رواية رحماك الجزء الثالث الفصل الثاني 2 – بقلم أسما السيد

رواية رحماك الجزء الثالث – الفصل الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، رب إنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وهم اللقاء)
إسبانيا..
يجلس بالسياره وبجانبه هي، يميل برأسه للخلف..شاخصا ببصره في اللاشئ..يستمع لبكاءها بجواره بقلب مفطور عليها وعلي حاله، بسبب تهورها وصلوا لهنا..
لو لم تتهور وتهرب، لربما كانوا الآن بمكان آخر، وبدلا من أن تكن بجواره هكذا، لربما كانت الآن بأحضانه.
أخيرا بعد عناء سنوات معها..حاول فيها بشتي الطرق الوصول لقلبها..ونجح بكفاءه، ولكنه لم يحظي بثقتها..إلا الآن..الكثير من الأسئله، تدور بذهنه..
منذ سنوات يبحث عن إجابه لها، وحدها هي من تعلم إجابتها…
أهمها من ساعدها في مخططها المرسوم بعنايه هكذا
من ساعدها بكل تلك السهوله، تلك الليله في الخروج من وسط هذا الكم الهائل من الرجال والنساء..والحرس من العائلتان..حتي عز الدين نفسه لم يستطع أن يعرف منها من ساعدها..ليست سولاف بالتأكيد..
لم تكن تلك الفترة بحاله تسمح لها بمساعدة نفسها حتي، كانت صدمة موت معتز مازالت تؤثر بها..
إذن من؟
ابتلع الكثير من الأسئله، التي لا قيمه لها الان..، يجب أن يتماسك أكتر من ذلك..
عليه أن يطمئنها..وااه لو كان بيده…لأخذها بين أحضانه وأشبعها قربا وحنانا…
ولكنه عاهد الله أن لا يمسها إلا حينما تصبح زوجه له رسميا بالعلن..لا ينكر ضعفه معها في كل مره يغيب عنها، دائما ما يغلبه الشوق لها. ويحتضنها،معللا
أنها زوجته أمام الله،
.لقد مضت بنفسها علي قسيمة الزواج وبصمت، وهربت بعدها..لم تكن قاصرا كانت أتمت الثامنة عشر للتو..
كل شئ حدث تلك الليله يؤكد له أنه، لم يكن من تفكير عقلها الصغير هذا، هناك من خطط ودبر، وهي نفذت احدهم حاك تلك اللعبه عليها ببراعه، للإيقاع بهم وبها..
كانت ستنجح خطته لو لم يكن هو زوجها..
زفر بحده وألقي بنظره عليها..بكاءها يؤلمه..دائما ما يغلبه عشقه لها..لذا يبتعد ويبتعد حتي لا يلقي بنفسه بين ذراعيها، ويفضي بمكنون صدره..وينتهي هذا العذاب وإلي الأبد..
لم يعد هناك وقتا للندم..يبدو أنه حان الوقت..وكفي هدرا له..
أغمض عينيه وأخذ نفسا قويا، واستدار بجسده لها، وقعت ناظريه علي وجهها الملطخ بكحله عينيها التي أوقعته يوما..وتذكر نقابها.. وجز علي أسنانه..
وأبعد وجهه عنها.. يستغفر في سره، ويهدأ نفسه..سيعيد عليها التربيه من البدايه، سيؤلمه قلبه قليلا..ولكن عقابها لابد منه..
سيؤدبها علي كل مره كانت ترتمي بأحضانه، وهي تعلم أنه لا يحل لها، رغم سعادته بقربها إلا أنه حينما يجلس ويتذكر كان يشتاط غيظا بداخله..ماذا لو لم يكن ذو نفوذ، وعلم أين مكانها..!!
أكانت سترتمي بأحضان غيره، أكانت ستحب وتعشق غيره هل كانت ستكون فريسه سهله..؟
يعلم أن تفكيره عقيم..كما يخبره مروان..كلما تناقشوا معا
دائما مايخبره بأنه يفكر بجاهليه..
لا ينكر أنه مهما افتعل الرقي، ليس أهلا له، هو صعيدي أبا عن جد..وقبل أن يكون صعيدي، هو رجل شرقي، تجري بعروقه دماء الشرق الحاره..
لم ولن يسمح لها بذلك..أبداً، ولن يقبل به..
يبرر لها كثيرا أنها عاشقه ولو لم تكن تعشقه، لما استطاعت فعلها مع غيره.. وآااه لو فعلتها، يقسم كان وأدها كما كان الجاهليون يوأدون بناتهم..
مسح علي وجهه وشعره بعصبيه، لقد جن تماما، جننته وإنتهي أمره..
نظر لها ولبكاءها الذي لم يتوقف، بل يزداد..
وعاد يلوم نفسه علي تفكيره وظنه بها، بالنهايه لم يتعدي الإقتراب بينهم أكثر من عناق بعد فتره غياب طويله..
ليس وقت ترهاتك ياعقل الآن..!
رفعت رأسها ونظرت له بعيونها التي دائما ما يضعف لها، بنظره عتاب طفوليه، تشبه تلك النظره التي يراها كلما قسي علي أبناء مروان، كم يعشق تلك النظره من عينيها.
كتم ضحكه كادت تفلت منه عليهاوتفضحه…وتنحنح ليجلي صوته..
ـ ميسم..
ردت بخفوت..
ـ نعم..
باغتها قائلا بحسم..
ـ إحنا لازم ننزل مصر..
جحظت عيونها وهزت رأسها بالرفض بهستيريه..
ـ لالالالالا….لايمكن جدي هيقتلني..لااااا إنت بتقول إيه؟
أخذ نفسا طويلا…. كان يعلم انها لن تأتي هكذا..
مرات ما تأتي باللين..والمرات الكثيره تأتي غلابا..
ـ انتي بتثقي فيا ياميسم..؟
ردت بسرعه..
ـ طبعا بثق فيك..بس هننزل مصر نعمل ايه، إفهمني؟
بهدوء رد عليها..
إفهميني إنتي لو منزلناش مصر، طيب هنتجوز إزاي، وأنتي علي ذمة واحد تاني، تقدري تفهميني..؟
وكأنها استفاقت الآن، فعادت تبكي بقوه وحرقه، مره اخري..
ـ بتبكي ليه دلوقت..؟!
ـ عشان أنا خايفه أوي..
أدار وجهه بعيدا عنها يصارع يديه أن ينتشلها ويأخذها بأحضانه، ويخبرها أنه هو ذلك المغفل الذي لم تنفك تتحدث عنه منذ بدأت تحكي له…وتتبجح بكرهه أيضا..
إشتعل الغيظ بقلبه منها، مره أخري..
وهمس..
ـ ماشي ياميسم، بتكرهيني، أن موريتك مبقاش أنا رائد..
لا وبتقولي كمان صعيدي قفل..
أنا هوريكي الصعيدي اللي سبتيه هيعمل فيكي أيه..؟
انتبهت لتمتمته..
ـ رائد انت بتقول إيه؟
اغتصب بسمه علي شفتيه ونظر لها..
ـ ولا حاجه، ياحبيبتي؟
تغيرت معالم وجهه للحده بسرعه
ـ وهي كلمة انا قولت هننزل مصر، يعني هننزل مصر
ـ رائد.!
ـ بلا رائد بلا زفت..خلينا نحل مشكلتك دي، مش هنفضل هربانين العمر..
استدار بسيارته بسرعه حاسما أمره..رافعا هاتفه يجري أتصالا بشركة الطيران..
وهي تتوسله، أن ينتظر..
وقف أمام بيتها الذي يجاور بيت سولاف، الذي إشتراه لها عزالدين بعد هروبها، وأصر أن يعيد له ثمنه قرشا قرشا، لن يسمح أن يصرف أحدا علي زوجته، مهما كانت غبية وقللت من قدره..
هز رأسه بجنون، ماذا حدث له؟، لقد بات يخشي عليها من غضبه المكبوت منها، منذ سنوات..
أشار لها بأمر…
ـ نص ساعه وتكون حاجتك جاهزه الطياره هتطلع بعد ساعتين بالظبط.. يادوب نلحق نوصل لأن شكل في عاصفه هتبدأ..
لم تتحرك قيد أنمله من مكانها، ظلت تنظر له بأعين متسعه علي آخرها..
ضيق بين عينيه ونظر لها..
مالك…مش موافقه..؟؟
هزت رأسها بالإيجاب..لا مش موافقه..انااا..
أمسكها من ذراعها، وقربها له بقوه..وبغضب سألها..
ـ هو سؤال واحد وبإجابته هبني عليه اللي جاي كله..
ـ إنتي عاوزاني ولا لا؟
ابتلعت ريقها بصعوبه وعادت الدموع تسيل بغزاره من عينيها..
ـ انت بتسألني يارائد..!، بعد السنين دي كلها، مش عارف أنا عوزاك ولا لا؟
أجابها بحزن..
ـ لا مش عارف ياميسم، غير إنك ضحكتي عليا وكدبتي،
وبدل ما تدينا فرصه نصلح اللي عملتيه، عاوزانا نتمادي بالغلط أكتر..
صرخت بحده..
ـ إنت ليه مش فاهم، هيقتلوني، انا هربت، فاهم يعني ايه صعيديه تهرب من أهلها..انت ليه مش متخيل كده..
دفع ذراعها بغضب..
ـ وانتي مفكرتيش بأهلك ليه وانتي بتعملي كده، جايه تفوقي دلوقت، بعد السنين دي كلها، كان عقلك فين؟
وذنبه إيه اللي سبتيه وراكي السنين دي كلها، هاااا
بصدمه سألته…
ـ إنت معايا، ولا عليا، إنت كنت عاوزني أتجوز بالطريقه دي بجد..
جز علي أسنانه قائلا..
ـ ومفكرتيش أنه يمكن هو كمان إتنازل وإتجوزك غصب عنه..عشان يكسب ثواب في ناس كتير كانت ضحيه التار ده..
انتي كان عقلك فين، هااا..
إستحاله تكوني مفكرتيش بكل ده..
صوته المرتفع ووحدته، وغضبه الواضح دب القلق بقلبها..دفاعه المستميت هكذا علي رجل آخر شوش أفكارها
فإنكمشت علي نفسها أكثر وعادت بذاكرتها لما حدث منذ سنوات، ولشياطين الإنس التي كانت السبب في فعلتها، هي تستحق ما سيحدث لها، أنها تركت أذنيها لشيطانة لعينة تتحكم بها، لكم من المرات قررت أن تسلم نفسها لجدها، وتعود لأنها تستحق العقاب
لقد خذلت الجميع وتستحق..ما سيحدث لها بعد ذلك تستحقه وبجداره، لقد نكست رأس عائلتها بالأرض..
نظر لها بغيظ..وتأكد أنها تخفي أمرا كبيرا عنه، ميسم التي يعرفها لا تستطيع الأقدام علي عمل كهذا بمفردها
نزلت بهدوء من السياره، تجر قدميها بعدما ألقت عليه قرارها..
ـ نص ساعة وأكون معاك، إستناني هنا..
ضرب بيده المقود بعصبيه..
ـ غبيه ياميسم، لسه برده مش واثقه فيا..بس ماشي، هانت..وتبقي في بيتي وتحت عيني، وساعتها مفيش مفر مني ومن إللي هعمله فيكي..
رفع هاتفه مره أخري يحدث عز قبل أن تحادثه هي..حتي يطمأنها، ويلحقه هناك، حتي ينتهي ذلك الفصل السخيف من حياتهم، ويبدأ فصله معها هي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالقاهرة..
ـ يعني إيه يادكتور الكلام ده..يعني مراتي لو معملتش العمليه هتموت..
مراد بوجه مبتسم…
ـ لا ياعم الحاج مش هتموت ولا حاجه أن شاء الله الأعمار بيد الله، هي بس تأخد الدوا ده بإستمرار وبلاش تطلع السلم وتنزل كتير ومتعملش، مجهود كبير، وكمان ابعدها عن الزعل، لحد ما ربنا يقدرك وتلم في الفلوس العملية..
وأنا من ناحيتي ياحاج متنازل عن اجرة إيدي عشان خاطر وشك السمح ده، بس لازم أجره المستشفي وطبيب التخدير ومن ناحيتي هكلم طبيب التخدير يخفضلك من أجرته وان شالله هتعدي علي خير..
إغتصبت زوجته (زينب) بسمه علي شفتيها، حينما لاحظت الهم الظاهر علي وجه زوجها…
ـ والنبي انت اللي سمح يادكتور، ربنا يبارك فيك يارب، ويكتر من أمثالك، بس شوف بقي انا لا هعمل عمليات ولا الكلام دا، انت كل مره تقولي كده، وأهو أنا زي الحصان قدامك، سنه بحاله أهو..
سيبك بقي من الكلام دا، وأديني العلاج اللي يجيب الخلاصه، اااه، دخلوني القبر ولا تدخلوني البتاع اللي بتقول عليها دي..
ضحك (مراد) عليها..
مفيش فايده فيكي خالص ياحاجه…إسمها العمليات..
هذه المره ابتسمت بحق..
ـ أيوا هي دي، ويسمع من بوقك ربنا يادكتور، وأحج، وبعدين مش انا قولتلك تقولي يازوزو..
مراد بخبث..الله شايف ياحاج هي اللي عاوزاني اقولها يازوزو..عشان متقولش بعاكسها
ابتسم رضوان ببشاشه..
ـ الله يحظك يادكتور مراد بتفكرني بخلود بنتي..
ـ ربنا يخليهالك ياحاج..
نخلينا بقي في علاج الحاجه، انا هكتبلك علاج تمشي عليه، ولو حصل أي حاجه كلمني ياحاج..أنا تحت أمرك..
رضوان بإبتسامه مكسوره..
ـ تعيش يادكتور..والله إنت مافي منك، دا أنا لفيت بيها دكاتره اسكندرية والقاهره، ماحد كلمنا وفهمنا زيك كده يابني وتسمحلي أقولك يابني، دايما متكبرين، وبياخدو فلوس ويكتبو العلاج ومشي حالك..
مراد بإبتسامه..
ـ طبعا ياحاج يشرفني أكون إبنك…بص ياحاج أنا مطلعتش لقيت نفسي دكتور..ولا غني، السيره الحلوه هي اللي بتدوم
زي ما ابويا علمني..
أنا لا عايش في قصور، ولا واخد مهنتي سبوبه، أنا عاهدت نفسي، وأقسمت اني أعالج الغني والفقير، وفي دكاتره زي كتير، صوابعك مش زي بعضها ياحاج..وزي ماقولتلك أنا تحت أمرك في أي حاجه..انت زي ابويا الله يرحمه …
أنهي مراد كلامه ونكس رأسه يكمل كتابه علاجه..
ابتسم رضوان بفخر عليه..وتمتم..
ـ ربنا يبارك في أمثالك يابني، وأشوفك أشطر دكتور في الدنيا، وأشوف بنتي زيك..
ابتسم مراد وأعطاه ورقة العلاج..
ـ ان شاءالله هتشوفها، وأدرسلها بنفسي كمان، هي في سنه كام دلوقت..
حركت زينب شفتيها لليمين واليسار..
تدرسلها..!، أسكت والنبي يادكتور دي بنتي دي فاشله، في ثالثه ثانوي وكل ما أدخل عليها ألاقيها بتقرأ روايات..ال تبقي دكتوره ال..قلبك طيب ياحاج..
زجرها رضوان بعينه..فأشاحت بيدها..
ـ إيه ياحاج اكدب يعني، ما انا خايفه عليك تيجي آخر السنه تنصدم..
انفجر مراد بالضحك وهو يستقيم ليودعهم..
تلك المرأه وزوجها هم الاقرب لقلبه..يري فيهم والديه الذي فقدهم الاثنان دفعه واحده أثر حادث أليم تعرضوا له..
(مراد سالم..في الثامن والعشرون من عمره..طبيب قلب وأوعيه دمويه، معيد بكليه الطب جامعه القاهره، يعيش مع شقيقته الأصغر منه لمار.بالصف الثالث الثانوي، ببيت كبير بحديقه واسعه إشتراه والده لهم بعدما باع إرثه من والده في البلد..قبل وفاته باشهر قليله..والده كان موظفا عاديا، ووالدته مدرسة لغه إنجليزيه للمرحله الإعداديه)
جلس علي مقعده مره أخري.. متذكرا أخته ومشكلاتها التي لا تنتهي، ونرجسيتها الواضحه..
ـ ربنا يهديكي يا لمار..شكلي هتعب معاكي ومنك أوووي
ـــــــــــــــــــــــــــ
بالكشك..
لمحت خديجه أختها، تهرول بإتجاهها بوجه عابس محمر من كثرة البكاء
ـ مالك ياخلود في إيه؟، وشك محمر ليه، انتي معيطه ولا إيه؟
ابتلعت خلود غصتها وابعدت وجهها عن شقيقتها..
ـ مفيش ما أنا حلوه اهو، بتهيألك..
ادارتها خديجه من كتفيها، لتنظر لها..
ـ أنتي كنتي بتعيطي، صح..اوعي تكون الزفته لمار دي زعلتك تاني.
انفجرت خلود بالبكاء وإرتمت علي صدر شقيقتها..
ـ اه هيا، أنا مش عارفه بتكرهني ليه كده..وانهاردة اتهمتني إني حراميه.. وسرقت تليفونها… وهتبلغ عني في القسم..
أنا حراميه ياخديجه. دي خلت المستر جاب مراته فتشتني حته حته..
أزاحتها خديجه بحده عن صدرها..
ـ وانتي مخدتيش حقك ليه وزعقتي فيها وعليتي صوتك هتفضلي كده هبله، مبتعرفيش تردي عن نفسك، هفضل أعلمك لحد إمتا.؟
طبعا فضلتي تعيطي وخلاص..
انا هاجي معاكي حالا للزفت المستر ده، إحنا مبندفعش دم قلبنا عشان نتهان هناك….إللي بندفعله بالآلاف زينا زيهم..
ولا عشان هي..بنت زوات..وخايف منها
شدتها من يدها بحده..
ـ قدامي،حالا..يالا..
خلود بخوف…لالا ياخديجه بالله عليكي، متعمليش حاجه، انا أساسا هغير المستر ده..أنا أساسا مبفهمش منه..مش هروح تاني، ومش هشوفها خلاص..
أمك لو عرفت هطب ساكته فيها…لااا
ـ لا ناخد حقك الاول..قدامي..وأمك مش هنقولها..
أزاحتها خديجه بحده لتسير أمامها..
ـ انا هوريها بنت الزوات..دي..لحد امتا هنفضل نتهان…
قبل ان تغلق باب الكشك…استمعت لصوت والدها..
ـ في إيه ياخديجه هتقفلي بدري ليه؟
تلبكت خلود ونظرت لخديجه برجاء، ووقع نظر خديجه علي والدتها التي تضع يدها علي قلبها
ـ ااه يااني ياقلبي، دا كله ومطلعتش السلم، أومال لما اطلع بقي..يختاااي..
ابتلعت خديجه ريقها ونظرت لاختها بقلة حيله وأجابت والدها..
ـ ابدا يابابا احنا جوعنا، كنا هنطلع نتغدي..الدكتور قالكو إيه؟
رضوان بقله حيله..عمليه يابنتي برده وطبعا أمك مش راضيه..
ـ ليه بس كده يازوزو..
ـ بس يابت انتي، أنا كده فله، فلوس العمليه اشيلها لجهازكو، انتو بس بطلو تعلو ضغطي وتحرقو دمي، واتجوزو وخلصوني وأنا أبقي بريجو..
خلود ببلاهه..بريجو..ماشاء الله اللغه عندك في تطور يازوزه..
نظرت لها والدتها بغيظ.. أهلا بالحلوه اللي قطمه وسطي في الدروس، وبتذاكرلي في الروايات، اهلا اهلا..
أهلا بالفاشله إللي مش نافعه في حاجه
خلود بصدمه..هااا..انتي فتحتي، طب أطير انا بقي..سلام..
زوزو بغيظ..بت…. انتي يابت..إهربي إهربي…
ماشي ياخلود هتروحي مني فين، أنا طالعه وراكي أهو، هطفش يعني..
ضرب رضوان بيديه وهو يضحك بقوه عليهم..
ـ ياوليه، متسيبيها تقرأ، القرايه حلوه بتنور العقل، وتديله خبره..
أشاحت بيدها وهي تستقيم لتصعد خلفها ..
ـ طيب يااخويا شجعهم عالخيبه، انت اللي مبوظ البنات دي..
هز رضوان رأسه بقله حيله منها..
ووضع يده علي كتف خديجه بحنان..يالا ياقلب أبوكي ناكل لنا لقمه قبل ماانزل..امك خلاص لسعت..
خديجه بضحك..
ـ يالا يابابا..
ــــــــــــــــــــــــــ
إسبانيا..
المشفي…
علي مقعد بحديقه المشفي كانت تجلس، متلحفه بمعطفها الشتوي الثقيل، وبعضا من قطرات المطر بدأت تسقط عليها..
شارده، ضائعه الفكر، مشتته من كل إتجاه، الدنيا تدور بها يمينا ويسارا، لم تكن تتوقع أبداً هذا اللقاء، وفي هذا الوقت تحديداً..
سقوطه بين يديها أربكها وأفزعها، هز ثوابتها و معتقداتها التي حصنت نفسها بها منذ سنوات،لقياه كان كحجر صغير الحجم قذف بوجهها لم يترك ندبه، لكنه آلمها وأوجعها
آلمها بشده.. أكثر ما أربكها أنها وبعد مرور تلك السنوات مازالت تشعر به، تشعر بوجوده حولها، ماحدث اليوم لم يكن عاديا ابدا..
طوال اليوم وبالأمس وهي تشعر بشيئا غير عاديا، ولكن تلك الصدفه لم تخطر ببالها أبداً..
ولم ولن تمر مرور الكرام عليها، لقد إعتقدت انها تخطته منذ زمن، تجاوزت حبها الأعمي له، بالطبع نسته وإلا كيف لم تفكر به، ولم تعود طوال تلك السنوات للبلاد…
أحقا عدم رجوعها كان قوة منها، أم خوفا من شبح الذكري المحفوفه برجوعها..
ضعفه ومرضه مازال يؤلم قلبها، شبح الذنب عاد ليعذب ضميرها ويجلدها ، لو لم يتبرع لها ذلك اليوم وأنقذ حياتها لما صابه ماصابه الآن..
مريض سكري، ومناعه ضعيفه…
إزدادت قطرات المطر هطولا، تنبأ الجميع ان عليهم الاختباء.. العاصفه قادمه.. رفعت غطاء معطفها ووضعته علي رأسها.
وبقت كما هي تصارع قلبها، في الصعود والاطمئنان عليه..مره اخري..
نظرات العتاب من معاذ تؤلم قلبها، فآثرت الانسحاب..بعدما أخبرها الأطباء أنه لن يستفيق الآن..
وجودهم بنفس المكان معا، ليس منصفا..
النصيب فرقهم وإنتهي..
لقد تخطته منذ زمن ، بالتأكيد إنتهي.
ـــــــــــــــ
بالاعلي..
يفترش سرير المشفى بظهره، شاخصا ببصره للأعلي وكأن وجهها مرتسما علي سقف الغرفه، شاردا به
لا يعلم كيف أتي لهنا، لقد توقف الوقت بالنسبه له، علي لحظه لقياها، كانت هي، لم تكن وهما ولا خيالا هذه المره، هي حبيبته ومن أخذ عشقها منه عمره بأكمله
لم يهدأ القلب طوال سنوات فراقها، ولن يهدأ أبداً بعد هذا اللقاء..
مازالت غصه القلب والحلق كما هي، ومازال لهيب الشوق في قلبه يحترق
ومازال جسده اللعين يخذله بقربها، بالماضي عاهد نفسه أنه لن يدعها تري ضعفه، سيبعدها بكل السبل عنه ولا تري ضعفه أبداً..
لقد أبعدها بالماضي حتي لا تبقي بجانبه شفقه ولا ندما علي ماصابه وتحمل نفسها ذنب تبرعه لها، وأن تعيش باقي حياتها تتجرع مرارة الندم، وتأنيب الضمير علي إنقاذه لها..
لم يكن يمن عليها حينما تبرع لها بقطعه من جسده..
لاا….
كان يود لها أن تشاركه قطعه من جسده، كما شاركته روحه وقلبه منذ وقعت عينه عليها..
لقد عشقها منذ الصغر، كبرا معا وتشاركا أسعد اللحظات وأقساها أيضا..
سولاف بالنسبة له، ليست إمرأه عاديه..
(سولاف عشقا بالقلب محفورا كنقشا اثريا، مهما توارت عليه الأيام، وفرقتهم الدروب باقيا حيا ، لم ولن يدفن إلا إذا تواري علي جسده التراب، وأصبح نسيا منسيا..)
دمعه حاره خانته وسالت من جانبي عينيه، لأول مره لم يسرع لمحيها، تركها تسيل علها تخفف من جمر قلبه المشتعل..
ألم يقولوا لنا صغارا إبكوا، فالبكاء يريح القلب والعين..
البكاء يخفف من غصة الحلق، ويبدد الألم..
إذن لما لا تخف حرقه قلبه..؟
أغمض عينيه بقوه وإستند بيديه علي الفراش لكي يستقيم من مكانه..
لم يعد يتحمل، يشعر أنه يختنق هنا، يريد الخروج من هنا..
مد يده ونزع الأنبوب الموصول بالكانيولا المعلقه بكف يده..لم يعد لبقاءها أهمية..
أسند نفسه بنفسه، وإقترب من نافذة الغرفه الذي يمكث بها، قطرات ماء المطر تجمعت علي النافذه مشكله منظر بديع، جذب انتباهه، اكثر ما يعشق بالدنيا هي سولاف، ورائحه المطر حين تسقط علي الارض تبلله.
تصنع رائحه تنعش القلب وتبدد التوتر..
أقترب من النافذة وفتحها علي مصراعيها…أخذ نفسا طويلا ملأ به رئتيه من رائحه المطر..
انتعش جسده وطال وجهه بعضا من رذاذ المطر….
المطر يزداد، ومع كل قطرة مطر تهطل علي وجهه، تهطل عليه ذكرياتهم معا..
من بينهم ذكري بعيده، بأراضيهم علي شط البحيره التي طالما هربا إليها معا،بعيدا عن أعين الجد وأشقاءها،
ليشاهدا تحت ظلها قطرات المطر التي تهطل علي البحيره مشكله ندبات علي سطحها، كنبدات روحهم من وجع الفراق..
ويظل يؤرجح بها علي تلك الأرجوحه التي صنعها لها من حبل طويل، تسلق الشجر وجرحت ساقيه، حتي ربطه لها
كان يظل يؤرجح بها تحت المطر ويلتقط لها الصور، صوت ضحكاتهم يشق الغيوم ويدب الأمل بالقلوب الحزينه..
أين هي الآن؟ وأين وصل بهم الحال؟
لم يكن يتوقع فراقا كهذا أبداً، أبداً
لقد طلب من الطبيب أن يخبرهم أنه لن يستيقظ الليله.. لم يرد أن يستمع كلمة أنها تركته ورحلت..
ستفعل بالتأكيد، ألم يتركها تبكي منذ سنوات ولم يطمئن قلبها..
بالتأكيد رحلت الآن، ولما ستبقي إذن؟
زفر نفسا حارا من صدره، ودار بعينيه قليلا في الفضاء واخفضها للحديقه التي تبللت بالكامل….
ولكنه توقف مصعوقا، حينما وقع ناظريه عليها..
تجلس بالحديقه المطر يهطل عليها بغزاره، شارده
تعالت دقات قلبه مره أخري..فرحا..
مازالت هنا..لم تذهب، ولم تتركه..
مد يده تلقائيا ناحيتها..
وحاول تحريك شفتيه بإسمها..المطر يزداد..وأصبح غزيرا.
ومن غزارته أصبحت الرؤيه ضبابيه..
وبدأت صورتها أمامه.. تتلاشي..
أخيرا وجد صوته..فخرج أعلي قليلا…
ـ سولاف
إزداد هطول المطر، ومعه إزدادت برودة الجو..وضعت يديها بمعطفها واستقامت تصارع نفسها في الذهاب او الدخول للاطمئنان عليه مرة أخري..
لقد أخبروها أنه لن يستيقظ الآن..فلما هي هنا الان..؟
رفعت وجهها للأعلي تنظر للمبني الذي هو به..
ولم تستطع الرؤيه جيدا..
استدارت ببطئ لترحل حينما تذكرت ابنائها التي تركتهم بعهده إدوارد، ونستهم تماما..
الآن ستجدهم مفزوعين من غزارة المطر، وهي ليست بجانبهم..
تقدمت قليلا..فتسلل لسمعها صوتا تعرفه..ليس قويا، ولكنها تعرف هذا الصوت جيدا.
استدارت مسرعه، تنظر خلفها.، الي ناحيه إتجاه..الصوت..
صوته هو..وهل تخطأه..
صوت محمد..
(محمد ومهما فرقتنا الدروب..صوته بالقلب يدق كالناقوس.
مهما إبتعدت وقست..سيبقي في القلب غصه منه لن تذوب)

 

تسلل الصوت لأذنيها مره أخري فرفعت رأسها للاعلي تبحث عنه..
لم تعد تري شيئا..
اقتربت من مدخل المشفي، لتصعد له…ولكن توقفت علي صوت الرعد بالسماء والبرق الذي شق ظلام الليل..
فثبتت في مكانها..تنظر بإتجاه الصوت..
فرأته واقفا ينظر لها… من النافذه..
التقت عيناهم معا..لدقيقه
ورددت إسمه بشفتيها..ولم تستطع إخراج صوتها..
قرأه بسهوله، ذلك الذي ينظر لها بالأعلي كأنها الكون بأكمله..
قلبه يخفق بقوه ود لو انتزعها من الاسفل وغرسها بأحضانه..يخبرها كم أصبحت الحياه من دونها كالممات..
ود لو صرخ بها..
ـ إقتربي ياإمرأه..إشتقت
بلمح البصر حسم أمره مادامت لا تريد الصعود، سيهبط هو إذن…
إبتعد سريعا عن النافذه، ليهبط لها..
قرأت رجاءه بعينيه، وهل تخطأ بلغه عينيه يومآ..
حسمت أمرها ستصعد..القت نظره سريعه علي مكانه، فلم تجده..
الخيبه تسللت لقلبها وتيبست قدميها بالأرض.. رجعت للوراء بظهرها..
فلمحت معاذ قادم بإتجاهها..
معاذ بصدمه..
ـ سولاف إنتي لسه هنا.؟
أشارت بيدها علي مكان ما كان يقف محمد..
وتلبكت بكلامها..
ـ محمد.. كان..
ـ ااه تقصدي محمد.. هو بخير ياسولاف.. وفاق وهو إللي طلب مني ميشوفش حد.. حتي انا رفض إني ادخله..
دي غيبوبه بس مش تقيله الحمدلله…تحبي أروحك..تقريبا دي عاصفه، ومش هتنتهي دلوقت..
لازم تلحقي تروحي..
ـ أحقا قال هكذا، أيعقل هو من ارسله لها..الآن..
لم تستمع لباقي كلامه..ولا تبريراته.. استدارت سريعا وأطلقت قدميها للريح..ومعاذ ينادي عليها بلا توقف.
سولاف..استني..هوصلك..سولاااف
لم تعد تستمع لشئ، صمت أذنيها ولم تعد تري أمامها
مازال كما هو..يتفنن بإذلالها..لم ولن يتغير أبداً.
لما إذن قلبها اللعين مازال يؤلمها عليه..
خرجت تهرول من المشفي للطريق.. الا أن وصلت لسيارتها التي جلبها لها إدوارد..حتي تعود بها..
لقد جلب لها عربتها ومعطفها وهاتفها، أطعمها وسقاها، الغريب دوما يحن عليها..أما هو..
قريبا غريبا، حسبته يوما اقرب من روحها ولكنه أهانها وأذلها..
لقد هرولت خلفه كالمجنونه حينما وقع بأحضانها..لم تعي ماحدث لها..
شعرت وكان أحدهم شطر قلبها لنصفين..ولم تتركه لدقيقه، ورحلت معه بسيارة المسعفين..
جلست بسيارتها ووضعت رأسها علي المقود تأخذ نفسا عميقا..
الدموع تحرق عينيها تهددها بالنزول..استقامت برأسها سريعا..وضغطت بيدها علي عينها وأدارت سيارتها ورحلت..
بالداخل..
انتفض معاذ من مكانه..علي صوت محمد..الآتي من خلفه..
ـ سولاف..فين سولاف..
معاذ بصدمه..
ـ محمد إيه اللي نزلك وانت تعبان..؟
لم يكترث لثرثرته اللعينه الان.. يكفي تلك الممرضه االلعينه التي أخذت من وقته الكثير حتي تتركه يرحل..
ذهب سريعا لمكان ما كانت تقف تنظر له…
يدور حول نفسه هنا وهنا، ينادي عليها كالمجنون..
ـ سولاف.. سولاااف..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينعتوني متكبره..ظالمه..متجبره
لم يروا دواخلي، وماذا أكون أنا؟
لم تشفع لهم دموعي، وعاقبوني بلا مغفره..
عقابهم كان جبرا لي وعظه..
تزوجت من لم يدخر جهدا في إرضاءي
وعاملني كإمرأه ناضجه..
آلمته كثيرا، أعلم..ولم يمهلني الموت وأخذه من بين ذراعي
وكان وداعه بقلبي مؤلما، حارقا..
أهداني قطعا من روحه، وحقق أحلامي كل علي حدا..
كلما نظرت حولي، ألمح ذكري منه بالقلب تحدث عاصفه..
اي كبرياء هذا وأنا أقف الآن حائره مشتته..
أي قوه أصطنع أنا، وأنا أشتاق لحضنا دافئا..
يأخذني الشوق لحب وأد، وقلبا مازال علي قلبي متجبرا.
ياأيها الذاكرون لإسمي، لا تظلموني فأنا لست هكذا..
أنا تلك الطفله التي إقتلعوها من جذورها، ولفوها بالأبيض مجبره.. ضائعه..

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية رحماك الجزء الثالث) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق