رواية رحماك الجزء الثالث الفصل السادس 6 – بقلم أسما السيد

رواية رحماك الجزء الثالث – الفصل السادس

ــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم..
أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلاهو الحي القيوم وأتوب إليه من جميع ما يكرهه قولآ وفعلآ سرآ وعلانية حاضرآ أو غائبا. اللهم اني أستغفرك لما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(البيت الكبير)
بلا مقدمات سأله رضوان وعينيه تحكي لمعاذ الف معني ومعني عن الإنكسار، والتعب..
ـ عاوز إيه من خديجة يا معاذ..؟
بلا تفكير أجابه معاذ، وعلي شفتيه إبتسامة زينب محياه الأسمر..
ـ بحبها
إنفرجت شفتي الرجل العجوز بدهشه، وعينيه إتسعت علي آخرها، من جرأته، لم يكن يتوقع هذه الجرأه منه أبداً، ولكن جرأته وصراحته دوما ما كان يميزه، وهذا ما أحبه رضوان به صغيرا..، فتح رضوان فمه ليسأله…..ولكن معاذ باغته بتصريح آخر طيب خاطر الرجل العجوز المكلوم….
ـ وعاوز أتجوزها، علي سنة الله ورسوله، عارف إن دا مش وقته، ولا مكانه، بس أنا عارف إنك عاوز تسأل السؤال ده، ومش عاوزك تزعل من خديجة،وتفكر إن كان بيني وبينها حاجه، ومخبيه عليك،فإطمن بنتك كرفاني ياعم رضوان، ومبهدلاني وقله بقيمتي كمان، ولو كان في حاجه زمان كانت بينا، فدا كان طيش شباب، ويعلم ربنا إتعاقبت بسببه إزاي، كفايه سنين من عمري إللي ضاعت في الغربه، لوحدي لا ونيس ولا جليس.. ..
تغيرت معالم وجه رضوان من الهم والحزن، فجأه إلي الصدمه، وما لبث إنفرجت شفتيه، بإبتسامة واسعه علي تعابير وجه معاذ، وهو يتحدث بكل هذا الحب عن إبنته
وماذا سيتمني أكثر لابنته، لطالما شك بأمرهم، معاذ دوما كان مدلله الصغير هو وزوجته، لطالما كان يعشق الجلوس بينهم،يتسلل من والدته ويأتي ليأكل من يديه، ويد زوجته، يعلم الله كم كان يحبه ومازال، وطوال سنوات غيابه دوما كان يتعسس علي اخبارهم..
نظر له معاذ بغلب..وجز علي أسنانه وهو ينظر للرجل العجوز الباسم..
ـ بتضحك ياعم رضوان فرحان، باللي بنتك بتعمله فيا..
مد رضوان ذراعه وحاوط به عنق معاذ، وحثه علي السير بجانبه..
ـ إحكيلي يامعاذ الحكاية من البدايه، أنا سامعك يابنـي ومش عاوزك تكدب في حرف، إوعي تفكر إني بقيت راجل عجوز ومش هعرف اكشفك..
حك معاذ رأسه بطرف إصبعه قائلا..
ـ وهتساعدني يا عم رضوان..!
تناسي رضوان مكانه وزوجته ونظر له بخبث..
ـ إحكيلي ومتخبيش عليا الاول..
جلس معاذ علي أريكه بقلب المشفي وجلس رضوان بجانبه..
قص عليه كل شئ منذ البداية، لم يترك شيئا بجعبته ولم يقصه عليه…
وكعادة رضوان دوما مستمعا، متفهما، حنونا…
ـ ها ياعم رضوان..إيه رأيك؟
رضوان بإبتسامه..أنا عن نفسي مش ممانع يامعاذ، بالعكس مش هلاقي لبنتي احسن منك يصونها ويسعدها، المهم يامعاذ رأيها هي….
ـ طيب مش هتحنن قلبها عليا؟
طبطب رضوان علي كتف معاذ بحنو..
ـ سيبها لله يامعاذ، أطمن علي زينب الأول..وبعدين نشوف موضوعكم ده..وزي ما قولتلك،رأيها هي الأهم.
معاذ بإستنكار..بنتك..يبقي عمرها ما هتوافق عليا..
إبتسم رضوان عليه…قائلاً بحنان..
ـ متقلقش يامعاذ و سيب بنتي عليا..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
بالبلد..
فتحت عينيها ببطء فطالعها وجهه المخطوف ، ينظر لها بحزن وقلق..
إلتقت نظراتهم معا قليلا..مازالت غير واعيه، لشئ حولها
دقائق وفتحت عينها علي وسعها بعدما تذكرت ماحدث..
كانت تتأمل الوشوش من خلفه بعدما إتضحت لها الرؤيه اخيرا..
فوقعت عينها علي وجه بعينه، كان سبب مأساتها كلها، وما تعيشه الآن، لمحتها تضع يدها بجيب عباءتها السوداء التي تعرفها عن ظهر قلب،وكأن السنوات لم تغير منها شئ، لا وجهها الشيطاني ولا هيئتها، ولا ملابسها، مدت يدها تخرج شيئا ما دن جيبها، لم تستطع أن تصمد أكثر، لم تدري إلا وهي تترنح يمينا ويسارا، ولم تشعر بشئ بعدها ، إلا بيدين تحاوطها تجذبها لصدره، وصوت تعرفه عن ظهر قلب يصرخ بإسمها..
فاقت من شروها علي يديه التي تتحسس وجهها بحنان..
ـ ميسم حبيبتي إنتي كويسه،دلوقت مش كده…
رمقته بنظره حاده، لوكانت النظرات تقتل لأردته قتيلا، وأزاحت يده عن وجهها بعنف…وأدارت وجهها للجهه الأخري..
إنصدمت من فعلتها،و إنتفض من مكانه حرجا من والدتها التي تحاوطها بحنان،يمسح علي وجهه بعصبيه..
همست لها والدتها بأذنها بعتب..
ـ ليه كده يابتي، الراجل كان هيجنن عليكي..
نظرت لوالدتها بخيبة أمل، ماذا تخبرها الآن..؟
وهل كانت تعلم والدتها أيضا؟، يجب أن تفهم ما يحدث..لكن من تسأل، ومن سيجيب.. وهي من عاشت خمس سنوات يخدعها الجميع..وهي تظن نفسها الجانيه الوحيده، علي نفسها..
جاءها صوت والدتها الحنون وهي تمسح علي وجهها بحنان..
ـ هوني علي نفسك يا قلب أمك، وإعرفي إن لولا رائد، كان زمانك في خبر كان من زمان..
إرتمت بحضن والدتها تبكي وجعا بالقلب، لم تعد قادرة وحدها علي حمله..
إستمع الواقف بآخر الغرفه، ينظر للجمع الغفير من أهل البلده الذين ينتظرون خروجه بعروسه، لصوت بكاءها، فعاد بنظره للخلف ووقعت عينه المهمومه، بعينها الباكيه..
إقترب خطوتين إلي أصبح مقابلها..
ـ حضري نفسك قدامك نص ساعه عشان ننزل، هستناكي برا، اول ماتخلصي نادولي…
كانت تنظر له بأعين متسعه علي آخرها، أهذا هو من عشقه القلب والروح..
دخلت ڤيرا تنظر لها وعلي وجهها بسمه حزينه..
جلست بجانبها..فأشاحت ميسم وجهها عنها بخيبة أمل فيها..
أخذت فيرا نفسا عميقا..ووجهت حديثها لوالدتها..
ـ ممكن تسيبني معاها ياخالتي، أنا هجهزها..
ابتسمت سوميه إبتسامة باهته، وإستقامت بعدما قبلت رأس إبنتها..وخرجت.
دقائق مرت بصمت إلا ان قطعت ڤيرا هذا الصمت..
ـ ميسم انا…
قاطعتها ميسم سريعا، وهي تنظر لها بمراره، ووجع..
ـ إسكتي ياڤيرا، إسكتي وشوفي هتعملي إيه، مش عاوزه اسمع أي تبرير من حد..كفايه بقي..كفاايه..مش هقدر أسمع، والله ماقادره.
إحترمت ڤيرا رغبتها، وبدأت بتجهيزها بصمت..
زهدت الجميع، بما فيهم هو..لم يعد للحديث معني، ليرموها بالنار إذن، لم يعد يهم..
بعد نصف ساعه..
ـ كان يقف أمامها ينظر لوجهها بنظره عاشقه،
مهما حاول إخفاء عشقه لها، يفشل..
وجهها إختفت منه معالم الزينة، وأصبح باهتا شاحبا، لم يتبقي غير زينه عينيها بهذا الكحل العربي، الذي أوقعه بعشقها من أول مره إلتقاها بها قبل سنوات..
ـ مد يده بإتجاه والدتها، فناولته الحقيبه الذي أعطاها لها حينما أتي..
فتح الحقيبه، وأخرج منها قطعه مزخرفه، بلون فستانها، لم تتعرف عليه اولا، ثواني وإتسعت عينيها بعدما علمت ماهيته..
كان نقابا أبيضا مزخرفا بطريقة تبهر العين لو لم تكن هي، وبوضعها هذا، لقفزت صاحبته من شده جماله ومن فرحتها بها..
أغمضت عينيها بحزن وهو يمد يده يلبسها إياه، إقتربت والدتها لتساعده..
ولكنها توقفت مكانها بعدما اوقفها بإحدي يديه..
ألبسه إياه، بمهاره، وجذب طرحه فستانها وغطاها بها..
مد يده وأمسك بكف يدها، إرتعشت يدها ودموعها تسيل من تحت نقابها…
ها هي عادت كما كانت منذ سنوات، مقيده بنقاب يخفي وجهها عن أعين الجميع، عادت سنوات للوراء، بذكري إرتداءها النقاب، وكيف أجبرها والدها علي إرتداءه، خوفا عليها من كثرة المشاكل التي تأتي بسببها..
كان أبناء عمها يشتبكون يوميا بسببها..
تذكرت كم بكت، وهي تتوسل والدها أن يتركها حره، فالنقاب يخنق روحها لا وجهها فقط…ولا تستطيع التنفس منه…
تذكرت حنو والدها، وكيف اخذها بأحضانه واخذ يشرح لها، كم أن صاحبته ومن ترتديه، تصبح ملكه علي الارض، حتي ان والدتها إرتدته معها حتي تشجعها، كان والدها دوما يخبرهم أنهم ملكاته المتوجات..وكم كان يرضي هذا غرورها الانثوي..
شعرت بيده تمسك بيدها بقوه، حتي أن يدها توقفت عن رعشتها، ولكن القلب مازال يرتعش بقوه..
وجدت نفسها أمام العائله، بأكملها، وبالأخص أمام والدها
أحني رائد رأسه، وقبل يد والدها..
سامي بحزن… ميسم أمانتك يارائد هسألك عنها يوم الدين..
رائد بهمس..في عيوني وقلبي ياعمي..متقلقش
ـ تسلم ياولدي..
كان وداعها بوالديها حارا، وكأنها تساق للموت بقدميها
رفضت النظر خلفها..
طوال طريق ذهابها، لمنزل عائله رائد، كانت يديه تحتوي يديها، يضغط عليها بقوه، يمدها الطمأنينه، لم يحاول الحديث معها، وهل هناك اي كلمات تشفع له عندها الآن….
يعلم أنه لم يعد للحديث أهميه.. إذن فالصمت ابلغ من اي حديث..
ـ كانت بعالم آخر، تلتزم الصمت وتشيح بنظرها للخارج، فقط صوت شهقات خفيفه تخرج منها كل بعض الوقت، تمزق قلب ذلك الجالس بجوارها شاردا بما سيحدث ، وبشرط جده أن يمكثا هنا ببيت العائله، حتي والدته التي لم تطأ قدميها البلد هنا منذ حدث تلك الليلة بعرسه، أخذت قرارها هي الأخري بالبقاء هنا..
والدته،،، وآااه منها..
توقفت السياره أمام البيت الكبير الذي يقع بأطراف البلده، لم تنتبه الا علي صوته الحنون..
وهو يميل يقبل رأسها..
ـ يالا ياحبيبتي وصلنا..
أنتفض جسدها من قبلته، وأبعدته بحده عنها..
أغمض عينيه وخرج سريعا، وإستدار من الجهه الأخري يفتح باب السياره لها…
هبطتت من السياره بمفردها إمتنع هو عن مساعدتها..وسارت بجانبه داخل حديقه المنزل الكبيره، تتلفت يمينا ويسارا بخوف، تستكشف المكان بعينها، لطالما سمعت عن عائلة الديب، وعن ثرائها الفاحش، وقسوه قلوبهم..اي غبيه هي، طوال سنوات، لم تسأله فيها عن إسم عائلته..
رفعت فستانها بيدها لتصعد الدرج ففتح باب البيت الكبير علي بغته منهم..
وطلت منه النسوه، يطلقون الزراغيط، انتفضت من مكانها رعبا، وبتلقائيه مدت يدها تتمسك بكف يده بقوه…
صدم من فعلتها وإستدار سريعا ينظر لها، إنفرجت شفتيه ببسمه عاشقه لها.. وجذبها من يدها لتلتصق به..
أمسك كف يدها بيده الأخري، وحاوط كتفها بذراعه، إلي أن أصبحت تحت ذراعه، همس بأذنها.
ـ متخافيش ياقلب رائد أنا هنا جنبك..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت مراد..
إقتربت إبنه خالتها كريمه منها وهي تجلس تنظر لهاتفها بإهتمام..غير واعيه لها..
وقفت خلفها قليلا، حينما لاحظت إهتمامها الشديد لما بين يديها..
إتسعت عينيها بصدمه..وهي تقرأ ما تكتبه لصديقتها.
وضعت يدها علي فمها، وعادت للخلف كما أتت بسرعه..
كانت تراسل صديقتها، التي شهدت معها بقسم الشرطه زورا..
جرت إلي غرفة والدتها، ودخلت بلا إستئذان..
إلحقي ياماما..إلحقي..
والدتها بفزع..
ـ في إيه يابت إنطقي..
جلست كريمه بجانب والدتها..
ـ لمار ياماما، طلعت بتكدب عليكي وخلتك تقدمي بلاغ في البنت زور، تليفونها منسرقش أصلا..
سعاد بإنتباه..إزاي يابت، ايه اللي بتقوليه ده..؟
ـ والله ياماما دا اللي حصل..أنا هحكيلك..
سعاد بصدمه..نهار اسود..انتي متأكده يابت ياكريمه..
آه والله ياماما متأكده..
لمار بتغير منها عشان الولد اللي بتحبه، بيحب البنت دي..ومش مهتم بيها، فقررت تنتقم منها..إنتي لازم تروحي تسحبي الشكوي دي ياماما، إحنا ملناش دعوه..
سعاد بلا مبالاه..كبري مخك ياكريمه، بنت خالتك مش هترضي، واحتمال تطردنا من هنا، وإحنا ماصدقنا، خلينا بعيد يابنتي..
كريمه بحده..بس أنا مكنتش عاوزه أقعد هنا، إنتي اللي غصبتيني، إنتي كده هتتحاسبي، وهتشيلي ذنب البنت البريئه ديه..
سعاد بحده، جذبتها من شعرها، وبدأت تكيل لها الضربات…
ـ عارفه لو مقفلتيش بوقك ده..هعمل فيكي ايه، مش كفايه
خيبتك التقيله، مش عارفه توقعي مراد وتكوشي عالليله دي كلها..طول عمرك وش فقر زي اللي خلفك..يختي بصي للمار اللي أصغر منك بأربع سنين وعامله زي الكلب علي اللي بتحبه، إتعلمي منها حاجه كتك الغم..
شاطره مساكي في حتت المقشف إبن عمك، إللي بيقضي بقيه عشاه نوم هو وأمه الحربايه..
أزاحتها بحده من جانبها فانزلقت من علي الفراش للأرض..
علت شهقاتها وأخذت تبكي بقوه…كالعاده
ماذا كانت تنتظر من والدتها غير ذلك..والدتها ولمار وجهان لعمله واحده..كل شئ يحسب عندهم بالأموال..أما هي بالفعل ورثت طيبه والدها وقلبه الرحيم، لا مكان لها بينهم..
استندت علي يدها، واستقامت تخرج من الغرفه بأكملها..
ووالدتها تسبها بأبشع السباب..
سارت بجانب الغرفة، التي مازالت لمار بها..فسمعت صوتها تضحك بقوه مع صديقتها..
ـ وحتي لو خرجت منها، وحياتك ماهسيبها، دا انا لمار والأجر علي الله، عشان متبصش للي أعلي منها..
وضعت كريمه يدها علي أذنها بقوه وذهبت لغرفتها تلعن والدتها وإبنه خالتها، وكل غني حسب أنه إشتري الفقير بأمواله..
وضعت رأسها بين قدميها وإنفجرت في البكاء..
إستمعت لصوت هاتفها، فاجابته بلهفه..
ـ عمرو.
صمت عمرو قليلا يستمع لشهقاتها، بقلب مفطور..
فهمست عمرو..
ـ قلب عمرو، انتي كنتي بتبكي ياتوتا..
جففت وجهها بيدها بطفوله وهي تستمع لإسم دلعها الذي اطلقها عليها والدها، وتعشق أن ينادوها به….
ـ لا أنا بس إنت وحشتني مش بعيط ، هتنزل امتا؟
ـ مبتعرفيش تكدبي ياقلب عمرو، ضربتك مش كده.
إنفجرت مرة أخري بالبكاء..ومن غيره يشعر بها وبما تعانيه، إبن عمها الذي تعشقه منذ كانت طفله صغيره، كبر عشقهم معا، يكبرها بخمس سنوات، يخدم بالجيش(متطوع)، تقدم لخطبتها مرارا ولكن في كل مرة تخترع والدتها سببا جديداً للرفض..
مره لعمله، ومره أخري لسكنه في بيت العائله، بأحد القري..
زفر بحده، وهو يدور حول نفسه في فناء الوحده، الذي يخدم بها..
لو يستطع خطفها من جحيم والدتها لجنته..لفعل بلا تردد
إستمع لهمسها..
ـ عمرو.
لم يرد عليها، يشعر بقلة حيلته معها..
فعادت للبكاء..
ـ عيون عمرو، متبكيش ياكوكي، طب أقولك علي خبر حلو..
إبتسمت من بين دموعها..
ـ قول..
ـ هنزل بكره، وعاوز أشوفك قبل ما أروح البلد..
ـ بجد ياعمرو.
ـ بجد ياقلب عمرو، إضحكي بقي وإحكيلي، عامله إيه في الجامعه…
كالأطفال مسحت دموعها وبدأت تقص عليه يومها وماحدث..
(كريمه،،بالعام الأخير بكليه الآثار، جامعه القاهره، صديقه خديجة، ولكنها لا تعرف أن خلود شقيقتها هي ضحية إبنه خالتها)
ــــــــــــــــــــــــــــ

 

خرجت والدتها من غرفه العنايه المركزه، بعدما إنتبهت أخيرا، وتحسنت حالتها نوعا ما..رفض والدها أي مساعدة ماديه من معاذ، حتي أنه رفض رفضا قاطعا، نقلها لأي مشفي خاص علي حساب معاذ، بعدما هاتفتهم معاذ بالفعل وإستعدت عربه الاسعاف لنقلها، رفض الرجل بعزة نفس..
وها هي الان…
تجلس بجانب والدتها علي طرف الفراش، بينما والدتها مازالت في عالم آخر، ووالدها وشقيقتها بجانب بعضهم ومعاذ يقف خلف والدها…يغمز لها كل دقيقه ويشير لها علي الخارج…أنه ينتظرها..فترمقه بحده..
بعدقليل…
فاقت والدتها واقترب معاذ وسلم عليها. وإستدار ليرحل.
وقف علي الباب، وأشار لها أنه سينتظره في الخارج..
مرت نصف ساعه وهو يقف مستندا علي سيارته بالخارج ينتظرها..ولم تأت..
جز علي أسنانه، متمتا بغيظ..
ـ ماشي ياخديجه، ماشي..
كاد يرحل..الا أن صوتا رقيقا، متوترا.. أوقفه..
ـ معاذ..
أستدار بلهفه ينظر لها..
ـ خديجة، أخيرا..
منذ سنوات ولم تقف امامه بكل هذا القرب، تشعر وأن جسدها سيخونها،ويفر هاربا من أمامه…وجهها أصبح كحبه طماطم ناضجه..
ـ أنا كنت عاوزه أقولك شكرا، علي اللي عملته..أنا..
قاطعها، سريعا ممسكا بذراعها يقربها منه
لو عاوزه تشكريني بجد، يبقي وافقي علي جوازي منك..
رفعت رأسها سريعا،متسعة العينين..
ـ أيه..؟
ـ أنا طلبت إيدك من عم رضوان ياخديجه، وهو موافق، فاضل موافقتك انتي، كل حاجه واقفه علي ردك إنتي..دلوقت..
ـ ومامتك؟
ترك يدها بهدوء..وألتقت نظراتهم قليلا بصمت..يصارع نفسه هل يخبرها بحالة والدته ويريح قلبها..أم يتركها لتختار، علها تختاره هو، وترمي ذكري سنوات، تعلم جيدا انه ليس له دخل بها..وأنه ظلم مثله مثلها..
الا أنه قطع الصمت..قائلا..
ـ موافقتك إنتي الأهم ياخديجه..فكري براحتك معاكي كل وقتك، هستناكي لآخر نفس فيا….وصدقيني أي قرار هتآخديه، أنا هحترمه، حتي لو هيكون تمنه وجع قلبي العمر كله..
وتركها ورحل..تركها تصارع فكرها، هل ترضي به،أم تبتعد وإلي الأبد..
ــــــــــــــــــــــــــ
البلده…
البيت الكبير..
ببيت الحاج راشد..
يجلس أرضا علي مائده العشاء، وحوله ابنته وأحفاده جميعهم، فردا فردا..إلا هما، من سيموت قهرا عليهم، وعلي ما صابهم، وكان هو جزءا مما هم فيه (سولاف، ومحمد)..
رفع الجد رأسه باتجاه حفيده الأكبر..قائلا..
ـ كيان ياولدي، خبرت خيتك بإللي جولته ليك..
غص حلق كيان بالطعام ، فناولته فريدة، كوبا من المياه سريعا..تناوله بأكمله، ونظر لأخيه فهد الذي ينظر له هو الأخر بتوتر..
لقد هاتفته شقيقته منذ ساعه، رافضه رفضا قاطعا أن تعود..
وهو كالعاده إمتثل لها، ووعدها بإختراع حجه أخري، للجد ككل عام…ضعيف هو في عشق شقيقته الصغري، ويقدم راحتها دوما علي راحة الجميع..
عاد الجد سؤاله مره أخري عليه، بشئ من الحده بعدما صمت كيان ولم يجب عليه..
ـ ياجدي سولاف مش هتعرف تنزل، عشان شغلها، و..
صوتا قويا حادا، جعله يبتلع ريقه خوفا من بطش الجد، وإنفعاله الذي دوما ينتهي به طريح الفراش..
ـ أني جولت خيتك ترجع، ومهسمعش، أي مبررات تاني، ياولد سويلم، ولا كامني كبرت في السن، ومبجتش أقدر أتحرك كيف الأول، مبجتوش تسمعو كلامي..وبتكسرو كلمتي…
قاطعه فهد سريعا..
ماعاش ولاكان اللي يكسر كلمتك ياجدي..إحنا عايشين بحسك..
مد الجد يده وحمل عصاته، (عكازه) من الأرض، ولكذه بصدر فهد بحده..رجع علي إثرها فهد للخلف..ممسكا بصدره..
ـ متاكولش، بعجلي حلاوه ياواد إنت..هي كلمه واحده…
لو خيتك. مكنتش إهنه في ظرف سبوع واحد، هبعت اللي يجرها جر لإهنه، فاهم ولا لا..
الكلام ليك ولاخوك..أني، عمري ماعادش فيه بجيه، عشان تتفرجو علي حياه عيني إجده..فاهمين..
فاهم ياكيان..خيتك ترجع وأنت عارف جدك لما بيحط راسه في حاجه بيعملها..وأظن مجربني قبل سابق..
ابتلع كيان ريقه وهز رأسه بسرعه..حاضر ياجدي، حاضر..
الجد بحده..مش حاضر وبس..
لا حاضر وتنفذ، جدامك سبوعين تكون خيتك إهنه، بتفطر معاي هي وولادها..
ـ حاضر.ياجدي حاضر
وإنتي يافريده..
فريده بفزع..من صوت الجد الجهوري….
ـ نعم ياجدي..
ـ خوكي، عرفيه إني مش هجبل(هقبل)، أعذار ليه تاني، مجيته من برا برا، إجده معدتش تنفعني..خبريه، لو مرجعش في ظرف سبوعين، وعمل حسابه يجضي الشهر الفضيل معانا كلياته، مايرجعش إهنه، تاني واصل، ويوم دفنتي مايمشيش ورا نعشي..
ناديه بصدمه..ليه إجده يابوي بعد الشر عنك..
قاطعها الجد بحده..إخرسي ياناديه، إخرسي وقفلي خاشمك ده..قسما عظما، والكلام ليكو كلكم، لو اللي هاقوله متنفذش لهطردكم كلكم من إهنه، وأعيش اللي باجي لحالي وأوصي الغرب متمشوش في دفنتي..
أستند الجد علي يده ليستقيم..فاستقام كيان سريعا يمسك بيده..
فازاحه الجد بعصاته بحده..
ـ بعد يدي يا خايب الرجا إنت، جبر يلمكم كلياتكم..
إقترب سليم (طفل فريده، الجزء الاول) منه سريعا، بعدما أزاح والده..
ـ أني هسندك اني ياجدي..تعال..أني لايمكن أسيبك واصل
إبتسم الجد سريعا، وكأنه عاد طفلا بعمر سليم، ومد يده لسليم..قائلا..
ـ ايوا خد بيدي، إنت ياقلب جدك..
نظر الجميع لبعضهم البعض بتوجس، مما يدور في عقل الجد، ويسعي له منذ سنوات..
صعد كيان سريعاً للأعلي، بوجه لا يفسر..
نظرت فريده لأثره بحزن..تعلم عشقه وضعفه من ناحية أخته سولاف، ومن غيرها يعلم، وهي مثله تماما، نقطه ضعفها شقيقها الصغير..
دقائق وصعدت خلفه..وجدته يجلس علي طرف الفراش منكس الرأس يضع رأسه بين كفيه، وعلي كتفيه هموم الدنيا أجمع..
خلعت طرحتها وتبعتها بعباءتها وإقتربت منه..
وضعت يدها علي رأسه الذي غزاها الشيب..
وهمست…
كيان…
رفع رأسه لها..وإستدار وحملها من خصرها لأخر الفراش وإستلقي علي قدميها، مد يده ووضعها بشعره..
فلتت ضحكه من بين شفتيها، ففتح عينه ورمقها بغيظ..
ـ ألتمي يافريده، وإقصري الشر..
ضحكت بصوتها كله عليه..
فإنتفض جالسا علي الفراش، ومد يده وجذب رأسها هامسا أمام شفتيها..
ـ شكلك مش هجيبها البر يافريده الليله..ولازم تتأدبي..
ـ الله وأنا مالي..
كتم إعتراضها بشفتيه..التي وضعها علي خاصتها، واضعا بها خوفه وضعفه، ووجع قلبه علي شقيقته الوحيده، التي خرجت له من العدم، وظلمتها الحياه ظلما بائنا..
وكالعاده..إستقبلت كافه مشاعره بصدر رحب..تأخذ من خوفه وتعطيه من أمانها الذي لا تجده إلا بقربه..
تمتم من بين مشاعره المحمومه لها..
بعشقك يافريده..بعشقك..
وهل تملك إلا عشقه..وأن تبادله جنونه بجنون أكبر منه..
، وأنا بعشقك باقلب فريده..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت عائله دياب الكبير..
كان لقاءهم بها باردا، جافا من الجميع الا من الجد الكبير الذي إستقبلها بحنان أثلج علي قلبها..
إنتهي الفرح ولم يتبقي إلا العائله…تشعر وكأنها مغيبه، لا تعي ما يحدث حولها ولا انها الآن بشقتهم ولم يتبقي إلا هو وهي..
إقترب منها ورفع عنها طرحتها بهدوء وترو، وأنفاسه الحاره تضرب بوجهها، تقسم انها تستمع لدقات قلبه العاليه، وهي لم تكن أحسن حالا منه،
نظر لعينيها، التي مازالت زينتها متمسكه بها..
اااه كم يعشق زينه عينيها، عاشق هو لها حد الثماله. هل قال من قبل أنه سيؤدبها، أم هي من ستؤدبه، وتجعله يرفع يديه مستسلما من سحر عينيها الكحيله..
همس أمام وجهها بإسمها بعشق، وهو يزيح عنها نقابها بترو..
ـ ميسم..
رفعت عينيها الكسيره، بلا روح..ناظره له..
خلع عنها نقابها وإقترب بوجهه من وجهها..
أشاحت وجهها سريعا عنه بغضب منه وحزن، أدمي قلبها..
زفر بتعب، وهو يحاول أن يجد طريقا ما، ليبدأ معها الحديث..
يجب أن يحكي لها..ماحدث، منذ البدايه..
عاد ليبتسم كالأبله، ومد ذراعيه وحاوط خصرها من الخلف
شهقت بخجل..وحاولت التخلص من يديه..
فهمس بأذنها..
ـ ششش إهدي، عشان خاطري إهدي، ميسم إنتي خايفه مني، أنا رائد..
لو الدنيا كلها خافت مني أنتي لا..
كانت في اضعف حالاتها، تريد البكاء وبشده، تريد أن تشكي منه له، وهل بات لها غيره الآن..
إستسلمت لدفئ يديه وأنفاسه الحاره خلف عنقها، لتبكي اليوم بين ذراعيه وغدا تعد عدتها لتحارب كذبه، وخداعه لها، بأقوي أسلحتها..
أراحت رأسها للخلف علي صدره، وصوت شهقاتها يعلو، ويعلو..
أزاح حجابها بيديه، وطل من تحته شعرها الغجري..
أدارها ليصبح وجهها مقابل لخاصته..وهو ينظر لها فاغر فاهه، تشبه جنيات الاساطير الذي طالما قرأ عنهم، بشعرها الغجري هذا، وعينيها التي بهتت زينتها من كثرة البكاء..
فأصبحت، كلوحة جميلة، أبدع في رسمها الخالق الوهاب..
مال برأسه أمام شفتيها، وهم أن يتذوق رحيقهما إلا أن
دقات قويه متتاليه علي باب شقتهم جعلته ينتفض من مكانه فزعا..أيقظته من حلمه الوردي..إنكمشت علي أثرها بسرعه داخل أحضانه..
دقائق وكان ينظر لوالدته متسع العينين… يحاوطها بذراعيه بتملك..يعيد سؤاله عليها غير مصدقا لما تقوله..
إيه بتقولي إيه؟.
ردت عليه والدته بحده وهي تجذب ميسم من ذراعها بحده وكره….
ـ بقول إللي سمعته..الدخله هتبقي بلدي..ياإبن بطني..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيت الكبير…بيت العيله..اللي انا وإنت كنا دايما فيه متجمعين..
تعرفي من وقت فراقنا، وأنا مسميه البيت الحزين..
أول ما خطي خطوه فيه..أفتكرك..
افتكر ضحكك وقت فرحك..ودمعك وقت حزنك..
أفتكر شجرتنا الحزينه، إللي من وقت فراقنا لا بتطرح ولا بتثمر..
البيت الكبير لسه هو..بس ناقصه إنتي ياحبيتي…إنتي مش جوه..
البيت الكبير بذكرياته الكتيره..جوا جدرانه منقوش اسامينا..
بيندهلي ويندهلك..
لا عادت روحي عالفراق قادره..ولا عنتي إنتي زي ماسيبتك..
قاسيه، قاسيه وقسواتك زايده علي قلب عاشقك..
عارف هتقولي إنت السبب، ضيعت عمري في عشقك..
بس آااه لو تعرفي، أنا كنت إيه، وقت ماسيبتك..
ياطير مهاجر في السما خبرها، وقولها..
مهما غابت سنين..هتلاقي عشقي في البيت الكبير بيندهلها..

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية رحماك الجزء الثالث) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق