رواية المتنقبة الحسناء – الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر
لا اله الا الله
الفصل الثامن عشر
(ظلت تمشي بهدوء وراء والدتها، تتمنى أن تبتلعها الأرض قبل أن تصل إليه؛ كانت تنظر له باشمئزاز كلما اقتربت منه.).. التفتت زينب إلى حسناء ثم قالت لها: “تعالي يا حسناء سلمي على والدك!”
اتسعت عينا حسناء ثم أومأت برأسها بابتسامة خبيثة، ثم اقتربت قليلا فنظر إليها والدها وقد اغرورقت عيناه بالدموع؛ ثم قال: “بسم الله ما شاء الله كبرتِ يا حسناء؛ وحشتيني أوي يا بنتي؛ إزيك يا بنتي عاملة إيه؟!”
تمنى أن يحتضنها ولكنه اكتفى بأن يمد يده حتى يسلم عليها، نظرت إلى يده ثم رفعت عينيها ونظرت إليه باشمئزاز وأبَت أن تضع يدها بيده؛ ثم تراجعت إلى الخلف قليلا.. احمرت عيناها وتطاير منهما الشرر؛ ثم قالت بحنق: “آه كبرت؛ وأنت مش جنبي؛ كبرت وأنا يتيمة الأب؛ كبرت وأنا باتوجع مليون مرة لما حد يسألني فين أبوكِ؛ عايز تعرف أنا عاملة إيه؟!!”
تنهدت بأسى ثم استكملت كلماتها والدموع تنزل على خديها فتحرقه من شدة لهيبها، ثم أشارت إلى والدتها وهي تقول: “الحمد لله ربنا رزقني أن تكون عندي أم أصيلة؛ الست دي تعبت كتير أوي عشاني أنا واخواتي؛ كنت أنت فين ها؟ قولي كنت فين؟!”
قاطعتها والدتها بحدة: “عيب يا حسناء اللي بتقوليه ده.!”
أطلق والدها تنهيدة متعبة وعيناه تتساقط منهما الدموع هو الآخر؛ ثم قال: “حقك عليا يا بنتي؛ سامحيني.!”
نظرت له بسخرية ثم قالت: “أسامحك.؟!! أسامح مين حضرتك؟! أنا باكرهك باكرهك؛ عارف يعني إيه باكرهك.؟! يعني عشانك كرهت كل الرجالة، ده أنت كمان مش سبتني ومشيت؛ لاء ده كمان سببتلي عقدة نفسية”..
قاطعها علي بصرامة: “بس بأه؛ أنتِ زودتيها أوي؛ يلا ادخلي على أوضتك”..
لم تتمالك نفسها؛ ظلت تشهق من كثرة بكائها، دخلت مسرعة إلى غرفتها وأغلقت الباب وارتمت على سريرها وهي تبكي بشدة وتقول: “أيوة باكرهك وهافضل طول عمري أكرهك”..
والدتها تبرر موقف ابنتها: “معلش يا أبو علي؛ شوية بس على ما تاخد على الوضع وهتلاقيها اتغيرت لوحدها”.
تنهد عبد الرحمن بحزن وقال: “أنا فاهم وعارف وحقها تعمل أكتر من كده”..
ربت علي على كتف والده؛ ثم قال بابتسامة يملؤها الحزن: “ما تزعلش يا والدي عشان صحتك”..
-ما تقلقش يا ابني؛ أنا كويس الحمد لله..
زينب: “يا علي أنا حضرت سرير زياد عشان والدك ينام عليه وتبقى جمبه تاخد بالك منه”..
أومأ علي برأسه بالإيجاب وبابتسامة قال: “يا سلام هو ده الكلام؛ هتنورني يا أجمل بابا في الدنيا”..
والده بابتسامة حزينة وقلبه يعتصر ألماً من كلمات حسناء له: “دخلني يا ابني أرتاح على السرير شوية حاسس بدوخة”.
علي بقلق: “مالك في إيه.؟! طمني”..
– ما تقلقش أنا كويس؛ بس قعدت كتير وعايز أرتاح شوية..
علي بضيق: “حاضر؛ هتبقى كويس بإذن الله”..
أخذ علي والده ودخلوا الغرفة؛ وبعد قليل أتى أسعد ودخل الغرفة.. وهو يسأل بتعجب وقلق: “مالك يا عمي؛ في إيه؟”
تنهد عمه تنهيدة متعبة ثم قال ببطء: “مفيش يا ابني؛ أنا بخير؛ هنام بس شوية وهبقى كويس بإذن الله”..
خرج علي وأسعد من الغرفة بعد أن أطفئ علي نور الغرفة؛ ثم دخلا غرفة الضيوف، تنهد أسعد بحزن وقال: “أكيد حصل تصادم بين عمي وحسناء؛ صح؟!!”
علي وقد اغرورقت عيناه بالدموع:”حسناء جرحته أوي بكلامها؛ بس أنا مش باعتب عليها؛ بصراحة هي قالت كل اللي جواها نحيته، حسناء مش بوشين يا أسعد؛ لما بتكره حد بتقوله في وشه؛ يا إما ما تتعاملش معاه خالص”.
أسعد بابتسامة حزينة: “بص يا علي أنا عارف كل اللي بتقوله ده؛ بس أنا عايزك تقعد تتكلم معاها بهدوء حتى لو ما اقتنعتش سيب الأيام تداوي اللي بينهم؛ وأنا متأكد إن قلبها هيرق وهترجع تحبه”..
زفر علي بملل: “أنا فعلاً هاتكلم معاها؛ بس لما تهدى شوية”..
قال داعياً: “ربنا يهديها ويهدينا جميعا؛ أنا هستأذن؛ وبكرة بإذن الله هاجي أطمن على عمي وأجيب الشنط بتاعته بالمرة”.
علي بابتسامة: “ماشي؛ بإذن الله”..
– السلام عليكم..
-وعليكم السلام؛ في رعاية الله..
******************
دخلت والدتها لها الغرفة وربتت على كتفها؛ ثم قالت معاتبة: “غلط اللي قولتيه لأبوكِ ده يا حسناء؛ أبوكِ مريض ومش مستحمل أي كلام يتعبه؛ أنا زعلانة منك أوي؛ بس قلبي وجعني عليكِ أكتر!”
مستلقية على سريرها وقلبها منفطر من كثرة البكاء، أمسكت بالغطاء بـيدها واكتفت بالنظر لوالدتها فقط والتزمت الصمت؛ ثم استدارت والدتها وخرجت من الغرفة؛ وبعد أن تأكدت حسناء من خروج والدتها؛ نهضت ثم أسندت رأسها على ظهر السرير وظلت تبكي بحرقة وقلبها يعتصر ألمًا.
******************
“إزاي يرجع البيت.؟! وإزاي ما حدش عرفني.؟! هو عشان سافرت خلاص أبقى هامش في حياتهم!!”
قالها زياد بعصبية.
مها بهدوء: “يا حبيبي اهدى بس وهافهمك”..
زياد بعصبية: “إزاي بعد كل ده يرجع عادي كده البيت وبكل بساطة؟!!”
مها بعصبية: “والدك مريض يا زياد؛ بأه قاعد على كرسي متحرك؛ وما حدش ينفع يرعاه إلا أولاده؛ وماما زينب ربنا يبارك لها ويكرمها هي اللي طلبت إنه يرجع البيت”..
تنهد بعصبية: “ألف سلامة يا ستي؛ بس بردو كان ممكن يقعد في أي مكان تاني؛ ولا يقعد مع اللي سابنا عشانها؛ وبردو عايز أعرف؛ ما حدش قالي ليه؟!”
محاولة تهدئته: “يا حبيبي أنت بقالك كام يوم لسة مسافر؛ أكيد ماما زينب كانت هتقولك بس لما تستقر شوية؛ وبعدين خلاص هو طلق الست التانية دي!”
زياد بدهشة: “أنتِ عمالة تدافعي عنه كده ليه؟! أفهم من كده إنك موافقة على وجوده في البيت.؟!!”
مها بعصبية: “ليه لاء.؟! أبوكم محتاجلكم ومريض وما ينفعش ترموه؛ وبعدين يا زياد أنا عارفة إنك عارف ربنا كويس وحافظ قرآن وعارف إن ربنا وصانا على بر الوالدين حتى لو كانوا إيه؛ إزاي عايز تبقى عاق؟! أنا عزراك بس مش بالطريقة دي.!”
قال بحزن قد ظهر على صوته: “وإيه كمان؟!”
تنهدت مها بشدة ثم قالت: “راجع حساباتك يا زياد؛ وما تنساش حديث رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ﺟﺎءه ﺭﺟﻞ؛ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎﺭﺳﻮﻝﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻦﺃﺣﻖﺍﻟﻨﺎﺱﺑﺤﺴﻦﺻﺤﺎﺑﺘﻲ؟ ﻗﺎﻝ:(ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﺑﻮﻙ)”…
أحس بالخجل من تذكير مها له بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: “صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا هاقفل دلوقتي؛ عن إذنك!”
مها بحزن: “خد بالك من نفسك؛ في رعاية الله”..
-مع السلامة..
(أغلق زياد الهاتف وعيناه تملؤها الدموع؛ تذكر ما فعله والدهم ظل يبكي كثيرا؛ ثم فكر في كلام مها معه الذي أحيا قلبه وأحس بالخوف من ربه أن يعقَّ والده؛ ظل يتذكر والده وهو صغير حتى غفت عيناه ثم غط في النوم من كثرة التفكير والخوف من معصية ربه.)
******************
والد مها: “كنتِ قاسية عليه أوي يا بنتي؛ ما تنسيش إنه في غربة ولوحده؛ أنا مش باتدخل بينكم بس بالهداوة يا بنتي”..
قالت بحزن: “غصب عني والله يا بابا اندفعت؛ بس بكرة بإذن الله هاتصل أتكلم معاه وأعتذر له!”
– ربنا يهديكم لبعض يا بنتي؛ هاقوم أنا أنام بأه.!!
مها بابتسامة: “اتفضل؛ آه صحيح نسيت أقول لحضرتك إن والد زياد رجع من ومريض أوي يا بابا؛ عايزين نبقى نروح نسلم عليه ونشوفه!”
– طبعا يا بنتي واجب بردو؛ نروح بكرة بإذن الله؛ مريض عنده إيه يا بنتي؟!
مها بحزن: “شلل نصفي؛ ربنا يشفيه ويعافيه ويعافينا يا رب”..
– لا حول ولا قوة إلا بالله؛ آمين يا رب؛ خلاص اتصلي استأذنيهم نزورهم بكرة بإذن الله.
-حاضر يا بابا؛ تصبح على خير وصحة وهنا..
والدها بابتسامة: “وأنتِ من أهله يا بنتي”..
(تريد مها أن تكون مثال الزوجة الصالحة التي تكتم أسرار زوجها؛ ولا تفشي سره لأحد..)
******************
والد أسعد: “عمك عامل إيه دلوقتي يا ابني؟”
أسعد: “الحمد لله بأه زي الفل؛ والضحكة مبقتش تفارق وشه”..
والده بفرح: “الحمد لله؛ أنا كده ارتحت أوي؛ ربنا يهدي الأمور بينهم ويصلح الأحوال”..
أسعد: “يا رب يا والدي؛ بس المشكلة دلوقتي في حسناء؛ بتتعامل معاه معاملة جافة أوي!!”
– حسناء دماغها ناشفة زي أبوها بالضبط!! ما تقلقش؛ عمك هيعرف يتعامل معاها كويس؛ ويرجعها تحبه تاني كمان.
أسعد باستغراب: “تحبه.؟!! أكاد أشك يا والدي؛ ده أنا حاسس إنها هتحاول تعمل المستحيل عشان تتطفشه من البيت!!”
والده بابتسامة: “لا ما تقلقش؛ عبد الرحمن ما صدق إنه يرجع البيت؛ ومهما حصل مش هيسيبه أبدا؛ تبقى تطفش هي بأه على بيت عريسها!”
أومأ أسعد رأسه بحزن: “ربنا يسعدها مع اللي يختاره قلبها!”
والده: “آمين؛ ويسعدك أنت كمان يا ابني وتلاقي بنت الحلال عن قريب بأه قبل ما تسافر”.
أسعد : “ادعيلي أنت بس يا والدي إن ربنا يحقق مطلبي؛ أنا بفكر إني مسافرش تاني أصلا!”
والده بدهشة: “إزاي.؟! وشغلك؟!”
أسعد بابتسامة: “أنا معايا مبلغ كويس الحمد لله؛ بافكر أعمل شركة صغيرة استيراد وتصدير؛ ادعيلي أنت بس يا والدي”..
والده: “يا رب يصلح الأحوال ويوفقك يا رب”..
-آمين يا رب..
قال والده وهو يتثاءب: “هاقوم أنام؛ يلا تصبح على خير”..
أسعد بابتسامة: “وحضرتك من أهل الجنة”..
تنهدت بقوة تستنشق الهواء الطلق الذي ينبعث من نافذة غرفتها؛ ما زالت ترى وجه الفتاة؛ يراودها إحساس دائم بالخوف من قسوة قلبها وجحوده؛ دائما تسأل نفسها: “أنا ليه قلبي قاسي أوي كده؟!” زفرت بملل وضيق؛ ثم أغلقت شباك غرفتها وذهبت لسريرها؛ وظلت تدعو ربها أن يغفر تقصيرها وظلت تردد أذكار النوم إلى أن غفت عينها وغطت في النوم فرأت في منامها شيئًا أفزعها كثيرا….
******************
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية المتنقبة الحسناء) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.