رواية فريسة غلبت الصياد الفصل الثاني والخمسون 52 – بقلم منال سالم

رواية فريسة غلبت الصياد – الفصل الثاني والخمسون

52. فريسة غلبت الصياد

52. فريسة غلبت الصياد

فريسة غلبت الصياد ،،،

الحلقة الحادية والخمسون :

قام وكيل النيابة بالتحقيق مع الخادمة صباح التي أنكرت قيامها بتلك الجريمة الشنيعة ، وحاولت أن تثبت برائتها ، ولكنها عجزت عن هذا ، فلا يوجد أي شهود لها ..

أمــــر وكيل النيابة بحبس الخادمة صباح أربعة أيام على ذمة التحقيق ، ثم تم تجديد الحبس مرة أخــرى ، في حين قامت عائلتها بتكليف محامٍ – ذو تكلفة مادية محدودة – ليتولى الدفاع عنها بعد دراسة قضيتها ..

لم يكترث اي أحد لبكاء صباح المرير ، ولا لصراخها الحــاد وهي تصيح بأنها ضحية ومظلومة ، وتم الإيقاع بها عن عمد في تلك التهمة .. فقط تم جرها إلى الحجز وهي ذليلة ومنكسرة .. ولم يعبىء أحد بتوسلاتها …

………………………….

في مطـــار القاهرة الدولي ،،،،،

عـــــاد رأفت الصياد وزوجته الثانية صفاء إلى أرض الوطن على متن الرحلة القادمة من العاصمة البريطانية لندن بعد تأخير دام لعدة أيام ، وذلك بسبب إصرار الطبيب المعالج لحالة السيدة صفاء على عدم رحيلها قبل أخذ العينة الثانية منها ، حيث ظهرت نتائج العينة الأولى وكانت مبشرة للغاية ، فتوسم الطبيب وحيد خيراً في أن يؤتي العلاج بثماره حينما يزيد من الجرعة التجريبية عليها …

شبك رأفت أصابع يده في كف يد زوجته صفاء ، ورفع كفها إلى فمه وقبلة بحنية بالغة ، ونظر إليها بنظرات دافئة خاصة حينما هبطت الطائرة على المدرج …

حمد رأفت الله في نفسه بأنه عوضه خيراً بزوجة مثلها ، ثم أخذ نفساً عميقاً حينما تذكر أن عليه أن يواجه فريدة بكل غضبها وعجرفتها الغير متناهية وقتما يعاود أدراجه للفيلا …

انتهى رأفت من إجراءات الوصول الخاصة به وبزوجته ، كانت صفاء تنتظره على مقربة ، فســـار هو نحوها بخطوات ثابتة ، ثم دار حولها ، و قام بدفعها من مقعدها المدولب وعلى وجهه ابتسامة متقربة ، ولحق بهما حامل الحقائب .. وتوجهوا جميعاً إلى خـــارج المطـــار ..

أوقف المهندس رأفت سيارة خاصة لكي تقله إلى منزل السيدة صفاء أولاً ، ثم بعدها يعود إلى الفيلا ليبدأ أولى معاركه مع فريدة ..

…………………….

في شركة Territorial ،،،،،،

طلب شاهين مقابلة زيدان ليبلغه بحصوله على نتائج التحاليل الخاصة بالحمض النووي ، وبالفعل سمحت له السكرتيرة بالمرور فور إبلاغها لرب عملها بوصوله …

دلف شاهين إلى داخل المكتب بعد طرق عليه أولاً ، ثم اقترب من مكتب زيدان بخطوات حذرة ، ولم يجلس عليه إلا لما أشـــار له زيدان بعينيه .. وبالفعل جلس شاهين ، وظل ينتظر الاذن لكي يبدأ بالحديث ..

توقف زيدان عن مطالعة ما أمامه من أوراق ، ثم أخــرج سيجارة كوبية ، وأشعلها ، وببدأ ينفث دخانها في هدوء و..

-زيدان بنبرة فاترة : هــا ، عندك ايه ؟؟؟

-شاهين بنبرة جـــادة : العينة متطابقة يا باشا

وكـــأن زيدان كان يتلهف لسماع تلك العبارة ، فاستند بظهره في مقعده ، وأرجعه للخلف ، ووضع ساقاً فوق الأخـــرى ، وظل ينفث دخـــان سيجارته بهدوء بالغ ، وارتسمت ابتسامة خفيفة على زاوية فمه و…

-زيدان متسائلاً باقتضاب : انت متأكد ؟

-شاهين بنبرة واثقة : أيوه يا باشا ، أنا عملت التحليل في اكتر من معمل عشان أتأكد

ثم نهض شاهين عن مقعده ، وانحنى بجسده قليلاً للأمـــام ، ومد يده بمظروف مغلف نحو زيدان ، و…

-شاهين بنظرات ثابتة : اتفضل يا باشا ، دي نتايج التحاليل كلها

-زيدان وهو يمط شفتيه : ممممم…

انتصب زيدان في جلسته ، ثم مد يده الممسكة بالسيجار الكوبي ، وأطفأها في المنفضة ، ثم حرك يده في اتجاه شاهين ، وأمسك بالمظروف ، وفتحه بحذر شديد ، وأخـــرج الأوراق الموثقة من المعامل الموضوعة بداخله ، وظل يطالع النتائج بأعين متفحصة ، وبهدوء شديد ..

اعتلى وجـــه زيدان ابتسامة ماكرة حينما تيقن من صدق حدسه .. ثم أغلق المظروف ووضعه جانباً ، ونظر مباشرة إلى شاهين بنظرات جـــادة و…

-زيدان بنبرة صارمة : عاوزك بقى في حاجة جديدة

-شاهين بنظرات متسائلة : أؤمرني يا باشا ، وأنا عليا التنفيذ ..!!

-زيدان بنبرة جــــادة : فريدة الرفاعي …!

-شاهين وهو يعقد جبينه في حيرة : مالها يا باشا ؟؟

-زيدان بنبرة صلبة : عـــاوز أعرف اللي هي ما تعرفوش عن نفسها حتى ..!

-شاهين بنبرة واثقة وهو يوميء برأسه : حاضر يا باشا

أرجع زيدان ظهره مرة أخــرى للخلف ، ثم أشعل سيجارة أخرى كوبية ، وأخذ منها نفساً مطولاً ، ثم نفثه ببطء و…

-زيدان بنبرة فاترة : عاوزك كمان تشوفلي محامي تخصص جنايات

-شاهين باستغراب : ليه يا باشا ؟؟؟؟

-زيدان بنبرة حـــــادة نسبياً : من غير ليه ، انت تعمل اللي أقولك عليه على طول

-شاهين باضطراب : أسف يا باشا ، أنا مقصدش ، اعتبره موجود

-زيدان وهو يشير بعينيه : يالا .. شوف وراك ايه ، آه ، وماتنساش تعدي على الحسابات ، في هناك شيك بإسمك !

انفرجت أسارير شاهين ، واعتلت الفرحة وجهه و…

-شاهين بنبرة فرحة : الله يكرمك يا باشا ، تعيش وتدينا من خيرك

ســــار شاهين ناحية باب الغرفة بخطوات مرتبكة من السعادة ، ثم أمسك بالمقبض وأداره ، ودلف إلى الخـــارج ، وأغلق الباب خلفه بهدوء …

أكمــــل زيدان تدخين سيجارته ، ثم استند مجدداً بظهره للخلف ..

ثم حدق في نقطة ما بالفراغ ، وظل مسلطاً بصره عليها لفترة و…

-زيدان بنبرة بــــاردة تحمل نوعاً من الوعيد : ما هو أنا مش هاسيبك يا فريدة تتهني من غير ما أعرفك إن الله حـــق .. وصباح اللي لبسيتها الليلة دي هطلعها من القضية ، أما نشوف أخرتها ايه معاكي …!!!!!!

…………………………

في منزل كــــارما هاشم ،،،،

أوصـــــل سائق سيارة الأجرة الخاصة المهندس رأفت وزوجته إلى البناية التي تقطن بها ..

ترجل رأفت من السيارة أولاً ، ثم دار حول السيارة ، وأخرج المقعد المدولب من صندوق السيارة ، ثم عاونه سائق السيارة في إنزال الحقائب ..

قـــام زيدان بتجهيز المقعد المدولب لكي تجلس عليه زوجته ، وما إن انتهى حتى أخذ الحقائب ، وأعطاها لحــارس البناية لكي يصعد بها إلى الأعلى ..

فتحت صفاء باب منزلها ، واعتلى وجهها علامات الفرحة لأنها عادت إليه ، وإلى ابنتيها ، وظلت تصيح بهما ، ولكنها لم تجد أي منهما بالمنزل ..

لذا انقبض قلبها ، ونظرت إلى رأفت بقلق وتوجس شديد

-صفاء بنظرات مضطربة : البنات مش موجودين يا رأفت ….!!!!!

ابتسم رأفت نصف ابتسامة ، ثم اقترب من زوجته ، وجثى على ركبته أمامها ، ونظــر إليها بنظرات مطمئنة و…

-رأفت مبتسماً : اطمني يا حبيبتي هما بخير

-صفاء بعدم اقتناع ، ونبرة متوترة : اطمن ازاي وهما الاتنين مش موجودين ، ولا حتى بيكلموني من ساعة ما سافرت

ســــــرد رأفت ما حدث مع ابنتيها خلال فترة غيابها ، في حين أصغت هي إليه بإنصـــات تـــام وصدرها يعلو ويهبط من التوتر البالغ …

عاتبت صفاء رأفت بشدة على عدم اخبارها بالحادث الذي صـــار مع ابنتها الكبرى كارما ، ولامته كثيراً لأنه أخفى عنها هذا الأمـــر الهام ، ولكن برر رأفت موقفه بأنه كان ……

-رأفت بنبرة آسفة : والله أنا كنت خايف عليكي يا صفاء

-صفاء بنبرة محتقنة ، ونظرات غاضبة: تخاف عليا إني أعرف باللي جرى لبناتي ؟؟ هو أنا عندي أغلى منهم !!! دول الهواء اللي أنا بتنفسه ..!!! بجد أنا مش مصدقاك يا رأفت !!

-رأفت بصوت رخيم : غصب عني يا حبيبتي ، أنا أسف إن كنت خبيت عليكي ، بس إن شاء الله الاتنين هايكونوا عندك النهاردة

-صفاء بنبرة جـــادة : امـــا نشوف !!

ابتسم رأفت لزوجته ، ثم اعتدل في وقفته ، وأمسك بهاتفه المحمول بعد أن أخرجه من جيبه ، واتصل بابنه خــــالد ليبلغه بوصوله

فرح خــــالد كثيراً لأن والده قد عـــاد للقاهرة من جديد ، و..

-خالد هاتفياً بنبرة سعيدة : حمدلله على السلامة يا بابا ، مصر نورت

-رأفت هاتفيا بنبرة جـــادة : الله يسلمك يا بني ، معلش أنا عاوز أطلب منك خدمة

-خالد وهو يعقد جبينه في حيرة : اتفضل يا بابا

-رأفت بنبرة مترددة : آآآ… كنت عاوزك لو .. آآ.. لو تعرف تشوف ان كانت كارما ينفع تخرج ولا لأ ، لأن آآآ.. والدتها رجعت بالسلامة معايا ، وهتتجنن عليها ..!!

-خالد بنبرة جـــادة : ماشي يا بابا ، هاشوف ظروفي

-رأفت بإصرار : لأ مافيش حاجة اسمها هاشوف ، انت تتوكل على الله ، وتخلص الموضوع ده

-خالد بإيجاز : ربنا يسهل

………………..

في المشفى ،،،،،،

قررت يــــارا أن تعرج على كارما لتطمئن هي الأخرى على أحوالها بعدما انتهت من الكشف الدوري الخـــاص بمتابعة حملها وإطمأنت على صحة جنينها ..

وبالفعل وصلت يـــارا إلى المشفى بعد أن استقلت سيارة أجرة ، ثم دلفت إلى مدخل المشفى ، وصعدت إلى الطابق المتواجد به غرفة كارما …

طرقت يارا الباب قبل أن تدلف إلى الداخل ، ثم ســـارت بخطوات هادئة نحو المقعد المجاور لفراش كارما و..

-يارا مبتسمة : ازيك يا كوكا عاملة ايه النهاردة ؟

-كارما بنبرة هادئة : الحمدلله أحسن

-يارا بصوت ناعم : يا رب دايماً ، تعرفي اني بجد مبسوطة إني اتعرفت عليكي

-كارما بنبرة دافئة : وأنا والله أكتر

في نفس التوقيت دلفت كنزي إلى الغرفة بعد أن ذهبت لتحضر لنفسها طعاماً من الخــارج ، وتفاجئت بوجود يارا مع أختها في الغرفة ..

جلست الفتيات الثلاثة ليتحدثن معاً حول بعض الأمـــور العامة ، واقترحت كارما على يـــارا أن تتصل بأحد المكاتب الخاصة ببيع وشراء المباني العقارية وما يشابهها ، حتى تتمكن من الوصول إلى أحد ما يعاونها في ايجـــاد المركز الرياضي المناسب

أوصت كارما بأسماء عدة مكاتب ، ودونت يارا تلك الأسمــاء في مفكرة صغيرة كانت موضوعة بداخل حقيبتها

استأذنت يـــارا لاحقاً بالانصراف ، وطلبت من كنزي أن تأتي معها ، وبالفعل مالت كنزي بجسدها على أختها ، واحتضنتها ، ثم ودعتها ، ووعدتها بالعودة مجدداً لزيارتها في وقت لاحق ..

توجهت كنزي نحو الباب ومن خلفها يارا بعد أن ودعت هي الأخرى كارما ، ثم فتحت الباب ودلفت كلتاهما للخــارج ..

تابعتهما كارما إلى أن انصرفتا ، ثم أدارت عينيها في اتجاه باقة الورد ، وظلت تنظر إليها لبضع لحظات ، ومن ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنها ، وأغمضت عينيها لكي ترتــاح قليلاً ..

……………………….

في فيلا رأفت الصياد ،،،،،

عـــــاد رأفت إلى الفيلا بعد أن أوصل زوجته صفاء إلى منزلها ، وتفاجيء بأن الفيلا شبه مهجورة ، ولا يوجد أي أحد مقيم بها سوى ابنه الأكبر خــــالد ..

استقبل حارس البوابة العم راضي المهندس رأفت بالترحـــاب الشديد ، وسرد له بإيجاز ما حدث ، ظل المهندس رأفت يهز رأسه ولم يعقب على ما يقول إلا بكلمات مقتضبة …

احتار رأفت في مسألة الاتصـــال بفريدة وإبلاغها بوصوله ، ولكنه أثر أن يؤجـــل هذا الأمــر ريثما يستريح ، فهو مرهق من عنـــاء السفر ، ولا يريد أن يدخل في مواجهة عقيمة معها الآن ..

اتصل رأفت بزوجته صفاء ليطمئن على أحوالها ، وطلبت هي منه أن يتصل بابنه أدهم لكي يحضر ابنتها التي تقيم بشكل مؤقت في منزله ، ومع زوجته ..

وافق رأفت على طلبها ، فلا داعي لأن يترك كنزي بصحبة أدهم ويارا ، ويكفي ان كلاهما تحملا مسئوليتها خلال الفترة الماضية

وما إن أنهى رأفت المكالمة مع زوجته الثانية حتى اتصل بأدهم وأخبره بـعودته ثم بـ…

-رأفت هاتفياً : الله يسلمك يا بني ، ازيك وإزي مراتك ؟

-أدهم بفتور : الحمدلله .. انا محتاج أتكلم معاك يا بابا في اللي حصل

-رأفت بنبرة جـــادة : ربنا يسهل ، بس لو هتراجعني في موضوع جوازي ، فأنا مش عاوز كلام كتير في الموضوع ده لأنه منتهي بالنسبالي

-أدهم بنبرة حـــادة نسبية : يعني حضرتك مش شايف انك اتسرعت لما عملت كده

-رأفت بنبرة ممتعضة : والله دي حياتي

-أدهم مقاطعاً بحنق : وأمي ذنبها ايه تتجوز عليها ، من غير حتى ما تقولها

-رأفت بنرفزة : يعني مش عـــارف عمايا أمك معايا ؟؟؟؟

-أدهم بنبرة غاضبة : لأ عارف ، بس ده مش معناه إن حضرتك تتجوز عليها

-رأفت بإيجاز : بقولك ايه ، الكلام ده مش وقته ، أنا عاوزك في حاجة محددة

-أدهم وهو يزفر في ضيق : أوووف .. خير

-رأفت بنبرة جـــادة : عاوزك توصل كنزي عند مامتها

-أدهم وهو يجز على أسنانه من الغيظ : ربنا يسهل

-رأفت على مضض : لو مكنش وراك حاجة ، حاول توديها الوقتي

-أدهم بضيق بالغ : طيب يا بابا ، هاتنيل أوصلها

صمت أدهم للحظـــات ثم تابع بـ ..

-ادهم متسائلاً بقلق : أومـــال ماما عرفت ان حضرتك رجعت

-رأفت بإقتضاب : لأ

-ادهم وهو يلوي فمه في انزعـــاج : طب وحضرتك ناوي قولها امتى ؟

-رأفت بإيجاز : ربنا يسهل

-ادهم بنبرة ممتعضة : ماشي يا بابا ، اللي يريحك ..!

……………………

في المشفى

قرر خــــالد أن يستغل الفرصة ، ويزور كارما ليطمئن على أحوالها بحجة أنه ينفذ ما طلبه منه والده ، ويحـــاول إخراجها من المشفى إن كانت حالتها لا تستدعي المكوث بها ..

قابل خــــالد الطبيب المتابع لحالتها ، وتهللت أساريره حينما لأخبره بأنها تتماثل للشفاء ، وصحتها قد تحسنت بدرجة كبيرة .. عـــرض خالد على الطبيب أن يخرجها من المشفى مع التعهد برعايتها لكي تعود إلى منزلها ، وبالفعل سمح الطبيب لها بالخروج مع مراعــــاة الانتظام في العلاج ، والراحة التامة ، وعدم القيام بأي مجهودات بدنية خلال الفترة القادمة ..

شكــــر خالد الطبيب على تفهمه للأمــــر ، ثم دلف خـــارج مكتبه ، وســـار بخطوات ثابتة نحو غرفتها …

أخذ خــــالد نفساً عميقاً محاولاً به السيطرةعلى توتره واضطرابه الذي انتابه حينما وقف أمام باب غرفتها ..

طرق خـــالد باب الغرفة ، ثم أمسك بالمقبض وأداره ، وفتح الباب ، ودلف إلى الداخل وهو متوتر إلى حد ما ..

حدق خـــالد ببصره في كارما التي كانت غافلة ومسندة لساعدها على جبينها ، ثم ســـار نحو المقعد المجاور لفراشها ، وجلس عليه في هدوء تام ، وظل يتفحص ملامحها عن كثب شديد ..

مر بعض الوقت على خــــالد وهو على تلك الحالة ، لم يصدر أي صوت ، بل بالعكس ظل مستمتعاً – بدرجة كبيرة – بقربه من كارما …

حركت كارما رأسها في اتجاه خالد ، وظلت مغمضة العينين ، فاقترب خـــالد برأسه منها لكي ينظر إليها بتمعنى أكثر …

اعتلى وجـــه خالد ابتسامة عذبة ، وهو يدرس تفاصيل وجهها الرقيق ..

بدأت كارما تفتح عينيها تدريجياً ، في البداية توهمت أنها تحلم بـ خـــالد وأنه أمامها ، فابتسمت له ابتسامة مشرقة ، فبادلها هو الابتسام ..

ولكن فجـــأة عقدت حاجبيها في توتر شديد ، حينما سمعت صوته و…

-خالد بصوت رخيم ونبرة هادئة : أخيراً صحيتي ..!

ظلت كارما ترمش بعينيها عدة مرات ، لكي تتأكد أن ما تراه أمام عينيها أمراً حقيقياً ، وليس أوهاماً ، وما إن تأكدت أن خالد موجود أمامها بشحمه ولحمه ، حتى انتفض جسدها في توتر ، وابتعدت بجسدها بعيداً عنه ..

-كارما بنبرة متوترة ونظرات مرتبكة : آآآ… انت ..!!!

-خالد وهو يوميء برأسه بثقة تامة : أيوه

-كارما وهي تبتلع ريقها في قلق : انت هنا من امتى ؟؟ وازاي جيت وأنا محستش بيك ؟؟ وآآ…

-خالد مقاطعاً بنبرة هادئة : اهدي بس الأول ، وأنا هجاوب على كل أسئلتك !

زفـــرت كارما في انزعـــاج ، ثم رمقته بنظرات ضيقة و…

-كارما باقتضاب وهي تلوي شفتيها : طب يالا

-خالد مبتسماً في غرور : مش قبل ما تقوليلي الورد عاجبك ولا لأ

حدقت كـــارما في خالد ، ونظرت إليه بحنق و…

-كارما بنظرات مغتاظة : يعني انت اللي كنت بتبعت الورد ده كل يوم ؟

اقترب خـــالد بجسده قليلاً من كارما ، ثم سلط بصره عليها ، وظنر مباشرة في عينيها بنظرات ثابتة و…

-خالد مبتسماً بنبرة خافتة: أهــا .. أصل أنا غاوي ورد ، وبهديه للناس الغاليين عندي وبس ..!

أسبلت كارما جفنيها في خجل ، وبدأت تعلو وجنتيها حمــرة خفيفة ، و..

-كارما وهي تتنحنح في حرج : احم ..لو سمحت ، مش بحب الكلام اللي من النوع ده

-خالد مبتسماً ابتسامةأعرض : طب كويس ، عشان أبقى مطمن ..!!!

-كارما بنظرات متسائلة : أفندم ؟؟؟

أرجع خالد ظهره للخلف ، ونظر إلى كارما بنظرات جادة و..

-خالد بنبرة ثابتة : بقولك ايه ، أنا عاوزك تجهزي

-كارما باندهاش : ليه ان شاء الله ؟

-خالد : عشان هرجعك البيت

-كارما وهي تمط شفتيها في تهكم : هـــه .. شكراً مش عاوزة

-خالد بنبرة واثقة : على فكرة أنا مش باخد رأيك ، أنا بس ببلغك باللي هاتعمليه

-كارما بنظرات مغتاظة : نعم !! يعني ايه الكلام ده ؟

مـــــال خــالد بجسده مجدداً ناحية كارما ، ثم نظر إليها بنظرات جــادة و…

-خـــالد بنبرة جــــادة : يعني لولا إن والدتك رجعت ، مكونتش هاخليكي ترجعي البيت لوحدك

-كارما بنبرة فرحة : ايه ده هي مامي رجعت

-خالد وهو يوميء برأسه : أهــا ..

اعتلى وجه كارما ابتسامة عريضة ، وأشرق وجهها من جديد ، ولكنها عادت إلى رسم ملامح الجدية من جديد على وجهها ، وعقدت ساعديها أمام صدرها ، ورمقت خــالد بنظرات ضيقة و..

-كارما بنبرة شبه جــادة : على فكرة أنا حرة أعمل اللي عاوزاه

-خـــالد غامزاً وهو يشير برأسه : لأ .. مش حرة

-كارما بحنق : افندم ؟؟ ليه يعني ؟؟ هو انت اشترتني ؟

-خالد مبتسماً في لؤم : لأ .. بس في بينا عقد

أرجعت كارما رأسها للخلف ، ونظرت إلى خـــالد مجدداً بنظرات غاضبة و..

-كارما بنبرة متجهمة : العقد ده معدتش يفرق معايا بعد اللي حصلي بسببك ..!

-خالد بنبرة واثقة : بس يفرق معايا أنا

-كارما بحدة : اشبع بيه ، ومش هايهمني الشرط الجزائي ولا غيره

-خالد نظرات متحدية : بقولك ايه ، بلاش تستقوي عليا ، عشان انتي مش هاتقدري تقفي قصادي

-كارما بنبرة مغتاظة : ليه يعني ؟؟ هو انت مفكر نفسك مين ؟؟؟

-خـــالد مبتسماً في ثقة : أنا خالد الصياد

-كارما وهي تولي فمها في تهكم : هـــه

نهض خـــالد عن مقعده ، ثم انحنى بجزعه قليلاً ناحية كارما ، وأسند أحد ذراعيه على مسند الفراش ، في حين انكمشت كارما على نفسها حينما وجدته قريباً منها إلى هذا الحد المخيف والذي أربكها بشدة ، فحبست أنفاسها في توتر ، ونظرت إليه بنظرات مترقبة و…

-خالد بصوت هاديء ، وبنبرة آمرة : أنا هاسيبك 5 دقايق تجهزي فيهم ، وهابعت للممرضة تجي تساعدك ، في الدقيقة الـ 6 هاكون عندك ، جهزتي ولا لأ .. أنا هاخدك برضاكي ، أو لأ وهرجعك عند والدتك .. فأحسنلك تسمعي الكلام زي الشاطرة

اعتدل خـــالد في وقفته ، وأولى كارما ظهره ، فتنفسدت الصعداء ، وحاولت أن تبدو أكثر شجاعة و..

-كارما بنظرات متحدية : طب لو معملتش كده !

التفت خــــالد إليها برأسه ، ثم ابتسم لها من زاوية فمه ، ورمقها بنظرات جريئة و…

-خــالد بنبرة صارمة وشبه مهددة : يبقى استعدي للي هاعمله ، وانا مش باتكسف ….!!!

ظلت كارما محدقة في خـــالد الذي ظل جامد الملامح واثق من نفسه ، ثم ســـار في اتجاه باب غرفتها ، وفتحه ودلف للخـــارج …

اكتست وجنتي كارما بالخجل ، وشعرت بالتوتر الشديد يجتاحها ، ورغم أنها تبغض وجوده بالقرب منها ، إلا أنها تشعر بشيء ما يجذبها ناحيته ويمنعها من إبعاد ناظريها عنه …

بعد دقيقتين دلفت إحدى الممرضـــات إلى داخل الغرفة ، وعاونت كارما في ارتداء ملابسها وفي تجهيزها ، في حين أكمـــل خالد باقي الأوراق المتعلقة بخروج كارما من المشفى

مرت عدة دقائق أخرى وكانت كارما قد انتهت تقريباً من الاستعداد للخروج ..

وصــل خالد إلى غرفتها ، وطرق الباب مجدداً قبل أن يدلف للداخل ، وبالفعل وجد كارما قد استعدت ، فابتسم ابتسامة رضا لها ، ثم دنى من فراشها بخطوات ثابتة ..

تفاجئت كارما بخـــالد وهو ينحني بجسده عليها ، ويضع أحد ذراعيه خلف ظهرها ، والأخـــر أسفل ركبتيها ثم حملها برفق بين ذراعيه و..

-كارما في توتر شديد : انت بتعمل ايه

-خالد بنظرات ثابتة : بشيلك

-كارما بصوت محرج : لألألأ .. ده مايصحش ، لو سمحت في كرسي أنا ممكن آآ…

-خالد مقاطعاً بصوت صارم : شششش .. خلاص ، أنا قولت هاشيلك ، يبقى مالوش لازمة الرغي اللي على الفاضي ده ..!!!

-كارما بنظرات مغتاظة : هو انت كده على طول ؟؟

-خالد مبتسماً بثقة : لأ … بس لما هتقربي مني أكتر ، هتعرفيني كويس

-كارما بنبرة متهكمة : ده على أساس اني كده بعيدة عنك

-خالد بنظرات لئيمة : لأ .. انتي الوقتي في حضني

أجفلت كارما عينيها في خجل شديد ، وأطرقت رأسها في احراج واضح ، ثم اكتسى وجهها كله بحمرة الخجل ، فابتسم خـــالد لها ، ولم يعقب …

ســــار خـالد خارج غرفة كارما وهو يحملها ، ثم توجه بها نحو المصعد ، ومن ثم إلى مدخل المشفى ، ومنه دلف إلى الخـــارج حيث صف سيارته ..

فتح خـــالد باب المقعد الأمـــامي ، وأنزل كارما على قدميها ، وظل محاوطاً إياها بأحد ذراعيه من خصرها كي يسندها و..

-كارما وهي تتنحنح بحرج : احم .. آآآ… لو سمحت أنا عاوزة أقعد في الكرسي اللي ورا

-خــالد بنبرة جــادة : هنا أحسنلك عشان رجلك

أصر خالد على أن تجلس كارما في المقعد الأمامي ، ولم يكن أمامها أي خيار أخـــر سوى الامتثال لأوامره ، وبالفعل جلست يارا على المقعد الأمامي ، وعاونها خالد في مد ساقها للأمـــام ..

أغلق خــالد الباب الأمامي ، ثم عـــاد مجدداً للداخل يحضر حقيبتها من الغرفة ..

مردت عدة دقائق ، ثم لمحت كارما خالد وهو يعود من مرآة السيارة الجانبية ، وقــام خالد بفتح صندوق سيارته ، ووضع الحقيبة الصغيرة في الداخل ، ثم دار حول السيارة ، وفتح الباب الأخــر وجلس خلف المقود ، ونظر إلى كارما التي أطرقت رأسها للأسفل وظلت تنظر إلى كفي يدها في توتر ، و..

-خالد متسائلاً بهدوء : انتي كويسة

-كارما بصوت خافت : أهــا

ابتسم خــالد لها ، ثم أدار محرك السيارة ، وانطلق بها نحو منزلها …

…………………..

في فيلا زيدان ،،،،،

استعادت شاهي وعيها بعد عدة أيام من الصمت التام ، وانتابتها نوبة من الهياج العصبي حينما تذكرت ما حدث لوالدتها وأنها قد فارقتها للأبد ولم يعد بإمكانها أن تراها للأبد ..

أجهشت شاهي بالبكاء الحارق ، وألقت باللوم على زيدان ، وظنت أنه قد تعمد أن يفعل بها هذا لكي يشفي غليله منها ويشمت فيها ، لقد اعتقدت شاهي بأنه كان يريدها أن تعاني بعدم رؤية والدتها حتى تسبب في موتها المفاجيء …..

لم تعرف شاهي السبب الحقيقي وراء مقتل والدتها ، ولكنها بكل بساطة ظنت أن زيدان هو من تسبب في موتها حسرة وحزناً عليها …

نهضت شاهي عن الفراش وظلت تقذف بكل شيء في الغرفة بعصبية مفرطة ، وعجزت الخادمة عن ردعها ..

حاولت إحدى الممرضات تهدئتها ، ولكنها صرخت في وجهها ، وأمسكت بقطة من الزجــــاج الحاد المحطم وهددت بقتلها إن اقتربت منها .. لذا فضلت الممرضة أن تتركها لحالها ريثما تهدىء تدريجياً …

ركضت الخادمة إلى خـــارج الغرفة وهي متوجسة خيفة من سوء تدهور حالة شاهي ، ثم أمسكت بهاتفها المحمول ، واتصلت بزيدان لتبلغه بسوء حالة شاهي العصبية …

أمــــر زيدان الخادمة بأن تتوخى الحذر، وتراقب شاهي إلا أن يعود هو للفيلا ..

………………….

في نفس التوقيت جـــاءت رحــاب لزيارة زيدان في فيلته ، خاصة أنه قد انشغل عنها الفترة الماضية ، فقررت أن تبادره هي بالزيارة ، لأنها لم تعد تعرف عنه الكثير ، بالإضافة إلى أنها كانت تريد أن تعرف منه ماذا فعل مع زوجته ، وكيف تعامل مع موضوعها ..

سمح الحرس الخـــاص بزيدان للسيدة رحــاب بالدخول إلى الفيلا ، وبالفعل وصلت إلى مدخل الفيلا ، وقرعت الجرس ، ففتحت لها الخادمة على عجالة ظناً منها أنها السيد زيدان باشا ..

لاحظت رحــــاب اضطراب الخادمة ، فسألتها عن السبب و..

-رحاب متسائلة في حيرة : في ايه ؟؟

-الخادمة بتوتر واضح : أصل آآآ… أصل ..

-رحــاب بنبرة جـــادة : اتكلمي على طول

-الخادمة وهي تبتلع ريقها : اصل شاهي هانم متعصبة على الأخر ، وعمالة تكسر في الأوضة فوق

-رحاب وهي تعقد حاجبيها في دهشة : ليه ؟

سردت الخادمة بإيجــــــــاز لرحـــاب ما حدث لشاهي خلال الفترة الماضية ، وما وصل إلى مسامعها من الأطباء والممرضات المتابعين لحالتها …

تفاجئت رحـــاب بحالة شاهي ، وقررت أن تصعد إلى غرفتها بالطابق العلوي ، وبالفعل ســـارت نحو الدرج بخطوات سريعة ، وامسكت بالدرابزون ، ثم صعدته على عجالة ، ووصلت إلى غرفتها …

دلفت رحــــاب إلى داخل الغرفة ، وشُدهت حينما رأت حالة الفوضى العارمة التي تسودها ، ثم جابت ببصرها أركان الغرفة بحثاً عن شاهي ، فوجدتها متكورة على نفسها في أحد الأركـــان ، في حين وقفت الخادمة في الخـــارج تتابع عن كثب ما قد يحدث حتى تتدخل لو تطور الأمر ..

اقتربت رحــــاب من شاهي ، ثم جثت على ركبتيها ، ووضعت أحد ذراعيها على كتفها ، وحاولت تهدئتها ، فهي حينما علمت بسبب هياجها العصبي ، أشفقت عليها كثيراً ..

ظلت شاهي تبكي بحرقة ، وتعالت شهقاتها ، فضمتها رحــــاب إلى صدرها ، وظلت تربت عليها ، وتمسد على شعرها حتى تهديء تماماً …

لم تتوقع رحــــاب أن تكون ناهد قد توفت ، فهي لم يصلها خبر وفاتها من أي أحد ، كما لم يبلغها زيدان بهذا الأمـــر ..

سكنت شاهي في أحضـــان رحـــاب ، فأشارت رحاب بيدها للخادمة لكي تأتي وتعاونها في وضع شاهي بالفراش

ركضت الخادمة في اتجاه رحـــاب ، ثم عاونتها في اسنادها ، وبالفعل تمددت شاهي على الفراش ثم دثرتها رحـــاب جيداً بالملاءة …

ســارت رحاب بخطوات حذرة نحو الباب ، وطلبت من الخادمة أن تنظف الغرفة فوراً وتزيل ما يمكن أن يتسبب في إلحاق الأذى بتلك المسكينة ..

توجهت رحـــاب بعد ذلك إلى غرفة الصالون ، وجلست على الأريكة ، وتنهدت بإنزعـــاج ، ثم مدت يدها داخل حقيبتها الشخصية ، وأخرجت هاتفها المحمول منها ، واتصلت بزيدان … ولكنه لم يجب على اتصالها ، فزفرت في ضيق واضح ..

-رحـــاب بنبرة منزعجة : مش بيرد ده ليه ؟؟ !!!

…………………..

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية فريسة غلبت الصياد) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق