رواية ملاذي و قسوتي – الفصل الواحد والعشرون
الواحد والعشرون
تجلس في سيارة وتكاد تموت رعبًا عليه
لم تفكر في مدى تسرعها في الخروج من المنزل بدون آذن منه..لكنها لم تبالي بعواقب ما سيحدث خلف فعلتها…
ولم تبالي بقسوته وعصبيته القادمة عليها
تعلم ان الأمر لن يمر مرور الكرام لكن لا يهم يجب ان تحاول الان منع تلك الجريمة من ان تحدث فهي مستحيل ان تخسره او تسمح له بهدم حياتهما بسبب إنتقام شيطانة…
“هو أحنا لسه قدمنا كتير ياجابر…. “هتفت بعبارتها وهي تطلع الى ساعة يدها بتوتر
نظر لها جابر عبر المرآة ورد عليها
بتهذيب…
“ربع ساعة ياست حياة ونوصل ان
شاء الله… ”
اتجهت بعينيها لنافذة السيارة بجوارها وهي تشرد بذهنها في مكان اخر….
كانت تجلس في أحضانه مثل طفلة الصغيرة تضع راسها على صدره العاري وهي تهتف
بدلال….. “سالم….. ”
اكتفى بهمهماتٍ بسيطة وهو يغرز أنفه في شعرها الأسود الغزير……
أغمضت بُنيتاها وهي على وضعها هذا في
أحضانه تتشبث به بعاطفة…..
“انت بتحبني قد إيه…… ”
أبتسم بمكر وهو يقول بفظاظة..
“يعني شويه صغيرين…..مش كتير… ”
كادت ان تخرج من أحضانه بحنق ولكنه
أحكم ذراعيه حول خصرها بتملك…
“خلاص ياوحش متزعلش… بس انتي
اللي اسألتك غريبة اوي….. ”
“غريبة ازاي يعني…. مش لازم اعرف انت بتحبني قد إيه……”قالت جملتها وهي تريح راسها على صدره بتذمر طفولي….
تنهد وهو يقول بصدق حاني….
“عايزه الحقيقه اني مش بحب جملة
بتحبني قد ايه دي.. ”
“طب ليه…… ”
“انتي عارفه اني مش بعرف اوصف اللي جوايا من ناحيتك بظبط…بس انا بحبك لدرجة متتوصفش…”
ابتسمت وهي في أحضانه قائلة بحب
“فهمت وانا كمان بحبك لدرجة اني مش بحس بطعم أليوم الا لمآ بشوفك جمبي ومعايا…. بحبك اوي ياسالم..”
اكتفى بعناق حنون يبث لها مدى عشقه وشوقه بقربها….
كم ان شخصيته هادئه ثابته في بعض الأوقات وفي بعض الأوقات مشاكس ممازح ووقح….هو متقلب المزاج دومًا…وهي تعشق تقلب شخصيته اينما كانت ايجابيتها او سلبيتها….. فهو ببساطه استحوذ على قلبها وامتلكها واهلكها بعذاب حبه ونار شخصيته الفريدة من نوعها عليها ….
“وصلنا ياست حياة….. “فاقت على صوت جابر وهو يصف السيارة جانبًا في مكاناً شبه مقطوع رمال الصحراء مزالت مُتعلقة في
أرضه اسفلها
لا يوحي بالحياة قط…
كان المكان عبارة عن مبنى كبير ببوابة
حديدية قديم يجتاحه الصدى من أثار
مرور السنوات عليه بعض الأشياء القديمة
من المكينات وغيرها من المقاعد الخشبية المتهالكة……
ابتلعت مابحلقها وهي تسأل جابر بتوتر
“هو ده المكان اللي موجود فيه سالم… ”
رد عليها وهو يفتح الباب ويهم بالخروج
قائلاً
“ايوه ياست حياة… تحبي ادي للكبير خبر يطلعلك عشان يأخد الاورق ولا هتدخلي ليه بنفسك تديهاله….”
كانت شاردة وهي تطلع على هذا المبنى عبر نافذة السيارة ومزالت جالسة مكانها… لترد على جابر قائلة بشرود….
“اورق إيه اللي بتكلم عنها…. ”
ارتفع حاجب جابر وهو يسألها بشك….
“الاورق اللي انتي ياست حياة قولتي عليها مهمه وسالم بيه أتصل بيكي مخصوص عشان تجبيها معاكي.. ”
ابتسمت حياة بسمة مهزوزه بتوتر ثم ردت
عليه بقنوط….
“ااه الاورق….معلشي ياجابر أصلي
نسيت…. يلا بينا انا داخله معاك…. ”
ثم همست بصوتٍ خافض مرتبك…
“ياعالم هخرج من هنا سليمة ولا على
نقاله…. ”
_________________________________
“ها شايكتو عليه ياسيد … “هتف سالم بتلك العبارة ابتسم سيد احد رجال سالم وهو يرد عليه بفخر…
“تمام ياباشا كل تمام…. هيطلع دلوقتي قدامك.. ”
أبتسم سالم ابتسامة شيطانية مريضة بالانتقام
حينها خرج وليد على هذا المقعد المتحرك بجسد مدمر تمام من كثرة الألم المبرحة الذي تلقاه من رجال سالم اختفت معالم وجهه وحل محلها الكدمات الزرقاء والتورم….
صرخ وليد بجنون حينما لمح سالم يقف أمامه ويضع يداه في جيب العباءة ناظرًا له بقوة
ساخرة….
“هقتلك ياسالم…… هقتلك يابن الـ***….”
ابتسم سالم بتهكم قائلا…
“احلى حاجة في الموضوع ده ياوليد انك كل ما ولولت وعيط…. اكدت ليا نظرتي ليك انك مش بتفرق حاجة عن الحُرمه ..”
ظل وليد يبكي بتألم وهو يقول بغل …
“اقسم بالله لعملك عاها مستديمه… عشان تفتكرني دايماً مش هرحمك ياسالم مش هرحمك بعد اللي عملته فيا مش هرحمك ”
أقترب منه سالم وهو يزئر كالاسد المجروح
وعينيه تنفثان نارًا…..
“وانت رحمة أخويا….. رحمتني لم اعتديت على حرمة بيتي…..رحمتني لم قتلت اخويا عشان تكسرني ياريتك كنت قتلتني انا ولا
انك تحرم حسن من حياته ومن بنته
..ومراته ……”
خرجت اخر كلمة بصعوبة وقلبه يكاد يتمزق
على نسل الحقيقة….بانها كانت زوجة أخيه
وكانت ستظل (الحضرية)في عيناه حتى
لعب النصيب لعبته ووقع في حبها وأصبحت
الحقيقة تنغص عليه حياته كلما تذكر مكانتها
في البداية وحقيقة زواجهما في السابق….
ابتسم وليد بسخط وكأنه راى الصراع
المسطور في عينا سالم فقال بحقد
أسود…..
“مش هسيبك تتهنى ياسالم…… هحرمك
المرة الجاية منها هقتلها قدام عينك ا….. ”
لكمه سالم بقوة مقاطع باقي هذا الحديث القذر من لسانه الدنس…
“اياك تجيب سيرت مراتي على لسانك يابن الـ***”
ابتسم وليد بغل وهو يرمقه بتشفي….
“مراتك ديه كانت في حضن اخوك قبلك ..
انا مش مصدق انك حبيت واحده… لمؤاخده يعني استعمال….. ”
لكمه سالم في وجهه عدة مرات وفي معدته
بقوة… كان كالمغيب وهو يلكمه ويركله ولاخر يتالم ضاحكاً عليه بجنون وكانه قد فقد عقله بسبب الحقد الذي افترس عقله وقلبه ليجعل كثرة الآلام تخدير لجسده ……
ابتعد عنه سالم ولاهثًا بقوة بوجهٍ مربد بالغضب….وجسدًا ينتفض كل عضلة
به نافرة متشنجة من شدة الغضب
على هذا الحقير وحديثه الحارق
لروحه….
يعرف وليد موضع الجرح المتقرح بداخله لذلك لا يتردد في غزر الخنجر به !…..
مسك سالم السلاح في لحظة متهورة وشهر
السلاح في وجه وليد بازدراء مهاتف بصياح ساخر…
“تعرف كان نفسي أوي أطول معاك واشرب من دمك بس انتَ خساره فيك الوقت اللي بيضيع معاك… كدا كده هموتك…فكفايه تأخير لحد كده خلينا نرتاح منك ومن شرّك واهوه بالمرة ننضف الدنيا من وسختك..”
كاد ان يتكأ باصبعه على زناد السلاح الذي
بين يديه بوجهٍ قاتم حاسم…..
“بلاش ياسالم عشان خاطري… ”
هتفت بها حياة بصوتٍ عالٍ يستوطنه الخوف
عليه….وكانت تقف خلفه على بعد خطوات
فقط….
وكان دلو من الماء البارد نزل على رأسه في تلك اللحظة ألتفت إليها وهو ينظر لها بقسوة يصحبها صدمة وجودها هنا….
عقب وليد وهو يرمق حياة بخبث…
“مش قولتلك انه قتال قتله بس انتي مكنتيش مصدقه….اهوه قدامك اهوه قاضي نجع العرب رئيس عصابة لا وعامل كمان مكان في حته مقطوعه عشان البوليس ميقدرش يوصله….. ”
احتدت عينا سالم وهو يقترب منه بغضب هرولت حياة سريعًا ووقفت حائل أمامه
تقول بتوسل….
“بلاش ياسالم عشان خاطري.. ده إنسان مريض وبيستفزك صدقني ميستهلش انك توسخ ايدك بدمه…… ”
التفتت حياة نحو وليد ولم ترد عليه بل اكتفت بنظرة كره وبصقت ما بفمها عليه
باحتقار….
مسك سالم يدها وهو يسحبها لخارج
المخزن وهو يقول بأمر لرجاله….
“عينكم على الكلب ده لحد ما ارجع…..”
هتف وهو يكاد يخرج بها بثبات خارج
المخزن …
“مين اللي جابك هنا ومين عارفك
طريقي…. ”
ردت وهي تسير بجانبه بسرعة وتكاد ان تتعثر في سيرها من شدة سرعته لكنها حاولت ملاحقت خطواته السريعة قدر المستطاع…
“سالم انا جيت عشان….. ”
سألها بخشونة صارمة..
“ردي على قد السؤال يامدام…. مين اللي جابك هنا ومين وعرفك طريقي….”
“جابر وصلني لحد هنا….. ”
ترك يدها وهو يقف على أول أعتاب المخزن وهدر بصوت جهوري قاسي…..
“جـــــابـــــر …..”
رفع جابر عيناه على سالم بإحترام وقبل ان يرد على نداءه…..
هدر سالم به بصرامة حاده …
“ليا كلام معاك بس مش ماهيبقى بالساني…”
ابتلع جابر مابحلقه بخوف من توعد سالم
الصريح له……
خرج بها من المخزن وسار باتجاه المبنى من على الجانب الأيمن….وجدت حياة باب حديدي صغير ترك سالم يدها بغضب
ونفور وفتح الباب بحنق وهو يزفر بغضب
من افعالها……
ابتلعت ما بحلقها وخفقات قلبها تتزيد كارنب
مذعور بالخوف……
……………………………………………
دخلت ريم البيت بعيون مليئة بدموع والخوف من القادم الخوف من فقدان (حياة) صديقتها واختها الكبرى مثلما تعتبرها دوماً بسبب فعلت شقيقها المشينة……والخوف على الرابط الذي يجمعها بأبن عمها وعائلته…
كانت تجلس والدتها في انتظارها وكذلك زوجة ابيها خيرية وريهام تجلس بجانب والدها بكر ….وعيناها ترسل لريم نظرات
الكراهية والغضب….
“كُنتي فين ياريم ….”قال والدها سؤاله بضعف وحزن…
عندها ردت ريم… “كنت عند حياة…..”
سألها بكر بنفس النبرة المهزومة حزناً
“عرفتي حاجة عن اخوكي…..”
اجابته ريم بحزم….
“اخويا؟……لا معرفش حاجة عنه …
انسى وليد ياباااا واعتبره مات زي ماانا اعتبرته مات من ساعة ما عرفت ان هو
اللي قتل حسن ابن عمي…..”
اقتربت منها خيرية بشر وهي تهدر بها بغضب
“مات ان شالله انتي وامك واهلك كلهم
يابنت الـ****….”
اتسعت عيون ريم وهي ترد عليها بصدمة
“انتي اتجننتي يامرات ابويا ازاي تشتميني كده واي الطريقه المقرفه اللي بتكلميني بيها ديه…انتي مفكراني واحده من الخدمين اللي شغالين عندك…… ”
احتدت عيون خيرية لتبدأ بتجريح بها…..
“خدامين يابيره يااللي من ساعة ما طلعتي على وش الدنيا وانتي بومه مافيش حد راضي يبص في وشك العكر ده…… يابت دا انا بنتي اتجوزت وهي عندها 16سنه وانتي قفلتي الإتنين وعشرين سنه ولسه محدش خبط
على بابك …. ”
نزلت دموع ريم في للحظة وبدون سابق إنذار
لتاتي امها المرأة ضعيفة الشخصية طيبة القلب عانقت ابنتها وهي تهتف بحزن…
“بلاش تعيطي ياريم…. منها لله ربنا قادر ياخد حقك منها ياضنايا ربنا كبير…. ”
كم كانت تعاني دومًا من نظرت المجتمع لها وبالأخص في (نجع العرب)وقوانينه الصرامة بالحكم على اي فتاة في سنها ان لم يأتي نصيبها وهي على مشارف سن المراهقة تصبح امامهم مذنبه وسيئة الحظ وينفر البعض منها حتى لا تصيب ابنائهما بالعنة العنوس..
لم نعاتب الجهل ونحن أساس تطوره !….
ابتعدت ريم عن أحضان والدتها وهي تمسح دموعها بظهر يداها وتتمسك بقوة أمام زوجة
ابيها منزوعة القلب والرحمة….
“أولاً يامرات أبويا انا مش من الخدمين اللي بيخدمه تحت رجلك…… وااه انا بنسبه ليكم كلكم واحده عانس وفايتها قطر الجواز…. وبنتك اللي اتجوزت تلات مرات فعلاً كانت أول جوازه ليها في سن صغير …بس انتي نسيتي تقولي انها مكملتش شهرين في بيت جوزها اللي كان متجوز تلاته غيرها جوزها اللي كان عنده اربعين سنه جوزتيها ليه عشان دفع فيها مهر اكتر مش برضه مهرها اشتريتي بيه دهب وارض وبيت كبير وكل ده كتبتيه باسمك يامرات ابويا…..”
ارتبكت خيرية أمام نظرات الجميع…..
بينما نظرت ريم لوالدها بحزن …فهو يقف مكانه يشاهد حديث ابنته واهانتها منذ دقائق ولم يتحدث وكأن خيرية محقة في اهانتها ….
ولكن لن تصبها الدهشة الان فوالدها للأسف يفعل هذا دومًا معها وكأنها لم تكن أبنته مثل ريهام ووليد كانت ريم اصغرهم سنٍ ولكن والدة ريم أول زوجات بكر شاهين ولكن لم تكرم بأطفال غير في سن الثلاثين وطفلة الوحيدة التي انجبتها هي (ريم) …..
مسكت يد والدتها وصعدت للأعلى بحزن
وهي تلقي لزوجة أبيها اخر جملة في هذا الحديث….
“يمكن اكون عانس في نظرك يامرات
أبويا … لكن الحمدلله امي مش بتاجر فيا
زي مابتعملي مع بنتك …. ”
……………………………………………
مسك ذراعها بقوة وعيناه كانتى كجمرتان من
لهب مشتعل وهي ينظر اليها بقوة هادرًا
بغضب…..وهو يهز ذراعها بين يداه بقوة ….
“اي اللي جابك هنا وزاي تخرجي من البيت من ورايا…… إيه اتجننتي خلاص ….. ”
نزلت دموعها لعلها تستهدف قلبه تعاطفًا
“جيت عشانك….. عشان خايفة عليك…. ”
هتف سالم بجزع….
“ليه ياهانم عيل صغير انا …. اظبطي
كلامك ياحياة وردي عليا عدل…… ”
قالت حياة بوهن…..
“سالم أهدى عشان خاطري واسمعني انا عارفه اني غلط لم خرجت من وراك بس انت كان ممكن تقتل وليد و….. ”
رد عليها بتصميم شيطاني….
“وليد ميت ميت… وروحه مش هتخرج غير على ايدي… ده طار …….طار أخويا…. ”
نزلت دموعها وهي تتوسل إليه بخوف….
“بلاش ياسالم عشان خاطري بلاش عشاني
و عشان ورد انا مقدرش اخسرك ياسالم مقدرش… ”
ترك يدها بضيق وهو يبتعد عنها ويوليها ظهره في تلك الغرفة الصغيرة المتواجدين بها…..
رد عليها بخشونة وثبات…
“امسحي عنيكي وكفايه عياط…. ويلا عشان اروحك بس خليكي فكره ان تصرفات العيال
بتاعتك ديه مش هتعدي بساهل…. يلا.. ”
خطى خطوتين كي يفتح الباب الحديدي المغلق عليهما
لكنه توقف حين هتفت حياة إليه
بعناد…..”انا مش هروح ياسالم…… ”
استدار لها يرمقها بقوة نظرة جعلت جسدها يرتجف برهبة ولكنها حاولت الإمساك قليلًا بشجاعة وثبات أمام عيناه المهيبة….
اقترب منها خطوتين ووقف أمامها وجهاً لوجه وهو يسألها بشك وتحذير من تكرر جملتها مرة آخره…..
“بتقولي إيه سمعيني….. ”
ردت عليه بشجاعة وعناد وهي داخلها ترتعد رعباً من ان يفقد اعصابة ويمد يده عليها
للمرة الاولى فهي تختبر صبره في الوقت
الخطأ….
“مش هروح البيت غير لم ينتهي موضوع وليد وتسلمه للبوليس وهما يتصرفوا
معاه….. ”
تلوت شفتيه في إبتسامة من زاوية واحده
ساخرًا من حديثها وامرها الاهوج
ليرد عليها بتحدي…..
“مفيش حد يقدر يمنعني من قتل وليد ياحياة وحتى لو الحد ده انتي …… بلاش العشم اللي في عينك ده عشان مش بمشي ورا
كلام الحريم….. ”
فغرت شفتيها بصدمة…. لن تنكر انها كانت تراهن قلبها ان (سالم) سينصت لها ويفعل
ما تقترحه عليه ولكن وقع عليها دلو من
الماء البارد …..
سالم رجل كـباقي رجال هذا النجع ينظرون للمرأة وكأنها لا تملك عقل برأسها بل بل بقايا طعام يجعلها لا تفهم غير (ماذا سناكل غداً ! )
احتدت بُنيتيها الداكنة والتوت عضلات جسدها غضباً وهي تعنفه بقسوة….
“انا فعلاً ست… لكن انا مراتك وخايفة عليك… بلاش تكون رجعي ياسالم… انت
لو قتلته مش هتفرق حاجة عنه ….”
أولها ظهره بعناد وهو يقول بجسارة…
“كل كلامك مش فارق عندي…. وانا مش هغير رايي عشان خاطر عيونك… ده طار
وجه وقته…
اقتربت منه وهي تضع يدها على كتفه وهي تترجاه بنبرة حانية تستهدف قلبه وعقله للامتثال لها…
“طارك خده بالقانون ياسالم خده من غير ماتوسخ ايدك بدم واحد زي ده من غير ماتقتل… غير رايك المرادي بس عشان
تفضل معانا…..انتَ عارف ان انا و ورد ملناش حد غيرك….عشان خاطري ياسالم ارجع عن الــ… ”
قاطعها بصوتٍ عالٍ صارم ….
“من قتل يقتل…..وكفاية رغي ويلا عشان
اوصلك….. وياريت تمسحي دموعك ديه و
وفريهم للجاي….. ”
نظرت حياة بجانبها بضياع لتجد قنينة من الزجاج مرمية باهمال على الأرض ….مسكتها بدون تفكير وضربتها في الحائط خلفها فانكسر نصف القنينة في لارض متناثراً ونصف الاخر بين يدها باطراف حادة مدببة…..
اتسعت عينا سالم بعد هذا المشهد الذي حدث في لمح البصر، اقترب منها وهو يحاول منعها…
“بتعملي إيه يامجنونة نزلي الزفته ديه….. ”
هبطت الدموع من عينيها بكثرة وهي
تهتف بتحدي…
“ابعد عني متقربش مني….ابــعـد… ”
كانت تقرب اطراف الزجاح الحادة الى عنقها
وهي تتحدث إليه بغضب……
“أبعد بقولك….”
حرك يداه في الهواء بمهاودة وهو يحاول ان يهدأ من روعها وقلبه كان يرتجف بخوف عليها….
“طب خلاص مش هقرب نزلي بس الازازه
دي عشان متتعوريش…. ”
قربتها اكثر وهي تتألم بوجع حقيقي من آثار اطرف الزجاج الحاد مجرد انها الاصقتها في عنقها بطريقة عشوائية فتألمت ولكن لم تبالي وهي ترد عليه بحزن ….
“بجد خايف عليا…… ولا خايف لا متعرفش تخبي جثتي زي ماهتعمل مع وليد….. ”
“حياااااااااة…… انتي اتجننتي….. ”
صرخ به بجنون وبدا وجهه يتضخ عرق
بتوتر وخوف عليها….
صرخت مثله وهي مزالت ممسكه
بالزجاجة…
“دا مش جنان… دي الحقيقه ازاي عايزني اطمن ليك بعد ما تقتل وتوسخ ايدك بدم بنادم…. مهم ان كانت الأسباب اسمك قتلت وانا مستحيل أعيش مع واحد قاتل وعشان لا هعرف اعيش بعدك ولا بعد مابعد عنك.. يبقى الموت أهون عليا…. ”
صاح سالم مفزوع عليها…
“اقسم بالله ماهرحمك ياحياة لو فكرتي بس تبعدي عني وحتى لو بالموت هتلقيني مدفون جمبكم في نفس التربة….. نزلي الزفته ديه وعقلي ياحياة وكفايه هبل لحد كده..كفاية ”
قربت أكثر الزجاج الحادة من عنقها لتصنع لها جروح متفرقة وتسيل الدماء منها ببطء…. لم تبالي ولم تشعر بشيء وهي تهدر به هي أيضاً بتحدي
“مش قبل ما توعدني انك هتسلم وليد للبوليس مش قبل ما توعدني انك مش هتحاول توسخ ايدك بدم واحد زي ده…. مش قبل متوعدني انك هتحافظ…على نفسك وعلى حياتك عشان خاطري وعشان خاطر بنت اخوك اللي مش بتقولك غير يابابا
ليه عايز تحرمني منك بعد ماحبيتك…
وليه عايز تحرم ورد منك بعد ما خدت
مكان أبوها ليه ليه ياسالم…”
قالت بتهدج….
“عشان مينفعش تمشي ورأ كلام الحريم….. ولا عشان مش عايز تسمع كلام اكتر واحده بتحبك وخايفة عليك…… ليه بتعمل كده
فيه لــيــه….. ”
حرك كلتا يديه في الهواء وهي يرى عنقها يسيل منه الدماء ببطء.
“نزلي الازازه ياحياة…. رقبتك اتعورت كفاية
جنان وشغل عيال وعقلي…… ”
ارتفعت عينيها عليه بعناد قاتل صارم الى
ابعد حد وهي تقول بحدة ……
“واضح كده انك عايز تدفني انهارده…. انا مش هنزلها من على رقبتي غير لم توعدني ياسالم اوعدني انك مش هتقتله… اوعدني انك هتسلمه للحكومه وهما يتصرفه معاه…. اوعدني وانا هصدقك لانك كلمتك و وعدك سيف على رقبتك اوعدني ياسالم وانا هصدقك…… ”
جز على اسنانه بغضب وهو ينظر الى عنقها الذي سال منه الدماء….. اغمض عيناه بقوة
زافرًا بعذاب حقيقي وهو يقول….
“اوعدك ياحياة……. بس نزلي الازازه.. ”
ابتسمت بين دموعها وهي تنزل الزجاجة
اخيرًا من على عنقها ببطء لتقذفها بعيداً عنها…..
رفعت عينيها عليه لتجد عيناه حمراء وهو
ينظر لها بعتاب جامح… دققت النظر في عيناه لتجد دمعة الم وخوف عليها تنزل على خده….
ثم اقترب منها خطوتين ليقف امامها ومزال يرسل لها نظرات العتاب والألم بعد ما سببته
لقلبه ومعاقبتها له بانهاء حياتها ان لم ينفذ
لها مطلبها…..
ارتجفت شفتيها بخوف وهي تقول
“سالم انا….. ”
سحبها الى احضانه بقوة واعتصر جسدها
بين ذراعيه وكأنه ييقظ قلبه المتألم بانها
هنا ولم تبتعد…..
لو تعلم انها ذبحة قلبه بالمخاوف قبل ان يمسس الزجاج عنقها ما كانت فعلتها
وهددت اياه بمنتهى القسوة…..
استغلت حياة عشقه لها ولعبت بمنتهى
السادية على نقطة ضعفه الوحيد !…
ظل في أحضانها بعض الوقت…دقائق ….. ودقائق تمر وهم على هذا الوضع ….
همس لها بعتاب جامح في نبرة صوته…..
“بتبتزيني بحياتك… بتستغلي حبي ليكي ياحياة…. ”
نزلت دموعها بين أحضانه وهي ترد عليه بصدق
“انا عملت كده عشان خايفة عليك…عشان بحبك… ”
رد عليها بضيق….
“بالعكس انتي انانيه ياحياة… أنانيه
اوي ….. ”
ردت عليه بوجع من اتهامه لها…
“انا فعلاً أنانيه…. عشان عايزاك جمبي انا انانيه عشان بحبك….. لكن انت بقا عمرك ما حبتني ولا أثبت انانيتك فحبك ليا وأقرب حاجة عايز تقتل وتدخل السجن وتنعدم عشان محدش في نجع العرب يعتب عليك لو سبت القانون هو اللي يحكم على ابن عمك مش
انت ……”
مزالن على وضعهما وبرغم من العتاب الحاد
بينهما كانت قلوبهما تتشبث ببعضها بخوف من طوفان الفراق بينهما !…….
“انا عملت ده كله عشانك عشان وجعك على حسن و ورد اللي اتحرمت من ابوها وهي
في لسه يدوبك سنة.. ”
نزلت دموعها وهي ترد عليه بقهر ….
“حسن مات ياسالم…. وانتقامك مش هيغير حاجة من اللي عشناها… بالعكس ده ممكن يحرمني منك ويحرم ورد من وجودك في حياتها….. سالم انا بحبك…. حسن كان جوزي قبلك ومش هنكر موته كسرني وكسر قلبي قد إيه… ويمكن حسيت بعدها ان الحياة وقفت بعد ما خسرته ….”
” بس من ساعة ما دخلت حياتي وتجوزتني وانا بقيت بحس بطعم تاني للدنيا وانا معاك وكأني أول مره احب…. وأول مره اخاف.. وأول مره اشتاق لحد…..”
صمتت وهي تبتلع مرارة اوجاعها ثم أكملت بصوتٍ مبحوح….
” انت لازم تعرف… اللي جوايا ليك مش بس حب بين واحده وجوزها…اللي جوايا ليك طفله… طفله يتيمه لقت ابوها فحضنك لقت اخوها في اهتمامك وخوفك…. لقت فيك الصاحب الجدع في كلمتين وجعنها لقتك بعدها بتهون عليها وبتخرجها من اللي هي فيه بكلمة حلوة… لقت فيك الحبيب وزوج في حضنك فكلامك وفحنانك عليها ….. انت
مش بس جوزي يسالم انت عوض من ربنا بعد سنين طويله من الحرمان… عوض جه عشان يغنيني عن الدنيا وعن كلام الناس وشرهم …. ليه عايزني ارجع يتيمه تاني ياسالم ….لـيـه عايزني اخسرك ورجع يتيمه من تاني.. ليه.. ”
مع كل حرف قلبها ينزف وجع وحسرة ودموع تنزل بغزارة من مقلتيها الحمراء…
قصة سالم وحياة ليست قصة حب ومرت بل هي قصة اجتياح….. اجتياح افترس قلوبهما بشراسة ليهلك حصون مشاعرهما ويجعلهما للعشق مسالمين !..
ابتعد عنها قليلاً وعيناه لا تحيد عن بُنيتيها الباكيتان حاول قدر الامكان ان يصلح مافسد بينهم بعد حديثها وانهيارها أمامه….
“شكلي انا اللي طلعت اناني بعد كل ده….”
انزلت دموعها بحزن لتخفي دموع عينيها
التي تنزل بدون توقف ……رفع وجهها
بطرف اصابعه….ليجبرها على النظر اليه
وهو يتحدث بحنان….
“ينفع تبطلي عياط وتهدي شويه…….”
هزت راسها وهي تمسح عينيها بكف يدها كالاطفال…..ابتسم بحزن وهو يتطلع عليها بتراقب….هبطت عينا سالم على الجروح الطفيفة التي في عنقها كان ينزل من كل
جرح منهما قطرات من الدم….
سحب الوشاح الرجالي الذي كان حول عنقه وبدون تفكير بدأ يمسح الجروح من الدماء ببطء وخوف…
أغمضت حياة عينيها بوجع ونزلت دموعها من عشق افترس قلبها بقوة مدمر كل حصون تمنع دخوله الى قلبها…….
“ومستغرب انا ليه أنانية في حبك ”
هتفت داخلها وهي تغمض عينيها بقوة متألمة
اشتياق لقلب تعشقه حد النخاع….
“بتوجعك لدرجادي…. “همس بحنان ناظراً الى عينيها المغمضة بقوة…..
اكتفت بهز راسها بـ (نعم) ولكن هي لم تشعر بألم جروح عنقها قط….بعد أقتراب أنفاسه وحنانه و اهتمامه الطاغي الآن عليها وكانها تخدرت جسداً وعقلاً………
شعرت به يزفر بحنان على عنقها بتمهل وخوف ويداه تطبطب بهذا الوشاح على جروحها الطفيطة….ويدهُ الآخرى تسير على عمودها الفقري ببطء وحنان وكأنه يمحي اوجعها بهذا الحركة…
نزلت دموعها وهي تفتح عينيها الحمراء
قائلة بصوت عاشقة…..
“تفتكر هحبك اكتر من كده…. ”
نظر لها ولم يفهم سر جملتها ولكنه كان كل قلقه مصوب على تلكَ الجروح….. أبتعد عنها قليلاً وأمسك الوشاح ووضعه على عنقها بطريقه عشوائية وهو يقول بهدوء…..
“لازم نروح المستشفى عشان يطهروا الجرح
ده كويس ….. ”
اومات له بدون كلمة واحده… لتجده يحملها على ذراعه متوجه لسيارته…….
قالت حياة بنبرة اعتراض….
“سالم بتعمل إيه الموضوع مش مستاهله
انك تشلني انا كويسه….. ”
رد عليها بإصرار متيقن وهو يفتح باب السيارة
“بس انا حاسس انك مش كويسه ياحياة… ”
نظرت له وفغرت شفتيها بدهشة فهي حقاً ليست بخير تعاني من دوار حاد منذ اكثر من اسبوعين وهي لم تفكر يوماً في استشارت سالم بهذا التعب بما انه تخصصه….
فحتى ان لم يمارس مهنته ابداً من المؤكد ان لديه خبره في بعض الأشياء البسيطة فهو لا يزال يتذكر جيداً ما درس….
لكنها كانت كعادتها تهتم أكثر بما يمرون به ، فهذا الأهم ! …….
بعد ثلاث ساعات وصل سالم امام بيت رافت شاهين وقد حل الليل عليهم…..
نظر لها وجدها غافية على مقعدها بجواره…..
دقق النظر لها بحزن ليجد الارهاق اخذ من ملامحها مكان ليسكن به وكذلك الحزن ..
مسد على حجابها وهو يقول بحزن…..
“كان ممكن يجرالي حاجة انهارده
بسبب جنانك… ”
مسد على حجابها وهو يفتح باب السيارة ونهض للخارج ….. وفتح الباب من ناحية حياة وحملها على ذراعيه بخفة…..
دخل البيت بعد ان فتحت له مريم ا
لخادمة….شهقت مريم وهي تقول بعفوية…
“بسم الله الرحمن الرحيم…. مالها الست
حياة ياسالم بيه…… ”
“ملهاش كويسه ….ورد فين والحاجة
راضية والحاج رأفت .. ”
ردت عليه مريم بتوتر…
“كل واحد في اوضته يابيه ..و ورد اكلتها ونامت من شويه….. ”
صعد على سلالم البيت باتجاه غرفة نومهم ومزالت حياة غافية على ذراعه…..سألها بشك…
“هو محدش يعرف ان حياة خرجت من البيت…. ”
كان يوليها ظهره ويقف ببرود ينتظر اجابتها
ردت مريم بتلعثم سريعاً…..
“لا محدش يعرف….. لان ست ريم قلتلي اقول للحاجة راضيه والحاج رافت لو سألوا عليها يعني انها في اوضتها نايمة….. وانا بصراحه عملت كده.. ”
كانت تفرق في يداها بتوتر وخوف من رب عملها بان يثور عليها بعد فعلتها تلك لكنه لم يرد عليها سمع الحديث وهو يصعد للأعلى وهو يتمتم بحنق من تصرفات كلتاهما….
وضعها على الفراش وخلع لها هذا الحجاب وتلك العباءة حتى ترتاح في نومها كانت نائمة وهو يبدل ملابسها وكانها في غيبوبة لن تفيق منها الآن….
“مش معقول لدرجادي تعبانه….. “تمتم وهو يشغل التكييف ودثرها بالغطاء حتى لا تتعب من هذا المكيف……
وقف في شرفة غرفته وهو ممسك سجارته بين إصبعيه …..ومسك الهاتف فاليد الآخرى وهو يزفر الدخان الرمادي بحنق……. اتى له صوت جابر عبر الهاتف……
هتف سالم بخشونة وضيق من فعلت هذا الغبي صباحاً …
“جابر….. اسمعني ومش عايز كتر كلام لسه حسابي معاك مجاش وقته ….. انا عايزك تسمعني كويس بكره الصبح تاخد وليد و
يتبع…
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية ملاذي و قسوتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.