أن لسانها مشلول حقاً وعقلها قد أصابه نفس ذات الشلل الذي اوقف تفكيرها بعد عاصفة كلمات سالم لها….
شلل في سائر جسدها حتى قلبها تشعر انه شُلَ هو أيضاً ولم يبقى الا الوجع….
أبتسم ساخراً وهو يقول بسخط….
“آسفه……تعرفي انا كده سمحتك…. ”
رفعت عينيها اكثر عليه بتراقب ناظرة….
اولاها سالم ظهره وهو يحارب هذا الشعور القاتل الذي وصل لها كالخنجر في ظهره….
بانه غير مرغوب منها…من أكثر أمرأه رغب
بها حد الموت بل وتمنى ان يلفظ أنفاسه
الاخيرة في احضانها !…..
حياة ماذا فعلتِ ؟!….
قالت بصوتٍ خشن….
“انا مسمحك لانك وضحتي ليا اهم حاجة كُنت مش واخد بالي منها ! …… مسامحك لانك صح مينفعش يكون في بينا طفل عشان أكيد هيتظلم وسطنا ومينفعش كمان نكون زي اي إتنين متجوزين عشان كده احسن حل لينا إني اطلقك ونقفل الباب دا خالص…….”
نهضت بساقين غير قادرتا على حملها بعد
قراره الأخير….فوقعت ارضًا أمامه على
عقبيها تمسك يده برجاء خانع…
“لا… ياسالم..عشان خاطري….انا مقدرش اعيش من غيرك انا بحبك واللهِ وعمري ما كدبت عليك صدقني انا بحبك عشان خاطري بلاش تسبني انا مقدرش اعيش من غيرك….
بلاش تقسى عليا انت عارف اني بحبك والله بحبك بلاش تطلقني ياسالم بلاش تطلقني..”
ظلت تبكي بـهيستيريا وخوف وقلبها قد
تمزق بالالم لمجرد تخيلها أنه سيبتعد
عنها سيتركها ويرحل عن حياتها….
ابعد سالم يده عنها بقسوة قائلا….
“كفايه كدب بقا وتمثيل ….انا خلاص
مش قادر اصدق حرف واحد من كلامك ….”
نظر لها بنفور وهو يقول باحتقار لنفسه…..
“انا حتى كل ماعيني بتيجي عليكِي بحسى اني اغبى واحد في الدنيا دي….. عشان صدقتك وحبيتك….”
نهضت وهي تقف امامه بضعف وضياع…
“سالم انا عارفه اني غلط بس انت لازم تصدقني انا عملت كده فاول جوزنا لكن
والله بطلتها و..”
“مش عايز اسمع حاجة … احنا اساسا من الأول مكنش ينفع نكون مع بعض.. “
تحدث وقلبه يصرخ به حتى يتوقف ولكن العقل قرر بالحاح وكبرياء رجولي كان الأصدق……
انهارت مره أخرى وهي تترجى….
“لامتقولش كده انا بحبك… انا.. انا
مقدرش أعيش من غيرك…..”
نظر لها بعينين قاسيتان وهو يعقب
بجمود على حديثها….
“هتعرفي محدش بيموت بعد حد .. ”
اولها ظهره للمغادرة.. شعرت ان الأرض تهتز من اسفل قدميها مسكت رأسها بتعب وهي تهتف قبل ان تقع مغشيًا عليها ……
“انا ممكن اموت بعدك….. ”
سمع ارتطام بعد جملتها ألتفت خلفه فراها
ممدة على الأرض الصلبة وتعب قد احتل
مكاناً يسكن بها بين ملامح وجهها الشاحبة……يتبع
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية ملاذي و قسوتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.