رواية رحماك الجزء الثالث – الفصل السابع
ــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم..
آية الكرسي :
” اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَ مَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ
وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم “
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
..(وإلتقينا بعدما عز اللقاء)..
بشقة رائد..
إيه بيقولي إيه؟
ردت والدته بشماته وغيظ، موجهه حديثها للمنكمشه بأحضانه..تتمسك به بقوه..
ـ بقولك الدخله هتبقي بلدي؟
أتسعت عينيه بصدمه، حينما وصله مغزي كلامها….سرعان ما تحولت نظرته من الحده، إلي الألم من تلك التي إلتصقت بأحضانه، يحاوطها هو بذراعيه بتملك شديد، ويدها التي هيأ لها انها تتمسك بقميصه بقوة، بينما اظافرها هي من غرست بصدره..
أغمض عينيه، متحاملا علي وجع صدره، ومد يده الحره وأمسك بها يدها التي تعصر صدره بها..أزاحها عن صدره بهدوء، بعدما تقابلت نظراتهم معا، هي بخوف مطلق، وهو بحنو..سرعان ما تسلل الأمان والاطمئنان بقلبها، لوجوده بجانبها….
أفلتت يدها، مستسلمه لدفئ يديه، رفع يدها بإتجاه فمه، وقلب باطن يدها وقبلها بترو وحنان..إتسعت له أعين والدته، وزادت من شرارة الحقد بداخلها، وهي تنظر لأفعال ولدها أو من تناديه ولدها، المخجله، التي لا تمت للرجوله من نظرها بصله..
لم تقاوم حنانه هذه المرة عليها.. وإندفعت لأحضانه محاوطه عنقه بقوة..
وقعت عينه علي عين والدته، التي تطل منها شرارات الكره والحقد وهل يخطئ بها، لقد حفظها عن ظهر قلب…. …
قابلها هو بنظره جامده، خاليه من أي تعبير، مما آثار الرعب بقلبها..لعلمها أنه رغم حنانه، قوي الشخصية، ولا يرضي بالمهانه لأحبائه أبدا وخصوصا تلك التي بأحضانه، كم مرة إعتقدت أنها أطلقت سمومها بأذنه تجاهها،ولكن لا حياة لمن تنادي.. ..
إنفجرت ميسم ببكاء مرير، بين ذراعي رائد الذي يحاوطها بتملك، يثبت للواققه أمامه، أن لا أحد بالكون قادر علي أذيتها وهو مازال حيا..
همست بخوف ممزوج بضعفها وقلة حيلتها..
ـ رائد أنا خايفه اووي، إنت بتعمل فيا ليه كده، حرام عليك..
أبعدها عن عنقه، وبلا حديث، سحبها لغرفة نومهم..
جحظت عينيها بخوف، وإرتجفت شفتيها، وهو يغلق عليها وعليه باب الغرفه، ووالدته تدق علي الباب بحده..تسبها بأبشع السباب، تنعتها بالقاتله، وأنها تسببت بقتل واحد وستسبب بقتل الآخر..
إستمعت لحماتها تنادي إحداهن…تخبرهم أن يصعدو لها بتلك المرأه المتخصصه، ببلدتهم بهذه المواقف، لطالما إستمعت لها من والدتها..
إرتجف جسدها بقوة أكبر..ونظرت لذلك الذي إستدار لها..
صدم برجفتها، وتوسلاتها له أن يأتي لها بوالدتها..
بسرعه جثي علي ركبتيه، أمامها وأمسك بكفيي يدها بين يديه بإحكام..موجها حديثه لها بنبرة آمره..
ميسم..بصيلي..وإهدي..حبيبتي إهدي..
همست بضعف ورجاء..
ـ أنا عاوزه ماما..أرجوك يارائد عشان خاطري..
أغمض عينيه وأخرج زفره حاره من صدره..
ـ هعملك إللي عاوزاه ياقلب رائد بس إهدي، هاا..
هزت رأسها بقوة بالرفض..
ـ لالا إنت هتخلي مامتك تعمل فيا كده..مش كده..أنت عاوز تنتقم مني، صح….
لو عاوز تنتقم..إقتلني علطول وريحني، أرجوك بلاش كده..
إبتلع إتهامها، وظنها به، غصبا عنه، مهما قالت يلتمس لها الأعذار..
مازالوا بالبدايه، وهذا أول الغيث، وتلك التي بالخارج مازال في جعبتها الكثير..وهو يعلم….
نظر لها بعتب علي حديثها، يخبرها بعينيه، هل هكذا تثقي بي ياحبيبة العمر…؟
إستقام سريعا، وجلس بجوارها علي الفراش وجذبها لأحضانه..
لم يجد حلا لتهدأتها إلا أحضانه..
قاومته بضعف، ولكن مع إرتفاع الصوت القادم من الخارج..ودق الباب الذي لا ينقطع، إستسلمت له..ليس بيدها شيئا إلا أن تثق به..
ـ ششش إهدي،يا حبيبتي..
هدأت بين ذراعيه، ولكن مازالت شهقاتها كما هي…بل تزداد..
بعد دقيقه..
كان يبعد رأسها بيديه عن صدره، أمسك رأسها بين كفيه.. وبأصابعه بدا يمسح دموعها برقه..
ـ بطلي بكا بقي عشان خاطري ياقلب رائد، ما عاش ولا كان اللي يقدر يمسك بكلمه واحده، مش يحط أيده عليكي..
أنهي كلامه مقربا شفتيه من جبينها، مقبلا إياها قبله بطيئه حنونه…وإستقام ليخرج فأسرعت وتمسكت بذراعه…
ـ متسبنيش يارائد أرجوك، متخليهمش يعملو كده….
أبتسم لها بحنان..مش هسيبك.أنا هنا جمبك، ولا هسمح لجنس مخلوق يأخد حاجه من حقي أنا بس، وإنتي حقي ياميسم
إللي صبرت سنين، عشان أنوله، جلس بجانبها وحاوط خصرها وجذبها بعنف فإرتطمت بصدره..
رفعت وجهها بصدمه..فقبل ثغرها سريعا..وهمس بأذنها، كلك ملكي ياميسم، محدش هيقرب منك غيري..
شهقت وإتسعت عينيها..ووضعت يدها بتلقائيه علي شفتيها….
قهقه وإستقام قائلا وتبع كلامه بغمزه من عينيه..
ثواني وراجع..ياقلبي
خليكي واثقه فيا..
نظرت له بنظرة خيبه، ووجع..عرف مغزاها عالفور..
قابلها هو بحزن علي ماصابه، وخرج سريعاً، وأغلق الباب خلفه….
هجمت عليه سريعا، تنظر له بحده وغضب،غضب ظهر جليا علي صوتها المرتفع..
جعلت تلك التي بالداخل تعود سريعا بظهرها لظهر الفراش واضعه رأسها بين قدميها ترتجف وتبكي كالاطفال بصوتا مرتفع..تنادي علي والدتها بخوف..
ـ انت بتكسر كلمتي يارائد..أنا قولت الدخله هتبقي بلدي
أتت علي صوتها إحدي زوجات أعمامه تدعي بهيره..
ـ إنتي جنيتي يا ساميه، بلدي إيه ده، إللي عاوزه تعمليه في البنيه، وتبهدليها.. دي عاده بطلت من زمان، دا حتي شينه في حق ولدك..
نظرت ساميه(زوجة والد رائد تزوجها بعد وفاة والده رائد، تمثل الطيبه ببراعه، يناديها رائد منذ الصغر بأمي، ولكن..) لها بغيره وحقد..
وأنتي مالك إنتي، ولدي وانا حره فيه..
بهيره بتهكم ولوت فمها.. ولدك، ااه، حره علي نفسك مش علي بنات الناس ياساميه، إتقي الله ياساميه بزيداكي إكده..وإلا هنادم علي بوي الحاج..يوقف المسخره ده
نظرت خلفها ووجهت حديثها للنسوه التي أتت بها من خلفها..
وأنتي ياحرمه، منك ليها.هموا من إهنه..كل واحده علي بيتها يالا نسوان ناقصه..
صاحت ساميه بعلو صوتها..
وأني جولت محدش هيمشي من إهنه يابهيره..ودا ولدي وأني حره فيه..وهيمشي تحت طوعي..خليكي في حالك وفي عيالك..
همت بهيره أن تتحدث..فقاطعها صوت رائد القوي،
أفزعهم جميعا..
ـ بس..إستني إنتي يامرت عمي..
إبتلعت ساميه ريقها، وحاولت التماسك أمامه ..ونظرت له بقوه مزيفه..قابلها هو بنظرة أرعبتها..
وهو يقرب وجهه من وجهها، ضاغطا علي كلماته الذي يخرجها من قمه بقوه وحده، تعرفها جيدا..وهو يشير بإصبعه علي نفسه….
بصيلي كويس ياأمي..ها بصي كويس..
وشوفي كده مكتوب علي وشي إني مش راجل..
هزت ساميه رأسها بالرفض..
فنظر لها بتهكم وأكمل..
بصيلي وقولي إنتي تعرفي عني أن في ست في الدنيا
تقدر تمشي كلامها عليا..حتي لو كانت مين…؟
التمعت عنيها بالحقد والغيره، وهي تشير بإصبعها علي غرفه النوم..
بس أنا أمك..اللي فضلت حتت بت ولا تسوي، كانت السبب في قتل أخوك عليها…وبعدين إش ضمني تكون سليمه، مش يمكن فرطت في نفسها، ماهي واحده زي دي أصلا من غير شرف، هربت من أهلها.. وو.
قاطعها هو بصوت جهوري صعد علي أثره الجميع..وأولهم جده..
إخرسي… أقسم بالله لولا إنك في مقام أمي، ومحترمك ومحترم تربيتك ليا، لحد الآن لكنت إتصرفت تصرف مش هيعجبك…إللي جوا دي مراتي..من خمس سنين مراتي…ومش هسمح لحد مين ماكان يكون..
يشكك فيها…..إنتي فاهمه..
إبتلعت رعبها، ولبست وجه الطيبه والمسكنه..
ـ انت بتزعقلي انا يارائد.. للدرجه دي هنت عليك.. تقولي أنا كده دلوقت بس عرفت، إني مش أمك وأنك مش إبني ولا عمرك إعتبرتني أمك أبداً …
دا انا معدش ليا غيرك في الدنيا يارائد..
وإنفتحت ببكاء مصطنع..
نظر لها بصدمه مما تقول..وهم بالرد…إلا أن صوت الجد الحاد من قطع حديثه..
ـ خبر أيه ده ياساميه إللي بتقوليه..من ميتا وأنتي بتفرقي بين رائد، وراجي الله يرحمه…
ساميه بغل ظهر جليا بصوتها…عشان أنا فعلا مش أمه، لو كنت أمه، كان عملي حساب وسمع كلامي..ونفذ إللي قولت عليه..
لا دا فضل ورا حتت بت لحد ماجابها، ودخلها عيلتنا بالقوة وإن كان الناس دخل عليهم وصدقوا إنها كانت بتتعلم برا وإحنا إللي مأجلين الفرح، فإحنا عارفين الحقيقه، وأنها كانت هربانه، وإللي تهرب دواها القتل يابابا الحج ولا إيه….
نظر لها رائد بتهكم من الأعلي للأسفل..قاذفا إياه بما جعلها تنكمش علي نفسها خوفا..
ـ وإنتي إيه اللي مخليكي متاكده أنها هربت، مش يمكن حد هددها، وخططلها وساعدها للهرب..عشان حاجه في دماغه مثلا.. …
ابتلعت ريقها ونظرت له بخوف..
ـ تقصد إيه يارائد، وضح كلامك..
اشاح وجهه عنها..
ـ مقصدش.. يامرات أبويا، وخلاصة الكلام..
ميسم مراتي وعمري ما هسمح لحد مين ماكان يكون، يقرب منها، هي عرضي وشرفي..وإللي هيتكلم فيه هقطعله لسانه..مفهوم..
وإللي حصل الليله، وعملتك دي هنساها من دماغي..وإللي عملته ميسم زمان..أنا مسامح فيه..أي حد مكانها كان هيعمل كده..ياستي عيله وغلطت..وانا قلبي مسامح..
ساميه بحقدد.
ـ ماشي يارائد
نظرت له بهيره بفخر قائله..
ـ ينصر دينك ياولدي..راجل من ظهر راجل صوح..
إقترب من الغرفه، وأمسك مقبض الباب ونظر لها..
قائلا بصوت موجوع من تداخل الذكريات علي عقله….
ـ وآاه..أنا منستش إنك مش أمي..إنتي مرات أبويا..بس كنت فاكر إنك إتخطيتي العقده دي من زمان..وإن أنا وراجي الله يرحمه كنا واحد زي ما بتقولي، وإنك عمرك مافرقتي بينا، ولا كان كلام كالعاده…بس تمام، أنا متفجأتش خالص، دا العادي يامرات أبويا….
همت بالحديث..إلا أن صوت الجد الجهوري قاطعه، وهو يأمرهم جميعا بالمغادره..
خرج الجميع ولم يتبقي إلا الجد..إقترب الجد من رائد..
وطبطب علي كتفه بفخر..
طول عمرك راجل يارائد ياولدي..ونظرتي ليك عمرها ماخيبت أبدا..دلوك أقدر أموت وأني مرتاح علي العيله..
ابتسم رائد للجد، وغمز له..
ـ الله إنت عاوز تموت وتفوتلي الهم دا كله..لا ياسيدي شكرا..أنا طاوعتك بس عشان كنت عارف عمايل راجي وعشان أخد ثواب حقن الدماء..وأطفي نار التار..
الجد بخبث..
تطفي نار التار برديك، ولا نار قلبك يارائد..
نظرت بصدمه..
ـ إيه الكلام دا ياجدي، شكلك فايق..
رمقه الجد بمكر..
باااااه.. يعني مش عشان الحلوه إللي قابلتها عالطريق ووقعت في عشقها …
إرتبك رائد..إيه اللي بتقوله دا ياجدي..اوعي كده الله لا يسيئك..أخشن لمراتي المرعوبه دي..
الجد بخبث.. لا حنين ياواد..خابر ياواد يارائد..
ـ إيه ياجدي..
ـ الواد رحيم كان عينه منيها وقالي أني ياجدي هحقن الدماء أني..
بس أني قولتله لاااه..الواد رائد أولي بيها اكبر احفادي….بس ياخساره..
ـ نعم.. خساره إيه..
ـ ياريتني جوزتهاله …
جز رائد علي اسنانه بحده وزمجر…
ـ جــــــــــــدي..
أبتسم الجد قائلا..
ـ أيوه اكده..ياواد دا أني جدك يا وله..عاوزني اصدق اني ظابط زيك اكده جعد، يقررني بالتلافون ده ساعه..ميعرفش أن هي البنته اللي جبلها عالطريق..وسمعته بيتغزل في عنيها للواد رحيم..
نظر له رائد بغيظ..
ـ دا إنت متابع بقي، ااه منك أنت ياجدي..
الجد بفخر..
ـ أني أعرف بعون الله، العجل في بطن أمه..
رائد بقهر..
ـ لااا إنت هتعملني تسلايتك الليله أنا عارف..
ماشي يا رحيم الزفت، أصبر عليا..
مفيش حاجه بتستخبي في بطنه أنا عارف، هو إللي حكالك….
لكذه الجد بعصاته..طب ياأخويا..أني نازل..جدامك تسع شهور بالتمام والكمال..تجيبلي حفيد..أني صبرت خمس سنين إبحالهم، ياكش تبيض وشي ياخايب الرجا إنت…
رائد لنفسه..تسع شهور..والله قلبك أبيض ياجدي..بس هي ترضي عني بعد تسع سنين بس…
لكذه الجد مره أخري بجانبه..
أمسك علي إثرها رائد بجانبه متوجعا..
ـ اااه، حرام عليك ياجدي، مش كده، أنا كده هخرج من الدنيا، قبل ما أدخلها..
ـ عم تبرطم تقول إيه ياواد إنت..ليكون بيك حاجه إجده، ولا إجده…
إتسعت عين رائد..
ـ ايه اللي بتقوله دا ياجدي، أنا صاغ سليم….
لوي الجد شاربه بإصبعه..وهو ينظر لحفيده بمكر…
ـ متوكد يعني، مفيش حاجه إجده ولا إجده..
رائد بغيظ..
ـ لا مفيش متقلقش..
ـ طمني عليك يا ولدي دا اني زي جدك.بردو..
رائد بقلة حيله..
ـ لا دا انت مفيش فايده فيك..يالا ياجدي أنا داخل أنام..
هم رائد بالدخول إلا ان يد الجد الحنونه..
عادت لتطبطب، علي كتفه..
ـ متزعلش ياواد يارائد..أني بهزر وياك..وكمان متزعلش نفسك من مرت بوك البومه دي، منه لله بوك الله يرحمه، موت بت عمه بحسرتها واتجوز المصراويه دي، من يوم مااتجوزها والخراب محاوطنا….
لمعت عين رائد بالحزن علي ذكري والدته..
ـ الله يرحمها ياجدي..
ـ الله يرحمها ياولدي، وينتقم من إللي ظلمها، وزي ماجولتلك خلي عينك وسط راسك، اني مهعيشلكش العمر كله.. متديش الأمان لحد واصل..فاهمني يارائد..
ـ فاهمك ياجدي، ربنا يخليك ليا ياجدي..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت مراد..
بغرفه كريمه..
اسقطت الهاتف من يدها فزعا وخوفا، وهي تحدثه، حينما دخلت والدتها عليها تجذبها من شعرها بقوه بعدما إستمعت لها وهي ماره بجانب غرفتها..
ـ بتكلمي مين يابت..هااا..برده مفيش فايده فيكي..بتكلمي مين ياقليلة الحيا..
كريمه ببكاء، وهي تحاول التخلص من قبضة والدتها..
ـ دا عمرو والله ياماما أبن عمي..
ـ ما هو المصيبه أنه عمرو..أنا مش قلتلك، لو آخر واحد في الدنيا مش هتجوزيه، وحذرتك متتكلميش معاه تاني..
إنضفي شويه..بقي أنا عاوزاكي تطلعي لفوق وتجوزي دكتور..تقومي تروحي للفقر برجليكي يا بنت الفقري..
هاا، هموتك إنهاردا….
صوت بكاءها يزداد، ومعه يزداد صياح الذي يستمع لصوت بكاءها بقلب يحترق عليها، ليس بيديه شئ..
ـ كريمه..ااه ياربي..
تعالت شهقاتها، وهي تتوسلها أن تتركها، وأنها ستموت في يدها..
مدت يدها، وكتمت فمها حتى، لا تستمع لها إبنه شقيقتها..
ـ إخرسي ياوسخه..طول عمرك فقر زي ابوكي، عاش فقير ومات فقير بسبب شعاراته..
وأنتي جايه تعملي زيه..دا أنا أدفنك هنا..
انهالت عليها بالضرب مره أخري..إلي أن خارت قواها..أزاحتها بقوه عنها، فسقطت أرضا، وإرتطمت رأسها بالمنضده..وإنجرحت رأسها..سالت دمائها…
نظرت والدتها لها بكره، وتركتها ورحلت..وأغلقت عليها الباب، وتركتها تنزف وحيده..
إنفجرت بالبكاء، وهي تكتم جرحها بيديها..تناجي ربها ان ينهي عذابها هذا..
ـ ياارب..
لمحت هاتفها الذي سقط منها أرضا، مازال مفتوحا علي مكالمته لها..
زحفت ببطء لتصل له..
رحماكي 3…دعني أراك..أسما السيد..
دخل سريعا لرئيس وحدته..يلهث بقوه..
ـ مالك ياعمرو بتنهج ليه كده..
ـ أمر طارئ يا أفندم بالله عليك، لازم أنزل دلوقت..مفرقش سواد الليل..
ـ بس دي الأوامر ياعمرو…
ـ عشان خاطري يافندم دي مسأله حياه او موت..
ـ طيب ياعمرو هعملك أذن..وتقدر تنزل..وهخلي حد ياخد مكانك..
ـ ربنا يخليك ياافندم..
خرج سريعا عاقدا العزم علي أخذها بعيدا. وإلي الأبد..
إستمع أخيرا لصوتها الباكي..
ـ كريمه..
ـ عمرو..
ـ اسمعيني ياكريمه..ساعه زمن وهكون ورا البيت..أخرجي هستناكي، هوديكي عند عمتك رحمه…..
عمرو أنا..
بغضب..إنتي إيه ياكريمه..انطقي…
ـ انا في بيت خالتي.. مش في بيتنا، وكنت خايفه اقولك..
إستمعت لصراخه، فأبعدت الهاتف عن أذنها ووضعت يدها علي فمها، تبكي بحرقه..
القي الهاتف من يده..علي فراش الوحده…
صارخا بصوته كله..
ـ لييه..ليه ياكريمه..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الهاتف..
إيه اللي بتقوله دا ياكيان..أنا قولتلك..أنا هاجي عالعيد، عندي شغل.. …
هم كيان أن يتحدث، إلا أن يد قويه، اختطفت الهاتف من يده..صارخا بها أن تأتيه في ظرف أسبوع، وإلا أتي بها بنفسه..
انكمشت سولاف علي نفسها، خوفا من بطش جدها وتهديده لها لأول مره منذ سنوات، يحدثها هكذا…
ابتلعت ريقها، ونظرت لإدوارد الذي ينظر لها بتمعن يراقب ردات فعلها..
أغلقت الهاتف، وجلست تمسح عرقها الذي تصبب من جبينها قلقا، وتوترا.
إدوارد بفضول..
ـ ما بك سولاف..لما انتي هكذا، ماذا حدث يافتاه؟
ـ هااا.
رفع حاجبه لها..
ـ ها، ماذا سولاف…؟
ـ بعجالة أخبرته،فإبتسم خبثا علي تفكير ذلك الجد ومكره..
يتمني لو ماتوصل له عقله صحيحا..
نظرت له بغيظ..وجزت علي أسنانها..
ـ علي ماذا تضحك أيها الابله؟
ـ لا شئ سولاف..ولكني أري أنه يجب أن تعودي سولاف، هذا رجل كبير بالعمر، ولم يراك منذ سنوات.. من الممكن أنه قد يكون إشتاق لك كثيرا ولم يعرف، كيف يعبر عما بداخله.. يجب أن تحققي رغبته، وإلا لن يرضي الله عنك أبداً..
ابتلعت ريقها ونظرت له..بتوجس..
ـ أنت محق…سأعود، لقد حان وقت العوده إذن..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس بجانب بعيد عن الإزدحام، بالمسجد النبوي شاردا بحاله…يدعو بإلحاح أن يرزقه الله قربها عاجلا غير آجلا..
مر الساعات هنا ولم يلحظ مضي الوقت..استقام ليعود للفندق..
وفي الطريق للفندق فتح الهاتف ليتفقد رسائله..فصدم برساله شقيقته ومحتواها وتهديد الجد له..
رفع يده وأحاط بها رأسه بقلة حيله يعلم دماغ جده القويه، وأنه ما إن يتخذ قرار لا يعود به أبداً، وإ وضع شيئا برأسه سينفذه..
أغمض عينيه..وشيئا بقلبه أجبره أن يعود..
نظر للخلف مودعا..وقرر الرحيل علي متن أول طائرة..غير واعيا لما يخطط له الجد بخبث..
ـــــــــــــــــــــــــــ
بشقة رائد..
دخل عليها وصدم بمنظرها هذا، صعد الفراش سريعا وأخذها بين ذراعيه..
ـ ميسم..أهدي حبيبتي..محدش هيقدر يلمسك..انا اهو اهدي.. مشيوا خلاث.
همست بلوعه..
ـ رائد..انا..
ـ انتي إيه ياقلب رائد..
ـ أنا خايفه اوي..
ـ ششس أهدي انا جنبك..متخفيش..
من تعبها وإرهاقها، غفت بأحضانه ولم تشعر بنفسها..
دقائق مرت، يحسبها تبكي بصمت.إلا أن شعر بأرتخاء جسدها علي صدره..
ـ ميسم..ميسم..
أبعدها وجدها غافيه بعمق..
إبتسم عليها، ومددها علي الفراش..استقام وخلع حذاءه وتبعه بقميصه وبقي عاري الصدر..اقترب منها وجذبها لتفترش صدره..
قبل رأسها بحنان.. وتوقف قليلا ينظر لشفتيها، إبتسم بخبث.. وقبلها قبل صغيره علي شفتيها كرفرفه فراشات..
إبتسم علي جنانه وحاوطها بتملك، وغفي هو الآخر، لأول مره مطمئنه..
بعد ساعتين..
استيقظت من غفوتهاا تلتفت يمينا ويسارا وتذكرت ماحدث، شهقت بصدمه، حينما وقعت عينها عليه بهيئته تلك..اكانت غافيه هنا..
نظرت له بغضب، بعدما تذكرت خداعه وكذبه عليها..
سحبت الوساده من تحت رأسه بقوه، وأنهالت عليه بالضرب بها بكل قوتها…
استقام مفزوعا..يحاول تفادي ضرباتها بيديه..
ـ إيه دا في إيه..ااه..انتي اتجننتي ياميسم..
ـ أنا اللي اتجننت ياخاين ياكداب..أنا إللي ضحكت عليك خمس سنين بحالهم ومعيشاك في وهم وكدب….
كان ينظر لها بصدمه، وهي تلقي عليه كل شئ تطاله يدها بهسيتريا..أهذه ميسم من كانت ترتجف بأحضانه منذ قليل..
.ماذا حدث لها..؟
وقفت علي الفراش تمسك فستانها بيد والأخري تشيح بها بوجهه…
إخرج من هنا، مش عاوزه أشوفك..
ـ إنتي اتجننتي ياميسم..اخرج فين دلوقت..انتي عارفه الساعه كام..ولا أنا إيه، أنا عريس ياماما..
ـ أمشي من وشي يارائد..يالا أخرج من هنا..ولا مش عارفه، ولا عاوزه أعرف، عريس الغفله والخيبه، ياكداب، ياغشاش..
رائد لنفسه..يانهار أسود ومنيل، يافضحتك يارائد وأنا إللي افتكرتك قطه وديعه….
لاحظت شروده، فصرخت عليه..
ـ انت لسه واقف..أخرج من الاوضه يارائد..مش عاوزة اشوفك قدامي..براااا…مش طيقاك..
رائد بصبر، يحاول مجاراتها….
ـ طب أهدي ياحبيبتي، بصي إحنا لازم نتكلم ونفهم بعض….
صرخت بصوتها كله، ومدت يدها أخذت فازه علي الكومود..
ـ مش عاوزه أتنيل أسمعك.. براااا
لمحها تصوب ناحيته بها، فخرج سريعا من الغرفة، وأغلق بابها..فإرتطمت الفازه بالباب بقوه، تهشمت تماما.
ضرب كفيه ببعض بصدمه..
ـ يابت المجانين..
انتفض من مكانه إثر خبطه أخري علي الباب، فدخل للغرفه المجاوره سريعا، وأغلق الباب…واضعا يده علي صدره قائلا بكوميديا…
ـ هربت منيها..
انهت تكسير الغرفه، بأكملها..وجلست أرضا واضعه رأسها بين كفيها..تبكي بقوه..
هدأ صوت التكسير بالغرفه، إقترل وفتح الباب بترو، ومد رأسه بحذر ليري ما يحدث..صدم ونزلت الحسره ببطنه من منظر الغرفه، وأشياءه الثمينه..
ـ آااه ياقلبي..
وقعت عينه عليها…
تسلل بهدوء وجلس أرضا بجانبها..
رفعت وجهها بعدما شعرت به..
إبتسم لها بحنو…
ـ هديتي كدا، لما دمرتي الأوضه..عنيفه إنتي ياميسم
رمقته بإمتعاض، وأشاحت بوجهها للجهه الأخري…
رائد ببلاهه وهو يحك رأسه بإصبعه، وينظر للغرفه بحسره.. ..
ـ أنا شايف إنك هديتي والحمدلله..
لف ذراعه حول خصرها وقربها من صدره..
ـ نتكلم جد بقي..
رفعت وجهها من علي صدره، ونظرت له بغيظ..
ـ بكرهك يارائد بكرهك..
اتسعت عينيه..بصدمه..بينما أعادت هي رأسها علي صدره بإسترخاء، وكأنها لم تقل شيئا..
بينما همس هو بصدمه..ضاغطا علي حروفه..
ـ بتكرهينــــــــــــي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أسبوع..
بالبيت الكبير..
أتي منذ اسبوع من العمره، وأنهي أعماله، وجاء لهنا بالأمس، ولم يجرؤ الدخول لغرفته، بقي بالأسفل بجانب جده،يحكي له، والجد يسمعه بلهف وشغف، إلا أن نال التعب منه، واصبح جسده يريد الراحه بشده.. …
فطلب منه الجد أن يصعد لغرفته..لم يجد بدا من أن يصعد..
يدور بالغرفه بعقل مشتت،( الذكريات تؤلم القلب، وتحدث غصه بالحلق، الذكريات مهما إفتعلنا النسيان، بالقلب تدق كالناقوس، تخبرك أنك مهما بعدت، نسيت او تناسيت، ستشتاق وتحن، ستتألم، ومن الممكن أن تجن)..
كل ركن بالغرفه يذكره بها….مازالت الغرفه كما تركها منذ سنوات..أغمض عينيه، يحاول جاهدا أن يمنع غصه حلقه، وبكاء عينيه، من أن تخونه و تفضحه، جلس علي طرف الفراش واضعا وجهه بين كفيه..يحارب ذكرياته اللعينه..
هنا ضحكا، وهنا خاصمها يوما وجاءت ركضا لتصالحه..
هنا كم هجم الجد عليهم، يوبخهم علي افعالهم الصبيانيه، وهروبهم معا من خلف فهد وكيان..
هنا المرار بجميع أنواعه..أخذ نفسا عميقا ورفع وجهه ينظر لمحتوياتها بوجع….
فوقعت عينه علي ذلك الصندوق الذي تركه خلفه منذ سنوات يحوي ذكرياتهم معا..
إشتعل الحنين بقلبه، فإقترب وجثي أرضا تحت مكتبه واحتضن الصندوق بين ذراعيه وكأنه كنزه الثمين..
شجع نفسه وفتحه..ووقعت عينه اول شئ علي حبل الاارجوحه الذي كان يصحبه معه كلما ذهبا معا للبحيره..
إبتسم ووضعه بجانبه…ومد يده جلب البوم صورهم الذي جمعهم يوما..
صوره بجواره وهو يطعمها بيده، وصوره لها وحدها، وصوره وهي غاضبه منه، وأخري تأكل بها طبق الأرز باللبن خاصته الذي يعشقه، وأخري وهي علي أرجوحتها المفضلة …
وضع الألبوم بمكانه، ولم يستطع أن يكمل، اغلقه سريعا..واستقام قاذفا بجسده علي الفراش.. خانته عيونه وطفرت دموعها..
شهق محاولا إلتقاط أنفاسه..مناجيا ربه أن يلهمه الصبر علي ماصابه
ـ ااااه..ياارب..
بالأسفل..
ناديه بلهفه..
ـ يالا يابنات شهلو..
إنهارده محمد هيفطر معايا بعد سنين…. أنا مش مصدقه نفسي..
يالا بسرعه.. عشان نجهز الفطار..
فريده بضحك..
مستعجله علي إيه ياماما.. لسه قدامنا كتير..
ما إنتي عارفه جدي..
لازم صلاه المغرب الاول..وبعدين نفطر…
ناديه بتنهيده..
ـ برده يالا…نجهز الحاجه، قلبي من الفرحه هيخرج من مكانه….
سلمي بلهفه..ااه يالا..عشان نلحق نعمل لمحمد كل الاكلات اللي بيحبها..
ـــــــــــــــــ
بعد ساعات
علي الافطار..
التف الجميع حول مائده الافطار التي يصنعوها بالحديقه كل عام، عدا كيان الغائب بحجة عمل ما بالقاهرة…
فهد للجد…
ـ مش يالا بقي ياجدي..
الجد بشرود وهو يتكأ بذقنه علي عكازه .. لاااه.. إستني شويه.. لسه مأنش الأوان..
نظر الجميع لبعضهم البعض بحيره..
ما عدا محمد الشارد بعالم آخر، عالم ليس به غيرها..
صوت قفل البوابه الذي يفتح، هو من أعاده لارض الواقع.
فسأل فهد…
ـ إنتو مستنين حد؟
فهد بحيره..
ـ لا مفيش، يمكن كيان، خلينا نشوف مين..
هز رأسه بآليه..وصمت..
دخلت السياره السوداء، تشق أرض الحديقه..
صوت جده المهلل الباكي، بإسمها جعله ينتفض من مكانه..
يردد اسمها بصدمه..
ـ سولاف.
فتح الباب وطل منه طفلاها..اللذان أخذا قلبه منذ رآهم أول مره..
مد يده ليضعها علي قلبه الذي ينبض بقوه داخل صدره..
وهو يراها هنا أمامه مره أخري….
تمشي بخيلاء أمرأه.. شامخه..
شاب شعره وهو ينتظرها.. وأصبحت أما من غيره..
ضحي بها من أجل سعادتها.. وأوجع قلبه..
امرأه كلما إزدادت عاما.. إزدادت بهاء وجمالا..
امرأه أقسم أن يسعدها، حتي لو علي نفسه وحياته..
بكاء وعناق حار من الجد لها، ولطفليها …
وكأنه وجد كنزه السمين..لقاءها بالجميع كان باردا، فقط شقيقها، وجدها من تفاعلت معهم..
سلمت علي الجميع فردا، فردا، إلا أن حان دوره هو..
وقفت أمامه بثبات، ناظره بعينيه بقوه، او هكذا خيل له..ومدت يدها ببرود، تضغط علي حروفها وكأنها توصل له رسالة بهما.. ..
ـ إزيك يامستر محمد.. كل سنه وانت طيب..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتقتينا بعدما عز اللقاء..
بعد أعوام من تعب القلب والفراق..
كان لقاءا ظاهره باردا..
وباطنه نار وإشتياق..
لقاءا عاصفا، أشعل بالقلب الذكريات.
مشت أمامي بخيلاء..مدت يدها ببرود وكبرياء
نعتتني بلقب، أدمي العين، وحطم الفؤاد..
وقفت حائرا، ومددت يدي، وأنا أرتجف كطفل أذنب، وينتظر العقاب..
ماذا تريدي ياحبيبة العمر بعد؟
ألم يؤلمك قلبك، لما تفعليه بي وتخونك الذكريات
تريدي ندمي، إسعدي، أنا غارق به منذ سنوات..
أخبريني، هل اجد لقلبي الرحمه يوما، وهل أستحق كل هذا الفراق..؟
رحماكي ياحبيبة العمر، بقلب إكتوي باللوعة، والفراق..
الفصل التالي اضغط هنا
يتبع.. (رواية رحماك الجزء الثالث) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.